أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ياسين لمقدم - بوسيدون- في مقهى الحافة














المزيد.....

بوسيدون- في مقهى الحافة


ياسين لمقدم

الحوار المتمدن-العدد: 8033 - 2024 / 7 / 9 - 02:58
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة:
في جلسته الروتينية على واجهة مقهى الحافة المطلة على السماء والبحر، صحح من وضع النظارة الطبية أمام عينيه وتخلص من هاتفه المحمول، إذ ألقاه بشيء من العنف على الطاولة الصلدة المرصوفة بالزَّليج ثم استرسل في تعقب خيط البخار الرفيع المنبعث من فنجان القهوة. بعد ثوان قليلة، سيتبدد الخيط الأول ثم يتبعه خيط آخر إلى أن تبرد القهوة فتنتهي مسيرة التعقب، ويعود به التفكير إلى البحث في ذاته عن أثر للنشاط الذي زعم الراعي القديم أنه اكتشفه في سلوك عنزاته عندما يَسرَحها في براري البُن. لا يجد شيئا من الحيوية بل يشعر بتغوُّل الخمول والأسى والأنين...
هذا البحر الذي يتمدد أمامه ألم يتعب من اجتراره لعمله المكرور في المد والجزر؟ يرغي المسكين غضبا بزبد يذهب جفاء وقد استباحت هيبته البواخر والغواصات بل ومراكب شراعية قزمية بطول الذراعين...
أين لعنتك يا "بوسيدون" تصيب بها من تجبَّر على البحر؟
ارتشف بعمق من قهوته آخر قطرة ثم تطلع إلى قاع الفنجان لعله يرصد آثرا لإله البحر فيُحمِّله أحزانه التي تقصم كاهله، ويعبر بها إلى ضفة "المانوَا" ثم يغلفها بذهب الإلدورادو البرونزي، فتعود إليه براقة متجددة كشمس العشي التي تسطع أمامه غسقية صافية.
ابتسم من فكرته هذه وازداد إشراقا عندما شعر لأول مرة بأن المكان يعج بتراتيل موسيقية هادئة لم تزده عصبية كما حدثه الطبيب الغريب الأطوار. ماذا لو نتفق جميعنا ألا نصدق كلام الأطباء جميعهم؟ ألن نهنأ في تعبنا ومغصنا واضطراباتنا النفسية والبدنية ونعيش معها في سلام؟
يا لهذا البحر أمامه يضحك من همساته المريبة، ويحشد الألم على مدى الأفق غماماتٍ رمادية تلتهم الألوان اللازوردية والبرونزية وتبعث السواد كوشاح يلقي بظلامه على الحافة...
عاد إليه الخمول والأسى والأنين وتطلع من جديد إلى قعر الفنجان هامسا فيه لعل إله البحر يرصد مناجاته المستكينة حينا والغاضبة أحيانا.
يا "بوسيدون" غبت ظهورا لتنبعث من فنجاني الصغير فتزيدني قلقا واضطرابا وقد توسمتُ في صفاء بحرك المحبة والسلام.
يا "بوسيدون" يا من يمتح العذب الزُّلال من الملح الأُجاج، ويكتب به شعرا بألق الزهور على الروابي وفي الخوابي وحول حدقات الأرض... ألست أنت من تعقبت آثار زوجتك الفاتنة "أمفيتريت" إلهة الطبيعة إلى أعالي جبال الأطلس حيث تركتْ من جمالها بصمات خالدات على الرواسي وساكنة الجبال. وأسميتَ فوق سمائنا الكواكب كلها باسم دلفينك الوفي الذي أرشدك إلى مخبإ الإلهة "أمفيتريت"؟ ...
إذن، أين أنت يا "بوسيدون" يا حارس البحار والأوقيانوسات من الوفاء لذكريات الأرض والماء والجمال؟
أين أنت يا واهب الخيرات وصانع المعجزات في رفع العواصف وهزم البواخر وتشكيل المجرات؟
رن هاتفه معلنا وقت الغسق، فتدفقت من جنبات حلقومه مياه مالحات. مشدوها تحسس عنقه فإذا به يتلمس خياشيمَ تصدر زفيرا محشرجا كصوت اختناق السمك الخارج للتو من الماء. نظر من علياء الحافة إلى أفق البحر فقفز فرحا إلى الماء وأثر صوته يملأ المقهى بالدهشة والخوف...
فداك يا "بوسيدون"، سأمزج الماء والسماء تاجا فوق هامة الإنعتاق، وأرتق فجاج الجبال فتسلك للعابرين على ناصية الحلم.
بقوة ضرب بزعنفته على سطح الماء فتوارى خلف الموج والضباب...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هامش:
بوسيدون: إله البحر والعواصف والزلازل والخيول في الأساطير اليونانية.
أمفيتريت: إلهة الطبيعة وزوجة بوسيدون.
المانوَا: مدينة أسطورية في أرض الالدورادو.



#ياسين_لمقدم (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بعثرة الألوان
- المسافر على جبل الجليد…
- مؤامرة الكلاب...
- ليل الرجوع…
- الفريق...
- لماذا نشيخ؟...
- المشي على رِجل واحدة...
- طريق المساء...
- دارة الضِّليل...
- لا شيء في الأفق...
- تحجير...
- جفاف الركوات:
- غبش المساء...
- المصعد ..
- الشيح والريح...
- وجه العبثية وقفاها...
- بوصلة السراب...
- الإسكافي التائه...
- أُكتب لِتكنْ...
- فراغ...


المزيد.....




- موعد ظهور نتيجة الدبلومات الفنية 2025.. استعلم عن نتيجتك
- عرفان أحمد: رحلتي الأكاديمية تحولت لنقد معرفي -للاستشراق اله ...
- “متوفر هنا” الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية 2025 الدور ا ...
- “سريعة” بوابة التعليم الفني نتيجة الدبلومات الفنية 2025 الدو ...
- عرفان أحمد: رحلتي الأكاديمية تحولت لنقد معرفي -للاستشراق اله ...
- جداريات موسم أصيلة.. تقليد فني متواصل منذ 1978
- من عمّان إلى القدس.. كيف تصنع -جدي كنعان- وعيا مقدسيا لدى ال ...
- رابط نتيجة الدبلومات الفنية 2025 برقم الجلوس nategafany.emis ...
- “رابط مباشر” نتيجة الدبلومات الفنية 2025 الدور الأول برقم ال ...
- امتحان الرياضيات.. تباين الآراء في الفروع العلمي والأدبي وال ...


المزيد.....

- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ياسين لمقدم - بوسيدون- في مقهى الحافة