|
العربى يكتب عن عتريس الولد المفتون
اشرف عتريس
الحوار المتمدن-العدد: 8250 - 2025 / 2 / 11 - 14:03
المحور:
الادب والفن
الحلم .. والوطن بين صهيل الأنا .. وأنين الجراح عن ديوان ولد مفتون للشاعر أشرف عتريس الشاعر المعجون بالحلم والمتسربل بجراح الوطن، أشرف عتريس يرسم فى كل قصيدة بريشة فنان، ملامح جراح الوطن، بين صهيل الأنا بثوريتها وتعاويذها الخاصة وبين عوامل الانكسارات المتعددة التى تتبقى على خارطة الجراح، أحلام العيال الشقياين، أحلام ولدت وربما تموت فوق الشفاه، لترتفع بنغمة الجراح علو وانخفاضا، وكأن السميفونية اللحنية فى ديوان (عيل مفتون) قصيدة لحنية موجزة لأحلام جيل ممتدد من أعماق التاريخ حتى تاريخنا المعاصر، الثورية الناهضة فى أعماق وروح الأنا/ الشاعر هى ثورية شباب وطن يبحث عن ملامحه، فى وطن ـ ربما ـ ينكر وجوده. يشهد عليا ربي ان الحلم ده أطول من عمرك والأرض دي ما بترحمش الشقيانين ما بتعرفش تفرق بين خطى فوق الجرح بالقدم واللى خطى لجلن يقرب .... يتوزع الديوان على معزفتين لحنيتين ينشدهما شاعر مفتون بالحلم الوطن، ومسكون بحب الشعر والأولياء .. ولعل هذا البعد الصوفي فى الديوان يأخذنا إلى أن حالة العشق للوطن، لا تقل أهمية عن عشق الشاعر للشعر، وإذ أن الشعر بما يحمله من رسالة مشفرة تترجمها المساحة الصوفية المفرودة باتساع الذات لأنا الشاعر وصهيلها الأبدي، نحو العشق والثورة، والحلم، والوطن، وجميع هذه المفردات تدور فى فلك دائرة واحدة توحدها نغمات يعزفها الشاعر، فى ملامح وجوه متعددة من وجوه الوطن، مثل وجوه أبنائه (بلسم، وهناء محمد ) وهما أيضا يمثلان دلاليا زهور هذا الحلم الذى يؤكد حالة العشق من جانب الشاعر لوطنه الذى يحلم به. ولكن الشاعر يراوح بين الحلم المتجسد فى الأبناء وبين الألم القديم الساكن فى أعماق روحه: [١٨/١ ١١:٢٣ م] ش العربي عبدالوهاب: "من امتى الواحد يقدر يتهاون مع نفسه من غير ما يئن على قد السن الرايح على كيفه مش على كيفي .. يلقاني باحسس على كتفك وتطبطب على قلبي نتقابل مع أول ضحكة تضم محمد ابني وبلسم بنتي" هذا التزاوج، برهان التوحد المرتجى بين الوطن الحلم، وبين ضياع سنين العمر رغما عنه، ولا يلتقيان إلا فى ضحكة أبنائه، وهو الضحك البرئ للطفولة التى تتفتح على مجهول يئن بداخل ضلوع وجسد الشاعر المهموم بالوطن. لم تعد القصيدة الحداثية معنية بالقضايا الكبرى، والهزائم الملحمية الكبرى، بل صار الشاعر وطنا فى ذاته، وجسد يمتد بامتداد جسد الوطن، وكيف لا وهو قطعة منه، هو الشريحة التى يمكن القياس عليها، ومن ثم يصبح الحلم الفردي على لسان الشاعر، هو بمثابة حلم المجموع ، ووجعه تجسيدا لأوجاع الوطن، لا فرق بين الذات والموضوع، بين الأنا والمجموع.. لا فرق بين الشكل والمضمون. المحتوى المحرك للوجع، والأنين المتجلي فى ثنايا القصائد دلالات لا حد لها من أوجاع شاعر يعبر عن وجعه الخاص الذى هو محمول على توكيد البعد الدلالي لانكسارات وانهيارات وطن يعيش فيه ويحمله بين جنباته، الأوجاع واحدة. الليل كان صعبان عليه يرحل والقمر مش مبطل عياط ولا نهنه الضنا غالي والوطن بينا بيتعاجب بس الليل خاين والنهار شاهد عيان حتى الأرض بتطرح دود فوق التراب يلقى الدم والخلا خيمة وسكن ... آه يا قلب العيال ... يا متحزم فى قلب الميدان والليل بياكل فيك [١٨/١ ١١:٢٣ م] ش العربي عبدالوهاب: عندما نقرأ إهداء القصيدة (جالك كلامي يا وطن) منذ البداية، نتلمس مرحلة (الربيع العربي)، كما نتلمس منذ العنوان، عتاب شعبي مستقر فى تحقق نتيجة مسبقة، نتيجة معبرة عن وجع الأوقات الحرجة فى مخاض الوطن وثورته. والبديع فى القصيدة أن الشاعر لم يسقط فى نيران المباشرة والفجاجة مثل الكثيرين، بل تمسك بقراءة عميقة للمشهد، قراءة نشعر بها حين قال: (آه يا قلب العيال / يا متحزم فى قلب الميدان والليل بياكل فيك). هل الليل هو تلك الرياح الشتوية العاتية، أم هو الخيانات المترصدة بالعيال؟؟!!، ومن ثم نقرأ تأوهات الشاعر خشية احتمالات غادرة من ليل خائن. القصيدة عند أشرف عتريس لم تتخل عن مهارات وفنيات التشكيل الجمالي، فالأرض تطرح بدلا من الثمار دودا يتغذى على الدم والخلا.. والخلاء هنا بمعنى الفراغ، فراغ القيمة، وتهتك الغطاء من سدنة الحلم وآلهة القهر .. يرصد الشاعر ولادة الحلم من رحم الميدان بتجسيد حالات الخوف والفزع والليل والخيانة، وكيف يسرح الدود ليتغذى على دماء العيال الأبرياء. زي ما ندرت عمرك للناس صدقة وطراوة عود نعناع وعنبر وزعفران مرشوش ـ على ضل يمام مستخبي فى دم غزال مطلوق نواحي الصوت ـ اللى شق السبع خيام زرقا فى طرفة عين بتترجى المدد هنا يخاطب الشاعر أناه بضمير المخاطب/ أنت، ويراقبه فى أحلك اللحظات، لحظة صعود روحه ومفارقتها للجسد، بعدما طلب المدد دون جدوى، وكيف يلقى ذلك المصير، وهو المعجون بمحبة الناس والدفاع عنهم، كيف وهو الذى نذر عمره صدقة للناس، هذا المقطع الشعري مبني على خلفية صوفية، معجونة بـ ( عود نعناع ، عنبر / زعفران مرشوش/ ضل يمام / دم غزال ) هذه اللوحة بمثابة سجادة مفروش فوقها روح الشاعر العاشقة فى مباهج العطاء الصوفي، وعوالم الأولياء، منذ تسطير فتنته الأولى فى عالم الأولياء، وطلب المدد .. فى هذه الأجواء التى انقضى فيها عمر الشاعر فى محبة الناس . [١٨/١ ١١:٢٤ م] ش العربي عبدالوهاب: وهذا هو الملمح الأول فى الديوان، ملمح العشق الصوفي الأبدي، ملمح الفتنة بروح العالم ومورثاته الدينية ومعتقداته الشعبية، العطاء، وطلب المدد والتوسل بالأولياء الصالحين ، وأيضا لا يغفل نفس الطلب من خالق ومالك الجسد والروح، فان استرد الجسد فهو غير منتهٍ، بل صاعد للأبدية، ولذلك نراه فى بداية المقطع السابق يقول: تالت شرخ : فى آخر حلقة بتصعد وتغيب، حل طيرك فك الضيقة وهيأ نفسك للسفر والطلوع لآخر مدى هنا الطلوع بمثابة ارتقاء والغياب فى آخر المدى لا يوازي الموت، بل يؤكد الخلاص من الجسد بمحدوديته، انطلاقا لفضاء أكثر رحابة ومحبة.. إن الشروخ الذى توقف عندها الشاعر فى قصيدة (على غفلة بان المشهد ..) شروخ متعددة رصدها فى ثلاث.. الأوله: " استفتاح وريح ورحا وش الدنيا مقلوب وريحة غضب مكتوم خلا القلق نز - غصب عن عين الطوافين الخالق الناطق شبه الليل القديم ولون الدم اعتمد الشاعر فى افتتاح قصيدته على اللعب الصوتي بحرفي الحاء فى (ريح ورحا) .. ثم ذكر بأن (وش الدنيا مقلوب) وتلاها بصورة شعرية مركبة ، صورة اعتمدت على الرائحة الكاشفة للقلق فى قلب الطوافين، ولأن الطوافين من أصحاب النفوس الطيبة العامرة دوما بالطمأنينة والتسليم بالقدر، ومعنى أن (ينز القلق) رغما عنهم، معناه أن رائحة فاجعة كبرى تحاك فى الظلام الذى رمز له الشاعر بالليل القديم، ليل يفرد أجنحته الخفاشية من أعماق التاريخ، لذلك فهو يستحق وصفه بـ (ليل قديم) وأضاف إليه لون الدم. أما فى الحركة الثانية من نفس القصيدة فيبتدأها بـ ( حجاب وسر موصول وسمحه وباب مفتوح)، الشاعر يرسم بصوره الشعرية الحداثية حاله وحال أمثاله من أحباء الحياة رغم ما يعتورها من ضغوطات منذ الصغر، حيث تآلف هو وأمثاله على هذه الصورة: عيال تتلقى العزا فى أكبر ما ليهم والحزن مخلوط بالخبل زي ما تقول : ناس هدها التعب وقفت تشاور للفرح المهاجر بعيد يمكن تعود الروح وتخلص م الزهق يرصد الشاعر فى الأسطر السابقة مقدار الحزن وعمقه حيث وحد بينه وبين الخبل فى أعلى درجاته، وأن الناس هدهم التعب، وفى صورة فنية فريدة يشخص حالهم كأنهم واقفين على طريق الحياة، يشيرون للحلم الذى هجر حياتهم وأحالهم إلى جسد أرهقته المتاعب، وطال عليه الانتظار، حيث صار جسدا بلا روح، تلك الروح التى تحاول الخلاص من وجودها بالانتماء لعوالم التصوف، وهذا البعد على المستوى الدلالي كناية عن الركون لحالة من حالات الطمأنينة والتسليم للقدر، فى ظل غياب الفعل الثوري، ينتشر الانتماء إلى حالات مثل هذا التدين، والتصوف، واللجوء لعدل أخروي لمجابهة مظالم قابضة عليهم كأنها القدر.. الشاعر يرصد تصاعد الحلم، ويصور إنسان تلك المرحلة من أعماق قناعاته، ورؤاه، ومن خلال ثلاث حركات يؤكد أن (الريح والرحا) اللذين ذكرهما فى البداية هما الممثلان للحظة الراهنة حيث نهوض الفعل الثوري فى مواجهة الليل القديم. ديوان ولد مفتون للشاعر أشرف عتريس يتكئ فى طبقاته العميقة على روح التصوف، وطلب المدد منذ قصيدته الأولى (مقام سيدنا الولي .. برزخ شفاعة للنبي وله كرامات) ولو توقفنا أمام عنوان القصيدة سوف نلحظ مفردة (برزخ) رغم براح العالم الصوفي فى القصيدة وفى روح من يؤمنون بالمدد ويسيرون على دربه.. يظل الارتقاء والصعود والخلاص برزخا لخلاص الروح من معاناة الجسد. ثيمة متأصلة فى الفكر الصوفي، وإيمان راسخ فى الحياة الأخرى منذ الفراعنة. أشرف عتريس يقدم تجربة شعرية قائمة على التشكيل الجمالي، فالأسطر الشعرية تطول أو تقصر، تظل الصورة الشعرية متحكمة فى الانشاء، وممسكة بملامح شاعر، يعاني مثل أبناء جيله من قهر قديم ، ويسعون نحو توكيد الحياة بالفعل الثوري من خلال جماليات القصيدة العامية الحداثية ـــــــــــــــــــــــــــــ بقلم العربى عبد الوهاب هوامـــش • أشرف عتريس ـ ديوان ولد مفتون - شعر عامية
#اشرف_عتريس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جمال الســـينما
-
لن أقول وداعاً - يا لاء
-
سارتر ضد الغباء
-
الفقر كما قيل عنه
-
الظاهرة الكذوب
-
صحايى الملخبطين
-
مسخرة الطفل
-
الشعوب هى التى تنتصر
-
كائنات بشرية ضارة
-
شوية نبطى
-
الشعبى مش بالشكل ده
-
قصيدة العامية فى خطر
-
ويجمع الله بين الشتيتين
-
هلاوس عن السـينما
-
الموسوعى شديد الحساسية
-
رقرشة الجيل الجديد
-
مسرح عتريس - وائل الخطيب
-
اشكالية المصطلحات - علم الدراما تورج
-
هيستريا عتريس
-
ابو النجا يكتب عن عتريس
المزيد.....
-
تحية لروح الكاتب فؤاد حميرة.. إضاءات عبثية على مفردات الحياة
...
-
الكاتب المسرحي الإسرائيلي يهوشع سوبول: التعصب ورم خبيث يهدد
...
-
من قال إن الفكر لا يقتل؟ قصة عبد الرحمن الكواكبي صاحب -طبائع
...
-
أروى صالح.. صوت انتحر حين صمت الجميع
-
السعودية تخطط لشراء 48 فدانا في مصر لإقامة مدينة ترفيهية
-
هل يشهد العالم -انحسار القوة الأميركية-؟ تحليل فالرشتاين يكش
...
-
التمثيل النقابي والبحث عن دور مفقود
-
الفنان التونسي محمد علي بالحارث.. صوت درامي امتد نصف قرن
-
تسمية مصارعة جديدة باسم نجمة أفلام إباحية عن طريق الخطأ يثير
...
-
سفارة روسيا في باكو تؤكد إجلاء المخرج بوندارتشوك وطاقمه السي
...
المزيد.....
-
قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي.
/ رياض الشرايطي
-
خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية (
...
/ عبير خالد يحيي
-
البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق
...
/ عبير خالد يحيي
-
منتصر السعيد المنسي
/ بشير الحامدي
-
دفاتر خضراء
/ بشير الحامدي
-
طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11
...
/ ريم يحيى عبد العظيم حسانين
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
-
عشاء حمص الأخير
/ د. خالد زغريت
المزيد.....
|