مفهوم الحرية وحدودها في المجتمعات الحديثة

محفوظ بجاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8210 - 2025 / 1 / 2 - 14:07
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

الحرية، تلك القيمة العظيمة التي شغلت عقول الفلاسفة وأثارت جدلًا واسعًا في المجتمعات على مر العصور، تُعد من الحقوق الأساسية التي ينشدها الإنسان منذ الأزل. ولكن، إلى أي مدى تُمارس الحرية بشكل كامل؟ وما هي حدودها في ظل تعقيدات المجتمعات الحديثة؟
الحرية: حق طبيعي أم مكتسب؟
منذ الفيلسوف "جون لوك" وحتى "جان بول سارتر"، تُعرَّف الحرية بأنها القدرة على الاختيار دون إكراه خارجي. لكن في المجتمعات، تُصبح الحرية مقيّدة بحدود لا مفر منها. القوانين، القيم الاجتماعية، والمصالح العامة، كلها عوامل تؤطر الحرية، مما يجعلها أكثر تعقيدًا من كونها مجرد حق مطلق.
التوازن بين الحرية والمسؤولية
الحرية المطلقة قد تؤدي إلى الفوضى، بينما يؤدي التقييد المفرط إلى القمع. هنا يأتي التحدي الكبير: كيف نحقق توازنًا يحفظ للفرد حريته دون المساس بمصلحة المجتمع؟
على سبيل المثال، تُثار تساؤلات مثل:
هل للفرد الحق في التعبير المطلق، حتى لو كان رأيه ينشر الكراهية؟
هل يمكن تقييد حرية الفرد من أجل حماية الأمن العام؟
الحرية الفردية مقابل المصلحة العامة
من أبرز الإشكاليات التي تواجه المجتمعات الحديثة هو هذا الصراع المستمر بين ما يريده الفرد وما يحتاجه المجتمع.
في جائحة عالمية، رأينا كيف أصبح رفض البعض للقاحات أو إجراءات الحماية أزمة اجتماعية، حيث تعارضت حرية الفرد مع صحة الجماعة.
في قضايا التعبير، تتزايد الدعوات لتقييد الخطاب الذي ينشر التفرقة والكراهية.
هنا يبرز السؤال: هل حماية المصلحة العامة تعني التضحية بالحرية الفردية؟
فلسفيًا: الحرية والاختيار
يرى "جان بول سارتر" أن الإنسان "محكوم عليه بالحرية"، بمعنى أنه مسؤول تمامًا عن قراراته وما يترتب عليها.
بينما يعتقد "إيمانويل كانط" أن الحرية الحقيقية تكمن في الالتزام بالقيم الأخلاقية التي تخدم الفرد والمجتمع معًا.
ما الذي يجعل الحرية "عادلة"؟
الحرية العادلة هي تلك التي تحترم كرامة الجميع. هذا يعني أن حريتي تنتهي حيث تبدأ حرية الآخر. مجتمع يقوم على الاحترام المتبادل والمساواة هو القادر على تحقيق توازن بين الحرية الفردية والجماعية.
الواقع الاجتماعي: تحديات مجتمعاتنا
للأسف، لا تزال العديد من المجتمعات تُعاني من عقلية ترى الحرية تهديدًا. كثير من الذكور، على سبيل المثال، يخافون من المرأة الواثقة والمثقفة، معتبرين أن مكانها هو التبعية المطلقة. هذه النظرة القاصرة ليست فقط ظلمًا للمرأة، بل عائقًا أمام تطور الأسرة والمجتمع.
نحو أسرة ومجتمع متوازن
غياب التفاهم والاحترام بين الطرفين يؤدي إلى ارتفاع معدلات الطلاق وعزوف الشباب عن الزواج. بناء أسرة متوازنة يتطلب شراكة حقيقية قائمة على الحب، الاحترام، والتفاهم، حيث تُحترم كرامة الجميع، وتُمارَس الحرية ضمن إطار من المسؤولية.
أسئلة للتأمل
1. هل يمكن تحقيق حرية كاملة في ظل قوانين المجتمع؟
2. متى تتحول الحرية إلى أنانية؟
3. كيف يمكننا كأفراد ومجتمعات أن نعيد تعريف الحرية بشكل يخدم الجميع؟
في النهاية، الحرية ليست حقًا فرديًا فحسب، بل مسؤولية مشتركة. فإذا ما أدرك كل فرد أن حريته مرتبطة باحترامه لحرية الآخرين، فإننا نقترب من بناء مجتمع متوازن يُعلي من قيمة الإنسان وكرامته.

#محفوظ_بجاوي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات