تابع للمقال السابق/ إسراف وسنة سيئة

رحمة يوسف يونس

الحوار المتمدن-العدد: 8150 - 2024 / 11 / 3 - 00:47
المحور: قضايا ثقافية
    

ميل الإنسان نحو إشباع رغباته المادية بمبالغة وتكلف واتباع الموضة في كل شيء من ملابس وطعام ونمط حياة وكل ما له علاقة بالشكليات يدل على محاولته لإثبات مكانته الاجتماعية، فيفعل ذلك ليتميز على الآخرين أو يقلدهم كي يصير مثلهم ويحمي نفسه من الانتقاد، وهذا كله نتيجة الفراغ الروحي والشعور بالنقص والرغبة في تحقيق الذات، فمن المعروف أن في الانسان فراغًا روحيًا ولا يمكن ملؤه إلا بالإيمان بالله تعالى والعبادات التي يتقرب بها منه، وهذا بالدرجة الأولى، وأيضًا يمكن ملؤه بالقراءة وبممارسة الاهتمامات والهوايات، وبما أن نظام الرأسمالية الذي هو في منافسة اليوم مع القيم التي تدعو إليها الأديان ليثبت قيمته وهي النزعة الاستهلاكية والمزيد من الربح، فهو يحاول إبعاد الناس عن الأديان وذلك بتشويهها والتشكيك فيها كما نرى اليوم من محاولات إلى ذلك، أو إشغال الناس عنها بالعمل وبصراعاتهم مع صعوبات الحياة ولكي لا يتسنى لهم الوقت للقراءة والتفرغ لاهتماماتهم، فتبقى النزعة الاستهلاكية والبحث عن الشكليات هي ما يملؤون بها فراغهم الروحي، فهي تحقق متعة مؤقتة وتزول ليبحثوا عن متعة أخرى، وهذا ما نراه اليوم من إدمان على الشكليات ومبالغة فيها كطقوس مناسبات الأفراح والعزاء، وتباهي كثير من النساء بازيائهن وحقائبهن وأحذيتهن حتى على وسائل التواصل، وبالسيارة والمطعم والسفرات السياحية..إلخ
أذكر أني قرأت للكاتبة إليف شفق سيرتها الذاتية، ذكرت فيها أنها لا تحب طقوس الزفاف وأنها لم ترتدي الفستان الأبيض يوم زفافها وارتدت فستانًا أسود لأنه لونها المفضل، دهشت حينها من صلابة إرادتها، وأرى أنها ما فعلت ذلك إلا لاشباعها الروحي الذي أدى بها إلى أن تؤمن بأن قيمتها لا تحددها المظاهر إطلاقًا، وأن الانسان يمكنه ان يتخلى عن الطقوس الشكلية المجتمعية دون أن تتزعزع قيمته بنفسه.
الاهتمام بالشكليات ليس سلبيًا، بل هو مطلوب، لكن حين يكون مبالغًا فيه وحين يكون هو الهدف فإنه يدل على الذات الفارغة والقلقة التي تبحث عن الطمأنينة بأي وسيلة كانت، يمكن للإنسان أن يقلل من وطأة المظاهر والشكليات بإشباع فراغه الروحي بإيمان صادق وتقرب حقيقي من الله تعالى، وبالاهتمامات المعنوية من قراءة وممارسة هوايات وغيرها، ليشبع حاجاته الروحية، وليحقق التوازن بين رغباته المادية والمعنوية.

#رحمة_يوسف_يونس (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل