أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - ساعة إينشتاين














المزيد.....

ساعة إينشتاين


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 8044 - 2024 / 7 / 20 - 16:13
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أركيولوجيا العدم
العقل المحاصر
١ - ساعة إينشتاين

في نص كتبه ألبيرت إينشتاين مع ليوبولد إنفيلد Albert Einstein et Léopold Infeld بعنوان " تطور المفاهيم في الفيزياء، نشر بالفرنسية تحت عنوان L’évolution des idées en physique، ونشر محمد عابد الجابري فقرات منه في كتابه " مدخل لفلسفة العلوم". في هذا الكتاب، أكد ألبرت أينشتاين مع الفيزيائي إنفيلد بنهجهما الواقعي في الفيزياء ومباديء ميكانيكا الكم quantum mechanics، أكدا أن الإيمان بـ "الواقع الموضوعي - objective reality" أدى إلى تقدم علمي كبير عبر العصور، وبالتالي أثبت أنه مفهوم مفيد وضروري حتى لو لم يكن قابلاً للإثبات العلمي الصارم، وذلك لأنه بدون الإيمان بإمكانية إدراك الواقع من خلال بنائنا النظري، وبدون الإيمان بالانسجام الداخلي لعالمنا، لن يكون هناك علم على الإطلاق. وننقل هنا جزء من هذا النص الذي أورده الجابري كملحق في نهاية كتابه " مدخل لفلسفة العلوم" :
"المفاهيم الفيزيائية إبداعات حرة للفكر البشري، وليست كما يمكن أن يُعتقد، محددة فقط من طرف العالم الخارجي وحده. والمجهود الذي نبذله لفهم العالم يجعلنا أشبه ما نكون بالشخص الذي يحاول فهم آلية ساعة مغلقة، فهو يرى ميناءها ويشاهد حركة عقاربها، ويسمع صوت تكتكتها، ولكنه لا يمتلك أية وسيلة تمكنه من فتح صندوقها الصغير. وإذا كان هذا الإنسان على قدر كبير من الذكاء فإنه يستطيع أن يكوّن لنفسه صورة ما عن جهازها الداخلي الذي يعتبره مصدر حركة عقاربها، ولكنه لن يكون قط على يقين بأن الصورة التي كونها في ذهنه عن حقيقة التركيب الداخلي لهذا الجهاز، هي وحدها القادرة على تفسير ملاحظاته. إنه لن يتمكن أبدا من مقارنة صورته الذهنية هذه مع الجهاز الواقعي، بل إنه لا يستطيع حتى تصور إمكانية أو دلالة مثل هذه المقارنة. غير أن الباحث (الفيزيائي) يعتقد، بكل تأكيد، أنه بمقدار ما تنمو معلوماته، بمقدار ما تصير الصورة الذهنية التي يكونها عن الواقع، أكثر بساطة وأقدر على تفسير ميادين تتسع أكثر فأكثر، ميادين إنطباعاته الحسية. إنه يستطيع أن يعتقد كذلك بوجود حد أمثل للمعرفة التي يستطيع الفكر البشري بلوغها. ويمكن أن يُطلق على هذا الحد الأمثل إسم : الحقيقة الموضوعية .. "
وقد أستخدم ديكارت نفس المثال المتعلق بالساعة وذلك في كتابه مباديء الفلسفة الصادر باللاتينية سنة ١٦٤٤، ولكن للتدليل غلى القدرة الإلهية لخلق أشياء متشابهة ولكن بطرق مختلفة : " بنفس الطريقة التي يستطيع بها صانع الساعات، عندما يرى ساعة لم يصنعها، أن يحكم عادةً، من بعض الأجزاء التي ينظر إليها، على كل الأجزاء الأخرى التي لا يراها: وبالتالي، ومن خلال النظر في التأثيرات والأجزاء الحساسة في الأجسام الطبيعية، حاولت معرفة أي من أجزائها لا بد أن يكون غير محسوس (… ) ولكن على الرغم من أنني ربما تخيلت أسبابًا يمكن أن تنتج تأثيرات مشابهة لتلك التي نراها، إلا أنه يجب ألا نستنتج أن تلك التي نراها تنتجها نفس الأسباب. لأنه كما يستطيع صانع الساعات المجتهد أن يصنع ساعتين تحددان الزمن بنفس الطريقة، ولا يوجد بينهما فرق في ما يظهر من الخارج، ولكن ليس لهما أي شيء مماثل في تكوين تروسهما أو ميكانيكيتهما: هكذا فمن المؤكد أن الله لديه عدد لا نهائي من الوسائل المختلفة، التي يستطيع بكل واحدة منها أن يجعل كل الأشياء في هذا العالم تظهر كما تظهر الآن، دون أن يكون من الممكن للعقل البشري أن يعرف أي من جميع الوسائل أراد استخدامها لإظهارها ولخلقها."
الإشكالية التي يعالجها إينشتاين في هذا النص تتعلق بالسؤال البسيط : إذا كانت المفاهيم les concepts تنبع من العقل البشري، وإذا كانت المعرفة العلمية يجب أن يتم إنتاجها بالضرورة من قبل عقل محدود وذاتي، فكيف يمكن للعلم أن يدعي تطوير المعرفة الموضوعية للعالم ؟
ذلك أنه للوصول للحقيقة، يجب أن تتوافق البيانات العلمية مع الواقع، ولكن كيف يمكننا التأكد من مثل هذا التطابق إذا كان لدينا، من ناحية، إمكانية الوصول إلى العالم فقط من خلال التصورات الحسية وأنه من المستحيل، في نفس الوقت، الخروج من أنفسنا للمقارنة بين ما ندركه وبين الشيء كما هو في حقيقته، وإذا كان، من ناحية أخرى، لا يمكن التنظير إلا من خلال الفكر الذي هو ثمرة قدرة الإنسان على التفكير العقلي المجرد الغير القابل للاختزال إلى الإدراكات الحسية ؟ فكيف يمكن التأكد من أن الأشياء والعلاقات تتوافق مع الواقع إذا كانت المفاهيم التي تتكون منها هي من إبداعات الذكاء البشري وليست ثمرة التجربة كما نعتقد؟ فإذا كان أصل المفاهيم العلمية هو العقل البشري وقدرته على إبداعها وتكوينها، ألا تفقد "الحقيقة" القيمة الموضوعية التي يتطلبها العلم؟
وهنا تكمن تراجيدية المشروع الإنساني برمته، فالإنسان الذي قُذف به في العالم، ليس له سوى عقله لمواجهة هذا الموقف، ولا يستطيع أن يستعين سوى بـ " محتواه " البشري وما يملكه من تجارب وأحاسيس وذكريات لمحاولة فهم الظواهر والمواقف والعلاقات. فهذا الإنسان الحائر الذي يتحدث عنه إينشتاين، هو إنسان لم يفترض أي شيء خارج الطبيعة، ربما لأن تجاربه ومعارفه السابقة علمته قانون "العلية"، فهو يعرف أن حركة عقارب الساعة وتكتكها المنتظمة لا بد أن تكون ناتجة عن "ميكانيكية" داخلية وليست بسبب شياطين أو أرواح أو قوة إلهية، ذلك أنه يدرك من ناحية ثانية، أن هذا الشيء هو من صنع الإنسان، وليس جهازا سقط من السماء أو قذفه الشيطان اللعين عمدا ليحيّر الإنسان ويجعله يفقد عقله، ولهذا قال إينشتاين عن هذا الإنسان بأنه على قدر كبير من الذكاء إذا ما تمكن من تصور ميكانيكية هذه الآلة.

يتبع



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حريق الظل الطويل
- عن الأخلاق واللاهوت
- الغرامشية اليمينية
- الثقافة ضد الدكتاتورية
- الثورة المضادة في فرنسا
- الخطر الفاشي في فرنسا
- القشور
- لعبة الروليت الماكرونية
- الفلسفة الأولى
- ثقوب الوعي
- عن الميتافيزيقا
- الإنفصام
- عن كون ولا كون الكائن
- نكبة الحرف المجنون
- ماهية العدم
- طرق المعرفة
- الكينونة بين المعرفة والخيال
- العقل المفكك وبعثرة المقاومة
- الكينونة كمصدر
- سبحان الله


المزيد.....




- خبير: الكرملين لا يسعى لإسقاط النظام الإيراني بل يراهن على ج ...
- في ملجأ محصن.. خامنئي يعزل نفسه ويحدّد خليفته تحسبًا لاغتيال ...
- القبض على أول شخص من عائلة بشار الأسد في سابقة أمنية لافتة ب ...
- تل أبيب تصعّد حملتها ضدّ المنشآت النووية ال?إيران?ية وتلوّح ...
- مساعدات التنمية: ألمانيا تقلص الإنفاق على الناس الأكثر فقراً ...
- فرنسا: المنطاد الأولمبي سيعود للتحليق في سماء باريس بعد تحول ...
- بالأرقام.. هكذا يضيّق الاحتلال الخناق على خان يونس
- عبر الخارطة التفاعلية.. آخر التطورات في المواجهة الإيرانية ا ...
- ردّا على ترامب.. الكنديون يلغون رحلاتهم إلى أمريكا.. من يدفع ...
- الجيش الإسرائيلي: قتلنا قائدا آخر بفيلق القدس.. ونخوض -واحدة ...


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - ساعة إينشتاين