وباء الاستهلاك

رحمة يوسف يونس

الحوار المتمدن-العدد: 8139 - 2024 / 10 / 23 - 12:05
المحور: قضايا ثقافية
    

من آفات عصرنا الحديث الاستهلاكية والمادية والتكلف والمبالغة في ذلك، لا أنكر أني في فترة ما كنت أستهلك أشياء ليست ضرورية، واشتريتها فقط لأنها أعجبتني ولست بحاجة إليها، لكني مع مرور الوقت وجدت تكدس الكثير من الأشياء غير الضرورية في بيتي، وصرت أشعر بالملل والضيق منها. ووجدتني كلما أتخلى عن الأشياء التي لا أحتاجها أشعر براحة، وكلما كان المكان فيه أشياء أقل أكون أكثر سكينة وراحة.
الشيء الذي أعانني على السيطرة على نفسي وأن السلع المعروضة لم تعد تغريني هو تغيير مفاهيمي نحو شراء الأشياء، وهو أن أبحث عما أحتاجه فعلًا، وعما هو حي أو فيه روح. فلم تغرني السلع اللامعة الثمينة في المولات مثل قوارير وگرنتي مول ودولاري وغيرها، فأجدها جامدة لا حياة ولا معنى فيها حتى إن بدت جميلة وجذابة في الظاهر، وحين أدخل إلى المولات تلك أشتري ما أحتاجه فقط، ولا أسرف مالي في شراء أشياء لا أحتاجها، ولا أتحسر عليها إن لم أكن أملك المال. وما عزز قدرتي على ذلك قراءتي لكتاب فن البساطة للكاتبة دومينيك لورو، فهي تدعو إلى حياة البساطة والزهد على الطريقة اليابانية، ولا يعني البساطة هو حرمان النفس من الجمال والترتيب، وإنما بترتيب الأولويات والحصول على القليل من كل شيء وذلك يجعل للأشياء قيمة، كلما كنا نملك القليل سنستمتع به ونحاول الحفاظ عليه، والجمال لا يكون بالكثرة التي تسبب صخبًا في المكان وتعطي راحة مزيفة للروح. في علم النفس الفوضى وزحمة الأشياء وكثرتها، تؤثر في طريقة التفكير والحالة المزاجية للفرد وتزيد من القلق والكآبة.
وكثيرًا ما ألحظ في مجتمعنا الاهتمام بالزخارف في التصميم الداخلي للبيوت، يظهر لي أحيانًا صور بيوت معروضة للبيع في مواقع التواصل، كثير منها ممتلئة بالزخارف سقوفها وأرضياتها وحتى الجدران، أو هناك من يضع السيراميك على جدران الغرف وهو مخصص في الأصل للمطابخ ودورات المياه! وكذلك الأمر في ترتيب الأثاث والمقتنيات، وكأنه لابد من أن نملأ كل الحيطان بالصور وأن نملأ كل أركان المكان بالأشياء من أثاث أو مزهريات، ثقافة مجتمعنا هي من ساعدت على تفشي وباء الاستهلاكية هذا، فثقافتنا في الترتيب هي الكثرة والزحمة وشراء المزيد وكل ما هو جديد، أعرف أن للإنسان ميوله وذوقه، وهو حر في ذلك، لكن علينا مراعاة ما يناسب قواعد التصميم الداخلي العامة والتي وضعت لما يبعث في النفس من راحة وسكينة.
الثراء والغنى لا يعني أن نملأ بيوتنا بالأشياء ونكدس فيها السلع، والجمال لا يعني أن نشتري أثمن وأحدث ما يعرض في السوق، الجمال هو البساطة بما يناسب أذواقنا والتي تبعث فينا الراحة الحقيقية.

#رحمة_يوسف_يونس (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل