أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - محمد الأزرقي - دور حكايا الساحرات الخيالية في النمو النفسي والعقلي للأطفال















المزيد.....



دور حكايا الساحرات الخيالية في النمو النفسي والعقلي للأطفال


محمد الأزرقي

الحوار المتمدن-العدد: 4500 - 2014 / 7 / 2 - 14:58
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


دور حكايا السّاحرات الخياليّة في نموّ الأطفال النّفسي والعقلي
تقديم وترجمة: د. محمد جياد الأزرقي
حظي الكتاب، لدى صدوره، باهتمام بالغ تمثّل في اللقاءات الصّحفيّة والإذاعيّة والتّلفزيونيّة مع المؤلف الدكتور شلدن كاشدان. كما تمثّل في المحاضرات العدّة التي ألقاها في عدد من الجّامعات الأمريكيّة ودعوة لكلّ من نيوزيلندا وأستراليا للحديث عنه وعن مؤلفاته الأخرى في ميدان علم النّفس التّحليلي. بدأ لا بدّ من القول إنّ الدكتور كاشدان يعتبر نفسه من اتباع مدرسة ما بعد الفرويدية، فهو يعارض تفسيرات الفرويدية ويجد في استنتاجاتها مبالغات من الصّعب القبول بها في كل الأحيان. في مقالة مطوّلة عن الموضوع للعريس (1) ذكر فيها أنّ عالم التّحليل النّفسي ومؤسس مدارسه الأساسيّة في القرن العشرين، سِگموند فرويد (1856- 1939)، قد انكبّ في معظم الدّراسات التي وضعها بين نهاية القرن التّاسع عشر وبداية القرن العشرين، على الأوضاع الاستثنائية والتي تخرج عن نطاق الحياة اليوميّة العاديّة، مثل دراسة شتى انواع العصاب والذهان والرّهاب، من ناحية، ودراسة الأحلام من ناحية ثانية. في عام 1904 آثر أنْ يخطو خطوة جديدة في مجال اشتغاله على التّحليل النّفسي. نعرف أنّ الكثير قبل فرويد قد اشتغلوا على الأوضاع الخارجة عن المألوف، ممّا يجعل عمل فرويد أقرب الى أنْ يكون تطويرا لعمل الآخرين في ذلك المجال اكثر منه تجديدا حقيقيّا. أمّا بالنّسبة الى منحاه الجديد، فإنّه كان في رأي العريس مبتكرا ورائدا حقيقيّا. ولعل ريادته في هذا المجال هي الأساس الذي ستنبني عليه شهرته اللاحقة كـ"مكتشف" للتّحليل النّفسي، ذلك أنّ فرويد ركّز اهتمامه في العام 1904 خصوصا على ما سيسميه "سايكولوجيّة الحياة اليوميّة" او في معنى آخر ووفق العنوان الفرعي للكتاب الجامع الذي نتج عن ذلك الاهتمام، وهو تطبيق التّحليل النّفسي على تفسير تصرفات الحياة العاديّة.

ثمّ يمضي الكاتب ليقول إنّ من الواضح أنّ فرويد يخلص من هذا كله لكي يفيدنا بأنّ مثل هذه الأفعال غالبا ما تكون اكثر تعقيدا بكثير مما قد يخيّل إلينا. وهنا ايضا، يفتح الباب واسعا امام كم هائل من التّفسيرات، ولكن انطلاقا من امثلة ملموسة. واللافت هنا أنّ فرويد، الذي كان اعتاد في دراساته السّابقة حول الحالات المرضية والخارجة عن المألوف، أنْ يستعير امثلته من اناس آخرين غالبا ما يكونون مرضاه، أو أناس يعرفهم او رويت له عنهم حكايات، نجده هنا في "سايكولوجيّة الحياة اليوميّة" يستعير معظم الأمثلة التي يعرضها علينا من حياته الخاصّة ومن تصرفاته اليوميّة. بيد انّه في الوقت نفسه، على عكس ما يفعل عادة، يفضّل أنْ يتكلم عن الموضوع من دون أنْ يحاول استخلاص قوانين عامّة من الأمثلة التي يوردها. إنّ كلّ ما يهمه في هذا السّياق هو انْ يوفر لقارئه الوسيلة التي تمكّنه من أنْ يفسر التّصرّف أو الفعل تفسيرا صحيحا لا أكثر.

أمّا على سبيل الاستنتاج النّهائي، كما يقول دارسو هذا الكتاب الذي يرى الكثير أنّه اكثر كتب فرويد فائدة وإمتاعا، فإنّ صاحب "علم الأحلام" و"المحرّم والمحظور" يعود ليؤكد لنا هنا أنّ هذه الاضطرابات العابرة والمؤقتة، والتي يتمكّن العقل من تجاوزها بسرعة ليستعيد حياته العادية المألوفة، إنّما هي توكيد جديد ومنطقي على وجود حتمية نفسانيّة اكثر اتّساعا مما يُخيّل إلينا بكثير. وهي تبرهن في الوقت نفسه على وجود رغبة خبيئة في كلّ لحظة، تأتي لتُضاف في شكل غير واع، إلى الأسباب المعترف بها لكلّ تصرفاتنا وأفعالنا وتجازف عادة بأنْ تربك تلك التّصرفات.

عندما وضع فرويد هذه الدّراسة، كان في الثامنة والأربعين من عمره وكان قد أنجز بنجاح كبير تأسيسه، أو إعادة تأسيسه وفق البعض، لقوانين علم النّفس منتقلاً الى التّحليل النّفسي، وسط رهط من تلاميذ ورفاق من الواضح أنّه وإياهم، وعلى رغم الخلافات الضّخمة التي اندلعت بينهم لاحقا وفرّقتهم مدارس وشيعا، هيمنوا على دراسة النّفس وأحوالها في القرن العشرين، عبر مؤلفات ومؤتمرات ودراسات وسجالات، كان هو قطبها الأساس. فهو الذي ترك للقرن العشرين عشرات الكتب والدّراسات التي ساعدت على فهم الإنسان لنفسه ولدواخله اكثر وأكثر. ومن مؤلفاته الكثيرة والمهمة في هذا السّياق "تفسير الأحلام" و"قلق في الحضّارة" و"موسى والتّوحيد" و"الفنّ والتّحليل النّفسي"، اضافة الى عشرات الدرّاسات التي جمعتها ألوف الصّفحات وصارت معا جزء من ثقافة الإنسان في طول القرن العشرين وعرضه، على حدّ قول العريس.
يتناول كتاب د. كاشدان تاثير حكايا السّاحرات الخيالية في عملية النمو النفسي والعقلي لدى الأطفال وكيف ترسم معالم حياتهم. ثمة حقيقة تتعلق بالإدراك لا يعرفها الكثيرون. فهناك دراسات تشير الى أنّ تجاوب الأطفال مع المؤثرات البيئيّة والطبيعيّة والأجتماعيّة والإنسانيّة تبدأ في فترة مبكرة، أي عندما يكون الأطفال أجنّة في أرحام أمهاتهم. فقد أشار د. العبادي(2) الى دراسة جديدة وجدت أنّ بإمكان الأطفال تذكّر كلمات سمعوها قبل الولادة، وذكر موقع هلث دَي نيوز الأمريكي، أنّ الباحثين بجامعة هلسينكي الفنلندية، وجدوا أنّ الأطفال يطوّرون ذاكرة من الكلمات التي يسمعونها بشكل متكرّر قبل الولادة. وقالت الباحثة المسؤولة عن الدّراسة، مينا هوتيلاينين، "نعتقد أنّ هذا يظهر كيف أنّ الدماغ في هذه المرحلة يعتاد على الأصوات.. إنّه مؤشر على تعلّم اللغة بشكل مبكّر جداً، أو الاعتياد على الأصوات التي يسمعونها"، مضيفة أنّ المولود الجديد "ليس لوحة فارغة بل تعلّم كيف تتكلم أمّه وأفراد العائلة الآخرين."

وأشارت هوتيلاينين إلى وجود بعض الأدلة على إمكانية تعلم الجّنين، وأنّ الأطفال يمكنهم تذكر أغانٍ أو مقاطع كلاميّة سمعوها خلال فترة الحمل. ومنذ الأسبوع 29 للحمل إلى حين الولادة، استمعت قرابة نصف النّساء الـ 33 اللواتي خضعن للدّراسة، لتسجيلات لكلمة متكرّرة مئات المرات. وبعد الولادة استخدم الباحثون الفحص بالأشعة فوق الصّوتية لاختبار نشاط أدمغة كلّ الأطفال عندما يسمعون الكلمة المذكورة. وتبيّن أنّ الذين سمعوها من قبل "أظهروا ردّة فعل معزّزة على هذه الكلمة. لقد تمكّنوا من معالجة أفضل للكلمة، كما أنّهم استطاعوا ملاحظة التغييرات فيها"، وفقاً لهوتيلاينين. وأشارت الباحثة إلى أنّ هذا النوع من التعلم ربما يبدأ في فترة متأخّرة من الحمل، وأنّ الأجنّة يبدأون بالسّمع في منتصف فترة الحمل.
كما اكتشف علماء نفس أمريكيون أنّ الطفل الرّضيع يستطيع التّمييز بين المواضيع الإيجابيّة والسّلبيّة (الخطأ والصّواب، التّعصب والتّسامح، العدالة والظلم)، حيث يفضّل التّعامل مع الأشخاص الجّيّدين ويصد نظرائهم الذي يمارسون سلوكا سلبيّا أمامه. وتوصّل الباحثون لهذه النّتائح الجديدة بعدما درسوا السّلوك الأخلاقي للأطفال الرّضّعِ بعمر 3 أشهر فما فوق. يعتقد هؤلاء العلماء أنّ التّعلق بالأشياء الإيجابيّة هو سلوك فطري وليس مكتسبا وخاصّة لدى الأطفال الرّضّع الذين لم يتعلموا بعد أيّة قيم أخلاقيّة من والديهم. وربما يفند الاكتشاف الجديد ما ذهب إليه فرويد الذي يؤكد أنّ الإنسان كائن عدواني وشرس بطبعه، ولديه حبّ التّملك والسّيطرة وتدمير الآخر. ويلجأ الرّضيع بعمر 3 أشهر الى إطالة النّظر للأشياء او المواقف التي يفضّلها، فيما يلجأ نظيره ذو الـ5 أشهر إلى محاولة الإمساك بها، كونه يستطيع حينها استخدام يديه.
ويرى العلماء أنّ بذور ادراك العدالة والصّواب والخطأ مزروعة موجودة بالفطرة لدى جميع البشر، وتؤكد بعض الدّراسات أنّ الأطفال قبل سنّ المدرسة، حوالي 5 سنوات، يُظهِرون الأنانيّة بوضوح ويريدون نصيباً أكبر من الآخرين في كلّ شيء ولا يميلون للعدالة. لكنّهم يؤكدون حدوث تبدل نوعي ومفاجىء في سلوك الأطفال في عمر 9 و10 سنوات، حيث يبدأ الأطفال بممارسة العدالة والتّضحية، بمعنى إيثار الغير على النفس، ويردّون ذلك إلى عنصر التّعليم من الوالدين والمدرسة والمجتمع (3). لكنّ تلك السّلوكيات الغريزيّة التي يمارسها الأطفال الرّضّع والصّغار قبل سنّ المدرسة لا تنمحي بالتّعلُّم وإنما تخضع للتّرويض والتّكييف الاجتماعي للإنسجام مع المجتمع ولمنع التّصادم مع مصالح وسلوك الآخرين. وفي الواقع عندما نكون تحت ضغوط قويّة ومصاعب كثيرة فإنّنا قد نعاني من النّكوص، أي نعود إلى سلوكنا الأناني الطفولي وننسى كل ما اكتسبناه في حياتنا من أخلاقيات فاضلة. ومن ناحية أخرى فإنّ تلك الظروف الصّعبة ذاتها التي نمر بها في الكبر قد تدفعنا إلى أعمال البطولة والإحسان والخير والتّضحية والإيثار والعدالة. ويبدو أنّ تلك السلوكيات الإنسانية المتناقضة عند البلوغ لها جذور في فطرتنا الطبيعيّة في الطفولة وهي جزء من تكويننا الحياتي.
ليس التأثير على سلوك الأطفال محصورا بحكايا السّاحرات الخيالية، فللشّعر مفعوله وسحره أيضا. يقول الشّاعر اللبناني جودت فخرالدين (4) عن قصائده الموجّهة للأطفال إنّها تحتوي معاني شعريّة تحفز على التفكير الإيجابي وتفضي في الوقت نفسه إلى التأمل واستخدام الخيال، إضافة إلى بساطة اللغة وجمال الإيقاع الذي يصنع إحساسا إنسانيا يؤدّي إلى صفاء النّفس ونقاء الطبيعة. وفي اعتقاده أنّ تنوّع القصائد والأفكار يؤدي إلى زيادة الحصيلة المعرفية والتأملية لدى الأطفال.
مارس المؤلف كاشدان التّدريس في عدد من الجامعات الشّهيرة في الولايات المتحدة كانت آخرها جامعة ماساتشوست في مدينة آمهرست. كما واصل عمله كمحلل نفسي لعدد من السّنوات خلال عمله كأستاذ جامعي. وكتابه هذا يتألف من اثني عشر فصلا ومقدمة قصيرة، ويغطي مواضيع شتّى تمتدّ من الحكايا الخياليّة والخرافيّة والسّحريّة إلى الأساطير الى أدب الأطفال الى الفولكلور وجمعه وتدوينه إلى نظريات التّحليل النّفسي وتطبيقاتها ...ألخ. يعطينا في الفصل الأول موجزا تاريخيّا عن هذه القصص فيذكر أنه حتّى نهاية القرن الثامن عشر، كانت حكايا السّاحرات تُعرض بشكل مسرحيّ على خشبة الصّالونات الباريسية الخاصّة، حيث كانت تُعتبر أعمالا أدبية للهو وتسلية النّخبة المثقفة. لم تحرز حكايا السّاحرات موقعها باعتبارها أدبا للأطفال حتى القرن التاسع عشر. حدث هذا بشكل تدريجيّ عن طريق الباعة المتجولين الذين كانوا يتنقلون من قرية الى قرية يبيعون بعض الحاجات المنزليّة والقماش وورق النّصوص الموسيقيّة وبعض الكتب الرّخيصة الثمن التي كانت تُسمّى كتيبات القصص الشعبية. فلقاء مبلغ زهيد يستطيع الفرد حينئذ أنْ يشتري بعض تلك الكتيّبات التي تحتوي على قصص شعبية معدّلة وأساطير وحكايا ساحرات خياليّة تمّت اعادة صياغتها وبُسّط أسلوبها ليكون بمقدور الأشخاص المحدودي الثقافة من قرائتها وفهمها والإستمتاع بها. وبسبب ضحالة مستواها من الناحية الأدبية ووجود الكثير من الرّسوم والتوضيحات فيها، فإنها جلبت انتباه القرّاء الأصغر سنّا، من الذين أعجبوا بها إعجابا عاطفيا لرغبتهم في قراءة القصص السّحرية وقصص المخاطرات.
يؤمن بعض المتخصّصين بأمور الفولكلور أنّ هذه القصص تعطي "عِبرا ودروسا" حول السّلوك السّليم وتنصح القرّاء الصغار حول تحقيق النّجاح في حياتهم. فحكاية ذات الوشاح الأحمر مثلا، كان يُعتقد بأنّها تحضّ الأطفال لسماع ما تقول امهاتهم وتجنّب الكلام مع الغرباء في الطرقات، خاصّة في الغابات. كما تحذر قصة الجمال الغافي الأطفال بعدم المخاطرة بالذهاب الى الأماكن المجهولة التي يجب ألاّ يتواجدوا فيها أصلا. لقد تعلمت بطلة القصة هذا الدّرس جيدا عندما دخلت غرفة يُمنع الدخول اليها وجرحت إصبعها عندما لمست مغزلا مسموما. لكنّ المؤلف يتبنى رأيا مخالفا إذ يقول إنّه لقصص السّاحرات الخيالية صفات أخرى تجعلها جذابة، لكنّ إعطاء الدّروس والعبر ليست منها في شيء.
غير أنه لا بُدّ من أنْ نتذكر أنّ هذه القصص هي أكثر من مغامرات مشوّقة تثير الخيال، وهي بالتّأكيد أكثر من مصدر للتّسلية. فبالرغم من مشاهد الملاحقة والإنقاذ الذي يتمّ في آخر لحظة، فإنّ فيها دراما جديّة تعكس أحداثا تجري في عالم الطفل الداخلي. وفي حين أنّ الميل ألأساسي نحو قصص السّاحرات قد يكون قدرتها أنْ تُسلي وتفتن، فإنّ قيمتها عند المؤلف هي في قوّتها على مساعدة الأطفال لكي يتعاملوا مع الصّراعات الداخلية التي يواجهونها أثناء عملية نموّهم. كيف يمكن لأيّ شخص أنْ يوضح انجذاب الأطفال نحو قصص من قبيل هانزل وگريتل، حيث يُرسل الأطفال الأبرياء الى الغابة ليموتوا جوعا؟ كيف يمكن لأيّ أحد أنْ يبرر ما يجري في قصة حورية البحر الصغيرة، حين يُقطع لسان بطلة القصة من أجل إتمام صفقة؟ فإضافة لكونها مغامرات سحريّة، تساعد هكذا قصصٌ الأطفالَ كي يتعاملوا مع الصّراعات التي تشكل جزء من حياتهم يوما إثر يوم.
ما هي بالضبط طبيعة الصراعات المشار إليها أعلاه؟ يعتقد أتباع فرويد أنها جنسية بدرجة كبيرة ومتجذرة، كما كانت في حالة هموم أوديب. يستشهد المؤلف بالمحلل النفسي برونو بتلهايم، صاحب كتاب إستعمالات السحر، حيث يقول إنّ المعاني الخفية لقصص السّاحرات الخيالية تدور حول أمور تتعلق بحسد العضو الذكري والخوف من العجز الجنسي والشهوة اللاشعورية نحو ذوي القربى. واستنادا الى ذلك، فإنّ الصّراعات الجنسية النفسية الخفية هي القوة الدافعة للكثير من قصص السّاحرات الخيالية، بدء من غطاء رأس الفارس الصغير الأحمر حتى رمپلشتاليسكن.
يبسط المؤلف رأيه بصدد اختلافه مع ما أشيراليه أعلاه فيقول إنّه بالرغم من أنه لا أحد ينكر أنّ الأطفال مخلوقات جنسيّة وأنّ بعض قصص السّاحرات الخيالية قد تتطرق إلى الرّغبات الجنسية، ولكنّ الجّنس بحدّ ذاته بعيد كل البعد من أنْ يكون موضوعا ملحّا في حياة الأطفال المبكرة. فالأطفال يقلقون أكثر حول إسعاد ذويهم وبناء علاقات صداقة مع الأطفال الآخرين والمحافظة على ديمومتها، وأن يكون تحصيلهم المدرسي جيدا، أكثر من تفكيرهم بالقضايا الجّنسية. وهم يقلقون حول موقعهم في العائلة، وإنْ كان ذووهم يحبونهم على درجة سواء مع اخوانهم وأخواتهم. وهم عادة يتساءلون عمّا إذا كانوا قد تلفظوا بشيء أو فعلوا فعلا معينا قد يلقي بهم في أحضان الهجران. إنّ أكثر الأمور التي تشغل أذهان الأطفال الصّغار لها علاقة بسيطة بالجنس، وأنّ جلّ أفكارهم ودوافعهم هي التي تؤثر في علاقاتهم مع الأشخاص المهمين في حياتهم.
يقول الكتاب في الفصل الثاني إنّ شخصيات الأنثى هي التي تسود في حكايا السّاحرات وهو السبب لوجود عدد من السّاحرات يطغى على عدد الغيلان والكثير من الجنيّات العرّابات مقارنة بالقليل من العرّابين. فقصص السّاحرات هي بالأساس دراما عن الأمهات تلعب فيها السّاحرات والعرّابات وغيرها من الشّخصيات الأنوثية أدوارا خيالية ثانوية في فترة "الإنفصام" في الطفولة المبكرة. وحين تحاول القصص تحويل هذا الإنفصام في الذات الى مغامرة تضع قوى الخير ضد قوى الشرّ، فإنّ حكايا السّاحرات لا تساعد الأطفال على التعامل مع الميول السّلبية الذاتية فقط، ولكن للإقرار بدور الأمّ المحوري في تكوين الذات.
في مقابل ذلك نرى محدودية دور الذكور في أغلب حكايا السّاحرت. تميل شخصية الأمير لأنْ تظهر كشخصية كارتونية تخطر على البال في وقت متأخر، فتأتي في نهاية القصة لتضمن خاتمة سعيدة لها. وفي الكثير من الحالات نجد أنّ تدخل الأمير لإنقاذ حياة بطلة الحكاية يكون عن طريق الصدفة. فالأميرة في الثلج الأبيض لم تستيقظ من نومها بسبب عمل قام به الأمير ولكن لأنّ أحد الخدم أسقط دون وعي منه التابوت الزجاجي الذي وُضعت فيه. وفي قصة الأخوين گرمّ عن ذات القبّعة الحمراء الصغيرة تنضمّ جهود البطلة الى جهود الجدّة للقضاء على الذئب. إقتصر ألإستثناء على ذلك ما نجده في نسخة پرّو، حيث تلعب شخصيّة الصيّاد دورا مهمّا في الحكاية.
لم يكنْ للآباء دور أفضل في هذه الحكايات. فهم إمّا ذاهبون الى الصّيد أو أنّ هموم أطفالهم لا تعنيهم في شيء. ففي قصة ساندريلا لا نجد أيّ أثر للأب، فيما كانت البنت الصغيرة تلقى صنوف المعاناة والتعذيب على يد زوجته. ولسبب ما، فهو يجهل أنّ طفلته الوحيدة قد أجبِرت على لبس ملابس قذرة وطُلِب منها أنْ تنام على أرضيّة المطبخ. وفي نسخة باسيل من قصة سندريلا التي نُشرت بعنوان قطة سندريلا، ينسى الوالد ما وعد بنته به عندما غادر القصر في رحلة بحرية بأنّه سيجلب لها أوّل غصن يمسّ قبعته. ولكنْ حين استقرت حال سفينته بعد مرور عاصفة، وكان ذلك تذكيرا له بما نسي من الوعود، خطر بباله ما كان قد وعد به إبنته.
وبنفس الطريقة، نجد أنّ والد هانزل وگريتل هو الآخر قد فشل فشلا ذريعا في أداء دوره. فعندما أعلنت زوجته عن عزمها لإرسال الطفلين الى الغابة ليلقيا موتا محتّما، لم يبدِ الرجل أيّ اعتراض. كان العذر في الإرادة المسلوبة وراء تخلي الوالد عن حبّ طفليه، وبالتالي الإذعان لخطط زوجته الجهنميّة. وهذا يتعارض تماما مع الأساطير والملاحم الإغريقية التي تقوم على أعمال شخصيّات ذكورية وأدوارهم، مثل زيوس كبير آلهة اليونان وبوسيدون إله البحر وأگاممنون بطل الإغريق في حروب طروادة، وغيرهم الكثير. أمّا قصص السّاحرات فتدور حول النّساء والأدوار التي يلعبنها في شخصية الطفل وشعوره الذاتي. لم تكنْ السّاحرة هي التي ساعدت دوروثي في النهاية لكي تجد الطريق للعودة الى كنزس ، بل گلندا.
ليست حكايا السّاحرات أساطير، وابطالها وبطلاتها في هذا السرد الدرامي ليسوا شخصيّات غير اعتياديّة وأكبر من الحياة نفسها، كما نجد ذلك في الأساطير. أضف إلى ذلك، أنّ المهام المطلوبة في تلك الحكايات ليست أعمالا بطولية خارقة تتطلب جرأة فوق العادة. وهناك فرق بين السّيطرة على ثيران هائجة تقدح عيونها شررا، ومهمة لفصل حبّات العدس عن قشورها. ألغرض من هذه المهام هو فقط إبراز الطبيعة الشرّيرة للسّاحرة. وعندما يُطلب من الطفل في القصة أنْ يقوم بأعمال غير معقولة تفوق طاقته، فإنّه يبدأ بفهم كم بغيضة هي تلك السّاحرة. وبطبيعة الحال يشاركه القارئ ذلك الفهم.
في الفصل الثالث يستعرض المؤلف نزعات الغرور والزّهو والخيلاء بطرح سؤال فحواه كيف يفكر الأطفال حين يتحدّث التلفزيون في جعل الجمال نوعا من الفنّ العالي؟ فالإعلام يُغرق قنوات البثّ التلفزيوني برسائل تمجّد بفضيلة واهية وتطري بها، وهي أنْ يكون الإنسان جذابا. إنّ سيطرة "صناعة" الزّهو والغرور والخيلاء مسألة تحيّر العقل، عندما ينظر الواحد منّا الى أنواع مستحضرات التجميل التي لا تُعدّ ولا تُحصى، وصبغ الشّعر والدّهونات على اختلاف انواعها، وكم يُباع منها سنويّا وكم يصرف النّاس من مدخولاتهم على هذه المنتجات. ربّما يبدأ الأطفال بعد سنّ الرّوضة في التنافس بين بعضهم البعض في مسابقات الجمال هذه. ثمّ يشير المؤلف الى إنضمام شركة ماتل إلى شركة أيفون لوضع طقم ماكياج للبنات من سن الثالثة فما فوق، أطلِق عليه "طقم باربي للمستحضرات الفتّانة"، ويحتوي على مواد لتجميل العينين والخدين والشفتين.
تعلم قصص من قبيل الثلج الأبيض وملابس الإمبراطور الجديدة أنّ زيادة الإستثمار في المظاهر لها نتائج ضارة. فالإعتماد على المظهر ليضمن الفرد له مكانا في العالم، واللجوء الى خلق الإنطباعات بديلا للصفات الشخصية الكريمة، يقودان فقط الى الحزن والغمّ. ولكن هل من المعقول أنْ نتوقع من الحكايا الخياليّة أنْ تُبطل مفعول الرسائل القويّة التي يتعرض لها الأطفال بشكل مركز ومستديم؟ قد يكون الجواب بالنفي. ولكنْ من جهة أخرى، فإنّ الأطفال يتعرّضون لحكايا السّاحرات في وقت مبكر، حيث يكون للتجارب العاطفية الواضحة أثر مستديم. ومن خلال تعزيز العلاقة بين أنفسهم والشّخصيات في الحكاية منْ التي تقاربهم في العمر، ومن خلال إظهار كيف تواجه هذه الشّخصيات ميولها الرّديئة الخاصّة، تهيء حكايا السّاحرات للأطفال الفرصة للسّيطرة على القوى الداخلية فيهم، والتي من الصّعب مواجهتها بوسائل أخرى.
يتابع المؤلف قضية المظاهر في القسم الذي يتناول فيه مراسيم ما بعد موت الثلج الأبيض. فكّر الأقزام أوّلا بدفنها لكنّهم تراجعوا عن الفكرة لأنّهم لم يتحملوا أنْ يضعوها تحت التّراب. فالبنت عزيزة جدّا عليهم وجميلة جدّا ولم يحبّوا أنْ يخفوها عن هذا العالم. لقد كانت تبدو وكأنّها تنبض بالحياة.
قالوا جميعا "لا يمكننا أنْ نخفيها في ظلمة القبر." ولذلك عملوا لها تابوتا من الزّجاج بحيث يمكن رؤيتها من كافة الجّهات. وضعوها في التّابوت وكتبوا عليه بحروف من ذهب بأنّها إبنة ملك. ثمّ وضعوا التّابوت عند قمّة الجبل، وتناوبوا على مراقبته وحراسته.
يعتبر المؤلف التابوت الزّجاجي صدى لفكرة الزّهو والخيلاء. فرغم أنّ البنت ما عادت على قيد الحياة، فإنّ مظهرها سيستمر في تبيان قيمتها وأنّها عزيزة غالية يجب تدليلها. إنّ عرضها في تابوت زجاجي لكي يراها أيّ عابر سبيل يشير إلى أنّ اعتبارات الزّهو والخيلاء قد نالت الحضوة. ولكن هناك أيضا أمل. إنّ الثلج الأبيض ومعها القرّاء يمكنهم أنْ يتغلبوا على ميولهم الآثمة إنْ كان بالإمكان أنْ تُبعث حيّة من جديد، وهنا يصل الأمير.
يتناول المؤلف في الفصل الرابع مسألة النّهم والشّرَه فيقول إنّه حين ترك الوالدان الطفلين في حكاية هانزل وگريتل للمرّة الثانية في منطقة مفتوحة وسط الغابة بحجّة الذهاب لجمع بعض الحطب لإيقاد النّار، لم يكن في نيّتهما العودة إليهما. وجد الطفلان نفسيهما وحيدين ثانية. لم يستطيعا العودة الى البيت لأنّ طيور الغابة كانت قد التقطت فتات الخبز الذي نثره هانزل على الطريق. وجدا نفسيهما وقد تاها في الغابة دون أيّ دليل يرشدهما الى حيث يوجد بيتهما. أمضى الطفلان ثلاثة أيّام يتنقلان في الغابة من مكان الى مكان حتى وصلا الى كوخ صغير. وعندما اقتربا منه وجدا لفرحتهما أنه مبنيّ من الخبز والحلويات. فالسّقف مصنوع من كعكة الزّنجبيل وإطارات الشّبابيك من السّكر المُصفى. نزل الطفلان الى الكوخ وبدأا بالتهامه. قال هانزل لأخته "سآكل قطعة من السّقف، وأنت حصّتك الشّبابيك."
مَنْ يستطيع لوم هذين الطفلين الجّائعين، اللذين تجوّلا على غير هدى في الغابة لأيّام، على إطلاق العنان لإشباع جوعهما. لكنّ شهوتهما للطعام قد استبدّت بهما واستمرا في الأكل حتى بعد أن أحسّا بأنّهما قد نالا ما فيه الكفاية. لم يقتنع هانزل بقطعة صغيرة من السّقف بل "أتى على جزء كبير منه"، وأكلت گريتل "الشّبابيك وإطاراتها!" كانا يعرفان جيّدا أنّ الإفراط في الأكل خطيئة وشيء رديء، لكنّهما لم يستطيعا السّيطرة على نفسيهما. وما بدأ بعملية "تذوّق" انتهى بتجاوز الحدود بشكل مخبول. لقد تنحّى الجّوع الإعتيادي وترك للنّهم والشّره أنْ يكونا سيّدي الموقف.
لم تتوقف "الوليمة" عند ذلك الحدّ. عندما طلبت صاحبة الكوخ منهما أنْ يدخلا، استمرّا في تناول المزيد من الطعام فقد وجدا أنّ طاولة قد أعدّت لوجبة خفيفة من الحليب وفطيرة محلّاة وتفاحا وجوزا وبندقا. أكل الطفلان المزيد حتى التّخمة المفرطة. تقول الحكاية أنّه حين حان موعد النوم "ألقى هانزل وگريتل بنفسيهما على الفراش، واعتقدا أنّهما يقضيان ليلتهما في النّعيم." وطبعا، كانت السّاحرة هي صاحبة الكوخ. وهي لا تكتفي بأكل الأطفال الصّغار، بل تسكن في كوخ يُعتبر رمزا لإغوائهم واصطيادهم. كانت تعرف أنّ أكثر الأطفال مصابون بداء النّهم والشّرَه، وهي تستخدم معرفتها هذه في إعداد الأفخاخ لهم.
كيف تعرف السّاحرة ذلك؟ لأنّها هي الأطفال. هي الجانب الرديء القائم على الخطيئة لكل من هانزل وگريتل. هي الجانب المدفوع بالنّهم والشّرَه. هذا ليس بغائب عن ذهن الطفلين. فهما على المستوى الإدراكي العميق، يعرفان أنّ السّاحرة جزء منهما، وأنّ الصّوت المنبعث من داخل البيت هو صوتهما. لكنّهما لا يقويان على مقاومة ذلك. ومن يستطيع لومهما؟ كم يحدث لنا نحن البالغين أنْ نتجاهل صوت العقل فينا ونستسلم بقناعة للإغراءات باشكالها المتنوّعة.
يضيف المؤلف أنّه يجب ألاّ نُفاجئ عندما نجد أنّ الطعام والتغذية يظهران بشكل متكرّر في حكايا السّاحرات. ونظرا لأنّ هذه الحكايات تدور بالضّرورة حول الإنفصام، فإنّها تركز على تجارب وتنذر بظهور بوادر ذلك الإنفصام. إنّ حصول الطفل على الغذاء والذهاب الى النّوم، وقد نال حاجته منه، يعادل الشّعور بالقناعة لديه. وإذا ما حُرم الطفل من التّغذية فإنّ ذلك يؤدي الى العكس. إنّ لتناول الطعام نتائج رمزيّة تمتد لقضايا الحياة. وقبل أنْ يبدأ الأطفال الخوض في معرفة ذواتهم، فإنّ أسس ذلك تبدأ بقضية الحصول على التّغذية الكافية.
تطرح مشكلة النّهم والشّرَه سؤالين. الأوّل هو لماذا تدور الكثير من الحكايا حول الطعام والتّغذية؟ والثاني لماذا يتمحّور الخطر على البطل أو البطلة على صورتين هما الحِرمان من الطعام من جهة أو أنْ يؤكلا من النّاحية الأخرى؟ ألسّبب هو أنّ الطعام وتوفيره هما الغطاء الذي تختفي تحته كافة أشكال العناية أو غيابها. وتحدث معظم اهمّ التجارب العاطفيّة للطفولة في منطقة صدر الأمّ، وتضمّ خليطا مركبا من الأحاسيس الملموسة والمشاعر المشبّعة بالحنان والعطف. إنّه من خلال تغذية الأطفال تتمّ تهدئتهم وتوفير الرّاحة لهم وجعلهم يشعرون بالأمن.
والعكس من ذلك صحيح. فترك الطفل جائعا قد يؤدي الى مشاعر طاغية بفقدان الأمن قد تصل الى درجة المرض النفسي. أشرف المؤلف على علاج ولد كان يعاني من الشّهية للطعام غير الطبيعي، مثل أكل الطباشير وأقلام الشّمع الملوّنة والماسحات المصنوعة من المطاط وغيرها. بدأت هذه الظاهرة عندما تُرك الطفل من قبل والديه جائعا في شقة باردة. إنتبه الجيران الى بكائه وأنينه فاتّصلوا بالشّرطة حيث تمّ إنقاذه من أضرار جسيمة بالغة الخطورة أو ربما الموت. تركت تلك التجربة التي مرّ بها أثرا متمثلا بشعور الولد بالحماقة وأنّه سيء لا قيمة له إطلاقا.
لذلك يجب ألاّ نُفاجئ عندما نجد أنّ الطعام والتغذية يظهران بشكل متكرّر في حكايا السّاحرات. ونظرا لأنّ هذه الحكايات تدور بالضرورة حول الإنفصام، فإنّها تركز على تجارب وتنذر بظهور بوادر ذلك الإنفصام. إنّ حصول الطفل على الغذاء والذهاب الى النّوم، وقد نال حاجته منه يعادل الشعور بالقناعة لديه. وإذا ما حُرم الطفل من التغذية فإنّ ذلك يؤدي الى العكس. إنّ لتناول الطعام نتائج رمزيّة تمتد لقضايا الحياة. وقبل أنْ يبدأ الأطفال الخوض في معرفة ذواتهم، فإنّ أسس ذلك تبدأ بقضية الحصول على التّغذية الكافية.
من بين كل صنوف الحيوانات التي نجدها في حكايا السّاحرات وغيرها من قصص الفولكلور، تظهر الذئاب بأنّ لها شهيّة نهمة. وعندما نفكر بالذئاب وهي تأتي على ضحاياها فإننا نفكر بشكل أوتوماتيكيّ بتلك الشّهيّة التي لا يمكن السّيطرة عليها. فالذئاب تمثل فكرة النّهم والشّرَه، وهو أمر يتكرّر في تحذيرات الوالدين لنا ونحن صغارا "لا تأكلوا بنهم مثل الذئاب."
ففي حكاية ذات الوشاح الأحمر وكذلك في حكاية هانزل وگريتل نجد تأكيدا على مفهومي الشّرَه والنّهم، إلا أنّ السّاحرة يحل محلها الذئب في الحكاية الأولى. ففي هذه الحكاية تضع الطفلة البريئة نفسها في موقف كارثيّ بشكل اعتباطي وهي في طريقها لزيارة جدّتها. والذئب النّهم لا يكتفي باكل إنسان واحد بل يتعدّى ذلك لأكل إثنين. فهل فعل ذلك حقا؟ يعتمد هذا على النّصّ المتوفّر للقارئ.
يمثّل حبك حكاية ذات القبّعة الحمراء الصّغيرة نظرة أكثر تعقيدا من حكاية ذات الوشاح الأحمر التي كتبها پرّو، وغيرها من النّسخ التي يتداولها الفلاحون. فحكاية ألأخوين گرمّ تُشعر القارئ أنّ الدّوافع الدّنيئة، وهي في هذه الحالة ألنّهَم والشّرَه، الدائمة الوجود لا يُستطاع التّخلص منها بسهولة. وكما وجدنا نوعين للشّرّ في حكاية حكيم بلاد الأوز متمثّلا في ساحرة الشّرق الشّرّيرة وساحرة الغرب الشّرّيرة، فلذلك يوجد ذئبان في حكاية ذات القبّعة الحمراء الصّغيرة، ما أنْ تتخلص البنت من أحدهما حتّى يقفزالآخر ليأخذ مكانه.
وأكثر من ذلك أنّ الحكاية تأخذ ولع الذئب بالنّهّم والشّرَه مأخذا جدّيّا. وهي لم تفصّله ليتناسب مع التّشديد على قضية طاعة الوالدين. مات الذئب الأوّل بسبب شهيّته النّهمة عندما التهم شخصين خلال وقت قصير، وجاراه الذئب الثاني في سلوكه الدنيء ليلقى جزاءه هو الآخر. فعندما يكون الذنب هو النّهم والشّرَه أفليس الأفضل لقاء الموت تحت رغبة قويّة بأكل السّحُق أو النقانق.؟ إنّ موت الذئبين، في الحقيقة ساحرتين بجلد الذئاب، يأتي بنهاية سعيدة حقا لأبطال الحكايتين.
أما الفصل الخامس فيكرّسه المؤلف لمناقشة موضوع الحسد من خلال مناقشة حكاية سندريلا. رغم أنّه يُعتقد بأنّ عمر حكاية سندريلا يزيد عن ألف عام، فإنّ النّسخة المبكرة المكتوبة قد ظهرت بعنوان القطة سندريلا وأدرجت ضمن مجموعة باسيل المعنونة "قصّة القصص" التي نُشرت عام 1634. يبدأ باسيل حكايته بالقول "إنّ الحسد هو بحر من الأورام الخبيثة". ثمّ يمضي للقول "بأنّ الحسد عندما يتجاوز حدوده قد يتسبّب في انفجار مرارة الإنسان." وهذا يعني انّ باسيل يأخذ الحسد مأخذ الجّدّ، وإنّ حكايته لا شكّ تعبّر عن تلك المشاعر. تبدأ حكاية باسيل كغيرها من حكايا سندريلا برجل أرمل يتّخذ زوجة جديدة. تنتقل المرأة مع ابنتيها من زيجة سابقة ليحكمن السّيطرة على البيت الجديد ومعاملة بطلة القصّة زيزولا بكل احتقار. تُسرع البنت الى مربّيتها التي تحبّها وتكنّ لها كلّ الإعجاب، فتقول "يا إلهي، لو كنت أنت أمّي الحبيبة، أمّي التي تحبّني وترعاني على الدّوام."
في أحد الأيام عندما جاءت زيزولا وهي تتمنّى وتتوسّل، قالت المربيّة "لو عملت بما اطلبه منك، سأكون لك أمّا حنونا." طلبت منها أنْ تنتظر لحين ذهاب والدها للصّيد، ثمّ تطلب من زوجة ابيها أنْ تجلب لها بعض ملابسها المخزونة في العليّة، التي تقع تحت سطح البيت مباشرة.
"ستطلب منك ان تمسكي السّلم الخشبي جيّدا. وعندما ترفع باب الفتحة المؤديّة الى العليّة وتطلّ برأسها داخلها، حرّكي السّلم قليلا." عملت زيزولا بما أوصتها به المربيّة، فحرّكت السّلم الخشبي مما جعل زوجة الأب تفقد توازنها ويقع عليها باب الفتحة الثقيل ليقصم رقبتها ويقتلها في الحال.
اعتقد الأب أنّ موت زوجته كان بفعل الصّدفة، فانصرف الى زيزولا "ليطيّب خاطرها" ويخبرها انّه ليس من المناسب أنْ تشعر بأيّ ذنب. وبعد أنْ انتهت مراسيم الجنازة والّدّفن وبعدها فترة الحِداد، بدأت زيزولا تعدّد مزايا المربيّة الحميدة وتعيدها على مسامع والدها كلما سنحت لها الفرصة بذلك. وأخيرا اقترحت عليه أنْ يتزوّج المربيّة. لم يوافق الوالد على ذلك الطلب، لكنه خضع في النهاية تحت إلحاح إبنته الوحيدة.
غمرت زوجة الأب الجديدة زيزولا في البداية بفيض من الحنان ومزيد من الإهتمام، لكنّ ذلك لم يدم وقتا طويلا. فسرعان ما جاءت ببناتها السّتة الى القصر، فكان الأمر مفاجأة كبرى. لقد كانت أخفت حقيقة وجودهن طوال تلك السّنوات التي عملت فيها مربيّة في ذلك البيت. قامت الزّوجة بإهمال زيزولا تدريجيّا وبدأت تعمل لكي تنال بناتها الحظوة لدى زوجها الجديد، إلى الحدّ الذي جعله ينسى حبّه ومشاعره اتّجاه إبنته الوحيدة، وهو الأمر الذي جعل منزلتها عنده وفي القصر تهبط الى الحضيض. "أرسِلتْ زيزولا لتنام في المطبخ بدلا من فراشها الوثير وغرفتها الجميلة، وتغيّرت ملابسها الحريرية المطرّزة لتلبس ثيابا خشنة رخيصة." كانت تتوسد ذراعها لتنام قرب موقد النّار لتنعم بالدفئ في الليالي الباردة، تماما كما تفعل القطة. وهو الأمر الذي جعل زوجة أبيها وبناتها يُطلقن عليها لقب القطة سندريلا.
يسجّل المؤلف اختلافه مع عالم النّفس برونو بيتلهايم الذي يرجع سقوط زيزولا من قائمة المفضّلين الى رغبات أوديبيّة مكبوتة تشير الى ولعها السّفاحي بوالدها. وهو يدّعي أنّ الرّغبات الخفيّة هي التي دفعت بالبنت أنْ تتآمر مع المربيّة لقتل زوجة الأب. يقول المؤلف "لكنّ هذا التحليل يفتقر الى المعنى. فلو كانت زيزولا تريد والدها لنفسها لما ترجّته وتوسلت اليه باستمرار حتى أقنعته أنْ يتزوّج المربيّة. إنّ ما كانت تطمح اليه حقا هو الحنان والحبّ اللذين افتقدتهما بوفاة والدتها. وهذا هو ما دفعها الى الإنضمام الى مربيّتها وجعلها تشارك في قتل زوجة أبيها. ألحقيقة هي أنّ المربيّة هي التي كانت تبغي الحصول على الوالد لتزيد من قوّة نفوذها. فهي حقا كانت مدفوعة بواعز الحسد."
كما يتصدّى المؤلف لموضوع آخر يجده متكررا في حكاية سندريلا من خلال نماذج مختلفة منها على المستوى العالمي. ففي القصص الثلاثة القطة سندريلا (الإيطالية) وراشين كواتي (الأسكتلنديّة) ويه-شن (الصّينيّة) تظهر حاجة الأطفال للشّعور بالحبّ والمعزّة من قبل الآخرين، وأنّ هناك شخص يُعتمَد عليه في وقت الحاجة. ثمّ يضيف الى أنّ الإستماع الى قصص سندريلا وقرائتها يُشبع هذه الحاجة ويهدّئ مخاوف الأطفال من فقد أحد الوالدين.
يختتم المؤلف فصله الخامس عن الحسد بعقد مقارنة جديرة بالملاحظة حول نهاية حكايات سندريلا في الأدب الغربي مع قريناتها في الأدب الرّوسي.
قامت زوجتا الأميرين بالرّقص، وعندما رفعتا ذراعيهما اليسرى رشّتا الحاضرين بما تبقى من النبيذ فيهما. وعندما لوّحتا بالذراعين الآخريتين تناثرت العظام في ارجاء ساحة الرّقص، وضرب أحدها الملك في منتصف جبهته، ممّا تسبّب في غضبه الشّديد فطلب من زوجتي إبنيه أنْ تغادرا القاعة في الحال.
وهكذا نرى أنّه قد تمّت معاقبة المرأتين ليس بالقتل والتّمثيل كما في الحكايا الغربيّة، بل عن طريق الشّعور بالحرج والخزي والعار. ونظرا لأنّهما سمحتا للحسد أنْ يسيطر على سلوكهما، فقد جلبتا على نفسيهما مشاعر اللوم والفشل واصبحتا أضحوكة في البلاط، وتمّ طردهما من القصر في النّهاية.
في الفصل السادس يستعرض المؤلف ما تقوم به الدّمى وبعض الأشياء السّحريّة الأخرى في حكايا الأطفال، مثل قطع الملابس والحيوانات المحشوّة ذات القدرات السّحريّة من المهام. وهي (1) حماية أبطال الحكايات من الشّرّ ويساعدنهم في أداء المهام المستحيلة. (2) لا تقدّم هذه الأشياء العناصرَ غير الطبيعيّة فقط في الحكاية، بل تقوم بدور القوّة التي تتحكّم في التّوازن بين الطّفل وخصمه ذي القوّة الهائلة. (3) وفي نفس الوقت تقوم هذه الأشياء بتمثيل رغبة الطفل الطبيعية للإرتباط بقوّة تمنحه الحماية وتوفّر له الحبّ.
تظهر هذه الأشياء السّحريّة في العادة عندما يكون البطل أو البطلة في موقف حرج يحتاج فيه للمساعدة. فالحمامات في حكاية سندريلا تحضر لمساعدة الفتاة حين كانت تُجبَر على القيام بمهام صعبة جدّا بطلب من زوجة أبيها. كما أنّ الخفّين المصنوعين من الياقوت الأحمر يطيران بدوروثي وينقذانها من خطر ساحرة الغرب الشّرّيرة التي كانت تزمع قتلها انتقاما لموت أختها. وفي حكاية فاسيليا تقوم الدّمية بإداء المهام الشّاقة التي توكل الى البنت الصغيرة. كما أنّها تكفل حمايتها عندما كانت تُرسل للغابة.
يرى المؤلف أنّ أهميّة الأشياء التي أشرنا اليها في أعلاه تمسّ خبرات الطفل المبكرة عن التّوحّد والشّعور بالهجران. فبحكم انشغال الأمّهات عادة بكثير من القضايا التي تتطلّب اهتمامهنّ خلال ساعات النّهار والليل، فإنّهنّ لا يمكن أنْ يتواجدن قرب سرير الطفل كلّ الوقت. وقد تضطرّ الأمّ للعمل خارج البيت وأنّه قد يكون عليها الإهتمام بأطفالها الآخرين وتنظيف البيت وترتيبه وطبخ الطعام وإعداد الوجبات. ومع أنّ الأّمّ لا تكون في العادة بعيدة جدّا عن الطفل، لكنّ ذلك قد يعني بالنّسبة للطفل وجودها في كوكب آخر. فالطفل الوليد تتحكم به حواسه وعندما "تختفي" الأمّ خارج تلك الحواس، فإنّ ذلك يعني أنّ وجودها قد انتهى. "ما لا تراه العين، غائب عن الذهن" قول ينطبق حقيقة على تجربة الطفل في مراحل نموّه المبكرة.
قد يكون ذلك أمرا خاصّا قبل بلوغ الطفل سنّ السّنتين، عندما يكون لا يزال يمرّ في مرحلة تطوّر ذاته المستقلة. فقبل أن يصل الأطفال الى تلك المرحلة، فإنّهم يتصرّفون وكأنّهم جزء لا يتجزأ عن أمهاتهم، وهي ظاهرة تسمّيها مارگرت ماهلر حالة "التّكافل." وفي مثل هذه الظروف، فإنّ انفصالا قصيرا قد يؤدي الى حالة حزن عميق. وهذا يوضّح لماذا يبذل الأطفال الصّغار جهودا حثيثة للبقاء قرب امّهاتهم مباشرة، حتّى وإنْ كنّ غير بعيدات عنهم. فالطفل الرّضيع مثلا، يزحف نحو أمّه أو ينظر اليها باستمرار عندما يكون مشغولا بلعبه للتّأكد من أنّها لا تغيب عن ناظريه. يُظهر الطفل حالة قصوى من الجزع، حتّى وإن غابت عنه فترة قصيرة جدّا. ويبدو أنّ المعادلة في تلك الفترة تقوم على ما يلي "الأمّ=الطفل." ولذلك فإنّ غيابها، حتّى لو كان لفترة قصيرة جدا يُطلق حالة من الهلع عنده. وإذا كان الأمر "الأمّ=الطفل" فإنّ "إختفاء الأمّ=إختفاء الطفل."
تتكوّن بمرور الوقت صورة ذهنيّة للأمّ عند الطفل يعوّل عليها عندما لا تكون موجودة بقربه. إنّ بروز مثل هذه الظاهرة الدّالة على النّضوج يمكن تطويرها عندما تلعب الأم مع طفلها "لعبة الغمّيضة" أو ما يطلق عليها الأمريكيّون peek-a-boo. يلاحظ الطفل أنّ الأمّ تقوم بتغطية وجهها بيديّها والذي تنجم عنه قهقهات عالية من الفرحة والحبور عندما تسقط يديّها ويظهر وجهها بشكل سحري. وفي مرحلة متأخّرة سيقوم الطفل بتغطية وجهه، كما عملت أمّه ويستخدم صورة ذهنيّة لوجودها هناك، ثمّ يُسرع بكشف وجهه لكي يتأكد أنّها ما اختفت تماما. وعندما يتحوّل هذا النّشاط الى لعبة، سيتمكن الأطفال من السّيطرة على الواقع المتغيّر لعوالمهم الداخليّة.
ألمشكلة هي أنّ تلك القدرة على الإحتفاظ بالصّورة الذهنيّة للأمّ لا تحدث بين يوم وليلة. يعتقد بعض علماء النّفس النّمو بأنّ القدرة على خلق "الصّورة الذهنيّة" للأمّ "تبدأ في الشهر الأوّل أو الثاني من عمر الطفل، وقد تستمرّ لفترة خمسة أو ستة شهور أخرى قبل أن تكون تلك الصّورة للأمّ قد اكتملت واستقرّت. وقد يحتاج الطّفل الى سنة أو سنتين حتّى تكون الصّورة قد اندمجت في ذات الطفل ويصبح وجودها مبدأ هاديا بالنّسبة له.
مما لا شكّ فيه أنّ سنة أو سنتين فترة طويلة بالنّسبة لحياة الطفل. وفي ذات الوقت فإنّ "فترة الهجران القصيرة" التي يعيشها الطفل قد تؤدي الى لحظات من القلق. وبغية التعامل مع هذا القلق المرتبط بالإنفصال عن الأمّ يعمد الأطفال الى أسلوب يمكن تسميته "الأشياء المرحليّة" بقصد تطمينهم عندما تغيب الأمّ لبعض الوقت. تقوم هذه الأشياء بدور الأمّ وتأخذ مكانها حتّى تصبح الصّورة الذهنيّة للأمّ مشهدا أوتوماتيكيّا وغريزيّا.
إنّ أهمية الأمومة التي تمثلها الأشياء المرحليّة يمكن العثور عليها في عدد من حكايا السّاحرات الخياليّة. ففي حكاية راعية الأوز تقدّم الملكة الأمّ لبنتها منديلا ملطخا بثلاث قطرات من الدّم، قبل أنْ تنطلق البنت في رحلة طويلة لتتزوّج أميرا في مملكة مجاورة. يمثّل الدّم الرّابطة القويّة بين الأمّ وبنتها، والقصد من المنديل هو حماية البنت ما دامت تحتفظ به. كما أنّ العجل الأدهم في حكاية راشين كواتي قد أعطي للبطلة من قبل أمّها قبل أن تفارق الحياة، كما أعطيت يه-شين سمكة ذهبية ليقوما بنفس الدّور. ورغم أنّ السّاحرة قد قتلت الحيوانين في كلتي الحكايتين، فإنّ العظام استمرّت في تقديم العطاء. ونظرا لأنها تجسيد لروح الأمّ، تلعب هذه الحيوانات دور "ألأشياء المرحليّة" لتؤمن حصول البطلة على ما تحتاجه من الثياب والبدلات التي تجذب انتباه الملوك والأمراء نحوها.
ولو أنّه يمكن القول من النّاحية العمليّة إنّ أيّة لعبة يمكن أن تكون "شيئا مرحليا"، فإنّه يبدو أنّ الأطفال ينجذبون نحو الدّمى والحيوانات المحشوّة والملاحف وقطع الملابس المختلفة. ربّما لأنّه يمكن معها إعادة خلق عمليّة الرّضاعة والإحتضان والشّعور بالدفئ، وهي جميعا تجارب يعيشها الطفل خلال الأشهر الأولى من حياته. غير أنّ قرار الطفل بإسقاط الأهميّة على شيء واحد منها يعود بشكل كبير ليس الى شكلها ولونها ولكن على المعاني العاطفيّة المرتبطة بها. تعطي اللعب والدّمى للأطفال في العادة عندما يكون الطفل في لحظة توتّر في حياته، فتجلب له الهدوء والأمن. وفي بعض الأحيان يُظهر الأطفال تعلقا بملحف أو وسادة مثلا، لأنّهما يوفرّان له الرّاحة والسّلوان، خاصّة خلال فترة مرض طويلة الأمد.
ثمّ يمضي المؤلف للقول بأنّ طبيعة العالم تتطلّب التّمييز القاطع بين عنصري الخير والشّرّ. وغالبا ما نجد عناصر الخير مشتبكة مع عناصر الشّرّ، وهو شيء يدركه الأطفال خلال عمليّة نموّهم حيث يضطرّون الى مواجهة الحيرة الأخلاقيّة التي لا مفكّ منها. وعندما تظهر شخصيّة السّاحرة بأّنها خيّرة وشرّيرة في نفس الوقت، كما في حكاية فاسيليا الجميلة، فإنّ ذلك يطلع الأطفال على أنّ القضايا الأخلاقيّة في الحياة ليست بكل البساطة والمباشرة اللتين تبدوان فيها للعيان.
يختتم المؤلف هذا الفصل بالقول إنّ الأشياء المرحليّة تقوم بردم الهوة النّفسيّة بين الأمّ كشيء خارجي والأمّ كشيء موجود في الذات، يعمل دائما ليخفّف من وحدة الأطفال وشعورهم بالفراغ. تقوم هذه الأشياء بدور تذكير الأطفال أنّهم لن يكونوا وحدهم إطلاقا. لربما لا يحتظن إنسان ما في الوقت الحاضر دبّا صغيرا أو لعبة تبعث في النفس الإطمئنان والرّاحة، ولكنْ ليس من الصّعب عليه أنْ يستعيد أوقاتا كان فيها شيء ما أحد الأشياء المحبّبة فتحوّل الى ذكريات جميلة. تقوم حكايا السّاحرات باستعادة تلك الذكريات وتعيد الى الأذهان أنّ الأشياء المرحليّة في تلك الحكايا أشياء سحريّة تعمل عملها فينا حتّى عندما نتجاوز مرحلتي الطّفولة والشّباب.
يكرّس المؤلف الفصل السّابع للكذب والإحتيال وغيرهما من أشكال الخُداع من المواضيع التي تتكرّر في حكايا السّاحرات الخياليّة. وهو يرى أنّ الكذب يلعب أحيانا دورا مهمّا في عمليّة النّمو النّفسي، ويقترح بعض الباحثين أنّه عندما يخبر الطّفل الصّغير أمّه كذبة وتصدّق الأمّ تلك الكذبة، فإنّ الطفل سيستنتج بأنّ أمّه لا تعرف بماذا يفكر طفلها. وإذا كانت غير قادرة على فهم أفكار طفلها، فإنّها لا تستطيع توجيهه. إنّ الكذب في ظروف معينة يساعد الأطفال أنْ يحرّروا أنفسهم عقليّا من ذويهم، ويكون بذلك عاملا مساعدا على تنمية هويّتهم الشّخصيّة المستقلّة.
من الواضح أنّ الأطفال يكذبون لأسباب مختلفة. فقد يعمدون إليه لحماية أنفسهم حين يرتكبون عملا مخالفا أو لتبجيل أنفسهم أمام ذويهم وأصدقائهم. كما يتعلم الأطفال الكذب لتحاشي الصّدام في الظروف الإجتماعيّة. فالآباء والأمّهات يوصون أطفالهم بألّا يقول أحد لجدّته إنّ "ثوبها مضحك" أو أنّهم لا يحبّون الهدايا التي تعطيها لهم في المناسبات. يُعَلّم الأطفال بشكل متقصّد ألّا يبوحوا بأماكن وجود ذويهم عندما يسأل أحد ما عنهم عن طريق الهاتف. والويل كلّ الويل للطفل الذي يُخبر الجّارة الفضوليّة أنّ أمّه تصبغ شعرها، أو أنّ والده مدمن على الشّرب. أظهرت دراسة أجرتها عالمة النفس ماري فاسك عن الكذب عند الأطفال بأنّ النّسيج الإجتماعي يكشف إنْ كان الأطفال أو الكبار لم يخبروا "كذبات بريئة بسيطة."
سيعرف الأطفال في النّهاية الفرق بين الكذب البريء الذي يلجأ إليه أحد ما كي لا يؤذي مشاعر شخص معيّن، والكذب الذي يهدف إلى إلحاق ذلك الأذى. والصّنف الأخير أمر مقيت وذنب لا يُغتفر، وأنّ حكايا السّاحرات الخياليّة مثل حكاية راعية الأوزات، تكفل معاقبة الشّخص الشّرّير الذي يمارس الكذب، مثل السّاحرة المزعومة التي يجب معاقبتها بالطّريقة التي تستحقّها.
ثمّ يمضي المؤلف للحديث عن حكاية ألأميرة الحاذقة وهي قصّة كتبتها مري جين لهرتي، إبنة عم الكاتب تشارلس برّو. تدور القصّة حول أمير شرّير يستغلّ جنسيّا أختين من أجل تدمير حياة أخت ثالثة لهما، كان يكرهها. هي إحدى الحكايا الخرافيّة "للصّالونات" في فترة القرن السّابع عشر، وتتحدّث عن ازدواجيّة الرّجال ونفاقهم. وفي نفس الوقت، تظهر بطلة الحكاية كنموذج للحكايات الخرافيّة الخياليّة الأخرى. تظهر حكاية لهرتي النّتائج المترتّبة على النّفاق والكذب بين الجّنسين وتعطي في نفس الوقت انطباعا عن قوّة المرأة. وهذه تُعتبر نظرة تقدّمية، إذا ما أخذنا بنظر الإعتبار الفترة الزّمنيّة التي كُتبت فيها الحكاية. ورغم أنّ الأمير في الحكاية ليس نموذجا للسّاحرة التّقليديّة، فإنّه يتمتّع بملامح شخصيّتها. وعليه فإنّه استحقّ العقاب الذي أنزلته به البطلة في نهاية الحكاية.
كان فينه هو اسم بطلة حكاية لهرتي، وكانت هذه البنت هي أصغر ثلاث أخوات أميرات. كانت فينه بنتا خلوقا ذكيّة ذات مواهب عدة، في حين كانت أختاها ننتشالان وبابيلاغ على العكس من ذلك تماما. فننتشالان مثلا كانت كسولة لا تبالي بنظافة جسمها ولا تهتمّ بمظهرها. ونظرا لأنّه ينقصها أيّ طموح، فإنّها تمضي يومها وهي تتبختر بملابس نومها مدّعية أنّها مُتعبة طول الوقت، وليس لها طاقة على تغيير ملابسها أو تمشيط شعرها. ولا تختلف أختها بابيلاغ عنها، لكنّها إضافة لذلك كانت كثيرة الكلام حول كلّ شيء ومولعة بالقيل والقال. ونظرا لأنّها لا تستطيع إغلاق فمها لحظة، تقول عنها كاتبة القصّة أنّ لديها "نزعة دائمة للكلام."
يعتقد المؤلف أنّ حكايا السّاحرات الخياليّة الخرافيّة، التي تتعرّض لموضوع الخُداع والغشّ، سواء أكان عن طريق الأكاذيب المفضوحة أو تقمّص شخصيّة إنسان آخر أو استخدام الجنس كوسيلة للإنتقام، تساعد في معالجة الميول الذاتيّة نحو مثل هذه السلوكيّات، التي غالبا ما تؤدّي الى تخريب العلاقات الجّيّدة بين النّاس. تكون المواقف التي تقوم على الخّداع والتي نواجهها كلّ يوم، أحيانا صعبة وتحدث إرتباكا في صحّة الخيارات التي تتطلّبها منّا وتجعل النّتائج ضبابيّة أمام ناظرينا. هل يجوز أنْ نكذب، وإذا كان الأمر كذلك فتحت أيّة ظروف؟ ما هي الشّروط التي يجب أنْ تسود والتي تستدعي التّراجع عن اتفاقات قامت على حسن النّيّة؟ يعترف المؤلف في نهاية الفصل أنّ حكايا السّاحرات الخياليّة لا تدّعي بأنّها تقدّم الأجوبة الشّافية لكل الأسئلة، لكنّها تعلّم القرّاء أنّ هناك قضايا هامّة يجب أنْ تؤخذ بنظر الإعتبار عندما تكون الحقيقة في موقف خطير.
يغطي المؤلف في الفصل الثامن موضوع الشّبق والشّهوة الجّنسيّة العارمة من خلال استعراض حكايتي الدّكتور جيكل والسيّد هايد وحوريّة البحر الصّغيرة. تظهر قصة الكاتب ستيفنسن الجّانب المظلم والجّنسي من حياة طبيب محترم في لندن إسمه هنري جيكل. يعاني هذا الدكتور من مشكلة أنّ المجتمع يجد جانبا من شخصيّته منحطا وفاسدا أخلاقيّا. لم يظهر الدكتور جيكل ذلك الجانب بشكل علني، لكنّ العصر الفكتوري كان مهووسا بالجّنس وإنّ مشاعر الشّبق عند الدكتوركانت خروجا على قيم المجتمع. يُمثّل التّناقض في مشاعره حول طبيعته الجّنسيّة التّناقض المتواجد في نسيج المجتمع الإنگيزي في أواخر القرن التّاسع عشر. فبسبب الضّغط المتفشّي للإلتزام بالقواعد الإجتماعيّة والحاجة للظهور بمظهر "السّلوك المقبول"، عاش الكثير من الفكتوريّين حياة مزدوجة. فمن جهة أظهر هؤلاء سلوكا أخلاقيّا عاليا أمام الآخرين، لكنهم انغمسوا سرّا في ملذات وسلوكيّات جنسيّة شائنة.
يشير جيكل الى هذا الفصام بين الجانبين الأخلاقي والآثم بأنُه "إزدواجيّة بدائيّة" وإنّه يعتقد أنّ الجانب الآثم يحتاج الى تأمل قدر تأملنا للجانب الأخلاقي. ولذلك فهو ينطلق لتنمية حيّز يفصل بين الجانبين لكي يتواجدا بسلام.
إذا كان يمكن وضع كلّ من الجانبين في مدار منفصل، فإنّ حياة الفرد ستتّحرّر من الشّدّ والجذب بين هذين العنصرين بحيث يمكن أنْ يمضي كلّ منهما في طريقه ويحقق الفرد متعة مثاليّته المنشودة من جهة، وينعم باللذات التي يصبو اليها دون الوقوع تحت طائلة الخزي والعار وأيدي الشّرّ.
إنّ الرّغبة في الإنفصال عن "الجانب الشّرّير" من الذات ووضعه في مدار منفصل، تعكسها رغبة الأطفال في وضع السّلوكيات غير المقبولة في ذواتهم على عاتق شخصيّة السّاحرة. والفرق هو أنّ الدكتور جيكل مثله مثل دوريان گري متمسّك بالجانب السّيء من الذات، في حين أنّ الأطفال يحاولون عزل أنفسهم عن الجزء الآثم. فالسّاحرة إذن هي تعبير عن السّوء وخلاصة له، وليس الطفل. والمخلوق الذي جاء به جيكل وأطلق عليه إسم إدورد هايد هو مخلوق مسخ مشوّه سيء الطلعة، وصفه الكاتب ستيفنسن بأنّه "أقلّ من أن يكون مكتمل النّموّ" بالمقارنة مع جيكل نفسه. لقد تمّ تصويره على صفحات قصص الأطفال بأنّ مظهره لا يشبه إطلاقا مظهر السّاحرات. وهو قبيح محدودب الظهر وصورة مشوّهة لطفل في هيئة شخص بالغ قد أفسدت شكله الذنوبُ.
غير أنّ جيكل برغم كلّ ذلك يشعر بالإنجذاب نحو ما خلقه. فهو يحمي هايد ويقبله في كامل المحبّة كجزء من ذاته. إنّ قبوله لهذا الجانب المظلم من شخصيّته قد تجلّى له في اللحظة التي وقعت فيها عيناه عليه وهوينظر الى المرآة، إذ يقول "ولكن عندما نظرت الى ذلك الشّبح القبيح في المرآة أصبحت على وعي بألّا أشعر بالكره نحوه أو الإشمئزاز منه، بل على العكس استقبلته بالتّرحيب. ولمّ لا؟ إنّه أنا نفسي."
يتناقض ردّ فعل جيكل أزاء جانبه السيء تماما مع ردّ فعل الطفل نحو السّاحرة في الحكايا الخياليّة. فمن غير المتوقّع أنْ يقفز طفل فرحا وهو يرحّب بحضور السّاحرة، فردّ الفعل الشّائع هو الخوف منها واحتقارها. فالسّاحرة ليست الشّخص الذي يتمنّى أيّ طفل قضاء وقت معه. غير أنّ جيكل لا يرى في ذلك ضيرا، وهو في الحقيقة يستمتع بوجود نفسه الخبيثة.
ولكنْ بمرور الوقت بدأت خطط جيكل تتهاوى متساقطة. كان قادرا في البداية على التّحكم بظهور الجانب الخبيث الخفيّ واختفاءه عن طريق جرعة من مشروب أعدّه لذلك الغرض. غير أنّه أفاق من نومه في أحد الأيّام ليجد نفسه وقد أصبح هايد. وعندما حدث ذلك ثانية بدأت المخاوف تراوده بأنّ هايد أصبح هو الجانب المتحكّم، وهو أمر سيؤدّي الى الحاق الضّرر بكليهما. وكما نتذكر في قصّة دوريان گري، فإنّه كانت له نفس المخاوف من صورته.
بعث جيكل خادمه ليبحث له عن صيدليّ في كلّ أرجاء لندن ليعدّ له جرعة قويّة تعيد له السّيطرة على هايد، لكن الصّيادلة عجزوا عن إيجاد الجرعة المناسبة. وهكذا لم يبق لجيكل إلّا خيار واحد، وهو التّخلص من هايد. وفي آخر محاولة يائسة يتناول جيكل جرعة من السّمّ ليقتل الجانب الخبيث في نفسه، هايد، وفي هذه العمليّة قضى على نفسه أيضا.
في حكاية حوريّة البحر الصّغيرة، ترغب الحوريّة مثلها مثل الفتيات الشّابّات، في توسيع معارفها عن عالم الأشياء المحيط بها. كانت تريد مثلا معرفة المزيد عن الشّاب الوسيم الذي عملوا له تمثالا من المرمر الأبيض الخالص. وهي تريد معرفة المزيد عن الكثير من الأشياء التي تعرف عنها القليل فقط. إنّها تبحث عن مكانها وهي تقف وسط ذلك العالم المليء بالأشياء الغريبة. ورغم أنّ عمرها كان عشر سنوات فقط عندما عثرت على تمثال لشاب وسيم، فإنّها كانت مصمّمة على الرّحيل الى "العالم العلوي" لاكتشافه، ولتعيش مغامرة وتستلذّ بإمور لم يُسمع عنها من قبل في عالمها المائي العميق.
نصحتها الجّدّة بأنها ما زالت صغيرة السّن وليست مستعدّة لأنْ تجازف في ارتياد مناطق غير مألوفة. عرفت قصدها فأخبرتها بأنّ لكلّ شيء وقتا ومكانا مناسبين، وأنّ الوقت لم يحن لها بعد لكي تدخل عالم العلاقات الغراميّة. لربّما ستأتي اللحظة المناسبة فيما بعد للحوريّة الصّغيرة لكي "ترتفع الى سطح البحر وتجلس على صخرة تحت ضوء القمر وهي تتطلع الى السّفن المبحرة الى العوالم البعيدة." كانت الرّسالة واضحة بالنّسبة للحوريّة وللقرّاء الصّغار أنْ يتريّثوا، لأنّ العالم الواسع من حولهم سيكشف عن نفسه لهم في الوقت المناسب.
ما من شكّ أنّ قصّة الكاتب هانز كرستيان أندرسن تشذ بشكل ملحوظ عمّا يجري عادة في حكايا السّاحرات الخياليّة. فالبطلة لا تعاني فقط التّضحية بلسانها وفقدها القدرة على النّطق، إضافة الى الألم عند تحوّل ذيلها الى ساقين، لكنّها خسرت الأمير أيضا. تلاشت الأحلام بأنْ تمارس الجّنس مع الفتى الذي تمنّته وأصبحت "رغوة طافية فوق الأمواج."
وعلى أيّ حال، كان هناك بعض التّعويض. فحالما تحوّلت الحوريّة الى رغوة طافية "أنقذتها" بعض "الأرواح الأثيريّة " وهنّ من بنات أمواج الأثير اللواتي جئن مع الرّيح ورفعنها من الماء وقلن لها بأنّها تستحقّ روحا خالدة بسبب معاناتها وتضحيتها بنفسها. "أنتَ أيّتها الحورية الصّغيرة المسكينة، قد عانيت الكثير ورفعت نفسك الى منزلة روح أثيريّة، وإنّ أعمالك الجّيّدة ستضمن لروحك الخلود في ملكوت السّماء."
في الوقت الذي حصل فيه هذا التعويض الذي جاء متأخّرا في الحكاية ومغزاها المحزن أكثر من اللازم، فإنّ ذلك يُعتبر ابتعادا عن نهاية حكايا السّاحرات الخياليّة المألوفة، حيث تموت السّاحرة وتتحقق أمنية البطلة في لقاء الأمير، ليعيش الجميع بعدها في سعادة غامرة. أمّا في هذه الحكاية فتعبّر السّاحرة عن نزوات البطلة وأمنياتها المحرّمة وتُدمّر في النّهاية. وهذا ما حصل فعلا في الفلم الذي أعدّته شركة دزني، الذي كانت فيه طبيعة السّاحرة وميولها الجّنسيّة القويّة عنصرا واضحا في مجريات قصته.
تظهر السّاحرة في هذا الفلم بشكل يشبه أرسولا التي ظهرت في فلم حكيم بلاد الأوز. فهي رمز للشهوة الجّنسية بصدرها الناهد ونظرات عينيها الدّاعرتين اللتين تطلان من تحت حاجبين مقوّسين، وشفتيها القرمزيتين الممتلئتين اللتين تفيضان شهوة وتعدان بمتعة لا حدود لها. لقد تعمّد مخرج الفلم أن يُظهر أرسولا شبقة تهدف الى اغراء عالم الرّجال بكامله. وهي هنا تطلب من الحورية الصّغيرة أرييل أنْ تخلع ملابسها وتسخّر مفاتن أنوثتها لإيقاع الأمير في شراكها. فإذا كانت أرييل تبغي السّيطرة على دوافعها الشّهوانيّة، فيجب تدمير هذا "الرّحم" الهائج وكل ما يمثله. وهذه مهمّة عسيرة لأنّ السّاحرة مصمّمة على تدمير البطلة. لقد حاولت أوّلا أنْ تغرقها والأمير معا في عاصفة هوجاء عاتية. وعندما فشلت في هذا المسعى أرسلت صواعق البرق نحو السّفينة الأمر الذي جعل قبطانها يفقد القدرة على إدارة دفّتها فانطلقت تترنّح بين الأمواج. غير أنّ الأمير تمكّن من الوصول الى القمرة فأدار السّفينة باتجاه السّاحرة فخوزقها العمود الضّخم في المقدّمة وغرقت الى أعماق المحيط. وهكذا صوّر ذلك المشهد تدمير الرّغبة الجنسيّة العصيّة على التّحكّم. إنتهى الفلم باستعادة الحوريّة لصوتها الرّخيم الجميل وأميرها الوسيم.
يناقش المؤلف مفهوم الطمع والجّشع وحبّ الناس للثّروة وتكنيز الذهب والفضّة بتحليل عدد من حكايا الأطفال الخياليّة مثل جاك وسويقات الفاصوليا وألأوزة التي تضع بيضا ذهبيا وشجرة العرعر وصيّاد السّمك وزوجته. ثمّ يتوسع في تغطية هذا المفهوم ليشمل التّحف والأثاث القديم واللوحات الفنيّة، واخيرا النّساء ضمن مفهوم تعدد الزّوجات كما وجدنا في حكاية ذي اللحية الزّرقاء.
ليست القصص التي تدور حول الميل لجعل البشر جزء من الثروة شيئا نادرا في الأعمال الأدبيّة كما نعتقد لأوّل وهلة. فهي الأساس في حكاية الأميرة أولومپيا للمؤلفة مري- جين لاريتير، وهي كما نعرف قد كتبت قبلها حكاية ألأميرة الدّاهية. ففي حكاية لاريتير نجد أنّ الأميرة قد تُركت وحيدة على جزيرة يسكنها عفريت سادي يتلذذ بقتل النّساء. وهذا الوحش ليس كما نتوقع في حكايا السّاحرات الخياليّة، بل هو رجل اعتيادي يجمع النّساء. وبدلا من قتل ضحاياه كان يحتجزهنّ في أقبية تحت الأرض وله عليهنّ سيطرة كاملة.
نجد في واقع الحياة اليومي مثالا لذلك في بعض الثقافات حين يتمكّن الأثرياء من الرّجال الإحتفاظ بعدد من الحريم والمحظيّات. وعلى الجانب التّصوّري نجد شرحا لذلك في حكاية جيمس پاترسن المعنونة قبّل البنت. تصوّر قصّته هذه شخصيّة رجل يحتفظ بمجموعة من النّسوة الشّابّات الجميلات في غرف محصّنة تحت الأرض ويطارحهنّ الغرام. ومثله ليس كمثل بطلي حكايتي ذي اللحية الزّرقاء والأميرة أولومپيا، فهو لا يقتلهنّ بل يحتفظ بهنّ لنفسه.
ألذنب الذي لا يُغتفر في حكايا من هذا القبيل هو الطريقة التي ينظر فيها البطل الى ضحاياه. "فامتلاكهنّ" ليس من الإنسانيّة في شيء، وإنّ دوافعه لذلك هي إشباع رغباته الجّنسيّة البشعة. وهذا هو جانب الإنحراف الجّنسي الذي يمثل الطمع ولا يختلف عن الرّغبة في كنز الذهب والفضّة. إنّ الطيّارين الذين لقوا حتفهم في مسرحيّة آرثر ميلر المعروفة كلهم أبنائي ليسوا بشرا في رأي الأب الرأسمالي. فهم وجوه مجهولة في سموات مجهولة. والأطفال الذين يشعرون بالألم لأنّ ملابسهم لم تُغسل وتُكوى بشكل جيّد يعتبرون أنفسهم ليسوا أكثر من أشخاص تافهين في أرض بعيدة، ويختلفون كثيرا عن الأطفال الذين يجلسون ضاحكين في أحضان ذويهم. والصّناعي الذي يلوّث البيئة بإلقاء السّموم ونفايات المصانع في الجّداول والأنهار لا يتصوّر مقدار الكلفة الصّحية المتوقعة والأضرار التي تلحق بحياة ضحايا إفعاله ممن يشربون تلك المياه. فبالنّسبة للصّناعيين، لا يعنيهم شيء سوى تكديس الأرباح والفوائد. وكلما ازداد طمع الإنسان وجشعه كلمّا انخفض مستوى إحساساته ويبدأ ينظر للنّاس وكأنّهم ليسوا أكثر من أشياء لا يعنيه أمرهم!
والنّساء في حكاية ذي اللحية الزّرقاء يُجمعنّ كما تُجمع الأواني الفضيّة وقطع الجواهر والأحجار الكريمة بالضبط، لأنه يُنظر إليهن كأشياء في مفهوم من يمتلكها. تدرك الزّوجة أنّها ستصبح جزء من مُقتنيات زوجها المروّعة في الغرفة الصّغيرة، فتحاول أنْ تنقذ نفسها.
حين سمعت الزّوجة كلام زوجها، ألقت بنفسها عند قدميه متوسلة تطلب العفو وتعد بأنّها لنْ تخرج عن طاعته إطلاقا في المستقبل. غير أن قلب ذي اللحية الزّرقاء كان صلدا كالحجر. قال لها ببرود "سيّدتي، يجب أنْ تموتي في الحال!" ردّت عليه وعيناها تغرقان بالدّموع "إذا كان لا بُدّ أنْ أموت، فارجوك أنْ تعطيني فرصة لأصليّ." "أمامك ربع ساعة فقط."
يختتم المؤلف الفصل التّاسع بالإشارة الى حكمة شائعة تقول إنّ الطمع يبقى شابّا، حين يدرك الشّيب بقيّة الشّرور. لربّما هذا هو السّبب الذي يجعل حبّ اكتساب المال واختزانه مغزى متكرّرا في الحكايا الخياليّة. إنّ الصّراع لقهر ميول الطمع والجّشع مستمر، وإنّ حكايا من قبيل جاك وسويقات الفاصوليا وشجرة العرعر واللحية الزّرقاء تمثل محاولات لمقاومة الدّوافع التي تهدّد بإفساد الذات. قد لا تنجح هذه المحاولات دائما، لكنّها على الأقل ترسم بداية الصّراع.
يتناول المؤلف في الفصل العاشر موضوع الكسل والخمول بمناقشة أربع حكايات هي الملوك الثلاثة الأذكياء وپينوتشيو والغزّالات الثلاثة والأمّ هُولدا. كتبت مري دي مورگن حكاية الملوك الثلاثة الأذكياء عام 1888. وهي حكاية هزليّة عن غياب الكفاءة وسيادة الكسل والخمول. لم يتعرّض أيّ من الأخوة الثلاثة لأيّة عقوبات بسبب عدم صلاحيتهم للحكم، خاصّة الأخ الأكبر الذي عانى من الكسل والخمول. غير أنّ هذا لا يعني أنّ مؤلفي القصص المبكّرين لم يعتبروا الكسل والخمول مشكلة تؤدي للفشل الذريع. فالكاتب كارلوس كولودي اعتبر هذه الخصلة من القضايا الخبيثة الضّارّة في فترة الطفولة. ركّزت حكايته پينوتشيو على الكسل باعتباره عائقا رئيسيّا يحول دون بلوغ الأطفال لتحقيق النّجاح في حياتهم.
تدور الحكاية حول دمية متحرّكة يجب أنْ تتجاوز طرقها الكسولة لتحقق حلمها بأنْ تصبح "ولدا حقيقيّا." نُشِرت حكاية پينوتشيو على حلقات في مجلة عام 1881، وبعد سنتين تمّ جمع تلك الحلقات في كتاب أصبح من أفضل الكتب مبيعا بين كتب الأطفال في حينه. يعتبر الكثير پينوتشيو رواية للأطفال بدلا من حكاية خرافيّة، ربّما بسبب طولها الذي بلغ 200 صفحة بالمقارنة مع حكايا الأطفال الخياليّة التي يبلغ طولها عادة 5-10 صفحات. غير أنّ هذه "القصّة" تحمل معظم "المزايا" في الحكايا الخياليّة. فهناك رحلة في عالم مليء بالشّخصيّات السّحريّة وعدة لقاءات ومصادمات مع قوى وعناصر شرّيرة مؤذية، ثمّ ينتهي كلّ ذلك بخاتمة سعيدة. كما أنّ القصّة تتحدّث عن جنيّة ساحرة. غير أنّ الكسل والخمول هما المغزى الذي يجمع كل تلك العناصر ويحرّك أحداث القصّة.
تبدأ حكاية پينوتشيو في دكان نجّار متخصّص ببناء الخِزانات والصّناديق إسمه أنطونيو، الذي فوجئ في أحد الأيّام عندما كان ينقش على خشبة بصرخة تقول "آه، إنّك تؤلمني كثيرا!" ظنّ الرّجل لأوّل وهلة أنّه تخيّل سماع ذلك الصّوت. وعندما باشر عمله ثانية سمع صرخة حقيقيّة "توقّف رجاء، إنّك تسلخ جلدي." أيقن أنطونيو أنّه في حضرة شبح. باع أنطونيو قطعة الخشب الى رجل مسنّ يعمل في مهنة الدّمى المتحرّكة الرّاقصة puppeteer إسمه گپّيتو الذي كان يعدّ دمية راقصة ليجول بها ويكسب عيشه بتلك الطريقة. قال لصديقه أنطونيو "إنّ هذه الدّمية ستكون رفيقتي وأنا أجول العالم طلبا للرّزق." ألمشكلة أنّ الدّمية التي صنعها گپّيتو من قطعة الخشب التي اشتراها من صديقه أضحت شيئا لا يستطيع السّيطرة عليه. فهذا الرّجل المسيحي الجيّد تعرّض للسّجن وحدثت له مشاكل جمّة، لأنّ الدّمية كان ذا لسان سليط ويقول أشياء من عنده وحسب ما تخطر في حينها على باله. وهذا ما جلب الإتّهام على صاحبه بأنّه يحاول الإخلال بالأمن العام، فألقي القبض عليه وأودع السّجن. وفي الوقت الذي كان فيه المسكين گپّيتو يرقد في السّجن، كان پينوتشيو يهرب خارجا للبحث عن طعام. يوضح الكاتب كولودي بشكل لا لبس فيه أنّ الكسل والخمول ليسا إخفاقا بسيطا يمكن معالجته بإبداء النّصح أو النّهر أحيانا. إنّه خلل نفسي جدّي يقود الى فساد خلقي وإلى أمراض عقليّة. لقد حذر الصّرصار في الحكاية بشكل صريح أنّ الأطفال الكسالى الخاملين يصبحون حميرا عند الكبر، وأنّهم يجازفون بأنْ يكونوا مجرمين أو مرضى عقليّا. لقد تحوّل حلم پينوتشيو الى كابوس، بعد أنْ اكتشف أنّ الأولاد في تلك "الجّنة الحمقاء" يتحوّلون تدريجيّا الى حمير صغيرة بعد وصولهم هناك بوقت قصير. لقد أزعجه جدّا عندما صحا صباح أحد الأيام فاكتشف أنّ أذنيه قد طالتا وأصبحتا تشبهان أذني الحمار. وبعد وقت قصير تحوّلت يداه ورجلاه الى أربع قوائم بحوافر. وتكامل رعبه أخيرا عندما نظر الى الخلف ولاحظ أنّ له ذيلا يتحرك ذات اليمين وذات الشّمال.
حين يتدخل الخمول والكسل في عمليّة انتاج السّلع أو يحول دون الحصول على التّعليم والثقافة فإنّه يُعتبر عائقا يجب تذليله. ولذلك فإنّه من المعروف أنّ مغزى التّأكيد على العمل المثابر هو في لبّ أدب الأطفال، وأنّ الحكايا الخياليّة غالبا ما تُبشّر بنيل النّجاح والتّفوق نتيجة للمثابرة، وأصبح هذا المغزى أمرا أساسيّا في رواية الحكايات والقصص. وعندما كانت الحكايا الخيالّة واسعة الإنتشار بين النّاس فإنّ بذل أقصى الجّهد، أو حتّى التّظاهر به، يمكن أنْ يرفع منزلة الإنسان من موقعه كفلّاح الى طبقة عالية محترمة. وحتّى أنّه يمكن أنْ يساعد على الزّواج من أمير. وهذه الفنطازيّة هي الأساس في حكاية الغزّالات الثلاثة التي وردت في مجموعة الأخوين گرْمّ. تعكس فكرة ارتفاع منزلة البنت من فتاة فقيرة بسيطة الى أميرة بسبب قدرتها على الغزل، تحقيق أمنية طالما كانت في جوهر الحكايا الخياليّة. ففي هذه الحكايا فقط يكون دولاب المغزل بمثابة بطاقة للخروج من دائرة الفقر والعوز. وفي الحكايا الخياليّة فقط تصبح البطلة أميرة أو ملكة لأنّها ماهرة في الغزل وتبذل أقصى جهودها من أجل ذلك. كانت البنت في حكاية الغزّالات الثلاثة تفتقر لكلتي الصّفتين. من الواضح أنّها لم تعرف إطلاقا كيف تدير دولاب المغزل وليس لديها أيّ ميل لعمل ذلك أصلا. ورغم ذلك فقد تمّ إنقاذها من تلك الورطة من خلال عمل يرقى الى مرتبة الفروسيّة.
نظرا لأنّ الغزل كان من العوامل الفعّالة في التّنمية الإقتصاديّة في المجتمع، فإنّه لعب في نفس الوقت كرمز للعمل الدّؤوب في الحكايا الخياليّة. يُشيرالمؤرخ جاك زپس المتخصّص في تاريخ الحكايا الخياليّة الى أنّه قبيل الثورة الصّناعيّة كان الغزل مهنة رئيسيّة للنّساء واعتُبر مقياسا لثروة المرأة. لم يكنْ الغزل طريقة لكسب القوت فقط، بل كان ضمانة للحصول على زوج. ينظر النّاس هذه الأيّام لمفهوم كلمة "غزّالة" نظرة دونيّة، ولكن في الماضي كان لها معنى ايجابيّا، لأنّها عنت أنّ المرأة قادرة على كسب قوتها بسبب مهاراتها في الغزل.
وفي رأي المؤلف أنّ العقاب المترتّب على ميول الكسل والخمول يشكّل النّقطة المركزيّة في الحكايا الخياليّة التي تتعرّض لهذه الظاهرة. إحدى هذه الحكايا هي حكاية الأمّ هُولدا، التي تُعتبر أقلّ شهرة في مجموعة الأخوين گرْمّ. ومثلها مثل الغزّالات الثلاثة ورمپلستلكشن، فإنّها تركّز على فضائل الجهد الدؤوب والمثابرة في العمل. إلّا أنّ اختلاف حكاية الأمّ هُولدا عن الحكايتين الأخريتين هو أنّها تتناول شخصيّتين بدلا من شخصيّة واحدة. وهاتان الشّخصيتان متعاكستان تماما، خاصّة فيما يتعلق بالجّهد الدؤوب. ومن خلال مكافأة البنت الشّغولة بالذهب ومعاقبة الكسولة بالزّفت، تصوّر حكاية الأمّ هُولدا نتائج الكسل والخمول. كما أن بقاء البنت ملطخة بالزّفت بقيّة حياتها أمر رهيب لا يعادله إلا تحوّل الإنسان الى حمار.
في الفصل الحادي عشر يستعرض المؤلف أوّلا حكاية حكيم بلاد الأوز. رغم أنّ الكثير من النّاس يعتبرون هذه الحكاية مغامرة للأطفال، فإنّها في الحقيقة حكاية خرافيّة خياليّة. غير أنّها تختلف عن الحكايا الخرافيّة الأخرى مثل الثلج الأبيض أو سندريلّا وغيرهما من الحكايا الكلاسيكيّة. تركّز حكاية حكيم بلاد الأوز على نواقص الذات وما يقابلها من التّجاوزات. فالشّخصيّات في الحكايا الخياليّة عادة ما يكونون ضحايا الإنغماس في الزّهو والغرور والنّهم والشّره والطمع وغيرها من الصّفات الذميمة. لكنّ رفاق دوروثي، بطلة الحكاية، يعانون من عقد النّقص. ففزّاعة الحقل والحطاب القصديري والأسد الجبان مقتنعون جميعا بأنّهم ليسوا أذكياء وتنقصهم المشاعر والشّجاعة كباقي الآخرين. وكلهم يأملون أنّ دوروثي ستساعد كلّا منهم أنْ يعالج حالة نقصه. أضف الى ذلك أنّ بطلة القصة كانت شديدة الرّغبة لتحقيق أمنيات رفاقها. لا بُدّ من التّذكير أنّها في البداية كانت تجهل أنّها من خلال مساعدة رفاقها أولئك، كانت تساعد نفسها.
تبدأ الحكاية التي كتبها فرانك باوم بالفتاة دوروثي وهي تبحث عن مكان تلجأ إليه إثر اقتراب إعصار قويّ ليضرب المنطقة التي يقع فيها حقل العمة أمْ والعم هنري اللذين كانت تعيش معهما. كانت على وشك الرّكض نحو الملجأ، لكنّ كلبها توتو قفز من حجرها واختفى تحت السّرير. وحين كانت تهمّ بالإمساك به، اقتلع الإعصار بيتها من أساسه وحمله في الهواء. وحين كان البيت يتمايل في الريح ذات اليمين وذات الشّمال أخذت دوروثي سنّة من النّوم. عندما أفاقت وجدت أنّ البيت قد "حطّ" في بلاد الأوز.
وصلت البنت الى هذه المملكة السّحريّة المليئة بالأشخاص المسحورين الذين صوّرتهم شركة دزني بألوان زاهية جذابة. يعطي عبورها، الذي يشبه المعجزة، الى هذا العالم إشارة الى أنّها قد تخلّصت من أدران ولاية كنزس وواقعها الرّيفي، وأنّها دخلت في عالم اللاشعور. لقد فتحت الباب الذي يقود الى هذا العالم السّحري فقابلتها سيّدة وقور أدركها الشّيب وبلغت من العمر عتيّا. أخبرتها العجوز أنّ بيتها قد وقع على ساحرة فقتلها في الحال. ولشدة عجب دوروثي أنّ المرأة العجوز لم تبدِ أيّ انزعاج بخصوص تلك القضيّة. فعلى العكس، كانت تبدو سعيدة لما جرى.
ما أن بدأت دوروثي رحلتها الى مدينة الزّمرّد حتّى وجدت فزّاعة حقل متهرئة تقف وسط الزّرع. ومن شدّة عجبها، نادت الفزّاعة عليها طالبة المساعدة. توقفت لتستطلع الأمر وتتحدّث معها فعلمت انّ المسكينة تعاني من نقص فضيع، إذ ليس لها عقل. وعندما علمت أنّ دوروثي متوجّهة للقاء الحكيم العظيم الذي سيساعدها في العودة الى كنزس، اعتقدت انّه يمكن أنْ يساعدها هي أيضا.
أمّا الحطاب فكان بحاجة الى قلب لا لأنّه يريد أن يحبّ فقط، بل لأنّه يعرف بالفطرة أنّ عدم وجود قلب سيدفعه أن يكون قاسيا مثل السّاحرة. واعترافه بقلقه هذا أمام دوروثي يؤكّد أنّه "لا يحبّ أن يكون قاسيا قليل العطف نحو أيّ شيء." أصغت اليه البنت وأبدت تعاطفها معه ورحّبت به حين سألها إنْ كان بإمكانه الإنضمام اليها في رحلتها.
آخر "شخصيّة" التقتها دوروثي وزميليها في رحلتهم السّحريّة هو ألأسد الجّبان، الذي فاجأ الجماعة وهم يشقّون طريقهم في الغابة. وبعد أنْ فشل في إثارة خوفهم منه، إعترف لهم بضعفه، وأخبرهم أنّ خلف مظهره الزّائف يكمن الجّبن بأصدق صوره، وأنّه بحاجة الى الشّجاعة. هذه الشّخصيّات الثلاثة التي قابلتها دوروثي في رحلتها الى مدينة الزّمرّد ليست شخصيّات خياليّة برزت من لاشيء. يقول المؤلف إنّها تمثل جوانب عاطفيّة من عالمها الدّاخلي. فليس هناك طفل، بما فيهم دوروثي، يريد أنْ يعتقد أنّه أحمق بلا عقل ولا قلب له وجبان. فالأطفال يريدون أنْ يعتقدوا أنّهم أذكياء عطوفون وشجعان. هم يعتقدون أنهم سيتبعون ما تميل إليه قلوبهم بعد أن يفكّروا بالأمر وأنّهم يتحلّون بالشّجاعة للدّفاع عن كلّ ما يؤمنون به. غير أنّ الطّفولة هي مرحلة الشّكّ والحذر وعدم التأكّد. ومن خلال التحاقهم بدوروثي بحثا عن الحكيم، يحاول الأطفال إيجاد حلول للأسئلة عن أنفسهم، حتّى يمكنهم التّوصّل الى تصوّر مقنع عن ذواتهم.
إنّ موضوع الفطنة، وأكثر دقّة غيابها، موضوع شائع في الحكايا الخياليّة. واحدة من هذه الحكايا عنوانها ألأمير ريكي. وهي إحدى القصص من مجموعة الكاتب تشارلز پرّو، والتي يتناولها المؤلف في الفصل الحادي عشر. تتحدّث الحكاية عن أميرة جميلة تعاني من قلة قدراتها العقليّة. يعد الأمير ريكي تلك الأميرة بأنْ يعطيها هدية "قدرا من الفطنة" إذا ما قبلت الزّواج منه. يعرف الأمير جيّدا مقدار معاناة الإنسان عندما يشعر بنقص ما في شخصيّته. فهو قبيح جدّا. وتنتهي الحكاية بأنْ يعطيها قدرا من الذكاء وتعطيه قليلا من الوسامة والجاذبيّة.
يختتم المؤلف هذا الفصل بالقول إنّ القلق الشّخصي من كشف حقيقة الفرد وافتضاح نواقصه، يجعل الكثير من النّاس يضعون العقبات التي تحول دون قيام علاقات شخصيّة ذات معنى. ثمّ يمضي لاقتباس ما قاله رالف والد أمرسُن "أظهر حقيقة نفسك، لأنّ ذلك هو ما أنت عليه."وفي اعتقاد المؤلف، أنّ فلم حكيم بلاد الأوز يعلمنا أنْ نتقبّل أنفسنا إذا كنا نأمل حقا تحقيق أقدارنا.
في الفصل الثاني عشر يناقش المؤلف أثر التّقدم التكنولوجي وحركة الأنوثية، ويختار لذلك عدد من الحكايا الحديثة التي تعيد صياغة الحكايا القديمة. تظهر الإتّجاهات ونحن ندخل القرن الحادي والعشرين أنّ الحكايا الخياليّة بدأت تستهوي العاملين في ميداني الإعلام وتكنولوجيا الكومپيوتر. يطرح أحد برامج الكومپيوتر المعدة للأطفال حكاية جاك وسويقات الفاصوليا بطريقة مبدعة. والبرنامج جزء من نشاط مؤسسة رابيت لتعليم القراءة. يعطي البرنامج الخيار للمتعلم أنْ يقرأ على شاشة الكومپيوتر الحكاية بعدة طرق. يسأل البرنامج المتعلم إنْ كان يفضّل أنْ يقرأ الحكاية بلسان راو (وهي النّسخة الأصليّة) أو بلسان جاك أو بلسان الغول الرّهيب. تعتمد كلّ الخيارات الثلاثة على الحكاية الأصليّة، والإختلاف بينها هو وجهة نظر من يروي الحكاية.
فعندما يكون جاك هو الرّاوي، فإنّ الحكاية تصوّر مشاعره وتفضّل بطبيعة الحال وجهة نظره. تُرسله أمّه إلى السّوق ليبيع الحلوب البيضاء فيقول "كنت حزينا لأنّنا سنخسر بقرتنا." وحين يبادل البقرة بحبّات الفاصوليا، فإنّه يحرص أن يُخبر القارئ عن مدى ذكائه ، فيعلن بلهجة المنتصر "لقد أنجزت اليوم صفقة تجاريّة ذكيّة." إلّا أنّ موقف أمه في نسخة الكومپيوتر يشبه موقفها في النّسخة الأصليّة، وهو الشّعور التّام بالخيبة.
وكما نتوقع فإنّ الحكاية بلسان جاك لا تتناول أيّ ميل للجّشع، بل تظهره وكأّنّه نسخة من شخصيّة روبن هود، المغامر الجريء. فهو ينطلق للإنتقام من الغول جرّاء ما عمله لأبناء قريته. يظهر البرنامج الغول باعتباره لصّا محترفا. "حدث في الماضي أنّ سكّان القرية التي يسكنها جاك كانوا يملكون ثلاثة مصادر للثروة ... قطع ذهبية عديدة ودجاجة تضع بيضات ذهبيّة وقيثارة ذهبيّة تعزف أجمل الألحان. وفي أحد الأيّام نزل غول عملاق على القرية واستولى على ممتلكات القروييّن ." ليس هناك ذكر لأطماع جاك، وأنّ كلّ ما كان يريده هو أنْ يستعيد بشكل شرعي ممتلكات جيرانه في القرية.
وعندما تُروى الحكاية بلسان الغول، فإنّنا أمام صورة مختلفة. فهو يصورجاك للقارئ باعتباره مسؤولا عن كافّة الصّعوبات التي واجهها، فيقول "بدأت مشكلاتي على يد ولد إسمه جاك." ومن خلال عمليّة تقديم نفسه للقارئ، لا ينكر الغول أنّه جشع وله رغبة في امتلاك الأشياء. وفي الحقيقة فإنّه لا يتوانى عن التّبجّح فيقول صراحة "أنا عملاق أحبّ الذهب. وعندما يقع بصري على الكنوز الذهبيّة، فإنّني أستولي عليها."
نجا الغول من الموت لأنّ السّويقات تكسّرت وانهارت تحت ضربات فأس جاك. ورغم شعوره بالرّاحة فإنّ تجربته كانت خليطا منْ الإنعزال والإكتئاب العاطفي. فقد كان باستطاعته أنْ يشاهد من علٍ احتفالات القروييّن باستعادة كنوزهم، ولم يخفِ أسفه وحزنه على ذلك.
كان أهل القرية يحتفلون وأعدّوا وليمة كبيرة لقد رقصوا على أنغام قيثارتي الذهبيّة وكافأوا جاك فإعطوه البعض من قطعي الذهبيّة هل فكّر أحد بحالي؟ أنا أريد وليمة كبيرة أيضا ولكنّ زوجتي ليس عندها شيء غير الفاصوليا لكم أكره الفاصوليا!
استطاع الغول أن ينجو من الموت، لكنّ تعليقاته وشكواه قد تجلب عليه تعاطف القارئ. فرغم أنّه خسر كلّ شيء، كان عليه أنْ يكتفي بأكل وجبة من الفاصوليا، في حين كان الآخرون يستمتعون بتناول أشهى أنواع المأكولات.
سيقود التّزواج بين استخدامات الكومپيوتر والحكايا الخياليّة بلا شكّ الى خلق عالم من الحقيقة الواقعيّة. وفي يوم ليس ببعيد، سيكون بمقدور الطّفل أنْ يضع على أذنيه سماعة الكومپيوتر ويبدأ "المشي" على الطريق المعبّد بالطابوق الأصفر مقتفيا أثر دوروثي ورفاقها. لربّما سيكون بمقدور ألأسد الجبان من معالجة طفل يعاني من مخاوف التّهديد، أو مساعدة الأطفال للتغلب عل مخاوف لا أساس لها. وإذا ما وضع شخص نفسه مكان الحطاب القصديري سيساعد الأطفال على التّعامل مع مشاعر أنّهم "ضحايا" قبل أنْ يتحولوا الى "قساة غلاض القلوب". ومن خلال تشجيع الأطفال على التّعاطف مع الضّحايا الأبرياء، فإنّ الحكايا الخياليّة في هذه الألفيّة تجعل الأطفال بعيدين كلّ البعد من "أنْ يكونوا قساة قليلي العطف،" كما ورد على لسان الحطاب.
لربّما يكون الطفل جاك وهو ينزل الى الأرض ممسكا بسويقات الفاصوليا، أو يكون الغول الذي يطارد جاك نفسه. قد تمكّن الحكايا الخياليّة في المستقبل الطفل كي يتسلق جدران القلعة ليوقظ ألأميرة الغافية من نومها، أو يحاول أنْ يلبس حذاء مصنوعا من الزّجاج. إنّ مزج هذه الفنطازيا التي ولدت في القرنين الثامن عشر والتّاسع عشر بتكنولوجيا القرن الحادي والعشرين سيضع في المتناول احتمالات عديدة لكل المتغيّرات اللامحدودة لرحلات العالم القديم الى ذات الإنسان التي نسمّيها الحكايا الخياليّة.
أمّا عن أثر الأنوثيّة فيورد المؤلف إستعمال حكايا من قبيل شريط القمر وألأميرة التي وقفت على قدميها لبنية الحكايا الخياليّة قصد تقديم نماذج جديدة للنّساء والرّجال وإعادة صياغة تلك الحكايا في جوّ فنطازي. ثمّ يمضي للقول بأنّ حكاية جيمس ثيرير بعنوان الفتاة الصّغيرة والذئب تقدّم نسخة تختلف كثيرا عمّا نعرفه عن الفتاة الصّغيرة في حكاية ذات الوشاح الأحمر التي تعوّدنا عليها. إنّ صورة فتاة صغيرة بقبّعة حمراء تدافع عن نفسها باستعمال رشّاش يطلق خمسا وأربعين إطلاقة عندما تضغط على الزّند، بعيدة كلّ البعد عن الصّورة التقليدية لذات الوشاح الأحمر في كتب الأطفال.
لم تعد المرأة في صورة بطلة سلبيّة يتمّ إنقاذها في العادة على يد أمير، أو تكون ضحيّة زوجة أب حاقدة تسومها سوء العذاب، رغم أنّ الحكايا الجديدة لا تزال تشمل شخصيّة السّاحرة. فالبطلة في هذه الحكايا تتميّز بروح النّكتة وتطرح نفسها بشكل إيجابي كشخص حرّ التّفكير، وأكثر أهمية تُقدم على خيارات تخدم مصالحها الخاصّة. ففي حكاية جودث فايروست القصيرة عن سندريلا والتي اختارت لها عنوانا طويلا ثمّ انحنى الأمير عند قدمي سندريلا ليساعدها في لبس الحذاء، تُلقي البطلة نظرة أخرى على الأمير عندما يصل الى باب بيتها وهو يحمل الحذاء الزّجاجي. لاحظت في وضح النّهار أنّ أنفه مثير للضّحك، وأنّه ليس بالوسامة التي اعتقدتها عنه عندما رقصت معه في حفلة مساء اليوم السّابق. قرّرت بسرعة أنّه ليس ما كانت تتمنّى. تظاهرت بأنّ الحذاء ضيّق ولا يمكن أنْ يناسب قدمها لكي تلبسه. وحالها كحال ألأميرة التي وقفت على قدميها فإنّ سندريلا في حكاية فايروست وكلّ البطلات في الحكايا الخياليّة في المستقبل يفكّرن أوّلا في تحقيق رغباتهنّ، بدلا من أنْ يسمحن لأنفسهنّ أنْ يكنّ موضوع رغبات الآخرين. إنهنّ دائما يقمن بتقييم ما يتوفر لهنّ من الخيارات، ولا يُقدمن على عمل أيّ شيء بطريقة عمياء لا تحقق لهنّ الإكتفاء على المدى البعيد.
ثمّ يتناول المؤلف حكاية أميرة الأدريوت ويعتبرها واحدة من الحكايا القديمة التي تمّ التّغاضي عنها في السّابق ولم تُنشر. تتحدّث الحكايةعن امرأة ذكيّة مغامرة شجاعة، ويمكن أنْ تكون في مستوى ذوق الحكايا الخياليّة الأنوثيّة، حيث تمسك البطلة بزمام امور حياتها بيديها. إنّ مغامرات فني بدلالاتها وطبيعتها الجنسيّة وما يجري فيها منْ أعمال الخيانة الزّوجيّة والغيرة التي تطغى على الحكايا اليوم، تشبه ما كانت عليه الحال قبل 150 عاما. فهي تقول الكثير عن طبيعة العلاقة المعقدة بين الذكور والأناث.
وأخيرا يختتم المؤلف بالقول إنّ الأيّام تدور دورتها. ومن يعلم أنّ حكايا السّاحرات الخياليّة التي كانت مقصورة على الكبار البالغين ثمّ تغيّرت لتصبح حكايا للأطفال بمرور الوقت، ستعود ثانية لتكون شائعة بين أولئك. وإذا حدث ذلك، والّدّلائل على ذلك كثيرة أنّه قد وقع فعلا، فإنّ حكايا السّاحرات الخياليّة ستشهد فترة نهضة جديدة في الألفيّة الجديدة. يتنبّأ المؤلف بأنّ القرن الجديد سيأتي بحكايا سيستمتع بها الكبار والصّغار على السّواء.
د. محمد الأزرقي
أستاذ متمرس، كلية ماونت هوليوك
ماساتشوست – الولايات المتحدة [email protected]



#محمد_الأزرقي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في كتاب ألمسألة ألأخلاقيّة وأسلحة الدّمار الشّامل مقار ...
- غرباء مألوفون
- التملص من جرائم التعذيب في السجون الأمريكية
- الأمل الوهم - أوباما والصراع العربي الصهيوني (الحلقة الثالثة ...
- الأمل الوهم - أوباما والصراع العربي الصهيوني (الحلقة الثانية ...
- الأمل الوهم - أوباما والصراع العربي الأسرائيلي (الحلقة الأول ...
- الأمبراطورية الصهيونية الأمريکية- الحلقة الرابعة
- الأمبراطورية الصهيونية الأمريکية - الحلقة الثالثة
- المرأة في الدخيل الجائر من التراث - الحلقة الأولی
- الأمبراطورية الصهيونية الأمريکية
- ألأمبراطورية الصهيونية الأمريکية
- المرأة في الدخيل الجائر من التراث -الحلقة الرابعة
- 3-ألمرأة في الدخيل الجائر من التراث
- المرأة في الدخيل الجائر من التراث - الحلقة الثانية
- المرأة في الدخيل الجائر من التراث-الحلقة الثانية


المزيد.....




- كاميرا مراقبة ترصد ما فعلته دببة عندما شاهدت دمى تطفو في مسب ...
- شاهد: خامنئي يدلي بصوته في الجولة الثانية من انتخابات مجلس ا ...
- علاج جيني ينجح في إعادة السمع لطفلة مصابة بـ-صمم وراثي عميق- ...
- رحيل الكاتب العراقي باسم عبد الحميد حمودي
- حجب الأسلحة الذي فرضه بايدن على إسرائيل -قرار لا يمكن تفسيره ...
- أكسيوس: تقرير بلينكن إلى الكونغرس لن يتهم إسرائيل بانتهاك شر ...
- احتجاجات جامعات ألمانيا ضد حرب غزة.. نقد الاعتصامات وتحذير م ...
- ما حقيقة انتشار عصابات لتجارة الأعضاء تضم أطباء في مصر؟
- فوائد ومضار التعرض للشمس
- -نتائج ساحرة-.. -كوكب مدفون- في أعماق الأرض يكشف أسرار القمر ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - محمد الأزرقي - دور حكايا الساحرات الخيالية في النمو النفسي والعقلي للأطفال