أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد الأزرقي - الأمبراطورية الصهيونية الأمريکية- الحلقة الرابعة















المزيد.....



الأمبراطورية الصهيونية الأمريکية- الحلقة الرابعة


محمد الأزرقي

الحوار المتمدن-العدد: 1882 - 2007 / 4 / 11 - 11:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تحل علينا هذه الأيام ذکری الغزو والأحتلال عندما ضرب جورج بوش العراق وزلزل أركان الأمة وألبس السواد والحداد للشعوب والأمهات، بحجة أن في العراق أسلحة نووية. لم تكن هناك أسلحة نووية ، وإنما كان هناك ما هو أسوأ. هم يعرفون جيداً انه لم تکن هناك أسلحة نووية، بل کان هناك نظام طاغ وفظ وخال من الروح الإنسانية ومعالم الدولة. وهو نفس النظام الذي حظي بمساندة وتأييد حکومات دول الغرب کافة، وفي طليعتها الأدارات المتعاقبة للولايات المتحدة الأمريکية نفسها. فما زالت جرائم هذه الأدارة وشريکتها البريطانية لأسقاط حکم الزعيم الشهيد عبد الکريم قاسم في شباط 1963 ماثلة في الأذهان. والکل يتذکر کيف زودت المخابرات الأمريکية والبريطانية عصابات البعث وحرسه اللاقومي بقوائم الناشطين في الحرکة الوطنية في العراق، وکيف کفلت لهم فتاوی الملالي والآيات التغطية "الشرعية" لتصفية الالاف من الشهداء. والآن يهدد جورج بوش بضرب الأسلحة النووية في إيران وخلخلة المنطقة ونشر الفوضى والانتقام والفقر، مانحاً نفسه الحق في معاقبة الأمم ورسم مصائر الشعوب، باسم ارفع شعار سياسي وهو الديمقراطية، وأرفع حق بشري وهو التاريخ. لم يقدم أحد لأعداء أميركا ما قدمه جورج بوش وكهنة "الحق الإلهي وأبناء شعب الله المختار" في البيت الأبيض. ولم يقدم أحد لأعداء الديمقراطية وجلادي الحريات ما قدمه جورج بوش والطغاة الصغار من الصهاينة الذين أمسكوا بعنق الإدارة الأميركية وقرار رئيسها. فلن يجرؤ أحد بعد اليوم على الحديث عن الديمقراطية، ولن يصدق أحد بعد اليوم أن هناك من يعنيه أمر الحرية، منذ أن تحولت أمريكا إلى دولة تقيم المعتقلات الجماعية وتبارك التعذيب وتسلم الوطن لفرق الجهل والمحاصصة والنهب وفرق الأغتيال الطائفية وعصابات التکفيريين القتلة.
الجميع يعلم أن ضعف ثقافة صدام حال دون تأهله فكريا ونفسيا لفهم واستيعاب التحولات الاجتماعية والسكانية الضخمة في العراق، فعالج الاشكاليتين المذهبية والعرقية بعنجهية القوة والعنف، وصولا الى استخدام سلاح الابادة الجماعية ضد جيرانه ومواطنيه المتمردين عليه. کما قاده هذا التخلف الى الارتداد حتی عن مبادیء حزبه المعلنة، الى كابوس مجتمع عشائري متخلف، تتحكم فيه نخبة فاسدة بلا ضمير أو خيال سياسي. کانت نخبة ذليلة ممسوحة الشخصية ساهمت في فرض عبادة الشخصية الطاغية في أبشع صورها، إرضاء لغرور "القائد الضرورة" ولنرجسيته الرخيصة في أبشع أنانيتها القاتلة. كانت العدالة تقضي بأن يُحاكم صدام أمام محكمة دولية على جرائمه بحق شعبه وأمته. لكن رئيسا آخر أخرق شاء، في رغبته الشخصية الجارفة في التنكيل أصر علی قراره في محکمة درَّب الأمريكيون قضاتها وسنوا قوانينها. فبوش وحده يتحمل مسؤولية شخصية لهزالة الأجراء وفوضی التنفيذ. ويذکرنا سمير عطا الله أنه عندما مات شيخ العشيرة النزق عودة أبو تايه، صاح لورنس في الصحراء، "الآن انتهت القرون الوسطى العربية". ما کان لورنس علی صواب ولم يكن ذلك صحيحا. ما زلنا نعيش ظلامية القرون الوسطى العربية، وسوف تستمر بوجود حكام لا يقلون عن صدام حسين إجراماً وظلما وظلامية، ويحاكونه في غباء إدارة السياسة والعدالة، وترسيخ قاعدة الثأر والانتقام وجرِّ البلاد وفق سياسة خرقاء الی فوضی وحرب أهلية طاحنة لا تبقي ولا تذر.
وما دمنا بصدد هذه السياسة الخرقاء، فتجدر الأشارة الی کتاب جديد أصدره مستشار الرئيس لشؤون القومي، زبگنيو بريجنسكي، ربما رسالته الأساسية هي أنه يمكن لأميركا التخلص مما يصفه بريجنسكي بأنها الأخطاء الكارثية التي جرتها علی العراق والشرق الأوسط والعالم إدارة الرئيس جورج بوش. وكتاب "الفرصة الثانية" معد كتحليل لكيفية فشل آخر ثلاثة رؤساء اميركيين في خلق قوة عظمى امريكية حقيقية بعد انتهاء الحرب الباردة. ويحتوي الكتاب على بعض التحليل المهم حول جورج بوش الاب وبيل كلينتون. فبوش الأب "مدير عظيم للازمات، ولكن ليست لديه رؤية استراتيجية. لقد نجح نجاحا كبيرا في تلطيف انهيار الامبراطورية السوفياتية، ولكنه فشل في الاستفادة من الفرص التي خلقتها سياسته". اما كلينتون فقد كان "الرمز المثالي لأميركا القوية والطيبة في آن واحد"، ولكنه كان واقعا تحت سيطرة رؤيته للعولمة الحتمية. وکلُّ هذا مجرد تلطيف لأن تركيز بريجنسكي الحقيقي هو "القيادة الكارثية" للرئيس الحالي. ويعرف مشاهدو برامج الحوار التلفزيونية آراء بريجنسكي، ولكنه يقدمها في الكتاب بلهجة متشددة. فهو يقول إن الحرب في العراق تسببت في اضرار بوضع أميركا العالمي، وكانت كارثة جيوسياسية وزادت التهديدات الإرهابية ضد الولايات المتحدة. وطبقا لرأي بريجنسكي فإن ما يدفع رئاسة بوش حتى الآن خارج الخط، هو مزيج من تفاؤل مشرق لنهاية التاريخ بخصوص قدرة أميركا على فرض قيمها مع كآبة صِدام الحضارات بخصوص التهديد، الذي يمثله العدو المسلم!
وکما أوضحت في الحلقات السابقة لهذه المقالة أن غزو العراق واحتلاله کان جزءً من المخطط الصهيوني. ولابد للمتابع أن يتساءل هل قضية إسرائيل هي قضية أميركا؟ هذا هو المبدأ الذي يظهر على لسان كل مرشح سياسي لمنصب الرئاسة في البيت الأبيض أو لعضوية الكونگرس، والذي كان شعار حملة الرئيس بوش ومنافسه جون كيري في الانتخابات الرئاسية السابقة. وتعكس هذه المقولة مدى سيطرة المنظمات اليهودية الأميركية الموالية لإسرائيل على السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط، وهو ما يتعرض له الكاتب الأميركي جيمس پتراس بكتابه الأخير "نفوذ إسرائيل في الولايات المتحدة". هذا النفوذ الذي يطغى على الكونگرس والإدارة الأميركية ووزارة الدفاع (البنتاگون) بل وعلى المواقع الإستراتيجية بالولايات المتحدة سواء في قطاعات المال والإعلام والنقابات والأكاديميات من خلال سطوة المحافظين الجدد أو من يسميهم پتراس الصهاينة (أتباع إسرائيل). ويستعرض الكتاب كيف استطاعت شبكة المحافظين الجدد من الجناح اليميني ذات الولاء المزدوج بعد وصولهم إلى مراكز إستراتيجية في عهد الرئيس بوش الابن دفع واشنطن إلى خوض حرب في العراق ضد مصالحها الاقتصادية والنفطية بالشرق الأوسط لحساب إسرائيل، ولتأكيد هيمنتها العسكرية في المنطقة. يوضح پتراس كيف أن اللوبي اليهودي الأميركي نجح في حشد الكونگرس للموافقة على فرض عقوبات ضد سوريا، وهم يبذلون جهدا كبيرا من أجل المواجهة العسكرية الوشيكة مع إيران. ويعتبر المؤلف أن الاجتماع السنوي لمنظمة إيپاك الصهيونية الذي يحضره كبار الزعماء السياسيين الأميركيين، بالرغم من تورط المنظمة في قضية تجسس كبرى لحساب إسرائيل، هو أكبر مظهر مقزز لخضوع السياسيين الأميركيين المذل للنفوذ الصهيوني سعيا وراء تبرعات الحملات الانتخابية. ويحاول هذا الكتاب عبر فصوله تقديم نظرة تحليلية وتوثيقية للضغوط التي تمارسها إسرائيل عبر اللوبي اليهودي الأميركي لتشكيل السياسة الأميركية في الشرق الأوسط.
يستشهد پتراس باستطلاع أجراه ريتشارد كوهين لصالح صحيفة واشنطن بوست أن 60% من تمويل الديمقراطيين و35% من تمويل الجمهوريين يؤتى من هذه المؤسسة الموالية لإسرائيل، وغالبا ما يركز اللوبي اليهودي على موضوع واحد وهو التأييد المطلق لإسرائيل ومؤسساتها وسياساتها واغتصابها للأراضي ومفاهيمها العسكرية والسياسية لتحديد أعدائها. والأمر المثير للدراسة هو أن المساعدات الأميركية لإسرائيل التي تقدر بما بين 3 و10 مليارات دولار سنويا تتعامل معها إسرائيل لتعود ثانية للوبي اليهودي الأميركي عبر التحويلات البنكية وصفقات مربحة بين متبرعي اللوبي اليهودي الأميركي والشركات والبنوك الإسرائيلية. وهذا يعني أن دافعي الضرائب الأميركيين يمولون شبكة اللوبي اليهودي الأميركية لصالح قوة دولة أجنبية هي إسرائيل. وتتم ممارسة هذا النفوذ المالي لهذا اللوبي على الأحزاب الأميركية إما بمكافأة الموالين لإسرائيل أو بمعاقبة المعارضين لها، وذلك بتمويل المرشحين المؤيدين لإسرائيل أو شن حملات قذف دعائية ضد المعارضين عبر وسائل الإعلام الصديقة للصهاينة. إن هذا النفوذ المالي للوبي اليهودي لا يساعد فقط على تحقيق امتيازات خاصة لصالح بعض الأفراد، ولكن لتحقيق الأهداف الاستعمارية التوسعية لدولة إسرائيل وتفوقها الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط.
وكما يوضح واضعو الأيديولوجية الصهيونية وصانعو السياسة، فإن الهدف الأكبر لها هو تحويل منطقة الشرق الأوسط إلى منطقة أمريكية إسرائيلية مشتركة للازدهار الاقتصادي. وهو مشروع يرتدي قناع التبشير بنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط على متن الآلية العسكرية الأمريكية. وتكمن جذور نفوذ اللوبي اليهودي في مؤتمر( بى إيه سي) الأمريكي إلى ارتفاع نسبة الأغنياء من العائلات اليهودية بين الأثرياء الأمريكيين. فوفقاً لما نشرته مجلة فورپس الأمريكية فإن ما بين 25% و30% من المليارديرات الأمريكيين من اليهود، وإذا أضفنا إليهم مليارديرات اليهود الكنديين الذين يملكون 30% من الأصول المالية في سوق المال الكندي نستطيع أن ندرك حجم وعمق نفوذ اللوبي اليهودي الذي يملي السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط سواء في الكونگرس أو داخل الإدارة. ويمضي المؤلف الی القول إن سيطرة إسرائيل على الولايات المتحدة لها عواقب وخيمة على السلم والحرب العالميين، واستقرار وزعزعة الاقتصاد العالمي ومستقبل الديمقراطية في الولايات المتحدة.
إن هدف اللوبي اليهودي الأميركي ليس مجرد الضغط على الكونگرس للحصول على مساعدات مالية في الميزانية الأمريكية أو إعفاءات ضريبية استثنائية محدودة أو إصدار تشريع لتحقيق مصالح اقتصادية أو إقليمية محددة، ولكن هدفه هو ضمان التأييد الأمريكي لحروب إسرائيل العدائية ضد الدول العربية سواء عام 1967 أو1973 أو 1982، والحرب الأمريكية في العراق 1991 ثم عام 2003 والعمليات العسكرية ضد لبنان وفى غزة 2006 والتهديد العسكري المتواصل ضد سوريا وإيران. وليس من قبيل المفاجأة أن أغلبية الأوروپيين يدركون أن إسرائيل تمثل التهديد الأكبر للسلام العالمي، وأن اللوبي اليهودي الأميركي يستخدم معاونيه في وسائل الإعلام لترويج الادعاءات الصاخبة واتهامات معاداة السامية الشائعة في جميع مستويات المجتمع الأوروپي مما يؤثر على الإدارة الأميركية. وقد ظهر ذلك في استجابة واشنطن لهذا النفوذ وإكراه إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش لأوروپا على دعم موقفه المنادي بالحرب في منطقة الشرق الأوسط. وفي نفس الوقت يبدو طغيان إسرائيل من خلال تفويضها لهذا اللوبي اليهودي في التأثير على سياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، كما يتجلى في تجنب الإعلاميين والمثقفين الحديث عنه خشية التعرض للحروب الكلامية والابتزاز المؤسسي ونبذهم من جانب زملائهم الموالين لإسرائيل. وفي مواجهة طغيان إسرائيل واللوبي الموالي لها تقع على المثقفين الأميركيين مسؤولية كشف مدى سلطة وحجم ثروة هذا اللوبي وعلاقاته بدولة إسرائيل التوسعية، وتأكيد حرية الحوار والنقد لمحور اللوبي الإسرائيلي، والاستفادة من هذه الحرية لتحديد وتنظيم سياسة خارجية ديمقراطية بعيدا عن الحروب الاستعمارية وخوض حروب بالوكالة لصالح الغير.
ويركز الكتاب في الفصلين الأول والثاني على النفوذ الصهيوني في أميركا، ودور المسؤولين الحكوميين الموالين للوبي اليهودي في توريط الولايات المتحدة في شن حرب ضد العراق من المحافظين الجدد أمثال رمسفيلد ومرؤوسيه پول وولفوتس ودوگلاس فيث وأبراهام شولسكى فى البنتاگون. كما يتناول الفصل الثالث النزاع داخل الصفوة السياسية في الإدارة الأميركية، وبخاصة بين أتباع إسرائيل وأعضاء الجهاز الإداري التقليدي الذي بلغ ذروته في فضيحة سكوتر ليبى الذي كشف هوية عميلة لـ CIAانتقاما من زوجها الذي فضح أكاذيب الرئيس بوش والمحافظين الجدد حول امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل كذريعة لغزو بغداد. أما الفصل الرابع فيوضح أن النفوذ الصهيوني لا يقتصر على اللوبي اليهودي الأميركي، بل ينعكس أيضا على الصحفيين الذين يتحاشون دائما الإشارة إلى دور أتباع إسرائيل داخل الإدارة الأميركية. وعلى سبيل المثال يوضح الفصل الخامس أنه في الوقت الذي فشل فيه الصحفي والمحقق الأميركي الشهير سيمور هيرش في كشف الصلة بين الصهيونية الإسرائيلية وشن الحرب ضد العراق، استطاع جهاز المباحث الفيدرالية الأمريكي كشف ثلاثة جواسيس بين موظفي مؤتمر كبرى المنظمات اليهودية الأميركية لهم صلات بالمسؤولين الإستراتيجيين في الإدارة الأمريكية وعملاء الموساد في السفارة الإسرائيلية بواشنطن.
وفى الجزء الثاني من الكتاب يعالج الفصل السادس دور التعذيب والاغتيالات وممارسات الإبادة الجماعية كعمل متكامل في خطة بناء الإمبراطورية الأمريكية الإسرائيلية. كما يناقش الفصل السابع بوجه خاص الغزو الإسرائيلي لقطاع غزة كنموذج جلي لسياسة التطهير العرقي باستخدام إرهاب الدولة بالقصف وتدمير البنية التحتية للمدنيين الفلسطينيين، مشيرا إلى أن إفلات إسرائيل من العقاب كان عاملا مساعدا على تماديها في سياستها الإجرامية وسببا في شن هجوم الإبادة الجماعية ضد لبنان في صيف 2006. وفي الفصل الثامن يبين پتراس كيف لعب اللوبي اليهودي دورا رئيسيا في تأكيد الدعم الأمريكي غير المشروط لأعمال الهولوكوست الإسرائيلية ضد قطاع غزة ولبنان، كما يوضح الفصل التاسع دور وكلاء إسرائيل الأمريكيين في إعداد الولايات المتحدة لشن حرب ضد إيران وعواقب ذلك الوخيمة المحتملة. أما الفصل العاشر الذي يتعرض لأزمة الرسوم الكاريكاتيرية فى سياسات الشرق الأوسط، يناقش پتراس استخدام إسرائيل سلاح الأيديولوجيا في أزمة الرسوم الكاريكاتيرية للنبي محمد كوسيلة لخلق استقطاب بين المسلمين والغرب لزيادة حدة التوتر في المنطقة، وتبرير ضرب إيران والصمت عن أعمال الإبادة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة.
وفى الجزء الثالث يحلل الكاتب پتراس كيفية استخدام السلاح النفسي والأساس الأخلاقي ضد المقاومة، في الوقت الذي يحلل الفصل الحادي عشر دور إسرائيل واللوبي اليهودي من خلال "خبراء الإرهاب" الذين وضعوا خطط القتل والتعذيب ضد الفلسطينيين والإسلاميين ورجال المقاومة والشعب العربي. كما يوضح كيف أن خبراء الإرهاب قدموا تبريرات على أساس الخبرة العلمية وانتمائهم لمؤسسات أكاديمية عريقة في تقديم أشكال من التعذيب غير الإنسانية والاعتقالات الجماعية التعسفية والعقاب الجماعي للشعوب ضد خصوم إسرائيل والاستعمار. ويقدم الفصل الثاني منظورا آخر لموقف الانتحاريين حين يركز على أن التأثير السلبي للأضرار المادية والنفسية والوجودية نتيجة ممارسات القوى الاستعمارية ضد الشعوب هو السبب في إشعال العمليات "الانتحارية" في مواجهة الظلم وعدم التوازن الكبير في ميزان القوى العسكرية. كما يقدم جيمس پتراس رؤية نقدية للدور الشهير لأصحاب المصالح الاقتصادية في قلب عاصمة المال والنفط واشنطن بشأن تشجيعها لشن الحرب ضد العراق، وحقيقة أن إسرائيل هي المستفيد الأول من غزو العراق للتخلص من صدام حسين الذي اصبح فجأة بعد غزو الکويت عقبة أمام مشروع إقامة منطقة ازدهار أمريكي إسرائيلي في الشرق الأوسط. وأخيرا يناقش الكاتب في الفصل الرابع عشر إمكانيات مواجهة الصهيونية واستعادة حرية الحوار حول السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، وكيف أن التحول من السياسة العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط إلى سياسة خارجية ديمقراطية لن تقوم لها قائمة إذا لم ينظم الرأي العام الأميركي نفسه باعتباره أغلبية ديمقراطية قادرة على مواجهة زعماء الأحزاب والكونگرس والإدارة الأميركية بالخيار التالي "إما أن يكون ولاؤكم لأميركا أو لمنظمة إيباك!"
الا انه من المؤسف القول ان صوت جيمس پتراس سيضيع وسط ضجيج ذلك الفيض المتوفر من الکتاب الصهاينة والمتصهينين الذين يتحدث البعض منهم اللغة العربية. ويأتي في مقدمة هؤلاء الدكتور فؤاد عجمي، أستاذ كرسي مجيد خضوري ومدير برنامج دراسات الشرق الأوسط بكلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوپکنز. أصدر عجمي العديد من الكتب بشأن العالم العربي من بينها "بيروت: مدينة الندم" عام 1988 و "قصر الأحلام لدى العرب" عام 1998. كما كتب العديد من المقالات في مجلة الشؤون الخارجية Foreign Affairs المرموقة، وصحيفة وول ستريت جورنال، وغيرها من الصحف الأمريكية. ويعتبر عجمي من الأكاديميين المقربين من الحكومة الأمريكية الحالية، حيث قدم مشورات غير رسمية للرئيس بوش بشأن العراق وقضايا الشرق الأوسط. يحاول الدكتور عجمي من خلال كتابه الجديد "هدية الأجنبي: الأميركيون والعرب والعراقيون في العراق" تدوين ما يصفه بمرحلة التحول التاريخية التي يمر بها العراق وغير المسبوقة في العالم العربي، والمتمثلة في الانتقال من الحكم الديكتاتوري الذي فرضه الرئيس العراقي السابق صدام حسين ونظام حزب البعث على مدى عقود إلى مرحلة الحكم الديمقراطي والحريات العامة. يعتمد الكاتب أسلوب السرد في رواية الأحداث المتتالية التي عايشها، والتعريف بالشخصيات العراقية والأمريكية التي التقى بها خلال زياراته المختلفة للعراق منذ سقوط بغداد. والكتاب هو محاولة من الدكتور عجمي لتدوين هذه الحقبة في سجلات التاريخ من خلال أعين مراقب وباحث أكاديمي أمريكي من أصل عربي يتمتع بعلاقات جيدة مع حكومة الرئيس بوش، أيّد الحرب التي قادتها الولايات المتحدة على العراق منذ الوهلة الأولى ولا يزال، ويؤمن بفكرة انتصار الديمقراطية على الاستبداد والتطرف في نهاية المطاف.

يدافع عجمي عن قرار الولايات المتحدة لغزو العراق واحتلاله، بل يصفه بالقرار النبيل الذي يأتي في إطار عالم ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. ويجدد التذكير بتصريحاته التي سبقت الحرب في العراق ومفادها أن الحرب الدولية ضد الإرهاب تمر عبر كابل وبغداد. ويهاجم عجمي في كتابه الحكام والمفكرين العرب الذين قال إنهم يبذلون قصارى جهودهم لإثبات الفكرة الخاطئة القائلة إنه لا يمكن تثبيت الديمقراطية في العالم العربي، وأن البديل عن حالة الاستقرار التي توفرها الأنظمة السلطوية هو الفوضى العارمة. وعلى الرغم من تصاعد أعمال العنف وحالة والتمرد والاقتتال الطائفي التي يشهدها العراق، يشدد عجمي دفاعه على أن أعمال العنف تلك ليست نتيجة الغزو الأمريكي بل إنها تنبع من الصراع التاريخي المحلي بين مختلف الأطياف المذهبية والعرقية العراقية. ويضيف أن أعمال التمرد نتجت عن عدم تقبل العرب السنة للوضع الجديد الذي قلب الموازين القديمة وفرض واقعا جديدا تمثل في كونهم أقلية وأن الشيعة أكثرية. ويشير عجمي إلى أن السنة يرفضون التخلي عن موقع السلطة في نظام متسلط والعيش كأقلية داخل نظام ديمقراطي. فعلى الرغم من أن العرب السنة أقلية في العراق إلا أنهم يمثلون الأغلبية في المنطقة. ويقول إنهم مازالوا يؤمنون بأن لهم الأحقية والأهلية في تسيير أمور العراق ويتمسكون بمقولة "لنا الحكم ولكم (أي الشيعة) اللطم".

ويقول عجمي إن صدام حسين دمر العراق وأطبق على الحياة السياسية فيه، ومزقه وقام بكبت المشاكل المذهبية والعرقية وتركها لكي تنفجر فيما بعد. فالعراق، حسب عجمي، كان مليئا بالأنشطة والمتناقضات بين التيارات السياسية المختلفة، حيث كان للشيوعيين دور في العراق وكذلك الأمر بالنسبة للزعماء القبليين والقوميين العرب والمقاتلين الأكراد والعصابات المعزولة ومن وصفهم بالدستوريين الذين كانوا يمارسون الوظائف المعاصرة. غير أن صدام حسين قام بتدجين وترويض الأطياف العراقية، ودمّر روحها المعنوية وحوّل العراق إلى سجن كبير. ولم يقم بحل المشاكل المذهبية والعرقية، وبالتالي عندما تمت الإطاحة بنظامه جراء الغزو الذي تزعمته الولايات المتحدة ظهرت إلى الوجود تلك التوترات الطائفية القديمة التي كانت مدفونة ومكبوتة. يأتي ذلك بالإضافة إلى رغبة الحكام العرب في فشل التجربة الأمريكية في العراق حتى لا يكون العراق مثالا يحتذي به في العالم العربي فيما يتعلق بالحرية والديمقراطية واختيار الشعب لقادته. فالقادة العرب المتسلطون رأوا في تلك التجربة تهديدا لأنظمتهم وطعنا في تبريراتهم السابقة للطغيان والقمع الذي يمارسونه بحق شعوبهم. وبالتالي يرغبون في اشتعال حالة العنف والاقتتال لكي يثبتوا للولايات المتحدة والعالم الغربي بأن الديمقراطية لا يمكن أن تنجح في العالم العربي وأن البديل عن الاستبداد والقمع هو الفوضى والعنف. وذلك فضلا عن خشية الدول العربية السنية من تزايد نفوذ الشيعة في العراق، وتوسيع نفوذ إيران في المنطقة. ويضيف عجمي أن أولئك القادة كانوا يأملون في أن يعيد التاريخ نفسه وتكرار التجارب السابقة في بيروت والصومال، وتكرار السيناريو التقليدي: الأجانب يأتون إلى الدول العربية ويحملون معهم توقعات وآمال كبيرة لتحقيق إنجازات مهمة، غير أنهم سرعان ما يصطدمون بالواقع العربي ويسارعون في جمع حقائبهم ويعودوا أدراجهم من حيث أتوا.

ويركز عجمي وهو شيعي من أصل لبناني في كتابه على استقلالية شيعة العراق عن إيران، ورغبتهم في إقامة نظام ديمقراطي عراقي محض يكون الإسلام فيه أحد مصادر التشريع وليس إقامة نظام ديني على غرار نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية. ويستعرض مناقشاته مع عدد من السياسيين مثل فؤاد معصوم الذي شارك في لجنة صياغة الدستور الذين قالوا إن ولاءهم خالص للعراق وأنه على الرغم من أنهم أمضوا سنوات عديدة في المنفى في إيران إلا أنهم يتمسكون بهويتهم العراقية ولا يجيدون اللغة الفارسية. كما يستعرض عجمي اللقاء الذي جمعه في النجف مع المرجع الشيعي الأعلى آية الله علي السيستاني. ويعتبر هذا اللقاء لقاء نادرا من نوعه، خاصة وأن السيستاني يرفض الاجتماع مع الأمريكيين وسبق أن رفض مرارا لقاء پول بريمر الذي كان يشرف على سلطة التحالف الانتقالية في العراق. ويوضح عجمي أن سبب موافقة السيستاني على اللقاء به ليس لأنه أمريكي بل لأنه شيعي، وأنه تم الترتيب للاجتماع بوساطة السياسي العراقي أحمد الجلبي الصديق القديم لعجمي. ويصف عجمي السيستاني برجل الدين الحكيم الذي قدم خدمة جليلة للعراق من خلال تشديده على ضرورة نبذ العنف وعدم الثار من العرب السنة على الجرائم التي ارتكبها السنة بحق الشيعة إبان نظام الحكم السابق.

وقد أکد عجمي في كتابه بشكل كبير على قضية الديمقراطية ونشر الحرية في العالم العربي، ومرّ مرور الكرام على التبرير الذي قدمته الحكومة الأمريكية لشن الحرب ضد العراق والإطاحة بنظام حكم صدام حسين، وهو حيازته على أسلحة الدمار الشامل الذي تبين فيما بعد عدم صحته. وبکل وقاحة يقول إن الولايات المتحدة ليست بحاجة على الإطلاق للاعتذار للدول العربية أو نظام الأئمة في إيران عن تواجدها في العراق أو الأهداف التي ترغب في تحقيقها هناك. ويضيف أن الحكام العرب والقدر الكبير من الطبقة السياسية في العالم العربي لم تعر أي اهتمام للجرائم التي اقترفها نظام صدام حسين بحق العراقيين، ويكتفون بإثارة الشعور المعادي للولايات المتحدة وعدم الإقرار بالهدية التي قدمتها الولايات المتحدة في قلب العالم العربي، وهي فرصة العيش في ظل الحرية والديمقراطية. ويشدد عجمي على التفاؤل بشأن قدرة العراق من الخروج من المأزق الراهن ويقول إن العراقيين سيتمكنون في نهاية المطاف وبفضل جهود الولايات المتحدة والمسئولين العراقيين الجدد المتعلمين، والمتحضرين والمتنورين من تجاوز أعمال العنف والتوتر الطائفي الحالي ليتحول العراق إلى نبراس للديمقراطية والحرية في قلب العالم العربي والإسلامي ويدحض بذلك تبريرات الحاكم العرب بأنه لا يمكن للعشب العربي أن يعيش بدون سوط يلوح به الزعماء المتسلطون.

واذا کان فؤاد عجمي الشيعي اللبناني الأصل قد ألقی باللائمة علی العرب والعروبة وأشاد بالاحتلال الأمريكي للعراق وشكك في دور العرب، فإن لبنانياً آخر من أصل مسيحي قد کرس هجومه علی الإسلام والمسلمين باعتبارهم مصدر الأرهاب والتخلف في الشرق الأوسط. والشخص المعني هو وليد فارس الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات. يعمل فارس أيضا خبيرا لشئون الإرهاب وقضايا الشرق الأوسط بشبكة MSNBC الأمريكية، ويقوم بتدريس موضوعات الشرق الأوسط والنزاعات الدينية والعرقية في جامعة فلوريدا أتلانتيك. وکان فارس قد ألف عددا من الكتب والمقالات والبحوث التي تركز على ظاهرة الإرهاب وقضايا الشرق الأوسط. ويحاول وليد فارس من خلال کتابه الجديد "مستقبل الجهاد: الأستراتيجيات الأرهابية ضد أمريکا"، المكون من 17 فصلا طرح تفسير ما يصفه بظاهرة الإرهاب القادم من العالم العربي والإسلامي ودوافعه انطلاقا من مفهوم الجهاد وخلفيته الدينية والتاريخية، وذلك باعتباره أكاديمي عربي أمريكي، نشأ وترعرع في دولة عربية هي لبنان، ثم انتقل ليعيش في بلده الجديد الولايات المتحدة. وهو يدعي أن معرفته بالثقافتين العربية والأمريكية، وإتقانه اللغتين العربية والانجليزية قد ساهمت في عمق وأهمية تحليلاته!

يسعى فارس من خلال هذا الكتاب إلى إطلاع الأمريكيين والعالم الغربي على المبادئ الدينية والتجارب السابقة في التاريخ الإسلامي مثل معركة اليرموك ومعركة القادسية وغيرها من المعارك التي خاضتها الجيوش الإسلامية بأعداد قليلة وتكنولوجية بدائية مقارنة مع الجيوش والإمبراطوريات التي واجهتها والتي تستخدمها الجماعات الإسلامية في الوقت الراهن كحافز لحشد التأييد الشعبي لتبرير أعمالها الإرهابية. يشرح فارس أنه قرر تأليف هذا الكتاب ردا على ما وصفه بإخفاق الغرب في إدراك مدى خطورة ذلك الإرهاب خلال التسعينات من القرن الماضي. ويقول عن ذلك الإخفاق إنه جعل العالم الغربي يفاجئ بشكل كبير عند وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة. خصص وليد فارس مقدمة الكتاب للإشارة إلى تجربته كباحث أكاديمي وكمراقب يُدون ملاحظاته على مدى أكثر من عشرين عاما للحركات الإرهابية وتطورها خاصة الحركات الإسلامية التي تعتمد على مفهوم الجهاد كمفهوم محوري في أيديولوجيتها. وللإشارة كذلك إلى تجربته، كشخص يعرف حقيقة تلك الجماعات ودوافعها والخطر الحقيقي الذي تشكله، لكي يشرح للأمريكيين ما حدث أثناء هجمات الحادي عشر من سبتمبر وفي المرحلة التي تلتها. يقول المؤلف إن مسألة التعرف عن حقيقة الجهاديين ومآربهم وما يرغبون في تحقيقه تتطلب دراسة التاريخ المعقد لمفهوم الجهاد وتطوره عبر التاريخ منذ مطلع الإسلام إلى يومنا هذا والإيديولوجية التي يعتمد عليها والتأثير الذي يحدثه في نفوس الناس. ويضيف أنه يتعين التعرف على تاريخ التحالفات بين الجهاديين وأعدائهم عبر التاريخ. ويشدد على أنه من دون معرفة هذا التاريخ المعقد لن يكون بالإمكان تفهم العدو ودوافعه كما أنه لن يكون بالإمكان معرفة ما قد يحمله المستقبل في طياته من مخاطر.

قام فارس بعرض الجذور التاريخية لمفهوم الجهاد في الإسلام ابتداء من عهد الرسول محمد حيث تمت إقامة الدولة الإسلامية، وأول جيش إسلامي في المدينة، وفي عهد الخلفاء الراشدين، حيث تم توسيع الحدود الجغرافية لتلك الدولة الإسلامية من خلال استخدام مفهوم الجهاد في سبيل الله. ويقول فارس إن القادة الإسلاميين استخدموا مفهوم الجهاد كمبرر ديني لحشد التأييد الشعبي لتلك الفتوحات والغزوات التي قامت بها جيوش المسلمين للدول والإمبراطوريات المجاورة دون توقف تقريبا، حيث انطلقت من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة وأخذت في الاتساع لتبلغ الحدود من الصين شرقا والمحيط الأطلسي غربا ومناطق في فرنسا شمالا. ويشير الی أن الدافع الحقيقي وراء تلك الفتوحات والغزوات كان عسكريا وجيوسياسياً، وأنه تم استخدام الدين لإضفاء الشرعية على تلك الحملات العسكرية التوسعية. ويقول إنه تم استخدام عبارة "الفتح" لهذا الغرض بدلا من تعبيرات مثل "الاجتياح والاحتلال" التي تحمل في طياتها دلالات سلبية، وتمنح الحق للطرف الآخر الحق المشروع في الدفاع عن النفس ورفض الاحتلال.

ويشرح وليد فارس أن الجهاد الأكبر، أي الجهاد في سبيل الله والأمة الإسلامية، أصبح حينها واجبا مفروضا على كل مسلم. وأصبح بذلك ركنا سادسا ملحقا بأركان الإسلام الخمسة. وبالتالي فإنه يقوم بدورين أولهما الدفاع عن الأمة الإسلامية من الأخطار والاعتداءات الخارجية. والثاني هو توسيع حدود الأمة ونشر الإسلام عبر العالم. ويقول "إنه لمجرد أن الجهاد تطور ليصبح واجبا دينيا قبل أربعة عشر قرنا، فإن المتطرفين في عالم اليوم يشيرون إلى الجهاد على ذلك النحو، أي واجب ديني على كل مسلم. وبما أن السلطة الدينية الإسلامية لم تقم أبدا بدحض فكرة الحرب المقدسة ولم يتم إدخال أي تعديل عليها، فإنه من الصعب تفادي استخدام الدين لإضفاء الشرعية على الحرب التي يشنها الجهاديون اليوم. ويمضي فارس الی القول إن المنظمات مثل شبكة القاعدة السنية وحزب الله الشيعي يستغلون تلك الحقيقة". ويقول فارس إن لمفهوم الجهاد أهمية بالغة في عالم اليوم، كما أن له تداعيات على السياسة الدولية بسبب مسألتي الحرب والسلام وكذلك بسبب ارتباطه مع الحركات الإرهابية التي قامت بتبني المفهوم وتستخدمه بشكل اعتيادي في خطابها. ويقول إنه بغض النظر عن الاستخدام التاريخي القديم لمفهوم الجهاد إلا أن طريقة استخدام شبكات إرهابية كتنظيم القاعدة أو حزب الله أو أنظمة حكم طالبان أو نظام رجال الدين في إيران لهذا المفهوم تتعارض مع جميع القوانين التي تعتمد على حقوق الإنسان. غير انه بما أن مستخدمي هذا المفهوم، الجماعات المتشددة، والسياسات المعاصرة تشير إلى الجهاد من خلال بعده التاريخي، نجد أنفسنا مرغمين على إجراء تحقيق تاريخي للمفهوم. ثم يمضي إلی القول إن مصطلح الجهاد شائع في اللغة والثقافة العربية والإسلامية بسبب دلالته التاريخية والدينية، وبالتالي فإنه بمجرد استخدام عبارة "الجهاد" يدرك الشخص العربي والمسلم معناه الحقيقي لأن المفهوم واضح وبسيط. غير أنه في مقابل ذلك قام السياسيون والمثقفون في الولايات المتحدة بتطوير معنى معدل وجديد لمفهوم الجهاد وقاموا بإقحام هذا المفهوم الجديد في العقلية الأمريكية. ويرجع فارس سبب ذلك، أي التقليل من خطورة مفهوم الجهاد، إلى محاولات جماعات الضغط والسياسيين الأمريكيين للتقليل من خشية الأمريكيين وتشجيعهم على التعامل مع الدول الإسلامية، خاصة الدول الغنية بالنفط. ويقول عن السبب في ذلك هو ما وصفه بتسلل الفكر الجهادي، حيث أن ذلك التسلل بدأ مع أموال الفكر الوهابي التي استهدفت عددا من الجامعات ومراكز الأبحاث والمنظمات الدينية، وأشار إلى أن تلك الأموال التي تدفقت منذ السبعينات من القرن الماضي استطاعت بمساعدة بعض المثقفين تعتيم الصورة الحقيقي للجهاد والخطر الذي يمثله على الولايات المتحدة وعلى الغرب باعتبار أنهما يقعان في خانة دار الحرب. ويقول من خلال تمويل البرامج التي كان من المفترض أن تعرف الطلبة الأمريكيين على الشرق الأوسط وثقافته السياسية، كان المانحون يحكمون سيطرتهم على المعرفة.

ويوضح الكاتب أن مفهوم الجهاد طبيعي وبسيط من الناحية اللغوية بالنسبة للعرب والمسلمين، غير أنه بالنسبة للغربيين وغير العرب وغير المسلمين تتطلب عملية إدراك المعنى الحقيقي للجهاد ودلالته وأبعاده بحثا أكاديميا معمقا ومعقدا، لأنه يحتاج إلى ترجمة ثقافية وليس الاكتفاء بالترجمة اللغوية. ويضيف وليد فارس أن هنا يكمن التحدي لأن المترجم قد يقوم غير راغب أو غير قادر على ترجمة المعنى الأساسي والعميق للمفهوم. ويضيف " إننا في الغرب كنا ومازلنا تحت رحمة أولئك الأشخاص الذين من المفترض أن يقوموا بترجمة وشرح إيديولوجية بكاملها، غير أنهم قاموا بتعميقها وتمويهها. والأمر ذاته ينطبق على الجانب الآخر، ففي الثقافة الغربية يتم تدريس مفهوم الديمقراطية في المدارس غير أنه مفهوم معروف تاريخيا. وتعتمد الترجمة الثقافية للمفهوم علی الثقافة الإسلامية والعربية على الجهة التي تقوم بالترجمة. ففي تلك الثقافات تم تعقيد وتحريف المعنى الحقيقي للديمقراطية في المدارس الدينية أو من قبل أساتذة معادين للديمقراطية. يعتقد وليد فارس أن حل مشكلة الإرهاب القادم من العالم العربي والإسلامي والمتمثل في تصرفات وأفكار الجهاديين يكمن في تغيير العقلية والظروف الثقافية والاجتماعية التي يترعرع فيها، ولذلك يشدد على أن التغيير يجب أن يحدث في منبع تلك الإيديولوجية أي الشرق الأوسط والدول الإسلامية. ويقول إن الوسيلة الكفيلة بالتصدي لهذا الخطر المحدق لا تقتصر على العمليات العسكرية وجهود مكافحة الإرهاب بل يجب أن تشمل تشجيع إحداث تغييرات اجتماعية وثقافية داخل الدول الإسلامية وخاصة الدول النفطية الوهابية لمنح الشباب خيارا آخر بديلا عن خيار الجهاد.

يختتم فارس كتابه بتقديم توصيات لمكافحة الإرهاب والتصدي له من جذوره، ويقول إنها حرب طويلة ليست على ساحة المعركة فحسب، بل هي حرب أفكار. ويقول إنه يتعين إحداث تغيير ملحوظ في البرامج التعليمية والتربوية الأمريكية لكي تتم إزالة الغموض وينقشع الضباب الذي تسبب فيه المال النفطي الوهابي. ويقول إنه يتعين على رئيس الولايات المتحدة والكونگرس والزعماء والقادة في العالم العربي والإسلامي ومن دون أي تحفظ وصف الجهاد الذي يلوح به المتطرفون "السلفيون والخُمينيون" على أنه عدو للسلام العالمي. ويقول فارس "إنها فعلا حرب ضد الإرهاب، لكنها أيضا حرب ضد إيديولوجية الجهاد التي تضفي الشرعية على الإرهاب وتقوم بإنتاجه". ويقول إنه يتعين استصدار قوانين صارمة تجرِّم الجهاد والداعين له، بالإضافة إلى تبني الدول الغربية التي تضررت منه لمفهوم موحد للجهاد. أما الدول العربية والإسلامية فيقول فارس إنها في موقع أفضل للتصدي للجهاديين والمتطرفين لكونها تتحدث لغتهم وتنطلق من نفس ثقافتهم، فهي تستطيع عزل المتطرفين السلفيين من خلال تعزيز الأئمة المعتدلين وإدخال تعديلات على الانطباعات السياسية والتاريخية لمفهوم الجهاد ورفض الإيديولوجية الجهادية. ويدعو فارس في الختام إلى ضرورة دعم ومساندة المعتدلين في العالم العربي والإسلامي ودعم مؤسسات المجتمع المدني وتعزيز الديمقراطية ودعم أنظمة الحكم الديمقراطية التي تدعو للتعددية. وتتعرض فصول الكتاب تفصيلا إلى الاستراتيجيات التي تتبعها الجماعات الإرهابية الجهادية ضد الولايات المتحدة، ويتناول الفصل الثالث عشر تصورا عما قد تستطيع الجماعات التي تصنفها الولايات المتحدة بالإرهابية القيام به في المستقبل. ويحذر الكاتب من الجيل القادم من الجهاديين الذين نموا وتربوا في المجتمعات الغربية، ويراهم أكثر خطورة مقارنة بالجيل الأول. ويختتم الكتاب بتقديم وصفات لدرء خطر الجماعات الإرهابية.

وهناك مؤلف آخر ينظر الی الأطاحة بنظام صدام وما نجم عنه من إسقاط مفهوم سلطة الدولة من قبل قوات الأحتلال، نظرة تضع علی عاتق الولايات المتحدة مسؤولية بناء العراق الجديد. وهذا المؤلف هو نوح فيلدمان. عمل فيلدمان مستشارا لشئون الدستور مع سلطة التحالف المؤقتة التي أدارت العراق منذ مايس 2003 إلي حزيران 2004، وكان ضمن فريق عمل شارك في إعداد قانون الإدارة المؤقت الذي احتوي علی ضرورة إجراء العملية الانتخابية، وتسليم الإدارة لحكومة عراقية منتخبة. يدرِّس فيلدمان مادتي القانون الدستوري والفكر الإسلامي بجامعة نيويورك. وأهم ما يميز هذا الكتاب هو أن كاتبه يعكس خبرة أكاديمية، ممزوجة بخبرة عملية داخل العراق بعد الاحتلال، امتزجت بخبرة عملية داخل العراق ومن خلال مشاركة الكاتب في إعداد خريطة الطريق لعراق ديمقراطي جديد. جزء من الكتاب تحليل سياسي دقيق، وجزء منه ذكريات شخصية في العراق، وهو نداء للضمير الإنساني الأمريكي لتحمل مسؤولياته تجاه الشعب العراقي. ويصرخ الكاتب قائلا "يجب عدم ضياع فرصة بناء دولة في العراق". هذه هي رسالة الكتاب التحذيرية في مضمونها، فالكاتب يصرخ من أجل عدم ترسيخ صورة حالة الاحتلال الأمريكي الموجود الآن في العراق. ويری الكاتب ضرورة أن تركز الولايات المتحدة علی توفير الأمن وبناء الدولة. ويري أن هذا يبدأ مع تغيير آليات التعامل مع العراقيين أولا وقبل كل شيء. والكتاب وثيقة هامة موجهة لصانع السياسة الأمريكية والمهتمين بضرورة عدم ضياع الفرصة السانحة في العراق.

يعترف الكاتب أن إدارة الولايات المتحدة للشأن العراقي في حالة فوضي منذ بدء الاحتلال في نيسان 2003. يعرف فيلدمان العراق جيدا، بالإضافة إلي كونه يتحدث العربية، يجعله ملما بتفاصيل كثيرة عادة ما يجهلها الأمريكي العادي وحتى صانع السياسية. يعرض الكتاب لتفاصيل ما يجري خلف الأبواب المغلقة فيما يتعلق بإدارة الاحتلال في العراق. وينصح الكاتب بضرورة تبني الولايات المتحدة بصورة أكثر جدية لعملية بناء الدولة في العراق، لأنه الشيء الوحيد الذي سيقبله العراقيون، بحسب قوله. ويؤكد الكاتب إمكانية بناء الدولة إذا أصبح ذلك هدف أمريكي استراتيجي، لأنه الوسيلة الأكثر فعالية لمحاربة الإرهاب علي المدى الطويل، هذا بشرط أن تنجح عملية بناء الدولة في العراق في خلق ديمقراطية مستقرة. ويؤكد فيلدمان أن الإرهاب لا ينمو ويترعرع فقط في الدول الضعيفة ذات الحكومة الضعيفة، بل ينمو ويترعرع حيث توجد دولة قوية تغيب فيها الحرية والديمقراطية. ويستشهد هنا بحالات مصر والسعودية والجزائر بصفة خاصة. ويطرح الكاتب دواء فعال ضد من يقومون بعمليات العنف والإرهاب. العلاج في نظره ببساطة هو مزيد من الحرية. إذ يری الكاتب أن الهدف من عملية بناء الدول بعد وقوعها تحت الاحتلال الأجنبي بناء ديمقراطية من خلال مؤسسات وآليات تضمن خلق حكومة ذات سيادة تحفظ الأمن وتخلق شرعية جديدة.

يعرض الكاتب في مقدمة الكتاب إلی أهداف بناء الدول من خلال مقارنة الأهداف خلال الحرب الباردة التي اشتملت علی توافر دول راشدة عملت علي بناء مؤسسات ديمقراطية راسخة مثل الحالة الألمانية واليابانية والكورية. أما الحالة العراقية فقد غاب العنصر العقلاني الراشد عن عملية إعادة بناء الدولة حتى الآن بسبب الانهيار الكامل لمؤسسات الدولة السابقة، مع وجود احتمالات تهديد الاستقرار الإقليمي، بالإضافة إلي التواجد العسكري الكبير. ويري الكاتب أن لعملية بناء الدولة في العراق بعد أخلاقي، وينادي بالعمل علي مراعاة مصالح الشعب العراقي ومنع وقوع ظلم علی أي من الجماعات الكبيرة هناك. ويؤكد فيلدمان أن عملية إعادة بناء الدولة في العراق تتضمن في طياتها العمل علي كسب عقول وقلوب العراقيين، ويؤكد أن غياب أي خطة أمريكية عامة، مع عدم وجود عدد كاف علي الإطلاق ممن يتكلمون العربية مع إدارة الاحتلال الأمريكي صعب من المهمة الأمريكية.

يتناول الفصل الثاني ما اقترفته الولايات المتحدة من أخطاء في العراق مما أدی الی وصول الحالة لما نراه كلنا الآن من تسيب أمني كبير. ويعدد الكاتب الأخطاء الأمريكية بدأ من حل الجيش العراقي، وصولا إلي عملية إجتثاث حزب البعث التي تمت بعشوائية نتج عنها غضب قطاع كبير من الطبقة الوسطی في العراق. ومع غياب مجتمع مدني فعال، وبعد فشل تجربة مجلس الحكم الذي أوجدته الولايات المتحدة، ولم تحترمه، كذلك لم يحترمه الشعب العراقي، لم يعد أمام الولايات المتحدة إلا أن تبدأ في نقل السلطات الحقيقية للعراقيين. ويري فيلدمان إنه من مسئوليات المحتل أن يحافظ علي النظام في الدولة التي يحتلها، وأن غياب الأمن أدی إلي أن يلجأ العراقيون إلي نزعاتهم الأولی فيما يتعلق بالهوية. فالشيعة رجعوا إلي الحوزة، والأكراد رجعوا إلي مطالب الانفصال، أما السنة فهم في حالة عدم اتزان. ينادي الكاتب بضرورة أن تأتي عملية بناء الدولة في العراق بحكومة يوافق عليها غالبية العراقيين، ويري أن وجود حكومة منتخبة بحرية في العراق قد يؤدي إلي خفض نسبة العداء للولايات المتحدة في العراق وبقية الشرق الأوسط. وهو يری أن جذور العداء للولايات المتحدة، والتي تولد عداء متزايد لها في دول المنطقة، يتمثل في دعم الأنظمة غير الديمقراطية في الشرق الأوسط لأسباب عديدة. وأبسط الحلول للتعامل مع هذا الخطر هو البعد عن دعم نظم غير شرعية غير منتخبة.

وينتقل الكاتب في الفصل الثالث والأخير إلي استعراض سحر الانتخابات ودورها كوسيلة وحيدة لإعطاء شرعية للحكومة المنتخبة. إلا أن الكاتب يقر أن الانتخابات لن تعني انسحابا أمريكيا نهائياً. والانتخابات لم تكن فكرة أمريكية منذ البداية، بل نادي بها آية الله السيستاني، الذي لولاه ما كان للولايات المتحدة أن تجري الانتخابات العراقية. ويقر الكاتب بوجود أخطار كبيرة فيما يتعلق بمرحلة ما بعد الانتخابات، وهو ما أثبتت الإحداث صدقيته إلي درجة كبيرة. وأهم الأخطاء الأمريكية في نظر الكاتب، والتي ما تزال أثارها ظاهرة حتى الآن، هو عدم إرسال الولايات المتحدة لأعداد كافية من الجنود لتوفير الأمن بعد نجاح الجزء الأول المتعلق بهزيمة القوات النظامية العراقية واحتلال العراق. و يري أن هذا الخطأ الكبير عرقل منذ البداية عملية بناء الدولة. و نتيجة لذلك لم يجد غالبية العراقيين من ملجأ وملاذ لهم سوی المرجعية الدينية سواء السني منها أو الشيعي، مما أدي لاحقا إلي سهولة توظيف من يقومون بأعمال العنف علی أسس دينية. وفي النهاية يركز فيلدمان علي غياب أي جدية داخل الولايات المتحدة فيما يتعلق بمناقشة الحالة العراقية، ويتمثل هذا في "غياب أي جدل أو مناقشة جادة داخل الولايات المتحدة بخصوص ضرورة بناء دولة عراقية حديثة ديمقراطية". فبعيدا عن ذلك يتم "التركيز علی موعد عودة الجنود لبيوتهم". ويري فيلدمان أن إجراء الانتخابات العراقية لن ينهي مسئوليات الولايات المتحدة في العراق، بل سيغير طبيعتها، انتظارا لإقامة دولة متكاملة علی أسس ديمقراطية حقيقية.
وكما كان الكاتب والروائي والشاعر البريطاني المشهور في ذروة قوة الإمبراطورية البريطانية روديارد كبلينگ يكتب مدافعاً عن الاستعمار البريطاني من منطلق "مسؤولية الرجل الأبيض" إزاء "تحضير وعصرنة" بقية العالم، تطور في السنوات الأخيرة منظرون صهاينة أمريكيون يسوغون للإمبريالية الصهيونية الأمريكية الجديدة إستراتيجيتها وأهدافها في العالم. ففي حربي أفغانستان والعراق كان كثير من التنظير الأكاديمي الذي يُساق مدافعا عن مسوغات الحرب يقوم على قاعدة شعور أمريكا بالمسؤولية التاريخية بكونها قائدة العالم للتدخل من أجل جلب الحرية والتحضر والسلام للشعبين الأفغاني والعراقي. وفي قلب التنظير الجديد "لپاكس أميركانا" المعاصرة، تقع الدعوة إلى الديمقراطية بكونها الهبة الأمريكية التي تحملها الدبابات الأمريكية إلى البلدان التي تعاني من الاستبداد. وعلى كل حال الأهم من التنظير هو الفعل. إن شبكة القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة على أرض المعمورة مخيفة، ولا تترك زاوية من زوايا الأرض إلا وعليها وجود للجيش الأمريكي. لكن الأمر المدهش للغاية أنه رغم هذا التواجد الإمبريالي الهائل في طول الكرة الأرضية وعرضها ما زال المواطن الأمريكي العادي، وبشکل عام، مقتنعا بأن بلاده مسالمة ولا تعتدي على أحد، وإنما تتعرض للاعتداءات من قبل الآخرين. ويتحمل الأعلام مسؤولية هذا التعتيم.
في ختام هذه المقالة لا بُدَّ من القول أنه يعز علينا ونحن نتحدث عن ذکری الغزو والأحتلال ان نری المسيرات الشعبية تنطلق في عواصم العالم ومدنه، لا سيما امام البنتاگون في واشنطن وفي نيويورك وفي لوس انجلوس، مطالبة بسحب قوات الاحتلال من العراق ولا نری تحركات شعبية مماثلة في وطننا العربي وعالمنا الاسلامي حيث الشعوب مكبلة اما بقيود الحكام او بانشغالات الحياة اليومية او بانقسامات السياسة. ولكن ما يعزينا اننا لم نفارق معاناة شعبنا العراقي يوماً واحداً، ولا تركنا فصلاً واحداً من فصول عطائه المتدفق، بل كنا وهذا الاهم واثقين جداً، حتی في الايام القاتمة التي رافقت احتلال بغداد، ان قوات الاحتلال ستتحطم علی اسوار بغداد وفي بساتين بغداد، بل علی اسوار كل مدينة وبلدة وقرية عراقية وفي شوارعها الفسيحة او الضيقة. لقد كنا مدركين ان الجبروت الصهيوني الامريكي غير المسبوق بقوته سيكون قادراً علی احتلال العراق لكنه لن يكون قادراً علی السيطرة علی هذا البلد العزيز المنيع الذي تحطمت فوق ترابه الكثير من الغزوات.
ان المشروع الامبراطوري الصهيوني الامريكي ليس مرتبطاً فقط بالحقبة الراهنة من تاريخ الولايات المتحدة، ولا بالقيادة الحالية فحسب، بل انه مشروع كان يطل برأسه بين الفينة والاخری، وفي معظم الادارات التي تعاقبت علي قيادة الولايات المتحدة، وان كان هذا المشروع قد اتخذ مع بوش الابن ومحافظيه الجدد مظهراً اكثر عقائدية، واقل براغماتية واشد عناداً وهجومية. وما ليندون جونسون وكلارك كليفورد وروبرت ماكنمارا ووالت روستو وسام نن ووليام بيري ولـَس إسبن وانتوني ليك وجيمس وولسي إلا حفنة من رجالات حزب الحرب الذين يحملون بطاقة عضوية الحزب الديمقراطي. وکلُّ هؤلاء يفوقون في تشددهم وصقوريتهم عقلانيين من بعض رجالات الحزب الجمهوري أمثال نيلسون وروكفلر وچاك هيگل ووليام روجرز ووليام سكرانتون .

إن الحديث عن سقوط مغامرة الامبراطورية الصهيونية الامريكية لا يجوز ان يفهم بأي حال من الاحوال سقوطاً للعلاقة مع الشعب الامريكي، ومع مجتمعه الزاخر بعناصر القوة والمعرفة والتقدم، بل علی العكس من ذلك تماماً. إن سقوط هذه المغامرة الامپريالية يؤدي الی سقوط حاجز كثيف بين امتنا والمجتمع الامريكي الذي وقفت طلائعه وقواه الحية ضد حروب ادارته علی بلادنا منذ سنوات وحتی الساعة. بل انني اجد نفسي مردداً بأننا هنا نوجه رسالة الی الشعب الامريكي نقول فيها نحن ضد سياسة ادارتكم التي تقتل ابناءكم كما تقتل ابناءنا، وتنهب مواردكم كما تنهب مواردنا، وتسيء الی قيمكم ومثلكم كما تسيء الی قيمنا ومثلنا. ولکن الحقيقة هي ان سقوط هذه المغامرة العسکرية لا يلغي الحالة المريرة التي آل اليها عراقنا الحبيب والتي يصفها الزميل رشيد الخيون في مقالته الأخيرة، "انه في الألفية الثالثة يُحرق شارع الثقافة، ويتفاضح وزير ثقافة البلاد ووكيله بين أن تكون الوزارة تكية أُصولية أو مجلساً حسينياً، ويحتل العراق ثالث دولة في الفساد المالي من 167 دولة! وليس خافياً أن ما عمَّره العقل بالبصرة وبغداد هدمه جنون عسكرة الاقتصاد، وشدة الظلم، وليست المحاصصة الطائفية الحالية أقل نذراً بالخراب!"
المصادر:
1. جيمس پتراس، نفوذ إسرائيل في الولايات المتحدة، دار كلاريتى برس/أتلانتا، وفرنوود بوكس/كندا، الطبعة الأولى، 2006، مراجعة أمل شريف.
2. جانيس ج. تيري، السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط، دور جماعات الضغط ذات الاهتمامات الخاصة، ترجمة حسان البستاني، الدار العربية للعلوم، بيروت، الطبعة الأولى 2006، مراجعة ابراهيم غرايبة.
3. نعوم چومسكي، طموحات إمبريالية، ترجمة عمر الأيوبي، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الأولى 2006، مراجعة ابراهيم غرايبة.
4. جهاد الخازن، "تخلوا عن بوش"، الحياة 9/11/2006.
5. جهاد الخازن، "أصمّ وأعمى"، الحياة 18/1/2007
6. هاشم صالح، "المشروع الأميركي ـ الإسرائيلي، تقسيم المنطقة إلى طوائف وأعراق"، الشرق الأوسط 11/11/2006.
7. سمير عطا الله، " لأنه خدعهم"، الشرق الأوسط 12/11/2006.
8. توماس فريدمان، "هل اصبحت بلادنا جمهورية موز"، نيويورك تايمز، 4/11/2006.
9. روبرت فسك، "الإنكار واللجوء إلى الخيال"، الأندپندنت، 7/12/2006
10 . نيل فيرگسون، الصرح: ارتقاء الإمبراطورية الأميركية، ألن لين، بريطانيا العظمى، الطبعة الأولى 2004، مراجعة مکتب کمبرج.
11. جيمي كارتر، فلسطين.. السلام لا الفصل العنصري، سيمون آند سيشتر/نيويورك، الطبعة الأولى 2006، مراجعة علاء بيومي.
12 . صافي ناز کاظم، "اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون"، الشرق الأوسط 12/11/2006.87.
13. روبرت موري، رمال الإمبراطورية، سيمون آند شيستر، نيويورك، الطبعة الأولى 2005، مراجعة علاء بيومي.
14. بوب وودورد، حالة إنكار: بوش في حرب: الجزء الثالث، الطبعة الأولى، سبتمبر 2006، سيمون آند شيستر، مراجعة علاء بيومي.

15. Fouad Ajami, The Foreigner s Gift, Free Press 2006. Reviewed by Adel al-Daqqaqi.

16. Zbigniew Brezinzki, Second Chance: Three Presidents and the Crisis of American Superpower, Persius Publishing, 2007.

17. Walid Faris, Future Jihad: Terrorist Strategies Against America, Palgrave Macmillan, November 2005, Reviewed by Adel al-Daqqaqi.

18. Noah Feldman, What We Owe Iraq: War and the Ethics of Nation Building, Princeton University Press, 2006.



#محمد_الأزرقي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأمبراطورية الصهيونية الأمريکية - الحلقة الثالثة
- المرأة في الدخيل الجائر من التراث - الحلقة الأولی
- الأمبراطورية الصهيونية الأمريکية
- ألأمبراطورية الصهيونية الأمريکية
- المرأة في الدخيل الجائر من التراث -الحلقة الرابعة
- 3-ألمرأة في الدخيل الجائر من التراث
- المرأة في الدخيل الجائر من التراث - الحلقة الثانية
- المرأة في الدخيل الجائر من التراث-الحلقة الثانية


المزيد.....




- شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال ...
- مصادر تكشف لـCNN كيف وجد بايدن حليفا -جمهوريا- غير متوقع خلا ...
- إيطاليا تحذر من تفشي فيروس قاتل في أوروبا وتطالب بخطة لمكافح ...
- في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشارالمرض ...
- لماذا تحتفظ قطر بمكتب حماس على أراضيها؟
- 3 قتلى على الأقل في غارة إسرائيلية استهدفت منزلًا في رفح
- الولايات المتحدة تبحث مسألة انسحاب قواتها من النيجر
- مدينة إيطالية شهيرة تعتزم حظر المثلجات والبيتزا بعد منتصف ال ...
- كيف نحمي أنفسنا من الإصابة بسرطانات الجلد؟
- واشنطن ترسل وفدا إلى النيجر لإجراء مباحثات مباشرة بشأن انسحا ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد الأزرقي - الأمبراطورية الصهيونية الأمريکية- الحلقة الرابعة