أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - لا مكان لكم بيننا














المزيد.....

لا مكان لكم بيننا


رانية مرجية

الحوار المتمدن-العدد: 8014 - 2024 / 6 / 20 - 14:23
المحور: الادب والفن
    


كأنّ مُحيطها يوحي بالموت؛ البردُ قارسٌ، وموشومٌ بلونِ الدّم هذا الصّباح.. الرّائحةُ كريهةٌ، ومَمزوجةٌ ببصماتِ رصاص.. مقبرةٌ القريةِ مهملةٌ، والأحياء بِها غدَوْا مُجرّدَ خشبٍ منخورٍ، تسندُهُ أرواحٌ غارقةٌ في بَحرٍ من الاكتئاب.
تشعرُ بالرّهبة، ومع ذلكَ تحاولُ تَجريعَ نفسها بقوّةٍ فلتَتْ منها لِهَوْل حَدَثٍ يعاودُها؛ تطاردُها الصّورُ، ويُلازمُها الجرحُ الغائرُ في الرّوحِ، وأدندنُ:
"يُمّا مْويلي الهوى يُمّا مْوليّا
ضَرْبِ الخناجر ولا حُكْمِ النّذلِ فيّا"
تتذكّرُ أنّها سمعتْ هذهِ الأغنيةَ الوطنيّةَ قبلَ حوالي إحدى عشرة سنة.. لَم تسمعْها بعدَ ذلك، ولَم تحاولْ حتّى دندنتَها على مدى هذهِ الفترة، إلاّ أنّ كلماتِها بقيَتْ محفوظةً عن ظهرِ قلبٍ في قلبها حتّى هذه الساعة.
مَشاهدُ مِن الماضي البعيدِ تتجسّدُ أمامَ اللّحظةِ الضّبابيّةِ دونَ سابقِ إنذارٍ، ودونَ تَخطيطٍ أو شعورٍ تَنتفضُ لا إراديّاً.
حبّات عرقٍ تتلألأُ على جبينها، وتنصبُّ ألَماً يُعانقُ دموعاً تَخونُها مِن جديد.
الزّمنُ: صيف (1994).
المكانُ: الشّارع العموميُّ في مدينة بالضِّفة الغربيّة.
إنّهم يتراكضونَ، لكنّ الجنودَ يُحاصرونَهم مِن كلِّ حدبٍ وصوْب.
نريدُهُ بأيِّ شكلٍ مِنَ الأشكالِ.. يَجبُ القبضُ عليهِ اليومَ والآن.. معلوماتُنا دقيقةٌ، إنّه الأرمنيُّ.. سيمُرُّ مِن هنا.. هذا ما أكّدَهُ رجُلُنا هناك.. استعدّوا يا جنود.. يتحدّثُ قائدُ الجيشِ في منطقةِ رام الله لعشرةٍ من جنودِهِ وأتباعِهِ، بعدَ أن وزّع عليهِم صورته.
أضافَ قائدُ الجيشِ: رجُلُنا قالَ بأنَّ مظاهرةً كبيرةً ستجوبُ الشّوارعَ.. احْرِصوا على أنْ لا يفلتَ مِن بينِ أيديكُم.. أريدُهُ حيّاً أو ميتاً.. أريدُ أن أجعلَهُ عبرةً لِمَن لا يعتبرُ.
كان وحيدَ أهلِهِ، وعاشقاً كبيراً للحرّيّةِ.. كانَ سلاحُهُ الحجرُ، والإرادةُ القويّةُ، والإيمانُ بالنّضالِ ضدَّ كلِّ فاسدٍ، ومُفْسِدٍ طاغيةٍ.
أمّهاتُ المخيّمِ تَمنّيْنَ مِن الله أنْ يهبَهُنَّ أبناءً مثلَه لا يَخافُ لوْمَةَ لائمٍ.
لكن.. كأنّهُ الموتُ كانَ على موعدٍ معه في سوادِ ذلكَ اليومِ الأغبرِ، بعدَ أن تربّص بهِ الجنودُ في كلّ الزّوايا والدّروبِ؛ رمَوْهُ برصاصِ الغدرِ دونَ رحمةٍ.. سقطَ.. عاودَ النّهوضَ والرّكضَ.. لكنّهم لحقوا بهِ.. أمسكوهُ وطرحوهُ أرضاً، ثمَّ قيّدوا رجْليْهِ بِحبلٍ، وربطوهُ إلى سيّارةِ جيبٍ تَجرّهُ مُمرّغاً بدمائِهِ وترابِ بلدِهِ.. جالوا به الشّوارعَ بنرجسيّةٍ وقحةٍ وبتعالٍ مَمقوتٍ.
أحدُ الجنودِ كانَ يُردّدُ: لقد قضيْنا عليهِ.. سيكونُ عبرةً لِمَن لا يعتبر.
صرختْ صبايا: قتلوه.. مات.. رحلَ العريس..
صرختْ خطيبتُهُ المفجوعةُ بِموتِ حُلمِها: اللّعنةَ على الخونةِ والمدسوسين والمتصهينين..
اختطفَ الشّبابُ الأوفياءُ الجثّةَ قبلَ أن يُدنّسَها الجنودُ ويُمثّلوا بتفاصيلها البريئةِ، وأخفَوْها عن العيونِ المراقبةِ للحدثِ الجَلَلِ.
انتشرتِ الصّاعقةُ بينَ أبناءِ المدينة وفي ضواحيها الصّامدةِ.. هرعوا بالتّوافد إلى النّادي، والكلُّ يسعى للمشاركةِ في تنظيمِ جنازةٍ تليقُ.لى، بالبطل.
في اليومِ التّالي، وبعدَ تشييعِ جثمانِ الشّهيدِ في كنيستِهِ، فُتحتْ أبوابُ النّادي على مصراعيْها في استقبالِ وفودِ المُعزّينَ الغفيرةِ، فإذا بصوتِ عجوزٍ يصرخُ فجأةً: اخرجي مِن هنا أيّتها العميلةُ فأنتِ السّببُ.. أنتِ وزوجُك وأولادُك.. لقد قتلتموهُ واليهودُ.. ماذا تريدونَ بعْد؟ اخرجوا مِن هنا.. لا مكانَ لكم بيننا



#رانية_مرجية (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة سريعة في كتاب : - رحلة سفيرة عربية في المدارس العبرية ...
- لإعلامية سامية عرموش تصدر مؤلفها الثاني للأطفال بعنوان : آدم ...
- لروحك الطاهرة كل المحبة والسلام بثينة الغالية –
- كلب ومات
- طفح الكيل -- كفى
- فداء حناحنة مديرة المراكز الجماهيرية العربية في اللد لكي نحد ...
- إنّها بداية البداية
- د . عماد مصاروة من مؤسسين رابطة الفنانين التشكيليين في البلا ...
- ايش يَعنِي مُهَرِّجٌ طِبِّيٌّ؟- قصة محفزة للأطفال من تأليف ا ...
- في رحيل الفاضلة الكاتبة الفلسطينية ميسون أسدي...!!!
- لروحك الرحمة والسلام ايها العزيز الغالي
- 21 فنان وفنانة يبدعون في جاليري زركشي للفنون في سخنين
- في رحيل خادم الرب الفاضل ناصيف - أبو سالم- برو
- -الناشط الاجتماعي سامي الفراحين لا إعاقة مع الإرادة
- سؤال محبط-
- الصداقة
- خارج الضوء
- رئاء- قديسة الاعلام شيرين أبو عاقلة-
- في رحيل الكاتب والناقد الانسان الانسان شاكر فريد حسن اغبارية ...
- تنتهي الحياة بكلمات مقدسة


المزيد.....




- كيلوغ: توقيع اتفاقية المعادن بين واشنطن وكييف تأخر بسبب ترجم ...
- عرض موسيقي مفاجئ من مانو شاو وسط انقطاع الكهرباء في برشلونة ...
- مسقط.. أكثر من 70 ألف زائر بيوم واحد للمعرض الدولي للكتاب
- محاربون وعلماء وسلاطين في معرض المماليك بمتحف اللوفر
- إخترنا لك نص(كبِدُ الحقيقة )بقلم د:سهير إدريس.مصر.
- شاركت في -باب الحارة- و-هولاكو-.. الموت يغيب فنانة سورية شهي ...
- هل تنجو الجامعات الأميركية من تجميد التمويل الحكومي الضخم؟
- كوكب الشرق والمغرب.. حكاية عشق لا تنتهي
- مهرجان الفيلم العربي في برلين: ماض استعماري يشغل بال صناع ال ...
- شاركت في -باب الحارة- و-ليالي روكسي-.. وفاة الفنانة السورية ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - لا مكان لكم بيننا