أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - محمد الأزرقي - قراءة في كتاب (حرب الرقائق الإلكترونية) من تأليف د. كرس ملر















المزيد.....



قراءة في كتاب (حرب الرقائق الإلكترونية) من تأليف د. كرس ملر


محمد الأزرقي

الحوار المتمدن-العدد: 7678 - 2023 / 7 / 20 - 18:56
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


يتناول هذا الكتاب العلمي الفاخر، الصراع في مجال هندسة التقدّم التكنولوجي منذ الحرب العالمية الثانية. وهو يتألف من مقدمة وخاتمة وبينهما 54 فصلا قصيرا توزّعت على ثمانية أقسام. عرض فيه مؤلفه د. كرِس مِلَر تغطية تفصيليّة لاختراع الرقائق الإلكترونية وتطوّرها خلال فترة الحرب الباردة. الحقيقة الثابتة هي أنّ هذه الرقائق توجد الآن في كلّ شيء تقريبا؛ مثلا في الهواتف الذكية والتلفزيونات، ومنصّات الحوسبة عالية الأداء، والكومپيوترات المكتبية واللوحية المحمولة، ومنصات الألعاب والكامرات، والأجهزة المتصلة بالإنترنت مثل الأجهزة الذكية، والإلكترونيات الاستهلاكية المنزلية الرقمية، وفي السيارات والطائرات والمركبات والقطر الكهربائية ومراقبة حركاتها وفي بناء السفن وما تنقله من بضائع الشحن وفي الأقمار الإصطناعية، والأجهزة الطبيّة وأجهزة الإستشعار وتعيين الأماكن واستكشاف وجود المعادن، ومحطّات توليد الطاقة الحالية وخطوط تصنيع المعدّات الثقيلة وفي معدّات توليد الطاقة الخضراء الجديدة، وأنظمة ناسا وغيرها لاكتشاف الفضاء، وتقريبا في كافة أنظمة الأسلحة العسكرية وذخائرها الدقيقة المتقدّمة، التي بُنيت في القرن الحادي والعشرين، إلخ. في تقييم پات يولسِنگَر، الرئيس التنفيذي لشركة Intel، "فإنّ الرقائق حاسمة لكلّ جانب من جوانب الوجود البشري حاليّا. ونظرا لأنّ كلّ شيء أصبح رقميا Digital أكثر فأكثر، فكلّ شيء رقمي يحتاج أشباه الموصّلات لكي يعمل بالشكل المرغوب المطلوب." لذلك، تكتسب هذه الإبداعات العلمية الرائعىة الذكيّة أهميّة استثنائية لا يمكن انكارها. لقد حدّدت احتياطات النفط الجغرافية السياسية واقتصاديّات العالم على مدى 5 عقود، وستحدّد صناعة أشباه الموصّلات الجغرافية السياسية واقتصاديّات العالم للعقود التالية، حسب رأي د. مِلَر. ذكر الناشر الأصلي للكتاب أنّه قد تُرجِم الى اللغات التايلندية والبرتغالية والسويدية والإسپانية والتركية والپولندية والصينية والڤيتنامية واليابانية والكورية. هذا وقد عبّر المؤلف عن سعادته بإضافة العربية.

طرح المؤلف د. كرِس مِلَر في فصله الأول فكرة أنّ الحرب العالمية الثانية قد حسمتها الأسلحة وليس المقاتلون. أضاف موضّحا بأنّه، "أصابت 20% فقط من القنابل الأمريكية اهدافها المرسومة في ألمانيا من مسافة ألف قدم. حُسِمت الحرب بكمية القنابل التي تمّ إسقاطها وكميات قذائف المدفعية التي تمّ إطلاقها." ومن هنا بدأت فكرة الأسلحة الأكثر دقة في الحسابات الحربية. وهو ما دفع التصنيع العسكري الى تكليف جامعة پَنسِلڤينيا في عام 1945 لبناء جهاز كومپيوتر لهذا الغرض. "أمكن أن يضرب جهاز ENIAC مئات الأرقام في الدقيقة الواحدة أسرع من أيّ عالم رياضيات. غير أنّ الجهاز يشغل غرفة بكاملها لاستيعاب الثمانية عشر ألف أنبوبا مفرّغا، وكلّ منها بحجم قبضة اليد. من الواضح أنّ تقنية الأنابيب المفرّغة كانت مرهقة وبطيئة وغير موثوقة للغاية." وبناء عليه، "تعيّن على العلماء أن يتوصلوا الى بناء جهاز اصغر واسرع وأقلّ كلفة."
تشير المصادر الى أنّ أولّ كومپيوتر تجاري أنتجته شركة رَمنگتُن راند (Remington Rand) ، وتلاه جهاز يونيڤاك وَن (Univac1)، وهو أول جهاز كومپيوتر تجاري يستولي على انتباه العامّة، حيث انتشر استخدامه في العديد من الأماكن والمرافق، إضافةً إلى استخدامه من قِبَل شركات التأمين والجيش الأمريكي. ومن الجدير بالذكر أنّه قد بلغ وزن هذا الجهاز 13154.168 كيلوغراماً، وتمكّنت شركة رَمنگتُن راند من بيع 46 جهازاً منه، وكان سعر الجهاز الواحد مليون دولارا .
أول كومپيوتر يُخزِّن البرامج قام بتصميمه فرِدرِك ويليامز Frederic C. Williams وتوم كيلبُرنTom Kilburn ، وذلك في جامعة مانچستر البريطانية في العام 1948، وسُمّي هذا الجهاز باسم الطفل The Baby. تمّ تطويره فيما بعد ليُصبح جهاز كومپيوتر كامل الحجم عُرف باسم مانچستر مارك (Manchester Mark) في عام 1949. وما يُميزه هو وجود مُسجّل ثنائي المستوى (two-level registers) للتخزين والتعديل، كما تمّت إضافة أسطوانة مغناطيسية لتوفير جهاز تخزين ثانوي عشوائي.
قائمة بأوائل أجهزة الكومپيوتر الأخرى [https://mawdoo3.com/%D8%A3%D9] التي تم إنتاجها، وهي على الشكل التالي:
أول الكومپيوتر إلكتروني مُبرمَج هو كولوسُس (Colossus)
أول الكومپيوتر رقمي (digital) هو (Atanasoff-Berry Computer) واختصاره (ABC).
أول الكومپيوتر استخدم ذاكرة الرام (RAM) هو ويرلوِند (Whirlwind)
تطرّق د. مِلَر في فصله الثاني الى جهود ثلاثة من العاملين في مختبرات بَل للهواتف، التي تعود ملكيتها الى شركة TA&T. تُعتبر مواد أشباه الموصّلات materials semiconductor ، مجال تخصّص العالم الفيزيائي وِليَم شوكلي William Shockley، وهي فئة فريدة من المواد. معظم المواد إمّا تسمح للتيار الكهربائي أن يتدفّق بحرية (مثل الأسلاك النحاسية) أو تقف عائقا في سبيل هذا التدفق (كما في الزجاج). أشباه الموصّلات مختلفة. في حدّ ذاتها، تكون المواد مثل السِلِكون والجرمَنيوم silicon and germanium من تلقاء نفسها مثل الزجاج، بالكاد توصل أيّ كهرباء على الإطلاق. ولكن عندما تضاف مواد معيّنة أخرى ويتم خلق مجال كهربائي، يمكن أن يبدأ التيار بالتدفق. "عند إضافة الفُسفور أو الأنتيمون phosphorous´-or-antimony الى المواد شبه الموصّلة مثل السيلِكون والجرمَنيوم، على سبيل المثال، فإنّه يُسمَح للتيار السالب أن يتدفّق."
بعد ذلك بعامين تمكنّ اثنان من زملاء شوكلي في مختبرات بَل من ابتكار تجربة مماثلة باستخدام جهاز من نوع آخر. وقت كان شوكلي فخورا وبغيضا، كان زميلاه، وهما والتر براتِن الفيزيائي التجريبي اللامع، وجون باردين، العالم المتدرّب في جامعة پرِنستُن والذي اصبح فيما بعد الشخص الوحيد الذي فاز بجائزة نوبل مرّتين، كان الإثنان متواضعين ومعتدلين. نتيجة تأثرهما بنظرية شوكلي، "بنى براتِن وباردين جهازا يستخدم خيطين من الذهب يتصّل كلّ منهما بأسلاك مصدر للطاقة وقطعة من المعدن وكتلة من الجرمَنيوم، بحيث كان الخيطان يلامسان كتلة الجرمَنيوم وبمسافة تقلّ عن ملمتر واحد بينهما. في عصر يوم 16 كانون الأول من عام 1947 وفي مركز مختبرات بَل، شغّل براتِن وباردين جهازهما وكانا قادرين على التحكّم في تدفّق التيار الساري عِبر الجرمَنيوم. لقد اثبتا صحة نظرية شوكلي حول مواد أشباه الموصّلات."
تناول المؤلف في فصله الثالث الحديث عن شخصين هما نورِس وكيلبي، اللذين عملا في شركة Texas Instruments. في تكسَس وحين عاد زملاؤه من عطلتهم الصيفية، أدركوا أنّ فكرة كيلبي ثوريّة حقا. "يمكن بناء ترانزِستُرات متعددة في لوح واحد من السيلِكون أو الجرمَنيوم. أطلق كيلبي على اختراعه اسم "الدائرة المتكاملة" integrated circuit . اصبح الأسم الشائع لهذا الإختراع "الرقاقة/الشريحة" chip."
لرقائق الإلكترونية هي قطع صغيرة مصنوعة من السيلكون ، يتم تغليفها في حاوية من الپلاستِك او الخزف تسمى الحزمة، وتعمل الرقائق الإلكترونية على تضخيم الإشارات الكهربائية، او تعمل كمفتاح تشغيل / ايقاف في تطبيقات (الكومپيوتر). ومن الممكن أن تكون الرقاقة عبارة عن ترانزستُر واحد ، او دائرة متكاملة تضم مجموعة مترابطة من الترانزستُرات. ]رقاقة – ويكيبيديا[ (wikipedia.org)
في أجواء الوضع السياسي القائم، إنّ اليابان وهولندا اتفقتا مع أمريكا على البدء بتقييد الصادرات المستخدمة في معدات تصنيع الرقائق المقدمة إلى الصين، لتنضم الدولتان بذلك لمساعي إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، لإبطاء التطور العسكري للصين، عبر قطع طريق وصولها للتقنيات المتقدمة. [https://arabicpost.net/%d8%a3%d8] "الرقائق الإلكترونية أو ما تُعرف (أشباه الموصّلات)، عبارة عن قطع إلكترونية صغيرة جداً، لكنّها تكاد تدخل في صناعة كلّ شيءٍ اليوم، من الهواتف إلى السيارات، وحتى الأسلحة والصواريخ العابرة للقارات."
ناقش المؤلف في فصله الرابع منجزين علميين الأولّ هو أنّ معهد ماسَچوستس للتكنولوجيا MIT إعتبر الكومپيوتر الذي صَمّمه وبناه لتوجيه المركبة الفضائية أپولو، من أكثر أجهزة الكومپيوتر التي يفتخر في إنجازها. [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A]
لكنّ بوب نويس كان يعلم أنّ رقائقه هي التي صنعت مجد ذلك الكومپيوتر. بحلول عام 1964، تفاخر نويس بإكمال تشغيل الدوائر المتكاملة في أجهزة سفينة الفضاء أپولو التي عملت لمدة 19 مليون ساعة ما عدا خطأين نجما عن ضرر مادي في جهاز الكومپيوتر حين تمّ تحريكه من مكانه. "حوّلت مبيعات الرقائق الى برنامج أپولو شركة Fairchild من شركة ناشئة صغيرة الى مؤسسة يعمل فيها 1000 شخصا، وارتفعت مبيعاتها من 500000 دولارا عام 1958 الى 21 مليون دولارا بعد عامين فقط."
أمّا الإنجاز الثاني فقد تمّ في تَكسس، حيث وعد پات هاگرتي القوة الجوية أنّ كومپيوتر كيلبي الذي يستعمل الدوائر المتكاملة يمكنه أداء ضعفي العمليات الحسابية وأنّ وزنه سيكون حوالي نصف وزن الكومپيوترالمُستعمل في الجيل الأول من صواريخ مِنِتمَن1. إنّ فوز شركة تكسّس إنسترومَنت بعقد بناء جهاز الكومپيوتر الخاصّ بتوجيه صواريخ مِنِتمَن2 قد حوّل انتاج الرقائق في الشركة. كانت مبيعات الشركة من هذه الرقائق في السابق لم تتعدّ القليل من العشرات، لكنّ الشركة ومنذ توقيع العقد المذكور بدأت تبيع الآلاف من دوائرها المتكاملة وسط المخاوف عن وجود "فجوة" بين ما لدى الولايات المتحدة من هذه القذائف الصاروخية مقارنة بما يمتلكه الإتحاد السوڤيتي منها. [https://sputnikarabic.ae/20200809/11]
الإنجاز الحربي الآخر الذي تطرّق إليه المؤلف في الفصل التالي يتعلق بقذائف مدافع الهاون وكيفية انفجارها فوق الهدف وليس عند ضربه، كما هو الجاري. كما غطى جهود شوكلي. "كانت مساهمته في التنظير لاختراع الترانزِستُر ليحلّ محلّ ألأنابيب المفرّغة مهمّة للغاية. غير أنّ المهندسين الشباب من الخونة الثمانية الذين تركوا شركته، بالإضافة الى مجموعة مشابهة في شركة Texas Instruments، هم الذين حوّلوا ترانزِستُرات شوكلي الى منتج مفيد، هو الرقائق وبيعها للجيش الأمريكي. وفي الإثناء تعلموا كيفية إنتاجها بكمّيات كبيرة."
أشار المؤلف الى أنّ شركتي فَيرچايَلد وتَكسس إنسترومًنتس وجدتا نفسيهما في منتصف الستينات وهما تواجهان تحدّيا جديدا. تمثّل هذا التحدّي بتحول انتاج الرقائق لتكون إنتاجا عالميا ضخما يغطّي حاجة الأسواق، ويستمرّ هذا التحدي حتى أيامنا هذه. قالت صحيفة وولستريت جورنَل الأمريكية، في تقرير نشرته الأحد 29 كانون الثاني من عام 2023، إنّ أكبر مختبر لبحوث الأسلحة النووية في الصين اشترى رقائق كومپيوتر أمريكية متطوّرة أكثر من عشر مرات في العامين ونصف العام الماضيين، في تحايلٍ على قيود التصدير التي فرضتها الولايات المتحدة منذ عقود، والتي تستهدف الحد من هذه المبيعات. في المقابل وجدت مراجعة الصحيفة للأوراق البحثية التي نشرتها أكاديمية العلوم الصينية CAEP، أنّ 34 ورقة منها أشارت في بحوثها على مدى العقد الماضي، إلى أشباه الموصلات الأمريكية. استُخدمت هذه الرقائق بطرق متنوعة، تتضمن تحليل البيانات وتوليد الخوارزميات. وقال الخبراء النوويون إنّ سبعة على الأقل من هذه البحوث يمكن أن تكون ذات تطبيقات تستهدف الحفاظ على المخزون النووي الصيني.
في الوقت ذاته أوضحت الصحيفة، [https://arabicpost.net/%d8%a3%d8] "أنّ عدداً كبيراً من الرقائق المصممة في الولايات المتحدة، تُصنع خارج حدودها، مما يجعلها خارج نطاق قواعد مراقبة الصادرات التي تفرضها واشنطن. في شهر تشرين الثاني 2022، بدأت شركة إنفيديا مثلا في تسويق بديل لرقائق A100 التي تصنعها بأخرى ذات عرض نطاق ترددي أضيق لإرسال البيانات واستقبالها، من أجل أن تتمكن من بيعها في الصين في ظل القيود التي تفرضها الولايات المتحدة على الصادرات."

الآن وبعد أن اصبح نويس يدير شركة مصنّفة من قبل الصندوق الإستئماني على مستوى البلاد، اصبحت لديه المرونة في التعامل مع الجيش كزبون بدلا من أن يكون الأخير رئيسا له. "لقد اختار أن يستهدف الكثير من أنشطة البحث والتطوير في شركته للإستخدامات المدنية، وليس وفق ما يرغب به الجيش. وهو لهذا في قناعتي يستحقّ التقدير لأنّه جلب الى طاولة النقاش رأيا مفاده أنّ الرقائق المستخدمة في الصواريخ والأقمار الإصطناعية يجب أن تكون لها استخدامات مدنية أيضا. كانت الدائرة المتكاملة لهذه الإستخدامات للأسواق التجارية هي التي استخدمتها شركة Zenith لصنع الأجهزة المساعدة على تحسين السمع عند كبار السّنّ من الأشخاص. وبحسب رأي د. مِلَر، فإنّ نويس "توصّل الى قناعة هي أنّ السوق المدنيّة هي أكبر بكثير حتى من ميزانيّات الپنتَگون المُتخّمة خلال فترة الحرب الباردة. وبحسب اعتقاده، فإنّ بيع البحث والتطوير في الشركة للحكومة فقط يشبه أخذ رأس المال الإستثماري الخاصّ ووضعه في حساب التوفير. المغامرة هي المغامرة، وأنت تريد المخاطرة!"
بحلول نهاية الستينات وإثر عقد من التطوير، كان برنامج أپولو مستعداً لإطلاق المركبة بتوجيه جهاز الكومپيوتر الذي صمّمته شركة فَيرچايلد وحمل الإنسان الأوّل الى القمر. إستفاد مهندسو أشباه الموصّلات في وادي سانتا كلارا في كالِفورنيا من سباق الفضاء الذي جلب لهم زبونا مهمّا في وقت مبكّر [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A]. ومع ذلك وبعد إنجاز الهبوط على سطح القمر، أصبح مهندسو وادي السيلِكون أقلّ اعتمادا على ذلك الزبون المبكّر المتمثل في عقود الدفاع والفضاء. بدأوا يركّزون الآن على المزيد من الإبتكارات من اهتمامات سكّان الأرض. أصبح سوق الرقائق مزدهرا بفعل نجاح شركة فَيرچايلد، وألهم العديد من كبار الموظفين للهروب الى الشركات المتنافسة على صنع الرقائق. يرى المؤلف، "أنّ هذا النجاح هو الذي دفع تدفّق رأس المال الاستثماري على الشركات الناشئة، التي لا تركّز على الصواريخ والأسلحة بل تركّز على أجهزة الكومپيوتر واستخداماتها المدنية."

أشار المؤلف في فصله السابع الى جهود الإتحاد السوڤيتي المتواضعة في ميدان الإلكترونيات قبل وصول العالمين الأمريكيين من الشيوعيين الهاربين اللذين استقرّا في موسكو. كان جوّل بار وألفرَد سارانت من المتعاطفين مع القضية الشيوعية وتمّ تنسيق جهود بار وسارانت في عملية تجسس بقيادة جوليَس روزِنبَرگ. عمل بار وسارانت على تطوير الرّيدَرات السريّة للقوات المسلحة وغيرها من الأنظمة في شركتي Western Electric and Sperry Gyroscope، وهما من اشهر الشركات التكنولوجية الرائدة. على عكس الآخرين في حلقة روزِنبَرگ، لم يكن لدى بار وسارانت معلومات عن الأسلحة النووية، لكنّهما كسبا معرفة وثيقة بالإلكترونيات في انظمة التسليح الجديدة. حين بدأ مكتب التحقيقات الفدرالي في تفكيك الخلايا الشيوعية في البلاد، ألقي القبض على روزِنبَرگ وحوكِم وصدر الحكم بإعدامه صعقا بالكهرباء الى جانب زوجته إثيل. [https://www.madarcenter.org/%D9%85]قبل أن يتمكّن مكتب التحقيقات الفدرالي من القبض عليهما، هرب بار وسارانت من البلاد ووصلا في النهاية الى الإتحاد السوڤيتي.
في رأي المؤلف، كان وضع الجاسوسين في حدّ ذاته مثيرا للإعجاب وأعطاهما هالة سمحت لهما بالحصول على الموارد اللازمة. في أواخر خمسينات القرن المنصرم، بدأ بار وسارانت بناء أوّل جهاز كومپيوتر سمّوه UM وهي تسمية روسية تعني "العقل". إجتذب عملهما انتباه شوكين، البيروقراطي الذي كان شيخا في صناعة الإلكترونيات السوڤيتية، وشاركا معه في إقناع خروشوڤ أنّ الإتحاد السوڤيتي بحاجة الى مدينة كاملة مكرّسة لإنتاج أشباه الموصّلات على يد الباحثين والمهندسين العاملين في المختبرات ومرافق الإنتاج. كان خروشوڤ نفسه أكثر راحة في المزارع الجماعية من أن يكون في معامل الإلكترونيات. لم يفهم شيئا عن التكنولوجيا ولكنّه كان مهووسا بفكرة "اللحاق بالركب وتجاوز" الولايات المتحدة، كما وعد مرارا أن يفعل.
يمضي المؤلف للقول إنّه سرعان ما شُقّت الأرض لبناء مدينة "زيلينوگراد"، التي تعني باللغة الروسية "المدينة الخضراء". [https://arabic.rt.com/news/57553]. وبالفِعل تمّ تصميمها لتكون جنّة عالمية. أراد شوكين أن تكون موقعا علميا مثاليا بمختبراته ومرافق الإنتاج فيه، إضافة الى المدارس ورعاية الأطفال النهارية ودور السينما والمكتبات ومستشفى خاصّ، وكلّ شيء قد يحتاج اليه مهندسو أشباه الموصّلات. وبالقرب من المركز، كان يوجد معهد التكنولوجيا الإلكترونية في جامعة موسكو، الذي كانت واجهته مبنية بالطوب الأحمر على غرار أحرام الجامعات الإنگليزية والأمريكية. "وبدا المركز من الخارج تماما مثل وادي السيلِكون الأمريكي، ولكنّه مشمس بدرجة أقلّ."
إعترف د. كرِس مِلَر أنّ إطلاق القمر الصناعي سپوتنِك في عام 1957 وبعده إطلاق رائد الفضاء يوري گَگارِن في عام 1961 ومن ثمّ تصنيع الدائرة المتكاملة لأوسوكين عام 1962، "أدلة على أنّ الإتحاد السوڤيَتي اصبح قوة علمية خارقة." ومع ذلك إتهّم السوڤيَت بمحاولات التجسّس العلمي. ذكر بأنّ كلّ خطوة في عملية صنع الرقائق تضمّنت معرفة متخصّصة نادرا ما تمّ اللجوء اليها خارج نطاق الشركة المحدّد. "ثُمّ أنّ هذا النوع من المعرفة لم يُدوّن في كثير من الأحيان وبقي كامنا في الصدور. كان الجواسيس السوڤيَت من بين الأفضل في هذا المجال، لكنّ تفاصيل عملية إنتاج أشباه الموصّلات والمعرفة المُتصلة بها تحتاج الى أكثر من سرقة عميل." قد يكون اتهام التجّسس من قبل الإتحاد السوڤيَتي/روسيا واردا. ولكنّ السؤال المُنصف هو، هل تقوم أمريكا والدول الغربية بالمثل ضدّ روسيا وضدّ بعضها البعض؟ يلقي المقال التالي الضوء على جوانب هذا الموضوع الشائك. [https://www.aa.com.tr/ar/%D8A7].
تغيّر مزاج المؤلف في مطلع الفصل التاسع وتحوّل من ذمّ وتقريع "لصوص التكنولوجيا" السوڤيَت/الرّوس، وتحوّل الى المديح والثناء حين أشار الى جهود اليابانيين. يكاد الفرح يتطاير من كلماته وهو يصف زيارة رئيس الوزراء الياباني هاياتو إيكيدا للرئيس الفرنسي شارل ديگَول في قصر الإليزيه في شهر تشرين الثاني من عام 1962، وكيف أحضر الزائر هديّة صغيرة لمضيّفه كانت في الحقيقة راديو ترانزِستُر من صنع شركة سَوني.
دعمت الحكومة الأمريكية إثر انتهاء الحرب العالمية الثانية، نهضة اليابان كقوّة تكنولوجية وعلمية. كان التحدّي هو مساعدة اليابان على إعادة بناء إقتصادها بشرطين هما، الإلتزام بأن يكون البناء تحت قيادة أمريكية، وثانيا، جعل اليابان سوقا للترانزِستُرات كأمر أساسي بالنسبة لستراتيجية الحرب الباردة الأمريكية. وبدلا من الذمّ والإدانة باللصوصية للخبرات السوڤيتية/ الرّوسية، كان هناك تعايش في أشباه الموصّلات ظهر بين الشركات الأمريكية واليابانية كعملية توازن معقّدة. اعتمد كلا البلدين على أحدهما الآخر في تأمين الحاجات والمستهلكين لها. "بحلول عام 1964، تجاوزت اليابان أمريكا في إنتاج الترنزِستُرات المنفصلة في حين أنتجت الشركات الأمريكية رقائق أكثر تقدّما. صنعت أمريكا أفضل أجهزة الكومپيوتر، بينما أنتج مصنعو الإلكترونات في شركتي سَوني وشارپ اليابانيتين سلعا استهلاكية تستخدم أشباه [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B3%D9%88%D9%86%D9%8A] الموصّلات."
تطرّق المؤلف الى موضوع تفضيل النساء على الرجال في خطوط مؤسسات تجميع أشباه الموصّلات. "قامت شركات صنع الرقائق بتوظيف النساء لأنّه كان من الممكن أن يقبلن العمل بأجور أقلّ، ومن ناحية هامّة اخرى إنّهن أقلّ ميلا من الرجال للإضرابات والمطالبة بتحسين الأجور وظروف العمل. كما اعتقد مديرو الإنتاج ايضا أنّ الأيادي الصغيرة للنسوة هي أفضل في عمليات تجميع مكوّنات اشباه الموصّلات واختبارها." وبسبب التكلفة العالية للعمال في [http://www.chinatoday.com.cn/ctarabic/2018/jj/201909/t20190929_800180180.html] امريكا، قام بوب نويس باستثمار شخصي لإنشاء مصنع لتجميع الراديوات في هونگ كونگ.
ثمّ يمضي لشرح اسباب هجرة رؤوس الأموال الأمريكية والأوروپية الى آسيا ويحدّدها بثلاثة أسباب هي، رخص تكلفة اليد العاملة والإعفاءات الضريبية طويلة الأمد على الأرباح الهائلة التي تجنيها الشركات، وايضا عدم وجود نقابات للعمال تزعج أصحاب الأعمال ومعهم المستثمرين وتقلق راحتهم، لأنّها تنظّم الإضربات للمطالبة بزيادة الأجور وتحسين ظروف العمل. ويمكن إضافة سبب آخر يتلخّص في طموح الشركات الغربية لاستغلال الأسواق الصينية الكبيرة لبيع منتجاتها، خاصّة في ضوء التحسن الملموس في مدخولات الأفراد هناك. يعطي المؤلف صورة النقطة الأولى عل النحو التالي. "تبلغ أجور العمل للساعة في هونگ كونگ 25 سنتا وفي تايوان 19 سنتا وفي ماليزيا 15 سنتا وفي سنگافورة 11 سنتا، وفي كوريا الجنوبية يحصل العمّال على سنت واحد فقط لقاء ساعة العمل!" لعلم القارئ الكريم، أنّ قيمة الدولار تساوي 100 سنتا.

أذهلني تصريح د. مِلر في مطلع فصله الحادي عشر، "بأنّ استهداف موسكو من قواعد اطلاق الصواريخ في ولاية مونتانا أسهل بكثير من ضرب شاحنة بقنبلة تسقطها طائرة F-4 تطير على ارتفاع 2000 قدما!" ما هي قدرات موسكو إذن؟ خصّص المؤلف هذا الفصل للحديث عن جهود المهندس وِلدُن وِرد والعقيد جو دَيڤِز بتكليف شركة تكسّس إنسترومنتس لبناء جهاز يعمل بالليزر لتوجيه مسار القنابل التي تسقطها الطائرات الأمريكية لضرب اهدافها بدقة متناهية. غير أنّه، "كان وصول جهاز Paveway متأخّرا وتزامن مع هزيمة أمريكا في الحرب." لم ينقد جهاز القتل الدقيق هذا الغرور الأمريكي من الهزيمة الشنيعة في أحراش ڤيتنام وسهولها، باعتراف المؤلف. ومع ذلك، اختتم فصله قائلا بأنّه، "لا يكاد أحد يدرك أّنّ ڤينّنام كانت ساحة اختبار ناجحة للأسلحة، التي زاوجت بين الإلكترونيات الدقيقة والمتفجّرات بطرق من شأنها أن تحدث ثورة في عالم الحروب وتحوّل القوة العسكرية الأمريكية."
تنبأ المؤلف بأنّ سلاسل توريد أشباه الموصّلات semiconductor supply chains يمكن أن توفّر النمو الإقتصادي وتُعزّز الإستقرار السياسي. وقد أثبت ذلك جدواه بعد هزيمة أمريكا في حرب ڤيتنام. "إمتدادا من كوريا الجنوبية الى تايوان ومن سِنگافورة الى الفِلِپين، بدت خارطة مرافق تجميع أشباه الموصّلات تشبه الى حدّ كبير خارطة انتشار القواعد العسكرية الأمريكية في جميع انحاء آسيا." [https://www.bbc.com/arabic/world-64000816] بعد عامين من تأسيسها، طرحت شركة إنتَل منتجها الأوّل وهو رقاقة تسمّى ذاكرة الوصول العشوائي الديناميكية dynamic random access memoryوموجزها DRAM. قبل فترة السبعينات وبشكل عام، كانت أجهزة الكومپيوتر "تتذكّر" البيانات ليس باستخدام رقائق السيلِكون ولكن بواسطة جهاز يُسمّى النواة المغناطيسيّة magnetic core، وهو عبارة عن حلقات معدنية مصفوفة جنب بعضها البعض ومربوطة بواسطة شبكة من الأسلاك. ومع ازدياد الطلب على ذاكرة الكومپيوتر، توصّل المعنيّون إلى أنّ النوى المغناطيسية لا تستطيع مواكبة ذلك الطلب.
تنبّأ كارڤر ميد بثورة لها مردودات اجتماعية وسياسية عميقة، و"سيصبح التأثير في هذا العالم من نصيب أولئك الذين يمكنهم إنتاج قوّة الحوسبة computing powerوالتحكّم بها عن طريق البرمجة." ذكر المؤلف أنّ مهندسي أشباه الموصّلات في وادي السيلِكون متخصّصون في المعرفة والشبكات وخيارات الإستثمار في أسهم الشركات، وهي التي أتاحت لهم كتابة قواعد المستقبل، وهي القواعد التي يجب على الجميع اتّباعها. "إنّ المجتمع الصناعي يفسح المجال لبزوغ فجر عصر العالم الرقمي Industrial society was giving way to a digital world الذي سيمكّن من تخزين ومعالجة الآحاد والأصفار على عدة ملايين من ألواح [https://support.microsoft.com/ar-sa/windows] السيلِكون المنتشرة في كافة انحاء المجتمع. "لقد بزغ فجر عصر أباطرة التكنولوجيا، وإنّ مصير المجتمع معلّق في أيجاد التوازن،" كما أعلن كارڤر ميد. وصرّح زميله في شركة إنتَل گوردُن مور في عام 1973، "نحن حقّا الثوّار في العالم اليوم، وليس الصبيان من ذوي الشعر الطويل واللحى الكثّة، الذين يُدمّرون أثاث الجامعات قبل بضع سنوات."
اختار د. مِلر أن يختتم الفصل الأخير من الجزء الثاني لكتابه بتسليط الضوء على الخطة الأمريكية باستبدال الأنابيب المفرّغة في أجهزة التسليح بالرقائق/الدوائر المتكاملة من أجل تجاوز امتلاك السوڤيَت أسلحة أكثر. لقد اجبرت هذه الخطوة السوڤيَت على القيام بعملية مكلفة [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%88] بغية التصدّي للصواريخ الأمريكية المضادّة. "خلال عمل وُليَم پَيري وأندرو مارشَل مع هارولد براون، وزير الدفاع في حكومة الرئيس كارتر، دفعا الپِنتَگَون أن يستثمر بشكل أعمق في التكنولوجيا الجديدة لخلق جيل من الصواريخ الموجّهة التي تستخدم الدوائر المتكاملة، وليس الأنابيب المفرّغة. وبوجود كوكبة من الأقمار الصناعية التي يمكن أن تطلق أشعة لإحداثيات المواقع، فإنّه يمكن الوصول الى أيّة نقطة على الأرض. وأكثر أهميّة، أنّ البرنامج الجديد لبدء الجيل التالي من الرقائق سيضمن قصب السبق لأمريكا من الناحية التكنولوجية." وقد وصلّ التقدّم الى حدّ، "أنّ الصاروخ يمكن أن يعيد توجيه نفسه إذا انحرف عن مساره."
"وحتى بعد مغادرة پَيري لمنصبه بنهاية ولاية كارتر، استمرّت وزارة الدفاع في ضخّ الأموال للحصول على الرقائق المتقدمة والأنظمة العسكرية التي تدعمها. وواصل أندرو مارشَل عمله في الپِنتَگَون وهو يحلم بالفعل بالأنظمة الجديدة التي ستجعلها رقائق الجيل الثاني ممكنة."
تفرّد الفصل الخامس عشر [https://al-sharq.com/opinion/18/11/2015]بتغطية المنافسة الأمريكية مع اليابان في صنع اشباه الموصّلات ورقائق الذاكرة DRAM واجهزة راديو الترانزِستُر وصناعة السيارات والصلب. نجح اليابانيون أوّلا بتكرار انتاج السلع الأمريكية وتصنيعها بجودة أعلى وبيعها بسعر أرخص، لأنها رخيصة التكلفة أصلا. إستغلّ بعض اليابانيين فكرة أنّهم تفوّقوا في التنفيذ بينما برع الأمريكيون في الإبتكار. ومن جهة أخرى، "استمرّ اليابانيون البارزون في التقليل من شأن نجاحاتهم العلمية، خاصّة عند التحدّث الى الجمهور الأمريكي،" ربّما بذكاء أو ربّما بنفاق مجاراة لإدّعاءات التفوّق المعروفة لدى خصومهم.
ومع ذلك، لم ينفع مثل هذا التواضع الذليل من تخفيف حدّة الغرور الأمريكي، فانبرت اصوات الشكوى واشارت اصابع الإتهام واقيمت الدعاوى القضائية ضدّ اللصوص اليابانيين الذين يسرقون التكنولوجيا ومعها المِلكيات الفكرية للمبدعين الأمريكيين. فمثلا، أصرّ چارلي سپورك من شركة GI على القول، "نحن في حرب مع اليابان. ليس بالمدافع والذخيرة، ولكن بحرب اقتصادية تخصّ التكنولوجيا والإنتاجية والجودة." وحسب اعتقاد سپورك أنّه إذا نجحت شركات Hitachi, Fujitsu, Toshiba and NEC، فإنّها ستنقل الصناعة بأكملها عبر المحيط الهادئ الى الجزيرة اليابانية [https://www.aljazeera.net/tech/2014/3/13]. إعتقدَ أنّ الشركات اليابانية التي تصنّع رقائق الذاكرة القوية DRAM، تستفيد من سرقة الملكية الفكرية والأسواق المحلية والإعانات الحكومية ورأس المال الرخيص. وربّما كان اعتقاد سپورك الأقوى هو تأكّيده على مسألة "جواسيس التكنولوجيا". ذكر المؤلف أنّ عدد الحالات الموثّقة للتجسس الصناعي الياباني كان منخفضا. ومضي ليسأل، "وهل كان هذا دليلا على سرقة الأسرار التي لعبت دورا صغيرا في نجاح اليابان، أم أنّه دليل على أنّ اليابانيين كانوا ماهرين جدّا في التجسّس؟" ثمّ أفاد في نهاية الفصل السادس عشر بأنّ، "تقدّم صناعة أشباه الموصّلات في اليابان بدا وكأنّه لا يمكن إيقافه، بغضّ النظر عن العويل والتوقّعات الأمريكية المروّعة apocalyptic."
صرّ ح د. مِلر في الفصل السابع عشر، أنّه كان من الشائع تفسير تراجع شركة GCA وارتقاء شركة Nikon على أنّه قصة رمزية لصعود اليابان وهبوط أمريكا. "رأى بعض المحللين أدلة على نطاق أوسع في اضمحلال التصنيع الذي بدأ في الصُلب ثم السيّارات وانتقل الآن لينتشر بين صناعات التكنولوجيا الفائقة."
لا تزال أمريكا لحدّ اليوم تعاني من التخلّف في ميدان صناعة أشباه الموصّلات وتعتمد اعتمادا يكاد يكون شبه كلّيّ على الإمدادات من خارج البلاد. هذا واشار تقرير اطلعت عليه بالأمس في الصحافة العربية [https://www.aljazeera.net/news/2023/2/28] الى أنّ تايوان تمثل نحو 92% من الإنتاج العالمي لصناعة أشباه الموصّلات بدقة أقلّ من 10 نانومترات، ممّا يجعلها المزود الرئيسي للغالبية العظمى من الرقائق التي تُشغّل أكثر الأجهزة تقدّما في العالم وفي طليعها أمريكا، بدءاً من هواتف iPhone لشركةApple وحتى الطائرات المقاتلة 35F، وتُعتبر شركة TSMCالأولى في العالم بهذا المجال. ونُقِل عن وزيرة التجارة الأمريكية جينا ريموندو قولها، "إنّ الولايات المتحدة تشتري أكثر من 90% من الرقائق الإلكترونية المتقدمة من تايوان، وهي ثغرة أمن قومي لا يمكن الدفاع عنها." وأضافت ريموندو، "تشمل هذه كلّ قطعة من المعدّات العسكرية المتطوّرة وكّل طائرة من دون طيار وكلّ قمر صناعي يعتمد على هذه الرقائق." كما نقلت الصحيفة عن وثيقة أمريكية قولها، "إنّ الجيش الأميركي غير قادر حاليا على الحصول على رقائق متطوّرة من مصدر داخلي، مما يجعل الأنظمة العسكرية الحساسة عرضة لاضطراب الإمداد،" بسبب توقّف الشحن كما حصل حديثا خلال تفشّي وباء الكوڤد.
ركّز الفصل الثامن عشر على التحذير من تخلّف صناعة الرقائق ومعدّات تصنيع أشباه الموصّلات في البلاد. ذكر المؤلف قائلا، "وإذا اصبحت البلاد أكثر اعتمادا على الرقائق الأجنبية ومعدّات تصنيع أشباه الموصّلات، فمن المحتمل أن تجد أمريكا نفسها في الوضع المماثل الذي خلقته لها الدول العربية حين فرضت عليها مقاطعة النفط." ومعروف أنّ تلك المقاطعة كانت ردّا على مساندة أمريكا اللامحدودة لإسرائيل في عدوانها المتواصل في فلسطين وعلى الدول العربية الأخرى. [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AD]هذا وكشفت وثائق بريطانية عن أنّ، "الولايات المتحدة فكرت في استخدام القوة للإستيلاء على حقول النفط في الشرق الأوسط أثناء حرب أكتوبر 1973 عندما حظرت الدول العربية صادرات النفط." أليس من المُستطرف في فنون نفاق سياسة الحكومة الأمريكية الخبيثة أنّها دخلت حربا ضدّ العراق لتحرير آبار نفط الكويت من قبضة صدام حسين في عام 1991؟ وهي نفس الحكومة التي فكّرت قبل أقلّ من عقدين من الزمن أن تحشد قوّاتها وترسلها لاحتلال منابع النفط، ليس في الكويت فقط، بل في بلدان الشرق الأوسط كافة!
تحت عنوان "الرقائق الإلكترونية هي نفط المستقبل،" أورد الصحفي العربي رغيد أيوب تقريرا نقل فيه عن پات يولسِنگَر، الرئيس التنفيذي لشركة Intel قوله، "إنّ الرقائق حاسمة لكلّ جانب من جوانب الوجود البشري." وأضاف، "كلّ شيء أصبح رقميا Digital أكثر فأكثر وكلّ شيء رقمي يعمل بأ شباه الموصّلات. لذلك، فهذا أمر بالغ الأهمية لكلّ جانب من جوانب الوجود البشري." وبناء عليه فإنّ احتياطات النفط التي حددت الجغرافية السياسية واقتصاديات العالم على مدى العقود الخمسة الماضية، فإنّ الرقائق الإلكترونية المتمثّلة في أشباه الموصّلات ستتولى إداء ذات المهمّة في المستقبل المنظور.
لم يخفِ نويس مخاوفه من أنّ بيروقراطية واشنطن لا زالت تعيق الإبتكار. ومع ذلك دخلت الشركات المعنية في مجلس للتعاون Sematech بتمويل مشترك بينها وبين الپِنتَگَون. وتبرّع بوب نويس رئيس شركة إنتَل أن يكون رئيسا لهذا المجلس وهدفه المزيد من التعاون لغرض الإستمرار في ميادين المنافسة. خصّص المؤلف فصله التاسع عشر لشرح الأسباب الكامنة وراء سقوط شركة GCA، باعتبارها نموذجا للشركات الأمريكية، التي هزمتها منافسة الشركات اليابانية في عقر دارها في ميداني التصنيع والتكنولوجيا. وهذا بطبيعة الحال يزعج أمريكا ولا يروق لمزاج واشنطن وأوهام سيطرتها التي لا تنتهي. أخيرا، استغل بايدن الحرب الأكبر في أوروپا لتقسيم العالم إلى معسكرين، أحدهما غربي بقيادة واشنطن والآخر يضم روسيا والصين، فارضا على باقي دول العالم الأخرى "الانحياز" إلى معسكره أو التعرض للعقوبات والضغوط الأمريكية. وتجسّد مثل هذه السياسة التركيز على أهمية ضمان التفوق العسكري.
يُعتبر التصنيع أكبر نشاط اقتصادي في اليابان، فهو يسهم بـحوالي 25% من جملة الناتج الوطني الإجمالي، ويوظف 20% من إجمالي القوى العاملة في اليابان. ويعتبر معدل النمو الصناعي الياباني من أعلى المعدلات في العالم. فمنذ الأعوام 1970 لغاية 1980 تضاعف الإنتاج الصناعي أكثر من ثلاث مرات. تنتج الصناعة اليابانية كلّ شيء، وإنتاجها يتراوح ما بين الإلكترونيات الصغيرة وناقلات النفط الكبيرة، وهي مشهورة بجودتها العالية ومستواها الرفيع. تستخدم المصانع اليابانية أحدث الآلات والمعدّات والأساليب المتقدمة، وتحدِّث نفسها باستمرار ليبقى إنتاجها رفيع المستوى ومنخفض التكاليف، وتصدره بأسعار منافسة. وهي تلاقي طلبا كبيرا عليه في الأسواق العالمية. تتمثل أهم الصناعات اليابانية في صناعة وسائل النقل، فهي تنتج نحو تسعة ملايين سيارة سنويّا، مما يجعلها الأولى في العالم في إنتاج السيارات، وكذلك هي الدولة الأولى في بناء السفن. تُعدّ صناعة الآلات الكهربائية والإلكترونية كأجهزة الكومپيوتر وأجهزة الراديو والتلڤزيون من أسرع الصناعات نموّا، وتباع في مختلف بلدان العالم. كما تُعدُّ اليابان إحدى الدول الكبرى المنتجة للحديد والفولاذ، الذي يُصدّر الكثير منه إلى الخارج، كما تُعتبر اليابان في طليعة البلدان المنتجة للإسمنت، والسيراميك، والملابس، والصناعات المعدنية ومنتجات الأخشاب. كما تشتهر اليابان بالصناعات الپتروكيميائية كالپلاستيك والألياف الصناعية.[https://www.marefa.org/%D8%A7%]
بطبيعة الحال، لم تعجب هذه الإنجازات المختلفة الفريدة مدّعي التفوّق الأمريكي. في تعليق له حول كثرة لجوء الشركات الأمريكية لمقاضاة الشركات اليابانية عموما، صرّح أكيّو موريتا، رئيس شركة سوني، "كانت الولايات المتحدة منشغلة في إيجاد المحامين، في حين كانت اليابان منشغلة بإعداد المُهندسين."
كرّس المؤلف فصله العشرين للحديث عن بروز المشاعر الوطنية اليابانية، متمثّلة في اطروحات جديدة [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%82%D9] على ألسنة بعض اليابانيين، كان في طليعتهم شِنتارو إيشيهارا، النائب في البرلمان والممثل للحزب اللِبرالي الديمقراطي الحاكم. فهو الذي طرح شعار "باستطاعة اليابان الآن أن تقول لا" ردّا على الغطرسة الأمريكية. جادل بضرورة عدم الخضوع لمطالب الأمريكيين دائما، خاصّة وأنّ امريكا تعتمد على أشباه الموصّلات اليابانية." أشار بشكل خاصّ الى حاجة القوّة العسكريّة الأمريكية للرقائق اليابانية المطلوبة. "سواء كانت أسلحة نوويّة متوسطة المدى أو صواريخ بالِستيّة عابرة للقارات، فإنّ ما يضمن دقتها يعتمد إطلاقا على أجهزة الكومپيوتر المضغوطة وعالية الدّقّة المصنوعة في اليابان فقط." ذكّر مواطنيه بأنّ اليابان تمتلك 100% من حقوق هذا النوع من أشباه الموصّلات. وأضاف مؤكّدا، "إنّ اليابان متقدّمة على أمريكا في هذا المجال على الأقل بخمس سنوات، وهذه الفجوة آخذة في الإتساع. أجهزة الكومپيوتر التي تُستخدَم في اليابان تحتوي على رقائق أساسيّة للقوّة العسكرية. وبالتالي فهي مركزية لقوّة اليابانيين، وبهذا المعنى اصبحت اليابان دولة مهمّة للغاية."
حرّض إيشيهارا اليابان لتأكيد نفسها دوليّا وتغيير دستور البلاد الذي تمّ إملاءه عليها من قِبَل سلطات الإحتلال الأمريكي بعد الحرب العالمية الثانية، وطالب بالسماح لليابان ببناء جيش قويّ. كما "تكهّن إيشيهارا بأنّ اليابان يمكنها إنْ رغبت بيع أشباه الموصّلات المتطوّرة لإتحاد الجمهوريات الإشتراكية السوڤيتية، ممّا سيؤدّي الى قلب التوازن العسكري في الحرب الباردة." ومع ذلك، "كانت اليابان التي يمكن أن تقول لا" مسألة مثيرة للجدل ليس بسبب الآراء ولكن بسبب الحقائق." كيف تجرؤ أن تقول لا، برأي الغطرسة الأمريكية؟ لقد عبّر الكاتب عن المخاوف الأمريكية الحقيقية حين تساءل، "لقد تمكّنت اليابان من فرض هيمنتها على صناعة الرقائق بهذه السرعة، فماذا يمنعها من نزع تاج التفوّق الجيوسياسي عن رأس أمريكا أيضا؟"
أمام مشاعر المخاوف والعجز والحنق الظاهرة، تحوّلت أمريكا تدريجيّا الى بناء مرافق لإنتاج أشباه الموصّلات في تايوان وكوريا الجنوبيّة وسنگافورة. في تلك الظروف التي شعرت فيها الرأسمالية الأمريكية بالهزيمة أمام منافسة [https://alme7war.net/%D8%B9%D9%] الشركات اليابانية، تكرّر الإستشهاد بقول الرأسمالي الكبير هنري فورد في الأربعينات، "كيف يمكن أن نتخلّى عن هويتنا؟" لكنّ أمريكا بسياستها الخارجية البشعة ونظامها المتغطرس تطلب بوقاحة من شعوب العالم الأخرى بإلحاح أن تتخلّى عن هوياتها وتأخذ بالنموذج الأمريكي الفاحش.
قرّرت شركة إنتَل أخيرا ترك ميدان إنتاج رقائق الذاكرة والتخلي عنه لليابانيين، وأن تحصر نشاطها بتطوير المعالِجات الدقيقة microprocessor المستعملة في تصنيع الكومپيوترات الشخصية. " بدأت تطرح جيلا جديدا منها كلّ عام أو عامين يشتمل على ترانزِستُرات اصغر وقوة معالجة أكبر." لقد أرجع المؤلف هذا القرار لرئيس الشركة آندي گرَوف، الذي إعتقد، "إنّ الذي ينجو هو المصاب بجنون الإرتياب paranoia، وليس من كان مبدعا أو لديه خبرة. وهذا برأيه هو ما كان السبب في إنقاذه لشركة إنتَل."
يروي الفصل الثالث والعشرون قصة تحول الكوري لي بيونگ چول من تاجر للأسماك والفواكه والخضروات المجفّفة، التي يشحنها الى شمال الصين لتامين الغذاء لماكنة حرب الإحتلال الإمبراطورية اليابانية، الى مالك شركة عملاقة في ميدان التكنولوجيا وصناعة أشباه الموصّلات اسمها Samsung. ثم مضى المؤلف للقول، بأنّ إنتَل رحّبت بصعود نجم المُنتجين الكوريين. كانت إنتَل واحدة من الشركات في وادي السيلِكون، التي وقّعت مشاريع مشتركة مع Samsung في ثمانينات القرن الماضي، إذ بيعت رقائق سامسونگ وهي تحمل العلامة التجارية لشركة إنتَل ومعها الرهان على أنّ مساعدة صناعة الرقائق الكورية من شأنه أن يُقلّل من تهديد اليابان لوادي السيلِكون. وعلاوة على ذلك، فإنّ التكاليف والأجور في كوريا أقلّ بكثير من نظيراتها في اليابان. "وهكذا ضمنت الشركات الكورية مثل سامسونگ الفوز بحصتها من الأسواق، مع أنّ عمليّات التصنيع الخاصّة بها لم يتمّ ضبطها وإجادتها بشكل مثالي كما السلع التي أنتجها اليابانيون."
طوّرت كوريا الجنوبية منذ الحرب اقتصادا صناعيا يُعدّ أحد أسرع الاقتصاديات نمواً في العالم. وامتلك القطاع الخاصّ كافة صناعات البلاد تقريبا. مثّل التصنيع نسبة 75% من جملة الإنتاج الصناعي الجنوبي. وقامت صناعات الطعام وصناعات الملابس والأحذية وصناعة النسيج باستخدام عمال أكثر مما تستخدمه أيّة صناعات أخرى. لقد تمكنت كوريا الجنوبية من تطوير الصناعة الثقيلة منذ الحرب الكورية وهي الآن تُعد منتجا رئيسيا في المجالات الكيميائية، والأسمدة، والحديد، والفولاذ، والآليات، والسفن. وفي السبعينات والثمانينات من القرن العشرين، طوّرت كوريا الجنوبية إنتاج السيارات ومعدّات وقطع الكومپيوترات وأشباه الموصّلات الكهربائية والعدسات وأجهزة التلفاز والأدوات المنزلية. كما شمل الإنتاج الصناعي الكوري الجنوبي تصنيع الورق، وخشب الأبلكاش والخزف الصيني والإطارات المطاطية. [https://www.marefa.org/%D8%A7%D9]. إختتم د. مِلر فصله هذا بالقول، "في الحقيقة، كان معظم منتسبي وادي السيلِكون سعداء للعمل مع الشركات الكورية لتقويض المنافسين اليابانيين والمساعدة في جعل كوريا الجنوبية واحدة من المراكز الرائدة في العالم لصناعة رقائق الذاكرة. كان المنطق بسيطا كما أوضح جَيري ساندرز، عدوّ عدوّي صديقي."
بعد 23 فصلا ازدحمت بذكر اسماء الرجال العلماء والمخترعين والمبتكرين في ميادين التكنولوجيا، ورد إسم لِن كونوَي "عالمة الكومپيوتر اللامعة التي يكتشف أيّ شخص يتحدث معها عقلا يتلألأ برؤى متنوعة الحقول من علم الفًلَك والأنثروپولوجيا الى جانب الفلسفة التاريخية." وصلت "متخفّية" الى شركة زيروكس في عام 1973، وكانت قد فُصلت من وظيفتها في شركة IBM في عام 1968 بعد إجراء عملية "تحويل جنسي". ثمّ جاء المؤلف على ذكر أروِن جَيكوبز وزميله آندرو ڤِتَربي، اللذين وضعا معادلة خوارزمية معقّدة complex algorithm عام 1967. [https://en.wikipedia.org/wiki/Qualcomm] أسّس هذا العالمان بالتعاون مع زملاء آخرين لهما شركة اتصالات لاسلكية إسمها Qualcomm "بهدف تأمين إتصالات عالية الجودة." تقوم الشركة حاليا ببناء أشباه الموصّلات وبرامج خدمات متعلقة بالتكنولوجيا اللاسلكية. وهي تمتلك براءات إختراع مهمة لوسائل الإتصال المتنقلة مثل WCDMA G5, G4, CDMA2000, TA-SCDMA,.
إختتم المؤلف فصله بالقول،"عندما يتعلّق الأمر بتصميم أشباه الموصّلات، لا يوجد بلد في العالم لديه البيئة الأفضل للإبتكار من هذه البلاد. بحلول نهاية عقد الثمانينات، توصّل الخبراء لبناء رقاقة بها مليون ترانزِستُر، وهذا أمر لم يكن من الممكن تصوّره في مطلع عقد السبعينات. لمّا وصلت لِن كونوَي الى وادي السيلِكون، أصبح الأمر حقيقة واقعة حين أعلنت إنتَل عن قدرتها على وضع 486 من معالِجاتها الدقيقة 486 microprocessor على قطعة صغيرة من السيلِكون معبأة بحوالي 1.2 مليونا من المفاتيح المجهرية microscopic switches.
عاد الحديث الى "رذائل الحقبة السوڤيتية" ودور مؤسستي KGB و GRU في سرقة التكنولوجيا الأجنبيّة. ولا أدري إن كانت CIA وFBI وگوانتَنَمو، تمارس نشاطات إنسانية لتوزيع الحسنات وتشجيع الأعمال الخيرية. صحيح أنّ وكلاء KGB ، كما ظهر لاحقا "قد زاروا مراكز أبحاث وصادقوا مدرائها وسرّبوا بعض المعلومات السريّة عن أسرار الصناعات الأجنبية الى بلادهم، وبدا الأمر كما لو أنّهم ببساطة يقومون بعملهم اليومي بصفتهم موظفين في التجارة الخارجية." إذن، قام اليابانيون بسرقة حقوق الملكية الفكرية الأمريكية إثر الحرب العالمية الثانية، وتبعهم السوڤيت خلال الحرب الباردة، وجاء الدور على الصينيين لكي يمارسوا نفس السلوك ولا زالوا. فهل يسرق الأمريكيون من بعضهم البعض؟ تشير كافة الدلائل المتمثلة بآلاف الدعاوى القضائية الى وجود هذه الظاهرة القويّة ، التي لاتميّزهم عن غيرهم من البشر الطموحين الأجانب. [https://stallman.org/gofundme.html] أثار رِچَرد ستولمَن السؤال وأجاب عنه في مقال عنوانه، "أقلتَ ملكيّة فكرية؟ إنّها سرابٌ!"
إدّعت وكالة المخابرات المركزيّة أنّ الإتحاد السوڤيتي قد حصل تقريبا على كافة المعدّات الضروريّة لكلّ مرحلة من مراحل تصنيع أشباه الموصّلات، بما فيها 900 آلة من الآلات الغربية لإنتاج نسخ "مماثلة" من أشباه الموصّلات الغربية، و800 آلة للطباعة الضوئية والنقش على لوائح السيلِكون lithography and etching و300 آلة لكافة المُنشّطات والتعبئة واختبار الرقائق doping, packaging, and testing chips، بحسب رواية المؤلف.
عقد الفصل السادس والعشرون مقارنة بين الصواريخ العابرة للقارات الأمريكية والسوڤيتية، جاء فيها أنّه تمّ إعداد الصواريخ السوڤيتية لاتباع مسار مُحدّد نحو أهدافها، مع قيام الكومپيوتر بضبط الصاروخ وإعادته الى المسار المطلوب في حالة انحرافه حسب نظام البرمجة المعدّ سلفا. على النقيض من ذلك كانت الصواريخ الأمريكية بحلول الثمانينات تحسب طريقها الى الهدف إلكترونيّا بالشكل الآني لحظة بلحظة. ثانيّا، بحلول منتصف الثمانينات، تمّ تجريب صاروخ MX الجديد فحاد عن هدفه بمقدار 364 قدما، أي بنسبة 50% خلال المحاولات التجريبية. الصاروخ السوڤيتي المشابه SS-25 سقط في المتوسط على بعد 1200 قدما من هدفه. وفق المنطق القاتم للعسكر من مخططي الحرب الباردة، فإنّ الفرق في الزّلل لعدّة مئات من الأقدام له أهميّة كبيرة. إنّه سهل بما فيه الكفاية لتدمير مدينة ما بأكملها، حسب قول د مِلَر.
حين أجرى الجنَرال السوڤيتي أوگاركوڤ حساباته، خلص الى أنّ أمريكا مُتميّزة باستعمال أشباه الموصّلات في مجالات دقّة الصواريخ وحروب الغوّاصات والمراقبة والقيادة والسيطرة، التي يمكنها جميعا إنزال ضربة مفاجئة لتدمير بُنية السلاح النووي السوڤيتي. كان من المُفترض أن تكون الأسلحة النوويّة هي بوليصة التأمين النهائية، ولكنّ الجيش السوڤيتي الآن يشعر بأنّه، "في أدنى مستوى من الأسلحة الستراتيجية،" حسب تقدير أحد الجنَرالات. مثل هذا الإعتقاد سيقود العالم الى حرب كونية أخرى. في زيارته الأخيرة لموسكو، التي أختُتمت اليوم، ذكر الرئيس الصيني أنّه باسثناء 16 عاما منذ تأسيسها قبل 240 عاما، تخوض الولايات المتحدة حروبا متتالية في مناطق العالم، التي تسكنها شعوب واعراق متباينة. لقد إحترق العالم ولا يزال بلهيب نيران حروب أمريكا التي لا تنتهي. [https://arabic.rt.com/world/1444650]
كشف المؤلف في فصله السابع والعشرين أنّ القذائف والصواريخ، التي استهدفت تدمير المنشآت والبنى التحتية ومراكز الإتصالات والقيادة في بغداد وضواحيها في حرب تحرير الكويت [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7] ، كانت جيلا متطوّرا من قنابل Paveway الموجّهة بالليزر. "وحين شاهد بِل پَيري حرب الخليج تتكشّف على شاشات التلفزيون، كان يعلم أنّ القنابل الموجّهة بالليزر ليست سوى واحدة من عشرات الأنظمة العسكريّة التي تمّ أحداث تغيير في دوائرها المتكاملة، ممّا أتاح مراقبة أفضل وإتصالات أضمن وقوّة فائقة للحوسبة المُستخدمة.

أدرك رأس المال الأمريكي أنّ استثماراته في اليابان إثر الحرب العالمية الثانية قد دفعت اقتصاد تلك البلاد ليصبح قويّا ويحتلّ المرتبة الأولى على المستوى العالمي. وبفعل مزيج من الغضب والحسد والغطرسة، سارع الرأسماليون الأمريكان لإعادة النظر في حساباتهم، فسحبوا البساط من تحت اقدام اليابانيين، وتوجّهوا للإستثمار في تايوان وكوريا الجنوبية وحتى الصين. إتّهموا اليابانيين بسرقة الإبتكارات والإختراعات الغربية، واستنكروا سلوك حكومتهم لدعمها القويّ للشركات، خلافا لمبادئ السوق الحرّة. أغلقوا من أجل ذلك معاملهم في هذه البلاد ونقلوها ومعها التكنولوجيا الحديثة وفتحوا فروعا لشركاتهم هناك في تايوان وكوريا الجنوبية والصين. بادر الحلفاء الأوروپيّون المطيعون باتباع نفس الخطة.

لم تعجب الأمريكان فكرة أنّ اليابانيين إعتقدوا أنّهم قوّة تسعى لاحتلال مركز منافس لهيمنة بلادهم، وهم يعرفون حقيقة أنّ الخصم الحقيقي هو الإتحاد السوڤيتي. لكنّ القادة السوڤيت بعد أن تابعوا مجريات حرب تحرير الكويت قد أدركوا بشكل لا يقبل الشكّ كيف أنّ القذائف الأمريكية الموجّهة بقوّة الليزر قد ضربت بدقة المعدّات العسكرية العراقية/السوڤيتية فدمّرتها شرّ تدمير. وهذا هو ما دفع بالجنرال السوڤيتي أوگاركَوڤ لأن يعترف بجزع للصحفي الأمريكي لَزلي گَيب [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7] "إنّ الحرب الباردة قد انتهت وفُزتُم بها!"

ناقش المؤلف دور تايوان في صناعة أشباه الموصّلات والجهود التي بذلها موريس چانگ في هذا الشأن. تولي چانگ تلك المسؤولية في تايوان، وهو الذي جاء بفكرة "صنع رقائق مصمّمة من قبل الزبائن." استطاع چانگ إقناع شركة فِلِپس الهولندية لأشباه الموصّلات لاستثمار 58 مليون دولارا ونقل التكنولوجيا المتطوّرة الى الجزيرة وترخيص الملكية الفكرية، مقابل حصة في شركة TSMC التايوانية تبلغ 27.% من قيمة أسهمها. "اصبح لزاما على تايوان أن تُنتج بنفسها التكنولوجيا المتقدّمة." لقد أراد موريس چانگ أن يُصبح گَوتِنبَرگ العصر الرقمي. وانتهى به المقام أن يكون أقوى من ذلك بكثير. لم يدرك أحد هذا الصعود، "لكنّ چانگ وشركة تي أس أم سي وتايوان كانوا على الطريق الصحيح نحو السيطرة على إنتاج الرقائق الأكثر تقدّما في العالم." [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D8%B9]

حين تطرّق المؤلف في الفصل الثلاثين لوضع التكنولوجيا في الصين، ذكر أنّه كان متخلفا. وأنحى باللائمة على ماو وعلى ثورته الثقافية التي صيّرت الموقف كارثيا. قال إنّ ماو ما كان مجرّد مُتشكّك في الرقائق الأجنبية فقط. "في بعض الأحيان كان يشعر بالقلق كون جميع السلع الإلكترونية في جوهرها مناهضة للإشتراكية". في العقد الذي انزلقت فيه الصين الى الفوضى العارمة تحت راية الثورة الثقافية، إخترعت شركة إنتَل المعالِجات الدقيقة في حين استولت اليابان على حصّة كبيرة من الاسواق العالمية لرقائق الذاكرة DRAM. "لم تنجز الصين شيئا أبعد من مضايقة أذكى مواطنيها." ثمّ أضاف المؤلف القول، "إنّ راديكالية الزعيم ماو جعلت من المستحيل اجتذاب الإستثمارات الأجنبية أو إجراء بحوث العلوم الجادّة." ربط ماو الإشتراكية دائما مع مداخن المعامل، [https://www.marefa.org/%D8%A7%D9] وتلك هي الفكرة. قال أتباعه إنّ ذلك التوجّه "رجعيّ" وجادلوا الطروحات التي دعت الى أنّ الإلكترونيات هي مستقبل البلاد، عندما كان واضحا أنّ "صناعة الحديد والصلب هي فقط التي يجب أن تلعب دورا رائدا في بناء الدولة الإشتراكية الفاضلة في الصين."
وعلى العكس من ذلك، أجزل المؤلف بالمديح لزعماء الصين الذي خلفوا ماو وفي مقدّمتهم دُنگ شاوپِنگ. أضحى الهدف السياسي واضحا "بأنّ الصين بحاجة الى أشباه الموصّلات الخاصّة بها، ولا يمكنها الإعتماد على المصادر الأجنبية." ثمّ مضى المؤلف للتأكيد، "ولكنّ البلاد كانت متأخّرة بشكل ميؤوس منه في تكنولوجيا أشباه الموصّلات، وهو شيء لا يمكن للتعبئة العامّة أن تغيّره مهما تعالت إملاءات ماو تزِدُنگ أو خلفه شاوپِنگ." ثمّ أضاف يقول، "دعت پِكين لمزيد من أبحاث أشباه الموصّلات، لكنّ المراسيم الحكومية وحدها لا يمكن أن تنتج اختراعات علمية أو صناعات قابلة للحياة." ليس من الصعب أن يدرك المرء أنّه في ضوء ما حققته الصين وتحققه في مختلف ميادين التكنولوجيا حتى الآن، فإنّ التقييم المشار إليه في اعلاه مثقل [https://www.asharqbusiness.com/article/8937/] بالغطرسة الأمريكية ومشاعر الحسد والغيرة، التي تجاوزت ما تمّ التعبير عنه من الحنق والغضب من قبلُ إتجاه اليابانيين في سبعينات وثمانينات القرن الماضي. وليس هذا مفاجئا، فاليابانيون من المفتّرض أن يكونوا حلفاء، ولو مكروهين، ولكنّ الصين منافس ستراتيجي.
ركّز د. مِلر في فصله التالي على جهود رِچَرد چانگ الذي كان لديه حماس المُبشّر لجلب صناعة الرقائق المتقدّمة الى الصين. وهو مسيحي متديّن وُلِد في العاصمة نانجينگ، لكنّه نشأ في تايوان وتدرّب في أمريكا. باعتباره مهندس أشباه موصّلات، أقنع حكام پِكين في عام 2000 بتأمين إعانات ضخمة لبناء مسبك semiconductor foundry لأشباه الموصّلات في شنگهاي. تمّ تصميم المُنشأة وفقا لمواصفاته بما في ذلك كنيسة، وهو ما "أوضح استعداد قادة البلاد لتقديم تنازلات ... إذا كان ذلك يجلب لهم التحديث في النهاية لتصنيع اشباه الموصّلات."
تطرّق المؤلف الى محاولات أخرى لتأسيس شركات مشاركة، منها شركة گرَيس. كانت Grace مشروعا بين شركة إمتلكها Mianheng Jiang، نجل الرئيس الصيني جيانگ زامين مع شركة امتلكها شخص آخر إسمه وِنستُن وانگ، الذي امتلكت أسرته صناعة الپلاستِك التايوانية. "كانت فكرة مشاركة التايوانيين في جلب صناعة الرقائق الى الصين منطقية نظرا لأنّ الجزيرة "قد حققت النجاح في أشباه الموصّلات، بينما ساعدت مشاركة نجل الرئيس الصيني في تسهيل تأمين الدعم الحكومي لها. كما قامت الشركة بتوظيف نِل بُش، الأخ الأصغر للرئيس الأسبق جورج دبليو بُش، لتقديم (المشورة الستراتيجية) براتب سنوي مقداره 400000 دولارا!" ذكّرني هذا بالضجة القائمة الآن على بايدن وعلاقة إبنه هنتر بشركات صينيّة!
كانت شركات الطباعة الضوئية على الرقائق Lithography، تستخدم أدوات ضوء مركّز فائق العمق بأطوال موجيّة تتراوح بين 248 أو 139 نانومترا، ممّا لا تستطيع العين البشريّة أن تراه. أراد جون كوراذرز أن يستخدم الضوء المتطرّف للأشعة فوق البنفسجيّة EUV، بموجة يبلغ طولها 13.5 نانومترا فقط. خصّص آندي گرَوڤ لزميله كوراذرز مبلغ 200 مليون دولارا لصرفها في تطوير الطباعة على السيلِكون باستخدام التموّجات الضوئية الأقصر والأدقّ من الأشعة فوق البنفسجية EUV lithography. إنتهت إنتَل في آخر المطاف باستثمار بليون دولارا آخر في ميدان البحوث والتطوير وبليونا إضافيّا آخر لتعلّم كيفية استخدام تموّجات الأشعة فوق البنفسجية للحفر/للرسم على الرقائق.
أشار المؤلف الى أنّ الرأي السائد في حكومة الولايات المتحدة هو أنّ العولمة ستوسّع التجارة، "ومن شأن روابط سلاسل التوريد أن تعزّز السلام من خلال تشجيع قوى مثل روسيا والصين للتركيز على اكتساب الثروة بدلا من التركيز على القوة الجيوسياسية." يبدو أنّ السادة الكِبار [https://www.rand.org/content/dam/rand/pubs/research_reports/RR1000/ RR1000/RAND_RR1000z1.arabic.pdf] قد أساءوا تقدير طاقتهم فغيّروها الى الإرغام!
تناول المؤلف في الفصل الثالث والثلاثين صعود شركة أپل بفعل عبقرية مؤسّسها ستيڤ [https://www.marefa.org/%D8%B3%D8%AA%D9%8A%DA%A4_%D8%AC%D9%88%D8%A8%D8%B2] جوبز. بسبب شراكة إنتّل مع نظام تشغيل Windows القويّ جدّا والتابع لشركة Microsoft الذي لا يمكن تحدّيه، سيطرت إنتَل على صناعة الكومپيوترات الشخصية. يخبرنا المؤلف أنّه بعد فترة وجيزة من صفقة وضع رقائق إنتَل في أجهزة كومپيوتر ستيڤ جوبز Mac، عاد هذا الى پَول أوتليني، رئيس الشركة، بعرض جديد. "هل ستقوم إنتَل ببناء رقاقة لأحدث منتج من Apple، وهو هاتف يعمل كالكومپيوتر؟"
إستخدمت الهواتف المحمولة انظمة التشغيل الخاصّة بها وإدارة الإتصالات مع شبكات الهاتف الخلوي، لكنّ Apple أرادت أن يعمل هاتفها وكأنّه كومپيوتر. سيحتاج الى نظام تشغيل قويّ على غرار ما في الكومپيوتر، طبعا. كشف أوتليني للصحفي ألَكسِس مَوردِگال، "بأنّهم كانوا على استعداد لدفع مبلغ معين لا سواه ... " وهكذا رفضت شركة إنتَل عقد iPhone . ثمُ أردف المؤلف القول، "بأنّ الفرص التي ضيّعتها إنتَل منذ مغادرة گرَوڤ المشهد لها نفس الأسباب."
جاء التغيّر الكبير في المشهد في أوائل القرن الحادي والعشرين، حين كانت الشركة واحدة من الشركات العالمية الأكثر قيمة. ولكن تمّ تجاوزها أوّلا بواسطة شركة أپل التي لم يعد نظامها البيئي الجديد للهاتف المحمول يعتمد على رقائق إنتَل. ثانيّا، ضيّعت الشركة أيضا فرصة صعود إقتصاد شبكة الإنترنَت. فمثلا خدمات الفيسبُك، التي تأسّست عام 2006، اصبحت قيمتها بحلول عام 2010 ما يقرب من نصف قيمة شركة إنتَل، وستصبح بعد وقت قصير ضعف قيمتها لمرّات.
تنبّأ آندي گرَوڤ في عام 2010 بأنّه، "يشكّ أنّ الولايات المتحدة ستلحق بالرّكب،" في مجال صناعة البطاريّات للسيّارات الكهربائية. تخوض الشركات الناشئة الأمريكية والأوروپية المتخصّصة بتطوير بطاريّات جديدة للسيارات الكهربائية حرباً شرسة باستخدام مادتين وفيرتين ورخيصتين هما الصوديوم والكبريت، بما قد يعينها على الحدّ من هيمنة الصين على هذه السوق وتخفيف اختناقات إمداد تلوح في الأفق، وللصين هيمنة حاضرة بقوة في سوق هذه البطاريّات. تعمل المركبات الكهربائية الآن على بطاريات "ليثيوم أيون" ومعظمها مصنوعة [https://www.alaraby.co.uk/economy/%D8%AD] من كربونات الليثيوم والكوبالت والمنگنيز والنيكل عالي الجودة. وهذه مواد ارتفعت أسعارها بجنون، فيما يكافح المنتجون الغربيّون للحاق بمنافسيهم الآسيويين، وتتوقع شركات صناعة السيارات أن تؤثر اختناقات العرض على إنتاج هذا الصنف من السيارات في منتصف العقد الحالي تقريبا. وجدير بالذكر أنّ بوليڤيا والأرجنتين وچيلي لديها المخزون الأكبر من هذا المعدن، وتعرف باسم "مثلث الليثيوم،" [https://arabicpost.net/%d8%aa%d8] لكنّ الصين وروسيا تتفوقان على الولايات المتحدة في صراع الفوز به، حسب رأي كاتب المقال في اعلاه.
تطرّق المؤلف أيضا في ختام فصله الرابع والثلاثين الى تأييد الجميع في واشنطن لستراتيجية "الجري أسرع" من المنافسين بقصد الإرتماء في أحضان الصين. كان "الركض بشكل أسرع ستراتيجية أنيقة جلبت معها مشكلة واحدة فقط. وفق بعض المقاييس الرئيسيّة، لم تكن سرعة الجري كافية وفقدت دفعها بشكل ملفت."
اصبح من الشائع تقسيم صناعة أشباه الموصّلات الى ثلاث فئات. يشير مصطلح "المنطق" Logic الى أجهزة تشغيل processors الهواتف الذكيّة والكومپيوترات والخوادم servers. أمّا مصطلح "الذاكرة" Memory فيشير الى الرقائق الخاصّة بذلك وهي DRAM، التي تؤمّن الذاكرة القصيرة الأمد short-term memory، التي تحتاجها أجهزة الكومپيوتر لكي تعمل، وايضا ما يُسمّى Flash أو ما يُطلق عليها NAND، التي تتذكّر المعلومات مع مرور الوقت. أمّا الفئة الثالثة من الرقائق فهي أكثر تنوّعا/استخداما وتُسمّى الرقائق التناظرية analog chips بما فيها المُستشعِرات sensors التي تحوّل الإشارات الصوريّة أو الصوتية visual´-or-audio signals الى بيانات رقمية digital data، وايضا رقائق تردّد الراديو لغرض التواصل مع شبكات الهواتف المحمولة واشباه الموصّلات التي تدير كيفيّة استخدام الأجهزة الكهربائية.
إعتقد المؤلف أنّ نموذج عمل شركة TSMC التايوانية هو بديل أفضل للإنتاج. يمكن لمسابك foundries هذه الشركة تصنيع رقائق للعديد من المصمّمين، اعتمادا على كفاءتها العالية وقدرتها على إنتاج الكمّيات الضخمة، التي لا تستطيع الشركات الأخرى محاكاتها فيه. "لقد أتاحت مثل هذه الخطوة الفرصة لشركات التصميم التي لا تمتلك منشآت الإنتاج أن تركّز على قدراتها في تصميم الرقائق دون الحاجة الى خبرة متزامنة في تصنيع أشباه الموصّلات."
مضى د. مِلر في القسم السادس من كتابه المثير للحديث عن شركة Nvidia التي لم تصمّم رقائق وحدة معالجة الرسومات GPUs فقط، بل جعلتها قادرة على التعامل مع الرسوم ثلاثية الأبعاد، إضافة الى ابتكار برنامج نظام بيئي حول تلك الرسومات. "تطلّب وضع رسومات واقعية استخدام برنامج يُسمّى (التظليل) shaders، الذي يُخبر جميع وحدات الپِكسِل pixels في الصورة كيف يجب تصويرها، مثلا في ظلّ معيّن من الضوء. يتمّ تطبيق الظلّ على كلّ پِكسِل في الصورة، وهي عملية حسابية بسيطة نسبيّا حيث تجري على آلاف من تلك الوحدات."
أدّى تغيير الحرس القديم في قمّة حماية صناعة الرقائق الى تسريع الفصل بين تصميم الرقائق وتصنيعها، مع التاكيد بأن يتمّ الأخير خارج التراب الأمريكي offshored. تطرّق د. مِلر في الفصل التالي الى اختراع حاسم تمّ إنجازه في عام 2010. على عكس التصميم ثنائي الأبعاد المستخدم منذ فترة الستينات، دفع إختراع عقدة 22 نانومترا لصنع ترانزِستُر جديد ثلاثي الأبعاد سُمّي FinFET. وهو ما يزيد التحكّم بالإلكترونات ويسيطر على "التسرّب"، الذي كان يهدّد أداء الأجيال الجديدة من الترانزِستُرات الصغيرة. كانت هذه الهياكل ثلاثية الأبعاد على نطاق النانومتر حاسمة من أجل بقاء قانون مور فاعلا، لكنّها مختلفة بشكل مذهل لأنّها تطلّبت مزيدا من الدقّة والحفر في الطباعة الضوئية. [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B7%D8]
وبصدد الطباعة ثلاثية الأبعاد [https://www.annahar.com/arabic/section/4]، ستبدأ الصين بالبناء على سطح القمر، في سبيل البحث عن الموارد القابلة لإعادة الاستخدام من أجل السكن البشري على المدى الطويل. ذكرت صحيفة China Daily نقلاً عن وو ويرين، العالم في China National أنّ مسبار "Change 8" سيجري تحقيقات في الموقع، ويحدّد ما إذا كان يمكن نشر تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد هناك. ماذا سيقول الإعلام والحكومات الغربية بشكل عام؟ هل سيكون هذا إعتداء صارخا أم غزوا أم إحتلالا أم تطاولا على الحقوق العالمية؟
قارن المؤلف الفرق بين تصنيع الكومپوترات واالهواتف الذكية التي تبيعها أپِل في الأسواق. هواتف iPhone ملأى بالرقائق، ليس في المعالِجات الأساسية، التي تصمّمها الشركة ذاتها، بل أيضا في المودم ورقائق تردّد موجات الراديو/الأثير للإتصال بشبكات االهاتف الخلوي، ورقائق التوصيل WiFi and Bluetooth connections ومستشعر صور الكاميرا وعلى الأقلّ رقاقتين للذاكرة ورقاقة تستشعر حركة شاشة الهاتف أفقيا وعموديا، وكذلك أشباه الموصّلات التي تنظّم البطارية والصوت والشحن اللاسلكي. تشكّل هذه الرقائق معظم قائمة المواد اللازمة لبناء الهاتف الذكّي. "يتمّ تصنيع معالِجات processors تلفون iPhone حصريّا في تايوان. "اليوم، لا شركة باستثناء TSMC لها المهارة والقدرة على بناء الرقائق التي تحتاجها أپِل." يذكّرنا د. مِلَر بأنّ النّصّ المكتوب على ظهر كلّ هاتف iPhone بأنّه "مُصمّمم من قِبل أپِل في كالِفورنيا وجري تجميعه في الصين،" مُضلَل للغاية. "أكثر مكوّنات هذا الهاتف التي لا يمكن الإستغناء عنها مصمّمة بالفعل في كالِفورنيا لكنّها مصنوعة في تايوان ويجري تجميعها في الصين." [https://www.bbc.com/news/world-us-canada-41889787]
كرّس د. مِلر فصله التاسع والثلاثين للحديث عن موضوع الطباعة الضوئية. ذكر أنّ هذه الطباعة باستعمال الأشعة فوق البنفسجيّة قد بدأت بموجات ضوئية طولها 248 نانومترا ثم 193 نانومترا. أمكن لهذه الأطوال الموجية نحت/رسم الأشكال بشكل دقيق بواسطة الضوء المرئي، لكنّ هذه العملية كانت لها حدود أيضا. وبناء عليه وضعت الصناعة آمالها في الأشعة فوق البنفسجية المركّزة التي يبلغ طول موجاتها 13.5 نانومترا. تخصّصت الشركة الهولندية ASML بهذه المهمّة. تكلّف الآلة الواحدة للطباعة من صنف EUV أكثر من 100 مليون دولارا، ولذلك فإنّ ساعة توقف عن العمل في صنع الرقائق تكلّف خسائر مالية تقدّر بآلاف الدولارات. تعمل أدوات EUV بدقة متناهية لأنّ برامجها موثوقة بسبب أنّ خوارزميّات الصيانة التنبؤية للتخمين predictive maintenance algorithms، تنبّه الى الحاجة لاستبدال أيّ مكون في الآلة قبل أن يصيبه العطب. كما أنّها تستخدم برنامجا software يُسمّى عمليات الطباعة الضوئية المبرمجة computational lithography لرسم الأنماط بدقّة أكبر.
أحدث هذا التطور ثورة هائلة في مجال صناعة الرقائق. "وقياسا بمعيار الرقائق هذه لعام 2015، انتجت التايوانية TSMC 1.8 مليون رقاقة وتجاوزتها الكوريّة الجنوبية Samsung بانتاج 2.5 مليون رقاقة، واحتلت الأمريكية GlobalFoundries المرتبة الثالثة بإنتاج 700000 رقاقة فقط." https://marsad.ecss.com.eg/72929]/[. "تماما وفي الوقت الذي أكملت فيه إنتَل غزوها لمراكز البيانات، بدأت طلبات التشغيل/المعالجة بالتحوّل. أصبح الإتجاه الآن منصبّا على الذكاء الإصطناعي artificial intelligence." وهذه مهمّة ما كانت رقائق إنتَل الرئيسية مصمّمة لإدائها. "في الوقت الذي تجري فيه رقائق CPU التعامل مع بيانات الخوارزميات واحدا تلو الآخر، تقوم رقائق GPU بالتعامل مع بيانات الخوارزميات دفعة واحدة simultaneously."
راهنت شركة Nvidia منذ ذلك الحين على أنّ مستقبلها سيكون في مجال الذكاء الإصطناعي. إستعانت هذه الشركة منذ تأسيسها الى حدّ كبير بالمصادر الخارجية لتصنيع رقائقها، وبشكل أساسي اعتمدت على شركة TSMC التايوانية وركّزت بلا هوادة على تصميم أجيال جديدة من وحدة معالجة الرسومات GPUs وإدخال تحسينات منتظمة على لغة البرمجة الخاصّة بها والمسمّاة CUDA من أجل تسهيل وضع البرامج التي تستخدم رقائق الشركة، حسب قول المؤلف د. مِلر.
الأمن السايبراني https://aws.amazon.com/ar/what-is/cybersecurity]/[، هو عنوان القسم السابع من الكتاب، الذي ناقش فيه المؤلف قلق الصين بخصوص هذا الخط. ذكرَ أنّه، عندما يتعلق الأمر بالذكاء الإصطناعي، فإنّ البلاد واحدة من قوّتين عظيمتين على المستوى العالمي في هذا المجال. إستشهد بكتاب نوقِش على نطاق واسع من تأليف كاي- فو لي، الرئيس السابق لشركة Google China. قال فيه إنّ الصين قد بنت نموذج دمج القرن الواحد والعشرين بين الذكاء الإصطناعي والإستبداد عن طريق تنظيم استخدام التكنولوجيا للمراقبة. "تُستخدَم انظمة المراقبة لتعقّب المُنشقّين والأقلّيات العرقية في البلاد، وتقوم هذه الأنظمة أصلا على رقائق من صنع شركات أمريكية مثل Intel and Nvidia. إنّ أهم صناعات الصين التكنولوجية تقوم على أسس هشّة، لأنّها تعتمد على السيلِكون المُستورَد." قد يكون الصينيون حقا قلقين بشأن الأمن السايبراني، لكنّي أعتقد أنّ الأمريكان ليسوا أقلّ قلقا منهم.
إعترف د. مِلر بأنّه في كلّ خطوة تقريبا من عملية إنتاج اشباه الموصّلات، اعتمدت الصين بشكل مذهل على التكنولوجيا الأجنبية، التي تخضع جميعها تقريبا لسيطرة المنافسين الجيوسياسيين للصين في تايوان واليابان وكوريا الجنوبية، وبطبيعة الحال في الولايات المتحدة. وقف هؤلاء كافة في وجه تقدّم الصين التكنولوجي وحاولوا عرقلته بأقصى قدر ممكن. فهل نجحوا في ذلك؟ تشير الدلائل الى العكس تماما. لقد دفعت العقوبات الإقتصادية الأمريكية شركات التكنولوجيا الى تسريع الأبحاث في مجال تطوير الذكاء الإصطناعي المتقدّم دون الإعتماد على أحدث الرقائق الإلكترونية الأمريكيّة، حسب ما ذكرته صحيفة الوول ستريت. [https://www.alquds.co.uk/%d8%aa] ثمّ هناك السيارة الكهربائية الصينية بي واي دي التي تُعتبر حصان الصين الرابح الذي أزاح "تسلا" من صدارة صناعة السيارات الكهربائية. العقبات الأولى التي واجهتها "بي واي دي" في مجال تصنيع السيارات كانت دافعا قويا جعل الشركة تتقدم بسرعة الصاروخ، وتحتل مرتبة متقدمة في الأسواق المحلية الصينية والأسواق العالمية على حد سواء. في عام 2021، باعت الشركة نحو 190 ألف سيارة جديدة (هجينة وكهربائية)، مع زيادة سنوية بنسبة 193%. وخلال عام 2022 تضاعف الإنتاج بشكلٍ مهول، حتى وصل إلى زيادة قدرها 300%، لتتمكن "بي واي دي" من تجاوز شركة "تسلا" الأمريكية الشهيرة، وتصبح أكبر بائعٍ للسيارات الكهربائية في العالم. تُعتبر الشركة أيضاً لاعبا رئيسيا في سوق الحافلات الكهربائية، بحيث بلغت حصتها السوقية العالمية 14% في العام 2020. وقد باعت أكثر من 60 ألف حافلة كهربائية حول العالم، ممّا جعلها أكبر شركة مصنعة للحافلات الكهربائية في العالم، "بعدما صدّرتها إلى أوروپا واليابان والهند. وهي تتخذ خطوات لإطلاق أنواع سيارات أخرى في أوروپا، وأسترَليا، وأمريكا اللاتينية، والفليپين." لفتت نجاحات الشركة الصينية هذه [https://arabicpost.net/%d9%85%d9] أنظار عمالقة صناعة السيارات، فأقامت "بي واي دي" عقودا وشراكات متعددة مع أهمّ الشركات العالمية وأكبرها، وفي مقدّمتها شركة تويوتا.
في ضوء هذه الممارسة الذكيّة، شرعت الحكومة الصينية في الحصول على التكنولوجيا المتقدّمة عن طريق الضغوط على من يريد من الشركات الإمريكية/الغربية المشاركة معها، أن ينقل التكنولوجيا إليها. [https://www.reuters.com/article/usa-trade-china-ia3-]. إنتقد د. مِلر شركة AMD لعقدها صفقة مع الصين واتّهمها بأنّها وراء نقل التكنولوجيا المتقدّمة. إستشهد بهذا الصدد بإدانة صحيفة وول ستريت للشركة، التي باعت "جواهر التاج" وسلّمت "مفاتيح المملكة" للصين. غير أنّه في النهاية عاد وأقرّ بالحقيقة واعترف قائلا، "الأمر ببساطة هو أنّ شركات الرقائق لا تستطيع تجاهل أكبر سوق في العالم لأشباه الموصّلات."
كرّس د. مِلر فصله الخامس والأربعون للحديث عن عمليات اندماج الشركات. أتى على ذكر المهندس الصيني المُبدع ژاو وَيگَو Zhao Weiguo ودوره في هذه العمليات وكيف بنى سمعة طيبة بصفته صانع صفقات مع شركات أخرى واختطّ لنفسه المسار ليكون بليونيرا. بالنسبة لدوره، رأى ژاو نفسه بأنّه ببساطة رجل أعمال ملتزم. أعلن أنّ "عمليات الإندماج بين الشركات الأمريكية والصينية الكبرى ستحدث بشكل أو بآخر، ويجب أن يُنظر لها من منظور الأعمال التجارية، بدلا من أن تتمّ في ظلّ سياقات قومية/وطنية أو سياسيّة."
كرّس د. مِلَر الفصل التالي للحديث عن شركة واوَي Huawei ومؤسّسها رَن زَنجَفَي Ren Zhengfei، خاصّة بعدما أصبحت معدّات واوَي تلعب دورا مهمّا، وفي بعض البلدان حاسما في نقل بيانات العالم. "اليوم هي واحدة من أكبر ثلاثة مزوّدين للمعدّات من الأبراج الخلوية في العالم الى جانب نوكيا Nokia الفِلندية وأرِكسُن Ericsson السويدية." كما وفّرت الشركة أنواع أخرى من البنية التحتية التقنيّة أيضا بما فيها الكَيبلات تحت سطح الماء undersea fiber-optic cables وحتى الحوسبة السحابية cloud computing. ورغم إدّعاءات التجسّس والسرقة السخيفة، اعترف المؤلف أنّه، "لا كميّة من الملكية الفرديّة ولا الأسرار التجارية المسروقة، يمكن أن تبني شركة كبيرة مثل واوَي. إمتلكت الشركة تطوير عمليات تصنيع إلكترونية فائقة أدّت الى خفض التكاليف وصنع المنتجات التي يرى المستهلكون أنّها عالية الجودة للغاية. وفي الوقت نفسه، فإنّ إنفاق واوَي على البحوث والتطوير يُعتّبر رائدا عالميا." [https://www.aljazeera.net/encyclopedia/2016/10/24]. باعتراف المؤلف نفسه على مضض، "وصل الإحتكار الأمريكي للعمليات المربحة لتصميم الرقائق الى نهايته تقريبا على مستوى العالم على يد واوَي. كان هذا واضحا حين فاق ما حققته الشركة المذكورة من النجاحات على تلك التي تمّ تحقيقها على يد سامسونگ الكورية أو سوني اليابانية في عقود سابقة. تعلّمت واوَي إنتاج التكنولوجيا المتقدّمة والفوز بالأسواق العالمية والإستثمار في البحث والتطوير وتحدّي القيادة الأمريكية للتكنولوجيا. علاوة على ذلك بدت واوَي فريدة في نوعها وفي وضع جيّد مستعدّ لعصر جديد من الحوسبة في كلّ مكان من العالم، من شأنه أن يستوعب إطلاق الجيل القادم من الإتصالات، أو ما يُسمّي الجيل الخامس G5."
لقد أتقنت واوَي Huawei صُنع أحدث جيل من المعدّات لأرسال المكالمات والبيانات والصور والڤديوهات عبر الشبكات الخلويّة، التي تسمّى الجيل الخامس G5. "ومع ذلك فإنّ G5 لا يتعلّق حقّا بالهواتف فقط، بل يتعلق الأمر بمستقبل الحوسبة وبالتالي أشباه الموصّلات." جُنّ جنون الأمريكان فأخذوا يطلقون الإشاعات عن سرقات مزعومة أو أنّ واوَي تعتمد على مكونات أمريكية أساسية في أجهزتها تبلغ نسبتها 30% أو "إنّ واوَي لم تصل بعدُ الى الإكتفاء الذاتي من الناحية التكنولوجية"! https://consumer.huawei.com/ae/campaign/5g]/[
حوالي عام 2017، وحين بدأت شركات الإتصالات في جميع أنحاء العالم بتوقيع العقود مع مزوّدي المعدّات لبناء الجيل الخامس من الشبكات، اعترف د. مِلَر بأنّه إتّضح أنّ شركة واوَي الصينية كانت في مكانة رائدة وتقدّم المعدّات التي اعتبرتها الصناعة عالية الجودة وبأسعار تنافسيّة. ومضى ليقول، "بدا من المرجّح أن تلعب شركة واوَي Huawei دورا أكبر في بناء شبكات G5 أكثر من أيّة شركة أخرى، متجاوزة أريكسُن السويدية ونوكيا الفِنلندية، وهما المُنتجان الرئيسيان الوحيدان الآخران في العالم لمعدّات الإبراج الخلويّة."
ليست هذه هي المرة الأولى التي تعيد فيها طفرات التكنولوجيا تعريف الجغرافيا السياسية للعالم، فقد أسهمت طفرة التكنولوجيا في النصف الثاني من القرن الثامن عشر في بروز قوى صناعية استعمارية غنية، ونتج عن طفرة التقنيات العسكرية لاحقاً تغير معنى الحرب ونمطها وإمكانية حدوثها. التقنيات التي تبدو الآن عادية مثل محرك القطارات والسيارات، أحدثت ثورة في مفهوم المسافة في الماضي، وفي الحاضر غيرت ثورة الاتصالات مفهوم الزمان والمكان بصورة ستغدو للأجيال القريبة القادمة بديهيّة. ومهما قد تبدو تكنولوجيا معينة خطرة ومهددة في لحظة صعودها، فإنّها تتقادم مع الوقت، وتصبح واحدة من مكونات الحضارة. لذلك قد تعيد طفرة الذكاء الاصطناعي تعريف بعض جوانب عالمنا، لكنّها لن تلبث أن تصبح مجرد أداة في تحسين جودة الحياة، والصراع بين الدول، والتدافع بين المجتمعات والأفراد من جهة، والجهات الساعية للهيمنة، سواء أكانت حكومات أو قوى الأسواق.
يبدو لي أنّ السباق النووي قد تحوّل في زمننا هذا ليصبح سباق الحوسبة computing race، وأنّ هناك ستراتيجية جديدة لإزاحة offset الصين من المشهد السياسي، مثل تلك التي استحوذت على الفكر العسكري الأمريكي في السبعينات، واللجوء اليها في مقاومة الصعود العسكري الصيني في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. "إنّ الولايات المتحدة ستحقّق الفوز العسكري فقط باعتمادها على الميزات التكنولوجية الحاسمة،" حسب ما لمّح به المؤلف. وفي رأيي أنّ المقارنة مع الحرب الباردة التي دارت بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي ليست مفيدة، وإنّ "حربا باردة" مع الصين لن تقود الى ازاحتها. الإمكانات الهائلة التي تتمتّع بها الصين، وفي طليعتها التكنولوجيا المتقدّمة، ما كانت متوفّرة للإتحاد السوڤيتي. ثمّ أنّ الوضع الآن يناقض ذلك الوضع بشكل جليّ. فالصين أصبحت الدعامة الرئيسية للإقتصاد العالمي، علاوة على أنّ اقتصادها مندمج إلى حد كبير مع الإقتصاد الأمريكي. سألت گَوگِل عن مقدار الديون التي في عاتق الولايات المتحدة لدول العالم الأخرى، فذكر 5 دول هي كالتالي، اعتبارا من شهر كانون الثاني لهذا العام: As of January 2023, the five countries owning the most US debt are Japan (-$-1.1 trillion), China (-$-859 billion), the United Kingdom (-$-668 billion), Belgium (-$-331 billion), and Luxembourg (-$-318 billion).
https://usafacts.org/articles/which-countries-own-the-most-us-debt]/[
وكما نصّت وثيقة ستراتيجية للسياسات الخارجية المؤقتة لإدارة بايدن، التي نشرت في وقت سابق من شهر مايس 2023، فإنّ "صيناً أكبر نفوذا وأكثر إثباتا لوجودها هي المنافسة الوحيدة التي لديها القدرة على حشد قدراتها الإقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتقنية لتحدي النظام العالمي المستقر والمنفتح بشكل دائم". لقد أصبحت الترنيمة التي تُسمع في زوايا البيت الأبيض في عهد بايدن تقول إنّه، "ينبغي مواجهة الصين إنْ كان ذلك ضروريا والتعاون معها إنْ كان التعاون ممكنا." [https://www.bbc.com/arabic/world-56428623]
يرى د. ملّر في مطلع القسم الثامن والأخير من كتابه، "أنّ العالم كلّه اصبح يعتمد بشكل مخيف على حفنة من نقاط الإختناق المعرّضة للخطر vulnerable choke points، لا سيّما مسألة تايوان." لم يوافق اعضاء فريق ترامپ من الإدارة الجديدة مع تقييم إدارة أوباما بصدد العلاقة مع الصين وخلصوا الى القول على حدّ تعبير أحد كبار المسؤولين، "هذا كلّ ما نتنافس عليه في القرن الواحد والعشرين ... كلّ ذلك يرتكز على حجر الزاوية لإتقان صنع أشباه الموصّلات." كانت مبيعات شركات أشباه الموصّلات بكاملها تعتمد على الصين. وانسحب هذا الإعتماد على الشركات التي تصنع الرقائق مثل إنتَل Intel، أو التي تصمّم فقط مثل كوالكُم Qualcomm أو التي تصنع المعدّات مثل Applied Materials. لخّص أحد الرؤساء التنفيذيين الأمر للبيت الأبيض بسخرية قائلا، "إنّ المشكلة الأساسية هي أنّ زبوننا الأوّل هو منافسنا الأوّل."
إنتهجت إدارة ترامپ سياسة الخنق، رغم أنّ اهتمامه بالتجارة كان أكبر كثيرا من اهتمامه بالتكنولوجيا. [https://www.france24.com/ar/20170406]. لقد رأى أنّ الخنق المحتمل لشركة ZTE مجرّد ضغط على الرئيس الصيني شي جِنپِنگ. ولذلك عندما اقترح الرئيس الصيني عقد صفقة بشأن الموضوع، قبلها ترامپ بلهفة، وغرّد منافقا بأنّه سيجد طريقة للحفاظ على الشركة في مجال الأعمال بدافع "أنّها ستفقد الكثير من الوظائف في الصين!" غير أنّ قناعات مجلسه للأمن القومي تركّزت ببساطة، على أنّ أشباه الموصّلات لم تعد "حجر الزاوية" في "كلّ شيء نتنافس عليه،" كما صرّح به أحد المسؤولين، "ربّما ستكون السلاح المُدمّر القوّي."
ذكر المؤلف في فصله الخمسين أنّ العلاقات عمّها التوتر "خلال أغلب فترة حكم ترامپ، الذي شن حرباً تجارية شرسة ضدّ پِكين." لكنّ ذلك لم يمنع التنين من أن يصبح القوة الاقتصادية الأولى عالمياً، بينما يعاني الاقتصاد الأمريكي بشدة من التضخم، بفعل تداعيات جائحة كورونا، ثم حرب روسيا في أوكرانيا، وهي جميعا ما يحدّ من قدرة واشنطن على استخدام المساعدات الاقتصادية كورقة ضغط، كما كان الحال سابقاً. في ظلّ استعداد الصين بشكل شبه محسوم لضمّ تايوان بالقوة إذا لزم الأمر، ورغم تصريحات بايدن بأنّ "أمريكا ستُدافع عن الجزيرة بالقوة،" يبدو أنّ واشنطن وجدت سلاحاً قد يكون أكثر إيلاماً لپكين. أخيراً وجدت إدارة بايدن سلاحاً أكثر حدة، ويمكنه أن يعيق طموحات الصين التكنولوجية لما يصل إلى عقد من الزمان. ويتمثل الهدف في رقائق أشباه الموصلات، خاصةً الصنف المتطور المستخدم في الحواسِب الفائقة والذكاء الاصطناعي. [https://arabicpost.net/%d8%aa%d8]
من ضمن حملة الولايات المتحدة هذه، شنّت هجوما على شركة الهواتف الصينية واوَي واتهمتها بشتّى صنوف الإتهامات. غير أنّ المؤلف يعترف في فصله الحادي والخمسين بأنّ، "النقاش حقا كان حول ما إذا كان ينبغي منع الصين من لعب دور أكبر من أيّ وقت مضى في البنية التحتية التقنية في العالم." ثم مضى للقول بأنّه، "في مجلس الأمن القومي، نُظِر للمنافسة مع الصين في المقام الأول من حيث كون محصّلتها صفرا. تمّ تفسير نجاح واوَي رسميا، ليس كتحدٍّ تجاري بل كتحدٍّ ستراتيجي."
ولزيادة علم القارئ، فإنّ واوَي Huawei شركة صينية لتصنيع مُعدّات الإتصالات السلكية واللاسكية والإلكترونيات الإستهلاكية، ومقرّها في مدينة شِنجِن في مقاطعة گواندونگ في الصين. تأسست الشركة في عام 1987 من قبل رَون چِنگ فاي، وفي البداية، كان تركيز واوَي منصبا على تصنيع لوحات ومقاسم الهاتف، ثم وسعت أعمالها لاحقا لتشمل بناء شبكات الاتصالات السلكية واللاسلكية، وتوفير الخدمات التشغيلية والإستشارية والمعدات للمؤسسات داخل الصين وخارجها، وتصنيع أجهزة الاتصالات للسوق الاستهلاكية. كان لدى واوَي أكثر من 170,000 موظفا في شهر ايلول عام 2017، حوالي 76000 منهم يعملون في مجال البحث والتطوير. ولديها 21 معهدا للبحث والتطوير في جميع أنحاء العالم. اعتبارا من عام 2017 استثمرت الشركة ما مجموعه 13.8 مليار دولارا أمريكيا في هذا المجال.
يقول المصدر الذي اعتمدناه إنّ واوَي قد نشرت منتجاتها وخدماتها في أكثر من 170 دولة. واعتبارا من عام 2011 كانت تقدم خدماتها إلى 45 مشغّل اتصالات من بين أكبر 50 مشغّلا. أمّا فروعها، التي يتجاوز عددها 1500 فرعا، فتخدم ثلث سكان العالم تقريبا. لقد تفوّقت شركة واوَي على شركة إريكسُن في عام 2012، كأكبر مُصنِّع لمعدّات الاتصالات السلكية واللاسلكية في العالم، وتخطت شركة أپِل في عام 2018 باعتبارها ثاني أكبر منتج للهواتف الذكية في العالم، بعد شركة سامسونگ الكورية الجنوبية للإكترونيات. ذكرت شركة واوَي أنّ إيراداتها السنوية قد ارتفعت إلى 108.5 مليار دولارا أمريكيا في عام 2018، (بزيادة 21% عن إيرادات عام 2017). وعلى الرغم من نجاح الشركة على الصعيد الدولي، فقد واجهت واوَي الصعوبات في بعض الأسواق، وذلك بسبب ادعاءات بمخاطر الأمن السايبراني، وهي ادعاءات غير مثبتة من قبل حكومة الولايات المتحدة، تفيد بأنّ معدات البنية التحتية لشركة واوَي قد تعطي الحكومة الصينية القدرة على المراقبة والتجسّس. تدّعي هذا وكأنّها بريئة لا [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%87%D9%88%D8%A7%D9%88%D9%8A] تمارس نشاطات التجسّس المفضوحة داخل أمريكا وخارجها. إسألوا سنودُن!
في النهاية وعلى الرغم من ذلك، فإنّ الهجوم الأمريكي على التكنولوجيا الصينية قد أحدث ضربة غير موجعة، حسب رأي د. مَلر. قال، "لا يزال العديد من شركات التكنولوجيا الكُبرى في الصين من قبيل Tencent and Alibaba لا تواجه قيودا محدّدة على مشترياتها من رقائق الولايات المتحدة ولا على قدراتها على جعل شركة TSMC التايوانية تصنع اشباه الموصّلات لصالحها. أمّا شركة SMIC، منتج الرقائق المنطقية في الصين، فلا تزال تواجه قيودا جديدة على مشترياتها من معدّات صنع الرقائق المتقدّمة، ولكن لم يتمّ استبعادها عن سوق العمل بشكل كامل. حتى واوَي نفسها، فمسموح لها شراء أقدم أشباه الموصّلات مثل تلك المُستخدمة للإتصال بشبكات الجيل4." عبّر د. مِلر عن دهشته "لأنّ الصين لم تفعل شيئا للردّ على المحاولات الأمريكية لتعجيز أكثر تقنياتها في مجال التكنولوجيا على المستوى العالمي."
إذا كانت لحظة سپَوتنِك في الصين قد الهمت المزيد من برامج أشباه الموصّلات المدعومة من قِبل الدولة كمثل ما جرى تاريخيا من قبل، فلن تكون البلاد على طريق الإستقلال التكنولوجي، حسب رأي المؤلف في فصله الثاني والخمسين. في الحقيقة لم أفاجأ بهذا التقييم، لأنّه من ديدن غالبية النخبة الأمريكية دائما التقليل من أهمية الخصوم والطعن في أيّة نجاحات قد يحققونها. قبل عامين تقريبا، تَصدّر كبير الديبلوماسيين الصينيين عناوين الصحف، عندما قال للمسؤولين الأميركيين أثناء اللقاء الشهير الذي جَمع مسؤولي البلدَين في ولاية ألاسكا، إنّهم "غير مؤهّلين للتحدُّث إلى الصين من موقع قوّة." وعلى رغم تفاقم المشكلات، في حينه، رأى مراقبون أنّ ما تفوّه به المسؤول الصيني "قاسٍ بشكل استثنائي،" لا سيما وأنّه قال ما قاله في أوّل اجتماع دِبلوماسي رفيع المستوى بين القوّتَين في عهد إدارة جو بايدن، ممّا أوحى بأنّ حديثه يستبطن "تحذيرا للإدارة الجديدة". لاحقاً، في شباط الماضي، جاءت حادثة المنطاد الصيني لتعلّق زيارة وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلِنكِن، إلى پِكين، وتستتبع سلسلة تصعيد بدأتها الصين بتجميد الاتصالات الديبلوماسية مع واشنطن، وصدّها جهود الأخيرة لإعادة إحياء الاتصالات رفيعة المستوى بينهما، وصولا أخيرا إلى رفْضها القاطع لعقْد لقاء بين وزير دفاعها، ونظيره الأمريكي، على هامش القمّة الأمنية في سِنگافورة.
وعلى خلفية ما تَقدّم، بدت الصين، من خلال السماح لبلِنكِن بزيارتها الأسبوع الماضي، وكأنّها تسدي "معروفاً" للولايات المتحدة، على حدّ تعبير إيڤان كَنَباثي، المدير السابق لشؤون الصين وتايوان ومنگوليا في مجلس الأمن القومي، في حديث إلى موقع پوليتِكو الأمريكي. وعلى رغم بعض الأجواء الإيجابية التي ظلّلت الزيارة، فإنّه سرعان ما أزاحها صلف الرئيس الأمريكي، حين وصف نظيره الصيني بـ "الديكتاتور". الواضح هو أنّ الولايات المتحدة لا تزال عاجزة عن مفارقة "وهْم قدرتها على التعامل مع الصين من موقع قوّة" أو البدء في "إظهار الاحترام،" وفق ما طالبتها به الأخيرة عشيّة الزيارة، أو إيجاد صيغة لإدارة التنافس بعيدا عن محاولة "إضعاف" پِكين أو "تطويقها". وهو ما يفسّر وصول "العلاقات بين البلدين إلى أسوأ مستوياتها منذ بدء العلاقات الديبلوماسية الرسمية بين البلدين،" بحسب توصيف وزير الخارجية الصيني. [https://www.al-akhbar.com/World/364805/]. لم يظهر بعد أيّ أثر لزيارة وزيرة الخزانة جانِت يَلِن Janet Yellen للعاصمة الصينية ولقاءها بالرئيس الصيني، والمبالغة في إظهار الإحترام، لحدّ أنّ الصحف هنا أظهرت امتعاضها من "هذا النفاق، الذي قد يرجع الى وجبة عشاء الليلة السابقة التي شملت بعض الفطريات البرية mushrooms، التي قد تكون سبّبت لها التخدير drugged!"
يعترف د. مِلَر على مضض في نهاية الفصل قائلا، "تشير التقديرات المتعلقة بصناعة الرقائق الى أنّ حصة الصين سترتفع من 15% في بداية العقد الحالي الى 24% من القدرة العالمية بحلول عام 2030 متجاوزة تايوان وكوريا الجنوبية من حيث الحجم." غير أنّه يستدرك ليذكّرنا، "لكنّه من شبه الموكّد أنّ الصين ستظل متخلّفة من الناحية التكنولوجية."
ناقش المؤلف في فصله الثالث والخمسين ظاهرة شحّة أشباه الموصّلات خلال فترة انتشار وباء الكوڤِد. ذكر أنّ النقص في أشباه الموصّلات كان في الغالب مسألة تتعلق بزيادة الطلبات وليس انخفاضا في سلاسل التوريد. كان مردّ هذا النقص أجهزة الكومپيوتر الجديدة وهواتف الجيل 5 ومراكز البيانات الداعمة للذكاء الإصطناعي، وفي النهاية لدينا الطلب النهم على قوّة الحوسبة. ويعترف على مضض ثانية بأنّه، "مع ذلك، فإنّ صعود صناعة أشباه الموصّلات في الصين خلال العقد الماضي تذكير بأنّ نقاط الخنق الأمريكية ليست متينة بشكل غير محدود infinitely durable."
خصّص د. مِلَر فصله الأخير لمناقشة معضلة تايوان. وبالمناسبة، أعلنت الولايات المتحدة اليوم بتاريخ 30 حزيران من هذا العام بيع ذخيرة وقطع غيار عسكرية لتايوان مقابل 440 مليون دولارا في إطار دعمها للجزيرة المستقلّة، التي تطالب بها الصين. ووفق وكالة الصحافة الفرنسية، لا توسع عملية البيع هذه ذات الحجم المتواضع، نطاق الأسلحة الأمريكية المُسلّمة إلى تايوان، لكنها تأتي في وقت تحاول واشنطن وپِكين فيه تحقيق استقرار لعلاقاتهما المتوترة [https://aawsat.com/%D8%A7%D9].
هذا وأعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، في إخطار للكونگرس، بيعها ذخيرة لمدافع من عيار 30 ملم إلى تايوان مقابل 332.2 مليون دولارا، وقطع غيار أسلحة وآليات عسكرية مقابل 108 ملايين دولارا. قالت وزارة الخارجية إنّ هذه المبيعات ستساعد تايوان "في الحفاظ على قدرة دفاعية ذات مصداقية، لكنّها لن تغير التوازن العسكري الأساسي في المنطقة."
وأفادت وزارة خارجية تايوان اليوم بوصول وفد من أعضاء الكونگرس الأمريكي من الحزب الجمهوري إلى الجزيرة اليوم الاثنين في زيارة تستغرق 5 أيام. وتابعت الوزارة أنّ زيارة وفد من أعضاء لجنة البحث الجمهوري بمجلس النواب الأمريكي برئاسة عضو الكونگرس كَڤِن هَيرَن ستستمر في الفترة من 3 إلى 7 تموز الجاري. وأضافت أنّ جدول أعمال الزيارة يضم لقاءات مع رئيسة تايوان ووزير الخارجية ومسؤولين كبار آخرين، بالإضافة إلى زيارة عدد من مراكز الفكر لمناقشة القضايا المتعلقة بالعلاقات بين تايپَه وواشنطن.
ومعروف أنّ الوضع حول تايوان ازداد توترا بشكل كبير بعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي آنذاك نانسي پِلوسي إلى الجزيرة في شهر آب الماضي. أدانت الصين، التي تعتبر تايوان منطقة صينية، زيارة پِلوسي معتبرة إياها دعما أمريكيا للانفصالية التايوانية، وأجرت مناورات عسكرية واسعة النطاق في المنطقة. وكالعادة، "ذكرت الخارجية الأمريكية أنّ زيارة الوفد النيابي الأخيرة لا تعني تغيير سياستنا." [https://arabic.rt.com/world/1475139]
طرح المؤلف سيناريوهات مختلفة لقيام حرب قد تكون نووية بسبب معضلة تايوان. قال إنّه، "بالتأكيد ستُجبر صناعة الرقائق في الجزيرة الولايات المتحدة على الدفاع عن تايوان بجديّة أكبر." ومع ذلك، فإنّ تركيز إنتاج أشباه الموصّلات في تايوان يضع أيضا الإقتصاد العالمي في خطر إذا لم يردع "درع السيلِكون" الصين.
تحت عنوان " تحرك صيني لتقليص صادرات خامات تصنيع الرقائق يفاقم مخاوف الإمدادات،" نشر الإعلام العربي مقالة عن المخاوف من انقطاع إمدادات رقائق أشباه الموصلات. جاء في المقال، "أدى تحرك الصين لتقييد صادرات بعض المعادن شائعة الاستخدام في إنتاج أشباه الموصلات والسيارات الكهربائية والصناعات المتقدمة تقنياً إلى تصعيد الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، وقد يتسبّب هذا التقييد في تفاقم الاضطرابات بسلاسل التوريد العالمية". سارعت الشركات للردّ على الأخبار المفاجئة التي أعلنت أمس (الاثنين). وقالت شركة أمريكية منتجة لرقائق أشباه الموصلات إنّها تقدمت بطلب للحصول على تصاريح تصدير لطمأنة المستثمرين. وقال منتج للجرمَنيوم في الصين لـوكالة رويترز، إنّ الاستفسارات من الخارج والأسعار ارتفعت بين عشية وضحاها. من جهتها، أشارت وزارة التجارة الصينية إلى أنّها ستسيطر بدءاً من أول شهر آب، على صادرات 8 منتجات من الگَيليَوم و6 منتجات من الجرمَنيوم لحماية أمنها القومي ومصالحها، في خطوة عدّها المحللون ردّاً على جهود واشنطن المتصاعدة للحدّ من التقدم التكنولوجي للصين. وقال پيتر آركيل، رئيس إتحاد الصين العالمي للتعدين، "ضربت الصين قيود التجارة الأمريكية في موضع مؤلم." وأضاف، "الگَيليَوم والجرمَنيوم مجرد نوعين من المعادن الثانوية، لكنّهما مهمّين جداً لطائفة من منتجات التكنولوجيا، والصين هي المنتج المهيمن لمعظم هذه المعادن. الاقتراح بأنّ دولة أخرى قد تحلّ [https://aawsat.com/%D8%A7%D9] محلّ الصين في المدى القصير أو حتى على المدى المتوسط ضرب من الخيال."
تأتي القيود التي تفرضها الصين في الوقت الذي تدرس فيه واشنطن فرض قيود جديدة على تصدير الرقائق الدقيقة المتقدمة تقنياً إلى الصين، بعد سلسلة من القيود في السنوات القليلة الماضية . [https://aawsat.com/%D8%A7%D9] ومن المتوقع أيضاً أن تفرض الولايات المتحدة وهولندا قيوداً أخرى على بيع معدات إنتاج الرقائق لشركات تصنيع الرقائق الصينية هذا الصيف، ضمن جهود تهدف إلى منع استخدام الجيش الصيني لتقنيتهما. وكان آخر رد من پِكين على الضغط الأمريكي على الرقائق في شهر أيار الماضي، حين منعت بعض القطاعات المحلية من شراء منتجات من شركة مايكرون الأمريكية لتصنيع رقائق الذاكرة، حسب ما ورد في المصدر المشار إليه. ومن يعلم ماذا ستكون الردود القادمة.
وضع د. مِلَر في نهاية مقدمته القصيرة أطروحة فحواها، أنّ الرقابة التكنولوجية المفروضة على الصين قد دفعتها نحو الإكتفاء الذاتي في أشباه الموصّلات وجعلتها أكثر أهمية لتحقيق أهداف پِكين الستراتيجية، رغم كون هذا الإكتفاء صعبا الى حدّ كبير وأكثر تكلفة. "وبالتالي، فإنّ السؤال المتعلّق بصناعة أشباه الموصّلات، هو كيف ستردّ الصين على التصعيد الأخير في حرب الرقائق؛ بالتراجع أم بمضاعفة الجهود؟" أشارت وزارة التجارة الصينية اليوم إلى أنّها ستضع بدءاً من أول شهر آب القادم، تقييدات على صادرات 8 منتجات من الگَليوَم و6 منتجات من الجرمَنيوَم لحماية أمنها القومي ومصالحها، في خطوة عدّها المحللون رداً على جهود واشنطن المتصاعدة للحدّ من التقدم التكنولوجي للصين. هذا وأشار أحد المعلقّين الصينيين شامتا، "سنجعل أسلحتكم (خردة)!" [https://arabicpost.net/%d8%aa%d8%]

د. محمد جياد الأزرقي
أستاذ متمرس، كلية ماونت هوليوك
قرية مونِگيو، ولاية ماسَچوستس
الولايات المتحدة
تموز 2023



#محمد_الأزرقي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
- قراءة في كتاب ألفرد وُليم مَكّوي (بهدف التحكّم بالعالم)
- قراءة في كتاب د. رِچَرد فولك، -سيرة مفكّر معنيّ بقضايا الشعو ...
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
- قراءة في كتاب شرخ في التكوين، تأليف جنِفر داودنا وسام ستِربَ ...
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ...
- قراءة في كتاب (الإستياء العالمي) لچومسكي
- قراءة في كتاب جيمي متزل إختراق نظرية دارون
- قراءة في كتاب دانيل إلزبرگ آلات الفناءـ اعترافات مخطط امريكي ...
- قراءة في مذكرات سيمور هيرش
- قراءة في كتاب لن نصمت
- قراءة في كتاب چومسكي -وداعا للحلم الأمريكي-
- قراءة في كتاب چومسكي عن الإرهاب الغربي
- العواقب: مذكرات محقق أمريكي
- قتل أسامة بن لادن ومسالك الجرذان في سوريا
- قراءة في كتاب تفعيل الديمقراطية لمعالجة ازمات الرأسمالية
- قراءة في كتاب عصر التنمية المستدامة
- لورنس الآخر
- لورنس الآخر: حياة روبرت أيمز وموته
- ألسباق للفوز بما تبقي من المصادر الطبيعيّة


المزيد.....




- مسؤول إسرائيلي لـCNN: إسرائيل لم تقبل مقترح مصر بشأن صفقة ال ...
- رغد صدام حسين تبدأ نشر مذكرات والدها الخاصة في -المعتقل الأم ...
- وزير الخارجية الأردني: لو كان إلغاء اتفاقية السلام مع إسرائي ...
- بلينكن يزور السعودية وحماس تبث فيديو لرهينتين
- بعد بن غفير.. تحطم سيارة وزير إسرائيلي في حادث سير بالقدس (ف ...
- روبرت كينيدي يدعو ترامب للمناظرة
- لماذا يخشى الغرب تمدد احتجاجات الجامعات الأمريكية لأوروبا؟
- كمبوديا تعلن مقتل 20 جنديا وجرح آخرين في انفجار بقاعدة عسكري ...
- إلقاء القبض على شخصين كانا يخططان لشن هجمات إرهابية في مدينة ...
- شرطي تركي يطلق النار على رئيس مركز الشرطة ورئيس مديرية الأمن ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - محمد الأزرقي - قراءة في كتاب (حرب الرقائق الإلكترونية) من تأليف د. كرس ملر