أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سرحان الركابي - اغتراب















المزيد.....

اغتراب


سرحان الركابي

الحوار المتمدن-العدد: 7973 - 2024 / 5 / 10 - 22:50
المحور: الادب والفن
    


. قصة قصيرة
.

حينما دخلت الى البناية الكبيرة التي حجبت عين الشمس بحجمها الهائل وامتداداتها المتداخلة ,رأيت شيئا مفرزعا ومدهشا , فالجدران تتلامع كأنها مصنوعة من زجاج , أو أحجار ملساء لماعة وغريبة , أدهشني التماعها وانعكاس صورتي على سطوحها الملساء والصقيلة , كل شي هنا ناعم الملمس ودقيق ومرتب بشكل يؤدي الى الاحساس بالاختناق والاغتراب , فالشبابيك والواجهات من الألومونيوم النفيس والنقي , والكراسي مصنوعة من مادة الستن ستيل الصلدة واللماعة , وربما مطلية بدهان معين لا أعرف نوعه , والموائد مرتبة بانتظام أسطوري وتتلامع في عيون المارة الذين لا أعرف من أين يأتون , والى أين يذهبون وهم يدلفون الى المصاعد الكهربائية التي تشبه الزنزانات الانفرادية , وهناك يصعدون وهم صامتين , ويتلاشون بين الممرات والردهات والغرف والأماكن المتشعبة والمجهولة , ثم تعود مجموعة أخرى وتصعد أو تنزل , ونتيجة لحيرتي واغترابي صعدت عدة مرات ونزلت بتلك المصاعد الأسطورية الغريبة , التي تشتعل أضويتها وتتوقف ثم تعود وتواصل صعودها أو نزولها , وفي كل مرة كان هناك أناس يصعدون وأناس ينزلون , أناس مختلفين , نساء ورجال وأطفال صغار أحيانا , لا أعرف ماهي وجهتهم وهل هم موظفون أم أنهم مراجعين مثلي
. كل الناس هنا يتشابهون من حيث الملابس والأناقة وقلة الكلام والصمت أحيانا , أنا الوحيد من بينهم من يشعر بالوحدة والاغتراب وتتفجر في رأسه الأسئلة مثل أصوات مخنوقة , لا أعرف الى أين أذهب وماذا أفعل , بل نسيت المهمة التي جئت من أجلها حيث دخلت الى هذه البناية الباذخة والتي تبدو وكأنها تقع في مكان أسطوري لا وجود له في أرض الواقع , تخيلت للحظة أنني أعيش حلما من أحلامي التي راودتني طوال حياتي , لكنني فجأة تذكرت أنني جئت من أجل استلام مبلغ مالي لا أعرف قدره كنوع من المعونات التي تقدمها الوزارة للمنتسبين في حالات معينة , سألت أحدهم عما يتوجب علي فعله ولمن أذهب , فأشار أالى غرفة قريبة دون أن ينبس ببنت شفة ثم واصل سيره , ذهبت الى الغرفة التي أشار أليها , وهناك وجدت رجالا ونساءا بوجوه نظرة وأجساد رشيقة وملابس لماعة ومبهرة , تشبه لمعان الجدران والأبنية والكراسي , كانوا يجلسون خلف مكاتب صقيلة ونظيفة ويثرثرون فيما بينم , وحينما دخلت اليهم وقفت بارتباك مثل تلميذ مذنب , استجمعت كل قواي وسألت أحدهم , لمن أتوجه بأوراقي هذه وناولته الأوراق التي كانت بحوزتي , نظر الرجل الى الأوراق التي بيدي وأشار برأسه اشارة لم أفهمها , وحينما نظرت اليه متسائلا , صاح بصوت عال , ألا تفهم ؟ .لقد قلت لك اذهب الى الطابق الثالث , هل تعرف أين يقع الطابق الثالث , ودون وعي مني قلت ىصوت خفيض نعم أعرف , على الرغم من أنني لا أعرف أين يقع هذا الطابق , خرجت لا ألوى على شيء ولا أعرف الى أين أتجه ولمن أسال
. في تلك الأثناء تذكرت بيوت القرية الطينية الواسعة والتي تتناثر بين الحقول دون ترتيب او تنظيم , والحياة البسيطة والناس الذين أعرفهم جميعا , هكذا هي بيوتنا الطينية كأن الله خلقها بهذه العشوائية وهذا التناثر لتلبي حاجاتنا الفطرية دون تعقيد أو صعوبة , وتساءلت في نفسي , كيف يتكيف هؤلاء الناس الذين تحولوا الى كائنات ألكترونية مع هذه البنايات وهذا الزحام والاختناق , وكيف يطيقون هذه التعقيدات والاأتيكيتات الصارمة .
خلق الانسان من الطين كما تقول كل المرويات الدينية , والطين هو المادة الأليفة الوحيدة التي يحن اليها الانسان ويشعر بالألفة معها ومع رائحتها الذرية , حينما كان أجدادنا يبنون أكواخهم من الطين فانهم يجعلونها خشنة الملمس ويتركون فيها فتحات للتهوية ولرصد الغرباء والمتسللين ,
. الطين هو الملاذ الآمن لأجسادنا المخلوقه منه كي يقينا من حر الصيف ولهيب شمسه الحارقة , وفي الشتاء يتحول كوخ الطين الى كهف منيع , يرفل بالدفيء والأمان من الأمطار والرعود والبرد القارس ,
وفي الأيام الممطرة تتحول الأرض الى أوحال , تجلب معها رائحة الطين والنباتات حتى تشعر أن التربة التي تغذي كل النباتات هي أقرب الجمادات الينا , لأننا خلقنا من ذراتها وأوحالها بدلا من تلك المواد الجامدة والمتحجرة التي صنعت منها تلك البنايات الشاهقة واللماعة والمصقولة الجدران والخالية من كل لمسة حياة
. عدت الى تيهي وحيرتي , مازلت أدور في نفس الدوامة التي جرفتني منذ بواكير هذا الصباح حينما دخلت الى هذه البناية , تلفتت حولي علني أجد من يدلني , لم أكن أرغب بسؤال كل من يمر قريبا مني , فأغلب الناس الذين ساأتهم لم يكونوا ودودين معي , ويشعرون بالضيق فيرفعون اصواتهم ويزعقون في وجهي , وكأنني شحاذ او متشرد دخل الى عالمهم لهذا فانا اتحين الفرص لكي اجد الشخص المناسب لاساله ,
. وحانت الفرصة عندما لاحت امراة عجوز تجاوزت الستين من العمر , كانت تضع الهاتف عى ل أذنها وتتكلم مع أحدهم في الهاتف , وبعد أنهت مكالمتها كادت أن تمشي لولا اني بادرتها بالسؤال , من أين الطريق الى الطابق الثالث , قالت لي بلهجتها البغدادية الجميلة , هياتة المصعد كدامك , أردت أن أسألها عماذا أفعل في الطابق الثالث , لكنها ابتعدت كثيرا وواصلت طريقها الى أن تلاشت وسط الزحام
. فجأة رأيت أحدهم يدلف الى المصعد , فأسرعت وحشرت نفسي معه , طلبت منه أن ينزلني في الطابق الثالث ,
وحينما نزلت وقعت في نفس الدوامة , فالغرف كثيرة ومتشعبة ولا أعرف الى أين أذهب ووأسأل من , وأخيرا قررت أن أدخل احدى الغرف , وفي الغرفة كان الموظفون يشبهون كل الناس الذين رأيتهم , نفس الملابس ونفس الاناقة ,
تقدمت نحو احدهم وسالته بصوت خفيض ,
- كيف يمكنني الحصول على المعونة المالية ؟
- قال , هل لديك ما يثبت استحقاك لتلك المعونة ؟
- نعم لدي هذه الاوراق تفضل
مد يده وتناول الاوراق , ثم بدا يقرأ والدهشة باديه على ملامحه . توقف عن القراءة ونظر الي وابتسامة سخرية تلوح على وجهه , وقال لي , هل انت تمزح
قلت له لا ابدا والله
قال يا رجل الى اذهب الى بيتك
قلت له بتوسل , لماذا ؟ وماذا قرأت في الاوراق ,
قال ايه اوراق , انها مجرد وصفات طبية قديمة



#سرحان_الركابي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نبعك وحده يرويني
- الشعور بالأغتراب
- ظل
- لمحات من الدراما التركية
- قراءة في قصة صعود الى أسفل الدرج , للكاتبة والروائية المصرية ...
- اجترار الأماني
- مرني طيفك
- أحيانا
- لوحة
- قراءة في ومضة سيدي البعيد
- نافذة الغروب
- رغبات مرتبكة
- جدران الأحلام
- شهرياء المخلوع
- رحلة غير محسومة
- الفرق بين المغيوب والمجهول
- صورة الله بين التجريد والتجسيد
- هو وهي
- اصل الحكاية
- في داخلي قصيدة


المزيد.....




- “رسميا من هنا” وزارة التربية العراقية تحدد جدول امتحانات الس ...
- افتتاح الدورة الثانية لمسابقة -رخمانينوف- الموسيقية الدولية ...
- هكذا -سرقت- الحرب طبل الغناء الجماعي في السودان
- -هاو تو تراين يور دراغون- يحقق انطلاقة نارية ويتفوق على فيلم ...
- -بعض الناس أغنياء جدا-: هل حان وقت وضع سقف للثروة؟
- إبراهيم نصرالله ضمن القائمة القصيرة لجائزة -نوبل الأميركية- ...
- على طريقة رونالدو.. احتفال كوميدي في ملعب -أولد ترافورد- يثي ...
- الفكرة أم الموضوع.. أيهما يشكل جوهر النص المسرحي؟
- تحية لروح الكاتب فؤاد حميرة.. إضاءات عبثية على مفردات الحياة ...
- الكاتب المسرحي الإسرائيلي يهوشع سوبول: التعصب ورم خبيث يهدد ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سرحان الركابي - اغتراب