|
طفل يتحدث الى الغيوم (قصة سريالية)
غالب المسعودي
(Galb Masudi)
الحوار المتمدن-العدد: 8120 - 2024 / 10 / 4 - 12:21
المحور:
الادب والفن
في حارة صغيرة، ولد طفل يُدعى انكيمدو، كان يحب النظر إلى السماء، خاصة عندما تتجمع الغيوم، ذات يوم بينما كان يتمشى في الحقل، رأى غيمة ضخمة تتشكل أمام عينيه اقترب من الغيمة، فجأة بدأت الغيمة تتحدث بصوت هادئ ورقيق: مرحبًا يا انكيمدو، ماذا تفعل هنا ...؟ استغرب، لكنه أجاب بفضول: أنا فقط أراقبك. هل يمكنك أن تخبريني عن عالمك...؟ ابتسمت الغيمة وقالت: في عالمي، أستطيع أن أتحول إلى أي شكل أريد، أحيانًا أكون قطة تلعب في السماء، وأحيانًا أتحول إلى قوس قزح بعد المطر. تأمل الطفل في كلام الغيمة، ثم سأل: هل يمكنك أن تأخذني معك إلى عالمك؟ أجابت الغيمة: بالطبع، لكن عليك أن تغلق عينيك وتثق بي. أغمض الطفل عينيه، وشعر بشيء يشدّه للأعلى. عندما فتح عينيه مرة أخرى وجد نفسه على سحابة ناعمة تتلألأ بألوان زاهية، الغيمة بدأت ترقص حوله، انكيمدو بدأ يشعر بالحرية، وكأن كل همومه قد ذابت في الهواء، رأى ألوانًا لم يرَها من قبل، وأصواتًا تشبه الموسيقى في كل زاوية، لكن بعد فترة، بدأ يشعر بالحنين إلى منزله فقال للغيمة: أريد العودة...! فهمت الغيمة مشاعره، وأخذته برفق إلى الأسفل، حتى وصل إلى المكان الذي بدأ منه، قبل أن تبتعد قالت له: تذكر...!، يمكنك دائمًا العودة إلى هنا في خيالك. ابتسم الطفل، وعاد إلى منزله، وهو يحمل في قلبه ذكريات تلك الرحلة السريالية، عرف أن الغيوم دائمًا ستكون أصدقائه في السماء، في رحلة انكيمدو تحدثت الغيوم عن كيف كان القمر وحيدًا في السماء يتمنى أن يكون لديه أصدقاء في أحد الأيام قررت النجوم أن تضيء له الطريق، اجتمعت وبدأت تتلألأ، مما أسعد القمر، منذ ذلك الحين، أصبحوا أصدقاء دائمين يتبادلون القصص كل ليلة تروي الغيوم قصة الرياح التي تحب السفر، كانت الرياح تجوب العالم، تحمل معها قصصًا من القرى والمدن، و تخبر الغيوم عن الفصول المختلفة، وكيف يرقص الأطفال في الصيف، وكيف تتساقط الثلوج في الشتاء، كل قصة كانت تجعل الغيوم تغير أشكالها وتعبر عن مشاعرها تحكي الغيوم عن يوم خاص عندما قررت أن تُسقط المطر، كان لديها قصة لترويها للأرض، قصة عن الحياة والنمو، عندما هطلت قطرات المطر استقبلتها الأزهار والأشجار بفرح، مع كل قطرة، كانت الغيوم تشعر بأن قصتها تُكتب على الأرض تصف الغيوم يومًا عندما ظهر قوس قزح بعد عاصفة رعدية، كان طيفه جميلًا للغاية، اجتمعت الغيوم لتشاهده، تتحدث عن الوانه المختلفة كل لون يمثل شعورًا مختلفًا، الأحمر للحب، والأزرق للسلام، والأصفر للسعادة، قررت الغيوم أن تُخبر الجميع أن الحياة مليئة بالألوان روت له الغيوم عندما قررت أن تُسافر إلى الفضاء، كانت تريد أن ترى الكواكب الأخرى، عندما وصلت التقت بكوكب زحل كان يرتدي حلقات جميلة، تبادلوا القصص عن الأرض والنجوم، عادت الغيوم محملة بالذكريات الرائعة، الغيوم لا تبقى على حال تتغير مع الفصول في الربيع خفيفة ومنتشرة، مثل غيوم السحب العالية ضبابيًة وباردة، اشكالها الغيوم تتغير حسب المواسم ونشرات الاخبار ،لكن غيوم الثلج تظهر كثيفة ورمادية، تحمل الثلوج و الأمطار تتشكل من الركام في بعض الأحيان، مما يؤدي إلى عواصف نفسية تتأثر أشكال الغيوم أيضًا بالنشرات اليومية، مثل الرياح والرطوبة والموقف في جبهات الشمال والجنوب، مما يؤدي إلى ظهور أشكال جديدة أو اختفائها بهذه الطريقة، تعكس الغيوم التغيرات الرسمية في المزاج، تجعل السماء دائمًا مشهدًا متنوعًا ومثيرًا. للطفل انكيمدو موهبة فريدة يمكنه أن يتحدث إلى الغيوم بلغة سريالية من خلال استخدام خياله وأفكاره المجنونة: يتكئ بأرجوحته وينادي الغيمة...! أيتها الغيمة، هل تشعرين بالحزن عندما تمطرين، أم أنك تضحكين تحت ضوء القمر؟ إذا كنتِ قطة تحلق في السماء، فماذا ستفعلين عندما تلتقين بنجوم ترقص حولك؟ هل يمكنك أن تخبريني عن الرحلة التي قمت بها إلى عالم الألوان، حيث تتحدث الأشجار عن أسرار الرياح؟ إذا كان هناك قوس قزح يربط بين السماء والأرض، فما هي القصص التي سترويها عندما يمر الناس تحته؟ هل يمكنك أن ترسلي لي قبعة من السحاب لأحلق فوق الجبال، أم أن الرياح ستأخذني إلى عالم السحر؟ هل زرتِ أحلام الأطفال في الليل، حيث تتراقص الألوان وتغني الفراشات؟ انكيمدو لم يكن يدرك معنى السريالية ولكنه تحدث بلغة سريالية فهمتها الغيوم انه يتحدث بلغة غير مألوفة، يتحدث بلغة تعبيرية غامضة، مليئة بالصور المجنونة، لكن الغيوم فهمت كل كلمة، كانت قادرة على رؤية عمق خياله، وكيف أن فضوله يربط بين السماء والأرض إذ كانت الغيوم قلوب تطير في السماء، الطفل يطير بينهم، لم يكن يعرف أن كلماته تحمل سحرًا خاصًا، لكن الغيوم استجابت له، مما جعل السماء مليئة بالقصص والألوان، تركته في حالة من الدهشة والفرح، تتجمع الغيوم في السماء، وتحمل معها قصصًا سريالية وعجائب لا تحصى تروي الغيوم عن غيمة صغيرة كانت تتجول في أنحاء العالم، في كل مكان تذهب إليه، كانت تحمل معها حكايات من الشعوب المختلفة، في قرية شهدت فرحة الأطفال في يوم عيد الاكيتو، وفي مدينة رأت الحزن في عيون الناس بعد عاصفة براميل رعدية، كانت تسجل كل لحظة في قلبها، لترويها عندما تجتمع مع الغيوم الأخرى تتذكر الغيوم ليلة خاصة عندما اجتمع القمر مع النجوم، كان القمر يتحدث عن وحدته، وكيف يشعر بالحنين إلى الأرض، قررت الغيوم أن تُرسل له رسالة عبر ضوء النجوم، تخبره بأنه ليس وحده، منذ ذلك اليوم، أصبح القمر يبتسم أكثر عندما يرى الغيوم تحدثت الغيوم عن مهرجان سري عندما يتغير الطقس، تتجمع الغيوم الملونة، يتشكل قوس قزح جميل في السماء، تحتفل بالألوان، تعبر عن مشاعر الفرح، يجتمع الأطفال تحتها ليحلموا بأحلام جديدة تحكي الغيوم عن مغامرة جريئة عندما قررت أن تسافر إلى الفضاء، هناك التقت بكواكب غريبة وأقمار تتحدث بلغة النجوم، كانت تجلب معها قصص الأرض، وتعلم أسرار الكون، مما جعلها أكثر حكمة ،تروي الغيوم قصة الأمطار السحرية التي تحول الأشخاص الى اشباح، كانت تنزل على الأرض في لحظات خاصة كل قطرة كانت تقتل أمنية أو حلمًا من قلب شخص عندما تلامس الأرض، تتبخر الأمنيات، يجعل الطائرات تشعر بالفخر لأنها كانت جزءًا من تلك اللحظات السحرية، تتحدث الغيوم عن كيف أنها تستمع لأحلام الأطفال في الليل، عندما ينامون، تأتي الغيوم لتجمع تلك الأحلام وتحفظها في قلبها، عندما تشرق الشمس، تُعيد تلك الأحلام إلى الأطفال، كأنها وعود جديدة ليوم مشرق، في تلك اللحظات، تشعر بأنك تستطيع سماع همسات الغيوم، وكأن كل رشقة من النبيذ الأحمر تفتح أمامك أبوابًا جديدة من الخيال، تبدأ الصور تتشكل في ذهنك، لأنك سمعت الغيوم تتحدث بلغة لا تُفهم إلا من خلال الأحلام، تلك حقيقة، لم يكن هناك حدود، كانت الأشجار تضحك، والزهور تتراقص مع النسيم، كلما شربت مزيدا من النبيذ، أصبحت الألوان اكثر إشراقًا، وبدأت تشعر بأنك تسير في عالم سريالي حقيقي، عليك أن تغلق عينيك وتثق بالغيوم، في سماء مليئة بالنجوم كل نجمة تحمل قصة تنتظر من يكتشفها تشعر بأنك جزء من تلك المغامرة، كان النبيذ الأحمر يملأ قلبك بالدفء والسعادة في تلك اللحظة، تدرك أن كل ما تراه هو مزيج من الغيوم والنجوم، وأن الأحلام يمكن أن تكون أكثر سحرًا عندما تتداخل مع لحظات الحياة، عندما تستيقظ تظل التجربة تتردد في قلبك، تذكرك بأن النبضات السريالية ليست بعيدة، بل قريبة إذا فتحنا أعيننا وأرواحنا لها، شعرت وكأني غادرت عالماً مدهشاً مليئاً بالألوان والأصوات، الصور الجميلة تتلاشى تدريجياً، و يبقى إحساس السحر يمنحني شعوراً بالدهشة، في عالم الكبار قد ننسى كيف نستمتع بالممكنات لكن الطفل يُذكّرنا بأهمية الاحتفاظ بقدرتنا على الحلم والتخيل، حتى في ظل واقع الحياة اليومية المزرية، التحدث إلى الغيوم يعكس رغبة في التواصل مع الطبيعة، كأن الطفل يتحدث إلى عناصر الكون، يؤشر الحاجة لفهم العالم من حولنا والارتباط به بطريقة أعمق، الحوار مع الغيوم يمكن أن يُفهم كعملية استكشاف للذات، الغيوم تمثل الأفكار والمشاعر المتغيرة، الطفل من خلال حديثه، يستكشف مشاعرنا وأفكارنا، يعكس رغبة في فهم انفسنا بشكل أفضل ،الطفل يسعى لتحقيق أحلامه وآمالنا، الرغبة تشير إلى أن الأحلام ليست بعيدة المنال، بل يمكن تحقيقها إذا آمنا بها عندما نستيقظ من هذا الحلم نذكّر انفسنا بأهمية الاحتفاظ ببراءة الطفولة، والسعي لتحقيق الأحلام، كل ذلك يمثل دعوة لتجديد الروح واستكشاف الجوانب السريالية للحياة، حتى في أبسط تفاصيلها، الأمنيات الصغيرة التي يحملها الطفل تعبر عن الرغبة في السعادة والراحة، في عالم الكبار، قد نفقد هذه الرغبات البسيطة، لكن الطفل يذكّرنا بأهمية التمسك بها ،الطفل يتحدث إلى الغيوم بحرية، يؤشر القدرة على التعبير دون خوف أو قيود، الأمنيات البسيطة تمثل الرغبة في العثور على السعادة في الأشياء اليومية، مثل اللعب تحت الشمس أو المشي في الحديقة، هذه الرغبات تدل على أن السعادة ليست دائمًا في الأشياء الكبيرة، بل يمكن أن تكون في اللحظات الصغيرة ،يمثل الطفل في الحلم تجسيدًا للأمنيات البسيطة والبراءة، يعكس الحاجة إلى استعادة تلك القيم في حياتنا، إنه تذكير بأننا يجب أن نحتفظ بقدرتنا على الحلم، وأن نبحث عن الجمال في أبسط الأشياء من خلال هذه الرؤية، يمكننا أن نعيش حياة مليئة بالفرح والدهشة، حتى في ظل تعقيدات المسرح اليومي.
#غالب_المسعودي (هاشتاغ)
Galb__Masudi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أحلام في فنجان قهوة الصباح (قصة سريالية)
-
عندما يرقص الضوء تحت قمر مكسور(قصة سريالية)
-
أفكار عائمة في محيط من الزجاج (قصة سريالية)
-
عصفور يرتدي حذاءً من ذهب (قصة سريالية)
-
خيال يأكل ظله ( قصة سريالية)
-
هياكل عنكبوتية وهمية (قصة سريالية)
-
طائر لم يغادر القفص (قصة سريالية)
-
نافذة على حافة اللامكان( قصة سريالية)
-
دوامة الهاشتاغات (قصة سريالية)
-
خنازير تتكلم بلغة البوم ( قصة سريالية)
-
عطر نيتشة ( قصة سريالية)
-
(زئير)نمر استطاع ان يصطاد ذيله ( قصة سريالية)
-
شمس زعيمة الصعاليك (قصة سريالية)
-
حصان افلاطون (قصة سريالية)
-
الذكاء الساخر(قصة سريالية)
-
الإنسان الفيروس( قصة سريالية)
-
الاتجاه العلفي (قصة سريالية)
-
كروش مبتسمة ( قصة سريالية)
-
كلاب الزينة المدللة (قصة سريالية)
-
يوتوبيا الواقواق (قصة سريالية)
المزيد.....
-
ورد الطائف يُزهر في قائمة التراث العالمي لليونسكو والحناء تل
...
-
معرض العراق الدولي للكتاب يستقطب الشخصيات الثقافية والرسمية
...
-
فايزة أحمد الفنانة الجريئة التي مُنعت أشهر أغنياتها لأكثر من
...
-
صور| إبداع فوق الخشبة: طلبة معهد فنون الكرخ يتألقون في معرض
...
-
دار مزادات ألمانية تعرض لوحة فنية -فارغة- بمليون ونصف دولار!
...
-
-الشتاء في ضواحي موسكو- يقدم مواعيد عروضه الجليدية
-
لماذا يتقاتل البشر؟ سوسيولوجيا الحرب والعنف وصعود الوحشية ال
...
-
صور| إبداع مسرحي في معرض العراق: تربية الكرخ تُبهر الزوّار ب
...
-
السعودية ومصر تسجلان -السمسمية- بقائمة اليونسكو للتراث غير ا
...
-
اختتام مؤتمر -مستقبل المتاحف- بمتحف الفن الإسلامي
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|