أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد خليل - مسارات أزلية خارج الزمن ( رواية مكثفة )















المزيد.....



مسارات أزلية خارج الزمن ( رواية مكثفة )


خالد خليل

الحوار المتمدن-العدد: 8140 - 2024 / 10 / 24 - 14:28
المحور: الادب والفن
    


الفصل الأول: العالم الخاضع للنظام

في المستقبل القريب، كان العالم قد تحول إلى مدن مترامية الأطراف، متشابكة، حيث لم يعد الزمان والمكان يعبران عن معنى حقيقي. في هذه المدن، كانت التكنولوجيا تحكم كل جانب من حياة الناس، بقبضة من حديد لا يمكن الإفلات منها. لم يكن هناك ضوء يلمع إلا بإذن النظام، ولم يكن هناك فكر يولد إلا تحت ظله.
"النظام الموحد للعقول" أو ما كان يُعرف بـ"ن.م.ع"، كان الشريان الذي يمد الجميع بالطاقة، لكنه في ذات الوقت يأخذ منهم حريتهم. هذا النظام التكنولوجي المتقدم زرع في رؤوس الناس أجهزة صغيرة تتحكم في أفكارهم ومشاعرهم، كانت تمنع الأحلام وتعيد توجيه أي فكرة تمرد قبل أن تُولد. الناس كانوا يعيشون في حالة من الطاعة المطلقة، لا يعرفون شيئًا عن الحلم، ولا يشعرون بالحاجة إلى الحرية. كل فرد كان متصلًا بالنظام، الذي يمنحه حياة مريحة، لكنها فارغة من الإبداع والإرادة.
في أحد أحياء المدينة الضخمة التي لا نهاية لها، كان يعيش "آدم". شاب في منتصف الثلاثينات، يعمل مبرمجًا في شركة تابعة للنظام. عمله اليومي كان بسيطًا ومنظّمًا بشكل مُحكم. يدخل إلى المكتب في تمام الساعة الثامنة صباحًا، يجلس على مكتبه، يفتح حاسوبه، ويمارس مهامه المبرمجة بعناية. لم يكن يشعر بالملل، ولم يكن يشعر بالسعادة أيضًا. كان يعيش حياة رتيبة، خالية من المفاجآت أو الخوف، تمامًا كما أرادها النظام.
لم يكن آدم يختلف عن غيره من آلاف الموظفين في المدينة. مظهره متناسق، ابتسامته حيادية، وعيناه تعكسان برودًا حادًا لا يعكس شيئًا من الداخل. لكنه كان يشعر، في أعماق روحه، بفراغ لم يكن قادرًا على تفسيره. هناك شيء ما كان مفقودًا. لم يكن يعرف ما هو، ولم يكن قادرًا على أن يسأل نفسه السؤال. النظام كان يمنع هذه التساؤلات، ويعيد توجيه أي تفكير قد يشير إلى الخروج عن القواعد المرسومة.
في إحدى الليالي، وبعد يوم طويل من العمل، عاد آدم إلى منزله الصغير. كانت الشقق في هذا العالم صغيرة ومضبوطة هندسيًا. كل غرفة تحتوي على أثاث موحد، جدرانها بيضاء باردة، وأجهزة التحكم الشخصي تحيط بها من كل جانب. جلس على الأريكة، وأغلق عينيه. كانت هذه لحظة الراحة الوحيدة التي يسمح بها النظام قبل أن يأمر الجميع بالنوم عبر الإشارات العصبية. في هذا اليوم، شعر آدم بتعب غير عادي. شيء ما كان مختلفًا.
عندما أغلق عينيه تلك الليلة، شعر بشيء غير مألوف. وجد نفسه في مكان آخر، مكان لم يره من قبل. كان يقف في صحراء واسعة، والرمال تحت قدميه كانت تتلألأ تحت شمس مشرقة. شعر بالحرارة تسري في جسده، لكن بطريقة مريحة. رفع رأسه، فرأى أمامه مدينة قديمة تلوح في الأفق، بأبراجها العالية ومساجدها المزينة بالخط العربي. كان الجو هادئًا، لكنه كان يحمل في طياته شيئًا من العظمة والجلال.
"ما هذا المكان؟" تساءل في نفسه، لكنه لم يتوقع إجابة. كان قد تعلم طوال حياته ألا يسأل. الأسئلة كانت خطيرة. لكنها كانت هناك، في عقله، رغماً عنه. وبينما كان يقف في هذا المشهد الخلاب، سمع صوتًا يأتي من خلفه، صوتاً قوياً، لكنه هادئ، يحمل في طياته الحكمة.
"أهلاً بك، يا آدم."
استدار آدم ببطء، فرأى رجلاً يقف على بعد خطوات منه. كان يرتدي ثيابًا عربية قديمة، عباءة تتماشى مع لون الرمال، وعمامة تغطي رأسه. عيناه كانتا حادتين، تلمعان بحكمة تجسدت عبر الزمن. لم يكن غريبًا، لكن آدم لم يره من قبل.
"من أنت؟" سأل آدم بحذر.
ابتسم الرجل ابتسامة خفيفة، وقال: "أنا زيد. جدك الأكبر."
دهش آدم، وشعر بأن قلبه يخفق بشدة. جد؟ كيف يمكن أن يكون هذا الرجل جده؟ لم يعرف آدم شيئًا عن أجداده. في هذا العالم، لم تكن هناك عائلات حقيقية، فقط الأفراد الذين ينتمون إلى النظام. كان الجميع جزءًا من كيان موحد، بلا تاريخ شخصي أو روابط عائلية.
"هذا مستحيل..." تمتم آدم، لكنه لم يستطع الابتعاد عن هذا الرجل. كان هناك شيء يجذبه، شيء في عمق عينيه يجعله يصدق، رغم كل ما تعلمه في حياته.
ابتسم زيد مرة أخرى وقال: "ليس هناك شيء مستحيل في الأحلام. لكننا لا نحلم فقط للمتعة، بل للحكمة. ما تراه الآن هو ماضيك، ماضي أمتك. وكل ما تراه هنا يحمل في طياته دروسًا لم تعرفها بعد."
صمت آدم للحظة، ثم سأل: "لماذا أنا هنا؟ ماذا تريد مني؟"
أجاب زيد بصوت عميق: "أنت من يجب أن يسأل نفسه هذا السؤال. أنت هنا لأنك بدأت تدرك أن هناك شيئًا مفقودًا في حياتك، شيئًا لم يكتشفه غيرك. الأحلام كانت محظورة لزمن طويل، لأن النظام يعلم أن من يحلم، يصبح حرًا."
"حر؟" قال آدم بتردد.
"نعم، الحرية تبدأ من هنا، من الحلم. النظام لا يمكنه التحكم في ما يحدث هنا، ولا يمكنه منعك من أن تتعلم من أجدادك. أنت الشخص الذي سيبدأ رحلة جديدة لاستعادة ما فقدته الأمة."
نظر آدم إلى السماء، ثم إلى الرمال التي تحت قدميه، وفكر في كل ما قيل له. هل يمكن أن يكون حقًا جزءًا من شيء أعظم مما يعرفه؟ هل الأحلام هي مفتاح التحرر؟
قبل أن يتمكن من الإجابة على هذه الأسئلة، بدأ كل شيء يتلاشى من حوله. الصحراء، المدينة القديمة، زيد... كل شيء كان يذوب ببطء في الظلام. وفجأة، استيقظ في غرفته الباردة، يلهث، وقلبه ينبض بقوة.
كان هذا أول حلم له منذ سنوات، وربما أول حلم حقيقي في حياته.



الفصل الثاني: شرارة التمرد

استيقظ آدم في صباح اليوم التالي محاطًا بصمت مهيب، غير مألوف. كان يشعر بشيء مختلف، وكأن ثقلًا غير مرئي قد أُلقي على كتفيه. جلس على طرف سريره، يمسح عينيه ببطء، محاولًا استيعاب ما حدث في الليلة السابقة. حلم؟ هل كان مجرد حلم؟ لكن هذا الحلم لم يكن كأي حلم مر به في طفولته المبكرة، بل كان واقعيًا جدًا، حيًا بطريقة لا يمكن للنظام أن يتحكم فيها أو يفسرها.
"زيد؟" تمتم بصوت خافت، مستحضرًا وجه الرجل الذي ادعى أنه جده الأكبر. لكنه لم يكن يعرف أحدًا باسم زيد في حياته. تذكر كيف أخبره زيد أن الأحلام هي بداية الحرية. تلك الكلمات كانت تتردد في ذهنه بشكل غريب، وكأنها بذرة زرعت في أرض لم يكن يتوقع أن تنبت فيها فكرة تمرد.
في طريقه إلى العمل، لم يكن آدم قادرًا على التخلص من الشعور الغريب الذي يسيطر عليه. مشى في الشوارع المزدحمة، حيث وجوه الناس الباردة تعكس نفس الروتين الممل اليومي. كل شيء كان يبدو ميكانيكيًا؛ السيارات تسير في خطوط مستقيمة، الناس يسيرون دون أن يتحدثوا، العالم يسير كآلة بلا مشاعر. لكنه الآن كان يرى شيئًا مختلفًا. هل كان كل شيء يبدو مصطنعًا دائمًا، أم أن عينيه قد تغيرتا بعد الحلم؟
عندما وصل إلى مكتبه في الشركة، جلس أمام حاسوبه. كان العمل سهلًا بالنسبة له، لا يتطلب تفكيرًا عميقًا، مجرد تنفيذ للأوامر التي يتلقاها من النظام. لكن هذا اليوم، لم يكن بإمكانه التركيز. تكرار صور الحلم كان يعيده إلى تلك الصحراء الواسعة، والمدينة القديمة، والرجل الغامض.
أخذ نفسًا عميقًا وقرر أن يبحث. النظام كان يتحكم بكل شيء، لكنه أيضًا كان أداة قوية للحصول على المعلومات. بدأ آدم بكتابة كلمات بسيطة على حاسوبه: "زيد، المدينة القديمة، الأحلام، الحرية". لم يكن يتوقع أن يجد شيئًا، فالنظام كان يتحكم في المعلومات ويحد من إمكانية الوصول إلى أي شيء قد يشير إلى الماضي.
لكن المفاجأة كانت صادمة. على الشاشة، ظهرت أمامه سلسلة من الرموز والمعلومات المشفرة. كانت هذه البيانات تتحدث عن "الثورة الخفية"، مجموعة سرية من الأفراد الذين تعلموا كيفية الهروب من سيطرة النظام عبر الأحلام. "زيد" كان أحد القادة الذين استطاعوا مقاومة النظام قديمًا، قبل أن يتم القضاء على معظم أفراد المجموعة.
قرأ آدم بعناية. القصة تحدثت عن مجموعة من الأشخاص الذين عاشوا خارج النظام، في أماكن سرية مخفية عن عيون التكنولوجيا. كانوا يستخدمون الأحلام كوسيلة للاتصال ببعضهم البعض وتبادل الأفكار والمعرفة، بعيدًا عن مراقبة النظام. الحلم، حسب تلك المعلومات، لم يكن مجرد ظاهرة بيولوجية، بل بوابة إلى عالم آخر، عالم يتحدى حدود الواقع الذي فرضه النظام.
ارتجف جسد آدم، لكنه شعر بإثارة غير معتادة. هل هذا هو ما كان يبحث عنه؟ هل كان الحلم الذي رآه هو دعوة للانضمام إلى تلك الثورة الخفية؟
في ذلك المساء، عندما عاد إلى منزله، لم يكن قادرًا على الجلوس بهدوء. بدأ في تحليل كل ما وجده في الصباح. كيف تمكن هؤلاء الأشخاص من الحفاظ على سرية وجودهم؟ وكيف تمكن زيد من الاتصال به عبر الحلم؟
وفي لحظة من الشجاعة، قرر أن يفعل شيئًا لم يكن ليفكر فيه من قبل. قام بإطفاء جهازه الشخصي، وهو الجهاز الذي كان يراقب جميع حركاته وأفكاره. كان يعلم أن النظام سيتحقق من غيابه عن الاتصال قريبًا، لكن شعورًا بالتحرر تملكه وهو يفعل ذلك. لأول مرة منذ سنوات، شعر وكأنه يمتلك قراره الخاص.
في تلك الليلة، وبعد ساعات من التفكير المضني، استلقى على سريره وأغمض عينيه، محاولًا استدعاء الحلم مرة أخرى. كان يأمل أن يرى زيد، أن يفهم المزيد، أن يعرف ما يجب عليه فعله.
وما هي إلا دقائق حتى شعر بشيء غريب يحدث. هذه المرة، لم يكن الحلم يبدأ ببطء كما في الليلة السابقة. كان الانتقال مفاجئًا وقويًا. فتح عينيه ليجد نفسه مرة أخرى في الصحراء. لكن هذه المرة، لم يكن وحيدًا.
كانت هناك مجموعة من الأشخاص تقف على مسافة منه. كانوا يرتدون ملابس بسيطة، وجوههم تحمل آثار التعب والمشقة، لكن عيونهم كانت تلمع بحيوية وذكاء. ومن بينهم، رأى زيد، يقف في منتصفهم، يبتسم تلك الابتسامة الغامضة التي لا يمكن تجاهلها.
"كنت أعرف أنك ستعود،" قال زيد بصوت مليء بالثقة. "أنت مستعد الآن."
تقدم آدم نحو المجموعة، وقلبه ينبض بسرعة. "ما الذي يحدث هنا؟ من أنتم؟"
أجابه زيد بصوت هادئ: "نحن من تبقى من الثورة. نحن الأشخاص الذين رفضوا أن يخضعوا للنظام، والذين تعلموا كيف يستخدمون الأحلام كوسيلة للهروب. الحلم هو العالم الذي لا يمكن للنظام السيطرة عليه. لكنه ليس مجرد هروب. نحن هنا لنتعلم، لنستعيد حريتنا."
وقف آدم مترددًا للحظة، ثم سأل: "لماذا أنا؟ لماذا اخترتموني؟"
ابتسم زيد وقال: "أنت لم تختر النظام، والنظام لم يختر عقلك. أنت مثلنا، تختلف عن الآخرين. لديك القدرة على أن تحلم، أن تتفكر، أن تتمرد. وهذه هي أولى خطواتك نحو الحرية."
في تلك اللحظة، شعر آدم بأن شيئًا ما قد انكسر داخله. لم يكن هذا الحلم مجرد تجربة عابرة، بل كان دعوة للتمرد، دعوة لاستعادة ما سلبه النظام من الجميع. كان يعلم أن ما ينتظره ليس سهلًا، لكن شيئًا في داخله كان يدفعه نحو هذا الطريق، نحو الحرية التي لم يكن يعرف أنه يريدها حتى الآن.
ومع بداية تلك الليلة، كان آدم قد اتخذ قراره. لم يعد هناك عودة إلى الوراء.


الفصل الثالث: طريق اللاعودة

كانت السماء ملبدةً بالغيوم السوداء، ومع ذلك كان الجو دافئًا. هذا التضاد الغريب لم يكن مريحًا بالنسبة لآدم، الذي استيقظ في اليوم التالي محاطًا برائحة المطر المتوقعة ولكن غير الحاضرة. جلس على طرف السرير، يشعر بتيار من الطاقة يسري في جسده. الليلة الماضية كانت نقطة تحول؛ لم يعد بإمكانه الهروب أو التراجع، فقد اختار طريقه، الطريق الذي فتحه له زيد.
قبل أن يغادر منزله، وقف آدم أمام المرآة، يتأمل نفسه. كان يبدو كما هو، لكن داخله تغيّر. عيناه بدتا أكثر يقظة، أكثر تركيزًا. لم يكن يرى مجرد نفسه، بل شابًا اختار أن يكسر قيودًا وضعها عليه النظام منذ ولادته. شعر بأنه يملك سرًا؛ سرًا لا يمكن للنظام أن يدركه.
في المكتب، كان الجو هادئًا كما هو معتاد. الأضواء الصناعية الباردة، وجوه الموظفين المليئة باللامبالاة، شاشات الكمبيوتر المتوهجة التي تملأ المكان. جلس آدم في مكانه المعتاد، لكنه لم يعد يشعر بأن هذا هو مكانه. لقد أصبح غريبًا في عالم يبدو مغلقًا تمامًا على أفكار معينة، مشغولاً بالتفاصيل المملة والتكرار الآلي.
أمسك بجهازه الشخصي، الذي كان قد أعاده تشغيله، وأخذ ينظر إلى الشاشة لفترة. ضغط على الأزرار ببطء، واسترجع البيانات المشفرة التي وجدها في الليلة السابقة. أعاد قراءة التفاصيل عن "الثورة الخفية" مرارًا وتكرارًا، وكأن شيئًا في داخله كان يحاول ترسيخ هذه المعلومات في عقله.
"لا يمكنك إخفاء المعلومات إلى الأبد،" تمتم بصوت خافت، وكأنه يتحدى النظام.
فجأة، شعر بيد على كتفه. ارتعد جسده للحظة، لكنه سرعان ما استدار ليجد أحد زملائه، فؤاد، يقف خلفه. كان فؤاد موظفًا هادئًا، مثل الجميع، لكن عينيه كانتا تحملان دائمًا نظرة غامضة، وكأنه يخفي شيئًا ما.
"هل كل شيء على ما يرام؟" سأل فؤاد بنبرة هادئة.
تردد آدم للحظة، ثم قال: "نعم، فقط أفكر في بعض الأمور."
ابتسم فؤاد ابتسامة صغيرة، لكنها كانت مليئة بمعنى خفي. "نعم، يبدو أن هناك الكثير ليفكر فيه هذه الأيام."
شعر آدم بتيار من الحذر يسري في داخله. هل يعلم فؤاد شيئًا؟ هل يمكن أن يكون هو أيضًا جزءًا من الثورة؟ لم يكن متأكدًا، لكن النظرة التي في عيني فؤاد جعلته يشعر أن هناك ما هو أكثر مما يظهر على السطح.
"إذا كنت بحاجة للتحدث... فأنا هنا." قال فؤاد قبل أن يعود إلى مكانه.
ظل آدم يراقبه وهو يمشي بعيدًا، وعقله يملأه الشك. كان من الممكن أن يكون فؤاد مجرد موظف فضولي، لكنه أيضًا قد يكون شخصًا مثل زيد، شخصًا يعرف الحقيقة. بدا أن كل شيء في هذا العالم يحمل أكثر مما يظهر، وكل نظرة أو ابتسامة قد تكون إشارة لمؤامرة أكبر.
في طريق عودته إلى المنزل، قرر آدم أن يخرج عن روتينه المعتاد. بدلاً من العودة مباشرة إلى شقته، توجه إلى أحد المقاهي القديمة في المدينة. كان هذا المكان مختلفًا عن المقاهي الحديثة التي يفضلها الناس اليوم، حيث كان مبنىً قديمًا محاطًا بكتب وأوراق قديمة.
جلس في ركن بعيد، وطلب قهوة. وبينما كان ينتظر، أخرج هاتفه وبدأ في البحث عن المزيد من المعلومات حول "الثورة الخفية". أدرك أنه بحاجة إلى معرفة كل ما يمكنه معرفته قبل أن يتخذ أي خطوة أخرى. لا يمكنه التحرك في الظلام.
لكن فجأة، لاحظ وجود رجل يجلس في الزاوية المقابلة له، يراقبه بصمت. كان الرجل يبدو عاديًا، لكن عينيه كانتا تخترقان آدم بنظرة حادة. حاول آدم تجاهل الأمر، لكنه لم يستطع التخلص من الشعور بأن هذا الرجل كان يراقبه عن عمد.
شعر بيده ترتعش قليلاً وهو يمسك بفنجان القهوة. هل كان هذا الرجل من النظام؟ أم أنه أحد أعضاء الثورة؟ ولماذا كان يراقبه بهذه الطريقة؟
بينما كان يفكر في تلك الأسئلة، نهض الرجل فجأة وتوجه نحوه. جلس بجانبه دون دعوة، وضع كوبه على الطاولة، ثم قال بصوت منخفض: "أنت تبحث عن أشياء خطيرة."
شعر آدم بتوتر يتصاعد داخله، لكنه حافظ على هدوئه. "عن ماذا تتحدث؟"
"أنت تعرف تمامًا عن ماذا أتحدث،" قال الرجل بنبرة هادئة لكن حازمة. "الأحلام، الحرية، الثورة الخفية."
أخذ آدم نفسًا عميقًا وقال: "من أنت؟"
ابتسم الرجل ابتسامة غامضة وقال: "اسمي مروان. وأنا هنا لأقدم لك تحذيرًا."
"تحذير؟" قال آدم، محاولًا السيطرة على نبرته المتوترة.
"نعم،" قال مروان بهدوء. "النظام ليس كما تعتقد. إنه أذكى مما تتخيل، وهو يراقب أكثر مما يمكنك أن تدرك. ما تفعله الآن هو تحدٍ كبير، لكنك لست مستعدًا بعد. عليك أن تكون أكثر حذرًا."
شعر آدم ببرودة تسري في عموده الفقري. "إذا كنت تعرف الكثير، لماذا لا تتصرف؟ لماذا لا تقاتل؟"
ضحك مروان بهدوء، ثم قال: "أنا لا أقوم فقط بالمراقبة. الثورة ليست مجرد تمرد فوضوي. نحن نخطط بعناية، وننتظر اللحظة المناسبة. واللحظة ليست الآن."
جلس آدم في صمت لثوانٍ، محاولًا استيعاب ما يقوله مروان. لم يكن يعلم إن كان عليه أن يثق به، لكنه شعر بشيء داخله يخبره أن هذا الرجل يعرف أكثر مما يظهر.
"إذًا، ما الذي يجب أن أفعله؟" سأل آدم أخيرًا.
نظر مروان إليه بعمق ثم قال: "أولاً، عليك أن تفهم. النظام هو عدونا الأكبر، لكنه ليس العدو الوحيد. هناك أعداء آخرون، وهم داخلنا. الشك، الخوف، الغضب غير المنضبط. قبل أن تبدأ في أي معركة، عليك أن تهزم هؤلاء أولاً."
نهض مروان من كرسيه، ووضع يده على كتف آدم. "سنلتقي مجددًا. لكن إلى ذلك الحين، كن مستعدًا، وابقَ حذرًا."
تركه مروان في المقهى، حيث جلس آدم محاطًا بتفكيره. كان يعلم أن طريقه نحو الحرية قد بدأ للتو، وأن ما ينتظره سيكون أكثر تعقيدًا مما كان يتصور.


الفصل الرابع: وجوه الحقيقة المتعددة

في الأيام التالية للقاء آدم مع مروان، بدأ يشعر وكأن حياته قد انقسمت إلى عالمين مختلفين. العالم الأول هو العالم المعتاد، حيث المكتب والعمل الروتيني، والنظام الذي يتحكم في كل تفاصيل الحياة. العالم الثاني، وهو العالم الجديد الذي بدأ يتكشف أمامه ببطء، كان مليئًا بالغموض، بالثورة الخفية، وبأشخاص مثل زيد ومروان الذين يبدو أنهم يعرفون أسرارًا عميقة عن النظام.
كان آدم يعود إلى مكتبه كل صباح، ولكن كل شيء بدا له فارغًا أكثر مما كان عليه. الشاشات البراقة وأصوات الطباعة على لوحات المفاتيح، كلها كانت تبدو بلا معنى. زملاؤه، الذين كانوا يعيشون حياة روتينية تمامًا، أصبحوا بالنسبة له مجرد ظلال، يكررون نفس الحركات والكلمات كل يوم دون إدراك حقيقي لما يدور حولهم.
وفي الوقت نفسه، كان ذهن آدم مشغولًا بمحاولة فهم ما قاله مروان. من هو النظام فعلاً؟ وكيف يمكن أن يكون أخطر مما كان يتخيل؟ وما الذي كان يقصده بالأعداء الداخليين؟ بدأ آدم يدرك أن المعركة التي أمامه ليست مجرد معركة خارجية ضد نظام قمعي، بل هي أيضًا معركة نفسية، معركة داخلية ضد خوفه وشكوكه.
في إحدى الليالي، بينما كان جالسًا في شقته الصغيرة يتصفح البيانات المشفرة على جهازه الشخصي، لاحظ رسالة جديدة غير معروفة المصدر ظهرت على الشاشة. كانت الرسالة قصيرة وغامضة: "المحطة القديمة عند منتصف الليل. لا تأتِ وحدك."
تردد للحظة، لكنه كان يعلم أنه لا يمكنه تجاهل هذه الرسالة. لقد دخل في لعبة خطيرة، ولم يعد هناك مجال للتراجع. ومع ذلك، كان يتساءل من يمكنه أن يأخذه معه. زيد كان الخيار الواضح، لكنه لم يتمكن من الاتصال به منذ أيام. وفؤاد، الذي يبدو أنه يعلم شيئًا، كان لا يزال يشكل لغزًا.
قرر في النهاية أن يتصل بفؤاد. أمسك هاتفه، تردد للحظة، ثم ضغط على الرقم. انتظر بصبر حتى سمع صوت فؤاد الهادئ على الطرف الآخر.
"مرحبًا، آدم. كيف حالك؟"
"فؤاد، أحتاج إلى مساعدتك." قال آدم بسرعة.
تردد فؤاد للحظة قبل أن يقول: "مساعدة في ماذا؟"
"هناك شيء غريب يحدث. تلقيت رسالة... رسالة غامضة، وأشعر أنني قد أكون في خطر. هل يمكننا الالتقاء؟"
صمت فؤاد لثوانٍ طويلة قبل أن يقول: "حسنًا، أين تريد أن نلتقي؟"
"المحطة القديمة عند منتصف الليل."
"فهمت، سأكون هناك."
انتهت المكالمة، وترك آدم الهاتف جانبًا، يشعر بمزيج من القلق والحماس. لم يكن متأكدًا مما ينتظره في تلك الليلة، لكن كان يعلم أن هذه الخطوة ضرورية.

عندما وصل آدم إلى المحطة القديمة، كانت الساعة قد قاربت منتصف الليل. كانت المحطة مهجورة منذ سنوات، وقد غطتها الأتربة والعشب الطويل. الأنوار الخافتة للمبنى المجاور ألقت بظلال غريبة على الأرضية المتشققة. بدا المكان كأنه منسي من الزمن، ولكن هذه العزلة هي ما جعلت منه المكان المثالي للقاءات السرية.
وقف آدم تحت ضوء مصباح قديم، ينظر حوله بحذر. لم يكن هناك أحد في المكان، وكانت الرياح تصفر بصوت منخفض، تضفي على الجو شعورًا بالقلق. بعد دقائق قليلة، سمع صوت خطوات قادمة من بعيد. استدار بسرعة ليرى فؤاد يتقدم نحوه بخطوات ثابتة.
"جيد أنك أتيت،" قال آدم محاولًا أن يبقى هادئًا.
"ما الذي يجري هنا؟" سأل فؤاد وهو ينظر حوله بحذر.
"لا أعرف. تلقيت رسالة غامضة، وأعتقد أنها قد تكون من شخص يريد مقابلتنا."
قبل أن يتمكن فؤاد من الرد، سمعا صوتًا آخر قادمًا من أحد أركان المحطة. خرج رجل من الظلام، كان يرتدي معطفًا أسود طويلًا وقبعة تخفي ملامح وجهه.
"آدم، فؤاد، مرحبًا بكم." قال الرجل بصوت هادئ.
"من أنت؟" سأل آدم وهو يشعر بتيار من التوتر يسري في جسده.
تقدم الرجل خطوة نحوهم، وكشف عن وجهه تدريجيًا. كان هو زيد، لكن تعبيرات وجهه كانت تحمل مزيجًا من الجدية والغموض.
"أنا آسف لأنني تأخرت في التواصل معك، آدم. ولكن هناك أشياء كثيرة تحدث خلف الكواليس." قال زيد.
"ماذا تقصد؟" سأله آدم وهو ينظر إليه بتوتر.
"النظام يعلم عنك أكثر مما تظن. لقد راقبوا خطواتك منذ فترة، وهم الآن يعتبرونك تهديدًا. لذا كان يجب أن أختفي لبعض الوقت لأتمكن من تنظيم خطوتنا التالية."
"ماذا علينا أن نفعل الآن؟" سأل آدم بشغف.
تقدم زيد نحوهم ببطء، ثم قال بصوت منخفض: "علينا أن نبدأ بالتحرك. كل ما يحدث الآن هو جزء من خطة أكبر. النظام ليس مجرد قوة قمعية، إنه يمتد إلى كل جزء من حياتنا، يتحكم في أفكارنا، في أحلامنا وحتى في أحلامك التي تراها كل ليلة."
شعر آدم بارتباك كبير. كيف يمكن للنظام أن يتحكم في الأحلام؟ كان كل شيء يبدو وكأنه خيال، لكنه كان يشعر بواقعية تلك الكلمات.
"هل تحاول أن تقول إننا في فخ مستمر؟" سأل فؤاد لأول مرة بنبرة شك.
أومأ زيد برأسه وقال: "نعم، النظام مصمم لإبقائنا داخل دائرة مفرغة. هم يعطوننا الحرية الظاهرية، لكنهم يراقبون كل شيء. الأحلام التي نحلم بها ليست لنا، إنها أحلامهم، وهم يتحكمون فيها."
شعر آدم بغضب يتصاعد داخله. "إذن، ماذا نفعل؟ كيف نخرج من هذا الفخ؟"
ابتسم زيد ابتسامة صغيرة وقال: "الخطوة الأولى هي استعادة أحلامنا. علينا أن نكسر السيطرة التي يفرضها النظام على عقولنا. وهذا ليس سهلاً، ولكنه ممكن."
تقدم نحوهم وأخرج جهازًا صغيرًا من جيبه. "هذا هو المفتاح. إنه جهاز يمكنه فك تشفير الرسائل الخفية التي يرسلها النظام إلى أدمغتنا أثناء النوم. باستخدامه، يمكننا أن نبدأ في تحرير عقولنا."
أخذ آدم الجهاز ونظر إليه بتركيز. "كيف يعمل؟"
"ستعرف قريبًا، لكن عليك أن تكون مستعدًا. ما ستراه في أحلامك قد يكون مخيفًا، لكن عليك أن تتذكر أنه ليس حقيقيًا. إنه مجرد وهم صنعه النظام لإبقائك تحت السيطرة."
نظر فؤاد إلى زيد بعيون مليئة بالشكوك، لكنه لم يقل شيئًا. أما آدم، فقد شعر أن هذه هي الخطوة التي كان ينتظرها.


الفصل الخامس: في عمق الحلم

في تلك الليلة، وبعدما عاد آدم إلى شقته، كان يحمل الجهاز الصغير الذي أعطاه إياه زيد. قلبه مثقل بالتساؤلات والمخاوف، لكن شيئًا في داخله دفعه إلى المضي قدمًا. جلس على سريره، ممسكًا بالجهاز الصغير، وتأمل في شكله المتواضع. كيف يمكن لهذا الشيء الصغير أن يغير الواقع أو يكشف عن الأسرار المخفية في أحلامه؟
كان التوتر يعصف بعقله، لكنه قرر أن يجرب. فتح الجهاز، ولم يكن هناك أي أزرار أو شاشات، مجرد قطعة معدنية دائرية صغيرة تحتوي على شيء أشبه بمستشعر. وضعها على جبينه كما أرشده زيد، ثم أغمض عينيه واستعد للنوم.
في البداية، كان كل شيء طبيعيًا. الظلام استحوذ على وعيه تدريجيًا حتى دخل في النوم. ولكن شيئًا ما كان مختلفًا هذه المرة. شعر بشيء غريب يحدث، كأنه يغوص في بحر عميق من الأفكار والمشاعر التي لم يكن قادرًا على تفسيرها.

في الحلم، وجد آدم نفسه في مدينة مهجورة. السماء ملبدة بالغيوم السوداء، والشوارع خالية تمامًا، لكن المباني التي تحيط به كانت تبدو مألوفة بطريقة مخيفة. كانت تشبه مدينته، ولكنها مشوهة، كأنها انعكاس مشوه للواقع.
بدأ آدم يمشي في تلك الشوارع المظلمة، كل شيء كان ساكنًا، لكنه شعر بوجود شيء يراقبه من بعيد. فجأة، بدأ يسمع صوتًا خافتًا، أشبه بهمسات تأتي من جميع الاتجاهات. حاول التركيز على الصوت، لكنه لم يستطع تحديد مصدره. كان كلما اقترب من مصدر الصوت، تغيرت الهمسات وكأنها تتحول إلى لغز يطارده في ذهنه.
وفي أحد الأزقة الضيقة، ظهر أمامه باب خشبي قديم. بدا وكأنه منفذ إلى مكان آخر. توقف أمامه وتردد لوهلة، لكنه شعر بقوة داخلية تدفعه إلى فتحه. مد يده نحو المقبض البارد، ودفع الباب ببطء.
عندما دخل إلى الداخل، وجد نفسه في غرفة مظلمة، إلا أن ضوءًا ضعيفًا ينبعث من نافذة صغيرة في أعلى الجدار. في منتصف الغرفة، رأى مرآة كبيرة تقف وحدها، وقد غطتها طبقة خفيفة من الغبار. تقدم نحوها ببطء، وعندما نظر فيها، لم يرَ نفسه. بدلًا من ذلك، رأى مشاهد مشوشة. وجوه متداخلة، أماكن غريبة، وأحداث متسارعة لم يكن قادرًا على استيعابها.
ثم ظهرت صورة لوجهه، لكن ليس كما هو في الواقع. كان وجهه يبدو مرهقًا، وعيناه كانتا مليئتين بالحيرة والخوف. ولكنه رأى في عينيه شيئًا آخر، شعورًا بأنه مراقب.
فجأة، تحولت الصورة في المرآة. رأى أشخاصًا آخرين، لكنهم لم يكونوا غرباء. كان زيد يقف في أحد المشاهد، يتحدث مع مروان، ثم ظهرت صور أخرى لفؤاد وهو يقف في غرفة مظلمة مماثلة. كلما حاول التركيز على تلك الصور، كانت تتلاشى وتتحول إلى شيء آخر.
في تلك اللحظة، سمع صوتًا خلفه. استدار بسرعة، لكنه لم يرَ أحدًا. كان الصوت الآن واضحًا: "المرآة تعكس أكثر مما تتخيل. إنها تعكس حقيقتك."
شعر آدم بقشعريرة تسري في جسده. كان يعلم أن هناك شيئًا ما يحاول إخباره به، لكن المعاني كانت مختلطة وغير واضحة.
اقترب مرة أخرى من المرآة، وعندما نظر فيها، تغيرت الصورة مرة أخرى. هذه المرة، رأى شخصًا يقف في مكان مظلم، محاطًا بشبكة من الأسلاك والتكنولوجيا. كان الشخص يبدو وكأنه عالق في تلك الشبكة، غير قادر على الهروب. وعندما حاول آدم أن يلمس المرآة، شعر بشيء يقاومه، كأن المرآة كانت حية وتحاول منعه من الوصول إلى الحقيقة.
وفي اللحظة التي لمس فيها المرآة، انفجرت الصور في رأسه. رأى كل شيء بوضوح: النظام لم يكن مجرد قوة سياسية، بل كان يتحكم في العقول، في الأفكار، وفي الأحلام. كان يستخدم التكنولوجيا للسيطرة على وعي الناس، لجعلهم عبيدًا لأفكار معينة، غير قادرين على التفكير بحرية.
رأى في تلك اللحظة أن النظام كان يعرض لهم أحلامًا وأفكارًا مزيفة، وكان يجعلهم يعتقدون أن حياتهم طبيعية بينما كانوا يعيشون في وهم. أدرك أن كل ما يحدث حوله كان مجرد جزء من الخطة الكبرى للنظام، وأنه الآن قد أصبح جزءًا من اللعبة الخطيرة التي يحاول النظام فرضها على الجميع.
شعر آدم بصدمة عميقة. كان كل شيء منطقيًا الآن. كل ما قاله زيد كان صحيحًا. لقد كانوا يعيشون في سجن غير مرئي، سجن عقلي يمنعهم من إدراك الحقيقة.
استيقظ فجأة، جسده غارق في العرق. قلبه كان ينبض بسرعة، وعقله كان مشوشًا بالمعلومات الجديدة. نظر حوله، كانت الغرفة كما هي، لكن شيئًا بدا مختلفًا. كان يشعر بأن الجدران نفسها تراقبه، كأن الحلم لم ينتهِ بعد، بل انتقل معه إلى الواقع.
التقط الجهاز الصغير الذي وضعه على جبينه، وأدرك أن هذه ليست سوى البداية.



الفصل السادس: ما وراء المرآة

في ذلك الصباح، عندما فتح آدم عينيه، كان يشعر وكأن العالم بأكمله قد تحول إلى امتداد لحلمه. الهواء كان ثقيلًا بطريقة لم يكن يلاحظها من قبل، والجدران البيضاء التي تحيط به كانت تشع برودة غريبة، وكأنها تسخر من يقظته الهشة. حمل هاتفه ليجد رسالة واحدة من زيد: "لقد عبرت الحد. كن حذرًا."
لكن شيئًا في داخله كان يخبره أنه لم يعد هناك فرق بين الحذر والجنون، بين الحقيقة والوهم. نزل إلى الشارع، وقد بدت المدينة بأكملها مثل لوحة غير مكتملة. الناس كانوا يمشون بسرعة، عيونهم متجهة إلى الأمام، وكأنهم قطع من الزمن المعلق. حاول أن يركز في الوجوه، لكنه أدرك أنها تذوب في بعضها البعض. لم يعد يفرق بين الناس وبين المكان، كل شيء أصبح مجرد انعكاس لما يعتمل في داخله.

وقف أمام المقهى الذي اعتاد اللقاء فيه مع زيد، لكنه اليوم كان فارغًا تمامًا. دخل دون أن يتردد، وجلس في نفس الزاوية التي كان يجلس فيها كل مرة. حينها، شعر بوجود شخص يراقبه، وعندما استدار رأى وجهاً غير مألوف، وجهًا كان نصفه مشوّهًا، لكن عينيه كانتا مألوفتين.
"من أنت؟" سأل آدم بصوت خافت.
الرجل لم يجب، بل أشار إلى المرآة الكبيرة التي كانت معلقة على الجدار المقابل. نهض آدم واقترب من المرآة، تلك التي كان دائمًا يتجنب النظر فيها. وعندما حدّق فيها، لم يرَ انعكاسه كما هو معتاد، بل رأى نفسه يقف في غرفة أخرى، غرفة غارقة في الظلال. كان يرتدي لباسًا غريبًا، شبيهًا بما كان يرتديه القدماء في طقوسهم السرية. خلفه، كان هناك تمثال ضخم لعين عملاق، يتوسط جدارًا مغطى بالنقوش الغامضة.
"لقد حان وقت المعرفة." قال الصوت الغريب الذي بدا وكأنه خرج من الفراغ، "ما رأيته ليس مجرد حلم، بل جزء من الحقيقة المفقودة."
آدم لم يستطع أن يبعد عينيه عن المرآة. كانت الصور تتوالى بشكل متسارع، حياته بأكملها تتفكك أمامه، تتحول إلى لحظات متناثرة، أشلاء من الزمن والذاكرة. بدأ يرى ماضيه، لكن من منظور مختلف. كل قرار اتخذه، كل حدث مر به، كان جزءًا من خريطة خفية، خريطة تشكلت من شبكة ضخمة من الأنماط والتكرارات، وكأنه كان يسير على مسار مرسوم منذ الأزل.
ثم جاء الانفجار الكبير. الصورة في المرآة انفجرت إلى شظايا من النور، وتلاشت الجدران حوله. وجد نفسه واقفًا في فضاء لا متناهٍ، حيث لا وجود لشيء سوى صدى صوته الداخلي.
"أنت الآن خارج الزمن."
الكلمات كانت تأتي من كل مكان، ومن لا مكان. كانت الفكرة مروعة ومريحة في آن واحد. "ما معنى أن أكون خارج الزمن؟"
"معناه أنك لم تعد جزءًا من النظام. لقد تحررت."
لكن التحرر لم يكن كما تخيله. لم يكن هناك أي إحساس بالحرية، بل كان أشبه بالتيه. كيف يمكن أن يكون خارج الزمن، وهو لم يترك ذاته بعد؟ هل هو مجرد وهم آخر؟ هل عبر إلى مستوى آخر من الوهم؟

فجأة، رأى أمامه وجهًا مألوفًا. كانت سارة، لكنها لم تكن كما يتذكرها. كانت تبدو هادئة، عيناها تشعان حكمة قديمة، وكأنها كانت تعرف أكثر مما عرفه هو طوال حياته.
"سارة؟ كيف أنت هنا؟"
ابتسمت بهدوء وقالت: "لقد كنت هنا دائمًا، لكنك لم تكن ترى. نحن جميعًا هنا. كل الذين اعتقدت أنهم رحلوا، كانوا ينتظرونك في هذا المكان."
شعر آدم بانقباض غريب في قلبه. كانت المشاهد تتراكم في ذهنه، ذكريات لأشخاص أحبهم، واعتقد أنهم فقدوا إلى الأبد. لكنهم جميعًا كانوا هنا، في هذا الفضاء الغريب.
"ما هذا المكان؟" سأل بصوت متقطع.
أجابت سارة: "هذا هو المكان الذي يتجاوز فيه الوعي الحدود. هنا، حيث تنتهي الأوهام ويبدأ الإدراك. لقد كنت تبحث عن الحرية، لكن الحرية الحقيقية ليست في الهروب من الواقع، بل في رؤية ما وراءه."
وفي تلك اللحظة، أدرك آدم الحقيقة المرعبة. هذا المكان لم يكن ملاذًا أو مخرجًا من النظام، بل كان هو النظام ذاته. الفضاء الذي كان يعتقد أنه تحرر فيه، كان جزءًا من الخدعة الكبرى.
كل ما رآه، كل ما اختبره، كان جزءًا من آلية ضخمة تهدف إلى إخضاع العقل وتوجيهه. لقد كان جزءًا من تجربة أكبر بكثير، تجربة لم يكن يدرك أنه خاضع لها منذ البداية.

في النهاية، حينما استيقظ، لم يكن متأكدًا من شيء. هل كان ما رآه حلمًا أم حقيقة؟ هل هو ما يزال في النظام، أم أنه خرج منه؟ أخذ الجهاز الذي أعطاه إياه زيد، ونظر إليه بحذر.
لكن هذه المرة، لم يعد متأكدًا إن كان يريد الاستمرار في البحث عن الإجابات. ربما، في النهاية، كانت الإجابة تكمن في التوقف عن البحث.



‏‎الفصل السابع: مسارات أزلية خارج الزمن

‏‎الآن—أو ربما لم يكن الآن. الزمن كان فكرة عائمة، مشوشة كحلم عتيق لم يعد يتذكره أحد. كانت سارة تقف على حافة الوجود، تنظر إلى المدينة المتلاشية تحت قدميها، لكنها لم تكن متأكدة إذا ما كانت المدينة هي التي تغرق، أم هي التي ترتفع. في تلك اللحظة المعلقة بين الفجر والعدم، كانت كل الأشياء تحدث ولا تحدث في آن واحد.
‏‎تعود الذاكرة. أو الذاكرة التي تتشكل الآن. آدم يقف أمامها، لكنه لا يتحرك، كأنه صورة على صفحة ممزقة من كتاب قديم. "هل نحن هنا؟" تسأله، لكن الكلمات تتساقط منها مثل أوراق الخريف، بلا معنى. زيد يظهر في الخلفية، ولكن ليس كزيد الذي تعرفه، بل كظل يلحق وراءه نفسه.
‏‎كانوا قد حلموا ببناء شيء عظيم—مركز للإبداع، مكان ينفجر فيه الفن والموسيقى والشعر. كانوا يرون في أحلامهم جدرانًا تتكسر لتفسح الطريق لأفكار لا نهائية. لكن الآن، في هذا المكان الغريب الذي لا يلتزم بأي منطق، الجدران كانت قد طمست، وتلاشت الأفكار في الفراغ، حتى الحلم أصبح ثقيلًا، مشوهًا.
‏‎"إلى أين ذهبنا؟" تتساءل سارة مع نفسها، وهي ترى مستقبلًا غير مؤكد، مستقبلًا ينزلق كالرمل من بين أصابعها. آدم يقف بجانبها، لكنه لا يبدو كما كان. شعره مليء بالنجوم، وعيناه كأنهما مرآتان تعكسان آلاف الوجوه. "نحن لم نذهب إلى أي مكان،" يرد بصوت يحمل صدى الماضي والحاضر والمستقبل في آن واحد.
‏‎زيد، الذي كان دائمًا رمزًا للوضوح، أصبح الآن لغزًا لا يمكن فك شيفرته. يقف في وسط هذا العالم المتلاشي، ولكن خطواته تغوص في الطين. "الحلم يكسرنا،" يقول، وهو ينظر إلى سارة وكأنه يراها للمرة الأولى. كان زيد هو الحاضر والغياب معًا، هو الفعل والنسيان.
‏‎"ربما نحن نعيش في دوامة،" تقول سارة، متأملة السماء المتشققة التي تتفتح كأزهار غريبة، تحمل فيها رمزية النهاية والبداية معًا. "دوامة من الأحلام التي لا تنتهي، ولكن لا تبدأ حقًا." ضحكتها كانت ضائعة، لكنها لم تكن خالية من الأمل. في عالم تتصارع فيه الحقائق، كانت تعرف أن هناك شيئًا ما لا يزال يحترق في داخلها.
‏‎آدم، الذي لطالما كان هو القوة الدافعة، فجأة يبدأ بالتراجع إلى الخلف، كأن ثقله يزداد. "نحن عالقون،" يقول بصوت محمل بالمرارة. "لا وجود لنا خارج هذه الأفكار. نحن فقط أفكار، صور عابرة في عقل الكون."
‏‎لكن في ذلك العالم الغريب، يحدث ما لا يمكن توقعه. سارة، التي كانت تبحث عن الحقيقة طوال الوقت، ترى فجأة انعكاسًا لذاتها لم تدركه من قبل. كانت هناك نسخة أخرى منها، تقف على الجانب الآخر من الزمان، تبتسم لها. "أنتِ لستِ مقيدة بهذا الحلم،" تقول النسخة الثانية منها، وكأنها تكشف عن سرٍ كان دائمًا هناك، لكنه لم يُرى.
‏‎اللحظة تتشظى، والمدينة، الحلم، الأفكار، الأشخاص—كل شيء يبدأ في الانهيار إلى نقاط ضوء صغيرة، تتراقص في فراغ لا نهائي. لكن وسط هذا الانهيار، تدرك سارة شيئًا لم تكن تتوقعه: الحلم لم يكن الهدف. الهدف كان الفشل، الانهيار، الانتهاء. كان عليهم أن يتحطموا ليبدأوا من جديد. كل شيء كان يجب أن يضيع لتتمكن من إيجاد ذاتها.
‏‎آدم، الذي كان يبدو دائمًا قويًا، يتلاشى إلى دخان، يترك وراءه أثرًا من الشغف، لكن زيد يبقى—ليس زيد الشخص، بل زيد الفكرة، الفكرة التي لا تموت.
‏‎وفي اللحظة الأخيرة، عندما تتلاشى جميع الأشكال وتعود إلى العدم، تستيقظ سارة. لم تكن في عالم آخر، بل كانت دائمًا هنا، داخل وعيها، تحمل في قلبها الازدواجية بين الخلق والتدمير، بين الحلم والفشل، بين الأمل واليأس. الزمن ليس خطًا مستقيمًا، بل هو دائرة تعود دائمًا إلى البداية.
‏‎"هل انتهى كل شيء؟" تسأل نفسها، لكن الإجابة لم تعد مهمة. لأنها الآن تعرف: المسارات أزلية، خارج الزمن.

‏‎زيد، الذي كان قد أصبح فكرة أكثر منه جسدًا، ابتسم بهدوء عندما شعر بتلك الطاقة تتدفق منه ومن كل شيء حوله. لم يكن هذا الفشل الذي خاف منه، بل كان التحرر الحقيقي. "الآن نفهم،" قال بصوت هادئ لا يسمعه إلا سارة وآدم. "كل ما حدث كان مجرد نقطة عبور. الألم، الانهيار، الفقدان... كانوا مفاتيح لباب لم يكن يُرى من قبل."
‏‎آدم، الذي كان دائمًا متوهجًا بشغف لا يهدأ، استدار نحو سارة. لم تكن عيناه تحملان الدخان الآن، بل بريقًا نقيًا كأنه قد رأى العالم للمرة الأولى. "سارة، نحن لسنا أفكار عابرة. نحن نسيج هذا الكون، الحلم والواقع ليسا متناقضين، بل هما وجهان لعملة واحدة."
‏‎في تلك اللحظة، حدث ما لم يكن متوقعًا. الزمن، الذي كان يبدو متشظيًا، بدأ بالتجمع من جديد، لكن ليس كما كان من قبل. لم يعد خطًا مستقيمًا أو حلقة مغلقة. أصبح مثل لوحة فنية متغيرة، تتنفس بألوان لا تُرى إلا لمن يتجاوز حدود العقل. سارة، التي كانت في السابق غارقة في الصراع بين الفشل والنجاح، أدركت الآن أن الفشل لم يكن سوى بداية الإبداع.
‏‎"ربما،" قالت وهي تنظر إلى الأفق الجديد، "نحن من نصنع الزمن. نحن من نقرر أين يبدأ وأين ينتهي. الفشل ليس النهاية، بل هو الحلم الذي يُعاد خلقه بلا توقف."
‏‎وفي لحظة، تلاشت الحدود بين آدم وسارة وزيد، بين السماء والأرض، بين الماضي والمستقبل. كل شيء كان متصلاً، متناغمًا. العالم لم يعد كما كان، لكنه كان أجمل وأكثر إشراقًا. لم يعد الزمن يقيدهم، بل أصبحوا هم المسارات الأزلية، يتنقلون بين الحلم والحقيقة، بين الفشل والنجاح، ليس كأفراد بل كأفكار تتجاوز الزمان والمكان.

‏‎وفي تلك النهاية—التي لم تكن نهاية حقًا— ولد عالم جديد، عالم يتخطى حدود الفهم المعتاد. سارة وآدم كانا يسيران في طريق لا نهاية له، لكن الطريق كان مشرقًا، مملوءًا بالاحتمالات اللامتناهية، وزيد، الفكرة التي لا تموت، كان دائمًا هناك، يراقب بعين راضية ما صنعته الفكرة من عالم.

وفي تلك اللحظة الأخيرة، حينما تداخلت كل الحقائق وانصهرت الأحداث، أدرك الراوي ما كان يجب أن يدرك منذ البداية، فتكلم بنبرة مختلفة، نبرة خالدة كأنها من خارج الزمن نفسه:

"الزمن، كما تعلمون، لم يكن يومًا حقيقة ثابتة، بل فكرة عائمة في فراغ التجربة الإنسانية. كل لحظة كانت قد تكون بداية أو نهاية، ومهما حاولنا الإمساك بها، تهرب منا لتتشظى في بحر من الاحتمالات اللامتناهية. في هذا العالم المتشظي، ليس هناك ما يمكن اعتباره يقينًا؛ فالزمن يتفكك ويتحد، يتدفق كالماء ليُشكِّل نفسه من جديد."

ثم أشار إلى الشخصيات التي عرفناها طوال الرحلة، وقال: "كل شخصية في هذه القصة كانت أكثر من ذاتها. آدم، الذي كان يلهث وراء الحلم، لم يكن سوى الشغف الزائل الذي يحترق سريعًا كالنجمة قبل أن تتلاشى. زيد، الفكرة الباقية، كان يمثل الحكمة الخالدة، العمق الذي لا يمكن كسره. أما سارة، فهي الرابط الأبدي بين الانهيار والإبداع، بين الحلم والواقع. هي التي جمعت بين ما بدا أنه تناقضات لكنها في الحقيقة كانت منسجمة بشكل لا يُرى."

ثم ابتسم الراوي وهو يكمل: "ولكن لا تخطئوا الفهم؛ كل شيء يتكرر، وكأننا في دوامة لا نهاية لها. الحلم واليقظة، النجاح والفشل، يتحطمون ليبدأوا من جديد. إن التكرار ليس عقوبة، بل هو فرصة للإبداع والارتقاء. في قلب كل انهيار، يكمن سر التجديد."

وأخيرًا، توقف الراوي للحظة، كأنه ينظر بعيدًا إلى أفق لا نهاية له، قبل أن يقول: "وفي هذه الرواية، الفشل كان ضروريًا. فالرواية لا تدور حول النجاح أو التحطم، بل حول كيفية التحطم كفشل ضروري للارتقاء. إنها تعيد التفكير في مفاهيم النجاح والفشل التي عرفناها. نحن لا نتجاوز فشلنا، بل نعيد خلق أنفسنا منه. الزمن يذوب، وأفكارنا تتجاوز حتى حدود الشخصيات. في النهاية، لم تكن هذه الحكاية عن أشخاص، بل عن الأفكار التي تشكلهم وتعيد تشكيلهم، إلى الأبد."

وتنتهي الرواية بنهاية مفتوحة، غير متوقعة، كاسرة كل التوقعات التقليدية، محتفية بالتحطم والانهيار كجزء لا يتجزأ من رحلة الشخصيات. فبدلاً من تحقيق النجاح المادي، نجد أن النهاية هي احتفال بالفشل كتجربة ضرورية، تذوب فيها الأزمنة، وتفنى فيها الشخصيات ككيانات فردية، لتتحول إلى أفكار خالدة، تتحدى كل الروايات المعتادة.

وهكذا، تنغمس النهاية في فلسفة تحررية غير متوقعة، لا تكتفي بتركيب الحكاية، بل تفكك معنى النجاح والفشل، وتعيد ترتيب العلاقات بين الشخصيات والزمن والواقع في مشهد رمزي جديد. النهاية لا تخبرنا بما سيحدث، بل تدعونا للتأمل في ما قد يكون، وتتركنا في فضاء من الاحتمالات المفتوحة، حيث كل شيء يتكرر ليبدأ من جديد.
(انتهت)
خريف 2024



#خالد_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العلم والدين: تكامل ديناميكي - ونقد لأعداء الروحانية برؤية ح ...
- جرعات بنكهة السخرية
- في قيد الزمان
- ظلال الخيانة-سردية فلسطينية
- هوى بحري
- اغنيات لا تكتب في النهار
- أنشودة فلسطين الخالدة
- الإعلام الإسرائيلي: أداة في خدمة الاستعمار ومنظومة الأمن
- انطباع أولي حول رواية النهار بعد ألف ليل لمحمد هيبي
- مد لي يدك
- مد لي يدك
- مجموعة شعرية
- مدن الفراغ
- الضربة الإيرانية لإسرائيل: قراءة عسكرية ودلالات سياسية ثورية
- سفر بلا حدود
- حين تاهت الظلال
- رقصة الصمت والعدم
- صوت التراب العالي
- معانقة الفناء
- تحليل: نهاية قريبة للصراع الإسرائيلي مع حزب ‎الله؟


المزيد.....




- تابع بجودة عالية احداث المؤسس عثمان الحلقة 174 Kurulus Osman ...
- ترجمة أعمال الشاعر جوان مارغريت إلى العربية في صحراء وادي رم ...
- أحداث مسلسل قيامة عثمان الحلقة 174 مترجمة علي قناة الفجر الج ...
- -كل ثانية تصنع الفرق-.. فنانون سوريون يطلقون نداءات لتسريع - ...
- مواقف أبرز الفنانين السوريين بعد سقوط حكم الأسد
- حين يكون الشاعر مراسلا حربيا والقصيدة لوحة إعلانات.. حديث عن ...
- الروائي السوري خليل النعيمي: أحب وداع الأمكنة لا الناس
- RT Arabic تنظم ورشة عمل لطلاب عمانيين
- -الخنجر- يعزز الصداقة الروسية العمانية
- قصة تاريخ دمشق... مهد الخلافة الأموية


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد خليل - مسارات أزلية خارج الزمن ( رواية مكثفة )