أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - طارق الورضي - الإعلام وصناعة الرأي العام















المزيد.....

الإعلام وصناعة الرأي العام


طارق الورضي

الحوار المتمدن-العدد: 8116 - 2024 / 9 / 30 - 23:07
المحور: الصحافة والاعلام
    


لا مناص من الاعتراف و التسليم بدور الإعلام الهادف وتأثيره البالغ في صناعة الرأي العام و توجيه الفكر الفردي و الإجتماعي، و تحريك سيكولوجية الجماهير وترويض الذوق العام، فنحن نعايش طفرة تاريخية حافلة بانتعاش التكنولوجيا الرقمية وغزوها للفضاء السمعي البصري، و في ظل تنوع موارد استقاء الخبر و كثرتها، تبرز مدى هيمنة الإعلام على حياتنا العصرية ومدى تحكمه في صناعة الأذواق و بلورة الافكار، فوسائل التواصل الاجتماعي التي صارت متاحة لدى أغلب فئات و شرائح المجتمع تتجاوز دورها الترفيهي لتدخل في خانة التأثير المباشر على العقول و الافكار و توجيه السلوكات الفردية و الجماعية و تغيير منظومة القيم، و لا شك أن وسائل التواصل هاته أرخت بظلالها على نمط حياتنا اليومية وواقعنا المعيش وصرنا لا نستطيع الفكاك منها ومن تأثيرها على افكارنا و سلوكياتنا، فعلى الرغم من أنه لا يمكن أن نتجاهل مدى إسهامها في مد جسور التواصل بين أفراد المجتمع و تسهيل انسياب و تشاطر المعلومات بينهم في سياق عالم افتراضي طافح بما استجد و استحدث من أخبار، إضافة إلى شقها الترفيهي، لاينبغي كذلك أن نتناسى خطورة الدور الإعلامي الذي تطبع به جل مظاهر حياتنا اليومية.
لقد صار صنع و ابتكار الإسفاف و الابتذال و التفاهة صفة ملازمة لمشهدنا الإعلامي المأزوم، و صار منطق الربح المادي هو الدافع الأساسي من وراء أغلب المنتوجات الإعلامية المطروحة على الساحة، وهذا يفسر إلى حد كبير مدى رداءة البرامج التي تعرض يوميا على المشاهد المغربي و مدى افتقادها للدقة و الحنكة و المهنية بل و مدى إسهامها في إخصاء الأذهان و تنويم العقول و تبلد الحواس بصناعة نوع من الترفيه التافه و الرخيص الذي يدغدغ عاطفة الجماهير و يعزف على أوتار الأحاسيس و المشاعر في تغييب تام لتحريك العقل و إستقصاء ملكة الحس النقدي لدى المشاهد حتى يستطيع التمييز بين الغث و الثمين فيما يعرض عليه من برامج في سياق ثنائية نطلق عليها علاقة الوارد بالمتلقي. و نقصد بذلك إلى أي مدى يتمتع المشاهد المغربي بحاسة نقدية تمكنه من قراءة ما وراء السطور فيما يعرض عليه يوميا من مادة إعلامية و هل يستطيع سبر اغوار الخطاب الإعلامي لتشريحه ثم تقسيمه إلى معطى جيد و معطى ردئ.
في ظل كثافة المشهد الإعلامي و تعدد منابره ينجرف قطاع عريض من الجماهير وراء تيار الابتذال و التفاهة عن سبق إصرار أو بدون وعي بذلك و ترتسم صورة قاتمة لمن يحملون الفكر الخلاق و الثقافة الرصينة و المعلومة الهادفة لأن تأثيرهم في توجيه الذوق و الفكر الاجتماعي العام يكاد يكون منعدما إلا من بصيص ضئيل من النور يلوح في الافق من هنا و من هناك من حين لآخر.
إن استبعاد رجال و نساء الفكر الخلاق و الثقافة الرصينة و الابداع الحر و العلم البناء، عن ساحة قنواتنا الإعلامية الموجهة و المتحكم فيها، في مقابل تخصيص فقرات إعلامية زمنية مهمة للوجوه المبتذلة التافهة المغرقة في الإسفاف و الرداءة و الجهل المركب يرخي بظلاله بشكل سلبي جدا على المشاهد المغربي و يخلق انطباعا عاما بأن تحقيق الشهرة و المال يمر بالضرورة عبر الرداءة و التفاهة و الخواء المعرفي و العوز الثقافي، وهي رسالة مبطنة خطيرة يلتقطها أفراد المجتمع و في مقدمتهم الناشئة و الشباب الصاعد الذين يفتقدون للمثل الأعلى و القدوة السامية التي قد يتخذونها منحى ومسارا في حياتهم و مستقبلهم، و في ظل تغييب هاته القدوات الرائدة عن مشهدنا الإعلامي فإن الساحة تخلو لكل من هب و دب من رموز الإسفاف و الرداءة و الابتذال و الاستلاب الثقافي و المسخ الهوياتي و العفن الفني.
تعرفنا في شق الاول على تمظهرات سلطة الإعلام في حياتنا اليومية المعيشة، فمن يتحكم في صناعة هذا الإعلام و من يحرك الخيوط التي تمسك بزمامه من وراء ستار؟
يظل الإعلام وهو السلطة الرابعة منبرا متحكما فيه بقوة وموجها في كل مظاهره بسطوة الحكم أو السلطة الحاكمة، و كما تخضع السلطة الحاكمة في الدول المتخلفة كل مظاهر الحياة السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية لصالحها، فإن رحاها تضم الإعلام كشق متحكم فيه وفق توجهات و تعليمات القوى المتنفذة في الحكم خصوصا تلك التي ترعى الريع و الفساد السياسيين و تغتني من إهدار المال العام و تسلط آلتها القمعية لمصادرة الحناجر الحرة و مطاردة الاقلام المناضلة و تكميم الافواه و تأميم العقول، وهذا يفسر حملات المطاردة و الاعتقال الاعتسافي و التوقيف المتعمد التي شملت عديدا من الأوجه الإعلامية و الصحافية المناضلة الحرة، منها من ينشطون على صفحات التواصل الاجتماعي و منها نشطاء حقوقيين ميدانيين، طالتهم يد المنع و الاعتقال الآثمة لمجرد أن خطهم التحريري و اتجاههم الفكري و مواقفهم الشخصية لا تروق لأصحاب السلطة و صانعي القرار في ظل مشهد هلامي متكلس يذكرنا بعصور الظلمات و الرصاص حيث تصادر الحقوق و تعتقل الافكار و تقوض الحريات و بذلك يتلاشى و يتبدد أي حديث عن دولة المؤسسات و الحق و القانون و يضيع مفهوم المجتمع المدني بين ثنايا مصطلحات محنطة لا تسمن و لا تغني من جوع.
لا يمكن أن نتصور إعلاما حرا فاعلا في ظل سطوة الرأي الواحد، و في سياق غياب فصل السلط و استقلالية القضاء، و إلا كان ذلك ضربا من الوهم ليس إلا. فإن الإعلام الحر لا يمكن أن يعيش و أن يتنفس إلا في ظل بيئة ديمقراطية سليمة و سوية تسمح بحرية الرأي و الرأي الآخر و تأخذ على عاتقها احترام بنود الدستور في قانون الحريات العامة، و تضرب بقوة على يد من تسول له نفسه أن يتطاول و يتجاسر على نصوص القانون خدمة لأهداف شخصية أو حزبية أو عشائرية، أو أن يكيف نصوص القانون وقفا لما يخدم مصالحه و يعزز نفوذه و سطوته.
إن الإعلام لا يشذ عن المنظور العام التي تسير وفقه السلطة المستبدة أمور الشعب، فهي تمسك بزمامه بقوة خشية أن يطال تأثيره العقول فتستنير و ترتقي و تعي كل ملابسات الواقع السياسي و الاجتماعي المعيش ، فتتحول إلى أمواج هادرة من المحبطين و الساخطين و الثائرين و المناضلين المطالبين بمحاسبة رموز الفساد و الريع و الاستبداد و هادري المال العام و بإقرار العدالة الاجتماعية و المجالية و رفع شعار الحرية و تبني الديمقراطية السياسية الفاعلة و البناءة بعيدا عن الخطابات العقيمة الجوفاء التي تدغدغ مشاعر العامة، وهذا الحراك هو الكابوس الذي يقض مضجع المتنفذين و المستبدين القابعين على سدة الحكم، لأن تحرير العقول هو تحرير للشعوب من القيود المصطنعة و كسر لحاجز الخوف و إنذار بانقلاب الموازين لصالح جماهير الشعب التواقة للانعتاق من إسار الاستبداد و القمع و القهر و التفقير، و هو ما سيقلب الطاولة على قوى الاستبداد و القمع و يتنزع منها كل الامتيازات بما فيها الحصانة السياسية، و يجعلها عرضة للمحاسبة القانونية عن جرائمها السياسية و الاجتماعية في حق المواطنين.
كل سلطة مستبدة تطمح إلى جعل الأعلام وسيلة لتلميع صورتها القاتمة و المهتزة أمام الرأي العام، عن طريق الترويج لخطاب إعلامي يروم تزييف و عي الجماهير و تمويه حقيقة الوضع القائم، عن طريق التفنن في تجميل هذا الواقع المأزوم بمختلف المساحيق من قبيل إدعاء أن السلم الاجتماعي قائم و لا خوف عليه في ظل انتعاش الديمقراطية وسيادة القانون وأن البلد لا تعيش أية أزمات سياسية أو اجتماعية وأن الاقتصاد يعرف انتعاشا ملحوظا وأن المواطن راض بالوضع القائم و مرتاح في ظله، و كل هاته الادعاءات عارية عن الحقيقية لا تسندها أية معطيات من الواقع المعيش و لا يقر بها المواطن السوي، غير أنها تظل وسائل مصطنعة لترويج الوجه المشرق للسلطة الحاكمة على مستوى الداخل و الخارج، و إعطاء الانطباع بأن الحياة السياسية و الاجتماعية لا تعرف أي احتقان و أن السلطة قائمة بدورها الدستوري في رعاية الشأن العام و هو وهم تحاول السلطة القائمة تمريره بكل الطرق و الوسائل ليسير حديث الراي العام و لتختفي في ثناياه الحقيقة المرة التي يعضدها الواقع المعيش ويلامسها المواطن عن كثب.



#طارق_الورضي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإمتحانات الإشهادية بين الشواهد الورقية و الضحالة المعرفية
- واقع الامتحانات الإشهادية بين الأمس و اليوم
- واقع الامتحانات الإشهادية بين الأمس واليوم
- حراك الجبهة الإجتماعية بالمغرب في ظل تنامي معضلة التضخم
- نقد سياسات الطغمة الحاكمة بالمغرب و تداعياتها على الشأن العا ...
- على هامش التصريح الأخير لوزير التعليم العالي و البحث العلمي
- سلطة الإعلام و إعلام السلطة
- المهرولون : قراءة في مخرجات الحوار الاجتماعي بين الحكومة و ا ...
- الحراك الشعبي الأخير في ظل استعار موجة الغلاء
- شهادة الباكالوريا و دلالاتها في الميزان
- لماذا أقاطع التصويت في الانتخابات المغربية


المزيد.....




- ضابط ألماني: أمل زيلينسكي في الغرب خاب
- السبب الكامن وراء الشعور بالتعب المستمر
- رئيس وزراء السويد كريسترسون يطالب الاتحاد الأوروبي بتصنيف ال ...
- -القبول بحل الدولتين أصبح أكثر إلحاحاً بعد السابع من أكتوبر- ...
- الكرملين: الحديث عن تهديد روسيا -الناتو- مغلوط وغير منطقي
- الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيرتين قادمتين من سوريا
- الإعلام العبري يقارن بين حرب 6 أكتوبر وأحداث 7 أكتوبر
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا الحرب الإسرائيلية على القطاع ...
- دمشق.. وصول طائرة مساعدات فنزويلية للنازحين اللبنانيين (صور) ...
- تزامنا مع -القمر الدموي العملاق-.. اكتشاف ارتباط بين البدر و ...


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - طارق الورضي - الإعلام وصناعة الرأي العام