اسكندر أمبروز
الحوار المتمدن-العدد: 8245 - 2025 / 2 / 6 - 00:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كنظيراتها من الأنباء الاقتصاديّة, غالباً ما تكون الأخبار المتعلّقة باقتصاد بلداننا العربيّة قابعة في الزاوية المظلمة من مخ اي مواطن عربي, وطبعاً لهذا الأمر عدّة عوامل أهمّها الكوارث التي يشهدها ليل نهار على هاتفه أو تلفازه, ولكن ما يحدث اليوم من وراء الكواليس خصوصاً في بلاد تعمّها الفوضى كسوريا هو في قمّة الخطورة, وعلينا جميعاً أن نعي وأن نكون على درايةٍ تامّة بهكذا أنباء لعل وعسى أن تجتاح هواتف العوامّ من الناس وأن تخلق حالة اجتماعيّة معيّنة ولكن هيهات !
ولكن على أي حال شهدنا اليوم قيام شركة CMA CGM الفرنسيّة بتوقيع اتفاقيّة مع الحكومة السوريّة الجديدة لإدارة مرفأ اللاذقيّة, ولمن لا يعلم فإن تفاصيل علاقة هذه الشركة بسوريا تحتاج الى مقالات عدّة لشرحها ولكن اليكم المختصر المفيد والمتعلّق بخطورة ما يحصل اليوم. فالشراكة بين CMA CGM وسوريا كانت قد بدأت في عام 2009, عندما وقّعت الحكومة السورية اتفاقية للسماح للشركة بإدارة محطة الحاويات في ميناء اللاذقية. كانت هذه الاتفاقية بالغة الأهمية بالنسبة لسوريا, حيث يعد ميناء اللاذقية أحد أهم نقاطها للتجارة الدولية, التي جلبت اليه الشركة خبرتها في مجال الخدمات اللوجستية للشحن العالمي وإدارة الموانئ, بينما اكتسبت سوريا, في ظل نظام الأسد, إمكانية الوصول إلى إمكانيّات الموانئ الحديثة والاتصالات الدولية للشحن.
وقد يتسائل البعض ما المشكلة في كل هذه الاجرائات ؟ والإجابة أو الشيطان يكمن في التفاصيل والخلفيّة التاريخية لما جرى في سوريا قبيل 2009. ففي مقال سابق على الحوار المتمدن كنت قد ذكرت ان تآكل ومن ثم سقوط النظام السوري بدأ منذ عمليّة اغتيال رفيق الحريري وحالة العزلة الدولية والعقوبات التي حلّت على سوريا بسبب ذلك الفعل وأفعال أُخرى لا تقل خطورة ولكنها اقل وطئة وتأثير على الساحة الإقليميّة, التي كان نظام الأسد يتلاعب بها كلعب طفل صغير في اصبع ديناميت! مثل توريد الإرهابيين الى العراق لمحاربة الأمريكان, وغير ذلك وهو ما ذكرته وأكثر تجدونه في رابط للمقال السابق الذكر مرفق بالأسفل.
ولكن دعونا نعود للموضوع الأساسي, فما علاقة اغتيال الحريري وتحوّل النظام السوري الى نظام مارق محارب, بتسليم مقدّرات سوريا للشركة الفرنسيّة ؟ والإجابة هي العقوبات الأمريكية الأوربيّة المشتركة على سوريا في ذلك الوقت أي قبيل 2009, فالعقوبات التي قادت الأسد لمشاركة شركة فرنسيّة عالميّة وتسليم اكثر من نصف ايرادات التجارة من مرفأ اللاذقيّة لهذه الشركة, كانت قد سَحَقت أي فرصة لشركة وطنيّة بتولّي مهام تسيير عمل المرفأ, أي مُنعت عن سوريا في ذلك الوقت من ضمن الممنوعات المشمولة في العقوبات الاقتصادية, أي مواد أو آلات أو تكنولوجيا لها أي علاقة بإدارة وتنظيم وتحديث وحتّى ترميم المرافئ ! حيث تواجدت في سوريا شركات حكوميّة في عهد حافظ الأسد, استطاعت ادارة المرفأ وتنظيمه وتطويره, وعقب وصول بشّار الى السلطة وبعد سنوات قليلة من التخبيص السياسي والأمني, نُسفت هذه الشركات بعقوبات قضت على أي أمل في نجاح سوريا حتّى على الصعيد التجاري.
وهو ما دفع في النهاية بشار الأسد الى تسليم هذه الشركة الفرنسيّة ميناء اللاذقيّة مع حصول الحكومة السورية على نسبة لم أتمكن من الحصول عليها اثناء بحثي شخصيّاً, ولكن وبحسب ما قرأت فالنسبة كانت تقريباً متساوية بين الدولة السوريّة والشركة الفرنسيّة, على أن تتولّى الشركة مناورة العقوبات على سوريا, وتقوم هي ذاتها بتطوير المرفأ وتحديثه وهو ما حدث بالفعل للأمانة.
وعلى ضوء ما جرى في سوريا بعد 2009 من حرب أهليّة طاحنة وزيادة العقوبات الاجنبيّة على النظام السوري, اصبح من غير المعقول ان تربح الشركة من هذا الاتفاق مع الاسد, وبنائاً على ذلك في عام 2024 قامت بإعادة صياغة الصفقة, مع حصولها على أرباح أعلى من السابق وحصول سوريا على جزء أصغر من التجارة التي تستحق الدولة السورية والشعب السوري كامل ثمارها على عكس الواقع المزري هذا.
ولكن اليوم وعقب سقوط النظام, وجَدَت الشركة نفسها في اتفاقيّة مع طرف اختفى من الوجود ألا وهو الدولة السوريّة, ولذلك قامت اليوم بإبرام اتفاقيّة جديدة على نفس الأُسس وبنسبة مختلفة نوعاً ما لصالح الطرف الآخر, وهو الذي يقودنا الى المشكلة الأكبر في رأيي. وهي أن هذه الشركة لا تزال تتعامل مع عقوبات قائمة على سوريا, والتي تم تخفيفها لمدّة أشهر معدودة وربما يتم اعادة تفعيلها على ضوء ما يجري من مشاكل وانتهاكات من قبل الحكومة الداعشيّة في سكّان الساحل السوري والمنطقة الوسطى, وهو الذي سيعيدنا الى ذات الحال مع نظام الجحش المخلوع قبيل سقوطه من بيع مطلق لمقدّرات الدولة, وهو ما يقودنا لعدّة تساؤلات أهمّها...
لماذا هذه السرعة في اجراء الاتفاقيّة مع حكومة مؤقّتة لا تملك الحق الدستوري في ابرام صفقات مستدامة ؟ لماذا هذه السرعة في اتفاق وتلاق للمصالح مع جماعة ارهابيّة لا تزال تقبع على رؤوس السوريين وبحجّة وجودهم تستمرّ العقوبات الاقتصاديّة, التي فتحت المجال أمام هكذا صفقات مشينة واستغلاليّة منذ بداية هذه المسخرة مع بشار الأسد ونظامه ؟ من الذي وقّع على هذه الاتفاقيّة من الطرف السوري ؟ ولا أعني وزيراً أو مبعوثاً من قبل الجولاني, أعني من هو الطرف الرابح الآخر غير شركة CMA CGM ؟ كيف لنا اليوم أن نعلم كسوريين ما إن كانت هذه الأموال ستذهب للشعب ولإعادة الإعمار أم لجيوب الإرهابي الجولاني الذي سرق محاصيل الزيتون الادلبي ؟ ما هي الأداة المستعملة اليوم لمراقبة هذه العصابة ؟ ومن يمكنه أن يتأكّد أو يُسائل أو يدقق مع هكذا منظومة ارهابيّة مستبيحة للبلاد ؟ ما الفرق بين مافيا الأسد ومافيا الجولاني ؟؟؟
في واقع الأمر لا فرق على الإطلاق, وهذا الخبر سيأتي ورائه أخبار وأنباء ستسقط على آذان السوريين دون أي حراك يُذكر, فمن الذي سيهتم بالسياسة الاقتصاديّة واللعب على المستويات الثقيلة, أثناء معاناته الجوع والفقر والبرد والبطالة ؟ من الذي سيهتم حتّى من الاغنياء والنخب لهكذا صفقات مشبوهة وغيرها قادم, مع جماعة ارهابيّة مستبيحة للأرض ؟ هل هم من هلل للجولاني وسارع للعق حذائه فور وصوله لدمشق ؟ باختصار الشعب سيُنهب وسيكون سعيداً بذلك, وكيف لا وهو يعيش حالة تخدير مطلق بأفيون الاسلام السياسي ؟ سبق وأن قلتها وسأكررها هنا, جريمة بشّار الأسد الوحيدة بالنسبة لهكذا شعب هي كونه علويّاً.
المصادر:
https://shorturl.at/KZM0i (www.sanctionsmap.eu)
https://ofac.treasury.gov/sanctions-programs-and-country-information/syria-sanctions
https://shorturl.at/iYEk7 (reuters.com)
رابط لمقالي المذكور أعلاه :
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=851027
#اسكندر_أمبروز (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟