أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمد الأزرقي - يوم في حياة عابد سلامة















المزيد.....



يوم في حياة عابد سلامة


محمد الأزرقي

الحوار المتمدن-العدد: 7968 - 2024 / 5 / 5 - 23:44
المحور: القضية الفلسطينية
    


يقع كتاب (يوم في حياة عابد سلامة) للكاتب نَيثَن ثْرال في خمسة اقسام ضمّت 24 فصلا ومقدمة وخاتمة، روى فيه فاجعة أهل قرية عناتا في ضواحي القدس. قُتِل 5 من صغار القرية مع معلمتهم حين صدمت شاحنة نقل إسرائيلية ضخمة للحجر حافلتهم وتسبّبت في انقلابها وبالتالي احتراقها. كان اطفال الروضة ومعلماتهم يتوقون لقضاء يوم سعيد في ملعب للأطفال في أحد المتنزّهات العامة القريبة، لكن الأمور جرت على غير ما أحبّوا. كان الجنود الإسرائيليون وسيارات اسعافهم ومركبات اطفاء الحرائق الخاصة بهم على مبعدة مرمى حجر، غير أنّهم كانوا آخر من وصل الى موقع الحادث الرهيب. قام الأهالي قبل ذلك بانقاذ من كان في الحافلة المنكوبة ونقلوا بسياراتهم الخاصة الصغار المصابين بالحروق والجرحى الى مستشفى رام الله، في حين نقلت سيارة إسعاف فلسطينية رفات المحروقين منهم. يسرد الكتاب نهارا موصولا بليله قضاه الآباء والأمهات في البحث عن أطفالهم، وكان بينهم عابد سلامة. تحتم عليهم أن يعرفوا كيفية البحث عن اطفالهم في ضوء بطاقة الهوية المعينة التي يحملونها، والتي تتحدّد بموجبها حركاتهم واختياراتهم. استخدم ثرال مأساة الحادث للوصول إلى المأساة الأكبر وتسليط الضوء على الظلم المروع والتمييز العنصري القاسي الذى يتعرض له ويتحمله السكان العرب في الضفة الغربية. فضح المؤلف الإهانات والنكسات التي يتعين على هؤلاء المواطنين تحملها، وتعمّق في سرد الحياة الشخصية لسلامة وأقاربه وأصدقائه. ابرز الهيمنة الإسرائيلية على حياة الفلسطينيين بأنّها صعبة ومطلقة وشاملة، وأنّه يتم التعامل مع الفلسطينيين باعتبارهم مشاكل يتعين حلّها من خلال استخدام تكنولوجيات الانضباط والسيطرة. ومن هذه الأساليب مصادرة الاراضي ومصادر مياه الشرب والسقي ووضع حواجز التفتيش وفرض منع التجوّل وبناء جدار الفصل العنصري والطرق السريعة المخصصة لليهود فقط. خلص ثرال الى القول بأنّ تلك الفاجعة لم تكن مجرد حادث، بل نتيجة لسياسات الفصل العنصري المتعمدة التي يتبعها الإسرائيليون على مرأى ومسمع العالم خلافا للقوانين الدولية وبتأييد مطلق من حكومة الولايات المتحدة، التي توفر الأموال والسلاح والحماية لإسرائيل وطغاتها في المحافل الدولية، كي يستمرّ الإحتلال وبناء المستوطنات التي تقضم الأرض الفلسطينية المحتلة قطعة قطعة.

يسرد الكتاب نهارًا موصولًا بليله قضاه الآباء والأمهات في البحث عن أطفالهم، وكان بينهم عابد سلامة. حينما وصل عابد إلى موقع الحادثة وجد الأطفال قد نقلوا بالفعل إلى المستشفيات. وتحتّم عليه أن يحّدد كيف سيبحث عن ابنه في ضوء بطاقة الهوية المعينة التي يحملها وتحدّ من حركته واختياراته. اندلعت الإنتفاضة الأولى عندما هاجم الجيش الإسرائيلي متظاهرين احتجاجا على اصطدام نصف مقطورة عسكرية بسيارة ستيشن واگِن في غزة، ممّا اسفر عن مقتل 4 من العمال الفلسطينيين. انتشرت الإحتجاجات وأجّجتها سنوات الغضب في وجه ما أسماه وزير الدفاع الإسرائيلي "سياسة القبضة الحديدية." تحوّلت تلك الإحتجاجات بسرعة الى أوّل انتفاضة جماهيرية منظمة ضدّ الإحتلال. إندلعت معارك الشوارع بين آلاف من الشباب الفلسطيني الذين رشقوا بالحجارة القوات الإسرائيلية ومركباتها المدرّعة وبنادقها الرشاشة الهجومية. [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%] إستُشهِد أكثر من 1100 فلسطينيا على يد الوحدات العسكرية الإسرائيلية والمستوطنين في الضفة الغربية خلال سنوات الإنتفاضة الست. كما جُرح 130000 فلسطينيا آخرين وزجّت اسرائيل بما يزيد على 120000 فلسطينيا في سجونها، فاصبح لديها أكبر عدد من السجناء، من حيث نصيب الفرد في العالم، حسب ما ورد في تقرير المؤلف.

وفي مقالة أوردتها [https://www.aljazeera.net/politics/2022/12/5] قناة الجزيرة، أنّه استشهد في الإنتفاضة الأولى 1555 فلسطينيا وشهدت سياسة "تكسير العظام". اتخذ الاحتلال الإسرائيلي من القمع أداة لمواجهة راشقي الحجارة، فاستخدم الرصاص الحي والمطاطي والقنابل الغازية والصوتية، وساعدته في ذلك طائراته المروحية لإخماد الانتفاضة.كما شاعت سياسة "تكسير العظام" التي اتبعها الجنود بحق راشقي الحجارة في عهد وزير الجيش آنذاك إسحاق رابين. كما إنتهج الاحتلال في تلك الانتفاضة سياسة فرض حظر التجول على قرى ومدن تتصدر المواجهة، وأغلق المدارس والجامعات ولاحق الناشطين الفلسطينيين بالقتل والاعتقال حتى اكتظت السجون ومراكز التوقيف الإسرائيلية بالمعتقلين الذين فاق عددهم 200 ألفا بين نهاية 1987 و1994.
[https://www.aljazeera.net/politics/2022/12/5]

أشار المؤلف الى ظاهرة متفشية إذ أنّ فلسطين مليئة بالمتعاونين مع الإحتلال، ممّا جعلها واحدة من أكثر المجتمعات اختراقا في تاريخ الإحتلال الأجنبي والحكم الإستعماري. لم يكن لمثل هذه الظاهرة وجود مشابه في احتلال فرنسا للجزائر، على سبيل المثال. ولكن ظهر التعاون في الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني منذ ما قبل حرب 1948 وخلال الظروف المحيطة بإنشاء إسرائيل. كتب رضوان مرتضى في صحيفة (الأخبار اللبنانية) مقالا عن الفلسطيني نور الدين أبو معزه، الذي عمل في حفر الأنفاق وتجسّس على طلاب فلسطينيين وخدعت المخابرات الإسرائيلية نظيرتها التركية لترحيله إلى بيروت. رغم اعترافه الأوّلي بالعمالة للعدو ثم تراجعه عن الاعتراف، خلص المحقّقون في فرع اللبنانية للمعلومات من التحقيق مع العضو السابق في حركة حماس، إلى صعوبة أن يكون الأخير ضحية عملية استدراج للموساد، وإلى أنّه كان على دراية بأنّه يعمل لمصلحة العدو الإسرائيلي. فقد بيّن التحليل التقني لهاتفه الذي احتوى على عدد كبير من الكتب الإلكترونية حول الموساد الإسرائيلي وأساليبه في تجنيد عملائه وعملياته التجسسية، أنّ لديه اطّلاعا واسعا على هذه الأساليب. كما لاحظ المحقّقون من عبارات الازدراء التي استخدمها أثناء التحقيق في حق حماس، أنه يكنّ كرها شديدا للحركة ومسؤوليها بسبب خلافاته مع المسؤولين المباشرين عنه، وأنه كان يرغب بشدة بمغادرة غزة. وهذا ما قاده بإرادته إلى براثن الاستخبارات الإسرائيلية التي زوّدها بتقارير أمنية، طمعاً بمكاسب مادية وبمساعدته على الخروج من القطاع. ويعتقد المحقّقون أنّ "أبو معزة"، الذي محا محادثات من هاتفه، يخفي معلومات أكثر أهمية زوّد بها مشغّليه الإسرائيليين، وساعدتهم على إلحاق أضرار بالبنى التحتية لحركة حماس وقياداتها. وكانت رحلة عمالة "أبو معزه" بدأت في قطاع غزة عام 2019، واستمرت بعد سفره إلى تركيا [https://www.al-akhbar.com/Politics/378428].

يمكن لإسرائيل تجنيد آخرين عند سعيهم للحصول على تصاريح لتلقي العلاج الطبي في إسرائيل أو حتى السفر لأغراض الدراسة. وقد اعدمت حركة حماس علنا منذ استيلائها على القطاع في 2007، وفقا للمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، 33 من المشتبه بهم من المتعاونين وغيرهم من المجرمين المدانين. وألقى مسلحو حماس خلال أوقات الحرب القبض على ما لا يقل عن 29 من المتعاونين المزعومين من مراكز الاحتجاز وقتلوهم في الشوارع، دون أيّة محاكمة، ثم جروا جثثهم عبر مدينة غزة بالدراجات النارية وتركت للحشود لتنظر في مصيرها أو تدوس عليها.
إقتصرت عمليات قتل المتعاونين المزعومين في الضفة الغربية المحتلة على فترات الاضطرابات الشديدة [https://alarab.app/%D8%A7%D9%84]. لقد قُتل أكثر من 900 متعاونا مشتبها به في فوضى الانتفاضة الأولى التي اندلعت في 1987. وقتل أكثر من 100 متعاونا في الانتفاضة الثانية، من 2000 إلى 2005، وفقا لمنظمة "بتسيلم" الحقوقية الإسرائيلية. وقال المحلل ومؤلف الكتاب نَيثِن ثرال، "إنّ عمليات القتل هي من أعراض العنف المتزايد". وأكّد أنّ عدم اتباع الإجراءات القانونية الواجبة يعني أنّ "هناك من سيستغلون هذه الاتهامات للقضاء على المنافسين وتصفية الحسابات".

تطرّق المؤلف في نهاية الفصل الى الخصومات، التي تكون في الغالب شخصية، وتقود الى الإقتتال بين الفصائل الفلسطينية، بل حتى بين افراد الأسرة الواحدة، كما حدث بين عائلتي عابد وأحمد سلامة. الفصائل الفلسطينية ليست فصائل مقاومة تماما، وهي أقرب إلى القبائل منها إلى التنظيم السياسي. وتتميز بعقلية منغلقة، وبشعور بالتفوق على الآخرين، ويظن كلّ فصيل من هذه الفصائل أنّه يتملك الحقيقة المطلقة. يتم تشريب أفراد كلّ فصيل ثقافيا بعقلية عنصرية تمجد الذات وتحط من قيمة الفصائل الأخرى وتربي في داخلهم الحقد والبغضاء تجاه الآخرين. تربية الفصائل تقوم على التشنج ضدّ الآخرين وعدم قبولهم والتعامل معهم بحذر شديد. ومثل هذه التربية لا يمكن أن تؤدي إلى سلم أهلي أو إلى تعاون بين الفصائل، ومن شأنها أن تلحق الوطن بالفصيل فتصبح القيم الوطنية تابعة للقيم الفصائلية وتُعرّف وفقها.
كلّ فصيل من الفصائل يعرّف المصلحة الوطنية بالطريقة التي يراها متناسبة تماما مع رؤيته ومصالحه الخاصة، وتركز الفصائل الفلسطينية كثيرا على الإسقاط على حساب الإنجاز. يبحث كلّ فصيل، وبالذات فتح وحماس، عن أخطاء الفصيل الآخر ليبهرها ويضخّمها ويعظّمها ويصورّها على أنها كارثة مرعبة ستلحق بالشعب الفلسطيني الدمار، حيث يقول لسان الحال، خطأ الفصيل الآخر كبير مهما كان صغيرا، وخطأ فصيلنا صغير مهما كان كبيرا. في فلسطين الاتهامات تتمّ ليل نهار، بسبب وبدون سبب، وعبر وسائل وأساليب متعددة. ومن شأن هذا أن يزرع بذور الفتنة والصدام . [https://www.aljazeera.net/opinions/2007/5/31]

إفتتح المؤلف فصله الثاني بوصف اساليب تعذيب المعتقلين الفلسطينيين على أيدي منتسبي مخابرات الإحتلال، الشاباك. لقد أمضى في السجون سنتين وبضعة أشهر نقلوه اثناءها من سجل لآخر حتى استقرّ به المقام في سجن النقب، بعد أن جلبوه الى محكمة عسكرية قضت بحكمه 6 أشهر. بدأت سلطات الاحتلال بممارسة التعذيب بحق المعتقلين الفلسطينيين منذ احتلالها لفلسطين، واستخدمت أساليب عدة في تعذيب المعتقلين نفسيا وجسديا.
يتوزع المعتقلون الفلسطينيون الذين يتم اعتقالهم من الضفة الغربية وغزة على 4 مراكز تحقيق في شمال الضفة الغربية ووسطها وجنوبها وذلك اعتمادا على مكان سكنهم أو مكان النشاط الذي اعتقلوا فيه. تعتبر مرحلة التحقيق التي يمكن أن تمدد حتى 180 يوما متواصلاً، من أكثر المراحل دقة لأنه وبناء على ما يجري فيها، يتحدد الوضع القانوني للمعتقل. ويقوم منتسبو الشابك بهذه المهمة. تلجأ الشرطة الإسرائيلية وحرس الحدود الإسرائيلي لاستخدام القوة والضرب ضد المعتقلين منذ اللحظات الأولى لوصولهم لمراكز التحقيق وقبل الشروع في عملية التحقيق، ويكون الضرب مصحوبا بالشتائم والإهانات بهدف خلق جو من الرعب من البداية تمهيدا للتحقيق معهم. كما يركّز المحققون في الاستجواب على جانب الإضعاف والضغط النفسي على المعتقلين في فترة التحقيق، وذلك بمنع زيارة المحامي التي قد تطول حتى 60 يوما، وإنكار حق المعتقلين للاتصال بالأهل وإبلاغهم عن الاعتقال أو النقل من مركز تحقيق لآخر، وتعريضهم للتضليل، والتهديد بالقتل وحرمانهم من النوم. يُجلسون المعتقل على كرسي لفترات طويلة خلال التحقيق، حيث تقيد اليدان بالكرسي إلى الخلف فيما تثبت الأرجل على الأرض. بالإضافة إلى التعذيب الجسدي الشديد ووضعيات الشبح المختلفة التي استُخدمت بوتيرة أعلى بحق العديد من المعتقلين. كما ويضطر المعتقلون تحت الضغط النفسي لتوقيع إفادة باللغة العبرية التي لا يفهمونها بالرغم من حقهم بالحصول على ترجمة لتلك الإفادة.
كما تستخدم المخابرات الإصابات والحالة الصحية كوسيلة ضغط على المعتقل خلال التحقيق، ويتم الضغط عليه ومساومته بالاعتراف مقابل تقديم العلاج له أو قضاء حاجته. وقد يعرض التعاون مع المخابرات مقابل مبالغ مالية أو تسهيلات تقدم للشخص مقابل الإدلاء بمعلومات تفيد المخابرات، ويتم تهديد المعتقل أثناء التحقيق كجزء من الضغط النفسي باعتقال أحد أفراد عائلته أو زوجته أو أحد أبنائه، أو بتفجير بيته أو أملاكه أو حرمانه من أطفاله وأهله، وتحاول المخابرات الإسرائيلية إبقاء المعتقلين لأطول مدة ممكنة في مراكز التحقيق حتى بعد انتهاء التحقيق معهم كعقاب وتعذيب إضافي. [https://www.addameer.org/ar]

تستخدم دولة الاحتلال والمستوطنين بقيادة بنيامين نتنياهو، سلاحا ضاغطا بحق الفلسطينيين في غزة وهو سياسة التجويع والتعطيش والحرمان من الدواء، في محاولاتٍ منها لإذلال الفلسطينيين وتجريدهم من إنسانيتهم. ما يجري في غزة على مدى 4 شهور وحتى اليوم، دليل على استهانة الدولة الإسرائيلية النازية بحياة الفلسطينيين وخططها لقتلهم وتشريدهم الى خارج أرضهم. كتب غسان شربل يقول، "ينبغي على العالم أن يرى بحرَ الركام في غزة. كي يتذكَّرَ أنَّ عددَ القبور الجديدة يوازي عدد سكان مدينة صغيرة. كي يعاينَ الأمهات اللواتي ينتظرن أبناء لن يرجعوا أبداً، وكي يشمَّ رائحةَ الغضب واليأس وما ينذر بتجدّد دورات الثأر. لا غزة قابلة للموت، ولا شعب غزة قابل للإمحاء. ويقول التاريخ إنَّ تركَ جروح نكبة ملتهبة لا يعد بغير نكبةٍ جديدة لذوي الجلادِ والضحية معاً."
عدوانية إسرائيل ليست جديدة. لكنَّ الفظاعةَ سجلَّت أرقاما قياسية. كنَّا نتوهَّم أنَّ العالمَ لن يسمحَ بمقتلة تدوم شهورا. العالمُ الغربي، وخاصّة أمَريكا، تغضب من أجلِ معارض روسي أو شبر أرض أوكراني. العالمُ الذي كان يستنفر لدعم "الثورات الملونة" هنا وهناك، والذي كانَ يغضب لما يسميه انتهاكات لحقوق الإنسان، فجأة راحَ يشيح بنظره. أصيبَ بالصمم وأصيب بالعمى، فراحَ يردّد عباراتٍ لرفع العتب في حين أنَّ الواجبَ الأوَّلَ هو وقفُ القتل. التَّذرعُ بممارساتٍ رافقت هجومَ السابع من تشرين الأول لا يغطي المذبحةَ المفتوحة التي أعقبته. ثم إنَّ ذلك الهجوم هو ابن نزاع طويل وليس شرارته الأولى. لا عذرَ للعالم ولا لأمَريكا ولا ورقة تينٍ للضمائر الميّتة! [https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84]

ألمح ثرال في الفصل الثالث الى الظروف التي أدّت الى اتفاقيتي أوسلو. أوضح أنّ تكاليف الإنتفاضة اقنعت إسرائيل بأنّ من الأسهل عليها أن تحكم الأراضي المحتلة من خلال وسيط. ولغرض ذلك، عقدت اتفاقيات سمحت لقيادة منظمة التحرير في المنفى بالعودة الى فلسطين لرئآسة الحكم الذاتي المحدود في المناطق الحضرية المحتلة. ولكن، حافظت إسرائيل على سيطرتها على سجلّ السكان ونظام التصاريح وتحديد أماكن الدخول والخروج والإقامة في [https://www.alarabiya.net/arab-and-world/2023/12/13] في أيّ من اجزاء المنطقة.

نص إعلان المبادئ على إقامة سلطة حكم ذاتي انتقالي فلسطيني ومجلس تشريعي منتخب للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، لفترة انتقالية لا تتجاوز الخمس سنوات، للوصول إلى تسوية دائمة بناء على قراري الأمم المتحدة 242 و338 بما لا يتعدى بداية السنة الثالثة من الفترة الانتقالية. كذلك نصت الاتفاقيات على أنّ هذه المفاوضات ستغطي القضايا المتبقية، بما فيها القدس واللاجئين والمستوطنات، إضافة للترتيبات الأمنية والحدود والعلاقات والتعاون مع جيران آخرين.
ثمّ انتقل الحديث الى جرائم المستوطنين الإسرائيليين المسعورين واعتداءاتهم المتكرّرة على أهل البلاد من المواطنين الفلسطينيين في أرياف الضفة الغربية وحواضرها. كتب يولاند نيل مراسل البي بي سي في رام الله بتاريخ 28 آب عام 2023، أي قبل اسابيع من هجوم حماس على المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة بتاريخ 7 تشرين الأول. قال، "شهدت أعمال العنف التي نفذها مستوطنون إسرائيليون متطرفون ضد مدنيين فلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة ارتفاعا ملحوظا هذا العام، مع الإبلاغ عن أكثر من مئة حادث اعتداء شهريا وفقا للأمم المتحدة، وتحذيرات من أنّ نحو 400 فلسطيني قد طردوا من أراضيهم منذ بداية عام 2022. وكانت أعمال العنف التي قام بها مستوطنون في الضفة الغربية المحتلة خلال الأشهر الأخيرة، هي الأسوأ، مع تحطيم السيارات وإضرام النار في المنازل والمحال التجارية، وقد كان بعضها [https://www.bbc.com/arabic/middleeast-66642730] داميا ووصل إلى مقتل فلسطينيين." يخبرنا الكاتب أنّه يعيش نحو 370000 فلسطينيا في المنطقة (ج)، التي تشمل قرية برقة، ونصف مليون مستوطن إسرائيلي. وقد أعلنت حكومة إسرائيل الجديدة، وهي الحكومة الأكثر يمينية وقومية حتى الآن، صراحة عن نيتها مضاعفة عدد المستوطنين الإسرائيليين ليصل إلى مليون مستوطنا. ورغم اعتبار المستوطنات غير قانونية بموجب القانون الدولي من قبل معظم حكومات العالم وشعوبه، إلا أنّ إسرائيل لا تعترف بذلك ولا تعيره اهتماما.

كرّس المؤلف الفصل الرابع لسبر غور العلاقات الشخصية للأشخاص الذين غطى هذا الكتاب حياتهم. تعرّض لقضايا قيم العائلة والخطوبة والزواج والطلاق والمسؤولية في المجتمع الفلسطيني. وهي علاقات لا تختلف في جوهرها عن مجمل القضايا في العالم العربي بشكل عام. لقد تغيّرت العلاقات العائلية في عديد من مناطق العالم العربي، في الخمسين سنة الأخيرة، وتبدّلت أنماط الزواج وإنجاب الأطفال وصلات القرابة، نتيجة عوامل اقتصادية وثقافية متعددة، خاصة في العائلات التي أكمل أبناؤها تعليما متوسطا أو عاليا. على أنّ التغيير الأكبر والأكثر حدة حدث بعد ثورات ما عُرف بـ"الربيع العربي"، وما نتج عنها من ظروف أمنية واقتصادية صعبة، فضلا عن لجوء أفراد أو عائلات بأكملها إلى دول، تتمتع بظروف وثقافة وقوانين مختلفة عن تلك التي اعتادت عليها العائلات العربية.
قبل الانفجار الاجتماعي الكبير، الذي عرفته كثير من الدول العربية في مطلع العقد الفائت، تراجع دور الأب في كثير من العائلات، بوصفه المعيل الأوحد، كما ارتفعت مساهمة النساء في إعالة الأسر بشكل غير مسبوق، وانخفضت، في الوقت نفسه، نسبة عمالة الأطفال، ودورهم في تحصيل دخل الأسرة. أدى هذا إلى تغيّر اجتماعي وقيمي كبير، وبروز أشكال غير متوقعة من الروابط الأسرية، دمجت، في كثير من الأحيان، بين نموذج العائلة النووية (أب وأم وأطفالهما) والعائلة الممتدة (العلاقات الأسرية الحميمية الممتدة خارج الأسرة/النواة، وتحوي أكثر من شخصين بالغين). وبالتالي فإنّ الحديث عن "قيم أسرة" عربية ثابتة يفتقر إلى الدقة بشدة، ولا يلحظ نتائج الدراسات السيسيولوجية الكثيرة، التي رصدت التغيرات الأساسية في أنماط العائلة العربية. وهو أقرب إلى الموقف السياسي والأيديولوجي، الذي يسعى إلى إدامة سلطة أبوية، فقدت كثيرا من أسسها الاجتماعية.

أدّت الاضطرابات الاجتماعية والحروب الأهلية إلى تحوّل عديد من النساء إلى المعيلات الوحيدات للعائلة، بعد الملاحقة الأمنية للرجال أو اعتقالهم أو مقتلهم أو مغادرتهم البلاد، وبالتالي اصبحت بعض النساء صانعات قرار في الأسرة. وبالمقابل، ازداد اعتماد كثير من الأفراد على العائلة الممتدة، ما أدى إلى استعادة أشكال كادت تُنسى من التضامن الأهلي والعشائري. أما في دول اللجوء فقد تفككت كثير من الأسر العربية، وارتفعت حالات الطلاق الأصلية.[HTTPS://7AYEZ.COM/2023/05/27/%D8] والعنف الأسري بدرجة أكبر ممّا كان سائدا في الدول الأصلية.
إستهلّ المؤلف فصله الخامس بتناول موضوع تعدد الزوجات في المجتمع الفلسطيني ومبرراته. فهناك من يتزوج ثانية لأنّ الزوجة الأولى تلد أناثا فقط. وهذا ما حدث لعابد بعد أن ولدت زوجته أسمهان 3 بنات. والحقائق العلمية تشير الى أنّ حيامن الرجل الذكورية والأنثوية هي التي تقرّر جنس الجنين، وليس لبويضة المرأة شأن في الموضوع! كما يحدث الزواج الآخر عادة لمنفعة ما، ويبرر دعاة تعدد الزوجات الأمر بغطاء الشريعة، التي تبيح للرجل الزواج من 4 نساء. ومعروف أنّ تعدد الزوجات مسألة كانت موجودة قبل الإسلام، الذي أبقى على هذه العادة السقيمة وأباحها، "في حال أمن الزوج من الوقوع في الظلم أو الجور بينهن، وكان قادرا على تحمل نفقاتهن جميعا." [https://mawdoo3.com/%D8%AA%D8]

تحوّل المؤلف بعدها الى انطلاق الإنتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، كذروة لسنوات الإحباط من معاهدات أوسلو، التي لم تحقق للفلسطينيين الحرية ولا الإستقلال ولم تضع نهاية للإحتلال. كما أنّها لم تضع حدّا لتوسّع المستوطنات، حيث تضخّم عدد المستوطنين بأكثر من 70% على مرّ السنوات منذ توقيع الإتفاقيات الأولى. في الواقع ومنذ التوقيع على اتفاقيّات أوسلو، عزّزت إسرائيل هدفها المتمثّل في التمسّك بأقصى مساحة من الأرض مع وجود الحدّ الأدنى للفلسطينيين عليها. قسّمت الإتفاقيات الضفة الغربية الى 165 "جزيرة" ذات حكم ذاتي محدود، وجعلت كلّ "جزيرة" محاطة ببحر من السيطرة الإسرائيلية.

ينظر فلسطينيو الضفة الغربية وغزة نظرة دونية على إخوتهم فلسطينيّي48 ممّن بقوا في اراضيهم وممتلكاتهم واصبحوا وفق عوامل الجغرافية وخرائط الحرب وقرار الأمم المتحدة بالتقسيم ضمن الأراضي المخصصة لقيام إسرائيل. وقد عبّر صاحبنا عابد عن تلك النظرة صراحة. لم تعجبه "الطريقة التي يعيش فيها فلسطينيّو48 من حيث حياتهم الإجتماعية وسلوكياتهم واستخدامهم العبرية في كلامهم. إنّهم يشبهون الإسرائيليين الى حدّ كبير، حتى في داخل مكان مثل Kufr Kanna،" الذي اعتبره عابد أقلّ فسادا مقارنة بالبلدات الفلسطينية لعرب48، حيث تنتشر الجريمة ويكثر استعمال المخدرات. غير أنّ هذا لا ينفي أنّ البعض منهم دخل الحلبة السياسية واصبح عضوا في البرلمان الإسرائيلي ونشط آخرون في منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان. غير أنّ الاحتلال سنّ قانونا يتيح لثلاثة أرباع أعضاء الكنيست بفصل أيّ عضو فيه لا يدين بالولاء الكامل لإسرائيل، بالإضافة إلى القوانين التي تعاقب المؤسسات إذا أحيت ذكرى النكبة، وتقطع عنها التمويل. وقد تزايدت القوانين العنصرية بعد صعود اليمين الإسرائيلي المتطرف إلى الحكم وأدت إلى تضييق الخناق على المجتمع العربي في إسرائيل، والتأكيد على يهودية الدولة. دفعت هذه القوانين إلى معاملة العرب وكأنّهم "مواطنون من الدرجة الثانية"، والنظر إليهم بكونهم خطرا وعدوا داخليا يشكّل تهديدا على الأمن القومي.

تطلق تسمية فلسطينيي48 على المواطنين الذين بقوا في أراضيهم عند احتلال إسرائيل لفلسطين عام 1948، وخضعوا لحكم دولة الاحتلال وأُعطوا الجنسية الإسرائيلية أو الإقامة الدائمة. ويطلق عليهم الإعلام الإسرائيلي لقب "عرب إسرائيل" أو "الوسط العربي" كما يسميهم أحيانا بـ"أبناء الأقليات". ويمثل "فلسطينيو48" ما نسبته 21% من سكان إسرائيل وفقا لإحصائيات عام 2023. ويتوزعون في مناطق النقب والمثلث وشمال الأراضي المحتلة. قُدر عدد سكان إسرائيل عند قيامها عام 1948 بحوالي 806 ألفا بينهم ما يقارب 150 ألف فلسطينيا بقوا في البلاد بعد تهجير ما يقارب 800 ألفا آخرين بعد النكبة. ويمثل عرب48 نسبة 21% من سكان إسرائيل البالغ عددهم 9 ملايين و727 ألف نسمة. ويمثل المسلمون ما يقارب 80% من عرب 48، ويمثل المسيحيون 11% تقريبا منهم، فيما تتراوح بقية النسبة بين الدروز والشركس . [https://www.aljazeera.net/encyclopedia/2011/5/25]

ليس من شيء أشدّ وقعا على نفوس الفلسطينيين والعرب، بل المسلمين جميعا، من موقف ابناء الطائفة الدرزية، الذين قبلوا عام 1956بامتنان الجنسية الإسرائيلية وتطوعوا وفاء في صفوف الجيش الإسرائيلي وشكلوا نواة أجهزته الأمنية والتجسسسية. معظم المصادر والروايات وكبار المؤرخين العرب يؤكدون على أنّ الموحدين "الدروز" هم في أصولهم قبائل عربية تنوخية، جاءت من اليمن على أثر تصدّع سد مأرب قبيل الإسلام وسكنت سهول الحجاز والإحساء، ثم انتقلوا إلى الحيرة في العراق، ومنهم ملوك المناذرة أصحاب الحيرة. ثم انتقلوا إلى شمال العراق ومنها إلى حواضر حلب وقنسرين والمعرة وجبل السماق وصولا إلى أنطاكية ثم إلى كسروان في جبل لبنان ومن هناك وصل عدد منهم إلى فلسطين. يتركز وجود أبناء الطائفة الدرزية في مناطق شمال فلسطين التاريخية موزعين على ما يقارب من [https://info.wafa.ps/ar_page.aspx?id=4036] 18 بلدة وقرية جبلية. عاش الدروز في فلسطين كجزء لا يتجزأ من الشعب العربي الفلسطيني حتى عام 1948 عندما نشأت دولة إسرائيل حيث سعت حكومتها إلى عزل أبناء الطائفة الدرزية عن إطارهم العربي، وذلك بالضرب على وتر أنّ الدرزية هي قومية بحد ذاتها. ولتقريبهم منها اكثر استغلت إسرائيل رواية أخرى من الروايات السمجة، التي تكرّرها، ومنها تزويج النبي شعيب ابنته للنبي موسى، لتدلل للدروز على أنّ ثمة علاقة مصاهرة تاريخية تربطهم باليهود تضاهي علاقتهم بالعرب.

إستهل المؤلف قسمه الثاني من الكتاب بالفصل السابع، الذي تطرق فيه الى المضايقات والتأخير المتعمد لحالات الإسعاف وحتى النسوة الحوامل وهنّ في ساعات المخاض، عند نقاط التفتيش الإسرائيلية. تقول الكاتبة ڤان نيلي في تقرير لها على خدمة إنتر پرَس إنّ العوائق أمام التنقل في الضفة الغربية تضاعفت خلال العامين الماضيين، مما منع الفلسطينيين من الوصول إلى المستشفيات والمراكز الحضرية والمناطق الزراعية. وأصبحت القيود والتأخير الوضع الطبيعي الجديد.[https://www.alarab.co.uk/%D8%A] وترى ڤان نيلي أنّ على إسرائيل، بموجب القانون الدولي، تسهيل حرية تنقل الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، لكن غالبا ما يتقرر إغلاق نقاط الدخول والطرق الرئيسية في المدن دون سابق إنذار "لأسباب أمنية" تعسفية.

كما ذكر أندريا دي دومِنيكو، نائب رئيس مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أنّ "هدف قوات الاحتلال هو التأكد من قدرتها على عزل مناطق بأكملها إذا تطلب الأمن ذلك. ودائما ما يكون الأمر غامضا بعض الشيء، فأنت لا تعرف متى ستتمكن من العودة عندما تخرج." [https://www.alarab.co.uk/%D8%A] وتتطلب معظم الأنشطة لذلك تنسيقا مكثفا، سواء في ما يتعلق بإيصال سيارة إطفاء إلى نقاط التفتيش في الوقت المناسب، أو توجيه الركاب من الحافلة وإليها أثناء التحقق من بطاقات الهوية، أو التخطيط لرحلة لزيارة الأقارب.
وبناء عليه، ليس هذا مفاجئا في ضوء ما يجري في غزة، إذ ذكر تقرير نشرته شبكة بي بي سي البريطانية أن دَيڤد كامِرون قال، إنّ تقرير هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي عن تعرض الطاقم الطبي الفلسطيني في غزة للضرب والإهانة على يد القوات الإسرائيلية مثير للقلق للغاية، حيث دعا وزير الخارجية إلى إجَبَعت من الإسرائيليين. وقال ثلاثة من العاملين الطبيين للبي بي سي إنهم تعرضوا للإهانة والضرب وغمرهم الجنود بالماء البارد وأجبِروا على الركوع لساعات وأنّهم احتُجزوا لعدة أيام. وذكر اللورد كامِرون لمجلس اللوردات، "هذه صور وتقارير مزعجة للغاية خرجت من هذا المستشفى، ونحن بحاجة للوصول إلى حقيقة ما حدث بالضبط ونحتاج إلى إجَابات من الإسرائيليين حول ذلك".

ويظهر في الڤِديو صف من الرجال وقد جرّدوا من ملابسهم أمام مبنى الطوارئ بالمستشفى، راكعين وأيديهم خلف رؤوسهم، وأثوابهم الطبية ملقاة أمام بعضهم. تساءلت النائبة العمالية بَث وِنتَر،"هل تعتقد حكومة المملكة المتحدة أنّ الحكومة الإسرائيلية مسؤولة عن سلوك قواتها، وأنّ هذا يبدو بوضوح وكأنه تعذيب وينتهك القانون الدولي، بما في ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومعاهدة جنيف؟ المادة 18 من الاتفاقية؟" فكان الردّ، "يجب على إسرائيل أن تلتزم بالمادة 18 من اتفاقية جِنيڤ التي تنصّ على أنه لا يجوز بأيّ حال من الأحوال أن تكون [https://arab-london.com/posts/24613] المستشفيات المدنية المنظمة لتقديم الرعاية للجرحى والمرضى والعجزة والأمهات هدفا للهجوم، ولكن يجب احترامها وحمايتها في جميع الأوقات من قبل أطراف النزاع".
تشاء الصدفة أن تكون الطبيبة هدى دحبور وطاقمها شهودا على فاجعة اصطدام حافلة اطفال الروضة واحتراقها. كانت صباح ذلك اليوم في سيارة وحدتها الطبية المتنقّلة التابعة لمنظمة الأونُروا، وكان الأطفال ومعلماتهم في رحلة مدرسية الى أحد المتنزّهات حيث توجد ملاعب الأطفال ليقضوا يوما هناك. انتهت رحلة الروضة في مهدها بحادثة رهيبة. جاء صباح اليوم التالي من شباط عام 2012 مطيراً عاصفاً، وعلى طريق سريع خارج القدس اصطدمت شاحنة عملاقة ذات 18 إطارا بحافلة الروضة فانقلبت بمن فيها واشتعلت فيها النيران، فجُرِح البعض وماتت معلمة و5 من الصغار حرقا لدرجة أنّ الأطباء لم يستطيعوا التعرف على ملامح 3 منهم واجري الفحص النووي DNA لغرض تحديد هوية الضحايا.

قد يرجع ذنب عابد إلى عقود مضت، لكنّ شخصيات أخرى في الكتاب لها خيارات أحدث، فقد ترددوا ثم أخرجوا أبناءهم في ذلك الصباح الكئيب من شهر شباط الذي لم يشهدوا مثيلاً لأمطاره من قبل. هذا فضلاً عن حقيقة ظهرت في أعقاب الفاجعة، وهي أنّ شركة النقل التي تعاقدت معها الروضة استعملت حافلة قديمة مزورة التراخيص. وتأتي هذه الخطايا الفردية "على خلفية واقع سياسي صارخ. فكثير من الفلسطينيين في القدس الشرقية،" بحسب ما يبين ثرول مثل عابد، "يرسلون أبنائهم إلى مدارس غير نظامية لأنّ المدارس الحكومية العامة مكدسة، والمدارس التي تديرها الأمم المتحدة ينتشر فيها تعاطي المخدرات، والطريق الذي سارت عليه الحافلة مصمم بحيث يتحرك عليه المستوطنون في طريقهم إلى القدس ومنها من دون أن يضطروا إلى المرور برام الله، بما يخلق وهما باستمرار الحضور اليهودي من المدينة إلى المستوطنات من دون انقطاع". وبعدما أقامت إسرائيل طرقا سريعة جانبية للمستوطنين، "فإنّ غالبية السائقين الذين يستعملون الطريق القديم هم من الفلسطينيين، حيث تنتشر نقاط التفتيش لإيقاف أولئك السائقين. وعنى هذا تكدّس الحركة المرورية واضطرار السائقين، هرباً من تلك الاختناقات، إلى السير العكسي في الاتجاه المقابل".
لقد تفحم جسد الصغير لدرجة أنّه كان من الضروري إجراء اختبار الحمض النووي للتعرف على رفاته. وبعد لحظات ارتفع صوت مايكرفون المسجد ليعلن عن موت ميلاد بن عابد سلامة.
أتى المؤلف في مطلع فصله الثامن على تصويت الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين في شهر تشرين الثاني من عام 1947. "أدّى القرار الى حرب أهلية بلغت ذروتها بالنكبة وطرد وهروب أكثر من 80% من الفلسطينيين من المنطقة التي أصبحت إسرائيل." إستشهد الكاتب برواية ضابط استخبارات بريطاني روى مفصّلا كيفية سقوط حيفا وتطهيرها من سكّانها الفلسطينيين وتسليم منازلهم للمهاجرين اليهود الجدد. كان عدد سكان مدينة حيفا 140000 نسمة، أكثر من نصفهم بقليل يهود. كانت الأجزاء العربية من المدينة ممتدة بمحاذاة شاطئ البحر من الشمال إلى الجنوب على مسافة نحو 3500 مترا، وتشرف وتسيطر عليها الأحياء اليهودية الحديثة في المرتفعات العليا من جبل الكرمل.

بدأ تنفيذ خطة دالِت في الريف بتاريخ 5-6 نيسان 1948 بعملية نَحْشون. وكانت أوّل مدينة هوجمت في نطاق هذه الخطة مدينة طبرية، التي سقطت في 18 نيسان. كانت المدينة الثانية على قائمة الهاگانا Haganah هي حيفا، التي لم يتدخل الجيش البريطاني في عملياتها في حين كان من المفروض أن يحافظ على الأمن والنظام حتى موعد انتهاء الانتداب في 15 أيار. إنشغل الجيش أوّلا في طبرية لإجلاء السكان العرب عنها، وكان هذا حدثا لقي ترحيبا كبيراً من قيادة الهاگانا وفتح عيونهم على حقيقة الموقف البريطاني. كان جرى إعداد خطة لهجوم ضخم على الأحياء العربية في حيفا، أُطلق عليها اسم "عملية مِسْبَرَيم" (المقصّ). لكنّ وضع حيفا كان مختلفا عن وضع طبرية، مع أنّ المدينتين اصبحتا من نصيب الدولة اليهودية في قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة بتاريخ 29 تشرين الثاني 1947. لقد كانت حيفا هي الميناء الرئيسي في فلسطين وهي المدينة المقرر أن تلتقي فيها القوات البريطانية لدى انسحابها من بقية أنحاء البلد من أجل تجميعها ونقلها بحرا إلى بريطانيا. في الواقع، كانت الحكومة البريطانية أعلنت مرارا أنّ الجلاء العسكري عن البلد لا يمكن إتمامه في 15 أيار لأسباب لوجستية، وأنّ جزء من قواتها سيبقى في حيفا وجوارها حتى أول آب. علاوة على ذلك، أخبرت بريطانيا الحكومات العربية، في سياق شرحها لخطط الانسحاب، أنّ حركة الانسحاب ستكون من "الجنوب إلى الشمال" عبر حيفا. وكانت مشكلة الهاگانا في حيفا، خلافا لما كان عليه الحال في طبرية، هي أنّ عملية بحجم "مِسْبَرايْم" من شأنها أن تؤدي إلى مجابهة مباشرة مع الجيش البريطاني، الذي كانت دورياته تحرس المنطقة الفاصلة بين الأحياء العربية واليهودية في المدينة. [https://www.palestine-studies.org/sites/default/files/mdf-articles] لكنّ عسكرالإنتداب البريطاني تغاضوا عمّا جرى أمام عيونهم من قتل وتدمير وتشريد، بفعل دور قيادتهم المتواطئة مع العصابات الصهيونية. إستقدمت منظمة الهاگانا عناصر من عصابتي Stern & Irgun للمشاركة في عملية "بِعور حَميتْس" [https://www.palestine-studies.org/ar/node/35073] . لقد كان هذا من أجل السيطرة الكاملة على مدينة حيفا وإكمال تطهيرها وإفراغها من سكانها العرب عن طريق إطلاق النار العشوائي على المدنيين العزَّل، واقتحام البيوت وسرقة جميع محتوياتها، واعتقال عدد كبير من المدنيين الذين بقي مصيرهم مجهولا، ومنع الناس من دخول منازلهم وممتلكاتهم أو العودة إليها. لقد نُكِب أهل حيفا وطُردوا من منازلهم وممتلكاتهم حتى قبل صدور قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين وإعلان دولة إسرائيل.

أشادت الطبيبة هدى دحبور، وهي من حيفا أصلا، في مطلع الفصل التاسع من الكتاب بالمنح الدراسية التي قدّمتها كتلة الدول الشرقية لمنظمة التحرير الفلسطينية لاعداد الكوادر الفلسطينية المتخصصة. أعطت نفسها كمثال من خلال دراستها في موسكو ومن بعدها في بُخارست للتخصّص في طبّ الغدد الصّماء، كما اشارت الى زوجها الذي نال الدكتوراه في السياسة العالمية من موسكو. كان هناك الكثير من الشباب الفلسطيني من سكان الضفة الغربية وغزّة، ممّن توجهوا للدراسة المجانية والتمتع بالمنح والزمالات من الإتحاد السوڤيتي بصورة خاصة، ومن دول المنظومة الإشتراكية في رومَينيا ودول أوروپية أُخرى مثل، مُلدوڤا ويوكرَنيا وهنگَيريا وپولندا وچيكوسلوڤاكيا والمانيا الشرقية.

كما شكّل الاتحاد السوڤيتي ودول أوروپا الشرقية سابقا أحد مسارات الجذب الأساسية لمتابعة التعليم العالي لدى الطلاب في الداخل الفلسطيني، الذين حصلوا على منح كاملة من الحزب الشيوعي ضمن مشروع تحصيل أكاديمي منظم لإتمام دراساتهم العليا. تشير إحدى الدراسات الى أنّ البعثات الدراسية إلى الاتحاد السوڤيتي قد أدت دورا مهما في زيادة عدد الحاصلين على شهادات عليا. فالإحصاءات تظهر أنّ 60% من إجمالي الأطباء العرب في إسرائيل هم من خريجي الاتحاد السوڤيتي وجامعات دول المعسكر الاشتراكي. غير أنّ هذا الأمر تغيّر بعد انهيار الاتحاد السوڤيتي في سنة 1991، وتوقُّف نظام المنح الدراسية. لكنّ الجامعات الروسية فُتحت أمامهم مجددا بعد أن خصّصت موسكو منحا دراسية للطلاب العرب الفلسطينيين في إسرائيل ضمن مشروع المنح الدراسية الذي تخصصه الحكومة الروسية سنويا [https://www.palestine-studies.org/ar/node/1652256] لأكثر من 10000 طالبا أجنبيا.

إنتقل الحديث بعدها الى اتفاقيات أوسلو، التي حدّدت "الجزر الفلسطينية" للحكم الذاتي في الأراضي المحتلة، فشعرت هدى أنّ الأمر لا معنى له، وهي محقّة جدّا في رأيها هذا. كان رابين قد أكّد فعلا على أنّه لن تكون هناك دولة فلسطينية، ولا عاصمة لها في القدس، بل بناء المزيد من المستوطنات حول المدينة وضمّها لها، وبناء المزيد من المستوطنات في الضفة الغربية. كما أكّد رفض إسرائيل للعودة الى حدود عام 1967، رغم احتفاظهم بنسبة 78% من الأرض الفلسطينية. وفي مكان ما داخل الضفة الغربية تقع نسبة 22% من الأرض، وهي التي لم تقم إسرائيل بعد باستيطانه أو ضمّه أو جعله خاضعا للسيطرة العسكرية الدائمة. وهذا ما منح الفلسطينيين "أقلّ من دولة"، كما سمّاها رابين. ولكن كان هذا الفتات أكثر من اللازم بالنسبة لبعض الإسرائيليين. أغتيل رابين على يد قومي يهودي أرثوذكسي بعد أكثر من شهر بقليل [https://en.wikipedia.org/wiki/Yitzhak_Rabin] من عبور هدى واسماعيل واطفالهما الى الضفة الغربية. "بكى ياسر عرفات وهو في منزله بغزة عند سماع خبر الإغتيال."

تحدّثت هدى في مطلع الفصل العاشر عن ممارسات جنود الإحتلال وافراد الشرطة الإسرائيليين في مضايقة الناس واستفزازهم، وخاصة الشباب منهم، بقصد إهانتهم واعتقالهم وتعذيبهم ونقلهم من سجن لآخر في الضفة الغربية والمستوطنات أو مراكز الإعتقال داخل إسرائيل، دون إخبار ذويهم عن مكان الإعتقال ولا مدته ولا طبيعة التهمة الموجّهة اليهم، ناهيك عن استجواب الشهود ضدّهم. أضف الى ذلك عنف المستوطنين واعتداءاتهم التي تجلب الدمار والخوف والحرائق الى الضفة الغربية المحتلة. روى تقرير لمحطة البي بي سي كيف دمرت جرافةٌ مدرسةً في قرية خربة زنوتا، وهي قرية فلسطينية صغيرة تقع في التلال جنوبي الخليل، مع معظم منازل القرية. كانت آثار مسار الجرافة واضحة في الأرض، وكانت القرية فارغة بعد أن غادرها سكانها البالغ عددهم حوالي 200 فلسطينيا قبل نحو شهر، بعد ضغوط وتهديدات متواصلة من المستوطنين اليهود المسلحين والعدائيين الذين يعيشون في بؤر استيطانية قريبة تعتبر غير قانونية بموجب القانون الإسرائيلي والدولي. "رأينا لافتة معدنية ملتوية تحت أنقاض المدرسة في قرية خربة زنوتا، مكتوباً عليها بأحرف سوداء "الدعم الإنساني للفلسطينيين المعرضين لخطر الترحيل القسري في الضفة الغربية." [https://www.bbc.com/arabic/articles/c3g2mvyl4dgo]

جاء ناداف مع فريق البي بي سي إلى القرية. وهو جندي سابق في القوات الخاصة الإسرائيلية، ويعمل الآن ناشطا في "منظمة كسر الصمت"، وهي مجموعة من المقاتلين السابقين الذين يقومون بحملات ضدّ الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. ويعتقد ناداف أنّ المستوطنين اليهود، ومعظمهم معروفون بالاسم لدى الفلسطينيين المحليين، ينتهكون القانون بدعم من الشرطة والجيش. "إنّهم يهدمون القرى الفلسطينية ويحرقونها، ويضربون المزارعين الفلسطينيين، ويسرقون زيتونهم، ويحاولون فتح جبهة ثالثة، جبهة شرقية ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية. لماذا؟ لأنهم يريدون الأرض بدون فلسطينيين".

ثم أتت د. هدى للحديث عن اعتقال ابنها هادي ومحاكمته أمام محكمة عسكرية. أخبرها المحامي أنّ فرصة إطلاق سراح ابنها معدومة. "بلغت نسبة المدانين من الأطفال أمام هذه المحكمة 99.7%، والتهمة هي رمي الحجارة. من أصل 835 طفلا متهمين في السنوات الست، التي سبقت اعتقال هادي، أدين 834 طفلا وقضوا جميعهم تقريبا فترة في السجن. كانت اعمارهم تتراوح من 12 الى 15 عاما." خضع هادي للتعذيب لاستحصال اعترافات منه،
وتجرأت هدى في المحكمة فطلبت من الحاكم أن يسمح بخلع ملابس ابنها ليرى بعينه آثار التعذيب على جسم الصبي من أجل الحصول على الإعترافات الزائفة.

أشارت الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال Save The Childrenأنّ إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم، التي تعتقل الصبيان بشكل منهجي ومستمرّ وتحيلهم الى المحاكم العسكرية رغم أنّ المعايير الدولية تشدّد على أنّه يجب عدم مثول المدنيين، بما فيهم الأطفال، أمام محاكم عسكرية. واتّهم تقرير للحركة المذكورة سلطات الإحتلال الإسرائيلي بحرمان الأطفال الفلسطينيين المعتقلين من حقوق المحاكمة العادلة ومحاكمتهم أمام المحاكم العسكرية، وهو ما يمثل اعتقالا تعسّفيّا. أضاف التقرير أنّ، "المحاكم العسكرية الإسرائيلية لا تفي بمعايير المحاكم المستقلة والحيادية لأغراض النظر في القضايا التي تشمل المدنيين، وأنّ الأطفال الفلسطينيين، الذين تعتقلهم قوات الإحتلال وتحاكمهم أمام المحاكم العسكرية، يُحرمون من الحق [https://aawsat.com/%D8%B4] في محاكمة عادلة أمام محكمة مختصّة مستقلة وحيادية."

وثّقت الحركة العالمية المذكورة في اعلاه وأفادت أنّ 766 طفلا من الضفة الغربية اعتقلتهم قوّات الإحتلال الإسرائيلي في الفترة ما بين 2016 و2022، وظهر أنّ ثلاثة ارباعهم تعرّضوا لشكل من اشكال العنف الجسدي بعد الإعتقال، وأنّ 97% لم يكن أحد والديهم موجودا خلال التحقيق معهم. كما تمّ ابلاغ ثلثهم بحقوقهم بشكل صحيح، فيما خضعوا جميعا للقانون العسكري الإسرائلي، الذي يخلو من ضمانات المحاكمة العادلة والرعاية والحماية التي يجب أن يتمتع بها الأطفال، فقد تمّت محاكمتهم في نظام المحاكم العسكرية الإسرائلية غير المستقلّ أو غير المحايد.
وليس هذا بغريب على اخلاقيات العسكر الإسرائيلي ولا تصرفاته. فالمذابح والقتل ههما الصفتان الملازمتان لوصف هذه العصابات الصهيونية النازية منذ ثلاثينات القرن الماضي. قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، اليوم الثلاثاء الموافق 26 من شهر آذار لعام 2024، إنّه وثّق إعدام الجيش الإسرائيلي لـ13 طفلا بإطلاق نار مباشر باتجاه هؤلاء الأطفال الفلسطينيين في مجمّع الشفاء الطبي ومحيطه في غزة، التي يواصل الاحتلال عدوانه عليها لليوم الـ172. [https://www.aljazeera.net/news/2024/3/26] ووصف المرصد تلك الإعدامات بأنّها انتهاك صارخ لقواعد القانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي الإنساني، وما يشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، في سياق الانتهاكات التي ترتكبها إسرائيل و"الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في القطاع منذ نحو 6 أشهر".

تضمّن القسم الثالث قصة جهود إنقاذ الأطفال من الحافلة المدرسية المحروقة وإخراجهم ونقلهم لتلقي الإسعافات والعلاج في المستشىفى المركزي في رام الله. وكذلك نُقلت جثامين من فارق الحياة من أولئك الصغار، كي يتمّ تشخيص اسباب الوفاة وتلقي أسرهم تلك الجثامين فيما بعد. إختلفت رواية الطبيبة الفلسطينية هدى عن رواية المسعف الإسرائيلي إلداد، الذي وُلد في موسكو وانتقل مع والديه الطبيبين الى فلسطين حين كان في سنّ 11 عاما. ذكرت هدى أنّه بفضل جهود المواطن سالم ومساعدة المواطنين الآخرين الذين نزلوا من سياراتهم وهرعوا لإطفاء الحريق المشتعل في الحافلة المدرسية باستعمال الطفايات الصغيرة الموجودة في سياراتهم، ومن ثم حملوا المصابين ونقلوهم الى رام الله. واكمل المهمة المسعف نادر مرّار، الذي حضر في سيارة الإسعاف الفلسطينية وحمل جثث الضحايا من الأطفال الستة ومعلمتهم.
أمّا إلداد فيروي أنّه وصل في سيارة إسعاف إسرائيلية، "كانت الساعة قد بلغت 9:09 صباحا، أي بعد حوالي 24 دقيقة من وقوع الفاجعة"، فلاحظ وجود جثامين عدد من الأطفال القتلى ممدّدة على الأرض. "... كما جاءت سيارة إسعاف تابعة للجيش من الجهة المعاكسة... كانت النار لا تزال مستعرة في الشاحنة المدرسية ولم يعد بوسع أحد أن يدخلها أو حتّى الإقتراب منها ..... وصلت سيارات الإسعاف العائدة الى خدمات Mada الى منطقة الحادث بعد مرور 34 دقيقة. واخيرا وصلت سيارة إطفاء الحرائق الفلسطينية." وقف إلداد تحت المطر يراقب بفزع رجال الإطفاء الفلسطينيين وهم يخمدون الحريق. "لم يأخذ الأمر برمته أكثر من 15 دقيقة"، على الرغم من أنّه شعر بأنّها أطول من ذلك بكثير. عندما أكمل رجال الإطفاء إخماد النيران وصعد أحد الرجال الى هيكل الشاحنة وأعلن أنّه لا توجد هناك جثث، "تنفّس إلداد الصعداء."
يعطينا إلداد الوقت بالضبط، لكنّه لم يذكر أنّ أيّا من المسعفين في سيارات الإسعاف الإسرائيلية قد ساهم في انقاذ طفل من الحافلة المحترقة، ولم تنقل أيّ من تلك السيارات مصابا الى المستشفيات القريبة. ويبدو لي أنّ الإسرائيليين قد وصلوا متأخرين جدّأ، وأنّ الأوقات التي حدّدها إلداد لم تعنِ أيّ شيء إطلاقا! هو وصل بعد 24 دقيقة من وقوع الفاجعة وسيارات الإسعاف الإسرائيلية وصلت بعد 34 دقيقة وإخماد النار استغرق 15 دقيقة، أراد بها إضفاء شيء من المصداقية على روايته. غير أنّ المؤلف ذكر بأنّه بعد أن حمل سالم آخر طفل من الشاحنة المحترقة، شعر كما أنّه لا يستطيع تحريك جسده، ويكاد أن يُغمى عليه. وحين وصلت سيّارة الإطفاء الفلسطينية، صاح بصوت عال، "لقد تأخرتم ساعة بكاملها. لقد قتلتموهم! أنتم قتلتم أطفالنا"، قالها مرارا وتكرارا لكلّ مسعف ورجل إطفاء وضابط شرطة وجندي، سواء كان فلسطينيا أم إسرائيليا.
بعد أن خاطر سالم بحياته لإنقاذ ما أمكنه من أطفال الروضة في الحافلة المدرسية المحترقة، قضى 10 أيام في مستشفى رام الله. لقد تبيّن أنّ كليتيه قد اصيبتا بالضرر جراء الركل الشديد، وأصيب بانزلاق في بعض فقرات ظهره وعانى من فقدان الذاكرة، نتيجة الضرب المبرّح على الرأس بالهراوات واللكمات وركل الأحذية على الجانبين وفي الظهر، الذي تلقاه على أيدي 6 من الجنود الإسرائيليين الهائجين.

قابل المؤلف واستشهد بروايات عدد من المسؤولين الإسرائيليين المدنيين والعسكريين بما فيهم المسعفون في سيارات الطوارئ ورئيس منظمة Zakaوولديه العاملين معه في جمع الموتى واشلاء الضحايا في الحوادث المختلفة، وأيضا القائد العسكري لوسط الضفة الغربية. وصلوا جميعا مُتأخّرين، رغم تواجدهم في المقرّات العسكرية والمستوطنات القريبة. لم يساهم أيّ منهم في إنقاذ ضحايا الحافلة المدرسية المنكوبة، ولا في نقل أيّ مصاب الى المستشفيات القريبة.
وجدير بالذكر وفيما يتعلّق بمنظمة Zakaهذه، أنّ صحيفة النويورك تايمز طردت قبل أيام، الإسرائيلية أنات شوارتز، صاحبة مقال "صرخات بلا كلمات: كيف استخدمت (حماس) العنف الجنسي كسلاح في السابع من أكتوبر"، الذي نُشر فيها بتاريخ 28 كانون الأول الماضي. كشف تحقيق أنّ شوارتز وضعت علامات إعجاب على عدد من المنشورات المؤيدة لإسرائيل على وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك منشور دعا إلى تحويل غزة "إلى مسلخ" وآخر دعا إسرائيل إلى إعدام الفلسطينيين. دخلت أنات شوارتز عالم الشهرة بعد مقالها الذي زعمت فيه ارتكاب حماس اعتداءات جنسية خلال عملية "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأوّل الماضي. إستند تقريرها، الذي نشرته النويورك تايمز على صفحاتها الأولى، إلى جملة أكاذيب نشرتها جمعية منظمة Zaka المذكورة. ورغم فضح أكاذيب الاعتداءات الجنسية هذه، إلا أنّ الصحيفة رفضت إزالة [https://www.al-akhbar.com/Media_Tv/379479] المقال عن موقعها الإلكتروني.

كان أشرف قوقازي هو سائق الشاحنة الثقيلة ذات 18 عجلة، التي تعود الى مصنع الخرسانة ومقلع الحجر، اللذين استولت عليهما إسرائيل واصبحتا جزء من المستوطنة القريبة، Kokhav HaShahar. كان ينقل الحصى لمصنع الخرسانة ويحمل الحجر لبناء المستوطنات الجديدة. وجد محققو الشرطة أنّ السائق أشرف كان متهوّرا ومهملا بشكل صارخ، وتنقصه الخبرة في استخدام جهازي الإبطاء والكبح في الشاحنات الثقيلة الكبيرة. خلال العاصفة الرهيبة، كان يقود ماكنة للقتل تزن 30 طنّا وتتتحرك على 18 عجلة فوق طريق ترابي منحدر ومبلل، بسرعة كبيرة بلغت 90 كيلومترا في حين أنّ السرعة القصوى في الظروف الإعتيادية لا تتجاوز 50 كيلومترا في الساعة. كانت إصاباته طفيفة واستكملت الشرطة التحقيق معه في نفس اليوم.
أمّا سائق الحافلة المدرسية رضوان طوّام فقد دخل إثر المأساة في غيبوبة استمرت مدة شهرين. وحين استفاق منها إكتشفّ أنّهم بتروا ساقيه، "فأثارت الصدمة له سكتة دماغية ونوبة قلبية أدخله الأطباء إثرهما في غيبوبة ثانية لمدة شهر آخر. وعندما أفاق مرّة أخرى بعد 3 شهور من الفاجعة، كان قد فقد القدرة على الكلام. وحين علم أنّ 6 أطفال ومعلمة واحدة قد فقدوا حياتهم، إنهار ألما." بعد عدة أشهر من إعادة التأهيل، اصبح قادرا على التحدّث بصعوبة باستخدام جانب واحد من فمه. "ما كان أكثر من استخدام الكرسي المتحرك للتنقّل صعوبة عليه، هو القبول المهين لارتداء الحفّاضات وفشله في الذهاب الى الحمّام بمفرده." وحين أزال الأطباء الجبيرة من ذراعه أدركوا أنّ العاملين في مستشفى رام الله قد أخطأوا في تجبير العظم بشكل صحيح، ممّا ترك نتوء كبيرا في معصمه.
سلّط المؤلف في مطلع القسم الرابع من كتابه الضوء على علاقات المنفعة المتبادلة بين الحاكم العسكري لمنطقة منتصف الضفة الغربية العقيد سار تزور، وممثل وزارة الداخلية للسلطة الفلسطينية إبراهيم سلامة. نجم عن هذه العلاقات ما سمّاه الجيش الإسرائيلي "إجراءات التخفيف،" التي جعلت الفلسطينيين يشعرون بأنّهم مُحاصرين بشكل أقلّ. غير أنّ الواضح جدّا هو أنّه كلما ازداد التعاون والتنسيق بين سلطات الإحتلال والسلطة الفلسطينينة، كلما ازداد ازدراء الشباب بسلطتهم وحقدهم عليها. [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7]

نقل المؤلف عن العقيد المهندس الإحتياط داني تيرزا، أنّه هو الذي أشرف على بناء الجدار الفاصل وأعدّ خرائط مناطق الحكم الذاتي الفلسطينية من أجل اتفاقيات أوسلو. أخبره ذلك حين كان عمره 53 عاما، ويشغل منصب رئيس الهيئة الإدارية لمستوطنته، Kfar Adumim. ذكر أنّ هذه المستوطنة قد بُنيت على الأرض التي صودرت من ملاكّها الفلسطينيين في قرية عناتا في عام 1979، أي 10 سنوات قبل انتقال داني تيرزا إليها. يتذكّر، "أنّ المستوطنة في أيامها الأولى حين انتقلت اليها 100 عائلة يهودية، كانت منطقة جرداء ولا شجرة تلوح في الأفق. الآن اصبحت واحة خضراء مليئة بالزهور والنخيل والڤلل ذات الأسطح الحمراء وحمّامات السباحة المفتوحة وموطن لأكثر من 3400 يهوديا إسرائيليا، بعضهم من الجيل الثاني والثالث من المستوطنين. وقد توسّعت لبناء مستوطنتين متجاورتين هما Allon and Nofei Prat، اللتين يُشار اليهما باعتبارهما ضاحيتين تابعتين لمستوطنة Kfar Adumim." وهذا ترديد للاكاذيب الصهيونية السمجة بأنّ ارض فلسطين كانت جرداء فسكنها اليهود وعمّروها، [https://www.aljazeera.net/midan/intellect/2023/11/3] أو أنّها "أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض!"
دفعت عنصرية الفصل من أجل عدم إقلاق راحة المستوطنين اليهود، داني تيرزا لوضع خطّط لتصميم شبكة نقل جديدة لفصلهم عن الفلسطينيين وإنشاء الممرات الإلتفافية والطرق السريعة التي من شأنها أن تسمح لليهود بالسفر والتنقّل بين مستوطناتهم والمدن الأخرى دون المرور بالمدن الفلسطينية وحواجزالتفتيش فيها. وهي ما اسماه الجيش "الطرق المعقّمة" sterile roads التي لا يسلكها الفلسطينيون ولا يُسمح لهم إطلاقا باستخدامها. وهي بذلك الطرق النظيفة الصحية السريعة التي لا يطأها الفلسطينيون!
حتى عندما ذهبت إسرائيل الى محادثات أوسلو، فإنّها لجأت الى اساليب الخداع والمكر والإحتيال والكذب ورسم الخرائط وتغييرها. كان المهندس الذي أعدّها، كما ذكرنا، هو داني تيرزا، العقيد الإحتياط الذي ترأس التخطيط الستراتيجي للجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية لمدة 13 عاما. شارك في جميع المفاوضات الإقليمية تقريبا مع الفلسطينيين، وقام بإعداد الخرائط لكلّ شيء إبتداء من الجدار الفاصل الى خطوط أوسلو لمناطق الحكم الذاتي الفلسطينية، ومن بعدها مقترحات إسرائيل اللاحقة في المحادثات النهائية. إحتجّ عرفات على تلك الخرائط ورفضها، ولكن في النهاية حصلت إسرائيل على ما أرادت وقبل عرفات ما قال إنّه سيرفضه. تقلصت المساحات الفلسطينية وتوسعت المستوطنات اليهودية، ونظام أوسلو، الذي كان من المُفترض أن يكون مؤقتا اصبح راسخا. لكنّ إسرائيل لم تحصل على السلام، الذي أمل داني فيه. في غضون سنوات قليلة، عادت إسرائيل لتواجه ثورة عنيفة.

بدأت الإنتفاضة الثانية وبعد شهر تقريبا تمّ تفجير فندق پارك في نتانيا، داخل إسرائيل خلال عيد الفصح اليهودي بتاريخ 27 مارس من عام 2002. قام عبد الباسط عودة من مدينة طولكرم، وهو أحد المنتمين إلى حركة حماس، بتفجير نفسه داخل قاعة الطعام في الفندق
المذكور خلال إحدى الحفلات، ليكون الهجوم الأكثر دموية في تاريخ إسرائيل. قُتِل في الهجوم ما يزيد عن 30 إسرائيليا وأصيب 140 آخرون بجروح. وعلى إثر التفجير أطلق رئيس
الوزراء الإسرائيلي شَرَون [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D8%AC] عملية "الدرع الواقي" العسكرية، التي ضربت كافة الأراضي الفلسطينية، وحاصرت إسرائيل فيها الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في مقرّه في رام الله بدأ من يوم 29 مارس 2002. كما اعتقلت إسرائيل مخطط التفجير، وهو قائد كتائب القسام بالضفة الغربية، عبّاس السيّد.

قرّر مجلس الوزراء الإسرائيلي إثر ذلك التفجير إغتيال قادة المقاومة، وأوكلت الى العقيد داني تيرزا مهمة تأمين الصور الجوية لمنازل أولئك القادة في الشوارع والحارات المعينة، لكي يتمّ اصطيادهم وهم في مضاجعهم ليلا. وفي نفس الوقت انتصب جدار الفصل في الضفة الغربية. حدث خلق للجيوب الفلسطينية المغلقة على امتداد مسار ذلك الجدار، "الذي اصبح طوله ضعف طول الخط الأخضر ولفّ 80% من المستوطنات. شكّل الجدار ندبة عملاقة في الأرض. اصبحت معظم انحاء الضفة الغربية مغطاة بشبكة من الأسوار والخنادق والأسلاك الشائكة وكامرات المراقبة وطرق وصول مركبات الجيش وأبراج المراقبة. ولكن على طول أكثر من 40 ميلا، وخاصّة في المناطق الحضرية مثل القدس وبيت لحم وطولكرم وقلقيلية، ارتفع الجدار لمسافة 26 قدما."
من المؤكد أنّ إقامة الجدار في عمق أراضي الضفة الغربية، قد أدي إلى إساءة إضافية بحقوق الإنسان لمئات الآلاف من السكان الفلسطينيين. عاني الفلسطينيون، الذين يسكنون بمحاذاة الجدار من قيود جديدة على الحركة والتنقّل بالإضافة إلى القيود الواسعة المفروضة عليهم منذ اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000. ونتيجة لذلك، واجه الفلسطينيون صعوبة في الوصول إلى أراضيهم الزراعية وفي تسويق منتجاتهم الزراعية في باقي أراضي الضفة الغربية. وبالتالي تضرّر قطاع الزراعة ومُنع الدخل الإضافي عن المزارعين ولم تتيح الزيادة في عدد العاملين في القطاع الزراعي الذي يعتبر قطاعا أساسيا في الاقتصاد الفلسطيني. أساءت القيود على حرية الحركة والتنقل على إمكانية وصول السكان القرويين إلى المستشفيات الموجودة في البلدات المجاورة. كما تأثر جهاز التعليم الفلسطيني وذلك لأن ّالكثير من المدارس، خصوصا في القرى، تعتمد على المعلمين الذين يأتون من خارجها، كما أثرت هذه القيود على علاقات الفلسطينيين الأسرية والاجتماعية.

وبعد اكتماله كانت إسرائيل سيطرت بالقوة على 80% من مصادر المياه الفلسطينية المتاحة في الضفة الغربية، والمقدرة في مجملها بنحو 750 مليون مترا مكعبا سنويا. كما أنّ 37% من القرى التي تعتمد على الزراعة ويمر الجدار بها، تأثرت دورتها الاقتصادية، مما أدّى إلى تدمير صناعة زيت الزيتون بعد أن كانت هذه المنطقة تنتج 22000 طنا من زيت الزيتون كلّ موسم، و50000 طنا من الفاكهة، و1000000 طنا من الخضراوات. أدّى الجدار أيضا إلى منع نحو 10000 رأسا من الماشية من الوصول إلى المراعي التي تقع غرب الجدار العازل.
ومن آثاره أيضا عزل نحو ربع المقدسيين عن مركز المدينة، ودفع عـدد مـنهم إلى تغيير امـاكن إقامتهم، علما بأنّ نسبة الفقر بلغت نحو 82% في شرق القدس بسبب الجدار. كما أنّ النظامين التعليمي والصحي الفلسطينيين تأثرا أيضا جراء استمرار البناء في الجدار العنصري
حيث يضطر 20% من الطـلاب و19% من المعلمين و37% من موظفي الخدمات، إلى اجتياز الجدار بشكل يومي للوصول إلى مدارسهم في شرق القدس، وأصبح من المستحيل على عشرات الآلاف الوصول الى
[https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9] المراكز الصحية والمستشفيات الواقعة شرق الجدار.

منذ الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة، لجأ الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال إلى سلاح الإضراب عن الطعام، الجماعي والفردي، لإرغام سلطات السجون على تحسين ظروف أسرهم وللاحتجاج، بوجه خاص، على سياسة الاعتقال الإداري. كان يوجد وقت بدأت الإنتفاضة الثانية 7000 معتقلا فلسطينيّا في سجون إسرائيل والأراضي المحتلة . قاموا بإضراب جماعي عن الطعام احتجاجا على سوء الأوضاع واستخدام السجن الإنفرادي كعقوبة. قاد إبراهيم سلامة الإضراب في سجن Be’er Sheva، وحقّق ذلك الإضراب نجاحا تاريخيا. وفي النهاية وافقت مصلحة السجون الإسرائيلية على إغلاق أحد أجنحة الزنزانات الإنفرادية وانهاء عمليات تفتيش الشرطة الوقحة strip searches والسماح بالطهي داخل الزنزانات [https://www.palestine-studies.org/ar/node/1652703] وإطالة أمد الزيارات العائلية.
خصّص المؤلف فصله السادس عشر للحديث عن موضوع لا يتطرّق اليه الإعلام الغربي ولا حتى العربي، وهو كيفية معاملة اليهود الشرقيين القادمين من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا Mizrahi Jews على يد اليهود الأوروپيين Jews Ashkenazi. ذكر بيبر فعنونو، البالغ من العمر 59 عاما أنّ المهاجرين المغربيين اصيبوا بخيبة أمل شديدة، لأنّ اسرائيل وضعت اليهود المزراحيين في ma’abarot، وهي مخيّمات مؤقتة مكتظة بالناس، الذين ناموا في الخيام. كانت المخيّمات محاطة بالأسلاك الشائكة وحرسها رجال الشرطة ومُنِع المقيمون فيها من مغادرة الموقع. لم يتوفر لهم الماء الصالح للشرب ولم توجد مرافق صحية، كما لم يتوفر المعلمون المدرّبون لتعليم اطفالهم. "تعاملت النخبة الإسرائيلية الأشكنازية Ashkenazi elite Israel’s مع المزراحيين Mizrahim بازدراء. كان 11 وزيرا من أصل 12 وزيرا ضمّتهم الحكومة الإسرائيلية الأولى، من المهاجرين الإشكنازي." إقترح رئيس الوزراء بن گَوريُن بناء مرافق صحية خارج منازل المزراحيين بدلا من بناء الحمامات داخل تلك المنازل، لأنّ "هؤلاء الناس لا يعرفون كيفية الإستخدام الصحي للمرحاض في داخل المنزل." كانت البطالة مرتفعة بينهم، كما أنّ معدّل الإصابة بمرضي السلّ وشلل الأطفال وووفاة المواليد الجدد عالية للغاية، إذ مات آلاف الأطفال في تلك المخيّمات. يمضي فعنونو للقول بأنّ حوالي 1000 من الآباء والأمهات إتهمزا الحكومة الإسرائيلية باصدار تقارير موت كاذبة مزيّفة لأطفالهم، الذين أعطوا سرّا لعائلات يهودية غربية إشكنازية للراغبين في التبنّي. لم يُسمح لأولئك الأولياء برؤية جثث "اطفالهم الموتى" لكي يقوموا بدفنها، ولم تصدر الحكومة شهادات وفاة "للموتى المزعومين." قيل لبيبر أنّ أخته الصغرى قد "سُرقت" وهي بعمر 5 شهور. وبعد عقود من الزمن، أكّدت وزارة الصحة في تقرير داخلي بعض الإتهامات. برّر المسؤولون خداعهم على أساس أنّ المزراحيين "متخلّفون" وأنّ عمليات الإختطاف الفٌضلى كانت لصالح أولئك الأطفال."

رغم أنّ بن گَوريُن كان يحتقر "اليهود البدائيين" “primitive Jews القادمين من البلاد العربية، فإنّ اليهود المزراحيين ضروريون لنجاح المشروع الصهيوني. قال، "لو لم نأت بحوالي 700000 يهوديا من البلاد العربية، لما تمكّنا من قطع الطريق ومنع عودة 700000 عربيا من النازحين. بعد مغادرة المخيّمات، تمّ إسكان الأسر اليهودية من أقارب بربير في المنازل والممتلكات العائدة للفلسطينيين، الذين فرّوا أو أرغِموا على الفرار منها، ولم يُسمح لهم بالعودة إليها. بوصفهم مطرودين من أوروپا، ومنبوذين وسط مسيحيي الغرب، هاجر الأشكناز من يهود الشرق الأوروپي إلى فلسطين، لكن وبعقدة نقص عجيبة. قرر هؤلاء المنبوذون أن يكونوا امتدادا لأوروپا في الشرق، يتمسحون فيها ويخطبون ودها، فبدلا من تأسيس مجتمع صهيوني معادٍ للغرب المضطهد لهم، قرروا تغريب مجتمعهم الذي نبذه الغرب. نجد ذلك جليا في فكر أبي الصهيونية الأول تيودور هرتزل الذي قال، "بالنسبة إلى أوروپا، فنحن في فلسطين نشكل جزءا من الجدار ضد آسيا، سوف نكون حائطا مانعا لمواجهة ثقافة الشرق البربرية". لقد حاول هرتزل ومن ورائه الأشكناز جميعا، البرهنة بكل السُّبل على تشابه هدف المشروع الصهيوني مع هدف الحركة الاستعمارية الأوروپية للعالم، أي تحديث شعوب آسيا وأفريقيا عن طريق تطعيمها بالحضارة الأوروپية. كان هذا التناقضَ الأول في الخطاب الصهيوني المبكر، بينما ظهر التناقض الثاني في التضارب الحَرِج بين دعاية الصهيونية وعقيدة أصحابها، إذ دعت الصهيونية يهود العالم كلهم للفرار من الشتات نحو فلسطين وتشكيل مجتمع اليهود الموعود، إلا أنّ هذه الدعاية، ذات [https://www.aljazeera.net/midan/reality/politics/2021/9/4] الأساس الديني، لم تتوافق مع علمانية رواد الصهيونية وعنصريتهم الفجّة.

في الصيف التالي قام بيبر فعنونو، المغربي المولد وعدد قليل من العائلات الفقيرة الأخرى في حيّه بنصب خيام على الطريق المؤدّي الى جَرَش Jericho في الموقع القريب من نزل السامريين الصالحين Inn of the Good Samaritan، حيث كان يوجد الخان العثماني. كان الجيش يريد تلك المنطقة، فاقتُرِح على بيبر وجماعته أن يتحوّلوا الى الجانب الآخر من الطريق، أي جانب ارض قرية عناتا. أحضر الجنود من قاعدة Beit El لهم المنازل المتنقلة caravans وخزانات المياه والمولدات الكهربائية ومواقد الغاز. لكنّ مشروع المستوطنة توقّف لأنّه يقع ضمن حدود مستوطنة Adumim Kfar الخاصة بالإشكناز، الذين أرادوا توسيعها لتستوعب الجيل الأصغر من المستوطنين. الحقيقة هي أنّهم لم يحبوا أنّ يسكن المزراحيون في مستوطنة جنبهم.

أتى المؤلف بعدها ومن خلال حديثه مع بيبر فعنونو على ستراتيجية إسرائيل في قضم الأراضي الفلسطينية قطعة قطعة. بعد أن استكملت إسرائيل خططها لتهويد القدس الشرقية وضواحيها، أدركت أنّها بحاجة الى ستراتيجية أخرى خارج القدس الشرقية، حيث كان هناك بالفعل حضور يهودي قوي. كانت الأولوية هي التوغّل في عمق الضفة الغربية باستخدام ستراتيجية عسكرية لإقامة مواقع على حافة أراضي العدو ومن ثمّ ترسيخ السيطرة على المنطقة المؤدية اليها. وبناء على ذلك، تمت إقامة مستوطنات جديدة بعيدا عن الكتل الإستيطانية القائمة، بهدف بناء المنطقة الواقعة بينهما. لكن بيبر لم يكن مهتمّا بالستراتيجية. أراد أن يعيش بالقرب من بيت المقدس. كان يعتقد أنّ المسؤول عن خطط الإستيطان كان مخطئا، فالبرتقالة تؤكل قطعة قطعة، وليس دفعة واحدة. ومع خريطة على طاولة مكتبه، قال بيبر للفيزيائي الحائز على جائزة، "أنا لست من خريجي الجامعات ولم أكمل حتى المرحلة الثانوية. أنا من الأحياء الفقيرة [https://www.aljazeera.net/encyclopedia/2023/11/3] وأريد أن أسكن هنا!" ثمّ وضع أصبعه على الخارطة مشيرا الى منطقة جَبَع، فكان له ما أراد.
بعد أن كانت الضفة الغربية خالية تماما من المستوطنات عام 1967، بلغ عددها هناك مع بداية عام 2023 نحو 176 مستوطنة و186 بؤرة استيطانية، يسكنها 726427 مستوطنا. وشكلت المستوطنات الإسرائيلية ما نسبته 42% من مساحة الضفة الغربية، وتمت السيطرة على 68% من مساحة المنطقة "ج" لمصلحة المستوطنات، وهي منطقة تضم 87% من موارد الضفة الغربية الطبيعية و90% من غاباتها و49% من طرقها.

لقد رسّخت السياسات الاستيطانية مشروع تفتيت الضفة الغربية، وعزل المواطنين الفلسطينيين في مناطق محدودة المساحة مقطعة الأوصال، وعملت على تجزئة الأسواق والمجتمعات المحلية الفلسطينية، ومنعت من تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية، إضافة إلى انتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني، وإلغاء أيّة إمكانية لإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية. لقد تسبب الاستيطان المتواصل في تقليص مساحة فلسطين التاريخية، فلم يبق للفلسطينيين سوى نحو 15% فقط من مساحة فلسطين التاريخية المقدرة بنحو 27000 كيلومترا مربعا، حيث تستغل إسرائيل أكثر من 85% من المساحة الفعلية. وقد سيطر الاحتلال على أهم الموارد الاقتصادية الفلسطينية في الضفة الغربية، من مياه ونفط وغاز طبيعي ومن موارد البحر الميت، وأصبحت كلها خاضعة [https://www.aljazeera.net/encyclopedia/2023/11/3] لهيمنة الاحتلال وسيطرته.
كرّس المؤلف الفصل الأخير من القسم الرابع لعرض الصعوبات التي خلقها نصب الجدار العازل للسكان الفلسطينيين في كافة انحاء الضفة الغربية، وبشكل خاص في منطقة القدس وما حولها. انتشرت الجرائم خلف الجدار بدون ردع لغياب السلطة الإسرائلية وعدم السماح للسلطة الفلسطينية بالتواجد هناك. "أعاد الجدار تشكيل حياة الفلسطينيين الذين يعيشون على جانبيه. يبلغ عدد هولاء حوالي 100000 شخصا، بما فيهم سكان مخيمي شعفاط وكفرعقب، الذين كانوا في السابق يتلقون الخدمات البلدية من القدس." تُرِكوا الآن بدون سيارات إسعاف أو مركبات إطفاء الحرائق وحتى خدمات الشرطة. لم يكن يوجد حتى صرّاف آلي ATM واحد في مخيم الشويفات والضواحي المحيطة به." أشار المؤلف الى أنّه، "لم يدخلها بانتظام سوى مركبات الشرطة ومدرّعات الجيش، التي كانت تحمل في العادة جنودا مدجّجين بالرشاشات الهجومية ويرتدون الدروع الواقية ويلبسون الخوذ الحربية."

أصبح المخيم والمناطق المحيطة به ملاذا للهاربين من السلطات، وبدأت عائلات مجرمة من فلسطينيي 1948 تنتقل الى ضاحية السلام. ظلت جرائم القتل في المنطقة دون حلّ. "تصاعدت المشاكل في المناطق الفلسطينية مع تزايد السكان بشكل أكثر. إنتقل الفلسطينيون، الذين يحملون الهوية الزرقاء والذين لا يقدرون على تحمّل دفع كلفة الإيجار العالية على جانب الجدار في القدس، الى الجانب الآخر منه، حيث الضواحي المزدحمة. كانت تلك هي الطريقة الوحيدة للإستمرار في الحفاظ على هوياتهم الزرقاء."
إعتمادا على أقوال إبراهيم سلامة، أشار المؤلف الى تطوّر الإقتصاد غير المشروع على جانبي الجدار، إذ يبيع الإسرائيليون البضاعة منتهية الصلاحية للتجار الفلسطينيين على الجانب الآخر. كما كانت المنتجات الفلسطينية، التي لا تلبي المعايير الصحية ولا البيئية، تذهب في الإتجاه المعاكس. كانت المخدرات تمرّ عبر ثقوب صغيرة حُفِرت في الحاجز، وتمّ التخلّص من النفايات الخطرة القادمة من إسرائيل برميها أو دفنها في المناطق الفلسطينية. كما تمّ بيع آلاف السيارات القديمة وغير الآمنة وغير المسجّلة للفلسطينيين خلف الجدار، ولم يكن هناك فحص أو ترخيص لمثل هذه النشاطات من قبل إسرائيل أو السلطة الفلسطينية.

كما انحطّ مستوى التعليم بشكل ملحوظ وانتشر استخدام المخدرات بين الطلبة المراهقين، حتى بين من [https://www.aljazeera.net/politics/2018/7/1] كانوا يدرسون في مدارس منظمة الأونُروا، وتسرّب ثلثا الطلبة من الدراسة قبل إكمال تعليمهم الثانوي.
خصّص المؤلف الفصل العشرين المؤلم للغاية لمتابعة عابد وجيرانه وهم يبحثون عن اطفالهم في مختلف المستشفيات، وبطبيعة الحال واجهوا مسألة نوع الهوية، التي يحملها كلّ منهم. واصلت السلطات الإسرائيلية إلزام حاملي بطاقات الهوية الفلسطينية، مع استثناءات نادرة، بالحصول على تصاريح محدودة المدة ويصعب الحصول عليها لدخول إسرائيل وأجزاء كبيرة من الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية. وصفت منظمة بتسيلم الإسرائيلية ذلك بأنّه "نظام بيروقراطي تعسفي ويفتقر إلى الشفافية، حيث "كثير من الطلبات تُرفض دون أيّ توضيح ودون توفّر إمكانيّة حقيقية للاعتراض على الرفض".

حتى أوائل عام 2024، كان لدى السلطات الإسرائيلية 645 نقطة تفتيش وغيرها من العوائق الدائمة داخل الضفة الغربية. وفقا لـمنظمة حقوق الإنسان أوتشا، أنّه توجد بالإضافة إلى ذلك نقاط تفتيش "طيارة" مؤقتة. تقوم القوات الإسرائيلية بشكل روتيني بإعادة الفلسطينيين أو تأخيرهم وإذلالهم عند نقاط التفتيش دون تفسير، بينما تسمح غالبا للمستوطنين الإسرائيليين بالتنقّل [ttps://www.hrw.org/ar/world-report/2024/country-chapters/israel]
دون قيود. كان الأمل يحدو بعابد وهو يبحث عن صغيره المفقود فلعله يجده حيّا، ثمّ تحوّل البحث فيما بعد عن رفات ذلك الأبن المسكين. إنتهى الأمر بأخذ عينة من دم عابد ومن دم زوجته هيفاء ومن دم إبنه آدم بغية اجراء فحص الحمض النووي. لقد احترقت جثة الصغير لحدّ تطلب فحص الحمض النووي لكي يمكن تحديد هوية رفات ميلاد.

الفصل التالي مكئب ومتعب ومضن هو الآخر. إنّه عن صغير آخر تفحّمت جثته واحتاج الأطباء في المستشفى إجراء فحص الحمض النووي لتأكيد هويته. كان إسمه صلاح. "كان صلاح يُعتبر طفلا ذكيا بشكل إستثنائي. في سنّ الثانية كان يحفظ عددا من الكلمات باللغتين الإنگليزية والعربية أكثر من حفظ أقرانه لها. وعندما حان وقت التحاقه بروضة الأطفال، إعتقدت أمّه نانسي أنّ لصغيرها عقلَ صبي عمره 10 أو 11 عاما." قبل 40 يوما من حادثة التصادم، فاجأ صلاح أمّه ذات صباح بالقول إنّه سيموت، "وسأذهب الى الجنّة، وستكون أختي سادين طفلة وحيدة." قالت له الأمّ إنّه لا يزال صغيرا جدّا وأمامه حياة طويلة، لكنّه "كرر القول كلّ يوم تقريبا وكأنّه يعذّب والدته."

وبعد يوم رهيب مليء بالمعاناة والقلق والخوف والترقّب والبحث وفي حوالي الساعة 9:00 مساء، شاهدت نانسي لدى دخولها الى مستشفى هداسا في القدس، كلّ شخص تعرفه تقريبا. ليس هناك تفسير سوى أنّهم سمعوا بموت صلاح فجاءوا جميعا يعزّونها. إعتقدت أنّها رأت المئات من الناس، ولمحت بين الوجوه وجه عزّام لكنّه أشاح ببصره عنها ووقف بعيدا. وكذا فعل والداه وافراد أسرته الآخرين، الذين كانوا يرمقونها بين حين وآخر بنظرات الكراهية. وفي نهاية المطاف تقدّمت جدة صلاح من عزّام، وقالت له، "إذهب الى زوجتك وعزّها في مصابها!" ردّ يقول، "لا، لا أريد الإقتراب منها، فهي التي ارسلت صلاح في تلك الرحلة!" وهكذا ألقيت مسؤولية موت الصغير الذكي صلاح على عاتق أمّه، نانسي. فهي التي وقّعت على استمارة موافقة العائلة على مشاركته في تلك الرحلة المدرسية، خلافا لرأي زوجها عزّام. وهي التي أمسكت الصغير من يده في ذلك الطقس العاصف المطير واصطحبته حتى أوصلته الى باب الحافلة، التي أخذته ليلقى ذلك المصير المفجع الفظيع.

صوّر المؤلف ثرال في الفصل الثاني والعشرين عذاب الأمهات المصدومات، اللواتي ركضن من مستشفى لآخر بحثا عن صغارهن، وكيف وهنّ في تلك الحالة رفضن الإعتراف بحقيقة أنّ الملابس المحترقة تعود لأطفالهن المفقودين. لقد أظهرت حادثة احتراق حافلة الروضة مقدار التعنّت والظلم، الذي يعيشه الفلسطينيون في ظلّ الإحتلال وقوانينه الجائرة. هذا وقد تناول العديد من الكتاب العرب موضوع عذاب الأمّهات الفلسطينيات ومعاناتهن الطويلة القاسية في فقد الأبن أو الأخ أو الزوج أو الأب.
لم يبالغ الكاتب [https://fatehwatan.ps/page-30268.html، الذي وصف صبر الام الفلسطينية في وجه اشكال الظلم والعذاب والوجع الذي تفنن سارق الارض والحياة
والاحلام في صناعته وفرضه، بانّه صبر يفوق صبر أيوب! وما يجري الآن في غزة دروس تفوق الواقع والخيال، "الكثير من الامهات يواجهن صنوف المعاناة بصبر يعجز الصبر عن
حمله بل صمدن حتى اصبح الصمود يستمد معانيه من محطات وصور التضحية التي يفخر التاريخ عندما يسطرها بين صفحاته ....... السجّان يصرّ على اغتصاب حرية المواطن دون ادنى مراعاة لحياته، فهذه هي القاعدة، لا استثناء ولا حصانة في نظرية الامن الاسرائيلية! وما دمت فلسطينيا فعليك ان تكون جاهزا للعقاب ودفع الثمن المطلوب، حتى لو كنت عاجزا أو مقعدا أو سقيما" .

في مساءاليوم التالي لفاجعة انقلاب حافلة روضة الأطفال واحتراقها، تجمع بعض أهالي عناتا الغاضبين قرب مبنى مدرسة روضة الهدى وهم ينوون إحراقه. ألقوا بلائمة الفاجعة على عاتق إدارة المدرسة التي بعثت الصغار في ذلك اليوم العاصف الممطر الى حتفهم المؤلم في حافلة قديمة عمرها 27 عاما. أضف الى ذلك، لم تعتذر إدارة المدرسة عن ذلك الخطأ الفضيع، ولم يكلف أحد من اعضائها نفسه مشقّة زيارة المصابين في المستشفيات للإطمئنان على وضعهم، ولم يقدّموا أيّ شكل من أشكال المواساة لذوي الضحايا. وبرغم أنّ النيّة لحرق مبنى المدرسة إشارة الى تخلّف الحال، حضاريّا واجتماعيا، فقد تصرّفت السلطات الإسرائيلية ثانية وعلى مدي يومين متتالين، وكأنّ الأمر لا يعنيها، حين تقع أحداث في المناطق الفلسطينية ولا تهمّ المستوطنين اليهود!
طلبت السلطة الفلسطينية من عابد أن يتدخّل على الفور ويفضّ الإحتجاج، فقام بواجبه. خاطب المتظاهرين بصوت كسير ينمّ عن الألم الباالغ أنّه أكثر من أيّ منهم خسارة، فقد راح صغيره ميلاد ضحية إضافة الى أربعة صغار آخرين ومعلمتهم. قال لهم، "إنّ ميلاد لو بُعث حيّا ثانية لأرسلته الى مدرسة نور الهدى. المدرسة مصدر نفع وخير ليس للأطفال وإنما لأهل عناتا عموما. إنّها توفّر فرص العمل لعشرات من أهل البلدة وتُعدّ الطلبة صغارا وكبارا لمستقبل سيكون أفضل. سأبقي ولدي الأكبر آدم طالبا فيها."

أقيمت ثلاث جنائز. وارى عابد سلامة جثمان صغيره ميلاد في مقبرة الأسرة في عناتا، ودُفن الصغيران صلاح عزّام وعبد الله الهندي في مقبرة باب الأسباط عند جدران البلدة القديمة. لم يذكر المؤلف أين دُفن الطفلان الآخران ولا المعلمة عًلا جولاني.
بعد عدة أشهر استلم عزّام الدويك وزوجته نانسي قواسمة تعويضا عن مقتل صغيرهما صلاح في فاجعة روضة الأطفال. كان المبلغ يزيد عن 200 ألف دولارا قليلا. في العادة يتلقّى الضحايا أو أسرهم أموالا كتعويضات من الصندوق الإسرائيلي Karnit، نتيجة الحوادث المرورية التي تتسبّب بها مركبات يمتلكها الإسرائيليون. بغضّ النظر عن مكان وقوع الحوادث، يُشترط أن يكون الضحايا إسرائيليين أو سائحين أو من حاملي بطاقات الهوية الزرقاء. لكنّ حاملي البطاقات الخضراء، مثل عابد وهيفاء، فلا يشملهم مثل هذا التعويض.
غير أنّ تلك التعويضات المادية لم تنفع نانسي ولم تنقذ حياتها الزوجية. لقد اتهمتها عائلة زوجها صراحة أنّها مسؤولة عن موت ولدها الصغير، فتمّ طلاقها بعد مدة. ختمت أمّ صلاح قصة الفاجعة بالقول، "إنّ كلّ عائلة قد سُحِقَت بطريقتها الخاصّة."

كشف ثرال في مطلع خاتمة كتابه طبيعة المجتمع الإسرائيلي، وكيف تربّى على العنف بشكل مريض. يحضرني الآن تعليق سمعته من محطة البي بي سي خلاصته، "إنّه لو كانت إسرائيل شخصا، لاستحقّ أن يوضع في مستشفى المجانين!" وهذ قول حقّ، فهذا المجتمع اليوم مجبول على القتل والموت، ويطالب بالمزيد! والإدارة الأمريكية توفّر له السلاح والمال. ما يجري الآن في غزة برهان لهذا السلوك المجرم المريض! القتل والإغتيال والإبادة، لم تعد سوى أمر يومي عند إسرائيل. وصادف أن اطلعت اليوم على تصريح لعضو مجلس الشيوخ النبيل، برني ساندرز قال فيه، إنّ نتنياهو يرتكب تطهيرا عرقيا في غزة." أوضح ساندرز [https://www.aljazeera.net/news/2024/4/28] لشبكة سي أن أن، "إنّ معاداة السامية مثيرة للاشمئزاز، لكنّ ما تفعله حكومة نتنياهو المتطرفة غير مسبوق"، لافتا إلى أنّ أغلبية الشعب الأمَريكي "متقززة" من أفعال آلة نتنياهو الحربية في غزة. وقبله ذكر ساندرز، في كلمة له أمام الكونگرِس للتصديق على مساعدات أجنبية بما فيها المساعدات الأمنية لإسرائيل، "إنّ ما يحدث في غزة ليست حوادث أو أخطاء حرب، وإنما سياسة محسوبة تُنفّذ بشكل منهجي لأكثر من 6 أشهر".
أمّا النقطة الأخرى فهي تركيز المحاكمة وتحقيقات الشرطة بشكل ضيّق على تصرّفات السائق متجاهلة الأسباب الأوسع للحادث والوفيّات والإستجابة المتأخّرة والأغدار التي طُرحت لهذا التأخير الفجّ . كانت بعض سيارات الإسعاف القادمة من القدس قد توقّفت بانتظار الأوامر ولم تُفتح لها بوابة الجدار الفاصل عند حاجز قلنديا. خدمات الطوارئ القادمة من مستوطنات الضفة الغربية أو عبر حاجز Hizma قد تمّ تأخيرها أيضا أو أرسِلت الى المكان الخطأ، وهو دوّار مستوطنة آدم. يشير الإسرائيليون في العادة الى مناطق الضفة الغربية بأسماء أقرب مستوطنات اليها، لأنّ معظمهم ليسوا على دراية بالطرق الفلسطينية ولا اسماء البلدات والقرى الفلسطينية. كما ذكر افراد خدمات الطوارئ لوسائل الإعلام الإسرائيلية، "إنّ الأمر يستغرق وقتا أكثر من اللازم للوصول الى مواقع الحوادث في أراضي السلطة الفلسطينية." لكنّ طريق جّبّع لم يكن ضمن تلك الأراضي، رغم أنّه يستعمّل من قِبل مئات الآلاف من الفلسطينيين، وهو تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة. ولا أحد تمت محاسبته!

د. محمد جياد الأزرقي
أستاذ متمرّس، كلية ماونت هوليوك
مَونِگيو، ماسَچوسَتس، الولايات المتحدة
1 مايس 2024



#محمد_الأزرقي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (الجليس - 3 أجزاء) كتاب الكفاءة اللغوية لتعلّم العربية
- قراءة في كتاب برني ساندرز، -لا بأس من الغضب على الرأسمالية-
- قراءة في كتاب (حرب الرقائق الإلكترونية) من تأليف د. كرس ملر
- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
- قراءة في كتاب ألفرد وُليم مَكّوي (بهدف التحكّم بالعالم)
- قراءة في كتاب د. رِچَرد فولك، -سيرة مفكّر معنيّ بقضايا الشعو ...
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
- قراءة في كتاب شرخ في التكوين، تأليف جنِفر داودنا وسام ستِربَ ...
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ...
- قراءة في كتاب (الإستياء العالمي) لچومسكي
- قراءة في كتاب جيمي متزل إختراق نظرية دارون
- قراءة في كتاب دانيل إلزبرگ آلات الفناءـ اعترافات مخطط امريكي ...
- قراءة في مذكرات سيمور هيرش
- قراءة في كتاب لن نصمت
- قراءة في كتاب چومسكي -وداعا للحلم الأمريكي-
- قراءة في كتاب چومسكي عن الإرهاب الغربي
- العواقب: مذكرات محقق أمريكي
- قتل أسامة بن لادن ومسالك الجرذان في سوريا
- قراءة في كتاب تفعيل الديمقراطية لمعالجة ازمات الرأسمالية
- قراءة في كتاب عصر التنمية المستدامة


المزيد.....




- ضابط فرنسي سابق: قيادات كييف مرتبكة بسبب تقدم القوات المسلحة ...
- شولتس يحذر من هجوم واسع على رفح وغانتس يطالب بخطة من ست نقاط ...
- مسيرة في لندن تنديدا بالحرب على غزة
- الأمطار الغزيرة والسيول تخلف ما لا يقل عن 68 ضحية في أفغانست ...
- LG تعلن عن سماعات لاسلكية بمواصفات مميزة
- مشعل: المقاومة في غزة ما زالت بخير
- حميميم: -جبهة النصرة- الإرهابية تخطط لمهاجمة مواقع عسكرية رو ...
- المعارضة المولدوفية تعلن إطلاق حملة -لا لعضوية الاتحاد الأور ...
- -ديلفري-.. ضبط شخص يوزع المخدرات في مدينة بنغازي الليبية (صو ...
- تونس.. ضبط 6 -عناصر تكفيرية- مطلوبين لدى الجهات الأمنية والق ...


المزيد.....

- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمد الأزرقي - يوم في حياة عابد سلامة