أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - محمد الأزرقي - قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي















المزيد.....



قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي


محمد الأزرقي

الحوار المتمدن-العدد: 7477 - 2022 / 12 / 29 - 20:21
المحور: مقابلات و حوارات
    


هذا هو الكتاب الخامس للمفكر الكبير د. نُعوم چومسكي، الذي قمنا بترجمته وتولت دار العلوم العربية في بيروت نشره. في تسعة حوارات فكريّة مشوّقة جرت خلال العامين الأخيرين، يشرح چومسكي الأزمات المتعددة التي تواجه البشرية والكوكب، ويقدم خارطة طريق للمقاومة. ذكر الناشر الأمريكي للكتاب في نسخته الأولى، أنه في هذه المجموعة الأصلية تماما من الحوارات بين الثنائي الأسطوري نعوم چومسكي ودَيڤِد بارسَميان، يناقش الاثنان موضوعات مثل الوباء، وفجوة الثروة (التي تفاقمت بسبب الوباء)، وتدمير البيئة والمناخ، والقوة المتزايدة لوسائل الإعلام المملوكة للشركات الإحتكارية، والعنصرية المنهجية والتكنولوجيا الكبيرة، والمزيد من المواضيع الأخرى.
يرى الناشر أنّ د. چومسكي هو أحد أكثر المفكّرين استشهاداً في تاريخ البشرية. إنّه يُصنّف هناك في مرتبة أعلى مع أرسطو وماركس، وهذا الكتاب يعيد تأكيد سمعته المحترمة. ليس هناك شكّ بأنّ ملاحظاته حول المقاومة ستلهم كافة أولئك الذين يكافحون من أجل تحرير الإنسان أينما كان.
في مطلع حواره الأول أشار الكاتب القدير چومسكي الى أنّ إدارة بُش الأب قد دعت، المهندسين النووين العراقيين الى الولايات المتحدة للتدريب المتقدم في مجال انتاج الأسلحة النووية، والذي كان بطبيعة الحال تهديدا خطيرا لإيران [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7] . وعن السياسة المزدوجة قبلها، ذكر جهود الخارجية الأمريكية بضغط من هنري كِسِنجَر ودونَلد رامسفيلد ودِك چَيني في فترة السبعينات [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A8%D8] لجلب المهندسين النوويين الإيرانيين للدراسة والتدريب في الجامعات الأمريكية الشهيرة، وعلى رأسها معهد ماسَچوست للتكنولوجيا في بوسطن.
ثمّ يمضي الحوار فيتطرق الى ما قامت به مصر والجامعة العربية وبتأييد من الأمم المتحدة لطرح مبادرة في أوائل التسعينات [https://buhuth.journals.ekb.eg/article_129623.html] لجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من الأسلحة النووية. وهناك مثل هذه المناطق التي تمّ إنشاؤها في عدة أجزاء من العالم. "ومن الملفت للنظر أنّ الدعوة ماتت في مهدها لأنّ الولايات المتحدة لم تقبلها،" حسبما شهد بذلك چومسكي. إذا كان هناك مثل هذا الإتفاق الدولي، فستخضع أسلحة إسرائيل النووية للتفتيش الدولي وستضطر الولايات المتحدة الى الإعتراف بأنّ إسرائيل تمتلك أسلحة نووية. إذا اعترفت صراحة بأسلحة إسرائيل، فيجب وقف المساعدة الأمريكية لها بموجب القانون الأمريكي. سيعني ذلك تفتيش أسلحة إسرائيل، ليس فقط النووية بل أيضا البايولوجية والكيميائية. "وهذا أمر لا يُطاق، ولذلك لا يمكننا السّماح به."
نوّه الكاتب القدير الى قوة شركات التصنيع العسكري الكبيرة في البلد وعلى رأسها لوكهيد مارتِن ورايثيون گرومَن وبَوِنگ وجَنرَل داينمِك، والمنافع التي تجنيها من خلال استمرار التوترات والتهديدات والحروب حول العالم، حيث تزداد مبيعاتها] [https://www.alroeya.com/117-53/2245738بشكل ملحوظ. ثمّ انتقل الحوار للحديث عن قضية تفاوت الدخل غير العادل بين ابناء الشعب في الفترة الأخيرة، حيث استولت نسبة قدرها 1% على ما مجموعه 40% من دخل البلد. ومن الطبيعي على المستوى البدني والنفسي، يؤدّي [https://www.marefa.org/%D8%AA]هذا الى الغضب والإستياء واليأس. تحدث أشياء مماثلة في أوروپا في ظلّ برامج التقشّف. "وهذه هي الخلفية لما يُسمّى بشكل مُضلل الشعبويّة." ولكن في الولايات المتحدة، فهي أمر مُذهل للغاية. "يبدو أنّ ظاهرة )موت اليأس( Despair Deathسمة أمريكية محدّدة لا تنطبق على بلدان أخرى."
في مسألة الميليشيا وحمل السلاح، ألقى المفكر چومسكي باللائمة على قاضي المحكمة العليا أنتوان سكاليّا، الذي قاد الحملة في إعادة تفسير المادة الثانية من الدستور حول امتلاك السلاح. وهو التفسير الذي أدّى الى تفشي العنف في البلد في صورة جرائم القتل الجماعي في المدارس وفي الأماكن العامة والأسواق والمجمّعات التجاريّة وحتى دور العبادة في مختلف انحاء البلاد. [https://alwafd.news/%D9%85%D9%86] " لقد اصبح العنف ثقافة إجتماعية يحميها الدستور." وللخارج رصدت أمريكا الميزانيات العسكرية الهائلة لحملات الپروپَگندا.
هذا وقد لفت كاتب عربي انتباهنا الى أنّ الحكومة الأمريكيّة ضخّت باللغة العربية فكرة أن روسيا
هي الإمپرياليّة وليست أمريكا، واقترح عليها أن تشرح لماذا تحتاج الإمپريالية الأمريكيّة إلى 800 قاعدة
عسكرية حول العالم والترويج لوكالة التنمية الأمريكيّة على صفحات التواصل الإجتماعي، اللتين
هما جزء من العملية الظريفة. ثمّ أضاف، "الى أنّها المرّة الأولى التي تعمد فيها وسائل التواصل الى إزالة
https://www.al-akhbar.co m/Last_Page/343805] آثار پروپَگندا الحكومة الأمريكية."
من الحقائق التي ربّما لا يعرفها القارئ العربي، أنّ العبودية نمت بعد قيام الثورة الأمريكية. في وقت الثورة كان هناك مئات الآلاف من العبيد. بعد عقدين من الزمن ارتفع العدد ربّما الى 4 ملايين. لذلك كان هناك توسّع هائل في العبودية، في الحقيقة أبشع نظام من العبودية في التاريخ. "كان هناك قلق عميق. غالبا ما كان عدد العبيد السود يفوق عدد البيض. كان يجب أن تكون هناك ميليشيات مسلحة لإبقاء العبيد تحت السيطرة." ثم يمضي للقول بأنّه، "ربّما تكون الولايات المتحدة واحدة من البلدان النادرة في التاريخ، حيث أنّها كانت في حالة حرب تقريبا في كلّ عام منذ تأسيسها."
أثار المُحاور خلال حديثهما حول حرية التعبير عن الرأي وحرية الصحافة، وبالذات قضية إحتجاز جوليَن أسانج في بريطانيا، واحتمال تسليمه للولايات المتحدة لإجراء محاكمته بتهم عديدة. ذكر أنّ جريمة أسانج هي كشفه عن وثائق سريّة محرجة للغاية، "كان من أهمهّا فديو يعرض طيّارين يتحدثون عن مدى متعتهم في قتل الناس الأبرياء." دافع چومسكي عن أسانج ومضى للقول أنّه يبدو أنّ ما فعله أسانج هو جوهر ما يجب أن يفعله الصحفي الجيّد. "وعمله لا يختلف عمّا فعله الصحفيّون الجيدون، مثل سيمور هِرش حين فضح قصة مذبحة ماي لاي في ڤيتنام وما كشفه بوب وودورد وكارل بَرنشتين من جرائم الرئيس نِكسُن. كما نشرت صحيفة النويورك تايمز مقتطفات من أوراق الپِنتَگون. تُعتبر هذه المحاولات جديرة بالثناء."
تقوم الدنيا ولا تقعد إذا أصيب مستوطِن إسرائيلي بالهلع نتيجة الألعاب النارية، التي تُطلَق من غزة المجاورة. يقوم الإعلام الأمريكي بدوره المرسوم حول شرح وضع السكان المسالمين الأبرياء وتهديدات الإبادة من قبل المتوحشين والذّباحين في دول الجوار، وإقلاق نفوس المسالمين وإزعاجهم في اوقات راحتهم. لقد عاصرت هنا حرب الخليج الأولى وغزو العراق وما جرى في ليبيا وسوريا وما يجري في اليمن، وشهدت تغطية الإعلام الأمريكي المحدودة لجرائم الحرب، التي تمّ اقترافها من قِبل العسكر الأمريكيين ضدّ المواطنين العراقيين والعرب عموما. لقد سمعت وشاهدت تشدقات قادتهم بالإنتصارات "الرائعة" التي حقّقوها والتي قضت على روح الهزيمة ومرارتها منذ حرب ڤيتنام.
بالعودة الى حرية الصحافة وأسانج، في شهر نيسان من عام 2010، أنزلت وِكِليكس على موقع إنترنت يسمى Collateral Murder مشهد فيديو عن ضربة طائرة في عام 2007 قتلت فيها قوات أمريكية مجموعة من المدنيين العراقيين والصحافيين. وبعدها في شهر تموز سرّبت الوِكِليكس يوميات الحرب الأفغانية، وهي مجموعة لأكثر من 76900 وثيقة حول الحرب في أفغانستان لم تكن متاحة للمراجعة العامة من قبل. ثم سربت في شهر تشرين الأوّل عام 2010 مجموعة من 400000 وثيقة فيما يسمى سجلات حرب العراق بالتنسيق مع المؤسسات الإعلامية التجارية الكبرى. حيث سمحت تلك بإعطاء فكرة عن كلّ وفاة داخل العراق وعلى الحدود مع إيران. وفي شهر تشرين الثاني من نفس العام بدأت الوِكِليكس بنشر البرقيات [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%88] الدبلوماسية للخارجية الأمريكية، وهو الأمر الذي سبّب الإحراج الشديد للإدارة الأمريكية.
لقد سُمّي جَوليَن أسانج كأحد اختيارات القرّاء الشخصية عام 2010. وذكر مكتب مفوض المعلومات في المملكة المتحدة بأنّ "الوِكِليكس جزء من ظاهرة على الإنترنَت لها سلطة المواطن". وفي أول الأيام ظهرت عريضة إنترنت مطالبة بوقف ترهيب الوِكِليكس خارج نطاق القضاء واستقطبت أكثر من ستمائة ألف توقيعا. أثنى مؤيدو الوِكِليكس في الأوساط الأكاديمية والإعلامية على تعريضها أسرار الدولة والشركات مطالبين بزيادة الشفافية ودعم حرية الصحافة وتعزيز الخطاب الديمقراطي، وهو ما يمثل تحدّيا للدولة والمؤسسات القوية. [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%88]
تحوّل الحوار بعدها الى ما قام به الحزب الجمهوري منذ السبعينات لنيل اصوات الناخبين في الجنوب الأمريكي عن طريق الإعلان عن موقف مُضادّ للإجهاض، إضافة الى حق المطالبة بحمل السلاح، حتى وصل الأمر أن يكون ترامپ مرشحهم لعام 2016. وبرأي چومسكي، "إنّه سياسي ماهر لم يتمكّن من الفوز بالترشيح فحسب، بل وضع الحزب في جيبه بمهارة نادرة. وبشكل مثير للدهشة، كان قادرا على الحفاظ على دعم الناس وتمايل في كلّ منعطف وبأنّه الرجل الذي يدافع عنهم." ومع ذلك يرى الكاتب الكبير أنّ سياسات ترامپ قاتلة. قد تكون سياسته المناخية بمثابة ناقوس موت إفتراضي، يكاد لا يوجد حديث حولها. كما ليست هناك مراجعة للوضع النووي، الذي قد يؤدّي الى تصعيد التهديد بالحرب النووية بشكل كبير. هذا ليس قيد المناقشة أيضا. وكذا الإحتيال الضريبي، الذي كان مجرّد هدية مزدوجة للأثرياء والشركات، وضخّ الكثير من الأموال في جيوب المعنيين، حسب قوله. [https://studies.aljazeera.net/ar/article/584]

أختُتِمَ الحوار بالحديث عن الشباب الذين تمّ انتخابهم لعضوية الكونگرِس حديثا مثل ألِگزاندرا أوكاسيو كورتَيز وإلهان عمر ورشيدة طلَيب وأيانا پرسلي، وغيرهن من الطلبة الناشطين المراهقين مثل گرَيتا تونبَرگ من السويد وهاڤِن كولمَن من دَنڤَر بولاية كولورادو، والشباب المُشارك في تمرّد مقاومة الإنقراض وحركة الشروق Extinction Rebellion and the Sunrise Movement. إمتدح چومسكي هؤلاء واعتبرهم "حقا أمل المستقبل"، وأشاد بجهود الأعضاء الجُدد لوضع الصفقة الخضراء الجديدة Green New Deal على جدول أعمال الكونگرِس، وأنّ هذه الجماعات قد اخترقت الصمت واللامبالاة بصدد موضوع الطاقة، ووصف ما قاموا به كونه، "إنجازا رائعا".
في النهاية، طرح المفكّر الكبير السؤال عمّا "إذا كان يجب علينا أن نتسابق نحو تدمير حياتنا بالطريقة التي يتبعها ترامپ وإدارته وحزبه الجمهوري وماذا يريدون منّا أن نفعل؟ أو يجب أن نفعل نحن شيئا حيال ذلك بالطريقة، التي تريدها حركة شروق الشمس والتمرّد ضدّ الإنقراض، كما تدعو اليه ألِگزاندرا أوكازيو كورتَيز. هذا هو القرار المطلوب."
أدان الكاتب في مطلع حواره الثاني برامج النولِبرالية، التي أحكمت سيطرتها على اقتصاد البلاد خلال الثلاثين عاما المنصرمة. "وضَعت الثروة في يد قلة من الناس، وجلبت تلك البرامج على عموم الناس الويلات فزادت الوفيات بينهم، خاصّة الذين تتراوح أعمارهم بين 25- 50 عاما، وعاشوا حياة محفوفة بالعوز وضيق ذات اليد." [https://hekmah.org/%D8%A7%D9] لم تعد الحكومة تستجيب لحاجات عامّة الناس. بل اصبح التشريع بيد مُموّلي حملات الإنتخابات ومندوبيهم من جماعات الضغط في أروقة الكونگرِس.
ثم نعى المفكّرچومسكي سقوط أحزاب الوسط الأوروپية، بسبب إجراءات التقشف التي فرضها واقع النولِبرالية لصالح الأحزاب الهامشية ذات الخلفية الفاشية الجديدة، التي ربطها بصعود مرشحين من القاعدة. لقد كشفت موجة الإنتخابات المحلية أو الإستفتاءات الوطنية التي جرت، أو ستجري في عدد من الأقطار الأوروبية، أنّ الناخبين الأوروپيين، الذين اعتادوا طيلة العقود الماضية على دعم وتأييد الأحزاب التقليدية، باتوا أكثر ميلاً، خلال السنوات الخمس الأخيرة نحو الأحزاب "الشعبوية" الصاعدة، مما يعني لبعض المراقبين بداية انهيار للمشروع الأوروپي الموحّد بطموحاته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. كما حدثت
[https://www.alaraby.co.uk/%D9%85] نفس الظاهرة هنا في أمريكا حين برز ترامپ مرشحا للحزب الجمهوري كي يمثله في انتخابات 2016، في حين تساقط أمامه ممثلو مؤسسة الحزب واحدا تلو الآخر. [https://www.alaraby.co.uk/%D9%85]
نجح الشعبوي ترامپ في هزيمة قيادة الحزب الجمهوري وثبّت نفسه مرشّحا للرئاسة، لكنّ التقدّمي بَيرني ساندرز هُزم من قِبل مؤسسة الحزب الديمقراطي. وحدثت هزيمة مماثلة في البرازيل للرئيس التقدّمي لولا دي سِلڤا، الذي "وضعوه في السجن بتهم مشكوك فيها للغاية. وعلاوة على ذلك مُنِع من الإدلاء بأيّ تصريح علني، على عكس القتلة الجماعيين Mass Murderers، فتمّ إسكاته." وتولى الحكم في البلاد شعبويّ آخر باسم جايير بولسُنارو.
إنتقل الحوار الى الحرائق المستعرة في غابات الأمَزون ودور بولسُنارو فيها وما سيجرّه ذلك من الآثار المدمّرة للبيئة والمناخ حول العالم. [https://www.arab48.com/%D8%B9] نُشرت دراسة كبرى أجراها العلماء ومنظمات السكان الأصليين في صحيفة الگارديَن اليوم 6/9/2022. توصلت تلك الدراسة إلى "أنّ التدمير البيئي في أجزاء من الأمَزون بات كبيرا لدرجة أنّ مساحات من الغابات المطيرة قد وصلت إلى نقطة اللاعودة، وقد لا تتمكن من التعافي أبداً." [https://arabicpost.net/%d8%a3%d]
هذا ووفق ما رصدته الأقمار الإصطناعية فإنّ، "أكبر غابة مطيرة على كوكب الأرض، تشهد حرائق مستعرة عادلت خلال أربعة أيام فقط أكثر من ثلثي حرائق شهر أيلول لعام 2021 بمجمله، حين عرفت الأمَزون أسوأ شهر آب منذ 12 سنة". [https://www.alquds.co.uk/%d8%ad%d8]
إنّ تدمير الغابات مقرون بإبادة الأقوام التي تسكنّها منذ الأزل. كشف المؤلف، معزّزا اقواله بالوثائق، أنّ بولسُنارو جاهر بالتخلص من السكان الأصليين، ووجّه اللوم للجيش البرازيلي في القرن التاسع عشر واعتبره "ناعما". لم يفعل مثل ما فعله سلاح الفرسان الأمريكي Cavalry، الذي تمّت على يده تصفية السكّان الأصليين وما اسموهم الهنود الحمر". [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7]. وما كانوا هنودا ولا حُمرا! وهذا أمر يستحق التعريف، بحسب رأي چومسكي. دعا بولسُنارو الى تحويل مناطق الغابات الى مزراع للماشية وفتحها للتنقيب عن المعادن والنفط. بالمناسبة، شاهدته بالأمس وهو يتحدث عن انتخابات الرئاسة القادمة في البرازيل في شهر تشرين الأول القادم، فذكر أنّه إذا خسر، فمعناه أنّ الإنتخابات مزوّرة! ذكّرني هذا بالنرجسي المعتوه هنا، ولا غرابة في الأمر، الشعبويّون الفاشست يتحدّثون نفس اللغة.
نقل المحاور الموضوع للتركيز على قضية التدخّل في إنتخابات الرئاسة "ودور روسيا الضئيل المُحتمل، في حين أنّ امريكا تتدخل علنا في الإنتخابات حول العالم وتُطيح بالحكومات." أرجع چومسكي ذلك الى دور الدعاية الضخمة، [https://gate.ahram.org.eg/News/2955901.aspx] التي خدعت الشعب الألماني بشكل مُذهل في النصف الأول من القرن العشرين. جرّ ذلك الموضوع الى الحديث عن أكاذيب ترامپ اليومية وخلطه المتعمّد لتشويه مفاهيم الصدق والحقيقة، "حتى لا يكون لدى الناس أيّة فكرة عمّا يؤمنون به. إنّها تقنية دعاية فعّالة للغايةّ ولها آثار مميتة." ثمّ مضى المؤلف القدير للتذكير، "بأنّنا نواجه أزمة كبيرة تتمثّل في كارثة بيئية، وجزء كبير من السكان يرفضون ببساطة تصديق ذلك." بعد كلّ شيء يقول رئيسهم كلّ يوم إنّ هذا ليس صحيحا [https://alanbatnews.net/post.php?id=228585] "وهُم يعبدون زعيمهم، الرجل الذي يدافع عنهم، على حدّ زعمه، بينما هو يحرّك معظمهم في كلّ منعطف. لكنّه القائد وعلينا أن نتبعه. إذا قال إنّه لا توجد كارثة مناخية فمعناها لا توجد كارثة مناخية."
نتيجة للكارثة البيئية والمناخية، هناك مخاوف بسبب ذوبان التربة الصقيعية واحتمال اطلاق كميات هائلة من الكاربُن والميثان، وربّما بكتريا عاشت لدهور تحت الصقيع، لا نعرفها وليس لدينا مناعة ضدها أو أدوية لمقاومتها [https://middle-east-online.com/%D9%85] كما هناك كارثة في الإنتظار تهدّد الوجود البشري أيضا، وهي كارثة تهديد الأسلحة النووية. أشار المؤلف الى انسحاب الولايات المتحدة من ثلاث إتفاقيات نووية مع الإتحاد السوفيتي/روسيا، مما يزيد مخاطر احتراق العالم بشرور هذه الأسلحة.
أذهل المفكّر القدير مستمعيه حين صرّح، "لا أرى أيّة مشكلة في وجود قوّة أمريكية رادعة، واعتقد أنّنا يجب أن نكون حريصين على عدم قلب المبادئ. الحياة لا تسمح بذلك." وهو يُبرّر هنا بقاء وحدة من القوات الأمريكية الخاصّة على الشريط الحدودي بين تركيا وسوريا، بهدف حماية المواطنين الأكراد السوريين من غزو الجيش التركي وانتقامه منهم. ذكّر المؤلف أنّ امريكا قد خذلت الأكراد مرّات ومرّات خلال تعاقب إداراتها اعتبارا من فورد الى رَيگِن الى كلِنتُن. لقد ساندت النظامين في بغداد وأنقرة لحدّ أنّ صدام حسين تجرّأ وأحرق حلبچة بالأسلحة الكيمياوية بتاريخ 16 آذار من عام 1988. وألقى رَيگِن حينها باللائمة على إيران! وفي منتصف تسعينات القرن الماضي، ارتكب الجيش التركي مذابح دموية رهيبة ضد الأكراد هناك. وفي ذات الوقت قدّمت إدارة كلِنتُن الدعم العسكري الضخم، الذي فاق سنوات الحرب الباردة بكاملها.
أتى الحوار بعدها الى الحديث عن الإشتراكية والشعبويّة Socialism and Populism. قال چومسكي، "يجب أن أقول إنّي أرتجف عندما اسمع كلمة الشعبويّة المستخدمة اليوم. لا علاقة لها بالشعبويّة التقليدية. الحركة الشعبويّة بدأت بين الفلاحين في تَكسس ثمّ انتقلت عبر الغرب الأوسط، في ولايات كَنزَس وأوكلوهوما ووِسكونسُن، حتى الشمال. كانت حركة كبرى ذات سياسات راديكالية للغاية." تحالفت هذه الحركة مع منظمة فرسان العمل، التي رفعت شعار، "إنّ أولئك الذين يعملون في المصانع، يجب أن يمتلكوها." حين بدأ سحق هذه الحركة في الولايات واحدة تلو أخرى، فرّ اعضاؤها الى كندا، ويرى د. چومسكي أنّهم لعبوا دورا أساسيّا في رسم صورة تقدّميّة للنظام الديمقراطي هناك.
تطرّق الحوار بعدها الى مسألة "تقدّميون باستثناء فلسطين PEP الذي يتجلّى بكونه نوعا من الجوانب المثيرة للإهتمام للمشهد هذا، في بلاد يدافع فيها الكثير من الناس عن سيادة القانون ويُعزّزون حقوق الإنسان ويُمجّدون مبدأ تقرير المصير ويدعون الى الحريّة والعدالة في كلّ مكان، ما عدا فلسطين." وخير دليل على هذا الواقع الغربي ما جرى ويجري منذ بداية الحرب في يوكرَنيا. كشفت هذه الحرب نفاق الغرب الفاضح الممجوج المسيطر على قرار العالم، وكم وكيف أنّ هذا الغرب يكيل بمكيالين تجاه قضايا العالم، وبالذات قضية فلسطين. منذ ما يقارب القرن وفلسطين وأهلها يتعرضون لأبشع صنوف التآمر والعنصرية ومحاولات الإلغاء والقمع المنظم ناهيك عن القتل والتشريد، والعالم صامت، بل ويدعم آلة الحرب الإسرائيلية في حربها على الفلسطينيين. ففي الوقت الذي تكون فيه إسرائيل تدكّ الفلسطينيين بالموت والدّمار، تخرج دول الغرب [https://www.ammonnews.net/article/668234] بكلّ تحيز وعنصرية لتقول إنّه من حقّ إسرائيل أن تدافع عن نفسها.
أثار المحاور مسألة الدولة أم الدولتين لحلّ المشكلة. كان رأي د. چومسكي، "أنّ فكرّة دولة واحدة من نهر الأردن الى البحر الأبيض المتوسط تكفل الحقوق المتساوية للجميع، هذا ببساطة ليس خيارا. يمكنك التحدّث عنه." والسبب أنّ إسرائيل لا تتخلى عن كونها دولة لليهود فقط." وقد قيل، أنّه يمكن أن يكون هناك "نوع من تسوية الدولة الواحدة كإسرائيل الكُبرى، التي تحافظ على سيادة اليهود، لكنّها تسمح بنوع من الدور للفلسطينيين، نوع من دولة الفصل العنصري. هذا ليس جميلا، ولكن ربّما يحدث."
ثم مضي لنقد سياسة BDS ويرى أنّ البديل هو، "أعتقد أنّ التكتيكات الصحيحة واضحة. ينبغي حصرها بالإحتلال وسياسة الحكومة الأمريكية بصدد الأمور التي ذكرتها والتي يمكن تغييرها. حتى مصداقية التهديد ذاته بقطع المساعدات الأمريكية، سيكون لها تأثير هائل. أظن أنّ هذه اهداف مجدية جدّا." وأضاف ملوّحا أنّ الديموقرطية اللِبرالية وحقوق الإنسان وحرية التعبير، أدوات سياسية للتعمية على السياسات الغربية. واليمين يعلم أنّ الهيمنة الإعلامية الغربية واحتكارها لعملية تشكيل تصورات المجتمع الإنساني ترهلّت بشكل لا يمكن بعد اليوم الاحتماء خلفها.
خُصِّص الحوار الثالث لأزمة الجائحة التي عصفت بالبلاد وفي عموم انحاء العالم. حوّل ترامپ المأساة الى قضية سياسية في الداخل والخارج. شنّ حملة غاضبة عاصفة على الصين واتّهمها بالكذب والخداع وفرض عليها زيادة في التعريفات الجمرگيّة. ثمّ استدار واتهم منظمة الصحة العالمية بالتستر على مسؤوليتها في نشر الحقائق الطبيّة بهدف إدانة الصين ومسؤوليتها في عدم إشعار العالم بظهور الوباء قبل انتشاره. ونتج عن ذلك أمره بالإنسحاب فورا ورسميّا من المنظمة. في الداخل أنكر أوّلا الوباء وقال إنّه مجرد وعكة برد شديد ستزول بارتفاع درجة حرارة الطقس. ثمّ أصيب به نفسه فأعلن وجوب إغلاق المحلات والمدارس ودوائر العمل وغيرها لمدة أسبوعين. ثمّ عاد بعدها ورفع الإغلاق لخوفه أن يؤثر على شعبيته والإنتخابات قريبة. وأصرّ على عدم وضع الكّمامات، فوصلت أرقام الوفيات لنحو مليون شخصا. " بادئ ذي بِدأ، الناس الذين يموتون بأعداد كبيرة هم في الغالب من السود والناس الذين ليست لديهم امتيازات مثل الطبقات المحظيّة. [https://www.aljazeera.net/news/politics/2020/10/10]. يمكنك إلقاء اللوم عليهم والقول إنّها المدن المزدحمة ومراكز العفن Centers of Rot والمهاجرون والپورتريكيّون، وكلّ أولئك الأشرار. الظاهرة الغريبة التي طغت على تفكيره هي الإزدراء بالعلم والعلوم من قِبَلِه وقِبَل البطانة المحيطة به. فحين تفتح قناة تلفزيون فوكس، سيقولون لك، "إنّ العلماء هم مجرّد عصابة مخادعة من الأشخاص الذين لا يعرفون شيئا."
الجانب الآخر هو ميزانية البلاد قبل أزمة الكوڤد وخلالها. ماذا كان يوجد في مقترح الميزانية؟ هناك تخفيض للتمويل في بعض المجالات وزيادة في مجالات أخرى. "دعونا نلقي نظرة. ماذا عن المجالات الصحّية؟ قطع قدره 9% لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها. في الواقع، كان ترامپ يقوم بشكل ممنهج قطع تمويل مركز السيطرة على الأمراض كلّ عام منذ توليه منصب الرئآسة. إرتأى في خضمّ الجائحة أن يوقف التمويل أكثر. في الواقع، أيّ شيء متعلق بالصحة أو أيّ شيء يخدم عموم الناس كان في دائرة أيقاف التمويل." ماذا عن الزيادات في هذا التمويل؟ "زيادة الإعانات في الصناعات التي تعمل في ميدان الوقود الأحفوري لضمان أنّ التنظيم البشري للمجتمع Organized Human Society سينتفي خلال جيلين آخرين. لذلك يجب تمويلهم. إنّه الأمر الرائع لتحقيق الأرباح. إنّه دائرتين من قوّة الثروة والشركات. لذا يجب تمويلهما مهما كانت العواقب. وفي الإثناء ألغِ تمويل الآخرين الذين يخدمون الناس فقط وينقذون الأرواح." [https://www.france24.com/ar/%D8%A3%D9] إختتم د. چومسكي ملاحظته عن هذا الرئيس العبثي الطائش بالقول، "هذا ما نتعامل معه. هذا هو المرض الخبيث، الذي تصادف أن يُدير البلد والقطّاع السياسي."
استشهد المحاور بقول د. ستيڤِن بيزرَوكا الذي أشار الى أنّ فقدان الموائل Loss of Habitats وإزالة الغابات Deforestation قد جعل مملكة الحيوان وثيقة الصلة بالجنس البشري. وقد تسبّب ذلك في تحوّرات ڤايرُسات الكورونا. إتفق چومسكي مع هذا التشخيص وأفاد بأنّ، "ذلك بالضبط هو ما حصل في الصين."
ذكّرنا المؤلف القدير بصدد التغيّر المناخي وتخريب بيئة الكائنات، أنّنا في وسط ما يُسمّى "الإنقراض السادس." الإنقراض الخامس حدث قبل 65 مليون عاما مضت، حين ضرب نيزك ضخم الأرض وقتل معظم الحياة على هذا الكوكب. نحن في الإنقراض السادس، وليس يشمل البشر فقط بل حتى الحشرات، التي ستختفي بسرعة. "في الحقيقة، تمّ قياسها ووجِد أنّ غالبية انواعها آخذة بالإنحدار وبعضها إختفى تماما. للتذكير، نحن نعيش على أساس وجود الحشرات، وكذلك العديد من الكائنات الأخرى. إنّه خراب شامل." البشر هم النوع الوحيد القادر على التلاعب بالمحيط الحيوي على نطاق واسع. نحن لسنا مجرد أنواع أخرى تتطور في مواجهة التأثيرات الخارجية. في المقابل، نحن النوع الوحيد الذي لديه خيار واع فيما يتعلق بمستقبلنا ومستقبل التنوع البايولوجي للأرض. "إنّ إنكار الأزمة، وقبولها دون رد فعل، أو حتى تشجيعها [https://arabic.rt.com/technology/1315483] يشكل إبطالا للمسؤولية المشتركة للإنسانية ويمهد الطريق للأرض لمواصلة مسارها المحزن نحو الانقراض الجماعي السادس."
عاد الحوار ثانية لموضوع النولِبرالية وخاصّة دور رَيگِن في تخريب نقابات العمال، وعن كون أنّ من أوائل أعماله تقنين ملاذات الضرائب وعمليات إعادة شراء الأسهم. وقد نتج عن هذا سرقة ترِليونات الدولارات من خزينة الشعب. الملاذات الضريبية تصل الى عشرات الترِليونات من الدولارات. والشعب يدفع ما يستحقّ عليه من الضرائب. أمّا عمليات إعادة شراء الأسهم فتُعدُّ طريقة هائلة لإثراء الإدارة والرؤساء التنفيذيين والمساهمين الأثرياء وفي الوقت نفسه تقويض المؤسسة الفعلية. أعطى المؤلف مثلا على ذلك شركات الطيران وما حصلت عليه من مليارات الدولارات دون تحسين خدماتها.
تحوّل الحوار بعدها الى الظروف التي خلقها انتشار جائحة الكوڤِد في إثراء شركات گوگِل وفَيسبُك وأمَزَون وأپِل ومايكروسوفت. وهي الخمسة الكبار التي تراكمت لديها الثروة الهائلة والقوة جرّاء تضاعف عمليات التسوّق الإلكتروني، وأيضا توسع التقدم في مجال تكنولوجيا المعلومات، خاصّة وسائل مراقبة المواطنين، التي سمّتها د. شوشانا زوبوف، "مواهب المراقبة الرأسمالية." إذا كنت تقود سيّارة، فإنّ السيّارة تلتقط معلومات عمّا تفعله؛ الى أين انت ذاهب وأين توقفت وكلّ شيء متصل بقيادتك لتلك السيّارة. يذهب هذا مباشرة لشركة التأمين الخاصّة بك. لقد وصلنا الى النقطة، التي قد يتمّ فيها تحذيرك، "لقد اجتزت الضوء الأحمر." أنت تفعل ذلك مرّة واحدة لا أكثر وتأمينك آخذ في الإرتفاع. "أو اكتشاف موقعك من قِبل المطاعم الصينية، كأن تتلقى إشعارا يفيد بوجود مطعم صيني على مسافة نصف ميل الى الأمام. هذا لا يبدو سيئا للغاية، لكنّه سيء،" على حدّ قول الأستاذ چومسكي.
أشارت دراسة أجرتها جامعة ساوپالو إلى "أنّ التقنيات الذكية تسمح للإدارة الحضرية بأن تعطي ارشادات وتعتمد على البيانات التي تحصل عليها في الوقت المناسب لتتوقع الأزمات وتحديد فرص تطوير السياسات والإجراءات العامة". وجد الباحثون أنّ تكنولوجيا المعلومات والاتصالات هي أدوات أساسية في الوقاية والحدّ من انتقال وباء الكورونا وعلاجه. ويذكر الاتحاد الدولي للإتصالات بأنّ تكنولوجيا المعلومات والاتصالات "توفر البنية التحتية الرقمية اللازمة لتقديم المعلومات الصحية الأساسية، وتتبع التطورات المتعلقة بالڤايرُس، وتحدّد الأماكن الصحية الحيوية." أظهرت الدراسة التي شاركت فيها الجامعة أنّ زيادة المشاركة الرقمية بين العاملين في الحكومات المحلية سمحت للمدن بمعالجة آثار الوباء بشكل أفضل لتمكن المديرين العموميين من استخدام البيانات المتاحة لوضع خطط عمل [https://www.un.org/ar/138477] ورصد فاعلية هذه الخطط والتحقق منها في الوقت الفعلي.
أختُتِم الحوار بالحديث عن تضحيات "الأطباء والممرضات وفنيي الطوارئ الطبية ومقدمي الرعاية، الذين قاموا بعمل إستثنائي خلال تفشي الجائحة." ولم يفوّت د. چومِسكي الفرصة للثناء على جهود كوبا، التي تُرسل الأطباء الى الخطوط الأمامية في جميع انحاء العالم، "لتعويض ما لا يفعله الأغنياء والأقوياء، وليس هذا بجديد. إنّه يحدث منذ فترة طويلة، ولكن لا يُسمَح لنا أن نلاحظه. هذه هي الرسالة الخاطئة التي تشبه الموقف من وعينا المُحاصَر في قضية مهام مكاتب البريد. غير أنّنا نستطيع أن نتعلّم من الكوبيين."
جرى الحوار الرابع بعد حوالي 5 اشهر من الحوار الثالث وقبيل انتخابات الرئاسة بقليل. وعليه دار حول الوباء وترامپ والإنتخابات. ذكر المفكّر الكبير أنّ جنوب الصين هو المكان الذي كان فيه الوباء على أسوأ حالاته. لدى الصين حدود جغرافية مع ڤيتنام تمتدّ لمسافة 800 ميلا، ولم تظهر في ڤيتنام إصابة بعد. واستمر الحال على هذه الشاكلة لعدة شهور. ثمّ بدأت بعض الحالات بالظهور لكنّها في الأساس لا شيء وتحرّكت السلطات المعنيّة بسرعة لاحتوائها. ويصدق نفس الشيء على شرق آسيا وأوقيانوسيا تماما وبشكل عام. تصرّفت كوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة وتايلاند وأسترَيليا ونوزيلاند بسرعة. واصبح الوضع في كثير من الحالات تحت السيطرة. نفس الشيء كان مماثلا في أماكن أخرى. في السِنِگول بشكل خاصّ لا شيء تقريبا. وفي بلدان أخرى في إفريقيا، تحرّكت السلطات المعنية على الفور، ولم تُسجّل إصابة. إنتظرت أوروپا لبعض الوقت، لكنّها جمعت عزيمتها أخيرا لمواجهة الأزمة بشكل أو بآخر. كانت هناك سيطرة تامة في دول الشمال الى حدّ كبير ومعها ألمانيا. حتّى إيطاليا، التي حلّت فيها الجائحة بشكل خطير، استعادت زمام المبادرة وبدأت السيطرة على الوضع تدريجيا. كانت بريطانيا هي الأسوأ في أوروپا. أمّا الولايات المتحدة فكانت خارج الصورة بشكل سيء للغاية!
السبب في هذا الغياب أنّ ترامپ فتح له عيادة في البيت الأبيض وبدأ يغرّد التشخيصات العلمية والعلاجات الذكيةّ! وهي التي آلت الى وفاة أكثر من مليون مواطنا من كبار السنّ والطبقات الفقيرة من السود والهسپانِك والبيض. "لقد أخذت الإدارة الأزمة وحوّلتها الى مأساة ... بدلا من الإعتماد على الخبرة، استرشدت الإدارة بأقوال قادة الرأي من الدّجالين غير المطلعين، وحجبت الحقيقة وسهّلت إصدار التصريحات الكاذبة المتتالية."
إنسحب ترامپ من مجلس التعاون لتطوير اللقاحات وتوزيعها بشكل عادل يؤمن وصولها الى كافة مناطق الحاجة اليها. كما انسحب من إتفاقية مؤتمر للأمم المتحدة في باريس حول المناخ والمحافظة على التنوع البايولوجي وإيقاف عمليات تخريب البيئة الحاضنة لمختلف الكائنات، لكونها تسقط الحدّ القائم من الإتصال بين البشر وتلك الكائنات ممّا يساعد على انتشار الأوبئة. هذا إضافة الى انسحابه المُشين من منظمة الصحة العالمية بعد اتهامها بأنّها منحازة الى الصين وتتستّر على أكاذيبها حول نشأة وباء الكوڤد وانتشاره.
أخبرنا الكاتب القدير أنّ الإعلام العام قد فشِل في تغطية واقع الوباء واقتصر الحديث عنه في المجلّات المتخصّصة الطبية والعلمية فقط، في حين كان يجب أن تتمّ التغطية على المستويين المحلي والعام، ليعرف الناس حقائق الأمور. ثمّ مضي ليقول، "ما زلنا في قبضة المنطق الرأسمالي واللِبرالية الجديدة المتوحّشة. ما زلنا في أيدي القيادة المتطرفة الحاقدة." عقّب على تلك النقطة بالإشارة الى زعماء امريكا والبرازيل والهند قائلا، "قد يكون أسوأ ثلاثة في القيادة هم أولئك الذين ذكرتهم؛ ترامپ ونسخته في البرازيل بولسُنارو، والبرازيل ثاني أكبر دولة في نصف الكرة الأرضية. وثالثهم هو مودي رئيس أكبر ديمقراطية في العالم، أو يجب أن اقول الديمقراطية سابقا. البلد الآن في يد الوحش الذي يحاول تدمير بقايا الديمقراطية الهندية. وفي غضون ذلك قتل اعدادا هائلة من الهنود وحوّل الهند الى دولة عرقيّة هندوسيّة قومية وسحق حقوق المسلمين ودمّرهم، كما نلاحظ في كشمير." [https://arabic.rt.com/press/1357704]
إنتقل الحوار للحديث عن الدستور الأمريكي وكيف كان وثيقة تقدمية في حين صدوره وكيف اصبح الآن رجعيا بفعل ما نراه من ممارسات مجلس الشيوخ والمحكمة العليا. "في القرن الثامن عشر، كان الدستور وثيقة تقدّميّة. الآن هو رجعي جدّا." ثمّ جرى الحوارعن ماديسُن. "كان يفهم ما كان يفعله. كان ماديسُن مثل بقية الآباء المؤسسين عموما، خائفا جدّا من الديمقراطيّة، فأراد تكبيلها. كان من المُقرّر أن يكون مجلس الشيوخ هو مجموعة صنع القرارات الرئيسية في النظام الدستوري. وكان من المقرّر أن يتكوّن، على حدّ تعبير ماديسُن ممن يملكون "ثروة الأمّة،" أي من أولئك المتعاطفين مع اصحاب الأملاك وحقوقهم. هؤلاء هم من ينبغي أن يديروا شؤون الحكم في البلاد." والسؤال الذي قد يخطر على البال هو من هذا المسمّى ماديسُن؟
الإسم الكامل هو جيمس ماديسُن الابن (‏ (6 آذار 1751 – 28 حزيران 1836 )، رابع رئيس [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AC%D9%8A] للولايات المتحدة للفترة من 1989- 1817). وعرف بأبي الدستور. لعب دورا هاما في وضع دستور الولايات المتحدة عام 1787 بالتعاون مع ألگزندَر هامِلتُن وجون جَي، وكان من بين الزعماء الرئيسيين المؤيدين لمغزى الدستور في الصحف الفيدرالية في عام 1788. قام بإنشاء الحزب الجمهوري الديموقراطي في منتصف التسعينات من القرن الثامن عشر بالتعاون الوطيد مع تومَس جَفِرسُن وأسس حركة Grass Roots ذات النشاط السياسي التي انتصرت في انتخابات عام 1800، ويُشار إليها بثورة 1800. قام بمضاعفة مساحة الدولة عندما أنجز صفقة شراء ولاية لويزيانا من فرنسا أثناء توليه منصب وزير الخارجية. وعندما أصبح رئيساً أعلن الحرب على بريطانيا التي عُرفت في بريطانيا بحرب 1812 أو الحرب الأمريكية التي انتهت عام 1815 وسادت بعدها البلادَ روحٌ قومية. [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AC%D9%8A]
ولد بولاية ڤرجينيا، وكان أكبر أشقائه الإثني عشر وأحد السبعة الذين عاشوا حتى وصلوا مرحلة البلوغ. كان والده الكولونيل جَيمس ماديسُن الأب ووالدته نيلي كونواي ماديسُن من مالكي العبيد ومن الملاك الأثرياء لمزارع التبغ في مقاطعة أورَنج بولاية ڤرجينيا. أمضى صاحبنا معظم سنين طفولته وتربى على مبادئ الكنيسة الإنگليزية (الأسقفية الپروتِستانتية) وعاش حياة زراعية بفضل جده الأكبر جَون ماديسُن الإبن، الذي استفاد من نظام تقسيم الأراضي بولاية ڤرجينيا، حيث سُمِح له بجلب العبيد للعمل في أرضه، وهو ما ساعده على تجميع مساحات كبيرة من الأراضي، فكان كأسلافه مالكا للعبيد.
في عام 1769 ترك الزراعة والتحق بكلية نوجَيرزي، التي أصبحت تعرف فيما بعد بجامعة پرِنستُن. وقد أنهى دراسته في سنتين بدلاً من أربع سنوات، حيث أجهد نفسه بالعمل الإضافي كي يحقق هذا الإنجاز. وبعد التخرّج عمل في الهيئة التشريعية للدولة من عام 1767 حتى 1779حيث أصبح معروفا كتابع لتومَس جفِرسُن ومحميّاً بنفوذه، وبهذه الصفة أصبح من الأعضاء البارزين سياسيا في ولاية ڤرجينيا. لقد ساعد في وضع مسودة لإعلان الحرية الدينية في الولاية وأقنعها للتخلي عن المناطق الشمالية الغربية للمجلس القاري، التي أصبحت فيما بعد تعرف بولايات أوهايو وإنديانا وإلينوي. ولكن سرعان ما أثيرت مخاوفه اتجاه هشاشة الوثيقة الكونفدرالية، فقد كان من المؤيدين بشدة لوضع دستور جديد أثناء انعقاد المجلس الدستوري بمدينة فيلادلفيا عام 1787. أصبحت مسودته لخطة ڤرجينيا ونظامه الثوري الفِدرالي ذي الفروع الثلاثة، القاعدة التي وُضِع على أساسها الدستور الأمريكي الحالي. ومن أجل الإسراع في التصديق على هذا الدستور انضم إلى ألگزندَر هامِلتُن وجون جَي في كتابة الصحف الفِدرالية التي أصبحت التفسير الوحيد للدستور بين التشريعيين والدارسين. وكانت المقالة العاشرة التي كتبها هي المقالة التي استُشهِد بها كثيرا والتي فسرت كيف يمكن لِبلد كبير ذي اهتمامات متنوعة وأحزاب مختلفة دعم النظام الجمهوري بصورة أفضل من بلد صغير تهيمن عليه اهتمامات خاصة محدودة، حتى أصبح تفسيره للدستور الجزء الرئيسي الجامع للآراء السياسية الأمريكية [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AC%D9%8]. وعندما كان يعمل كنائب في المجلس القاري للفترة من 1780 لغاية 1783عُرِف بأنّه رجل المهام التشريعية الشاقّة وسيد المهام البرلمانية الخاصة.
أختتِم الحوار الرابع بالعودة للحديث عن انتخابات عام 2020 الرئاسية، فذكر المفكّر القدير أنّه ستكون لعنة لو اصبح نصيب الأمريكيين 4 سنوات أخرى من حكم ترامپ. خسر هذا الإنتخابات، فاستعان بحكّام الولايات الجمهوريين يطلب العون لمناصرته. وحين فشل حاول اقناع وزير العدل في حكومته، بأن يصرّح فقط، "إنّ الأنتخابات قد شابها شيء من التلاعب، واترك البقية عليّ وعلى أعضاء الكونگرِس". وحين لم يستجب الوزير، بدأ يضغط على نائبه بأنْ يؤجل عملية الإعلان الروتيني لنتائج الإنتخابات أمام اعضاء الكونگرِس في يوم 6 كانون الثاني. واخيرا وفي ساعة انعقاد الجلسة المقرّرة لذلك،عقد مهرجانا عاما أمام البيت الأبيض وطلب من أنصاره من الميليشيات المسلحة وغيرهم من المواطنين أن يتوجّهوا الى مبنى الكونگرِس لإيقاف عملية إعلان نتائج الإنتخابات بالقوّة. اقتحم هؤلاء المبني وجرى ما جرى أمام كامِرات مراسلي الإذاعة والتلفزيون، وهم يعدّون تقاريرهم عن هذا التطوّر الغريب! كان ذلك في رأيي محاولة إنقلاب فاشلة جرت نتيجة تشبثّ ترامپ للبقاء في الرئاسة. بعيدا عن الأصوات التي تمنحها الولايات بالانتخابات الأمريكية أو ما يُعرف بأصوات "الهيئة الانتخابية" حيث يلزم المرشح 270 صوتا للفوز بسباق الرئاسة، شهدت الأصوات الشعبية بالإنتخابات الأمريكية أرقاما قياسية مع استمرار عدّها. تقدّم جو بايدن بما يقرب من5.1 مليون صوتا على الرئيس الأمريكي ترامپ في مجموع أصوات بلغ عددها 77.443.861 صوتا [https://arabic.cnn.com/world/article/2020/11/12/biden-trump-2020] مقابل 72.293.492 صوتا لصالح ترامپ. أمّا على صعيد النسبة فإنّ بايدن بهذه الأصوات حقق 50.8% من الأصوات الشعبية مقابل 47.4% لترامپ. ومع ذلك لم يتقبّل ترامپ الهزيمة لأنّه نظر الى فوزه بمنصب الرئاسة عام 2016 على أنّ الأمر مسألة ملكية خاصّة. فالبيت الأبيض "مكتبي" وجنرالات الجيش "جنرالاتي" والوثائق الرسمية السرية وغير السريّة هي "وثائقي". ذكّرني هذا بالقول السائد عن، "الدولة أنا وأنا الدولة!"
لم يعترف ترامپ بنتائج الإنتخابات "المزوّرة" وترك البيت الأبيض غاضبا ونقل معه 42 صندوقا من الوثائق الرسمية بعضها "سريّ" والآخر "سري للغاية"، بما فيه معلومات عن خطط التسلح النووي لأحد البلدان، أعتقد أنّ المعنيّ هو إيران. صحيح أنّه انتقل الى فلورِدا، لكنّه ما زال حاضرا على المسرح السياسي والإعلامي كلّ يوم تقريبا. وفي كلّ يوم لا زلنا نراه على شاشات التلفزيون ونسمع تعليقاته الفجّة السخيفة وهو يؤيد أو يشجب هذا أو ذاك من المرشحين، أو يتعرض للقضايا الأخرى الجارية الآن مثل الحرب في يوكرَينيا وغيرها. ومن المصادفات أنّ زميله في الحركة الشعبويّة، جايير بولسُنارو في البرازيل، والذي يطلق عليه لقب "ترامپ الإستوائي" قد استبق نتائج الإنتخابات، التي جرت اليوم الأحد الموافق 2/10/2022. أعلن مقدما أنّه إذا لم يفز فلن يعترف بنتائجها لأنّها خضعت للتلاعب والتزوير، مردّدا كذبة زميله الشعبويّ الآخر القابع في قارة أمريكا الشمالية. كان من المتوقع في البرازيل اليوم فوز اليسار بشخص الرئيس السابق لولا دي سيلڤا، الأكثر شعبية في تاريخ البلاد. ولكن لم يحصل أيّ من المتنافسَين على نسبة +50%، وبموجب الدستور سيُعاد إجراء الإنتخابات ثانية في نهاية الشهر الحالي 30/10/2022.
بولسُنارو هذا نقيب سابق في الجيش، وقد عيّن عددا كبيرا من أفراد الجيش السابقين في مناصب بحكومته، وهو واضح في تصريحاته في السلطات المدنية في حال خسر الانتخابات، التي شكك في نتائجها مسبقا، وكذلك في أيّة قرارات قضائية أو نيابيّة في الموضوع، قائلا إنّ القوات المسلحة "لن تقبل القرارات السخيفة من المحكمة العليا أو الكونگرس" البرازيليين. بولسُنارو ، مثل ترامپ ، لا يرغب في التخلّي عن السلطة، ورغم تفوّق منافسه اليساري، الرئيس الأسبق، ايناسيو لولا دي سيلڤا، في الجولة الأولى من الانتخابات، فإنّ النتائج التي حققها بولسُنارو ، وقدرت بحوالي 43,23٪ من الأصوات (مقابل 48,4٪ لخصمه) لم يتغيّر هجومه على نظام الانتخابات، مطالبا بانتظار ما ستسفر عنه "تحقيقات الجيش"!
وكما ذكر أحد الكتّاب العرب، فإنّ هذه الوقائع، تتشابه في سيلانها جغرافيا من بلد إلى آخر، حسب نظرية الأنابيب المستطرقة، حيث يتوازن "السائل" عند المستوى نفسه بغضّ النظر عن شكل وحجم الأنبوب الذي يحويه. وعليه يؤدي دعم أمريكا، ذات النظام الديمقراطي (!)، لأنظمة دكتاتورية (أو نظام احتلال استيطاني مثل إسرائيل) إلى قيام الدكتاتوريات بردّ الجميل، حيث تساهم هذه في تدعيم الاتجاهات اليمينية المتطرفة في أمريكا نفسها، التي تقوم بقيادتها وتعزيزها في أوروپا وبقاع أخرى، حتى تصطدم، فجأة، بنتائج أفعالها، على شكل ما يحصل في يوكرَنيا حاليا! [https://www.alquds.co.uk/%d8%a3%d9%85]
أثيرت في مطلع الحوار الخامس الذي جرى بعد 7 اسابيع من إنتخابات الرئاسة، مناقشة مفهوم "الفكرة التي تسمعها في بعض الدوائر عن الحريّة الفرديّة مقابل المسؤولية الجماعية؟" ذكر المفكّر القدير، "الحرية الفردية هي فكرة غريبة في موقف مثل هذا. هل لديك الحريّة أن تقود سيّارتك على الجانب الأيسر من الطريق؟ إذا كنت تشعر بذلك، هل لديك حريّة في الركض في مراكز التسوّق وإطلاق النار من بندقية اوتوماتيكية هجوميّة؟ ماذا يعني الذهاب الى مكان عامّ دون ارتداء كمّام؟ هذا يهدّد حياة الناس الآخرين بشكل جدّي. هذا ليس حريّة فرديّة، بل ترخيص غير مقبول. لا أحد يقبل الأشياء التي وصفتها. إذا كنت تريد اختيار عدم لبس الكمّامة، لا بأس في ذلك. ولكن إبقَ في منزلك ولا تقضي على الآخرين!"
تحوّل موضوع اللقاحات الى مسألة سياسية، برأي د. چومسكي، الذي أفاد بالقول، "ولكن يبدو لي أنّ الإختبارات متقدّمة جدّا في الصين وقد تمّ أخذها على محمل الجّد من قِبل علماء في الولايات المتحدة، ولكن دون أن نسمع عنها. لن يكون لقاح الصين متاحا هنا حتى إذا نجح." وطالب بأنّه، "يجب ألّا يكون هناك احتكار للقاحات."
لقد تحولَ هذا الڤايرُس، بسبب انتشارِه السريع المشابه لسرعة انتشارِ الصوت، من وباءٍ صحي إلى وحشٍ سياسي. في الولايات المتحدة على سبيل المثال؛ كان الرفضُ المتكرّرُ للرئيس الأمريكي، دونَلد ترامپ، لتسميةِ الڤايرُس باسمه، بل والإِشارة إليه بأنّه "الڤايرُس الصيني" يدللُ على مدى عمق البعد السياسي [https://strategiecs.com/ar/analyses/coronavirus-becoming-a-political-behemoth]
الذي تغلغلَ في هذه الأزمةِ العالمية. بفعل سوقيته الرخيصة وعنصريّته الفجّة الكريهة وخبثه الجليّ، حوّل ترامپ الوباء الى خصومة سياسية على المستويين، العالمي مع الصين والمحليّ مع الحزب الديمقراطي.
كانَ خطابُه يسيرُ جنباً إلى جنب معَ أولئكَ الذين انضموا إليه في اتهامِ عاداتِ الصينيين بالتسبب في ظهورِ الڤايرُس. وقد كان ذلك بمثابة الدليل القاطع الذي يحتاجُه الرئيس الصيني، شي جن بِنگ، لحشدِ البلاد خلفه. إذ منحَه "رهابُ الأجانب" هذا منصة مثالية للقضاء على المدّ المتزايد بينَ النخبِ المتحضرة التي تنظرُ إلى الغربِ بعين الإعجابِ وربما الحسد؛ حيثُ استخدمَ هذه الاتهامات بذكاء، وتلاعبَ في معناها ليُثبت للشعب الصيني، الذي جلس لإلقاء المحاضرات عليه حقيقةَ ما يفكر فيه بقيةُ العالم بهم، "وكيف تركَهم لإنقاذِ أنفسهِم دونَ تقديمِ أيّة مساعدة، بل وأساءَ معاملتهم." ذكرّ د. چومسكي أنّه قرأ تقريراً صادراً عن مركزِ أبحاثٍ بريطاني يطالبُ الصينَ بتعويضاتٍ عن الخسائر التي لحقت بالعالم نتيجَة هذا الڤايرُس الذي خرجَ من عندها، "وهذه أيضاً معركة قانونية واقتصادية كبيرة ربما تريد من خلالها بعض دول الغرب، إنْ كانت جادّة، مصادرةَ الإستثمارات والأموال الصينية في كلّ من أوروپا وأمريكا."
دار الحوار بعدها حول موضوع تطوير اللقاحات وتوزيعها بشكل مجّاني، رغم مشكلة ظاهرة معاداة أخذ اللقاحات، لأنّها خدعة والوباء خدعة والإحتباس الحراري خدعة وزيادة مشاعر عدم الثقة بالحكومة في تزايد ملحوظ. "نحن نعيش في بلد حيث أنّ جزء كبيرا من السكّان في حالة إنكار شديد، رغم أنّهم محاطون كلّ يوم بالوفيّات من حولهم. إذا كنت تستطيع تصديق استطلاعات الرأي، ستجد أنّ أكثر من ثلاثة ارباع الجمهوريين يعتقدون أنّ الإنتخابات مسروقة، وتعتقد نسبة ضخمة منهم أنّ الإحتباس الحراري ليس مشكلة خطيرة. هذه مشكلة غير عاديّة. إنكار الوباء أمر في غاية الأهميّة."
بخلاف الرأي السائد، يقول المفكر أنّ ترامپ قد خسر الإنتخابات، لكنّ الديمقراطيين سجلوا خسارة أكبر على كافة المستويات، "مثل الكونگرِس والمجالس التشريعية للولايات والإنتخابات المحليّة، ... إنّ الديمقراطيين قد خسروا، وكانت خسارتهم شديدة،" حسب قوله. ثم يمضي للقول بإنّه، "صحيح أنّ التخلص من ترامپ إنتصار كبير، لكنّه لن يعني كثيرا إذا لم تتمكن من تنفيذ السياسات الموضوعية والتعامل بشكل فعّال مع الأزمة الهائلة الموجودة."
وعن المحكمة العليا ذكر المؤلف الكبير أنّ الصراع استمرّ عبر تاريخ الولايات المتحدة لكسب المزيد من الحقوق للجميع بكافة انواعها واشكالها. ".... كانت المحكمة العليا في الغالب الى جانب اصحاب الثروة والسلطة. هذا ليس صحيحا تماما، إذ كانت هناك فترات راحة، رغم أنّها واقعيّا مؤسسة محافظة." في الحقيقة، لا يقول الدستور أيّ شيء عن حقّ المحكمة العليا في المراجعة القضائية ولها صلاحية إلغاء التشريعات. وحسب ما ذكر المؤلف أنّه، "تمّ إقرار هذه الأمور من قِبَل المحكمة العليا ذاتها وقت ترأسها جون مارشَل بعد تأسيسها بسنوات في عام 1803. جرى منحها تلك الصلاحيّات، لكنّ الصراع ظلّ قائما."
المحكمة العليا هي أعلى محكمة في القضاء الفدرالي للولايات المتحدة الأمريكية. تتمتع المحكمة
بولاية قضائية نهائية، وتقديرية إلى حد كبير، على جميع قضايا المحاكم الفِدِرالية ومحاكم الولاية التي تنطوي على نقطة من القانون الفِدِرالي. كما تتمتّع بولاية قضائية أصيلة على نطاق ضيق من القضايا. وعلى وجه التحديد؛ جميع القضايا المؤثرة على السفراء والوزراء والقناصل العامين الآخرين، وتلك القضايا التي تكون الدولة طرفًا فيها. تتمتع المحكمة بسلطة المراجعة القضائية، والقدرة على إبطال قانون عند انتهاكه أحد أحكام الدستور، بالإضافة إلى قدرتها على إلغاء التوجيهات الرئاسية عند انتهاكها إمّا للدستور أو القانون الوضعي. ولا يجوز لها التصرف إلّا في سياق القضايا ضمن المجال القانوني المختصة فيه. يجوز للمحكمة أن تفصل في قضايا لها دلالات سياسية، [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9] لكنّها قضت بأنّها لا تملك سلطة البت في مسائل سياسية غير قابلة للتقاضي.
إستشهد المحاور بما قاله المفكّر هَورد زِن من أنّه، "سيكون من السذاجة الإعتماد على المحكمة العليا للدفاع عن حقوق الفقراء والنساء والملوّنين والمُنشقّين على اختلاف انواعهم. لا تتحقّق هذه الأهداف إلا إذا إنتظّم المواطنون واحتجّوا وتظاهروا واضربوا وقاطعوا وتمرّدوا وانتهكوا القانون من أجل تحقيق العدالة." وتعقيبا على تعليق زِن، يرى د. چومسكي "أنّ النضالات تتواصل باستمرار، وسوف تستمر في العالم الى ما بعد الجائحة. إنّه صراع طبقي راديكالي، وعنصر واحد في النضال سيقاتل دائما وهو عالم الشغيلة. لقد تمّ تجميد العمّال، لكنّهم لا يتوقّفون أبدا. لم يتوقفوا خلال الصفقة الجديدة واستمرّوا. وما لم يشارك العمال ومعهم عامّة السكّان في الصراع الطبقي، فإنّهم سيتلقون طعنة في الرقبة."
حولّ المحاور بعدها مجري الحديث ليتناول كيف "بدأت الولايات المتحدة العام الجديد باغتيال الجنرال الإيراني قاسم سُليماني، وكيف اختُتِم العام تقريبا باغتيال العالم الإيراني محسن فخري زاده، ربّما على يد إسرائيل." إستشهد بمقال نشره دَيڤِد سِنگَر في صحيفة نو يورك تايمز، "إنّه اغتيال ... يهدّد بشلّ جهود الرئيس المُنتخب جوزِف بايدِن لإحياء الإتفاق النووي الإيراني، قبل أن يتمكّن حتى من بدء دبلوماسيته مع طهران." وواصل القول، "وقد يكون هذا هو الهدف الرئيسي لعملية الإغتيال،" إشارة الى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامِن نَتنياهو. كتب سِنگَر بأنّ لدى نَتنياهو أجندة ثانية؛ "يجب ألّا تكون هناك عودة الى الإتفاقية النووية السابقة." لم يأت سِنگَر على ذكر أنّ إسرائيل نفسها تمتلك ترسانة من الأسلحة النووية أو أنّ هذا الإغتيال هو مثال آخر على انتهاكها للقانون الدولي. ثمّ سأل المحاور د. چومسكي، "ما الذي يحدث للعلاقات الأمريكية الإيرانية في هذه الفترة الإنتقالية؟ هل ترى خطر اندلاع حرب أوسع نطاقا؟" ردّ المؤلف القدير، "أعتقد أنّ هذا التحليل معقول للغاية. يبدو كما لو بالنسبة للبعض في الوقت الحالي، أنّ إدارة ترامپ/پومپَيو تحاول استفزاز إيران لتقوم بعمل ما يكون ذريعة لإعلان هجوم أمريكي خاطف عليها."
إفتتح د. چومسكي حواره السادس بالقاء المسؤولية على الجيل الحالي بالقول إنّه، "سيقرّر فيما إذا كان المجتمع البشري سيمضي قُدُما بأيّ شكل منظّم، أو إذا كنّا قد وصلنا الى نقطة التحوّل التي لا رجوع عنها. ونحن ندور في كارثة كاملة ونفس الشيء مع التهديد المتزايد للأسلحة النووية، لا يوجد بديل لاتخاذ القرار الآن." وليست هذه المسؤولية أمرا غريبا، لأنّ الجيل الجديد سيشهد ضعف عدد حرائق الغابات، وأكثر من 1.7 مرة عدد الأعاصير المدارية، و3.4 مرة في عدد فيضانات الأنهار، و 2.5 مرة من عدد تراجع المحاصيل و2.3 مرة في عدد حالات الجفاف، مقارنة بأيّ شخص ولد عام 1960. وهذه الدراسة هي نتيجة جهد هائل لتحديد ما يسميه المؤلف الرئيسي لها، وليَم تيَري، "عدم المساواة بين الأجيال" بسبب تغير المناخ. تمضي الدراسة [https://www.alhurra.com/varieties/2021/09/28] للقول إنّ اطفال اليوم سيواجهون ثلاثة أضعاف عدد الكوارث التي عاشها اجدادهم. وأضاف معدّ الدراسة، "يتعرض الشباب لأزمة المناخ، لكنهم ليسوا في وضع يسمح لهم باتخاذ القرارات، في حين أنّ الأشخاص الذين يمكنهم إجراء التغيير لن يواجهوا العواقب المترتبة عن التغير المناخي." ويجب التذكير دائما، بأنّه لا شكّ أنّ الجهل والغباء يتمثّل في الظاهرة الغريبة لرفض تلقي لقاحات الجائحة.
إنتقل الحوار بعدها ليكون درسا قصيرا في تاريخ الصراع خلال الثورة الإنگليزية في القرن السابع عشر وكيف انتصر البرلمان الممثل للتجار وأرباب المصانع على الملك وعلى عامّة الناس، الذين هبّوا في حركات للمطالبة بتوفير الخدمات الصحية المجّانية الشاملة والتعليم العام. "وفي النهاية تمّ سحق تلك الحركات، وأعيد تمثيل هذا بعد سنوات في الولايات المتحدة من خلال وضع دستور البلاد."
بمثل تلك الأجواء وُضِع الدستور الأمريكي. لقد نظر واضعوه من الآباء المؤسسين الى عامة الناس بأنّهم أغبياء وجهلة لدرجة أنّه لا يمكن حتى تركهم لإدارة شؤونهم الخاصّة. إنّهم غير قادرين ويجب أن يُسيطر عليهم بسبب ما أسماه نيبور "الأوهام الضرورية" و"المبالغة في التبسيط عاطفيّا،" وإبقائهم في أماكنهم. ضعهم في أماكانهم، كما قال لِپمَن. إنّهم "متفرجون" وليسوا "مشاركين" وهذا دورهم الذي من المفترض أن يلعبوه. وفي كلّ اربع سنوات إختر واحدا أو أكثر من الرجال المسؤولين لقيادتهم، ودع العامّة يعودون الى شؤونهم الخاصّة ولا يزعجوننا. نحن الرجال المسؤولون، نحن يجب أن نكون "بمنأي من دوس القطيع الحائر وضجيجه." لا ينبغي، كما قال لاسويل، أن تتغلّب علينا "الديمقراطية الدوگماتية" حول قدرة عامّة الناس في السيطرة والعمل من أجل مصالحهم الخاصّة. إنّهم في غاية الغباء والجهل، وينبغي علينا إدارة شؤونهم. هذا، برأي د. چومسكي هو محتوى الدستور الأمريكي والديمقراطية الزائفة التي أرسيت عليه، والتي يباهون العالم بأصالتها وتميّزها وانفرادها وكونها نموذجا يُحتذى به في العالم أجمع!
حين أثار المحاور مسألة أحداث 6 كانون الثاني، لم يتردّد المؤلف الكبير في وصف ما جرى بأنّه كان محاولة انقلابية فاشلة ضدّ الرئآسة المنُتخَبة، والمشاركون فيها خليط. "كان من اللافت للنظر أنّهم جميعا من مؤيدي ترامپ المتحمّسين. قام بتحريضهم ويبدو أنّهم جميعا يؤمنون بقوّة أنّ الإنتخابات قد سُرِقت وأنّ بلادهم تُسرق من قِبل قوى الشّر." يعتقد المؤلف أنّ جزء كبيرا من البلاد يدعم الهجوم، وذكر، "في الواقع زادت شعبيّة ترامپ بعد تحريضه على محاولة الإنقلاب." الى حدّ ما، إذا نظرت للصور، ستجد أنّ هناك عدد قليل جدّا من الشباب، وهذا غير عادي تماما. الأحداث والمظاهرات السياسية عادة ما يكون الشباب في طليعتها. كان هؤلاء في منتصف العمر وبينهم حتى كبار السنّ."
يعمل الحزب الجمهوري بموجب فكرة الديمقراطية التأسيسية الأمريكية بأنّ الحكم ينبغي أن يكون محصورا في طبقة الإثرياء ومالكي الأراضي. وبموجبه فإنّ الولايات التي يسود فيها الحزب بموجب حاكمية الولاية ومجالسها التشريعية، يسعى لحرمان الفقراء والجهلة والأقليات من التصويت. يُعد الاسترضاء أسوأ استجابة على الإطلاق. في كثير من الأحيان، يغضُّ السياسيون في الديمقراطيات ابصارهم عن تجاوزات أسلافهم، على أمل أن يتمكن المرء من بناء مستقبل أفضل فقط من خلال نسيان الماضي. لكنّه في غياب المُحاسبة عن جرائم الماضي المُرتكبة ضد النظام نفسه، فإنّ الديمقراطية الدستورية ستنهار في نهاية المطاف. [https://www.project-syndicate.org/commentary/trump-republican-attacks]
لهذا السبب لا يمكن غضّ الطرف ببساطة عن محاولة الحزب الجمهوري تقويض مصداقية الانتخابات، وهي الآلية النهائية للمساءلة الديمقراطية. في الواقع، يساعد فشل أمريكا في معالجة مظالم الماضي، بما في ذلك إخضاع الشعوب الأصلية، والعبودية، والعنصرية، وحرمان الفقراء والمهاجرين والسجناء من التصويت، لتفسير سبب تراجع الثقة في المؤسسات الديمقراطية في المقام الأول. هذا خاصّة وأنّ المؤسسات الأمريكية عُرضة للهجمات بعد أن أصبحت هشة.
كان هناك انقلاب عسكريّ أطاح بحكومة مانول زيلايا المعتدلة في هُنداورَس ونصّب زمرة عسكرية للحكم واعاد السلطة الى أيدي فائقي الثراء من الطبقة الأوليگاركية وحوّل البلاد الى واحدة من عواصم القتل في العالم. بدأ الناس عندها بالفرار خوفا على أرواحهم. "هذ هو المكان الذي جاءت منه قوافل المهاجرين. هل يمكن أن نوقفها؟ المشكلة لم تكن القوافل، بل العنف والقمع الذي كانوا يفرّون منه". في حين أدان نصف الكرة الأرضية الإنقلاب العسكري [www.lebanese-forces.com/2009/06/28/52400]، إيّده أوباما ومعه هِلَري كلِنتُن. في الحقيقة، كنا في البلاد العربية نراقب الخراب الذي جلبه الربيع العربي للمنطقة بتأييد مطلق من أوباما وكلِنتُن ذاتهما، ولم نلتفت لجرائم الولايات المتحدة في أمريكا الوسطى والجنوبية، وما خلقته من ظروف جعلت الناس تفرّ من بيوتها ومزارعها طلبا للنجاة بأرواحها في أيّ مكان آخر. ومن هنا بدأت قوافل المهاجرين تتجه شمالا نحو حدود الولايات المتحدة الجنوبية.
من المفارقات أنّ قوافل المهاجرين من أمريكا الوسطى والجنوبية تموت عطشا للماء في الصحارى الشاسعة الممتدة بين جنوب الولايات المتحدة وشمال والمكسيك. أمّا قوافل المهاجرين الأفارقة ومن تعساء الشرق الأوسط المتجهة الى أوروبا فتموت غرقا في مياه البحر الأبيض المتوسط وبحر إيجة. خلص الحوار السابع الى الإستنتاج بأنّ، "الشيء الوحيد الذي يمكنك قوله عن سياسة الولايات المتحدة مقارنة بالإتحاد الأوروپي، هو أنّ الأخير يتبع سياسة أسوأ وأكثر قسوة وساديّة لمنع الناس من الفرار من النايجر وغيرها من أماكن القارة الإفريقية ومن القسم الأوروپي من تركيا. وغني عن القول أنّ سجلّ بلدان أوروپا شنيع للغاية فيما يتعلق بالمهاجرين من إفريقيا والشرق الأوسط. لا حاجة بنا لمراجعة هذا السجلّ. لذا نعم، أوروپا أسوأ ولكنّ هذا ليس عذرا لنا. علينا أن نضع حدّا لهذه السياسة."
بدأ الحوار السابع بالتركيز على توفّر اللقاحات واحتكار الدول الغنية لها وهذا برأي د. چومسكي "ليس فقط غير أخلاقي للغاية، لكنّه إنتحاري أيضا. وهم يعرفون ذلك. إنّهم يعلمون أنّه إذا لم تحصل البلدان الفقيرة على اللقاحات بسرعة، ستكون هناك طفرات، مثل طفرة دلتا Delta mutation." هذا وكانت منظمة الصحة العالمية قد حذّرت من أنّ احتكار لقاحات كوڤد 19 سيؤدي الى إطالة أمد الجائحة الصحية. [https://news.un.org/ar/story/2021/12/1089432]. ستستمر الجائحة في الانتشار إذا قررت البلدان الاحتفاظ بلقاحاتها، بدلا من مشاركتها في إطار نظام التوزيع العادل، المسمّى كوڤاكس.
صرّحت الدكتورة كيت أوبراين، مديرة قسم التحصين واللقاحات والمستحضرات البايولوجية في منظمة الصحة العالمية، إنّ البيانات السريرية هي الأكثر تأثيرا حول كيفية إدارة حالة إصابة بمتغير أوميكرون. وأكّدت أنّ البلدان الفقيرة ظلت تنتظر اللقاحات لفترة طويلة، مضيفة أنّ هذه اللقاحات بدأت تأتي مؤخرا من الدول الأكثر ثراء، وشدّدت على ضرورة استمرار تزويد البلدان الفقيرة بهذه اللقاحات. ثمّ مضت للقول، "بينما نتجه إلى وضع مشوب بعدم اليقين نتيجة لمتحور أوميكرون، هناك خطر من أنّ الإمداد العالمي سيعود مرة أخرى إلى البلدان ذات الدخل المرتفع التي تخزن اللقاحات لحماية مواطنيها".
إنتقل الحوار بعدها الى ما تعمل الولايات المتحدة الآن على تعزيزه وهو ما يُسمّى التحالف الأمني الرباعي QUAD. وهو تحالف مناهض للصين يضمّ الهند وأسترَيليا واليابان والولايات المتحدة. "جميع الثلاثة اليمينيون ينضمّون الى الولايات المتحدة للدفاع عن حرية البحار والدفاع عن سيادة القانون. إذا لم يكن الأمر مشؤوما جيدّأ فإنّه مدعاة للإنفجار ضحكا، لكنّه نذير سوء وحزن،" حسب رأي د. چومسكي.
بدأ المسؤولون الصينيون ينظرون للإجتماع بقلق متزايد. منذ ذلك الحين، خلصت بكين إلى أنّ تحالف "كواد" يمثّل أحد أهمّ التحديات التي تواجه طموحاتها في الأعوام المقبلة. نظراً إلى أنّ "المنافسة الستراتيجية" مع الصين أصبحت من النقاط النادرة التي يجمع عليها الحزبان في واشنطن، بدأ الرئيس الصيني شي جِن بينگ يحذّر بشكل متكرر من أنّ بلاده تواجه "صراعاً على مستقبل النظام الدولي" مع الولايات المتحدة المصمّمة على إحباط نهوض بلاده. ويعتقد شي أنّ لدى بكين فرصة من الآن إلى 2035 كي تجعل الصين أكبر قوة اقتصادية وتكنولوجية، وربما عسكرية، في العالم. في المقابل، يتمثّل جزء أساسي من التقدّم صوب ذلك الاتجاه في إقناع بلدان آسيا والعالم بأنّ الهيمنة الصينية أمر لا مفر منه، وبالتالي، ليس لديهم خيار سوى البدء بالإذعان إلى [https://www.independentarabia.com/node/252251] مطالب بكين. وهذا ما سيمكّنها من إعادة كتابة قواعد النظام الدولي، وترسيخ موقعها الريادي العالمي، من دون الحاجة إلى إطلاق رصاصة واحدة.
كشف المؤلف القدير أنّ الأمريكيّين كانوا متورّطين أيضا في تجارة الإفيون في الصين. "لو نظرت الى العائلات الأمريكية التي تتركّز لديها الثروة، لوجدت أنّ هذا التركيز يعود الكثير منه للمشاركة في المضاربات التجارية للمخدّرات في القرن التاسع عشر. أعتقد أنّ الأفيون كان وقتها السلعة الرئيسية في التجارة العالمية." فلا عجب أن تقوم وكالة المخابرات المركزية بترويج المخدرات وتهريبها في جنوب شرق آسيا، خلال حرب ڤيتنام.
الأكثر شهرة من هؤلاء الإثرياء الأمريكيين هو ديلانو روزڤلت. ساهم الجدّ وارِن بمقتل العديد ممّن اشتركوا في تجارة المخدّرات في الصين وترك أرثا كبيرا لعائلة ديلانو، بما في ذلك الرئيس فرانكلِن ديلانو روزڤلت، "الذي اعتقد أنّه كانت لديه نظرة ثاقبة خاصّة اتجاه الصين، بسبب قصص والدته ساره ديلانو، التي أخبرته عن مآثر جدّه. وهذا ما أدّى في رأيي الى عواقب وخيمة،" حسب ما أفاد به د. چومسكي.
وما دمنا بصدد الصين، أثير موضوع تجاوز حقوق الإنسان في منطقة شمال غرب البلاد، فوجدها المؤلف القدير فرصة لشجب سياسة النفاق الغربي. قال، "خُذ على سبيل المثال، مليوني شخص نصفهم أطفال مسجونين في غزّة بمساعدة أمريكيّة سخيّة. هم خاضعون لمعاملة أقسى بكثير ممّا أبلغ عنه وتمّ توثيقه عن أوضاع الإيگور. بينما لا يمكننا فعل الكثير بشأن انتهاكات حقوق الإيگور باستثناء إدانتها، يمكن فِعل الكثير حول الإنتهاكات الأكثر وضوحا ممّا نساعد في تمويلها وتنفيذها في غزّة. لكنّنا لا نتحدّث عن ذلك."
كانت الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة خلال فترة انتشار الجائحة من مظاهر ممارسة التحكّم بالعالم. تمثلت هذه بالطلب من پَنَما أن تطرد الأطباء الكوبيين العاملين في البلد. كما جرت محاولات مماثلة من الضغوط لمنع البلدان من الحصول على اللقاحات الصينية واستخدامها. كانت البرازيل في أوج الحاجة الى اللقاحات بسبب جرائم رئيسها بولسُنارو. تمّ الضغط عليها كي تمتنع عن استخدام اللقاحات الصينية، التي وافقت حكومة بكين أن يتمّ تصنيعها في البرازيل نفسها. "كما مُنِعت البرازيل من استخدام اللقاحات الروسيّة، التي وفقا للمصادر الأوروپيّة، لا تقلّ فعّالية عن اللقاحات الغربية."
أضِف الى ذلك حقيقة أنّ ترامپ قد نفّذ اعمالا استفزازية تماما اتجاه روسيا، كما فعل ذلك قبله أوباما. ويبدو أنّ هذه الإستفزازات تتزايد في ظلّ إدارة بايدن، رغم قوله، "بأنّ فريق بايدن للسياسة الخارجية أكثر عدوانية حتى من فريق ترامپ، ليس صحيحا تماما. تولى بايدن منصبه في الوقت المناسب لإنقاذ معاهدة ستارت الجديدة، التي كانت ستنتهي في شهر شباط."
أتى الحوار بعدها ليلقي الضوء على الإقتراح بشأن جعل الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية حسب ما ذكرته الحكومة المصرية وأيدتها الدول العربية في هذا الشأن، في وجه المعارضة الأمريكية. الموقف الأمريكي متناقض تماما. من جهة لا تعترف الولايات المتحدة، خلافا لما هو معروف عالميّا، بامتلاك إسرائيل للأسلحة النووية. وسبب ذلك أنّها لو فعلت، لتوجب عليها بموجب القوانين الأمريكية قطع المساعدات السخيّة السنوية لإسرائيل. من ناحية أخرى، إستعملت حق النقض في مجلس الأمن لأنّ المشروع المصري لا يستثني إسرائيل. يريد الأمريكيون أن تظلّ إسرائيل دولة نووية، وتُمنَع دول المنطقة [orientxxi.info/magazine/article5545] الأخرى من استعمال الطاقة النووية حتى للأغراض السلمية.
صحيح أنّ الملف النووي الإيراني يستحوذ على الاهتمام الدولي، لكنّ طهران ليست الوحيدة التي تطور برنامجا نوويا في المنطقة. من الخليج إلى مصر، تراهن عدة دول على طاقة نووية نظيفة. لكنّ هذه المشاريع تصطدم بالتبعية من حيث الخبرة والتكلفة العالية وعدم الاستقرار الإقليمي. ويمكن أن تؤدي إلى عسكرة المعرفة. انطلق السباق لإطلاق مشاريع الطاقة النووية في منطقة الشرق الأوسط منذ عام 2011، بعد الإعلان عن توصيل مفاعل بوشهر الإيراني بقدرة 1000 ميگاوات بشبكة الكهرباء المحلية. ووفقا لإحصاءات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أعلنت المملكة العربية السعودية عن خطط لبناء 16 مفاعلاً للطاقة النووية بحلول عام 2040، بينما تتمتع الإمارات بأربعة مفاعلات للطاقة النووية، ووصل مطلع العام 2021 مفاعل المحطة الأولى في محطة بريگه في (أبو ظبي) للطاقة النووية السلمية إلى 100% من طاقته الإنتاجية، بإنتاج بلغ 1400 ميگاوات، ممّا يجعله أكبر مصدر منفرد لإنتاج الطاقة الكهربائية في الإمارات. كما تسعى كلّ مِن [orientxxi.info/magazine/article5545] مصر وتركيا والأردن إلى تطوير الطاقة النووية وفق احتياجاتها الخاصة.
في ضوء الإحتجاجات المتصاعدة حول معاملة الصين للأقليات، كشف د. چومسكي زيف النفاق الغربي الذي يغمض عينيه عن حقوق الإنسان في مناطق أخرى من العالم. أعاد الكاتب القدير تذكير المتباكين قائلا، "هذا سلوك ينبغي أن يُدان، الى جانب قضايا أخرى أيضا. خُذ على سبيل المثال، مليوني شخص نصفهم أطفال مسجونين في غزّة بمساعدة أمريكيّة سخيّة. هم خاضعون لمعاملة أقسى بكثير ممّا أبلغ عنه وتمّ توثيقه عن واقع الإيگور. بينما لا يمكننا فعل الكثير بشأن انتهاكات حقوق الإيگور باستثناء إدانتها، يمكن فِعل الكثير حول الإنتهاكات الأكثر وضوحا ممّا نساعد في تمويلها وتنفيذها في غزّة. لكنّنا لا نتحدّث عن هذا الموضوع."
ثمّ عرّج على معاملة الأقليات في الهند وما جرى في كشمير مؤخّرا والتعامل الكارثي مع الوباء في جميع انحاء الهند، وكيف تواصل إدارة بايدن غضّ الطرف عن التفكك في الديمقراطية في الهند. شجب يقول، "بعبارة أخرى، عمل مودي وفق القاعدة. إنّها حقّا قصة رعب، وما فعله في كشمير شائن تماما. في الواقع، كان السلوك الهندي في كشمير إجراميّا منذ الإنتخابات المزوّرة في أواخرالثمانينات. اصبحت كشمير واحدة من أكثر المناطق عسكرة في العالم. تصاعدت الأعمال القمعيّة الهندية تحت نظام مودي، والولايات المتحدة تغضّ الطرف بالطبع." [https: //www.ammonnews.net/article/668234]
تابع د. چومسكي القول، "كشمير محتلة وفلسطين محتلة والصحراء الغربية محتلة. كان احتلال المغرب للصحراء الغربية بسبب غناها بالفوسفات، التي تُعتبر ضرورية للزراعة. حدث هذا بتفويض من ترامپ، بالضبط تماما كما أذِن بالضمّ الإسرائيلي لمرتفعات الجولان السوريّة. إتفاقية إبراهيم، التي تمّت الإشادة بها بقوّة في الولايات المتحدة مثيرة للإهتمام للغاية. الإتفاقيات غريبة بين بعض الدول مع إسرائيل التي يتحرّك الوضع السياسي فيها الى أقصى اليمين وتقدّم نفسها كقوّة ضاربة. أذِن ترامپ بذلك كطريقة أخرى لضمان التحالف الرجعي الذي تسيطر عليه واشنطن ويشمل الزعيم الهندي مودي، لبسط الهيمنة على موارد المنطقة. هذا هو البرنامج الجيوستراتيجي الرئيسي لإعلانات إدارة ترامپ، الذي يتبنّاه بايدن أيضا.
ولم يفته أن يذكر بأنّ حرب يوكرَنيا قد كشفت الوجه الحقيقي لتعامل الغرب المسيطر على قرار العالم، كم هذا الغرب يكيل بمكيالين تجاه قضايا العالم، وبالذات قضية فلسطين. منذ ما يقارب القرن وفلسطين وأهلها يتعرضون لأبشع صنوف التآمر والعنصرية ومحاولات الإلغاء والقمع المنظم ناهيك عن القتل والتشريد، والعالم صامت بل ويدعم آلة الحرب الإسرائيلية في حربها على الفلسطينيين. وفي الوقت الذي تكون به إسرائيل تدك الفلسطينيين بالموت والدمار، تخرج دول الغرب بكلّ تحيّز وعنصرية لتقول من حقّ إسرائيل أن تدافع عن نفسها، كما اسلفنا القول.
أشار المؤلف في أكثر من مناسبة الى رفض بعض الأمريكيين وجلّهم من الجمهوريين اللقاحات. في الحقيقة أنّ ترامپ وأنصاره قد حوّلوها الى قضية سياسية، نجم عنها موت أكثر من مليون مواطن أمريكيّ بسبب عدم الإلتزام بالتعليمات الصحية، وفي طليعتهاعدم أخذ اللقاح بحجة أنّ الموضوع حرية شخصية. وهذا عذر رفضه د. چومسكي جملة وتفصيلا، وثانيا لأنّ الرافضين لا يثقون بالحكومة أصلا ولا يريدون تصديق المعلومات من مصادرها، بل يردّدون عن جهل فضيع مطبق ما تقوله محطة فوكس التلفزيونية ومعلقوها اليمينيّون المتطرّفون.
رغم تطور الإنسان ومعارفه الإدراكية وطرق تفكيره واستخدامه للتفكير المنطقي، لا تزال غريزة البقاء تتحكم في سلوكه في أثناء الخوف من تهديدٍ ما. ومنذ إعلان مرض كوڤِد-19 جائحةً عالمية في شباط من عام 2020، شهد العالم تهديدا مستمرّا، ومع ارتفاع معدل الوفيات وظهور المتحورّات الڤايروسية، واحدا تلو الآخر، يزداد القلق والخوف. وعلى الرغم من توافر عدة لقاحات للوقاية من المرض، لا يزال الوضع غير مطمئن، وذلك نتيجة لإعراض فئة كبيرة من الناس عن تلقِّي اللقاح، فما الأسباب وراء هذه الظاهرة التي تمثل خطرا كبيرا على العالم بأجمعه؟ وكيف يمكن التصدي لها؟
في شهر كانون الثاني الماضي، نشرت دورية "Nature Communications دراسة تحلل بيانات [https://www.scientificamerican.com/arabic/articles/news/awareness] تمثيلية على المستوى الوطني في آيرلندا والمملكة المتحدة. وجدت الدراسة أنّ مقاومة اللقاح تظهر بشكل واضح لدى 35٪ من سكان أيرلندا و31٪ من سكان المملكة المتحدة، وفق نتائج عينات البحث محلّ الدراسة. كما أشارت إلى وجود اختلافات في عدد من المتغيرات الإجتماعية والديموغرافية والصحية لدى الأشخاص الرافضين للقاح، ولكنّهم كانوا متشابهين في مجموعة واسعة من التركيبات النفسية. كما أوضحت الدراسة أنّ الرافضين للقاح كانوا أقلّ احتمالًا للحصول على معلومات حول الوباء من المصادر التقليدية والموثوقة، ولديهم مستويات مماثلة من عدم الثقة بهذه المصادر، مقارنةً بالمستجيبين لدعوات تلقِّي اللقاح.
لا يقتصر الشّك في المصادر الحكومية على لقاحات كوڤِد- 19 بل يتخطّاه الى مجال كارثة تغيّر المناخ، كما يُصرّ ترامپ وانصاره من الجمهوريين. لقد أشرنا سابقا الى "إنجازه الأول الكبير" في الإنسحاب من إتفاقية پاريس حول المناخ. عاد المحاور للإستشهاد بقول أنتونيو گوتَرَز، الأمين العام للأمم المتحدة، بأنّنا ماضون في تدمير الأشياء التي تعتمد عليها حياة الكوكب. أغطية الجليد والأنهار الجليدية تستمرّ في الذوبان وارتفاع مستوى سطح البحر يتسارع والمحيطات تحتضر والتنوع البايولوجي ينهار "... نحن حقا خارج الزمن. يجب أن نتحرّك الآن لمنع المزيد من الضرر الذي لا يمكن إصلاحه."
هناك بون شاسع بين موقفي الحزبين في هذه البلاد، أشار اليه المؤلف القدير قائلا، "لكنّ المسألة ليست ميؤوسا منها، رغم أنّ الأمر يتطلّب عملا جادّا ومُلتزِما في نفس الوقت يقوم على التعاطف والتفاهم والتفاني. ليس علينا التّستّر على ما يقوم به كبار المجرمين في قيادة الحزب الجمهوري."
في قمة العام الماضي لبحث قضية المناخ، التي عُقدت في گلاسكو بالمملكة المتحدة، توصل المشاركون لاتفاق يهدف لتقليل حجم المخاطر البيئية التي يتعرض لها كوكب الأرض. الاتفاقية هي الأولى من نوعها التي تنصّ صراحة على تقليل استخدام الفحم الذي يتسبب في زيادة الانبعاثات الغازية في الغلاف الجوي. وتنصّ الاتفاقية أيضا على العمل على تقليل معدل الانبعاثات الغازية، وتوفير دعم مالي للدول النامية للتكيف مع تبعات التغير المناخي الذي يشهده كوكب الأرض. تعهدت الدول المشاركة بالعودة إلى الاجتماع هذا العام في مصر، للاتفاق على زيادة نسبة تخفيض معدلات انبعاثات غازات الدفيئة وثاني أكسيد الكاربُن، بما يتماشى مع تقليل معدل زيادة درجة حرارة الكوكب إلى أقل من 1.5 درجة مئوية.

وقتها وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو گوتَرَز الاتفاق بأنّه خطوة مهمة ولكنّها ليست كافية. وقال "يجب علينا تسريع العمل المناخي بهدف الإبقاء على الهدف المتمثل في الحدّ من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى حدود 1.5 درجة مئوية". وأضاف أنّ الوقت قد حان للإنتقال إلى "حالة الطوارئ، وإنهاء دعم الوقود الأحفوري، والتخلص التدريجي من الفحم، وتحديد سعر الكاربُن، وحماية المجتمعات الضعيفة، والوفاء بالتزام تمويل المناخ بقيمة 100 مليار دولارا. لم تتحقق هذه الأهداف في ذلك المؤتمر، ولكن وُضِعت بعض اللبنات الأساسية اللازمة للتقدم." [https://www.bbc.com/arabic/middleeast-63089960]
انتقل الحوار بعدها الى جرائم الإمبراطوريات وادّعاءات الإستثنائية الأمريكية الزائفة، لأنّ الجماعة هنا يعتقدون أيضا أنّهم "شعب الله المختار"! فضح الكاتب القدير دور جَون كوِنزي آدمز، وزير الدولة الأوّل والرئيس والأب الفكري لبيان القدر Manifest Destiny، الذي كان مسؤولا بشكل مباشر عن الفظائع الكُبرى في منطقة السِمِنول خلال الحرب في فلورِدا وغيرها. ذكرَ أنّه في سنواته الأخيرة وهو يستعيد ما حدث، اعرب آدمز عن أسفه لمصير "هذا العِرق البائس من الأمريكيين الأصليين وكيف أبدناهم بمثل تلك القسوة الظالمة والغادرة."
لم يتورّع د. چومسكي عن توجيه اصابع الإتهام الى قادة أمريكا الأوائل وفي طليعتهم واشنطن نفسه بإبادة السكان الأصليين حتى خلال حرب الإستقلال ضدّ البريطانيين. "كانوا يعرفون ما كانوا يفعلون،" كما قال هنري نوكس، وزير الحرب تحت قيادة واشنطن،. وقال جورج واشنطن نفسه، "إنّ الهنود كالذئاب، متوحّشين في شكل إنسان ويجب دفعهم للبريّة." عرّف قبائل الإيركوا بأنّهم "مدمّروا المدنية" لأنّه حتى قبل انتهاء حرب الإستقلال، أطلق حملة تدمير كبرى ضدّ تلك القبائل. فمن هي هذه القبائل؟
يشير أحد المصادر الى أنّه [https://revsoc.me/marxism/30701/3%D9%80] كان عند قبائل الإيروكوا الشكل الأكثر تطوراً للإتحاد. نزح الإيروكوا من مكان إقامتهم في غربي نهر المِسَسِپي حيث كانوا يؤلفون، حسب كلّ احتمال، فرعاً من جماعة الداكوتا الكبيرة، وأقاموا بعد ترحلات طويلة في ولاية نو يورك الحالية. انقسموا إلى خمس قبائل هي سينيكا، كايوگا، أونونداگا، أونيدا، ومَوهوك. كانوا يعيشون على صيد الأسماك والصيد البري والبستنة البدائية. سكنوا في قرى تحميها الأسيجة الوتدية في معظم الأحوال، ولم يبلغ عددهم أبداً أكثر من 200000 شخصا. كانت في جميع قبائلهم الخمس بعض عشائر مشتركة، وكانوا يتكلمون بلهجات متقاربة جداً من لغة واحدة، وسكنوا في رقعة متصلة من الأرض جرى تقاسمها بين القبائل الخمس. وبما أنّهم كانوا قد استولوا على هذه الأرض من زمن غير بعيد، فإنّ الأعمال المشتركة بين هذه القبائل الظافرة ضدّ القبائل المطرودة أصبحت ظاهرة طبيعية ومن حكم العادة. وعلى هذا النحو، تكوّن في مستهل القرن الخامس عشر على أبعد حدّ، "اتحاد أبدي" اتحاد تعاهدي، أحس بقواه الجديدة، فاكتسب على الفور طابعاً هجومياً، واستولى في أوج بأسه، حوالي عام 1675، على رقعة كبيرة من الأراضي المحيطة به، طارداً السكان من بعضها وفارضاً الجزية على سكان بعضها الآخر. إنّ اتحاد الإيروكوا التعاهدي هو أرقى تنظيم اجتماعي توصل إليه الهنود الحمر قبل أن يتجاوزوا الدرجة الدنيا من البربرية، ما عدا، بالتالي، سكان المكسيك والمكسيك الجديدة والپرّو، حسب ما ورد في المصدر أعلاه.
على المدى الأوسع، لعلّ التاريخ الإنساني لم يشهد مجزرة أكثر قذارة من تلك التي ارتُكِبت بحقّ السكان الأصليين للقارتين الأمريكيتين. وهي مجزرة راح ضحيتها نحو 100 مليون شخصا ممّن يعرفون اليوم بالهنود الحمر. وهذا رقم مهول من القتلى دفع الجلاد لتصوير الضحايا على أنّهم كائنات همجية متوحشة لا علاقة للإنسانية بها. وهذه صورة بدأت صناعتها منذ أن وطئت قدما الرجل الأبيض القارتين. يصف أوّل كتاب بإلإنگليزية عن الهنود الحمر نُشِر عام 1511 السكان الأصليين بأنّهم "وحوش لا تعقل ولا تفكر، كانوا يأكلون زوجاتهم وأبناءهم"، وذلك بحسب ما نقلت عالمة الإنسانيات مارگرِت هِچِنز.
إستمرّ حفر هذه الصورة في أذهان الناس منذ خمسة قرون، وحتى سنوات قليلة خلت عبر الإعلام والأفلام السينمائية والرسوم المتحركة، في محاولة للتغطية على المجزرة التي دامت نحو 300 عاما تمت خلالها إبادة شعب بأكمله بأكثر الأساليب فظاعة ووحشية. وبالرغم من عدم وجود إحصائية دقيقة حول أعداد السكان الأصليين الموجودين في هذه البلاد لحظة وطئتها أقدام الأوروپيين، إلا أنّ أكثر التقديرات تتوافق على أنّ عددهم في أمريكا الشمالية عام 1500 كان يناهز 100 مليون إنسانا. لم يبق منهم سوى ربع مليون فقط حسب إحصاء عام 1900. [https://www.raialyoum.com/%D8%B7%D8]
أبدى المفكر القدير في مطلع حواره التاسع مخاوفه حول استمراريّة الديمقراطية في ضوء إمكانية عودة الجمهوريين للسلطة. ومعروف أنّ الديمقراطيين اتخذوا موقفا مساندا للحقوق المدنية منذ ستينات القرن الماضي. في المقابل ركّز الجمهوريون على حشد الجماهير لتبني أجندة مغايرة تماما وتأكيد مواضيع تفوّق البيض والعنصريّة وكراهية النساء والمسيحية الإنجيليّة ومعارضة حقوق الإجهاض والمثليّة الجنسية، وأيّا كان ما يمكن أن يلتقطوه لحشد الجماهير، بأيّة وسيلة ممكنة من الأكاذيب ونظريات المؤامرة والمنطق الغريب؛ "إذا لم أفُز في الإنتخابات فإنّها مزوّرة."
يبدى الرئيس الأمريكي السابق ترامپ عزمه فى العودة للبيت الأبيض، ورغبته في خوض انتخابات عام 2024. أكّد أنّ السبب الوحيد الذى قد يحول دون خوضه السباق الرئاسي هو "مكالمة سيئة من طبيب أو شيء من هذا القبيل، قد يمنعنى من ذلك." في الحقيقة لا تمنع القوانين الأمريكية رئيسا سابقا لفترة واحدة من خوض السباق الرئاسي مرة أخرى، وقد حدث ذلك مع الرئيس السابق گروڤَر كلِفلاند فى نهايات القرن التاسع عشر. فقد فاز كلِفلاند بانتخابات عام 1884 وحكم حتى بداية عام 1889، وكان الرئيس رقم 22 للولايات المتحدة، ثم هُزم فى الانتخابات التى جرت فى نهاية 1888، فغادر البيت الأبيض. ثم عاد وفاز فى انتخابات عام 1892 ليُنصّب الرئيس رقم 24 للولايات المتحدة.
كرر ترامب ادعاءه الذي لا أساس له بأنّه خسر في عام 2020 بسبب تزوير الإنتخابات على نطاق واسع. وقال، "خضت الإنتخابات مرتين. لقد فزت مرتين، وحققت أداء أفضل بكثير في المرة الثانية مما فعلته في المرة الأولى، حيث حصلت على ملايين الأصوات في عام 2020 أكثر مما حصلت عليه في عام 2016". وأضاف مدّعيا "كذلك حصلت على أصوات أكثر بكثير من أيّ رئيس يسعى للفوز بولاية ثانية في تاريخ بلدنا، والآن من أجل جعل بلدنا ... من المرجح جدا أنني سأفعل ذلك مرة أخرى". وأضاف قائلا للحشد، "قريبا جدا، إستعدوا!" [ https://elaph.com/Web/News/2022/11/1491140.html]
تتوقف احتمالات عودة ترامپ للبيت الأبيض على بعض عوامل توحى كلّها بعودته وربما فوزه بها، فى حين يبقى هناك عامل غامض لم تتضح أبعاده بعد ويتعلق بالقضايا المرفوعة ضده، ونتائج الحكم المتوقع فيها على حقه فى دخول الانتخابات القادمة.
بالنسبة لأوّل العوامل الدافعة لعودة ترامپ هو ما يتعلق برغبته الشخصية فى المنصب من جديد، وربما الانتقام لهزيمته فى الانتخابات الأخيرة. أثارت زيارته قبل أيام إلى ولاية آيوا المزيد من التكهنات المتعلقة باستعداده لخوض معركة الإنتخابات الرئاسية القادمة من أجل العودة إلى البيت الأبيض عام 2024. ولولاية آيوا مكانة خاصّة، كونها مقرّ الانتخابات التمهيدية للحزبين فى السباق الرئاسي، ويمنح الفوز بها [https://www.shorouknews.com/columns/view.aspx] المرشح دفعة قوية للحصول على بطاقة الحزب للترشيح للرئاسة.
تحدث ترامپ أمام جمع متحمّس من مؤيديه لما يقرب من الساعتين، وهاجم كلّ مواقف الرئيس بايدن، واتّهمه بأنّه يقود البلاد إلى الهاوية، وعاد وأكّد إنكار هزيمته فى الانتخابات الأخيرة. كما هدّد بصورة مبطنة الجمهوريين، وقال إنّه إذا لم تُحَلْ مشكلة تزوير الإنتخابات الرئاسية لعام 2020، وهو يدّعى توثيق ذلك، فإنّ الجمهوريين لن يصوتوا فى انتخابات الكونگرِس في شهر تشرين الثاني هذا العام.
مغزى رسالته الموجهة إلى الجمهوريين هى أنّهم إذا لم يعلنوا ويكرّروا أنّه فاز فى الانتخابات الأخيرة، فإنه سيعمل على خسارة الحزب الجمهوري لانتخابات الكونگرِس القادمة. وكان قد طالب الناخبين الجمهوريين بعدم التصويت فى انتخابات الإعادة على مقعدى مجلس الشيوخ فى ولاية جورجِا، بعد إعلان فوز بايدن بالانتخابات. قال للناخبين الجمهوريين لا تصوّتوا فى انتخابات مزوّرة، وكلف ذلك الجمهوريين أغلبية مجلس الشيوخ، إذ فاز الديمقراطيون بمقعدى الولاية فى سابقة تاريخية، وهو ما مكّنهم من الحصول على الأغلبية فى مجلس الشيوخ. تشكل انتخابات عام 2022 فرصة للحزب الجمهوري لاستعادة السيطرة على الكونگرِس، أو أحد مجلسيه على الأقل، لعرقلة الأجندة التقدمية المثيرة للانقسام خاصّة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي.
تحوّل الحوار بعد ذلك لمناقشة أحداث 6 كانون الثاني من عام 2021 وإمكانية إنتشار الإضطرابات في الولايات المتحدة بسبب وجود الميليشيات المسلحة. يسود قلق في هذه البلاد إزاء الاستقطاب الحادّ بين اليمين المحافظ واليسار اللِبرالي، ولا سيما إمكانية وقوع صدام دموي بين المجموعات المتطرفة والمسلحة من القطبين، مع اقتراب انتخابات رئاسية حاسمة وشديدة النديّة. وبعد أن كان متواريا خلف بريق قوّة أمريكا على الساحة الدولية، وشعاراتها و"مبادئها"، لعقود، برز أخيرا ما بات يوصف "الإرهاب المحلي،" ممثلا بعشرات المجموعات المسلحة والمتطرفة، بل والساعية لـ"حرب أهلية ثانية"، ما دفع عدة تقارير، نشرت أحدها مؤخرا مجلة "ناشونَل إنترسپت"، إلى التساؤل عن كيفية تجنب مثل هذا المصير.
باتت الدولة الأقوى في العالم أمام هذا المشهد، بشكل خاصّ، بعد السنوات الأربع، التي تصدّر خلالها الرئيس المثير للجدل ترامپ، الساحة، متسبّبا بنشوة غير مسبوقة لليمين المتطرف في الولايات المتحدة، بل وخارجها. كما تسبّب، بحسب تقرير لموقع "بزنِس إنسايدر،" باحتقان كبير لدى الأقليات العرقية، ولا سيما ذوي الأصول الأفريقية، فضلا عن اليساريين والمنادين بالعدالة الاجتماعية. تفجر ذلك المشهد إثر المقتل المريع للمواطن الأسود جورج فلويد جراء عنف الشرطة في 25 أيار من عام 2020 لكنّ وجود ميليشيات مسلحة في البلاد يعود إلى ما قبل ذلك بكثير، وهو مقبول في التقاليد الأمريكية، بل ومشروع دستوريا، ما يجعل الولايات المتحدة مليئة بالقنابل الموقوتة. [https://arabi21.com/story/1283916]
إنّ نصف الأمريكيين يتوقعون اندلاع حرب أهلية في بلادهم قريبا، والبحث عن كلمة الحرب الأهلية الأمريكية تزايد مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي للكونگرس بتاريخ 8/11/2022. فهل تكون هذه الانتخابات بداية لانزلاق أمريكا لحرب أهلية حقاً؟ [https://arabicpost.net/%d8%aa%d8]
في الأيام والأسابيع التي تلت قيام عناصر من مكتب التحقيقات الفِدرالي، بأمر من قاضٍ فِدرالي بتفتيش مقر الرئيس السابق في مارا لا گو بولاية فلورِدا، ارتفعت حدة وشراسة السجال السياسي والتهديدات من قبل عناصر متطرفة، تدين بالولاء لترامپ، وتوعدت بالانتقام من عناصر مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI. وهذا ما أدى إلى هجوم قام به مسلح متطرف ضدّ مكتب الأف بي آي في مدينة سِنسِناتي، بولاية أوهايو، وأدى إلى مقتله، أو ضد أيّ قاض يحكم ضد ترامپ. طالب بعض المتطرفين من أنصاره في الكونگرس وخارجه بوقف تمويل مكتب التحقيقات الفِدرالي. ولعل الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أنّ الأمريكيين على جانبي الانقسام السياسي يزعمون بشكل متزايد أنّ العنف مُبرّر لضبط الأمور، حسب تقرير صحيفة الگارديَن البريطانية، كما تمّت الإشارة اليها في المصدر في أعلاه.
ليست تلك الميليشيات وحدها هي ما يُشكّل الخطر. خُذ مثلا ALEC مجلس التبادل التشريعي الأمريكي، الذي يعود لسنوات. يرى د. چومسكي إنّه منظمة مموّلة تقريبا من قِبل قطّاع الشركات بأكمله ومخصّص لاستغلال نقاط الضعف في النظام الدستوري للبلاد، وهي مهمّة سهلة. "إذن ما يقوم به ALEC هو العمل على مستوى الدولة والولايات لفرض التشريعات التي من شأنها أن تعزّز على المدى الطويل جهود أولئك الذين يسعون الى تدمير الديمقراطية وتعزيز عدم المساواة الراديكالية وتدمير البيئة."
عبّر المتحاوران عن فرحتيهما بشأن حدثين سياسيين على المستوى العالمي. الأول هو نجاح زحف الفلاحين في الهند نحو نودَلهي والذي استمرّ عاما حين "أجبروا النظام القومي الهندوسي على التراجع عن 3 قوانين زراعية من شأنها أن تعيد الفلاحين الى وضع يشبه نظام الأقنان." والخبر الثاني هو "انتخاب سيومارا كاسترو كأول رئيسة لجمهورية هُندورَس بعد أن هزمت حكومة العسكر الرجعية اليمينية الفاسدة التي أمسكت بالسلطة لمدة 12 عاما. توصف كاسترو بأنّها ديمقراطية إشتراكية، وهي زوجة الرئيس السابق مانويل زِيلايا، الذي اطيح به في انقلاب عسكري عام 2009،" خلال فترة حكم أوباما وِهِلاري كلِنتُن.
كما عاد الى السلطة في البرازيل إثر انتخابات ديمقراطية نزيهة الرئيس السابق لولا دي سِلڤا، الذي هزم نسخة ترامپ في تلك البلاد، جايير بلسُنارو. وعد الرئيس المُنتخب لولا أنّه سيعيد البرازيل الى موقعها على المستوى العالمي وسيوقف تدمير غابات الأمزون، التي عاث بها بلسُنارو قطعا وتدميرا وحوّلها لصالح الشركات الإحتكارية الى مزارع لتربية الأبقار.
وفي الوقت الذي تخرج فيه الشعوب من تسلط الحكومات ذات الإتجاهات اليمينية في الهند وهُندورَس والبرازيل، يخرج الأمريكيون ليختطّوا مسارا مغايرا تماما بمنح الحزب الجمهوري والميليشيات المساندة له فوزا بالسيطرة على مجلس النوّاب وبعض مناصب حكّام الولايات، رغم أنّ غالبية الخاسرين منهم في الإنتخابات لم يقرّوا بنتائجها، كما المفروض. منّى الرئيس الأمريكي السابق نفسه بأن تصبّ النتائج في صالح تعزيز آماله بالعودة إلى الرئاسة. ولكن يبدو أنّ الأمور لم تمض تماما كما أراد السياسي المثير للجدل. قدّم ترامپ دعما كبيرا لأكثر من 300 مرشحا من المعسكر الجمهوري لانتخابات التجديد النصفي للكونگرس وحكام الولايات، وكان يراهن على تحقيقهم نتائج إيجابية قال إنّه يستحق نيل التقدير عليها. غير أنّ نتائج كثير من هؤلاء المرشحين في الانتخابات جاءت مخيبة للآمال، رغم نجاح الجمهوريين في انتزاع السيطرة على مجلس النواب.
لعل ما جرى في البرازيل يشكّل أهمية استثنائية لأنّه يخبرنا بأنّ انتصار لولا له جوانب عدة. أوّلها، التدهور في القوة الناعمة الأمريكية، وذلك لعوامل داخلية في أمريكا، ودولية، وكذلك صورة وخطاب اليمين البرازيلي الفجّ حدّ أنّ الدفاع عنه أمسى صعباً. وهو ما جعل انتصار اليسار ولولا يتمظهر كاحتفالية عابرة للحدود وعلى مستوى العالم، في حين كانت الصحف والإعلام الأمريكي في السابق يلعبان دوراً شبه حاسم في طريقة تصوير مثل هذه الانتصارات عبر الهجوم عليها وتقويضها وتشويهها.
التشكيك بالديموقراطيّة من داخلها هو المدخل إلى سَقامها أو انهيارها. لم يعد الأمريكييّون يتفقون على نزاهة اللعبة الانتخابية. هناك دعاوى قبل الانتخابات التي جرت بتاريخ 8/11/ 2022 ضدّ عدد من الولايات من قبل الحزب الجمهوري. يقول أحد المثقفين العرب إنّه حين تعترض على النتائج قبل الاقتراع، فيعني أنّك [https://www.al-akhbar.com/Last_Page/348905] تتوقّع سرقة الأصوات أو تزوير النتائج، أو أنّك تخشى السقوط في نظام هشّ. وعندما تعترض بعد إعلان النتائج فلأنّك لا تثق بالعملية الانتخابيّة برمّتها. طبعاً، تحدث خروقات في الاقتراع ولكن ليس هناك مؤامرة ضدّ الاقتراع هنا. الحكومة الأمريكيّة تتآمر وتتدخّل في الانتخابات في العالم خارج أوروپا الغربيّة، وكانت أمريكا تتدخّل بصفاقة في سنوات الحرب الباردة لعرقلة فوز اليسار ولدعم اليميني الرجعي في أوروپا ذاتها. لكنّه لا دليل على مؤامرة داخليّة أو خارجيّة ضدّ الانتخابات الأمريكيّة. " توالى التشكيك بالنتائج وتعاظم إلى أن بلغ مداه في انتخابات 2016 حيث اتهمت هِلَري كلِنتُن، ومن دون دليل، پوتِن بإسقاطها وإنجاح ترامپ." خلت نظريّتها من دليل واقتصرت بالإشارة الى إعلانات على فَيسبُك لصالح الجمهورييّن." لقد دخلنا حسب تعبير الكاتب العربي في عصر نظام "التسلّطيّة التنافسيّة".
بصدد واقع ما كان يجري في يوكرَينيا قبل الغزو الروسي، القى المؤلف القدير باللائمة على الإدارة الأمريكية. "تُرسِل إدارة بايدن ڤِكتوريا نولاند، نموذج الصقور الأمريكيين، لزيادة التوتّرات. أنا لا أقول أنّهم يحاولون القيام بذلك، ولكن هذه هي النتيجة؛ رفع إمكانية المواجهة، التي بالإمكان تحاشيها عن طريق الدبلوماسية والمفاوضات. إنّهم يثيرون التوتّرات مع روسيا، كما هو الحال مع الصين."
أتى الحوار أخيرا على التهديد الصيني، فأفاد د. چومسكي بأنّ، "الكثير من الأشياء التي تفعلها الصين خاطئة تماما وبغيضة وتستحقّ الإدانة الشديدة. حتى أنّ بعضها مخالف للقوانين الدولية، لكنّ أيّا منها لا يُشكّل تهديدا لأمريكا. والحقيقة أنّ الولايات المتحدة تتسامح مع سلوك أسوأ بكثير في أماكن أخرى."
جرى في ختام هذا الحوار الحديث عن دور الإعلام المستقل والحركة "العماليّة الفاعلة المناضلة لتكون في طليعة التقدّم نحو العدالة الإجتماعية." أكّد د. چومسكي على دور التثقيف والتنظيم، "وهذا ممكن وسهل من خلال برامج تعليمية وثقافية داخل المنظمات. كان ذلك أحد المساهمات الرئيسية للحركة العمّالية حين كانت مؤسسة ناشطة نابضة بالحياة اعتبارا من القرن التاسع عشر حتى أواخر خمسينات القرن الماضي"، حسب قوله.

د. محمد جياد الأزرقي
أستاذ متمرس، كلية ماونت هوليوك
قرية مونِگيو، ولاية ماسَچوست
الولايات المتحدة
November, 2022



#محمد_الأزرقي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في كتاب ألفرد وُليم مَكّوي (بهدف التحكّم بالعالم)
- قراءة في كتاب د. رِچَرد فولك، -سيرة مفكّر معنيّ بقضايا الشعو ...
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
- قراءة في كتاب شرخ في التكوين، تأليف جنِفر داودنا وسام ستِربَ ...
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ...
- قراءة في كتاب (الإستياء العالمي) لچومسكي
- قراءة في كتاب جيمي متزل إختراق نظرية دارون
- قراءة في كتاب دانيل إلزبرگ آلات الفناءـ اعترافات مخطط امريكي ...
- قراءة في مذكرات سيمور هيرش
- قراءة في كتاب لن نصمت
- قراءة في كتاب چومسكي -وداعا للحلم الأمريكي-
- قراءة في كتاب چومسكي عن الإرهاب الغربي
- العواقب: مذكرات محقق أمريكي
- قتل أسامة بن لادن ومسالك الجرذان في سوريا
- قراءة في كتاب تفعيل الديمقراطية لمعالجة ازمات الرأسمالية
- قراءة في كتاب عصر التنمية المستدامة
- لورنس الآخر
- لورنس الآخر: حياة روبرت أيمز وموته
- ألسباق للفوز بما تبقي من المصادر الطبيعيّة
- دور حكايا الساحرات الخيالية في النمو النفسي والعقلي للأطفال


المزيد.....




- مصر: بدء التوقيت الصيفي بهدف -ترشيد الطاقة-.. والحكومة تقدم ...
- دبلوماسية الباندا.. الصين تنوي إرسال زوجين من الدببة إلى إسب ...
- انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس من فوق أشهر صالة عروض ...
- الخارجية الأمريكية لا تعتبر تصريحات نتنياهو تدخلا في شؤونها ...
- حادث مروع يودي بحياة 3 ممرضات في سلطنة عمان (فيديوهات)
- تركيا.. تأجيل انطلاق -أسطول الحرية 2- إلى قطاع غزة بسبب تأخر ...
- مصر.. النيابة العامة تكشف تفاصيل جديدة ومفاجآت مدوية عن جريم ...
- البنتاغون: أوكرانيا ستتمكن من مهاجمة شبه جزيرة القرم بصواريخ ...
- مصادر: مصر تستأنف جهود الوساطة للتوصل إلى هدنة في غزة
- عالم الآثار الشهير زاهي حواس: لا توجد أي برديات تتحدث عن بني ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - محمد الأزرقي - قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي