أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نائل الطوخي - الرسالة الكامنة للانتحاري















المزيد.....

الرسالة الكامنة للانتحاري


نائل الطوخي

الحوار المتمدن-العدد: 1776 - 2006 / 12 / 26 - 10:38
المحور: الادب والفن
    


1
في اليوم الأخير ما قبل وفاة والدتي ذهبت معها إلى طبيب نفسي. كانت المرة الثانية لها لزيارة طبيب نفسي. الطبيب الذي كانت تذهب إليه من قبل قطعت صلتها بها منذ ان ناداها يوما باسمها مجردا لا تسبقه كلمة "حاجة" أو "مدام". كانت مع أخي ساعتها. لم يرق لها هذا النداء، ولا راق أحدنا. في اليوم الأخير ما قبل الوفاة قالت لي أنها لا تريد الذهاب إلى الطبيب النفسي. قلت لها أن هذا ضروري وهونت عليها بعدة عبارات. عند الطبيب قالت له أنها ترى أناسا كثيرين ماتوا منذ فترات طويلة. سألها الطبيب إن كانت تراهم في الحقيقة أم كان يخيل إليها انها تراهم ففكرت طويلا ثم قالت أنها لا تعرف. أنها لا تذكر.

الذهاب إلى الطبيب النفسي كان هو التأشير وقتها على الجنون. وأنا من تسببت في هذا، أنا من ذهبت بها إلى الطبيب النفسي، برغم قولها لي أنها لا ترغب في هذا. الطبيب كان عليه أن يكشفها داخليا ويخلصها من كل أقنعتها، يناديها باسمها مجردا. في اليوم التالي كانت ملقاة على أرض الشارع. بعد أن قطعت كل تلك المسافة من الطابق الخامس في الهواء.



2

في الستينيات، ومثل الكثير من قريناتها في ذلك الوقت، خرجت أمي في رحلات تابعة للجامعة، ارتدت فيها جيبات قصيرة نسبيا، ربما تكون قد ارتدت النصف كم في بعض الصور. لا أذكر بالضبط. كانت تقرأ إحسان عبد القدوس الإباحي ونجيب محفوظ الوجودي ويوسف السباعي الرومانتيكي. بدءا من الثمانينيات سيكون تحول كبير قد طرأ عليها مثلما على جميع العائلات المصرية وربما في الشرق الأوسط كله. ارتدت الحجاب. أصبح البطل الوحيد لقراءاتها هو الشيخ محمد متولي الشعراوي. في يوم من الأيام، أسمعها تحدث إحدى صديقاتها في التليفون عن شاب أوصلته بسيارتها عندما كانت شابة في طريقها، شاب أشار لها فتوقفت وأوصلته بسيارتها. أردفت أنها الآن صارت تخاف من فعل هذا، برغم أن زهوة شبابها راحت ولم تعد مطمعا مثلما كانت في شبابها. خلصت بحكمة عن الجبن الذي يرتبط بالتقدم في السن. على أي حال، لم تكن هذه هي الحكمة المطلوبة، كانت الحكمة المطلوبة ترتبط بشكل أساسي بالفارق ما بين الستينيات والتسعيينات، برغبة الشابة السابقة، في أن تتحول إلى "حاجة"، إلى أم مقدسة، محاطة بالأردية التي لا تكشف إلا عن وجهها وكفها.

أوصتني أمي بحرق صورها القديمة عندما تموت، وهو ما لم يحدث حتى الان، ليس أساسا بدافع التحريف الشرير لوصية الأم ولكن بدافع الكسل بالأساس ثم يليه التحريف، عدم الالتزام، الرغبة في الاحتفاظ بشيء جميل يعود للستينيات. كانت الوصية موجهة لي بالأساس، أنا الابن الطيب الحبيب الذي يصلي كل فرض في موعده وله آراءه المتشددة بخصوص الحرام والحلال. ولم أنفذ أنا الوصية. كنت أنا هذه المرة من عرضتها للكشف. كنت أنا من احتفظت بصورها التي لا تبدو فيها محتشمة مثلما أصبحت تبدو في الثمانينيات والتسعينيات. وكنت أنا من رافقتها في سيرها إلى الطبيب النفسي، سيرها الذي سبق انتحارها بساعات معدودة.



3

سبقت انتحار أمي فترة طويلة من التوترات بيني وبينها، علاقة مشتعلة بالأساس. كنت قد أصبحت طالبا في الجامعة. وكان خالي قد توفى ومن قبله جدتي، اي أنها قد صارت بمفردها تماما في عالم لم تعد قادرة على مواجهته. صارت أعصابها مشتعلة تماما ومتنبهة لأي إشارة إلى وحدتها التي غدت يائسة الآن. تشاجرنا معا لساعات طويلة. كنت قد بدأت أؤمن ببعض الأفكار التي رأتها غريبة في تلك الآونة. لم تحتملها. ما بين فزعها على مصير ابنها وبين ما رأيته أنا تحجيما لي وانتقاصا متواصلا من شأني نمت تلك الغابة من المشاحنات وإساءات الفهم والإهانات المبطنة بيننا، ولم يحد شيء من نموها. لم أبال في البداية بشكواها من خوفها الذي يمتد لساعات طويلة من أشياء مجهولة. ظننته شيئا طبيعيا سوف يذهب لحاله. في يوم 5 مايو 2000 كان الموضوع قد انتهى. كنت قد أصبحت قاتلا بشكل نهائي.

كانت أعصابي قد ضعفت قبل ذلك بكثير. في كثير من مشاجراتي معها كنت أنهار عصبيا وأظل ابكي لساعات طويلة. كنت ضحية مطلقة في عين نفسي. في إحدى المرات صارحتها بالرغبة التي كانت قد تعاودني منذ حين لآخر. قلت لها أنني عندما تطلعت من شرفتي الآن فكرت في إلقاء نفسي منها. مساءً بعد منتصف الليل بساعات طويلة، صحوت على صوت حركة غريبة في شرفتي. رأيت أمي تخرج منها. تعود إلى غرفتها.

ما الذي جعلها تقف في شرفة غرفتي في وقت متأخر كهذا؟ هل تكونت في هذه اللحظة البذرة الأكثر حسما في مشروعها الذي ربما كانت تعد له من قبل بفترة طويلة، انتحارها؟ لا أعرف بالضبط. عندما فوجئت بها مسجاة على رصيف بيتنا كنت قد فهمت أشياء إضافية عن القاتل والضحية، عن الانتحار والاستشهاد وافتداء النفس.



4

المنتحر ليس شخصا يائسا، أو أن يأسه ليس هو الصفة الحاسمة فيه، وإنما الرغبة في الانتقام، في إيذاء الغير، في التأكيد لهم بشكل عملي أنهم يأذونه وأن الموت أفضل بدونهم. هذه الرغبة المسيحانية في إثارة التعاطف عبر استخدام السلاح المطلق: الموت، لا يمكن مقاومتها. في الحب تكون هذه الفكرة هي الأكثر شيوعا، مضافا إليها شيئا ما آخر، عبر انتحاره يصبح المحب أكثر أهمية لدى محبوبه، يصبح موته هو الورقة الرابحة، ولكن الأخيرة، التي يستولي بها على قلب المحبوب ولو على شكل تعاطف ليس إلا. يصرح كثير بعد فشل محاولات انتحارهم أن انتحارهم كان مقصودا به توجيه رسالة ما، لذويهم أو لأصدقائهم أو لزملائهم، أن حياتهم بعد موتهم ستختلف قبل موتهم، وأنهم بهذا مهمون جدا لديهم، حتى وإن لم يشعروا بهم وقتها. ليس أن الانتحار الخالص، اليائس تماما، غير موجود، ولكن ما يعمل عليه الإعلام عادة هو الانتحار "الرسالي"، الانتحار الذي يقصد به شيء ما. شخص ما يحرق نفسه احتجاجا على موقف ما لحكومة ما. إضراب عن الطعام أفضى إلى الموت. ليس إلا هذا المشهد هو ما يخلق خبرا.

حرم الإسلام الانتحار، كما يقال بين الناس لأنه من ييأس من روح الله هم الكافرون، أي أن اليأس الكامن في الانتحار هو المكروه. أما الرسالة الكامنة في الانتحار فهي مرحب بها. لنتذكر الصراع العربي ضد اسم "الانتحاريين" التي تطلق على من يقتلون أنفسهم بغرض أكبر من قتل النفس، بغرض "رسالي". وحتى لو فشلوا في موتهم، حتى لو لم يقتلوا إلا أنفسهم، فإن التعاطف معهم يظل قائما، ولنتذكر الصراع ضد التفسير المتعاطف للانتحاريين بأنهم أشخاص يائسون تحولوا إلى قنابل موقوتة بسبب من أوضاع بلادهم تحت الاحتلال. الرسالة هنا أهم من كل شيء، وليس اليأس أو الكآبة التي يمر بها المنتحر، والرسالة اهم كذلك بالنسبة للمنتحر. كل شرائط الفيديو التي يسجلها الفدائيون قبل انتحارهم، تحرص قبل أي شيء على إبعاد أي فكرة عن اليأس وتسليط الضوء على الرسالة، المهمة التي لأجلها سيتم هذا الفعل. لم يكن التعاطف مع الانتحاريين موجة سطحية فحسب، بل تمنى كثير من المتعاطفين لو يكون مكان من يفتدي نفسه لأجل وطنه.

من وجهة نظر الجانب الآخر من المعركة، في إسرائيل، ليس الانتحاريون سوى قتلة. وفي الخطاب الغربي، والإسرائيلي، تصبح كلمتا "الشهيد" أو الانتحاري مرادفين للقاتل، لا يهتم هذا الخطاب بكون القتل جاء أصلا عبر الانتحار، يتم هنا تماما تهميش دور قتل النفس لأجل التركيز على قتل الغير، أي أنه في الحالتين، العربية والإسرائيلية، يتم تهميش فعل الانتحار، فعل اليأس، لصالح الفعل المشهدي، الذي يصبح إجراما على جانب وفداء على جانب آخر. ليس لليائس من أحد يعني به، ولا خطاب يستوعب دوافعه، وفي النهاية، هو إنسان قاتم لا يصنع خبرا.

بالإضافة إلى هذا، لدى الجانب الإسرائيلي أسباب قوية لرفض النظر إلى فعل الانتحار هذا باعتباره قتلا في الأساس قبل أن يكون انتحارا، إنه رفض التحول من ضحية إلى قاتل، إلى قاتل يجبر ضحيته على الانتحار أمام عينيه. كان اليهودي قد انتحر سابقا، في قلعة متساداه التي حاصره فيها الرومان، وفي حصار جيتو وارسو على أيدي النازيين. انتحر اليهودي الضحية وقتها أمام قوى الشر الآخذ في التقدم وهاهو الفلسطيني ينتحر أمام قوى الشر الآخذ في التقدم. رفض هذا التحول من ضحية إلى قاتل هو ما يبعد الانتحار عن أهدافه، يختزله ويجعله إجراما لا غير في أعين الإسرائيليين الذين لا يطيقون أي تبدل في الهويات المطلقة لهم باعتبارهم ضحايا أبديين.



5

في برنامج "أنا والناس" الذي عرضه التليفزيون المصري وقدمه النجم حسين فهمي عرض حوار مع فتاة حاولت الانتحار سابقا. كانت أسرة الفتاة قد رفضت شابا تقدم لخطبتها فقررت الفتاة أن تنتحر. قالت أنها كانت تقدم درسا لأسرتها. تعجب النجم الكبير وسألها ماذا سيفيدها هذا طالما أضحت ميتة فلم تعقب. في فيلم "الجنة الآن" لهاني أبو أسعد، يتم عرض نفس الهم بشكل ساخر. في أثناء تسجيله لخطابه الأخير، يذكّر الانتحاري أمه بفلاتر مي رخيصة يمكنها أن تقتنيها، قبل ساعات من العملية المفترضة التي سيضحي فيها بروحه. المنتحر، وخاصة الحالة الإعلامية منه، ينظر للبعيد، ليس إلى السماء، برغم كل اللغو عن عذراوات الجنة التي تنتظر الشهيد، اللغو المعتاد في الخطابين، الإسلامي والمعادي للإسلام، ولكن إلى الأرض، إلى الشيء الذي تمرس عليه، ليس إلى شعبه وليس إلى فلاتر المي بالتحديد، وإنما إلى هالة قداسته هو بالذات، الهالة التي اعتاد على رؤية الشهداء القدامى يحظون بها. في السياسة مثلما في الحب، يسعى كذلك المنتحر لتأديب أعدائه، عبر خلق صورته هو، هو الخير المطلق، اليأس المطلق، الضحية المطلقة، أمام كل تلال الشر التي دفعته للانتحار. يسعى للانتصار على أعدائه عبر الخطاب. هذه الرغبة في الانتصار تنبع، شئنا أم أبينا، من داخل بئر ضخمة من اليأس، فبشكل محزن، لا يسعى للانتصار عبر الخطاب إلا أناس مهزومون ومحطمون في الواقع. هذا هو القدر القاتم الذي لن يصلحه أي خطاب حماسي.



6

في هذا اليوم، الحاسم والمفاجئ، إذن، كنت قد تحولت من ضحية، من شخص مستعد لقتل نفسه، إلى قاتل، إلى شخص تسبب في انتحار والدته. لم استطع التعايش مع هذه الفكرة طويلا، كان عقلي اللاواعي يبعدها عنه كلما لاحت له. تلمست أي عذر يؤكد لي بأنني لم أكن السبب في رحيلها، وبهذا الشكل الصادم. هل كنت أنا من فعلت هذا؟ هل كنت أنا من فككت الهالة المقدسة حول الحاجة الطيبة التي كانت أمي؟ عرضت صورها القديمة أمام العيون، هل أسهمت مثلما فعل طبيبها، في تحطيم أسطورتها الذاتية عن نفسها، عبر مجادلتها الطويلة في أفكارها ومواجهتها بأفكار أخرى، تبدو لها غريبة ومثيرة للقلق. وعبر تبادلية فعل الانتحار بيننا، أنا الذي قلت لها أنني فكرت في إلقاء نفسي من الشرفة ثم تطوعت هي بأن تفعل هذا، بأريحية مرعبة، كانت أمي ترفض بشدة تحولها إلى قاتل، تفضل عليه بشكل مطلق دور الشهيد الذي ليس فقط أنه يضحي بنفسه لأجل شعبه وإنما أيضا يعذب الآخر، إما لأنه دفعه إلى هذا الانتحار، لأنه قتله، عبر وضعه في ظروف بائسة تجعل الموت أفضل من الحياة، مثل الإسرائيلي الذي يحتل أرضه، أو لأنه لم يأخذ هو زمام المبادرة وينتحر هو، مثل الفلسطيني الآخر المنتفع من الحياة. يمارس الشهيد هاتين الوظيفتين، الأولى متعلقة بإحياء شعبه، والثانية متعلقة بتحويله، بتحويل هذا الشعب، إلى قاتل. عبر الوظيفتين يؤكد المنتحر على سموه الأخلاقي، على قدسيته، هو يسوع الجديد الذي يفدي نفسه لأجل ذويه.



7

كان أشد أحلامي كابوسية هو ذلك الذي أقتل أخي فيه. أقتله بشكل لا واعي. في مشاجرة بسيطة بيننا نتدافع بالأيدي فأجده على الأرض قتيلا. أستيقظ دوما من هذا الكابوس عرقانا وأحمد الله أنه مجرد حلم. لا أعرف أناسا كثيرين يخافون موتهم، ربما على النقيض، يفكر جميع أصحابي في شكل موتهم، يخترعون له مناسبات وأوقات رومانسية. منذ أن بدأ العالم يفكر في طقوس الموت، الكلمات التي تقال ساعتها أو لحظات استقبال الملائكة بعد الموت، وهو يعي أن هذه المنطقة، منطقة الموت، ليست محظورة تماما. فهي واحدة من أهم العوامل التي تحسم حياة الأحياء، ولنتذكر قصص الأطفال عن الوصية التي يلقيها المحتضر على لسان أبنائه وتغير حياتهم تماما. الرعب الأساسي، الخوف الذي لا راد له، يتعلق بتحول المرء إلى قاتل، الوقوف على هذه العتبة الفاصلة بين موت وحياة شخص آخر، تحول الإنسان إلى إله بيده الموت والحياة، النظر في عيني شخص يموت بسببه، هو شيء يبدو أوسع من خيال العالم.

بالمقارنة بهذا، يبدو القتل الجماعي أكثر رحمة كثيرا بالنسبة للقاتل. لا يحوي القتل الجماعي على أي نظرة مباشرة لعيني الضحية، وإنما يتعامل فيه القاتل مع حالة، مع فكرة عليه أن ينتهي منها، مع هدف “target” وطني وأيديولوجي أساسا. هذا بالنسبة للقاتل، المحارب، الفدائي أو حتى الشرطي. أما بالنسبة للشخص العادي فإن رعبه يتصل بالقتل اللاواعي، التحول فجأة إلى قاتل لا يعرف كثيرا عن جريمته، دفع شخص ما إلى الانتحار، قتله بدون قصد، الاكتشاف المتأخر للإسرائيليين أنهم مسئولون عن جعل حياة أناس يقتلون أنفسهم أمامهم لا تطاق. من بين الأخوين، كان قايين هو الشخص الأكثر عذابا، كان هو الملعون من قبل نفسه وأبيه، رحل هابيل بسلام أما الندبة فكانت من نصيبه هو. هذه الندبة هي لعنة إسرائيل اليوم.



8

في طفولتي، في بداية الثمانينيات، سمعت أمي تتحدث بشوق عن رغبتها في ارتداء الحجاب، كانت تؤجل تحقيق هذه الرغبة إلى الحج، ثم قررت أن ترتديه قبل أن تحج إلى مكة. منذ ارتداءها الحجاب لم يعد أحد يناديها إلا بكلمة "الحاجة". أسهم الحجاب كثيرا، قبل أن يتحول إلى حالة عامة، أي أننا مازلنا في الثمانينيات، في توديع الفتاة لدور الفتاة وانتقالها إلى دور الأم، الأم المقدسة، الغامضة، ذات الطبيعة المتجاوزة، وما يعرفه الغرب بالنسبة ل"عدم التدخل في الشئون الخاصة للفرد" يعرفه الشرق الأوسط من الآن فصاعدا مرتبطا بالحجاب. الخوف من العري هو رعب كابوسي بالنسبة للفتاة، وهو يرتبط بحجابها، الرعب من انكشاف خصوصيتها، شعرها، أمام الغرباء، ولأنه رعب كابوسي، فهو مرتبط بالموت بشكل أساسي. تفضل بعض الفتيات، والسيدات بالأحرى، الموت على السير كاشفات شعرهن في الشارع. الفضيحة تعني الموت، الحد الذي لا حياة من بعده.

قبل موتها كانت تنتاب أمي ساعات خوف طويلة من أشياء متعددة وغامضة، ولكنها كانت كلها تدور في فلك واحد وهو البعد عن الإيمان القويم، كانت تخاف من مشاهد النساء العارية في التليفزيون ومن سماعها لأي أفكار تخرج عن نطاق الإسلام الإيماني الذي تمرست عليه. ربما اعتقدت أن العالم من حولها تمرح فيه شياطين بلا عدد تهدف جميعا لخلخلة إيمانها. وبرغم هذا كله، عندما ألقت أمي بنفسها من الشرفة كانت سافرة.

كشف الشعر يعني الموت، والانتحار المشهدي، الفدائي، الرابط بين خلع الحجاب والموت، هو الرد الوحيد المناسب على عهر العالم، على الطبيب الذي ناداها باسمها مجردا، عليّ أنا الذي لم أتوقف للحظة عن التشكيك في أفكارها، على مشاهد التليفزيون غير الأخلاقية، وعلى ماضيها الطويل الذي تعايشت فيه مع أفكار متحررة نسبية وآمنت فيه بأفكار تبدو لها الآن وكأنها الطريق الوحيد لجهنم.




#نائل_الطوخي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معارضو الشارع واولاد الشوارع
- عن اطفال الشوارع و معارضي الشوارع
- قراء غير جيدين أو تجار متنكرون: مجانين مكتبة الاسرة
- الحجاب صليب المسلمين
- الشيعة ما بين حزب الله و الكائنات ذوي الذيول
- الروائي الإسرائيلي دافيد جروسمان: انظروا كيف شاخت إسرائيل
- من كفر قاسم الى بيت حانون:ولازال القتل مستمرا
- الإخوان المسلمون يشترون طواقي حماس في مؤتمر بعنوان لبيك فلسط ...
- بيني و بين أبي. بين الإخوان والقاعدة
- كتب المسلمين الاعلى مبيعا في اسرائيل.. اشكال من العنصرية ضد ...
- الرواية بعد محفوظ.. العقوق الجميل لأبناء الجبلاوي
- يوم الكيبور.. صفعة لصورة الدولة التي لا تقهر
- السلطة المطلقة للافيه الرمضاني.. من الشعر و المسرح إلى شوقية ...
- حسين عبد العليم: تحريم الجنس أمر ممل جدا
- الأم المقدسة، أمي، الأرض و الهوية
- أمي، الأم المقدسة، الأرض و الهوية
- عن تصريحات البابا و الأديان المصابة بالزهايمر
- صلالة مدينة تشبه الألعاب الإلكترونية
- الجمالية ترد الحكي على نجيب محفوظ
- تشومسكي: أمريكا تعجل بنهاية العالم


المزيد.....




- الامتحانات في هذا الموعد جهز نفسك.. مواعيد امتحانات نهاية ال ...
- -زرقاء اليمامة-... تحفة أوبرالية سعودية تنير سماء الفن العرب ...
- اصدار جديد لجميل السلحوت
- من الكوميديا إلى كوكب تحكمه القردة، قائمة بأفضل الأفلام التي ...
- انهيار فنانة مصرية على الهواء بسبب عالم أزهري
- الزنداني.. رائد الإعجاز وشيخ اليمن والإيمان
- الضحكة كلها على قناة واحدة.. استقبل الان قناة سبيس تون الجدي ...
- مازال هناك غد: الفيلم الذي قهر باربي في صالات إيطاليا
- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نائل الطوخي - الرسالة الكامنة للانتحاري