أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - عن الأخلاق واللاهوت














المزيد.....

عن الأخلاق واللاهوت


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 8037 - 2024 / 7 / 13 - 17:58
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أركيولوجيا العدم
العودة المحزنة لبلاد اليونان
٨٤ - الأخلاق بدلا من اللاهوت

لقد حدث تغير جوهري في الإتجاه اللولبي الذي أتخذته التيارات الفلسفية المتتالية منذ أرسطو المعلم الأول كما سماه العرب، وذلك قبل مجيء كانط وتحليله للمباديء الفلسفية الكلاسيكية. هذا التغير حدث نتيجة لتطور الفكر الديني الأسطوري وتأثيره في الفلسفة، وبالذات في المنطق، حيث وصل إلى فكرة العلة الأولى، والتي تتضمن فكرة الله أو السبب الأول، خالق كل الكائنات من العدم. وهذا الإتجاه الذي أتخذه الفكر الفلسفي متأثرا أو مندمجا في الفكر الديني، سيغير إتجاه الميتافيزيقا نحو أبعاد أكثر صلابة وجمودا، وأقل مرونة لقبول أفكار جديدة أو مغايرة. فالله عند أرسطو لم يكن سوى علة نهائية أوغائية، حيث جعل أرسطو الإله ليس المبدأ الأول للكون، بل النهائي في تراتبية تصاعدية من الجماد إلى النبات إلى الحيوان إلى الإنسان، ومن الإنسان إلى الأجرام السماوية ثم الآلهة، وتنتهي سلسلة المحركات هذه عند محرك لا يتحرك، وهو أصل الحركة بجميع أشكالها في الكون، لكن أرسطو لا يقف عند هذا المحرك الذي لا يتحرك، بل يرى أنّه يجب أن يكون هناك محرك آخر يلي المحرك الأول الذي لا يتحرك ويستمد حركته منه، وهذا المحرك هو السماء الأولى أو فلك النجوم. فإله أرسطو يتصف بالكمال لكنّه خال من القوة، ولا يدرك إلا أفضل الموجودات وهي ذاته فقط، ذلك أنّ الإله جوهر تتحد فيه الذات بالموضوع، من حيث لا يعقل إلا أشرف الأشياء وأنفسها وهي ذاته، فهو عقل يعقل العقل. هذه الصفات التي وضعها أرسطو للإله تستلزم منه أن لا يعلم العالم ولا أن يهتم به ولا أن يعرفه، لأنّ العالم شيء ناقص وفاسد، وأنّ الأشياء توجد وتنعدم، دون أن يريد الإله لها ذلك أو يعلم من أمرها شيئًا، إذا فالإله عند أرسطو منطوٍ على نفسه، لا يعلم ولا يهتم لما يقع في الكون، ولا إرادة له لما يجري فيه من أحداث، كما أنّه لا يحرك في الكون ساكنًا، فليس هو علة فاعلة في الكون، بل علة غائية، يتحرك الكون شوقًا إليه، وباستثناء ذلك فإنّ نشاط الإله يتجه بالكلية إلى داخله هو أي إلى ذاته المطلقة. وهذا ما أدى إلى ظهور تيارات عديدة تبحث في إشكالية وحدة الوجود وتعدد الكائنات. بينما الفكر الديني التوحيدي يلغي هذه الإشكالية ويفجرها في مهدها قبل أن تتكون وتتطور. فإذا كان الله هو العلة الأولى والمحرك الأول وخالق الكينونة، وليس غاية هذه الكينونة وهدفها، فإن الله وحده يستحق الوجود ويستحق إسم الكينونة .. وهكذا تحولت الميتافيزيقا إلى علم دراسة الذات الإلهية. وفي إطار هذا العلم اللاهوتي تطورت الفلسفة طوال قرون عديدة، حيث ظهرت الأدلة على وجود هذه الذات الإلهية الغامضة، ثم نقض هذه الأدلة نقدا نهائيا من قِبل كانط الذي قام بافتتاح هجومه على هذه الأدلة اللاهوتية بالاعتراض أولا على الدليل الأنطولوجي بإعتباره أهم هذه الأدلة. فكانط يرى أن العقل قد أتجه إتجاها خاطئا وأخذ طريقا مسدودا؛ لأنه ينطلق من فكرة الكائن الكامل بدلا من أن يستنتج هذه الفكرة من الواقع. إنه يفترضها مسبقا وبشكل قبلي، ليخلص إلى معرفة دقيقة عن هذا الكائن، بينما كان على الفكر أن يصل إليها لا أن يبدأ منها. وهنا يكمن التناقض، ذلك أنه يقوم على "الخلط بين المحمول المنطقي والمحمول الواقعي". وهذا ما فعله الفلاسفة، ومنهم ديكارت، فهم خلصوا إلى وجود الله الواقعي فقط انطلاقا من مجرد التصور الذي لديهم عنه في العقل. ثم يواصل هجومه على الدليل الكوزمولوجي ويحاول توضيح أنّ هذا الدليل ليس سوى الدليل الأنطولوجي نفسه متنكرا في صورة جديدة مزيفة. بما أنّه تمّ إظهار عدم صلاحية الدليل الأنطولوجي، فإنّه يرى أنّ في إمكانه أيضاً رفض الدليل الكوزمولوجي. وأخيرا يقوم بتفجير الدليل الغائي الذي يستلزمُ الدليل الكوزمولوجي على أنه أساس له، بالتالي فإنّ الدليل الغائي يفشلُ بدوره بسبب اعتماده على الدليل الكوزمولوجي الفاسد لإعتماده على الدليل الأنطولوجي. كانط في نقد العقل الخالص، حصر حدود العقل في عالم الظواهر، دون القدرة على الخوض في عالم الشيء في ذاته. وبذلك هدم كل دليل عقلي ممكن على وجود الله، وبمحاولته هذه، فهو ينفي كل محاولة لإمكانية قيام لاهوت نظري، وبذلك يقوم بالفصل النهائي بين الدين والفلسفة. لكن بالمقابل، سيضطر كانط، في نقد العقل العملي، على التدليل على ضرورة وجود الله من الناحية الأخلاقية والعملية. فالله هو من يضمن "الأخلاق الخيرة" على غرار التصور الديكارتي الذي يجعل من الله ضامنا للمعرفة بعد مرحلة الشك المنهجي؛ وذلك لأن الإنسان لا يمكن أن يأمل في بلوغ الخير الأسمى ونيل السعادة إلا عن طريق افتراض وجود الكائن المطلق الذي يمكن أن يضمن هذا السلوك. وهذا يعني، أن القانون الأخلاقي الذي يأمرنا بأن نجعل الخير الأسمى موضوع سلوكنا، لا نستطيع أن نأمله إلا بتوافق إرادتنا مع إرادة الله؛ أي إعتبار "الواجبات على أنها أوامر إلهية". بالرغم من أن عددا كبيرا من الفلاسفة اليوم يرى أنّ انتقادات كانط حاسمة ونهائية، وأنه قد قام بتفحُّص البراهين اللاهوتية التقليدية وأخضعها لانتقاداتٍ عقلية قويةٍ وثاقبة، إلا أن العديد من اللاهوتيين الجدد، وبالذات في العالم الإسلامي ما يزالون يحاولون إظهار فشل احتجاجات كانط في مقابل هذه الأدلة، ويأملون مواصلة الجدال الفلسفي حول جدارة الأدلة اللاهوتية والتخلص من العوائق العقلية التي يُواجهها أيُّ اعتقادٍ عقلاني بوجود الله.

يتبع



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الغرامشية اليمينية
- الثقافة ضد الدكتاتورية
- الثورة المضادة في فرنسا
- الخطر الفاشي في فرنسا
- القشور
- لعبة الروليت الماكرونية
- الفلسفة الأولى
- ثقوب الوعي
- عن الميتافيزيقا
- الإنفصام
- عن كون ولا كون الكائن
- نكبة الحرف المجنون
- ماهية العدم
- طرق المعرفة
- الكينونة بين المعرفة والخيال
- العقل المفكك وبعثرة المقاومة
- الكينونة كمصدر
- سبحان الله
- عن الوجود واللغة والضجر
- أول مايو وضرورة الثورة


المزيد.....




- على خطى ميتا.. أمازون تخطط للتبرع لصالح تنصيب ترامب
- بايدن يصدر استراتيجية لمواجهة الكراهية ضد المسلمين والعرب في ...
- مباشر: السلطات الانتقالية في سوريا تتعهد بإقامة -دولة قانون- ...
- الخارجية الأمريكية تعلن ما قاله بلينكن لأردوغان بشأن داعش في ...
- هل ستمنع إسرائيل من ضم الضفة الغربية؟.. ترامب يجيب
- ترامب ينتقد استخدام أوكرانيا صواريخ أميركية لضرب أهداف بروسي ...
- دعوات دولية وعربية لوحدة الأراضي السورية وأردوغان يلتقي بلين ...
- تحذير سوري من انهيار سد تشرين في ريف منبج بعد استهدافه خلال ...
- أولمرت: لم ألتزم قط قبل المفاوضات بالانسحاب من الجولان وعلين ...
- الإعلام العبري يطرح سيناريوهين -مثيرين- لمستقبل سوريا لما بع ...


المزيد.....

- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - عن الأخلاق واللاهوت