أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - صيادو الحلزون














المزيد.....

صيادو الحلزون


عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .


الحوار المتمدن-العدد: 7987 - 2024 / 5 / 24 - 17:51
المحور: الادب والفن
    



لم تبزغ تباشير الفجر بعد، كنت قد أيقظتك شقيقك الهائم في نوم عميق، وها قد غسلت وجهك وتناولت كسرة خبز ممزوجة بشاي يرجع إلى الليلة البارحة. لبست صندالة "حلومة"، وأخذت كيسك الأصفر وانطلقت نحو البرية مخترقا ضبابا كثيفا كان يعم القرية كل صباح. وبعد مضي نصف ساعة كنت قد وصلت إلى الصخرة الصفراء. هنالك كان يلتقي الشبان القرويون وينطلقون نحو التلال بحثا عن الحلزون.

كان الطقس صيفيا قائظا، وبمجرد ما كان الضباب يتبدد، كانت الشمس تصير خلال الظهيرة كيانا وحشيا، وكانت تصفع رؤوس الشبان الحليقة. ومعظم هؤلاء لم يكونوا يرتدون (ترازات) قبعات مصنوعة من الدوم. لكن لم يكونوا يبالون بذلك. كان همهم أن يهيموا في الأرض بحثا عن الحلزون الملتصق على غصون أشجار الكالبتوس، وعلى أوراق الزيتون البري أو في أشواك " السكوم" أو على أوراق "الدوم" أو بين جذوع "توزالة" وغيرها من النباتات المنتشرة على تلال القرية وسفوح أوديتها المنيعة.

كانوا ينطلقون جماعات من الصخرة الصفراء كما دأبوا دائما في كل تجمعاتهم واحتفالاتهم وخاصة لعبة "السبع بولبطاين" التي كانت تنظم كل عيد أضحى . إلا أنهم حينما كانوا يصلون إلى أرض الحلزون حتى يتفرقوا لملء أكياسهم البلاستيكية التي كانوا يملؤونها "بالببوش" حينا من الدهر، و"بالسكوم " حينا آخر. وفي غمرة رحلتهم الصيفية بين الأدغال كانت عيونهم مصوبة على "صاحب البيكوب" الذي كان يأتي في لحظة خاطفة لكي يشتر أو يسرق جهد هؤلاء الشبان البؤساء. كانوا يستلمون مقابل يوم كامل بين خمسة دراهم وعشرة دراهم. وهذه القروش لم تكن بالكاد تطفي ظمأهم وجوعهم وتريحهم من العياء الناجم عن هذا العمل بين الفيافي والصخور الجرداء والشمس اللاسعة التي أمرضت عديد الشبان وحالت دون رجوعهم إلى التقاط الحلزون.

ها قد بدأ حسك البروليتاري يطفو على السطح منذ ذلك العهد التسعيني. ما الذي دفع هؤلاء الشبان القرويين إلى أن يقضوا عطلتهم الصيفية في العمل بدل البحر؟ وهل جزاؤهم كان تلك القروش الوضيعة؟ إنهم كانوا ينتمون إلى أسر قروية، كلها لم تلج المدرسة يوما. كانت تعرف العمل دون الوعي بشروط العمل، وهؤلاء الشبان كانوا عمالا موسميين ولم يكونوا بروليتاريين. إذ من شروط البروليتاريا الوعي !
نادرا ما احتج الشبان على الأجر الزهيد الذي لم يكن يعادل أياما طويلة من العمل، بل كانوا يتنافسون فيما بينهم حول من يعمل أكثر ومن يكتشف أماكن جديدة تزخر بالحلزون. أما الأجر الجيد فلم يكن محط اهتمامهم، بينما البحر، لم يكن أحد يعرف موقعه على الخريطة. لقد جبلوا على العمل إلى حين بداية الموسم الدراسي. وإذ ذاك يتسنى لهم شراء المحفظات والكتب وبعض الملابس. وهذا كان قدر كثير من الفتيان والشبان القرويين الذين كانوا يشتغلون في جني المحاصيل الزراعية اعتمادا على سواعدهم وأياديهم ومناجلهم.

لعلك تذكر والشمس هي الأخرى تذكر والريح والشجر والتل وبعض الشبان حينما وقف ذلك الشاب الحليق أمام الباترون قائلا: " إن الأجر التي منحتني لا يساوي جهدي". كان جزاؤه أن انتفض في وجهه الباترون، بينما الشبان تراجعوا، وعوض أن يوجهوا اللوم إلى الباترون وجهوه إلى زعيمهم و ذواتهم، وهنا يصح قول هيغل: "السيد سيد لأنه مضى في معركته ضد العبد إلى النهاية، والعبد عبدالأنه قبل بعبوديته منذ البداية". سوف يتحرر البشر حينما يطالبون بحقهم بلا وجل ولا خوف. لأن الخوف لا يأتي من الخارج بل يسكن الذوات من الداخل. إنه يفتتها من الداخل كما يفتت الماء الحجر.



#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تفكير في الهنا والهناك: ماذا لو عشنا بسلام !
- رحلة إلى تخوم درعة
- رمزية الأفاعي
- من منا لم يحلم (١)
- سيبقى اسمك ...
- بين ذاتوية باسكال وغيرية إدغار موران
- الفساد لم يأت من السماء
- رحلة إلى قبائل ورديغة وقبائل زعير والأطلس (3)
- رحلة إلى قبائل زعير وقبائل ورديغة (2)
- 300 كلم بدراجة نارية وسط قبائل ورديغة وقبائل زعير (1)
- 294 كلم .... على متن دراجتين ناريتين بأرض الشاوية !!
- شرق وغرب
- كلمات ... من أجل القضية الفلسطينية!!
- أهمية العصيان المدني
- التخلص من السياج الوثوقي
- نحو أنسنة الخطاب الديني/ ملخص لكتاب خطبة الجمعة بين الديني و ...
- الحرية لا تتجزأ
- الوداع أيتها البطلة
- في الحاجة إلى العلم والعلمانية
- العلم والعلمانية


المزيد.....




- أحمد أبو الغيط: الأمة والثقافة العربية موجودة.. والسيف الإسر ...
- فنانون عالميون يستنكرون -الصمت- أمام -إبادة غزة- عشية افتتاح ...
- -الدفاع- في البرلمان الألماني: إما أن تستعدوا للدفاع أو تتعل ...
- بأقلام قطرية.. كاتبات صغيرات يرسمن أحلامهن بالكلمات
- اختتام مؤتمر الاتّجاه النفسي في النقد باتحاد الأدباء
- قبل 24 ساعة على انطلاقه.. مهرجان كان السينمائي يحظر العُري ع ...
- مغني الراب شون -ديدي- كومز أمام القضاء بتهم الاتجار بالبشر و ...
- الصين بعيون مغربية: هكذا عرفتُ الصين.. مُشاهدات أول طالب مغر ...
- -عليهم البدء بتعلم اللغة الروسية-.. برلمانية أوروبية توجه ند ...
- فرنسا: كان تفرش السجاد الأحمر لكبار المخرجين والممثلين وتجدد ...


المزيد.....

- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - صيادو الحلزون