الإرادة الفلسطينية: انتصار رغم الحصار

خالد خليل

الحوار المتمدن-العدد: 8228 - 2025 / 1 / 20 - 14:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

‎

‎في خضم المآسي والصراعات، يُطل مشهد المقاومة الفلسطينية من غزة كنموذج فريد لإرادة لا تنكسر. ومع الإعلان عن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، قال جنرال إسرائيلي: "غزة انتصرت، وحماس انتصرت". هذا التصريح، الصادر عن الطرف الآخر في المعادلة، يحمل في طياته اعترافًا غير مباشر بحقيقة صمود الإرادة الفلسطينية أمام أعتى أشكال العدوان والحصار.

كيف انتصرت الإرادة الفلسطينية؟

1. الصمود تحت الحصار: يعيش أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة تحت حصار خانق منذ أكثر من 16 عامًا، يعانون من نقص في الموارد الأساسية وقيود على حرية التنقل والحركة. ومع ذلك، لم يستطع هذا الحصار كسر إرادة الشعب الفلسطيني، الذي أبدع في مواجهة التحديات بمبادرات ذاتية وشبكات دعم مجتمعي. الحصار كان أداة لكسر الروح، لكنه فشل في تحقيق هدفه.
2. العمل العسكري المنظم: كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، أظهرت على مدار السنوات تطورًا عسكريًا مذهلًا في ظل موارد شحيحة. تطوير الصواريخ والطائرات المُسيّرة، وابتكار وسائل مقاومة جديدة، كل ذلك يعكس عزيمة لا تعرف الحدود. هذا التطور الميداني جعل الاحتلال يعيد التفكير في تكتيكاته، وأثبت أن الفلسطينيين قادرون على صنع معادلات جديدة، رغم كل العقبات.
3. المفاوضات بقوة المقاومة: تبادل الأسرى الأخير يُعدّ انتصارًا للإرادة الفلسطينية. فمجرد جلوس الاحتلال الإسرائيلي على طاولة التفاوض مع فصائل المقاومة دليل على أن اللغة الوحيدة التي تُفهم في هذا السياق هي لغة القوة. إن إخراج الأسرى الفلسطينيين مقابل الجنود الإسرائيليين والأسيرات يعكس قدرة المقاومة على فرض شروطها.
4. الالتفاف الشعبي: رغم كل محاولات الاحتلال لزرع الشقاق الداخلي، بقي الشعب الفلسطيني ملتفًا حول المقاومة. هذا الالتفاف الشعبي، الذي يتجلى في المظاهرات الداعمة والصبر على التضحيات، يُعتبر من أبرز مظاهر الانتصار، لأن أي حركة مقاومة لا يمكنها الصمود دون حاضنة شعبية قوية.

الظهور العسكري لكتائب القسام: رسالة تتجاوز السلاح

‎أثناء تسليم الأسيرات الإسرائيليات، ظهر مقاتلو كتائب القسام بزيهم العسكري الكامل وسلاحهم بأيديهم، في مشهد يحمل دلالات عميقة:
1. السيادة على الأرض: هذا الظهور العسكري يؤكد أن المقاومة الفلسطينية ليست فقط قوة رمزية، بل هي سلطة على الأرض قادرة على فرض شروطها وإدارة العمليات بكل حنكة وتنظيم.
2. استعراض القوة والانضباط: الرسالة كانت واضحة: "نحن هنا، أقوياء ومنظمون". الاحتلال الذي يحاول تصوير الفلسطينيين كجماعات مشتتة أو غير قادرة على تحقيق أي إنجاز، واجه حقيقة مغايرة: مقاومة تمتلك قيادة وعقيدة وانضباطًا عسكريًا.
3. رسالة إلى الداخل والخارج: إلى الداخل الفلسطيني، أكد هذا المشهد أن المقاومة قادرة على حماية حقوق الشعب الفلسطيني والدفاع عنها. أما إلى الخارج، فقد كان ظهور القسام رسالة إلى المجتمع الدولي بأن الشعب الفلسطيني لديه قوة تُحسب لها ألف حساب.
4. تحطيم الصورة النمطية: يحاول الاحتلال دائمًا تشويه صورة المقاومة الفلسطينية. الظهور المنظم لمقاتلي القسام يعكس عكس ذلك تمامًا: مقاومة تلتزم بالقيم والمبادئ، وتحترم الاتفاقيات حتى مع عدوها.

انتصار الإرادة: المعاني والدروس

‎إن وصف "الانتصار" هنا لا يعني تحقيق الفلسطينيين لحلم الدولة المستقلة وإنهاء الاحتلال، بل يتعلق بانتصار الإرادة على محاولات الإذلال والكسر. غزة، التي تحولت إلى رمز عالمي للصمود، أثبتت أن الشعب الذي يحمل قضية عادلة وقوة إرادة يستطيع أن يقلب موازين القوة.
1. القضية الفلسطينية ما زالت حية: يحاول الاحتلال ومن يدعمه طمس القضية الفلسطينية في الوعي العالمي. ولكن كل جولة مقاومة، وكل صفقة أسرى، تُعيد هذه القضية إلى الواجهة، وتثبت أن الشعب الفلسطيني لن يتخلى عن حقوقه.
2. المقاومة وسيلة ضغط فعالة: أثبتت جولات الصراع الأخيرة أن المقاومة، رغم الحصار والتحديات، تمتلك القدرة على إجبار الاحتلال على تقديم تنازلات. هذا يبعث برسالة إلى الأجيال القادمة بأن التمسك بالمقاومة هو السبيل لتحقيق الحقوق.
3. وحدة الهدف: رغم التباينات السياسية بين الفصائل الفلسطينية، فإن وحدة الهدف في مواجهة الاحتلال تُعدّ عاملًا أساسيًا في استمرار القضية. هذا الانتصار يُظهر كيف يمكن لتكاتف الجهود أن يؤدي إلى نتائج ملموسة.

الخاتمة: إرادة لا تُهزم

‎الاعتراف الإسرائيلي بانتصار غزة ليس مجرد تصريح عابر، بل هو إقرار بحقيقة أن إرادة الشعب الفلسطيني أقوى من كل أساليب القمع والحصار. المقاومة الفلسطينية أثبتت أنها قادرة على تغيير قواعد اللعبة، ليس فقط عسكريًا، بل أيضًا سياسيًا وشعبيًا.
‎الرسالة التي يجب أن تصل إلى كل حر في هذا العالم هي أن العدل والانتصار لا يُقاسان فقط بالقوة العسكرية، بل بالإرادة التي لا تُقهر. غزة انتصرت لأنها لم تخضع، وحماس انتصرت لأنها حملت لواء المقاومة، والشعب الفلسطيني انتصر لأنه اختار الصمود حتى التحرير.

#خالد_خليل (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات