أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد الأزرقي - قراءة في كتاب (الإستياء العالمي) لچومسكي















المزيد.....



قراءة في كتاب (الإستياء العالمي) لچومسكي


محمد الأزرقي

الحوار المتمدن-العدد: 6617 - 2020 / 7 / 13 - 19:18
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    




اليوم وبقوة الصور، تبدو الولايات المتحدة في وضع انكشاف داخلي غير مسبوق منذ الحرب الأهلية. وبقوة الصور، تتبدّى رمزية جورج فلويد لقضية تغوّل العنصرية في بلاده. رمزيّته لخّصتها نظرات عينيه الزائغة والملتاعة، وهو يُطلق عبارته الأخيرة قبل أن يودّع الحياة مقيّداً وعاجزاً، "لا أستطيع أن أتنفّس،" فيما لم يأبه ضابط الشرطة، الذي جثم على عنقه بركبته بمعاناة إنسان يموت بلا عدلٍ ولا رحمة. هذه العبارة بالذات، [https://www.al-akhbar.com/Opinion/289535/] ألهمت التظاهرات واستدعت الغضب إلى الشوارع. جورج فلويد، لا هو بطل ولا له تاريخ سياسي، إنّه محض رجل عادي، تاريخه ملتبس، قُتِل عمداً بسبب لون بشرته أمام كاميرا التقطت تفاصيل الجريمة.

شيء مُقارب حدث في الانتفاضة الفلسطينية الثانية، قبل نحو عقدين في ايلول عام 2000، حين اغتيل برصاص الاحتلال الطفل محمد الدرّة أمام الكاميرات، فيما كان يحاول أن يختبئ خائفا في حضن أبيه الملتاع. بقوة الصورة، وما انطوت عليه من قهر إنساني وعنصرية مفرطة لا تقيم وزناً لحياة طفل أعزل، اندلعت الانتفاضة الفلسطينية مجدّداً، وعمّت التظاهرات مصر وعالمها العربي، كما لم يحدث من قبل. هكذا تبدّت قوة الرموز والصور في قضية جورج فلويد، وتردّدت شعارات "لا عدالة... لا سلام"، No Justice No Peace …و"حياة السود تَهمّ" Black Lives Matter، في المدن الأمريكية الكبيرة والصغيرة منها. انطلقت حناجر المواطنين هنا بغضّ النظر عن اللون والجنس والعمر والخلفية الإقتصادية، تطالب بالعدالة ووقف التغوّل الپوليسي في شوارع مدنهم وطرقها وحاراتها.

اليوم ايضا، ونحن نواجهُ أخطر أزمة اقتصادية ومالية، وأبشع وباء يضرب العالم وهو الـكُرونا، الذي فتك بجميع الدول، بغضّ النظر عن أحجامها أو مكانتها، إلّا أنّه عرّى، بشكل خاصّ، النظام العالمي الحاكم منذ تسعينات القرن الماضي باسم الانتصار التاريخي للرأسمالية واللِبرالية، المتحكّمة في السياسة والاقتصاد. أمّا قدر تعلق الأمر بنا، فما جرى ويجري في عالمنا العربي هو استعمار غربي لمنطقة، شتّت كياناتها وسرق خيراتها وأورثها نظما هجينة، وأوجد في قلبها نظاماً عنصريا قاتلا وعدوانياً، شكّل بوظيفته موقعا متقدما للمشروع الإمپريالي، الهادف إلى منع شعوب المنطقة من التلاقي والوحدة؟ أليست هذه بواكير الغزو الغربي لمنطقة الشرق الأوسط؟ هي بالطبع والشكل [https://www.al-akhbar.com/Opinion/289016/] والنتائج، غزوٌ قد اتّخذ أشكالا وشعارات متعدّدة، وحملت رايته دولٌ متنوعة، وإن غلب عليها جميعا الطابع الاستعماري القائم على الحروب والقتل والنهب. والنتيجة المحقّقة، كانت هيمنة استعمارية وكيانات تابعة واستلابا اقتصاديا، حوّلت الإمكانات والموارد الطبيعية ومصادر الطاقة ومشتقاتها والمياه، بالإضافة إلى الموقع الجيوسياسي، إلى ميدان تتجاوز فيه الارتكابات الخارجية مصالح شعوبنا وتهدّد مستقبلها. فالبلاء هنا مزدوج. إنّه مشروع إمپريالي غربي مسكون بعقلية التعالي والفوقية والهيمنة، ونظم سياسية حاكمة، مسكونة بالتخلف وبالدونية والعجز أمام كلّ قادم من جهة الغرب، وعليهما تكوّنت رذيلة الاستتباع وتبادل الخدمات ولو على حساب الشعوب، وهذا ما حصل.

ثُمّ تأتي شهادة ذكيّة مطوّلة صادقة ودقيقة لشاهد جريء من اهلها يحلل ويشخّص ويصف ما جري ويجري وما سيجري، كي يسهّل علينا مشقة فهم هذا العالم المرتبك والواقع المزري، الذي يضرب اطنابه في حواشيه وزواياه. يخبرنا نعوم چومسكي في حواره الأوّل عن دولة التجسس والديمقراطية، أنّه ما كان ضمن جوقة المصفقين لوصول بَراك أوباما الى البيت الأبيض. "إنّني لم اتوقع الكثير من أوباما. لقد كتبت عنه نقدا قبيل انتخابات الترشيح الأولية، حين راجعت موقعه على شبكة الإنترنت واطلعت على ما كان يكتبه ويُصرّح به... لكنّني لم افهم غرضه من هجومه المتنامي على الحريات المدنية. لقد تمّ في عهده ملاحقة المبلغين عن المخالفات الحكومية ومعاقبتم، أكثر من أيّ رئيس في تاريخ البلاد." إعتبر عهده امتدادا لعهد بُش الإبن خاصة، "برامجه الإجرامية" في تعزيز اجهزة المراقبة واستعمال طائرات الدرَون في ملاحقة من اعتبِروا ارهابيين وقتلهم، وقتل الناس الأبرياء من حولهم في العراق وافغانستان واليمن والصومال وغيرها من المناطق الأفريقية. قتل الناس الأبرياء، هو ما ركّز عليه المؤلف چومسكي. وهو سبب وقوفه الى جانب المبلغين عن جرائم الحرب whistle blower من قبيل چلسي ماننگ وإدور سنودن.
چلسي إليزابِث ماننگ وُلِدت باسم برادلي إدوار ماننگ، مواليد ديسمبر1987وهي ناشطة أمريكية وكاشفة فساد، وجندية سابقة في الجيش الأمريكيّ. أدانتها محكمة عرفيّة في تموز عام 2013 بانتهاك قانون التجسس وغيره من الجرائم، بعد أن كشفت لموقع وِكِليكس نحو 750,000 وثيقة سرية أو غير سرية، ولكن حساسة من الوثائق العسكرية والدبلوماسية. زُجّت بالسجن من عام 2010 حتى 2017 عندما خُففت عقوبتها. أعيد اعتقالها لرفضها المستمر أن تشهد أمام هيئة محلفين كبرى ضد جوليَن أسانج.

عُيّنت ماننگ عام 2009 في وحدة عسكرية في العراق كمحللة استخباراتية، كانت لديها إمكانية الوصول إلى قواعد بيانات سرية. في أوائل عام 2010، سربت معلومات سرية إلى وِكِليكس وكشفت عن ذلك بشكل سري لأحد معارفها على الإنترنت، و إسمه إدريَن لامو. أبلغ لامو قيادة التحقيقات الجنائية التابعة للجيش بشكل غير مباشر، واعتُقلت ماننگ في مايس من العام نفسه. اشتملت المواد المُسربة على مقاطع فيديو للغارة الجوية في بغداد يوم 12 اتموز عام 2007 حيث قتِل صحفيون ومواطنون مدنيون أبرياء، ممّا يُعتبر جريمة حرب واضحة، ولغارة غارناي الجوية عام 2009 في أفغانستان، بالإضافة إلى 251,287 برقية دبلوماسية أمريكية، و482,832 تقريرا عسكريا. وقد أصبحت هذه التقارير تُعرف باسم سجلات حرب العراق ومذكرات الحرب الأفغانية. نُشرت هذه المواد بواسطة وِكِليكس وشركائها الإعلاميين بين نيسان 2010 ونيسان عام 2011. [https://www.wikiwand.com/ar/%D8%AA%]

اتُهمت ماننگ بارتكاب عدد من الجرائم بلغت 22 جريمة، بما فيها مساعدة العدو، والتي كانت أخطر تهمة ويمكن أن تؤدي إلى عقوبة الإعدام. أحتجزت في سجن البحرية مَرين كوربس، كوانتيكو في ولاية فرجينيا، من تموز 2010 إلى نيسان 2011، في وضع الوقاية من الإصابات. وهو الأمر الذي أدى إلى الحبس الانفرادي بحكم الأمر الواقع وغيره من القيود، التي تسببت بقلق محلي ودولي قبل أن تُنقل إلى مرفق الإصلاح الإقليمي المشترك في فورت ليفنوورث بولاية كَنزَس، حيث يمكن أن تتفاعل مع السجناء الآخرين. اعترفت ماننگ بالذنب في شباط 2013 على عشر تهم. بدأت محاكمة التهم المتبقية في 3 حزيران 2013، وفي 30 اتموز، أُدينت بـ17 تهمة من التهم الأصلية وبـ4 تهم مُعدلة من التهم الأخرى، لكنّها بُرّئت من تهمة مساعدة العدو. حُكِم عليها بالسجن لمدة 35 عاما في ثكنات الاعتقال التأديبية في فورت ليفنوورث. وبتاريخ 17 كانون الثاني 2017، خفف الرئيس بَراك أوباما حكم ماننگ إلى نحو 7 سنوات من الحبس بدء من تاريخ اعتقالها في 27 مايو 2010 . بعد إطلاق سراحها، كانت ماننگ تكسب عيشها من خلال إلقاء المحاضرات.

احتُجزت ماننگ ثانية ولكن هذه المرة بتهمة ازدراء المحكمة في مركز الاعتقال الفِدرالي بولاية فرجينيا من 8 آذار 2019 وحتى آذار 2020، باستثناء أسبوع من 9 مايس وحتى 16 مايس، ولكن هذه المرة بتهمة ازدراء المحكمة لرفضها الإدلاء بشهادتها أمام هيئة محلفين فيدرالية كبرى تحقق بشأن وِكِليكس. في 12 آذار 2020، أمر قاض فيدرالي بإطلاق سراح ماننگ وإسقاط دفع الغرامات المستحقة عليها، التي بلغت قيمتها 256,000 دولارا.

أمّا إدوار سنودن فقد ملأ الدنيا وشغل الناس منذ كشف برنامجا تجسسيا سريا للحكومة الأمريكية لمراقبة اتصالات الهواتف والإنترنت، أو ما يعرف PRISM. وبات المحلل الأمني السابق المطلوب الأول لواشنطن بعدما وضعته على لائحة "فاضحي أسرار أمريكا"، حيث زعزعت الوثائق التي سرّبها لوسائل الإعلام ثقة الشعب [https://www.sasapost.com/snowden-discovers-top-secrets-of-nsa-and-cia/] الأمريكي بإدارة الرئيس بَراك أوباما.

التحق سنودن بالجيش الأمريكي عام 2003 واجتاز برنامجا تدريبيا للإلتحاق بالقوات الخاصة، ولكن تمّ تسريحه من البرنامج عندما كُسرت كلتا رجليه خلال التدريب. حصل سنودن بعدها على أوّل وظيفة له في مكتب وكالة الأمن القومي، وعمل في البداية حارس أمن لإحدى المنشآت التابعة للوكالة في جامعة ماريلاند. ومن هذه الوظيفة انتقل للعمل في وكالة الاستخبارات المركزية في قسم الأمن الإلكتروني. وبسبب معرفته الموسعة بالإنترنت وببرمجة الكومپيوتر تمكن من التقدم بسرعة في وظيفته.

انتقل سنودن بعدها للعمل مع البعثة الدبلوماسية الأمريكية في العاصمة السويسرية جنيف، حيث تولى مسؤولية الحفاظ على أمن شبكة الكومپيوتر، مما أتاح له الوصول إلى مجموعة كبيرة من الوثائق السرية. ومع الكم الهائل من المعلومات التي وصل إليها، واختلاطه بعملاء وكالة الاستخبارات، بدأ سنودن بالتفكير بعد ثلاثة أعوام بمدى صحة ما يقوم به وما يرآه، وفكر في الكشف عن أسرار الحكومة حينها.
أصبح مصير سنودن بؤرة صراع دولي بين الولايات المتحدة والصين وروسيا التي لجأ إليها بعدما نقل إلى الصحافة كمية هائلة من الوثائق السرية لكشف مدى برامج المراقبة الإلكترونية الأمريكية وحماية الحريات الفردية. لقد تمكن في سياق عمله من تنزيل واستنساخ 1.7 مليون وثيقة سرية تظهر كيفية مراقبة السلطات مئات ملايين الأشخاص. كما كشفت الوثائق التي سرّبها سنودن في نهاية عام 2013، أنّ وكالة الأمن القومي الأمريكية، راقبت أيضا المكالمات الهاتفية لما يقرب من 34 قائدا ورئيس دولة حول العالم، بعدما حصلت على أرقامهم من خلال مسؤول "مجهول" بالحكومة الأمريكية.
طرح أحد المثقفين العرب سؤالا أعجبني كثيرا مفاده، "كيف يمكن لأيّ كان، بعد نشر وثائق إدوار سنودن التي كشفت عن الدور الأميركي التوتاليتاري العالمي في خرق الحياة والحقوق الشخصية للأفراد حول العالم، أن يتجاهل هذا الدور، الذي يفوق التجسّس من قبل أية دولة في التاريخ؟" ثم مضي للقول بأنّ وكالة الأمن القومي التجسّسية تقوم ببناء أكبر مخزون للكومپيوترات في ولاية يوتا، فقط من أجل تخزين الكم الهائل من المعلومات التي تحصدها، على مدار الساعة، [https://www.al-akhbar.com/Opinion/287661] من مئات الملايين من الأفراد حول العالم.
أمّا نشاطات طائرات الدرون خلال فترة رئاسة أوباما فقد كانت هي الأخرى مصدر ازعاج وموضوع احتجاج چومسكي. استخدمت الطائرات بدون طيار في عهد الرئيس الأمريكي أوباما لاستهداف وتوجيه الضربات للأشخاص المشتبه بهم في المناطق القبلية (الريفية) في پاكستان وفي افغانستان واليمن والعراق وفي افريقيا ايضا، حيث استطاعت تنفيذ ضربات دقيقة ومحكمة. يمكن لكلّ طائرة أن تبقى في السماء لمدة تزيد عن 17 ساعة وتغطي مساحات واسعة وتقوم بعملية التقاط واعادة ارسال الصور الجوية لأحداث تتم على أرض الواقع بشكل فوري وفي وقتها الحقيقي.
يرجع تاريخ استخدام الطائرات بدون طيار لأول مرة في عهد الرئيس جورج دبليو بُش لكنّ استخدامها ازداد بشكل مضاعف في ظل حكم الرئيس الامريكي أوباما. هذا وكشف الجيش الأمريكي عن رغبته في تطوير طائرات بدون طيار جديدة تشبه لحد كبير طائرات الهليوكو پتر المزودة بكاميرات ملونة ذات دقة تصويرية تصل لأكثرمن 1.8 گگا پكسل، وتعتبر هذه الطائرات واعدة غير مسبوقة نظرا لقدرتها على القيام بعمليات التعقب ومراقبة الأنشطة التي تتم على الأرض. كما وتمّ توجيه 3 طائرات بدون طيار من طراز (A160) المزودة بأجهزة استشعار صوتية طنانة الى افغانستان. تتميز هذه الطائرات بنظام التصوير الجوي للأحداث التي تتم على أرض الواقع بشكل فوري وفي وقتها الحقيقي، حيث يوفر نظام (Argus-IS) تصويرا بالفيديو بشكل فوري بمعدل 10 هياكل في الثانية .وأضاف الجيش الامريكي أنّ بالإمكان تعقب حركة الأفراد والمركبات من ارتفاع 20.000 قدما (6.1 كيلو مترا) عبر مساحة 65 ميلا مربعا، أي حوالي 168 كيلو مترا مربعا. [https://www.nok6a.net/%D8%A7]
إختتم چومسكي حواره الأول بعقد مقارنة بين أمريكا وإيران فقال، "أجرت إيران انتخابات قبل مدة قصيرة وانتقدها الكثيرون. كانوا على حقّ، لأنّك لا تستطيع أن تترشح للإنتخابات ما لم يُزكّيك الملالي المتسلطون على الأمور في ذلك البلد. وبطبيعة الحال، هذا شيء فظيع، ولكن ماذا يحدث هنا؟ لا يُمكنك أن تترشح ما لم تحظَ بإسناد ودعم المؤسسات الرأسمالية الخاصّة. إذا لم تستطع جمع ملايين الدولارات لتمويل حملتك الإنتخابية، فلا مجال لك في المشاركة. هل هذا نظام أفضل؟" أودّ أن اضيف هنا الحاجة الى إسناد مؤسسة قيادة الحزب، كما حدث قريبا مرتين في عام 2016 وثانية عام 2020، حين خذلت قيادة الحزب الديمقراطي المرشح بَرني ساندَرز.
خصّص المؤلف حواره الثاني للحديث عن جولته في الشرق الأوسط. فذكّرنا ألّا نغفل أنّ البلدان الثلاث الكبرى الأشدّ دعما لإسرائيل هي الولايات المتحدة وكندا وأستراليا. وهي جميعا كيانات قامت على حركات الإستيطان الإستعمارية، التي أبادت عمليا السكان الأصليين لتلك البلدان. وما تفعله إسرائيل في فلسطين ليس إلّا صورة مشابهة لما جرى في تلك المناطق وما حصل لأهلها الأصليين.
شرح چومسكي بالوثائق اسباب دعم الولايات المتحدة غير المشروط لإسرائيل. أكّد على أهمية الأسباب الدينية الثقافية في ذلك الدعم وهي المسيحية، حيث نشأت الأصولية المسيحية قبل الأصولية اليهودية، وأشار إلى أنّهم، أي الأصوليين المسيحيين، يقرأون في الكتاب المقدس عن ضرورة عودة اليهود إلى فلسطين. وما ذكره چومسكي اختصارا، أنّ الأصوليين أو الإنجيليين يؤمنون بحرْفية العهد القديم والجديد معا. ووفق اعتقادهم فإنّ قيام دولة إسرائيل يُعدّ تمهيدا لعودة المسيح المُخلص، الذي يواجه الوثنيين، من المسلمين وغيرهم وذلك خلال معركة كبرى تُسمى "هرمجدلون" أي سهل مجدلون في فلسطين، وأنّ السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين تأخير لوعد الله. وهؤلاء ليسوا جماعة انعزالية تعيش في رهبنة، بل أصحاب نفوذ اجتماعي وإعلامي غاية في القوة والتأثير، ويتبؤون مناصب رفيعة في الحكومة منها منصب الرئاسة ومنصب نائب الرئيس الحالي ووزير الخارجية. ووفق اعتقاد هؤلاء أنّه بعد المجيء الثاني للمسيح سيؤمن به جمع غفير من اليهود، وتهلك البقية. لذا يشتركون مع الصهاينة في هدف واحد، وهو قيام دولة إسرائيل. هذا المعتقد قامت على أساسه العديد من الحركات الدينية أبرزها، الحركة التدبيرية التي ضمت 40 مليون أمريكيا، منهم الرئيس الأسبق رونَلد رَيگن. وجدير بالذكر أنّه كان شديد الكره لليبيا لاعتقاده أنّها واحدة من أعداء إسرائيل الذين ذكرتهم النبوءات التوراتية، التي مكنت الصهيونية المسيحية بكلّ منظماتها، من تكوين ضمير جماعي في المجتمع الأمريكي بوجوب الدعم الأمريكي لإسرائيل. وهو السبب ذاته الذي من أجله دعمت إنكلترا الصهاينة وعملت على تمكينهم في فلسطين، حيث أنّ السائد في أمريكا وانگلترا هو المذهب الپروتستانتي، الذي يعتبر المظلة الفكرية والمنهجية لهؤلاء الأصوليين الإنجيليين.
عزا چومسكي ايضا دعم امريكا اللامحدود الى دور اللوبي الإسرائيلي في توجيه السياسة الخارجية الأمريكية. وليس هناك أفضل من يُعرّي هذا الدور غير وِليَم فُلبرايت. يُعتبر السيناتور الراحل من أهم الشخصيات السياسية الأمريكية في الكونگرس، التي وقفت في وجه اللوبي الصهيوني، وأيضا من أهم الشخصيات السياسية البارزة التي تمّ اغتيالها معنوياً. وقد عُرِف عنه بأنُه معارض لمجمل السياسة الخارجية الأمريكية. [http://www.almayadeen.net/news/politics/1392903/]
ترأس فُلبرايت لجنة العلاقات الخارجية في الكونگرس لمدة 15 عاماً (1959 - 1974). وكان النائب الوحيد الذي صوّت ضد اعتماد اللجنة الفرعية الدائمة المعنية بالتحقيقات في عام 1954، التي كان يرأسها سيء الصيت السِناتُر جوزِف مكارثي. عارض فُلبرايت الحرب الأمريكية في فيتنام. وخلال الستينات وأوائل السبعينات كان داعماً لأن يكون للكونگرس صلاحية في رقابة أكبر على سلطات رئيس الجمهورية بشأن قرارات الحرب.
رأى فُلبرايت أنّ مقاومة الرئيس دوايت أيزنهاور للضغوط الصهيونية – الإسرائيلية عام 1958 قوّت عزم محازبي إسرائيل على إنشاء معقل منيع لهم في الكونگرس. ويقول إنه و"بإشراف جمعية بناي برث ومنظمات يهودية كثيرة أخرى تم خلق أقوى لوبي سياسي في الولايات المتحدة".
في عام 1967 طالب فُلبرايت إسرائيل بالانسحاب من جميع الأراضي العربية التي احتلتها عام 1967، وانتقد سياسة الاستيطان الإسرائيلية التي تهدف إلى إقامة إسرائيل الكبرى، وأعلن بكلّ شجاعة أنّ إسرائيل لا يمكن أن تحصل على الأرض والسلام في الوقت نفسه، بل يجب عليها أن تتنازل عن الأرض لكي تنعم بالسلام .وقد خلص بعد تجربته المريرة في مواجهة اللوبي الصهيوني أنه "ليس هناك أمل في أن نتحدى اللوبي اليهودي"، إلا أنه يؤكد "أنّ أفعال إسرائيل الإجرامية سوف تؤدي في النهاية إلى انهيارها".
هذا بطبيعة الحال موقف يتناقض مع تصريحات وزير الخارجية الأمريكي الحالي پومپيو حول ضمّ الضفة الغربية لإسرائيل. تركت الولايات المتحدة للإسرائيليين حرية اتخاذ قرار بشأن ضم أجزاء من الضفة الغربية، في اعلان أقرب لضوء أخضر أمريكي ندّد به الفلسطينيون، متعهدين بألّا يبقوا مكتوفي الأيدي. وقال وزير الخارجية الأميركي مايك پومپيو، "إنّ اتخاذ قرار بشأن ضم أجزاء من الضفة الغربية أمر يعود إلى إسرائيل وإنّ الولايات المتحدة ستعرض وجهات نظرها بخصوص هذا على الحكومة الإسرائيلية الجديدة بشكل غير معلن. [https://middle-east-online.com/%D9%88%]
واضاف پومپيو قائلا للصحفيين "في ما يتعلق بضم الضفة الغربية، الإسرائيليون هم من سيتخذون تلك القرارات، وفي نهاية المطاف سيكون قرار إسرائيليا. سوف نعمل معهم عن كثب لعرض وجهات نظرنا بشكل غير معلن". تقول مصادر إنّه بموجب الاتفاق، على الحكومة الجديدة أن تسعى جاهدة في الخطط الرامية لبسط السيادة الإسرائيلية على المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، وهي الأراضي التي يسعى الفلسطينيون لإقامة دولة عليها. وتهدف الخطوة إلى ضم فعلي للأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب 1967 والتي تخضع حاليا للسيادة العسكرية الإسرائيلية. وينصّ الاتفاق على ضرورة موافقة الولايات المتحدة على ذلك حتى يتسنى لنتنياهو بعد ذلك المضي قدما في تنفيذ تلك الخطة اعتبارا من الأول من تموز.
نعود الى صاحبنا فُلبرايت، فنقول إنّه دفع ثمن تصريحاته ومواقفه في الدورة الإنتخابية لعام 1974 ، إذ تضافرت جهود كلّ اللوبيات المؤيدة لإسرائيل بكلّ ما تمتلك من إمكانيات مالية وسياسية لهزيمته في مجلس الشيوخ، بعدما خدم في الكونگرس لمدة 23 عاماً. لقد نجح فُلبرايت صاحب مقولة، "إنّ مشكلة أمريكا تتمثل في غرور – غطرسة القوة" في تحويل تجربته إلى كتاب بالعنوان نفسه "غطرسة القوة"، الذي يُعتبر من أهم المراجع الأمريكية التي تنتقد السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
يخبرنا المؤلف أيضا في حواره هذا الى أنّه ذهب الى اسطنبول لإلقاء محاضرة في ذكرى تكريم هرانت دِنك، وهو صحفي أرمني تركي أغتيل من قبَل عناصر أمن الدولة، حسب اعتقاد الكثيرين. ومضى للحديث عن الحضور في ساحة تقسيم الذين يغلون غضبا، وكان من المتوقع حدوث صدام لا مفرّ منه. السبب أنّه تعرضت المناطق الأثرية القديمة في المدينة لزحف المشاريع التجارية العمرانية نحوها ووضع السيطرة عليها الى حدّ الغاء كافة الساحات العامة وإقامة العمارات الحديثة محلها. كان ذلك برأيه بمثابة تدمير للكنوز الأثرية والمناطق الشعبية لسكن الأقليات القومية، والإستحواذ على تلك الساحات لتحقيق المنافع المادية لطبقة الأثرياء. غير أنّه بعد مرور ساعات قليلة، أرسل أردوان مزيدا من افراد شرطة الشغب لتفريق تلك التظاهرات باستعمال العنف المفرط.
برز الزعيم التركي بصفته مثالا مبكرا على الصداقات التي يسعى ترامپ بتلهف لإقامتها مع الزعماء ذوي العقلية الاستبدادية. ففي الوقت الذي كانت فيه الحكومات الغربية الأخرى تنتقد بحدّة حملة أردوان الشاملة ضد المعارضة، طيلة السنوات الثلاث الماضية، وسلسلة من التحركات المنافية للديمقراطية والساعية لتعزيز سلطته، إلا أنّه عندما زار البيت الأبيض في شهر مايس 2017، لم يُشرْ ترامپ إلى مواضيع مثل سجل تركيا السيء في مجال حقوق الإنسان. ولعل الأسباب معروفة. لا أحد يعلم المدى الحقيقي لأملاك واستثمارات الرئيس الأمريكي في تركيا، لأنّ ترامپ تحرك على أكثر من جبهة لمنع نشر تقارير الضرائب المتعلقة بشركاته، لكنّ بعض العلاقات التجارية تمّ نشرها من قبل الرئيس نفسه، أو من قبل أبنائه الكبار أو شركائه التجاريين.
عندما كان مرشحا للرئاسة عام 2015، أقرّ ترامپ خلال إحدى المقابلات بأنّ مشروع إسكان وتجارة قد يشكل "تضاربا في المصالح"، وإنّه لا يملك "ترامپ تاورز" في إسطنبول كاملا. لكنّ البرجين الزجاجيين المرتفعين يحملان الاسم بناء على ترخيص مربح لمالكهما التركي آيدين دوغان، الذي كان عدوا للرئيس التركي ، لكنّه أصبح فيما بعد مؤيدا له. وبحسب مجلة "مذر جونز"، فإنّ منظمة ترامپ، التي لا يزال الرئيس يتربح منها، كسبت حوالي 17 مليون دولارا، رسوم ملكية "الاسم". في عام 2012 قامت إيفانكا ترامپ، ابنة الرئيس التي تعمل مستشارة كبيرة في البيت الأبيض، بتوجيه شكر كبير لأردوان، على توتِر لحضوره افتتاح (ترامپ تاورز). [https://arabi21.com/story/1214599]
يفتتح چومسكي الحوار الثالث ليخبرنا أنّه كان يتردد في مطلع شبابه على محلات بيع الكتب القديمة في مدينة نو يورك، وكيف أنّه مدين للأشخاص الذين التقى بهم هناك على بداية تشكيل وعيه السياسي. كان هؤلاء ممّن شاركوا في الحرب الأهلية الأسپانية في منتصف الثلاثينات ضدّ حكومة الجنرال فرانكو وطغمته العسكرية، التي حظيت بدعم الفاشية في إيطاليا والنازية في المانيا. أعلنت الحركة الإشتراكية في الولايات المتحدة عن تكوين سرية عسكرية تحمل اسم إبراهام لِنكِن، وهو الرئيس الأمريكي الشهير صاحب ملحمة النجاة في الحرب الأهلية الأمريكية. لقد انضم الكثيرون لهذه السرية، فوصل عددهم إلى 3000 مقاتلا، بعتاد تقليدي. وقد استمرت هذه المجموعة، بجوار سرية أخرى حملت اسم جورج واشنطن، في القتال إلى جانب الجمهوريين، حتى نهاية الحرب. وكانت النتيجة هي أنّ ثلث هاتين المجموعتين قد استشهِد في نهاية المطاف.
لم تستطع المراجع التاريخية أن تتوسع كثيراً في قصص الأمريكيين داخل السيناريو الإسپاني، فالامتناع الرسمي من قبل الحكومة الأمريكية أخرجها من سيناريو المواجهة، وأوضح أنّ واشنطن قد رضخت لمطالب شعبها بالانعزال عن الأحداث الدولية. لذا فقد أصبحت الصورة الأمريكية حينها متركزة على مجموعة تنتمي لفصيل سياسي واحد، قررت المشاركة على غير رأي العامة، وانتهى دورها في سوح القتال دون أن يكون له [https://www.ida2at.com/spanish-civil-war-story-alliances-foreign-interventions/] ثمة أثر جلل أو واضح. جدير بالذكر أنّ الكاتب القدير آرنِست هَمِنگوَي كان أحد المتطوعين وشارك في تلك الحرب وألف عنها روايته الشهيرة "لِمن تُدَق الأجراس."

يرى چومسكي أنّ الصراع الراهن في معسكر رأس المال المركزي ينحو نحو انتزاع الأرباح وتدويرها بمعدّلات تراكم عالية صوب تعاظم رأس المال الاحتكاري، وتوجهاته الحالية، بالاستحواذ على فرص الربح أو الفائض، ذلك بالسعي الحثيث لتكوين بيئة عمل واستهلاك ومعيشة مستقبلية لتحويل الفائض الرأسمالي في القطاعات المنتجة الأخرى. ويعتبر هذه السيرورة بمثابة قمع لفرص التراكم المادي في تلك القطاعات وتقييد فرص الربح فيها وامتصاصه كقوى تراكم تحويلية باستمرار كي لا يصبّ في مصلحة جهة اخرى. ولا يهمّه أبدا إنْ كان ذلك يأتي على حساب تخريب البيئة وتدميرها.

كان المؤلف شاهدا على تصرفات عنصرية داخل المجتمع الإسرائيلي منذ مراحل تأسيسه الأولى. أدرك ذلك حين كان چومسكي وزوجته يعملان متطوعين في كيبوتز في صيف عام 1953. " كان يسكن معنا في الكيبوتز مجموعة من الصبيان اليهود من أصل مغربي. علمت فيما بعد أنّ الدولة فصلتهم، في الحقيقة اختطفتهم، من أسرهم لدى وصول تلك الأسر الى اسرائيل قادمة من المغرب. تكفلت الدولة برعايتهم وتنشئتهم وسمحت لأسرهم بزيارتهم خلال مناسبات معينة خلال السنة. كان بعض هؤلاء يعيشون معنا. كانت مصادر الكيبوتز محدودة وأماكن اقامتنا مزدحمة. أتذكّر أنّ بعض الآخرين قد نبهوني بأن "أقفل باب غرفتي جيّدا وأن آخذ الحذر من أولئك الصبيان المغاربة، فهم ليسوا سوى حفنة من المجرمين." هذا رغما عن أولئك الصبيان كانوا في غاية اللطف." وفي مناسبة اخرى حدث شجار بين صبيان الكيبوتز، حين تعرض اليهود المغاربة الى تنمّر الصبيان الآخرين من اولاد اليهود الأوروپيين. وبحسب الباحث والمحاضر في جامعة حيفا الدكتور أرييه كيزل، في كتابه "الرواية الشرقية الجديدة في إسرائيل" المنشور عام 2015، فإنّ النخب الأشكنازية من أصول أوروپية، نفذت خطوات تربوية ضمن سياسة "بوتقة الصهر"، وشملت إجراءات تفضيل وتمييز مكشوفة وخفية، وبينها إجراءات ضدّ اليهود الشرقيين(سفارديم.) من أشكال العنصرية ما كشفته دراسة إسرائيلية أعدها الأستاذ يوفال البشان، عميد "الكلية الأكاديمية أونو"، ونُشرت في أغسطس 2018. أفادت بوجود فجوات ضخمة بين اليهود الغربيين واليهود الشرقيين في سوق العمل الإسرائيلية. [https://www.aljazeera.net/news/politics/2019/2/11/]
أوضحت تلك الدراسة، التي نشرت القناة الإسرائيلية الثانية جزء من نتائجها، أنّ 78% ممن يتخذون القرار بقبول الموظفين الجدد في الوظائف الحكومية هم من اليهود الغربيين، مقابل 22% من اليهود الشرقيين. ويتولى 60% من الأشكنازيين إدارة أقسام الموارد البشرية في المؤسسات الحكومية، مقابل 40% من الشرقيين. وفي مكاتب المحامين المرموقة تبلغ نسبة المحامين اليهود من أصول غربية 84%، مقابل 16% لليهود الشرقيين.وفي سوق مدققي الحسابات تبلغ نسبة اليهود الغربيين 73% مقابل 27% للشرقيين. وفي ما يخص الرواتب، بينت الدراسة أنّ 69% ممن يحصلون على رواتب عالية في الشركات الكبرى هم من اليهود الغربيين، مقابل 31% من اليهود الشرقيين.
ثمّ يمضي المؤلف چومسكي لعقد مقارنة بين نظام جنوب افريقيا العنصري والنظام الإسرائيلي، فيقول، "إنّ البلد تحوّل الى اليمين المتطرف. في الحقيقة، إنّ ما حدث في إسرائيل يشبه الى حدّ كبير ما حدث في جنوب افريقيا. باستطاعتك العودة الى قراءة التاريخ، ولنقل منذ بداية ستينات القرن الماضي حتى وقتنا الحاضر ورفعت إسم جنوب افريقيا ووضعت مكانه إسم إسرائيل لوجدت أنّ الأمر متشابه تماما،" أيْ صورة متماثلة لنظام الأپرتهايد في البلدين. ولكن ثمة فرقٌ يتعلق بالحوارات والاتفاقات السياسية العديدة المبرمة بين الجنوب إفريقيين من ذوي الأصول الأوروپية وزعماء حركة مناهضة الأبرتهايد والتي وضعت حدا لسياسات الفصل العنصري. أمّا في الحالة الفلسطينية، فإنّ النتيجة المتمخضة من الاتفاقات واضحة وهي الإمعان في الفصل وتشريد الفلسطينيين. والأخطر من ذلك، أنّ السلطة الفلسطينية أصبحت لاعبا مهما في نظام الأپرتهايد كما يتجلى في التنسيق "الأمني" الإسرائيلي الفلسطيني والتهديدات الأخيرة للرئيس عباس بأنّه سيسلم "مفاتيح" الضفة الغربية إلى إسرائيل. ورغم أنّ عباس قصدَ من ذلك إجبار إسرائيل على النهوض بمسؤولياتها كقوة احتلال، فإنّ ذلك يعني ضمنا أنّ السلطة الفلسطينية، في ظل غياب عملية حقيقية للاستقلال الوطني، تشغل منصبا إداريا مركزيا ضمن نظام الأپرتهايد الإسرائيلي.
وعلاوةً على ذلك، مارس المجتمع الدولي في حالة جنوب إفريقيا في نهاية المطاف ضغطا شديدا لإنهاء التمييز العنصري ضمن الدولة الواحدة. أمّا في حالة فلسطين، فإنّ المجتمع الدولي يبدو مستعدّا لدعم "قيام الدولة" دون التصدي جديّا للأپرتهايد الإسرائيلي. إنّ شعار "المشاركة البناءة" وحلّ الدولتين هما خرافتان تصرفان الانتباه عن القضية الأساسية وتسمحان باستمرار الاستعمار والتطهير العرقي في فلسطين. كما تسمحان أيضا للولايات المتحدة والاتحاد الأوروپي وكندا بالتأكيد مرارا وتكرارا على دعمهم للأپرتهايد من خلال الخطاب السياسي والدعم العسكري والعقود واتفاقات التجارة المبرمة مع إسرائيل والتربّح على مستوى الشركات من الاستعمار والاحتلال. وبالإضافة إلى ذلك، أقيمت البانتوستانات، في ظل الأپرتهايد في جنوب إفريقيا كوسيلة لحصر الأفارقة في "مَواطِن". وبغض النظر عن أوجه التشابه المكاني، فإنّ الفلسطينيين اليوم محرومون من موطنهم عن قصد، لذا فإنّ إقامة "مَواطِن" الكانتونات لهم سيتناقض وأيديولوجيات الصهيونية ويحبط التوسع الاستعماري الاستيطاني اليهودي.
خلاصة الأمر أنّ الأپرتهايد اليوم في إسرائيل يزدهر من خلال مؤسسات بيروقراطية وسوقية وعسكرية معقدةٍ تتفوق على نظيراتها الجنوب إفريقية إبان الفصل العنصري. وتحظى إسرائيل بدعمٍ غير مسبوق على هيئة دعم عسكري ومساعداتٍ إنسانيةٍ من الولايات المتحدة. ولسوء الفهم عواقب كبيرة، إذ قد يعوق محاولات تقييم الاستراتيجيات القائمة، كاستراتيجية المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات BDS. ونقدها على نحو مدروس، ويحول دون وضع استراتيجيات جديدة لنيل حرية الفلسطينيين وضمان عودتهم. ورغم المعرفة الواسعة بالأپرتهايد الإسرائيلي، فإنّ نظاما كهذا يظل عموما "صندوقا أسود" يُخفي الكثير وينطوي على كثير من سوء الفهم. [https://al-shabaka.org/briefs/%D9%85]
وكما متوقع، ترفض اسرائيل موقف اليسار الذي يتصدره چومسكي، فكتب أحد انصارها قائلا، "لن يكون مستغرباً إذا ما تبين أيضاً بأنّ هناك تقارباً أيديولوجياً وسياسياً بين قادة .... المجموعة اليسارية المناهضة لإسرائيل وبعضها لاسامي ومؤيد لحركة BDS في الكونگرس الأمريكي، وكذا سياسيون سود من التيار المركزي الأمريكي، مثل كوندَليزا رايس، وزيرة الخارجية في إدارة جورج بُش الابن والرئيس أوباما، سبق أن شبّها في الماضي بين وضع الفلسطينيين ووضع سود أمريكا في حينه. ولكن أجندة الجهات المناهضة لإسرائيل في اليسار الأمريكي تدعي بأنّ كل المشروع الصهيوني ليس سوى مؤامرة استعمارية من اليهود بدعم من القوى العظمى لجني الأرباح الاقتصادية على ظهر السكان العرب، بالضبط مثل الكفاح الأمريكي للحرية والاستقلال. هكذا أيضاً الكفاح اليهودي للحرية والاستقلال ليس إلا غطاء مزعوما لاستغلال استعماري للعمالة العربية الرخيصة." ثمّ يمضي كاتب المقالة للقول، "الحقيقة أنّ أحد المبادئ الأكثر أساسية للمشروع الصهيوني هو (العامل العبري)، لكنّ هذا لا يمنع بالطبع الجهات آنفة الذكر من مواصلة نشر تاريخهم الزائف المناهض لإسرائيل." [https://www.alquds.co.uk/%d9%83%]
ينتقل چومسكي في حواره الرابع ليناقش قضايا داعش والأكراد وتركيا. افتتح حواره هذا بالإشارة الى مقابلة هامة اجريت مع " گرام فُلَر، وهو ضابط سابق في وكالة المخابرات المركزية CIA. وهو واحد من ابرز المحللين فيها لقضايا الشرق الأوسط بشكل عام." عنوان المقابلة هو، "كيف خلقت الولايات المتحدة داعش." يُسرع فُلَر الى الإشارة بأنّ الولايات المتحدة لم تخلق داعش بشكل مقصود ودفعها للوجود وتوفير التمويل الكافي لها. إنّ فكرة فُلَر، باعتقاد المؤلف فكرة صائبة، وهي "أنّ الولايات المتحدة قد هيأت الظروف لولادة داعش وتطوّرها."
لا يتسع المجال هنا كي نعيد الحقائق والتحليلات حول هذا الموضوع والتي تمّت مناقشتها في الإعلام العربي. لكنّ الأمر باختصار شديد هو انّ الحقائق تقول إنّ داعش والى حدّ كبير جدا صناعة أمريكية، والبغدادي وغيره من قادة التنظيم هم صنيعة أمريكا. التنظيم تمّ تشكيله وتمّ إعداد قياداته في سجن بوكا في البصرة، الذي كانت تديره قوات الاحتلال الأمريكي في اعقاب غزو العراق واحتلاله. لم تكن المخابرات الأمريكية في يوم من الأيام بعيدة عن مخططات التنظيم وعن مشروعه في المنطقة. وفي المحصلة النهائية كان التنظيم احد اكبر أدوات ستراتيجية الفوضى والتدمير للدول العربية. وهل ينسى العرب تصريحات وزيرة خارجية بُش الأبن ومثلها وزيرة خارجية أوباما حول الفوضى الخلاقة من أجل بناء الديمقراطية في العالم العربي!
ليس هذا بالأمر الجديد في الستراتيجية الأمريكية. إنْ لم نكن قد نسينا، فإنّ أمريكا هي التي صنعت وبالمعنى الحرفي المباشر، تنظيم القاعدة في أفغانستان، وهي التي موّلته وسلحته وكانت المخابرات الأمريكية هي التي صاغت الخطاب الديني والسياسي والإعلامي الذي روج للتنظيم كتنظيم مجاهد في مواجهة الاحتلال السوفيتي. المخابرات الأمريكية هي نفسها التي قدمت أسامة بن لادن للعالم في ذلك الوقت كمجاهد يحارب الاحتلال السوفيتي "الكافر". وبطبيعة الحال، انهال التمويل عليه من الجهات الغنية والأسر الثرية وما سموّه الجمعيات الخيرية. وحين أدى مهمته واستنفد تنظيم القاعدة أغراضه، قتلوا أسامة والقوا جثته في البحر. هو السيناريو نفسه الذي تكرر ويتكرر اليوم مع تنظيم داعش.
الأهم من كلّ هذا اليوم هو أنّ هذه الضجة الأمريكية حول النصر العظيم بقتل البغدادي، وهذا المهرجان من التصريحات التي تخرج من عواصم عدة تشيد بالإنجاز الأمريكي. كلّ هذا يجب الّا يُنسينا حقائق التاريخ ووقائعه. [http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1188482] وهو تاريخ عشناه وليس ببعيد. المعني هنا تحديدا هي حقائق التاريخ التي تتعلق بأسئلة مثل، من صاحب الفضل أصلا في نشأة تنظيم داعش الإرهابي؟ وكيف حدث هذا؟ ما هي بالتحديد طبيعة الدور الذي لعبه التنظيم في المنطقة؟ وما هو موقع هذا الدور في خدمة الستراتيجية الأمريكية؟
هكذا كان الحال قبلهما مع صدام حسين حين استنفذ دوره. كان صدام حاكما اثيرا لدى القيادة الأمريكية في عهد الرئيسين رَيگِن وبُش الأب. وقفا الى جانبه وزوّداه بالدعم والمساعدة خلال حربه الغاشمة ضدّ إيران، وأغمضا عيونهما عن جرائمه الوحشية ضد الشعب العراقي، بما فيها جريمة الحرب الكبرى بضرب مدينة حلبچة الكردية والقرى المجاورة بالأسلحة الكيمياوية. يذكر چومسكي أنّه "بعد أن استكمل صدام سيطرته على محافظات الجنوب المنتفضة، استدار نحو الأكراد في الشمال العراقي. لكنّ الحكومة الأمريكية سارعت هذه المرة لحمايتهم من سطوته. وفجأة تغيّرت صيغة التقارير الواردة من شمال العراق بعد أن وصل الصحفيون الغربيون الى تلك المنطقة. لربّما نتذكّر نقل تقارير التلفزيون، التي احدثت صدمة حين ظهر "الأطفال ذوو العيون الزرق والشعر الأشقر، الذين يشبهون الى حدّ ما معالم اطفالنا في الغرب. لم نستطع تحمّل ذلك فانطلقت صرخات الشجب والإستنكار عالية. وفي النهاية قرّر بُش الأب فرض منطقة آمنة للأكراد، ومُنِع الطيران العراقي من الوصول اليها وحُرّم على الأرتال العسكرية أن تتجه نحوها، ففتحت صفحة جديدة في تاريخ علاقات الأكراد بأمريكا."
تعود علاقة الأكراد بالولايات المتحدة إلى عام 1920 عندما حصل الأكراد على وعد بالاستقلال وفقا لمعاهدة سيفر. كان الأكراد في ذلك الوقت أكبر مجموعة عرقية في العالم ليس لها دولة. نكثت بريطانيا وفرنسا، القوتان الكبيرتان في العالم في ذلك الوقت، عهدهما عام 1923 وجعلتا الأراضي الكردية ضمن حدود ما أصبح يطلق عليه الآن تركيا وإيران والعراق وسوريا. تمرد الأكراد ضدّ هذه الخيانة للعهد لكنهم قُمِعوا على يد البريطانيين والفرنسيين والإيرانيين والأتراك.
بعد عقود من الهدوء النسبي حاول الأكراد مجددا الحصول على الاستقلال بعد ثورة العراق عام 1958. بعد اندلاع الحرب في كردستان العراق في ايلول من عام 1961، تبنت الحكومة الأمريكية سياسة عدم التدخل. كان الهدف الأساسي للسياسة الأمريكية في ذلك الوقت هو الحفاظ على علاقات جيدة مع بغداد، وكان هناك دائما شكوك مزعجة من أنّ زعيم المتمردين الأكراد مصطفى البارزاني كان عميلا شيوعيا، بالنظر إلى فترة نفيه التي دامت 11 عاما في الاتحاد السوفيتي من عام 1947 إلى عام 1958.
رغم ذلك فقد رأت إيران وإسرائيل، وهما حليفتان مهمتان للولايات المتحدة في المنطقة، أنّ الأكراد العراقيين يشكلون حليفا أيديولوجيا واستراتيجيا يمكن استغلاله لكبح النظام في بغداد وجيشه الكبير. بدء من منتصف عام 1962 أمر شاه إيران وكالة المخابرات الإيرانية (سافاك) بالمساعدة في تمويل التمرد الكردي في شمال العراق لتقويض استقرار النظام في بغداد. في عام 1964 انضم الإسرائيليون إلى هذا التدخل الذي قادته إيران، بعد أن اعترف رئيس الوزراء الإسرائيلي دَيفِد بن گوريُن بالأكراد حليفا استراتيجيا ضد النظام العربي في بغداد.
على مدى العقد التالي، كانت الستراتيجية الإيرانية والإسرائيلية بسيطة، وتتمثل في أنه طالما كان الأكراد يمثلون خطرا قائما وواضحا على بغداد، فإنّ الجيش العراقي لن يتمكن من الانتشار بقوة ضد إسرائيل في حالة نشوب حرب، كما لن يتمكن من تهديد الطموحات الإيرانية في الخليج العربي. ظهرت ثمرة هذه الستراتيجية في عام 1967، حيث لم يتمكن العراق من نشر قواته في الحرب ضد إسرائيل. في الحرب التالية عام 1973 حشد العراق فرقة مدرعة واحدة لأنّ 80٪ من جيشه كان في شمال العراق. غير أنّ الأمريكيين تأخروا في تقديم الدعم للأكراد، فمنذ منتصف الستينيات كان كلّ من الإيرانيين والإسرائيليين يسعون لإقناع البيت الأبيض بإعادة النظر في سياسة عدم التدخل. سعى أكراد عراقيون كانوا يلتقون بانتظام مع ضباط المخابرات الأمريكية إلى طلب الدعم من واشنطن، لكنّهم كانوا يقابلون دائما برفض مهذب وحازم. تعود جذور تخلي واشنطن عن الأكراد حديثا إلى سبعينات القرن العشرين، بحسب وثيقة سرية أعدّها وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كِسِنجر، الذي كان في ذلك الوقت يشغل منصب مستشار الأمن القومي للرئيس رِچَرد نِكسُن. [http://mubasher.aljazeera.net/news/%D8%A3%]
في 30 حزيران عام 1972 وصل شخصان كرديان هما، إدريس البرزاني ومحمود عثمان، إلى مقر وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بولاية فرجينيا، حيث التقوا بمدير الوكالة في ذلك الوقت رِچرد هِلمز. ناقش البرزاني وعثمان حينها مع مدير الوكالة تحولا مذهلا في السياسة الأمريكية، حيث كان كِسِنجر قد خوّل هِلمز أن يعرب للرجلين الكرديين عن تعاطف الولايات المتحدة مع محنة الأكراد وطمأنتهم بـ"استعداده للنظر في طلباتهم للحصول على المساعدة". كان الأكراد قد ظلوا على مدار أكثر من عقد يقاتلون ضد الحكومة العراقية، وناشدوا الأمريكيين كثيرا كي يساعدوهم. في هذا الاجتماع أبلغ هِلمز الأكراد أنّ الولايات المتحدة سوف تساعدهم، لكنّ ما لم يخبرهم به هو أنّ واشنطن ستغير رأيها سريعا. (وهذا ما حصل عام 1975 عقب اتفاق الجزائر بين الحكومتين العراقية والإيرانية، وطرد الخميني من العراق الى فرنسا.)
كانت خطط الأمريكيين عام 2003 أن تنطلق قواتهم الغازية للعراق من قواعدها في تركيا، الّا أنّ الحكومة التركية رفضت السماح بتنفيذ تلك الخطط. يذكر چومسكي أنّه ترتب على هذا الرفض أن، "إنتقد نائب وزير الدفاع الأمريكي پَول وولفووِتز الجيش التركي بمرارة لأنّه لم يُجبِر الحكومة التركية على قبول طلباتنا. وصل به الحدّ أن طلب من الجيش التركي أن يُقدّم اعتذارا للحكومة الأمريكية، ووعدا لا شائبة فيه بألّا تُقدِم الحكومة التركية على مثل هذه الجريمة ثانية."
لم تكن العلاقات التركية الأمريكية على هذا القدر من التذبذب على الدوام، إذ كانت تركيا هي الحليف الأقرب للولايات المتحدة الأمريكية في الخمسينات من القرن الماضي، وطوال فترة الحرب الباردة، والظهير العسكري الذي عمل بشكلٍ وثيق على مواجهة الاتحاد السوفيتي. كان هذا التحالف نتيجة طبيعية لفترة الحرب الباردة، وأدى إلى علاقات عسكرية عميقة بين الدولتين. كانت تركيا هي الدرع الاستراتيجي لخدمة المصالح الأمريكية وسياساتها في الشرق الأوسط طوال فترة التسعينات، ومن هنا تنبع أهميتها. إلا أنّ العلاقة بينهما قد دخلت طورا جديدا منذ أحداث 11 ايلول 2001، إذ شهد حزب التنمية والعدالة فترة صعود في الدولة التركية. تمكن الحزب من حصد أغلبية الأصوات في الإنتخابات البرلمانية عام 2002، وهو أول حزب ذي مرجعية إسلامية برئاسة رجب طيب إردوان يصل الى السلطة. وقد سعت تركيا حينها إلى تأطير العلاقات الأمريكية التركية بما يخدم مصالح البلدين، وليس كما كانت خلال فترة التسعينات. وهذا هو ما أدى إلى بروز بعض التصدعات في العلاقات السياسية بين البلدين، سواء خلال فترة إدارة الرئيس الأمريكي السابق بَراك أوباما، أو الرئيس الأسبق جورج بُش الإبن، وأخيرا في عهد إدارة الرئيس الحالي دونَلد ترامپ.
وكما أسلفنا، تأرجحت العلاقات حين رفض مجلس النواب التركي السماح للقوات الأمريكية إبان حرب العراق بالمرور عبر أراضيها عام 2003، وعبرت واشنطن عن استيائها حينذاك من الموقف التركي، وصولًا إلى تصويت اللجنة الخارجية لمجلس النواب الأمريكي عام 2007 على مشروع قرار يؤيد أنّ ما حدث للأرمن إبان فترة الحكم العثماني عام 1915 هو "إبادة جماعية." اضطر هذا القرار تركيا لسحب سفيرها من واشنطن، والتهديد بوقف التعاون العسكري بين البلدين، إلا أنّ الإدارة الأمريكية قد سعت حينها للتنصل من هذا القرار، وعبر حينها الرئيس الأمريكي جورج بُش الإبن عن تنصله من القرار، لأنّه يضر بحليف سياسي أساسي للولايات المتحدة. وعلق على ذلك وزير الدفاع الأمريكي الأسبق روبرت گَيتس بالقول، "إنّ 70% من الإمدادات الجوية الأمريكية، و30% من الوقود، و95% من الآليات المدرعة الجديدة المخصصة [https://www.sasapost.com/turkey-us-relations-friends-or-enemies/] للعراق، تمر إلى قواتنا عبر تركيا." هكذا هي اهمية تركيا لأمريكا، وانظروا الى الدور، الذي ما زالت تلعبه في سوريا، والآن في ليبيا.

أبتدأ المؤلف حواره الخامس بالحديث عن انخفاض أسعار البترول بدرجة عالية، وعن آثار الدمار، الذي سيحلّ بالبيئة نتيجة زيادة استخدام الوقود الأحفوري بسبب اقبال الناس على قيادة سياراتهم برغبة أكبر. "إنّ اسعار النفط منخفضة للغاية، ويجب أن تزداد أكثر في اسواق الولايات المتحدة، لتكون على الأقل بمستوى الأسعار في أوروپا. ستكون تلك الزيادة محاولة للحدّ من تشجيع استهلاك الوقود الأحفوري، الذي يدمّر البيئة ويعيث فيها الخراب."
في ضوء حرب اسعار النفط الدائرة بين روسيا والسعودية، التي نسمع عنها في هذه الأيام، قدر الاقتصاديون حجم [https://www.aljazeera.net/news/ebusiness/2020/4/27/] الخسارة في الميزانية الروسية في حال انخفض متوسط أسعار النفط السنوية إلى 30 دولارا، أو إلى 20 دولارا، أو 10 دولارات، أو حتى دولارا واحدا للبرميل. أُعِدّت دراسة عن ذلك من قبل المتخصصين في جامعة بليخانوف الروسية للاقتصاد. وتقول كاتِرينا فينو گرادوفا في تقريرها في صحيفة إيزفِستيا الروسية إنّه حسب هذه الدراسة، وعندما تكون الأسعار في حدود 30 دولارا ستكون الخسارة 2.5 تريليون روبلا (33.6 مليار دولارا)، وعند سعر 20 دولارا ستقدر الخسارة بما يقارب 3 تريليونات روبلا. وعندما تصل إلى 10 دولارات ستكون الخسارة في حدود 5 تريليونات روبلا (الدولار يعادل 74.40 روبلا).
وفي الجانب السعودي، أعلنت شركة النفط العملاقة أرامكو، عن انخفاض صافي أرباحها بنسبة 25٪ في الربع الأول من العام، متأثرة بتراجع أسعار النفط بسبب انخفاض الطلب عليه إثر انتشار فيروس كورونا. قالت أكبر شركة مدرجة في العالم إنّها حققت صافي ربح قدره 62.5 مليار ريالا، أي 16.66 مليار دولارا، في الأشهر الثلاثة الأولى من العام المنتهية باواخر31 آذار ، مقارنة بـ22.2 مليار دولارا في العام الماضي. كما أعلنت الشركة أيضاً عن توزيع أرباح بلغت قيمتها 18.75 مليار دولارا خلال الربع الأول من العام، فيما يُعدّ الأعلى لأيّة شركة مدرجة في العالم.
بعد الإجراءات التقشفية السعودية، توجه أرامكو بخفض إنتاج البترول في حزيران بمقدار مليون برميل [https://arabic.cnn.com/business/article/2020/05/12/aramco-profits-slide-coronavirus] يوميا. وقال الرئيس التنفيذي للشركة أمين الناصر، في تقرير نتائج أرباح أرامكو للربع الأول إنّه "ليس بالأمر المستغرب أن يتأثر أداءنا المالي في الأشهر الثلاث الأولى من العام 2020 بالتأثيرات المستمرة لوباء كوفيد 19 العالمي، بالإضافة إلى انخفاض أسعار النفط"، مضيفاً أنّ أزمة كوفيد 19 "لا تشبه أيّة أزمة شهدها العالم وعلينا جميعاً أن نتكيّف مع التطورات المعقدة والمتغيرة بشكل سريع".
من جهة أخرى، قال وزير الإعلام السعودي في بيان، "إنّ مجلس الوزراء أكّد سعي المملكة لدعم استقرار الأسواق البترولية العالمية". وأشار إلى "ما أعلنته المملكة من الالتزام باتفاق أوبك+ الأخير، بشأن تخفيض الإنتاج من البترول الخام، وإلى مبادرة المملكة تخفيض إنتاجها في شهر حزيران القادم، بكمية إضافية طوعية تبلغ مليون برميل يوميا، وكذلك سعيها بالتوافق مع العملاء لخفض إنتاجها في شهر مايس الجاري، عن المستوى المستهدف". [https://middle-east-online.com/%D8%A7%] وبين المجلس أنَ "السعودية تستهدف من هذه المبادرات حث الدول المشاركة في اتفاق أوبك+، والدول المنتجة الأخرى، على الالتزام بنسب الخفض المحددة لها، وتقديم المزيد من الخفض في الإنتاج، للإسهام في إعادة التوازن المنشود لأسواق البترول العالمية ".هذا وانضمت دولة الإمارات العربية والكويت إلى السعودية وتعهدتا بتخفيضات جديدة في انتاجها في حزيران بحجم اجمالي 180 ألف برميلا يوميا.
ثمّ انتقل الحوار بعدها الى الأعمال الإرهابية التي مارستها وكالة المخابرات المركزية لتقويض النظام في كوبا منذ إسقاط النظام الدكتاتوري لرئيس البلاد پاتِستا. يجب عدم نسيان حقيقة أنّ جون كندي هو من أمر بشن هجوم إرهابي ضدّ كوبا. وضع المهمة على عاتق أخيه روبرت كندي، وكان من أولويات الأهداف "أن يلحقوا بكوبا خراب الأرض بأجمعه." لقد ورد ذكر هذه العبارة على لسان آرثر سلزنجر، مستشار الرئيس لشؤون أمريكا اللاتينية، حين جاء على ذكر روبرت كندي في مذكّراته. يمضي المؤلف القدير للقول، "وفعلا جلبوا على كوبا كلّ خراب الأرض. فجّروا مصانع الپتروكيمياويات وقاموا باعمال تخريبية لإغراق عدد من السفن في ميناء هَفانا، وسمّموا المحاصيل الزراعية والماشية في الجزيرة، وقصفوا الفنادق، التي فيها نزلاء من روسيا. إستمرّت مثل هذه الأعمال لسنوات، وهي التي أدّت الى قيام أزمة الصواريخ وكادت تتسبب في بدء حرب نووية. حين انتهت تلك الأزمة عادت النشاطات الإرهابية باشكال جديدة مختلفة واستمرت حتى فترة التسعينات. لم تُناقش أيّ من هذه القضايا علنا. في الحقيقة، إنّ أوّل شهادات موثقة على لسان الضحايا ظهرت عام 2010 نتيجة بحوث الكندي كيث بولندر، التي نشرها في بلاده ولم يُسمح بتوزيعها أو قرائتها في هذه البلاد."
وما دمنا في كوبا، أنتقل الحديث بعدها الى قاعدة گوانتَنامو وكيف مارس العسكر الأمريكيون ومعهم منتسبو وكالة المخابرات الأمريكية جرائم حرب مقيتة في تعذيب السجناء. يبدو أنّ الغرض من نظام التعذيب، الذي اقرّه وتبنّاه الثنائي چَيني- رامسفيلد هو الحصول على اعترافات مهما كان نوعها، حقيقة أم تلفيقا. الأمر لا يهمّ، لأنّ الغرض هو تبرير الحرب ضدّ العراق. كانوا يريدون التوصّل الى شيء من الأدلة، التي تربط ما بين صدام حسين وتنظيم القاعدة. وحين فشلوا في إيجاد أيّ دليل، طلبوا إنزال المزيد من التعذيب. واخيرا، ونظرا لأنّ الناس تحت التعذيب سيقولون ما تريدهم أن يقولوه، توّهم المسؤولون أنّهم توصّلوا الى الأدلة التي يبتغونها. أختتم المؤلف حديثه عن هذه المسألة بالقول، "يبدو لي أنّ ذلك هو الهدف الرئيسي، الذي استطاعوا تحقيقه."
اختتم الحوار بتعريف مناقشة عنوانه عن "ذاكرتنا الحية." قال "إنّ عبارة "ذاكرتنا الحية" قد صيغت بعناية فائقة لتشمل ذكر كلّ ما يفعلونه ضدّنا، وتجاهل كلّ ما نفعله ضدّهم." وقد أتى على ذكر ذلك حين نوقش الهجومان الإرهابيان على مجلة شاغلي إبدو ومحل البقالة اليهودي في باريس في صيف عام 2015. في الحقيقة لا يقتصر الإرهاب على تلك العمليات الإرهابية التي تمارسها التنظيمات المختلفة كداعش والقاعدة والإخوان وغيرهم، وإنما يعُدّ هذا شكلا من أشكال الإرهاب التي تُصنّف وفق الجهة التي تمارسه. ولكن هناك أشكال أخرى مثل إرهاب الدولة الذي تمارسه دولة أو مجموعة دول ضد غيرها من الدول سواء بشكل عسكري مباشر، أو غير مباشر عن طريق تنظيمات إرهابية تنفذ العمليات بالوكالة عن الدولة الممولة. وإذا كان الإرهاب في أبسط تعريفاته هو استخدام القوة أو التهديد باستخدامها من قبل جماعة أو منظمة أو دولة لتحقيق هدف أو أهداف سياسية، فإنّ ما تفعله الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط ما هو إلا شكل من أشكال الإرهاب تمارسه تحت ذريعة مشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير الذي تصفه الإدارات الأمريكية المتعاقبة بالمشروع الستراتيجي، بمعنى أنّه مشروع طويل المدى تستخدم لتحقيقه تكتيكات مرحلية مختلفة. [https://www.almarjie-paris.com/12458]
رسمت أمريكا خطتها الخارجية في التعامل مع التنظيمات الإرهابية وفق سياسة الاحتواء وليس المواجهة، وتَمَثَلَ هذا الاحتواء في أشكال عديدة من بينها الدعم المالي والتسليح وتدريب العناصر على استخدام التكنولوجيا، في مقابل أن تنفذ هذه التنظيمات عملياتها في منطقة الشرق الأوسط بالشكل الذي يحقق الخطة الأمريكية، ولا تنقل مسرح عملياتها إلى أيّ من الولايات المتحدة. إنّ أكبر ما يقلق الدولة الأمريكية هو أن ينتقل الإرهاب الذي تدعمه للداخل الأمريكي، فيتحول لمعول هدم وتهديد لاستقرارها، بدلًا من كونه مصدر هدم وتهديد للدول الشرق أوسطية. ولذلك سعت لنشر ثقافة محاربة العدو القريب بدلًا من العدو البعيد، ورسختها في أذهان العناصر الإرهابية داخل السجون الأمريكية في العراق، مثل سجن أبو غريب وسجن بوكا الذي تخرج منه زعيم تنظيم داعش السابق، أبو بكر البغدادي.
تتلخص ثقافة العدو القريب على إقناع العناصر الإرهابية داخل السجون بأولوية قتال الحكام العرب، الذين يحكمون منطقة الشرق الأوسط، باعتبارهم وكلاء أمريكا في المنطقة، وأنّه بسقوطهم وسقوط أنظمتهم ستسقط أمريكا دون الدخول معها في معارك عسكرية. ولكي يمنحوا هذه النظرة العدائية شيئًا من الشرعية التي ربما تحرك هذه العناصر عقائديّا، أشاعوا أنّ العدو القريب "مرتد" عن الإسلام لتعاونه مع أمريكا، وبالتالي هو أحقّ بالقتال من العدو البعيد المتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب باعتبارهم "كفارا أصليين." إنّ المرتد أولى بالقتال من الكافر الأصلي، وفق الاعتقادات التي ترسخت في أذهان الإرهابيين خلال السنوات الماضية. كانت نتائج هذه العقيدة التي نشرتها أمريكا داخل سجونها ودعمتها بنصوص تراثية لفتاوى إبن تيمية وتلميذه إبن القيم، أنْ قتل داعش ولا يزال الكثير والكثير من الأبرياء من أهل الإسلام في كلّ من العراق وسوريا وليبيا واليمن والصومال وغيرها، في الوقت الذي غضّ الطرف فيه عن الكيان الصهيوني المحتل لأرض الإسلام، لأنّ الصهاينة في عقيدة داعش عدو بعيد لا يستحق أولويّة المواجهة. وهذا موقف أعرج وأعوج مهما تفلسف الجناة القتلة في تبريره.
بدأ المؤلف القدير فصله السادس الذي وضع له عنوانا "إشاعة الخوف والترويج له fearmongering، بتعليق محاوره على تصريح عضو في مجلس الشيوخ، ذكر فيه "بأنّنا يجب أن نخاف من إيران، لأنّهم سيطروا على طهران." ذكر چومسكي، أّنّه على علم باساليب هذا الشخص وقت كان مرشحا لمجلس الشيوخ ممثلا للحزب الجمهوري عن ولاية آركنسا. إتّهم صاحبنا هذا أنّ "عصابات المخدرات في المكسيك تتعاون مع داعش لإرسال الإرهابيين لقتل المواطنين في آركِنسا. وكلّ هذا بطبيعة الحال راجع الى إدارة أوباما، التي تركت الحدود مفتوحة يسهل اختراقها."
يضيف چومسكي قائلا، "لقد راينا مثل هذه النشاطات لنشر المخاوف والترويج لها في اماكن اخرى من العالم أيضا، وأفضل مثال على ذلك في إسرائيل، حيث حذّر بِنيامين نَتنياهو الناخبين من أنّ المواطنين العرب سيتراكضون الى مراكز الإقتراع ليدلوا باصواتهم تأييدا لممثلي اليسار، بتشجيع من الحكومات الأجنبية. كلّ هذه الجهود ترمي الى إضعاف سياسته في الدفاع عن إسرائيل وحمايتها من الإرهابيين. للأسف، إنّ مثل هذا المزيج من التخويف والعنصرية قد حققّا له الفوز في الإنتخابات."
بِنيامين نتنياهو يعمل وفق مخطط يرتكز على أعمدة قديمة جديدة. فيه خليط من هرتزل وبن گوريون وكافة المتطرفين اليهود فكريا وسياسيا. نتنياهو يريد تأسيس إسرائيل التاريخية، وقد شرح ذلك بكلّ وضوح في كتابه "مكان تحت الشمس،" الذي أصدره باللغة العبرية سنة 1993. رفض مبدأ الأرض مقابل السلام، وقال السلام مقابل السلام، ولا تنازل عن الجولان والقدس الموحدة، ولا بُدّ من ضمّ الضفة الغربية، ويتحدث عن قيمتها التاريخية والدينية لليهود. فهي كما يدّعي قلب البلاد، فالخليل دُفِن فيها أجداد الأمة، وفي ألون مورية تلقى إبراهيم وعد الرب بالأرض، وبيت لحم تضم قبر راحيل، وأريحا عن طريقها دخل يوشع إلى البلاد، ونابلس حيث تليت التوراة على مسامع الشعب. لم يتردد في القول إنّ العرب أمة لا فائدة منها للحضارة الإنسانية، ولا يمكن أن تستقيم إلا بالقوة. [https://aawsat.com/home/article/2297646/]
نشأ نتنياهو وترعرع ودرس في مدينة فِلادلفيا، كما چومسكي، ويتحدث الإنگليزية بلهجة أهلها. عمل في الولايات المتحدة، إذ تولى فيها مناصب سياسية ودبلوماسية. أتقن فنَّ المصارعة السياسية، وسيطر على حزب الليكود، وسجل أطول مدة قضاها رئيس وزراء إسرائيلي على كرسي الحكم. وظَّف التطورات الدولية لمصلحته. أفريقيا، التي كانت تقاطع إسرائيل انفتحت له، وكذلك آسيا وأمريكا اللاتينية. شهدت إسرائيل تحت حكمه تطورا علميا وصناعياً هائلا، اليوم تصدر السلاح للهند وبريطانيا. تمكن من إقامة علاقة نوعية مع أمريكا، وكسر محاولات أوباما لفرض سياسة السلام على إسرائيل بالاستعانة بالكونگرس، الذي دعاه ليلقي خطابا في قاعته ورحب به ووقف له 30 مرة استحسانا وتحديّا لإوباما. واخيرا، كان دونلد ترمپ هدية القدر له. أصدر قانون يهودية الدولة. رغم الاتهامات القضائية الخطيرة التي تلاحقه، أعاد الانتخابات البرلمانية ثلاث مرات، وعاد إلى الرئاسة. قفز فوق كلّ الحواجز السياسية والقانونية، وتجاوز الدعم الدولي لقيام الدولة الفلسطينية حتى صار أسطورة الأسباط الثالث عشر في العنقود اليهودي. من جهة أخرى، إخوتنا الفلسطينيون ينحدرون من انقسام إلى آخر، كأنّهم لم يقرأوا كتاب "مكان تحت الشمس."
إنتقل الحوار بعدها الى مسألة الصعوبات الإقتصادية، وبالذات قضية الديون المستحقة على دول جنوب أوروپا والمتمثلة خاصّة باليونان وإيطاليا واسپانيا، وهي جميعا اعضاء في منظمة الإتحاد الأوروپي. كانت اليونان من أسوأها لحدّ بروز إشاعات حول إمكانية اقصاء اليونان من المنظمة. أزمة الدين الحكومي اليوناني هي أزمة مالية عصفت بالاقتصاد اليوناني في شهر أبريل من عام 2010 حينما طلبت الحكومة اليونانية من الإتحاد الأوروپي وصندوق النقد الدولي تفعيل خطة إنقاذ تتضمن قروضا لمساعدة البلد على تجنب خطر الإفلاس والتخلف عن السداد. كانت معدلات الفائدة على السندات اليونانية قد ارتفعت إلى معدلات عالية نتيجة مخاوف بين المستثمرين من عدم قدرة اليونان على الوفاء بديونها لاسيما مع ارتفاع معدل عجز الموازنة وتصاعد حجم الدين العام. هددت تلك الأزمة استقرار منطقة اليورو وطرحت فكرة خروج اليونان من المنطقة الاقتصادية. غير أنّ أوروپا قررت في نهاية المطاف تقديم المساعدة إلى اليونان مقابل تنفيذها لإصلاحات اقتصادية واجراءات تقشف تهدف إلى خفض العجز بالموازنة العامة. جدير بالذكر أن ألمانيا كانت من أشد المتعنتين في هذه الأزمة، لأنّ الحكومة اليونانية التقدمية، قد رفعت اصابع الإتهام ضدّ المصارف الألمانية، التي ادّعت أنّها اختلقت تلك الأزمة للبلد.
حدث التغير في هذا الموقف المتعنت بتاريخ 2 مايس، حين وافقت جميع دول الاتحاد الأوروپي إضافة إلى صندوق النقد الدولي على منح اليونان سلسة من القروض المالية بمجموع 110 مليار يورو على مدى 3 سنوات خلال الفترة من مايس 2010 لغاية حزيران 2013. منها 80 مليار يورور مقدمة دول الاتحاد الأوروپي، فيما قدم صندوق النقد الدولي 30 مليار يورو. وتبلغ الفائدة على هذه القروض نحو 5.2% وفترة سداد 3 سنوات، لكنّ الفائدة خفضت في قمة بروكسل لقادة الاتحاد الأوروپي في آذار 2011. تقرر تخفيض الفائدة بنحو 1% لتصبح 4.2% فيما زيدت فترة السداد لتبلغ 7 سنوات ونصف. وقد اشترِط على اليونان للحصول على القروض القيام باجراءات تقشف تهدف إلى خفض الانفاق، لكنّها خلقت مصاعب جمة للمواطنين من الطبقة المتوسطة والفقراء، خاصة بين المتقاعدين منهم، كما اضطرت الحكومة الى خصخصة عدد من الخدمات العامة [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A3%D8%B2] وبعض خدمات الموانئ البحرية، اضافة لبعض الشروط التفصيلية الأخرى. فمثلا استهدفت الإجراءات الحكومية خفض إجمالي النفقات العامة على الأجور والرواتب من 1% إلى 5.5% عبر تجميد رواتب الموظفين الحكوميين وتقليص مكافأت العمل الإضافي وبدلات السفر. تضمن القانون أيضا رفع الضرائب على القيمة المضافة وعلى السيارات المستوردة وعلى المحروقات وخفض رواتب القطاع العام والبدلات الممنوحة للموظفين الحكوميين. عمّت التظاهرات البلاد وتقدمتها نقابات العمال واعتبرها المواطنون انتقاصا من كرامتهم وسيادة وطنهم، واستقال وزير المالية المفاوض احتجاجا على إذعان الحكومة لتلك الشروط المجحفة، لأنّه كان يدعو الى اسقاط تلك الديون، كما حدث لألمانيا نفسها في نهاية الحرب العالمية الثانية.
وعلى ذكر تلك التظاهرات، اختتم المؤلف حواره السادس بالحديث عن دور نقابات العمال في هذه البلاد واستعرض تاريخها في العشرينات حين سُحقت، وفي الثلاثينات حين تقدمت الصفوف فاعتمد عليها روزفلت في انجاز "ما سُمّي تشريعات الصفقة الجديدة New Deal Legislations. وهي التشريعات، التي انتفعت منها غالبية السكان، وكذلك اقتصاد البلد فأنقذته من الأزمة." كما أشاد بالدور الذي لعبته النقابات العمالية في ستينات القرن الماضي والذي لم يقلّ حماسا عن التنظيمات الأخرى في شجب حرب العسكر الأمريكيين في فيتنام والمطالبة بوقفها على الفور.
يدور الحوار السابع حول التحالفات والهيمنة، وافتتحه المحاور بالسؤال عن منطقة الشرق الأوسط. أصبحت المنطقة تحت الوصاية الفرنسية والبريطانية ما بين الحربين العالميتين. وبعد حرب السويس عام 1956 قرّرت بريطانيا سحب قواتها من شرق القناة، بما فيها شبه الجزيرة العربية والخليج، فزحف النفوذ الأمريكي للمنطقة وشكّل تحالفاته وفي طليعتها مع إسرائيل. ظهرت كيانات جديدة وانقسم العالم العربي الى معسكرين، معسكر الوطنية والعلمانية ومحوره مصر، والمعسكر الثاني القائم على حركة الإسلام السياسي. في الحقيقة رعت بريطانيا هذه الحركة وشرعت الولايات المتحدة بنفس النهج، فقابلته الحركة بالشكر والإمتنان والدولارات. وعمل الجانبان معا على تقويض نفوذ القاهرة، وجرّتاها الى حرب طاحنة في اليمن.
حدثت الهزيمة كنتيجة للاستثمار في لحظة سياسية عسكرية فارقة، تكامل فيها العاملان الذاتي والموضوعي، حتى وصلا حدود التماهي، ولربما كان ذلك وحده ما يبرّر حجم الكارثة التي توضّحت أبعادها في غضون أيام قليلة. ومن المؤكد، اليوم، أنّ حياكة تلك الحبكة، كانت قد بدأت في أواخر شهر تشرين الثاني 1956، عندما تكشّفت المعادلات التي أفضى إليها العدوان الثلاثي على مصر، وهي من حيث النتيجة كانت قد أفضت إلى تكريس زعامة جمال عبد الناصر، الذي برز كقائد يحمل مشروعاً لا يقوم على ضرب مرتكزات الهيمنة الغربية في مصر فحسب، بل على امتداد المنطقة العربية برمّتها.
في الشرط الموضوعي، كانت هزيمة المشروع القومي العروبي النامي في الرحم الناصري، والمهدّد بالتمدد نحو أذرع أخرى فاعلة، ضرورة أمريكية ملحّة أوكلت مهمة القيام بها إلى مخفر الغرب المتقدم، الأمر الذي يمكن لمسه بوضوح في تصريح للرئيس الفرنسي الأسبق چال ديگول، الذي وصف حرب حزيران بأنّها تنفيذ إسرائيلي لحرب أمريكية. كان المطلوب، باختصار، التحطيم الذري لهيولى جنين النهوض العربي مرة [https://www.al-akhbar.com/Opinion/289633/] واحدة وإلى الأبد. هذا التلاقي الأمريكي الإسرائيلي كان يعتدّ بتلاقٍ آخر مع قوى إقليمية بارزة، كانت تنظر إلى الناصرية كخطر يتهدّد كيانها ووجودها، وليس زعامتها فحسب.

بعد أن أدت إسرائيل مهمة القضاء على الوطنية والعلمانية في حرب حزيران عام 1967 عن طريق تدمير الجيشين المصري والسوري معا، اصبحت الحليف المدلل ذا الهيمنة الواسعة التي لا منازع لها، ونال معسكر التدين والتعصّب النصر الذي يبتغيه. كان من السهل تحريك بعض الفئات لهذا الغرض، خصوصا بين صفوف المتديّنين. شكّل المسيحيون الإنجيليون في ذلك الوقت غالبية أو معظم قاعدة الحزب الجمهوري. وبالنسبة لهؤلاء، فإنّ الدفاع عن إسرائيل لصدّ هجمات المسلمين، أصبح بمثابة عقيدة دينية، لأنّ الإنجيل يخبرهم بذلك، ولديهم علم الأمور بحياة الآخرة بكاملها حول هذا الموضوع، كي ينهلوا منه ما يشاؤون.
في رأي چومسكي ، ربّما يكون أوباما من أكبر من أيّد ويؤيد إسرائيل في تاريخ الرئاسة الأمريكية، رغم أنّه في نظر بعض المتطرفين ليس مؤيدا تمام التأييد. لقد كان هذا التأييد واضحا حتى قبل بدء جولة انتخابه الأولى، كما لاحظ چومسكي ذلك عام 2008 ، من خلال ما ينشره على موقعه في شبكة الإنترنت. "له مواقف اعتبَرها انجازات حقيقية، حين كان عضوا في مجلس الشيوخ الأمريكي. وفي طليعتها الموقف المتعلق بغزو إسرائيل للبنان. لقد كان من ضمن المتقدمين لمشروع طلب من الحكومة الأمريكية ألا تقف حجر عثرة امام الهجوم على لبنان، واكثر من ذلك، معاقبة من يجرؤ من الدول على معارضة ذلك الهجوم." وهذا في رأي المؤلف "موقف متطرف لتأييد ذلك الغزو الوحشي." ثمّ اعطى أدلة أخرى على دعم إدارته لإسرائيل في المحافل الدولية وتقديم المعونة العسكرية والمالية وزيادتها سنويا، أكثر ممّا أعطاه أيّ رئيس سبقه الى البيت الأبيض.
هذا وكان الرئيس الأميركي قد أكّد أنّ التحالف بين الولايات المتحدة وإسرائيل "ابدي" وشدد على أنّ "السلام يجب أن يأتي إلى الأراضي المقدسة". وقال أوباما بعيد وصوله لمطار بن گوريُن في أول زيارة له كرئيس للولايات المتحدة إلى الدولة العبرية في ولايته الثانية ،"يجب أن يأتي السلام إلى الأراضي المقدسة. لن نفقد الأمل برؤية إسرائيل في سلام مع جيرانها". وأضاف خلال مراسم استقباله في مطار تل ابيب "أعتبر هذه الزيارة فرصة لإعادة تأكيد الصلة التي لا تنفصم بين دولتينا وإعادة تأكيد التزام أمريكا الذي لا يتزعزع بأمن إسرائيل والتحدث مباشرة إلى شعب إسرائيل والى جيرانكم." ومضى يقول "أنا واثق من قولي إنّ تحالفنا أبدي... إلى الأبد." [https://www.dw.com/ar/16685699]
وأوضح الرئيس الأمريكي قائلا "أحتفل معكم بمرور 65 على قيام دولة إسرائيل .. منذ ثلاثة آلاف عام واليهود يعيشون هنا". وأعرب عن افتخاره بكون الولايات المتحدة "أقوى حليف لإسرائيل"، وأكد أنّ اختيار إسرائيل لتكون المحطة الأولى لأول زيارة خارجية في فترته الثانية أمر له مغزى. وأضاف أنّ سبب متانة العلاقات بين الجانبين هو، "أننا نتشارك قيم الحرية والديمقراطية .. نعمل لأن نكون دائما في المقدمة ... الولايات المتحدة تقف إلى جانب إسرائيل لأنّ تلك واحدة من مصالحنا الوطنية".

لم يشفع له هذا التمسح باذيال الصهاينة والمتدينين الإسرائيليين والأمريكيين في شيء. من جهة، دعا الكونگرس استخفافا به رئيس وزراء اسرائيل ليلقي خطابا قوبل بالتصفيق ووقف الأعضاء استحسانا له 33 مرة. وهذا استحسان لم يُقابل به أيّ رئيس أمريكي وقف على تلك المنصة، ولم يحظ به نتنياهو نفسه من قبل، [https://www.timesofisrael.com/israelis-overwhelmingly-prefer-trump-to-obama-poll/] حتى في الكنيست. من جهة اخرى، اشار استطلاع أجرته صحيفة ها آرتس أنّ 19% فقط من الإسرائيليين استحسنوا مواقف أوباما مقابل 46% ممّن اعترضوا على سياساته.
ومع ذلك ودّع صاحبنا البيت الأبيض بأكبر حزمة مساعدات مالية وعسكرية لإسرائيل. إذ أكدت مصادر في البيت الأبيض والكونگرس لمراسل محطة تلفزيون سي أن أن، بأنّ واشنطن تستعد لتقديم حزمة من المساعدات العسكرية إلى إسرائيل هي الأكبر من نوعها في تاريخ العلاقة بين البلدين، إذ ستحصل إسرائيل على 38 مليار دولارا من الدعم العسكري على مدار عشر سنوات، وذلك بارتفاع ملحوظ عن الحزمة السابقة التي بلغت 30 مليار دولارا. ومن المقرر بحسب المصادر التي تحدثت شرط عدم ذكر اسمها، أن يبدأ تطبيق الحزمة الجديدة عام 2018، وسط ترقب لإمكانية توقيع مذكرة تفاهم بين البلدين وذلك بعد أشهر من المفاوضات السرية التي جرت في أجواء لم تكن مثالية بين البلدين، بسبب التوتر [https://arabic.cnn.com/middleeast/2016/09/14/israel-usa-package-aid] بين البيت الأبيض ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو.
ووفق المصدر السابق، علق دَيفِد ماكوفسكي، مدير برنامج عملية السلام في الشرق الأوسط لدى "معهد دراسات سياسات الشرق الأدنى" بالقول إنّ الاتفاق سيكون "رسالة مهمة للجميع بعدم إساءة تفسير الاختلافات بين البلدين حول قضايا مثل العلاقة مع إيران والملف الفلسطيني. في العمق، مازالت أمريكا ملتزمة جدا بأمن إسرائيل على الأمد البعيد."
اشارت تقارير أولية إلى أنّ نتنياهو كان قد طلب من واشنطن مساعدات عسكرية بقيمة 45 مليار دولارا، قبل أن تستقر الأمور بعد التفاوض على 38 مليار دولارا. وذكر محللون أنّ الحزمة العسكرية ستتيح للرئيس بَراك أوباما مغادرة البيت الأبيض وفي جعبته ما يؤكد أنّ إدارته قدمت ما لم تقدمه أيّة إدارة أخرى لإسرائيل. وهو أمر ازدادت أهميته في سنة الانتخابات الرئاسية، إذ كان الإعتقاد أنّ المرشحة الديمقراطية، هِلاري كلِنتُن، ستستفيد منه سياسيا أيضا.
"تحمل الحزمة الجديدة العديد من المتغيرات مقارنة بسابقاتها، إذ فيها تعديلات على طرق صرف الأموال ونوعية المواد التي يمكن شراؤها، إلى جانب تقديم الدعم لعقد كامل من الزمن لبرامج إسرائيل الدفاعية الصاروخية، على أن تلتزم إسرائيل بعدم ممارسة أيّ ضغط داخل الكونگرس للحصول على أموال إضافية." والجملة الأخيرة اعتراف صريح بالإبتزاز والإذعان له طوعيّا والهيمنة التي تتمتع بها الدولة الحليفة.
أثير موضوع الهيمنة ثانية عند الحديث عن رسالة البابا حول المحافظة على البيئة وقدرة الأمم المتحدة على ممارسة أيّ ضغط بهذا الخصوص. ردّ المؤلف قائلا، "لا، لا تستطيع الأمم المتحدة أن تتجاوز ما تسمح به الدول الكبرى، فهي كما تعرف ليست منظمة مستقلة. وعليه، حين تسأل "هل تستطيع الأمم المتحدة أن تفعل شيئا؟" إنّنا في الحقيقة نسأل، "هل تسمح الولايات المتحدة القيام بأيّ شيء في هذا الخصوص؟" هذا وكان البابا قد لفت إلى أنّ تجاوب الإنسان مع العطية الألهية كان مطبوعاً بالخطيئة، والانغلاق ضمن استقلاليته وجشع التملك والاستغلال. وبهذه الطريقة تعرضت للخطر البيئة نفسها، فصارت شيئاً يستغله الإنسان وحسب." وذكّر فرنسيس بأنّ هذا التدهور البيئي راح يتفاقم خلال العقود القليلة الماضية بسبب استمرار [https://www.vaticannews.va/ar/pope/news/2019-09/pope-francis-message-word-day-prayer-care-for-creation.html] التلوث والاستخدام المتواصل للمحروقات والاستغلال الزراعي العشوائي، فضلا عن القضاء على الغابات. ولفت إلى أنّ الإنسان خلق اليوم أزمة بيئية طارئة، تهدد الطبيعة والحياة، بما في ذلك حياتنا نحن.
أختتِم الحوار بإثارة قضية بَرني ساندرز وفرصه في الترشيح، فأشار چومسكي مرّة اخرى الى الهيمنة والتحالفات، التي ستقف في وجهه. قال، "يمكن للمرء أن يُثير عددا من الأسئلة حول سياساته، لكنّني اعتقد أنّه يدفع الى الواجهة قضايا هامة تحظى بانتباه جزء كبير من الرأي العام. إنّه يضغط على التيار العام في الحزب الديمقراطي ويدفعه قليلا نحو القضايا التقدمية.... غير أنّ آفاقه محدودة في نظام كنظامنا الحالي. إنّه نظام يقوم على شراء الأصوات الإنتخابية، ويكون في النهاية نظاما پلوتوقراطيا Plutocracy. أمام ساندرز فرص قليلة لكسر هذا النظام والنفاذ من خلاله. وحتى لو افترضنا جدلا أنّه تمكّن من ذلك، فليس لديه الكثير ممّا يستطيع فعله. إنّه لا يقود منظمة سياسيّة وليس لديه ممثلون في الكونگرِس ويفتقر الى الجهاز البيروقراطي. ليس لديه حكّام ولايات ولا مشرّعون، الى غير ذلك. كافة الأمور التي تساهم في صياغة السياسة لا تتوفر له."
كان ساندرز قد وجّه، ضربة محبطة لحزبه الذي يسعى للعودة للبيت الأبيض، بعد تصريحات وصِفت بـ"الخطيرة" امتدح فيها النظام الكوبي بزعامة الراحل فيدِل كاسترو. تعرض السّنتُر لانتقادات شديدة من [https://www.alarabiya.net/ar/arab-and-world/american-elections-2016/2020/02/25] الديمقراطيين،
بعد أن صرّح في مقابلة صحافية أنّه "من الظلم أن نقول ببساطة إنّ كل شيء كان سيئاً" في ظل حكم فيدِل كاسترو لكوبا. دافع عن تعليقات سابقة له قال فيها، إنّ الكوبيين لم يساعدوا الولايات المتحدة في مسعاها للإطاحة بحكم كاسترو لأنّه "قام بتعليم أطفالهم ومنحهم الرعاية الصحية وحوّل المجتمع تماما." أضاف ساندرز مخاطبا صحافيا قابله من شبكة سي بي إس، "نحن نعارض جدا الطبيعة الاستبدادية لكوبا، لكنّك تعلم أنّه من الظلم أن نقول ببساطة إنَ كل شيء سيء. أتعلم، ماذا فعل كاسترو عندما تولى منصبه؟ كان لديه برنامج واسع لمحو الأمية. هل هذا شيء سيء؟"

تناول الحوار الثامن جذور الصراعات فأعادها چومسكي الى "العامل الرئيسي وهو الدور التقليدي القوى الكبرى، التي تحبّ دائما أن تتوسّع. لكلّ من فرنسا وإنگلترا والولايات المتحدة تاريخ طويل لبسط الهيمنة الإستعمارية. وعليه، فإنّهم يفعلون ما هو متوقع منهم. يعتمدون على قدراتهم النسبية، التي لا تشمل الدبلوماسية أو التطوير والتنمية أو الحرية، أو أيّ شيء من هذا القبيل. هذه امور يتحدثون عنها فقط. الشيء الذي يبرعون فيه بشكل متميّز هو استخدام القوة العسكرية المفرطة. وهذا هو السبب لوجود القيادة المشتركة للعمليات الخاصّة JSOC والقوات الخاصّة والطائرات المسيّرة والوحدات العسكرية، التي باستطاعتها الذهاب الى أيّ مكان في العالم وهدّه وتدميره."

استشهد چومسكي ايضا بما كتبه المحلل العسكري أندرو كَوكبُرن، الذي أشار الى أنّه، "في كلّ مرة تقتل قائدا تعتقد أنّك حققت نصرا كبيرا. ولكن حقيقة ما تفعله هي أنّك، وبشكل لا مناص منه، تعمل على استبداله بقائد أصغر سنّا وأكثر كفاءة وأشدّ عنفا. لقد حدث هذا المرّة تلو المرة." عقّب چومسكي بالقول، "في الحقيقة أنّنا نسدي معروفا للجهاديين وداعش والقاعدة، الذين يقولون، تعالوا من فضلكم وهاجمونا. إبعثوا لنا الجيوش الصليبية لتقاتلنا. إنّها أداتنا لجلب المزيد من المتطوعين الى صفوفنا. وخلال وقت قصير ستكونون في حالة حرب مستعرة مع العالم الإسلامي برمته. هذا هو ما يريدونه."
تناول أحد المعلقين العرب طبيعة جذور الصراعات في منطقة الشرق الأوسط بالقول، إنّ الكثيرين يفضلون توصيف الأحداث الدائرة في المنطقة على أنّها صراع سني- شيعي، تقود فيه إيران المحور الشيعي والمملكة العربية السعودية المحور السني، في صراع يمتد على رقعة جغرافية واسعة تضم العراق وسوريا ولبنان واليمن ودول الخليج. وهي مقاربة قد تبدو منطقية وواقعية ولها ما يبررها، بالنظر إلى النفوذ الإيراني المتمدد في المنطقة في السنوات القليلة الأخيرة تحديدا، وفي ظل الإعلام السعودي، الذي يصب في هذا الاتجاه. "بيد أنّ العودة لتطورات الأحداث في المنطقة ومجرياتها وتقييم واقعها الحالي لا تدعم هذه المقاربة، وإنما تقدم تفسيرا مختلفا للصراع الدائر في المنطقة، على الأقل في السنوات الست الأخيرة."
ثمّ مضي المعلق للقول، إنّه في نهايات 2010، كان ثمة عالم عربي يعاني من أزمات متفاقمة ومستفحلة، أنظمة شمولية استبدادية ومظالم وفساد وفقر وأزمات اقتصادية واجتماعية وارتهان للخارج، وصل مثلا إلى درجة إعلان ليفني الحرب على قطاع غزة عام 2008 من القاهرة، عاصمة العمل العربي الرسمي المشترك. انطلقت الثورات العربية حالمة ومطالـِبة بالكرامة والعدالة وحكم الشعب، وخلال فترة بسيطة نسبيا بعثرت المحورين القائمين في العالم العربي حينها، "معسكرالممانعة" و"معسكرالاعتدال."
لم تأت هذه الثورات على هوى معظم الأنظمة العربية والإقليمية، فقررت مواجهتها وإفشالها لئلا تمتد ارتداداتها إليها أو تمسّ مصالحها، فبرزت ثورة مضادة في كلّ من مصر واليمن وتونس وبدرجة أقلّ في ليبيا، بينما قادت طهران الثورة المضادة في سوريا تحديدا. "وبنظرة لمجريات الأحداث يبدو الطرفان قد نجحا إلى حدّ بعيد، فقد أوقفت الاستدامة المتعمدة للثورة السورية تأثير الدومينو وموجة الثورات، بينما قصم الانقلاب في مصر ظهر الثورات والعالم العربي برمته. وما زال لهذين الحدثين الأثر الأبرز والأعمق في مختلف الأحداث والتطورات التي حصلت وتحصل حتى اليوم في مختلف البلاد، بما في ذلك الانقلاب الفاشل في تركيا وحصار قطر والمصالحة الفلسطينية." [https://eipss-eg.org/%d8%a8%d9]
من وجهة نظر أخرى، فإنّ الصراعات كانت دائما، سواء في نشأتها، أو تطورها، أو محاولات معالجتها، أو التعامل معها، محصلة لتفاعل عوامل محلية، وأخرى إقليمية، وثالثة دولية، وإنّ تفاوت وزن كلّ من هذه المستويات، أو العوامل التي شملها كلّ مستوى من حالة كلّ صراع إلى الآخر. ونوضح أنّنا عندما نتحدث هنا عن العامل الإقليمي، لا نقصر ذلك التوصيف على الدول العربية وحدها، بل نشمل بالتأكيد الأطراف الإقليمية الرئيسية الأخرى، مثل إيران، وتركيا، وأفغانستان، وكذلك إسرائيل .واخرى دولية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ومعها جميعا روسيا. [https://samstudies.com/2016/05/07/%D8%AC]
لم تعد صراعات المنطقة مقصورة فقط على صراعات حول أراض، أو على تصفية الاستعمار، كما تجسده بشكل أساسي حالة القضية الفلسطينية، بالإضافة إلى قضايا أخرى فرعية أقلّ أهمية تتصل بأراض متنازع عليها بين دول. كما أنّ هذه الصراعات بدورها ليست مقصورة على صراعات على موارد، سواء كانت مصادر مياه عذبة وطبيعية، بأنواعها المختلفة، أو كانت مصادر طاقة تقليدية أو متجددة، أو أراضي زراعية، أو قابلة للاستزراع أو الاستصلاح.
كما أنّها لا تقتصر أيضا علي نزاعات تتعلق بالاستحواذ علي أسلحة دمار شامل، وفي مقدمتها السلاح النووي، أو للتخلص من وجود هذه الأسلحة كلية من المنطقة. بل أنّ صراعات المنطقة شهدت أبعادا يمكن وصفها، بدرجة أو أخرى من الدقة، بالأيديولوجية في عقدي الخمسينات والستينات من القرن المنصرم، في ظل أجواء الحرب الباردة من جهة، والتنافس علي زعامة المنطقة من جهة ثانية، والتباين التقدمي- المحافظ، أو شبه العلماني - الديني فيما بين دول المنطقة.
كشف المؤلف في نهاية الحوار الثامن تقريبا سرّا لا يعرفه الكثير. قبل أن يضع خروچُف صواريخه في كوبا بفترة حوالي 6 أشهر، كان كَنِدي قد أمر بوضع عدد من الصواريخ العابرة للقارات في عام 1962 في قاعدة أوكيناوا، في اليابان وكانت موجهة نحو الصين. ووضع عددا آخر منها في تركيا موجهة نحو الإتحاد السوفيتي. بعد أن اكتشف الأمريكان وجود الصواريخ السوفيتية في كوبا جُنّ جنونهم، بفعل تلك الخطوة الجريئة، فكان العالم على وشك قيام حرب عالمية ثالثة. حين انتهت الأزمة بمفاوضات لسحب الصواريخ السوفيتية مباشرة من الجزيرة، سحب الأمريكيون صواريخهم من تركيا في مدة لم تتجاز 6 أشهر.
ركّز چومسكي الإنتباه الى أنّ للولايات المتحدة 7 قواعد عسكرية جوية وبحرية في اليابان. وهذه حقا جزء يسير من القائمة الطويلة جدا للقواعد الأمريكية حول العالم، [https://ar.wikipedia.org/wiki] كما يَتّضح من التالي بأسماء البلدان، التي توجد فيها قواعد العسكر الأمريكيين في كافة ارجاء المعمورة:
أفغانستان - معسكر دواير؛ القاعدة العسكرية المتقدمة في دلهي؛ القاعدة التشغيلية المتقدمة في جيرونيمو؛ Firebase Fiddler s Green، أستراليا - پاين گاپ ، البحرين - القاعدة البحرية الأمريكية البحرين؛ قاعدة الشيخ عيسى الجوية، بلجيكا - قاعدة چِفريس الجوية؛ قاعدة گلِن بروگِل الجوية، البرازيل - مفرزة الدعم البحري الأمريكية في ساو پاولو، إقليم المحيط الهندي البريطاني (UK) - وحدة الدعم البحري في دياگو گارسيا، بلغاريا - Aitos Logistics Center؛ قاعدة بيزمير الجوية؛ قاعدة گراف إگناتيفو الجوية؛ Novo Selo Range، كوبا - قاعدة گوانتانامو ، جيبوتي - معسكر ليمونييه ، ألمانيا - US Army installations in Germany ؛ Panzer Kaserne؛ قاعدة رامشتين الجوية؛ Spangdahlem Air Base ، اليونان Naval Support Activity Souda Bay ، گرينلاند -الدنمارك - قاعدة ثول الجوية ، هندوراس - قاعدة سوتو كانو الجوية، إسرائيل - ميناء حيفا -أسطول الولايات المتحدة السادس Dimona Radar Facility ، ايطاليا - Caserma Del Din ؛ Caserma Ederle؛ Darby Military Community ؛ القاعدة البحرية الجوية في سيگونيلا؛ Naval Support Activity Naples؛ قاعدة أفيانو الجوية ، اليابان7 قواعد أكبرها أوكيناوا و6 قواعد اخرى ، كوسوفو - معسكر بوندستيل ، الكويت - قاعدة علي السالم الجوية؛ معسكر عريفجان؛ معسكر بيوري؛ قاعدة الكويت البحرية، هولندا Volkel Air Base ، النرويج 426 Air Base Squadron at Sola Air Station ، سلطنة عمان - RAFO Masirah ؛ RAFO ولاية ثمريت (SouOman) ، البرتغال - قاعدة لا گِس فيلد، قطر - قاعدة العديد الجوية، سنغافورة Paya Lebar Air Base ، كوريا الجنوبية United States Forces Korea ، إسبانيا Morón Air Base؛ Naval Station Rota، تركيا - قاعدة إنجرليك الجوية؛ قاعدة إزمير الجوية، الإمارات العربية المتحدة - قاعدة الظفرة الجوية؛ ميناء جبل علي؛ قاعدة الفجيرة البحرية، المملكة المتحدة RAF Alconbury ؛ RAF Croughton؛ RAF Fairford؛ RAF Lakenheath؛ سلاح الجو الملكي مِنويث هِل.
إفتتح چومسكي حواره التاسع قائلا، "جرت خلال السنوات الخمسة عشر الأخيرة، محاولات في عدد من البلدان ومنها البرازيل وفنزويلا وبوليفيا والإكوادور وأرِگوَي والأرجنتين، التي اطلق عليها اسم الموجة الوردية، وحقق بعضها نجاحات متفاوتة. هناك ميل شديد، خاصّة حين تحصل على قدر من القوة، أن تمدّ يدك في الكيس وتبدأ العيش كما النخبة. وهذا هو السبب وراء تقويض الحكومات اليسارية وسقوطها، الواحدة تلو الأخرى. إنّ فنزويلا مثال على ذلك، والبرازيل مثل آخر."قام شافَز ولولا ببعض المحاولات الإقتصادية الإصلاحية، التي كان مصيرها لفشل بشكل عام، وانتهت بموت شافز المبكر بمرض سرطان الدم ومجيء مَدورو للحكم بعده. أمّا البرازيل فقد حدث فيها انقلاب عسكري يميني اطاح بالحكومة الوطنية والقى لولا بالسجن متهما اياه بجرائم فساد. ذكر المؤلف ثلاثة اسباب رئيسية لفشل تلكما التجربتين.
كما تناول ظاهرة لم تكن لها سابقة في تاريخ أمريكا الجنوبية. "في عام 2006، أنتُخِب إيفو مورالِس كأوّل رئيس لبوليفيا، ينحدر من سكان البلاد الأصليين، وأوّل رئيس من نوعه في عموم أمريكا اللاتينية. في عام 2016، فشلت محاولته لتمديد فترة رئاسته للمرة الرابعة." فمن هم هولاء السكان الأصليون؟
يُعتقد أنَ أوّل من سكن الأمريكتين اقوام عبرت جسر برينگيا اليابس، الذي يعرف الآن باسم مضيق برينِگ وجاءوا من شمال شرق آسيا الى منطقة ألاسكا قبل أكثر من 10,000 سنة مضت. أقدم استيطان معروف، تمّ تحديده عند ماونت فيردي، بالقرب من پويرتو ماونت جنوب ما يُعرف الآن چِلي، وزمن احتلالها تقريبا منذ 14,000 سنة. هناك بعض الأدلة مختلف عليها بأنّ الإحتلال جرى في وقت أسبق. وعلى مدى آلاف السنين انتشر القادمون من شرق آسيا في جميع أنحاء القارتين. وبحلول الألفية الأولى بعد الميلاد/قبل الميلاد، كانت غابات أمريكا الجنوبية المطيرة الشاسعة، وجبالها وسهولها وسواحلها أماكن لسكن عشرات الملايين من الناس. أقدم المستوطنات في الأمريكتين هي حضارة لاس فيگس منذ حوالي 8,000 إلى 4,600 سنة قبل الميلاد. وهي مجموعة استوطنت ساحل الإكوادور، وأسلافها هم المعروفون بحضارة فالديفيا من العصر نفسه. شكلت بعض الجماعات المزيد من المستوطنات الدائمة مثل الشيبشا أو "مويزكاس" أو "مايزكاس" ومجموعات التايرونا. وتقع هذه المجموعات في الدائرة المحيطة بالكاريبي، وتعتبر من الشِبشا من كولومبيا والكوچوا وأيمارا من بوليفيا والپَرّو [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A3%D9%85]، على التوالي. المجموعات الأربع للشعوب الأصلية التي استقرت تقريبا بشكل دائم، هي المايا Maya والإنكا Inca والأزتِك Aztec والأولمِك Olmec وأسست حضارات متقدمة.
يذكر المصدر اعلاه أنّ العصر الذهبي للمايا بدأ تقريبا عام 250 م، مع آخر حضارتين كبيرتين، الآزتِك والإنكا، اللتين بدأتا تظهران فيما بعد في مطلع القرن الرابع عشر ومنتصف القرن الخامس عشر، على التوالي. كانت امبراطورية الازتِك في نهاية المطاف أقوى حضارة عرفت في جميع أنحاء الأمريكتين، حتى سقوطها نتيجة للغزو الأسپاني. اكتشفتْ الحضارات الامريكية القديمة وطورت الأدوات الثقافية والتقاويم المتقدمة المفيدة للجنس البشري، كما طورت النظم المعقدة كالتعديل بالجينات التي ساعدت إنتاج الذرة إلى 75 ٪ من الغذاء. وكذلك التفنن في أعمال الحَجَر وأنظمة إدارة البيئة للمناطق الجغرافية الواسعة وإنشاء أنظمة ري متقدمة وأنظمة جديدة في الكتابة والأنظمة السياسية والاجتماعية الجديدة والتعدين المتطور وإنتاج المنسوجات،..الخ. كما أوجدت بعض الحضارات العجلة، لكنّها لم تكن ذات فائدة بسبب وجود الجبال والغابات، واستخدمت لصنع الألعاب. وصلت حضارات أخرى لما قبل كولومبوس الى درجة عالية من التطور في بناء المعابد والآثار الدينية.
غزت الإمبراطوريات الإسپانية والبرتغالية والبريطانية والفرنسية وهولندا واستعمرت بعض المناطق وأستعبدت السكان الذين عاشوا في القارة. مع وصول الأوروپيين، فقد النخبة من السكان الأصليين، للأنكا والأزتِك، القدرة بسبب الغزو الأوروپي الكبير. سيطرت قوات هيرناندو كورتيس على نخبة الازتِك بمساعدة جماعات محلية كانت تعارض تلك النخبة، وتخلص فرانسيسكو بيسارو من حكم الإنكا في غرب أمريكا الجنوبية. وبالتالي استعمرت القوى الأوروپية من الأسپان والبرتغال تلك المنطقة، والتي لم تستعمَر من قبل، وقسمت إلى مناطق تحت الحكم الإسپاني والبرتغالي تفصلها حدود رسمت عام 1493، استولت إسپانيا على جميع المناطق الواقعة في الغرب، والبرتغال على جميع المناطق الواقعة في الشرق. الأراضي البرتغالية في أمريكا الجنوبية أصبحت فيما بعد البرازيل. بحلول نهاية القرن 16 انضمت فرنسا إلى إسپانيا والبرتغال، باحتلالها مناطق واسعة في شمال أمريكا ووسطها وجنوبها، تمتد من ألاسكا إلى الجنوب من پَتگونيا. أدخلت الثقافة والعادات الأوروپية وكذلك الحكومة، ومع الكنيسة الرومانية الكاثوليكية أصبحت قوة اقتصادية وسياسية عظمى لتزيل كافة الطرق التقليدية في المنطقة، لتصبح في نهاية المطاف الدين الرسمي الوحيد للأمريكتين خلال تلك الفترة. [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A3%D9%85]
أبيد جزء كبير من السكان الأصليين بسبب الأوبئة والأمراض التي جاء بها الأوروپيون كالجدري والحصبة. لم يستطع المؤرخون تحديد عدد السكان الذين لقوا حتفهم بسبب هذه الأمراض، ولكن بعض الأرقام تقول إنّ النسبة وصلت إلى 85% وكحد أدنى إلى 25%، ولم تكن الأرقام دقيقة لعدم وجود سجلات مكتوبة. أجبِر الكثير من الناجين للعمل في المزارع والمناجم الأورو پية. وكان تمازج الأجناس بين السكان الأصليين والمستعمرين الأورو پيين شائعا جدا، بحيث تشكلت الأغلبية من الناس ذوي الأصول المختلطة "مستيزو" في عدة مستعمرات بحلول نهاية الفترة الاستعمارية.
في خمسينات القرن الماضي، انتقلت الحرب الباردة في أمريكا اللاتينية لتقترب من الولايات المتحدة. وقد واجه سكان دول أمريكا اللاتينية العديد من المشاكل الخطيرة، كانتشار الفقر وسوء الرعاية الصحية. وخشيت الولايات المتحدة ان تكون السياسة الاشتراكية والشيوعية جذابة بشكل خاص لدول أمريكا اللاتينية. وفي الوقت نفسه، زاد قلق العديد من مواطني الولايات المتحدة حول التهديد لأمنهم وأعمالهم التجارية في أمريكا اللاتينية. لقد دفع هذا الولايات المتحدة أن تعمل وفق ستراتيجية عسكرية عدوانية جدا للاحتواء. وخلال الحرب الباردة، أزالت الولايات المتحدة العديد من القادة المنتخبين ديمقراطيا من دول أمريكا اللاتينية عن طريق عمليات سرية لوكالة المخابرات المركزية واستبدالهم بقادة أكثر ودية لمصالح الولايات المتحدة. يمكن القول، إنّه قد خلق هذا التدخل مع النظام الديمقراطي في هذه البلدان رد فعل سلبي لأنّ العديد من اللاتينيين رفضوا مشاركة الولايات المتحدة. وقد أصبح العديد من القادة الذين وضعتهم الولايات المتحدة في مواقع السلطة طغاة وظالمين.
في السبعينات، اكتسب اليساريون نفوذا سياسيا كبيرا دفع اليمينيين والمسؤلين في الكنسية وجزء كبيرا من الطبقة العليا في كلّ بلد لدعم الانقلابات العسكرية لتجنب ما ينظر إليه على أنّه خطر شيوعي. وزاد ذلك من التدخل الكوبي والولايات المتحدة مما أدى إلى الاستقطاب السياسي. دول عديدة من أمريكا اللاتينية كانت جزء من الحرب الباردة التي تحكمها الدكتاتورية. وفي بداية الثمانينات وأوائل التسعينات إستعادت جميع هذه الدول الديمقراطية. غير أنّ العديد من الأنظمة اليمينية تمّ دعمها من الولايات المتحدة عن طريق معاهدة الدول الأمريكية للمساعدة المتبادلة في إطار الحرب الباردة. وخلال السبعينات، تعاونت هذه الأنظمة في عملية كوندور لقتل العديد من المنشقين اليساريين وبعض عصابات المدن.
ينحو الحوار بعدها منحى آخر، بإثارة سؤال حول التعاون العسكري بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة وبين الهند من جهة أخرى. هل هو التطرف الهندوسي الصهيوني الأمريكي ضدّ كلّ ما هو مسلم أو إسلامي والمتمثل في سياسات هذه الحكومات؟ يقول چومسكي، "السبب الرئيسي لهذا التحوّل في السياسة (يقصد سياسة الهند) يعود الى المشاعر المضادة للمسلمين في هذه البلدان الثلاث. في إسرائيل العداء ليس واضحا ضدّ المسلمين بل أيضا ضدّ كلّ عربي ترى فيه تهديدا لوجودها (يوجد داخل حدود إسرائيل حوالي 1.89 مليون عربيا/فلسطينيا يمثلون 21% من مجموع سكان البلاد. أمّا في الضفة الغربية، فيوجد ما يقرب من 2.16 مليون عربيا/فلسطينيا.) في الهند توجد أقلية مسلمة يبلغ عددها حوالي 182 مليون مواطنا. في الولايات المتحدة يوجد 3.45 مليون مواطنا يعانون من مشاعر الكره للإسلام والمسلمين بين عامة الناس، نتيجة ما يُسمّى الحرب ضدّ الإرهاب. وهي حقيقة حرب موجّهة ضد المسلمين."
في ختام هذا الحوار، يعالج المؤلف قضية تحقيق المجتمع الأفضل، فيقول "في ذهني، هو المجتمع الذي تكون فيه القرارات بيد الناس الواعين المهتمين بشؤون عامة الشعب. وهذا شرط مطلوب لكي تكون الخيارات معقولة ومنطقيّة. أمّا بالنسبة للمؤسسات، فإنها تعني أنّ العمال هم من يمتلكون وسائل الإنتاج ويديروها. تكون القيادة من بين صفوف المجتمع والمؤسسات الأخرى خاضعة للرقابة العامة وتحت محاسبتها. التبادل بين إتحادات المتطوعين سيقود الى عملية اتخاذ القرارات الموسعة من قبل كافة الممثلين، الذين يخضعون للرقابة المباشرة من قبل القاعدة الشعبية ومسؤولين أمامها بشكل دائم.
كما أنّ ذلك يجب أن يكون مصحوبا بتخفيف القيود والإجراءات بشأن الحدود. وهذا أمر قابل للتنفيذ بسهولة، كما لاحظنا في مسألة الإتحاد الأوروپي. وبشكل عام، فإنّ الأمر يعني نظاما عالميا يقوم على التبادل المشترك والتعاون المتقابل والإنتاج لأغراض الحاجة والإستعمال بدلا من تكديس الأرباح، والإهتمام بقضية بقاء الكائنات وحمايتها. "باعتقادي الراسخ، فإنّ، كافة هذه هي مؤشرات نحو المجتمع الأفضل، وهي جميعا قابلة للتحقيق."
افتتح المؤلف حواره العاشر بالحديث عن شخصية ترامب غير المستقرة. قال، "إنّ 4 سنوات من حكم ترامپ قد تضعنا في نقطة تحوّل، قدر تعلق الأمر بقضية تغيّر المناخ، وستفرض الإمتناع عن إثارة أيّة أسئلة بشأنها. قد يبدو الأمر مشوّشا، ولكن لو القيت نظرة على التطورات في هذه الأيام وسياسات ترامپ، على افتراض أنّه سيطبقها جميعا، فإنّ المزج بين صفات هذا الإنسان وسياساته مسألة خطيرة للغاية." وجاء دعم مباشر لمثل هذا التوصيف على لسان مسؤول متمرّس يُعتبر من صقور الحزب الجمهوري وعمل في البيت الأبيض.
ذكر جون بَولتُن [https://www.annahar.com/article/1216253] مستشار الامن القومي الأمريكي السابق، إنّه يعتقد بانّ الزعيم الكوري الشمالي كِم جونگ أون "يهزأ" من مفهوم الرئيس الأمريكي دونَلد ترامپ لعلاقة الصداقة بينهما. تحدث بَولتُن الى شبكة "أي بي سي نيوز" في أول مقابلة قبل نشر كتابه، الذي يتضمن انتقادات حادة للرئيس ترامپ. حين سألته الصحافية مارثا رادَتز إنْ كان ترامپ "يعتقد فعليا أنّ كِم جونگ أون يكنّ له الودّ،" رد بَولتُن أن ليس هناك أيّ تفسير آخر. ثمّ اضاف، "أعتقد أنّ كِم جونگ أون يهزأ من كلّ هذا الأمر." وتابع، "إنّ الرسائل التي عرضها الرئيس على الصحافة، كتبها موظف رسمي في مكتب الدعاية التابع لحزب العمال الكوري الشمالي".
إستمر يقول، "رغم ذلك، عرضها الرئيس كدليل على عمق صداقتهما" مشيرا الى أنّ الصداقة لا ترقى الى مستوى الدبلوماسية الدولية. وأكد بَولتُن أيضا أنّه لا يعتبر أنّ ترامپ مؤهل للرئاسة معربا عن أمله في عدم توليه ولاية ثانية. ثمّ قال معقبا، "آمل أن يذكره (التاريخ) كرئيس شغل ولاية واحدة ولم يغرق البلاد بشكل لا عودة عنه في دوامة انحدار لا يمكننا النهوض منها. يمكننا تجاوز تداعيات ولاية واحدة فقط".
ووفق أقوال بَولتُن، حاول الرئيس الأمريكي الحصول على مساعدة الرئيس الصيني، شي جِن بِنگ، لتأمين إعادة انتخابه، بحسب ما جاء في تفاصيل من الكتاب الجديد، نشرتها وسائل إعلام أمريكية. ذكر بَولتُن أنّ ترامپ أراد من الصين شراء منتجات من مزارعين أمريكيين، لمساعدته في كسب اصوات هؤلاء وتأمين فوزه بالإنتخابات لولاية ثانية. تتعلق المزاعم باجتماع بين الرئيس الأمريكي ونظيره الصيني في قمة العشرين في أوساكا في اليابان، في حزيران العام الماضي. تبدو الرواية التي يقدمها جون بَولتُن مألوفة إلى حدّ ما. هذه ليست المرة الأولى التي يقدم فيها مستشار سابق أو مساعد حالي مجهول لترامپ حكايات عن رئيس يبدو أنّه غير مهتم بتفاصيل الحكم وغير مطّلع على القضايا الأساسية للسياسة الخارجية، منها أنّه لا يعرف إن كانت بريطانيا تمتلك قوة نوويّة وإنّ كانت فنلندا جزء من روسيا! وخلال ثلاث سنوات ونصف تقريبا، خرجت قصص عديدة من البيت الأبيض عن الغدر والصراعات الداخلية على السلطة.
يذهب بَولتُن في كتابه لأبعد من هذه الأرضية المعقدة للغاية، حيث يرسم صورة لرئيس يرغب في تطويع السياسة الخارجية لتعزيز أجندته المحلية والشخصية. وهذا ما كان في صلب قضية محاولة عزله من قبل الديمقراطيين في كانون الثاني من عام 2020. يؤكد بَولتُن مزاعم الديمقراطيين بأنّ الرئيس أراد حجب المساعدات العسكرية للضغط على أوكرانيا لتقديم معلومات ضارة عن منافسه الديمقراطي جو بايدن. ويضيف أنّ ترامپ كان يتعامل مع الصين وعينه على إعادة انتخابه، وأنه تدخل مرارا لمساعدة حكام مستبدين أصدقاء [https://www.bbc.com/arabic/world-53087659] حول العالم، كالرئيس التركي. كما وصف دونَلد ترامپ بأنّه "ساذج"، كاشفا أنّ الرئيس الروسي "فلادِمِر پوتِن لا يرى في نظيره الأمريكي خصما وإنّما يستطيع تحريكه كما يعزف الكمان."
أثار المحاور في النهاية مسألة احتمال قيام ثورة في أمريكا، فردّ چومسكي ناصحا، "ليست الولايات المتحدة في موقف ناضج من أجل قيام ثورة، بأيّ شكل من الأشكال. وإذا كنت تريد الوصول لتلك الغاية، فيجب أن تبني لها قاعدة شعبية." وإذا أخذت كلمة "ثورة" بشكل جدّي، "وكنت تريد مثلا أن تتخلص من النظام الرأسمالي برمته، فيجب أن تركّز على الخيارات ضمن النظام والإستفادة منها لأقصى حدّ ممكن. إذا اتفق الرأي العام على أنّه يريد الذهاب الى هدف أبعد، وكانت مقاومة النظام شرسة وعنيفة للغاية، فإنّ الثورة ستحدث. ولكن ليس قبل ذلك، وليس من قبل فئة صغيرة تهتف، دعونا نذهب لنكسر زجاج شبابيك المصارف."
أمّا المعلقون العرب فيعتقدون أنّ أمريكا في عام 2020 على ابواب ثورة ضدّ العنصرية، وأنّ هذه الثورة تمتد الى أوروپا، وبالذات الى قلب عواصم الإمبراطوريات الغابرة. فمثلا يرى عبد الباري عطوان في صحيفة "رأي اليوم" اللندنية، أنّ "أمريكا على أبواب ثورة ضد العنصرية المتصاعدة". ويقول، "هذه الجريمة البشعة التي وثّقها أحد المارة بكامِرا هاتفه المحمول أعادت فتح ملف الاضطهاد الذي يتعرض له المواطنون السود على أيدي الشرطة، وبعض مؤسسات الدولة، رغم مرور 200 عام أو أكثر على إلغاء قوانين التمييز العنصري، فالفوارِق ما زالت موجودة". يوجه عطوان الاتهام لإدارة دونَلد ترامپ، مشيرا إلى أنّ وصوله "إلى البيت الأبيض كان عبر أصوات العنصريين البِيض، وبسبب تبنيه لأجنداتهم، وتهجمه على الرئيس بَراك أوباما ومطالبته له بالعودة إلى كينيا، مسقط رأس والده، والتشكيك في شهادة ميلاده، أضف [https://www.bbc.com/arabic/inthepress-52860377] لذلك حملاته ضد المهاجرين والمسلمين منهم خاصة. كلّ هذه أسباب أدت إلى تفاقم ممارسات التمييز العنصري في دولة تدعي أنّها زعيمة المساواة والحرية في العالم."
تصدرت الاحتجاجات عناوين عدة صحف، بينها "الأهرام" المصرية التي صدرت تقول، "بعد ليلة شغب.. أمريكا تنشر 500 جندي من الحرس الوطني في مينيابولِس"، و"الدستور" الأردنية التي صدرت بعنوان، "مظاهرات تجتاح عدة مدن أمريكية احتجاجا على حادثة مينيابولِس". من جهتها، أبرزت صحيفة "النهار" اللبنانية تعدد حوادث العنصرية الموثقة في الولايات المتحدة، وقالت، "من وفاة رجل أسود في مينيابولِس إلى حادث عنصري في سنترال بارك، تُستخدم كامِرات الهواتف بشكل متزايد كسلاح ضد العنصرية، حتى لو لم تواكبها الأنظمة القضائية دوما."
في موقع "العمق المغربي"، تساءل صلاح الدين ناصر، "أمريكا والسود.. متى المصالحة؟" وقال، "لم يكن للسود من ثمرات ثورة القرن العشرين أيّ نصيب. فرغم التقدم الفكري والتقني استمرت معاناة السود خاصة في الولايات الجنوبية، وشاركوا في حروب العشرين خادمين الأراضي الأمريكية بكل تفان وإخلاص، وحتى في زمن الهجرة العظمى إلى بلاد العم السام لم يسلم الملونون من التفرقة". وتابع، "كانت ردة فعل المجتمع الأمريكي قاسية وعنيفة فكسروا سيارات الشرطة، هاجموا بعض عناصرها، وعمت فوضى عارمة في العالمين الواقعي والافتراضي، حيث تزعم المشاهير، على رأسهم لاعب كرة السلة لِبرون جَيمس، حملات إعلامية لمنع تغلغل العنف في صفوف حماة الأمة‛ والدفاع عن المجتمع الافرو- أمريكي تحت شعار [https://www.bbc.com/arabic/inthepress-52860377] "لا استطيع التنفس." وهي آخر كلمات نطقها جورج فلويد قبيل موته مخنوقا بركبة شرطي ابيض."

أشار مصطفى قطبي في صحيفة "المستقبل" المصرية إلى أنّ "أمريكا بلد الحريات غارقة في العنصرية". وقال، "هذه الاحتجاجات تؤكد على السلوك العدائي للأمريكيين أصحاب البشرة البيضاء، تجاه مواطنيهم من السود، وتجدد مرات ومرات على أنّ الكلام المنمق الذي تستخدمه الإدارات الأمريكية المتعاقبة للحديث عن بعض وجوه المساواة والعدالة المتحققة في المجتمع الأمريكي، ليس حقيقة في المجمل، وإنّما في جزء منه فقط. وهو يخفي خلفه صورة قبيحة لهذه الدولة، التي لا يمكن قبولها في القرن الحادي والعشرين. ويدلل في الوقت ذاته على أنّ الاضطهاد والعنصرية متأصلان في الولايات المتحدة، رغم أنّ الدعاية الأمريكية منذ زمن طويل تحاول أن تصوّر هذه البلاد وشعبها بأنّهم يعيشون في مدينة فاضلة أشبه بمدينة أفلاطون".‏

وفي موقع "الميزان" المصري، كتبت نيرفانا سامي، "أعتقد أنّه إذا قرّر أحد كتابة تاريخ المجتمع الأمريكي وكيف تطورت صفاته وسلوكه الاجتماعي، سوف يقرّ بأنّ الرجل الأبيض عرف العنصرية ضد أصحاب البشرة السوداء من الأصول الأفريقية قبل معرفته بالإنسانية. ورغم أنّه من الكوميديا السوداء أن يكون قد مرّ ما يقرب من 200 عام منذ أن حرّر إبرَهام لِنكُن العبيد في أمريكا، مازال أصحاب البشرة السوداء يعانون من كافة أشكال العنصرية في العديد من الولايات الأمريكية. إنّ موت جورج فلويد هو صرخة جديدة في وجه عنصرية الرجل الأبيض الأمريكي". [https://www.bbc.com/arabic/inthepress-52860377]
أضافت الكاتبة قائلة، "مقتل جورج فلويد لم يكن حادثا غريبا على المجتمع الأمريكي، الذي يتفنن في إظهار العنصرية والكراهية ضدّ المواطنين الأمريكيين من أصول إفريقية. فكلّ عام يسقط عشرات الأشخاص ضحايا الحوادث العنصرية التي تطال كلّ الفئات المجتمعية والثقافية. ولكنّ الشيء الذي يمثل كوميديا سوداء حقيقية فيما يخص عنصرية المواطنين الأمريكيين، هو أنّ أمريكا في الأساس بلد مهاجرين. فحتى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية نفسه أصوله ليست أمريكية!"
يفرّق چومسكي بين نوعين من المهاجرين/اللاجئين، وهما المهاجرون لأسباب سياسية أو بسبب الحروب، واللاجئون لأسباب بيئية بفعل تغيّرات المناخ. يتطرق الحوار الحادي عشر في مطلعه الى مسؤولية امريكا في احترار المناخ، ويعلق المؤلف بالقول، "السؤال، الذي تردد على السنة المندوبين في مؤتمر مراكش للمناخ، هو أنّه الآن وكما يبدو فإنّ أكثر البلدان أهمية في العالم بصدد هذا الموضوع، من المحتمل أن ينسحب. فهل أنّ لمشروع انقاذ العالم من مشكلة الإحترار المناخي أيّة فرصة للإستمرار؟ إنتهى المؤتمر، ولم يتوصّل الى تحقيق أيّ شيء، باستثناء بعض الإلتزامات اللفظية..... الى من تنظر هذه الدول؟ الصين. الصين هي القائد الذي يتوقعون منه أن ينقد البشرية من التدمير، الذي تلحقه بنفسها. وفي الجهة المقابلة، يوجد بلد واحد يخشاه المؤتمرون بأنّه سيدمّر كلّ شيء. هو البلد المفترض فيه قيادة العالم الحرّ، واقوى بلد في تاريخ البشرية. كان مشهدا مثيرا."

لا تعترف القوانين المحلية أو الدولية بحالة ما يسمى بلاجئي المناخ، لكنّ أعداد هؤلاء اللاجئين تزداد باستمرار. هناك عنصر يجعل تأثير التغير المناخي العالمي على الناس واضحا للغاية، وهو الماء، في حال ندرته وفي حال زيادته عن الحاجة. يعيش ثلث سكان العالم قرب السواحل، ومع ارتفاع منسوب مياه البحر سيفقد حوالي 700 مليون شخصا أماكن عيشهم. في الفِلِپين يقول 85 % من السكان إنّهم شعروا بالفعل بتأثيرات تغير المناخ، في صورة فيضانات وزيادة الأعاصير القوية، ومثلها حدث ويحدث في بَنگلادَش والهند والنيپال وميانمار وفيتنام. في المقابل يعاني المزارعون في مرتفعات گواتِمالا من جفاف شديد. أدّى هذا كله إلى هجرة جماعية، أغلقت الدول الغنية مثل الولايات المتحدة الأبواب في وجهها. يعتبر نمط الحياة في الدول الصناعية سببا رئيسيا لتغير المناخ. سبع دول من بينها الولايات المتحدة والصين وروسيا والهند وألمانيا مسؤولة عن أكثر من 60 % من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم.

من المفارقات أنّه في البلد الذي يتسبب في أعلى انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، يعيش أغلب الذين ينكرون التغير المناخي، في الولايات المتحدة. يأتي في مقدمتهم الرئيس دونَلد ترامپنفسه. لقد انسحب من اتفاقية پاريس للمناخ واستأنف استخراج الوقود الأحفوري ويبني جدارا لإيقاف المهاجرين. هذا في الوقت الذي يكافح فيه نشطاء المناخ من أجل إجراء تغييرات جذرية لوقف الكارثة المناخية. يرفض أغلب الناس تغيير نمط حياتهم، [https://www.dw.com/ar/%D9%86%D] في ذات الوقت يغادر الآلاف والآلاف مواطنهم لأنّ وجودهم أصبح مهدّداً.

يشير المصدر اعلاه الى أنّه بمعدل كلّ ثانيتين يُجبَر إنسان على ترك موطنه. وهناك أكثر من 70 مليون إنسانا نازحا حول العالم. "سلسلة نازحون" الوثائقية من إعداد وكالة دويچه فيله الألمانية، تبحث في أسباب النزوح، وتربط بين أسلوب العيش في الدول الصناعية الغربية وبين موجات الهجرة الكبيرة من المناطق الجنوبية في العالم. هذا وكان وزير التنمية الألماني گيرد مولر قد انتقد الخطوة الأمريكية في الإنسحاب من اتفاق پاريس للمناخ، معتبرا ذلك انتكاسة. قال، "إنّ الدول الصناعية، التي تتسبب بصورة رئيسية في تغير المناخ، تقع عليها مسؤولية خاصّة، ويتعين عليها أن تقوم بدور نموذجي". وجدير بالذكر، أنّ رئيسة البلاد ميركِل قد ضمّت صوتها الى صوت وزيرها، وأكّدت أنّ الدول الصناعية مسؤولة عن مكافحة التغيير المناخي. [https://www.dw.com/ar/%D8%A8%D8%B1]

قالت ميركِل أمام الأمم المتحدة إنّ التحدي العالمي يكمن في حصر ارتفاع درجة حرارة الأرض بنحو 1.5 درجة فقط. وأوضحت أنّ الدول الصناعية هي التي تسبب ارتفاع حرارة الأرض، فيما تكون الدول النامية هي المتضررة بشكل أساسي. وتابعت ولهذا السبب يكون من واجب الدول الصناعية توفير التكنولوجيا والمال لوقف ارتفاع درجة حرارة الأرض. وأعلنت ميركِل أنّ ألمانيا ستضاعف مساهمتها المالية في الجهود الدولية لمكافحة التغيير المناخي مقارنة بالتزامات عام 2014، حيث كانت ألمانيا قد خصصت مبلغ [https://www.dw.com/ar/%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9] ملياري يورو ليرتفع حاليا إلى أربعة مليارات يورو. وأشارت إلى أنّ نحو 1.5 مليار يورور من هذه المساهمة ستدخل في "صندوق المناخ الأخضر" التابع للأمم المتحدة. في نفس الوقت، وجهت المستشارة ميركِل نداء عاجلا لإنقاذ الغابات المطيرة ليس في الأمازون وحدها بل في أفريقيا في الكونگو. وفي لقاء عقدته مع جماعة "تحالف من أجل الأمازون" على هامش قمة الأمم المتحدة للمناخ، قالت المستشارة في نو يورك، "هناك مثل في ألمانيا يقول ليس هناك شيء جيد إلا ما يتم ّفعله".

ثمّ تطرّق الحوار الى مسألة انتخابات الرئاسة، فتحدّث چومسكي شارحا أسباب اعطاء الطبقة العاملة من البيض صوتها للجمهوري ترامپ. "إنّ عددا كبيرا من هؤلاء كانوا قد صوّتوا لصالح أوباما عام 2008. لقد صوتوا له لسبب واحد فقط. كان شعار حملته (الأمل والتغيير) وكانوا يتعطشون للتغيير ويحلمون بالأمل لأسباب مشروعة وجادة. في عام 2007، أي قبل عام من الكساد الإقتصادي، الذي ضرب البلد، كان العمال يتلقون أجورا منخفضة، تقلّ في الواقع عمّا كانوا يتلقونه عام 1979. وعليه فإنّ الدعوة للتغيير أوقدت في نفوسهم شعلة الأمل باحداث التغيير المرجو. غير أنّ آمالهم تلاشت ولم تأتِ لهم إدارة أوباما بالتغيير، الذي وعدت به وكانوا يتوقعونه. ولذلك فإنّهم في عام 2016 صوتوا لصالح رجل وعدهم أن يحقق لهم ما يريدون ويعوّض عن خيبتهم بالإدارة السابقة. وهذا يعني فرصا لتوفير برامج واقعية وعملية تحقق الآمال فعلا وتحدث التغيير المرجو."

لعل العار، الذي سيلحق بالرئيس الرابع والأربعين، حسب رأيي، أنّه اصبح ووزير عدله، أرِك هولدَر، من أقوى حلفاء المصارف ومؤسسات سوق الأموال في نو يورك بهدف الحصول على التبرعات السخية للحملات الإنتخابية، وهما يعرفان جيّدا أنّ هؤلاء من أشدّ لصوص المال في هذه البلاد. فعلى ماذا احتوت قائمة إخفاقاته، إضافة الى عدم الأيفاء بوعوده للطبقة العاملة؟
صحيح أنّه وقع قانون الاتفاق على الميزانية الامريكية ، تحاشيا لسقوط الإقتصاد الأمريكي في "الهاوية المالية"، ومعتبراً أنّه حقق أحد وعوده خلال حملته الانتخابية بتغيير النظام الضريبي. قال في بيان له، "إنّه بفضل تصويت الديمقراطيين والجمهوريين في الكونگرس فإنه سيوقع على قانون يرفع الضرائب على الأكثر ثراء والذين يشكلون 2% من الأمريكيين، فيما تتفادى الطبقة الوسطى ارتفاع الضرائب، ما كان سيعيد الاقتصاد الأمريكي إلى حالة الركود ويؤثر بشدة على العائلات في كافة أنحاء البلد." غير أنّه خلال السنوات [https://www.akhbaralaan.net/business/2013/01/02/obama-signs-agreement-avoid-financial-abyss] الثماني في الحكم، فشل أوباما في تحقيق أحد وعوده الانتخابية، وهو إغلاق معتقل گوانتَنامو، الذي يرمز إلى تشديد تدابير الولايات المتحدة للتصدي للإرهاب بعد اعتداءات ايلول 2011. ورغم المحاولات المتكررة، لم يتمكن أوباما من تخطي عقبة الكونگرس. ففي بداية 2016، قدم خطة تحدّد 12 موقعا على الأراضي الأمريكية من شأنها استقبال المعتقلين، لكنّ جهوده ذهبت أدراج الرياح.
في عهد أوباما، شهدت الولايات المتحدة أحد أكبر حوادث إطلاق النار في تاريخها يوم 14 كانون الأوّل 2012، حين هوجمت مدرسة ابتدائية في مدينة نوتاون بولاية كنَتِكت فقتل منفذ الاعتداء 27 شخصا بينهم 20 طفلا، ثم انتحر. يومها قال أوباما "إنه أسوأ يوم في رئاستي"، ورغم ذلك لم ينجح في مراجعة قانون امتلاك الأسلحة النارية. لقد تتالت حوادث إطلاق النار خلال فترة حكمه، وبينها هجوم أورلاندو ودالَس، ولم يكن الرئيس قادرا سوى على التعبير عن استيائه فأكد "هذا هراء" معربا عن أسفه من تكرار هذه المآسي التي أصبحت شبه "روتينية" في المجتمع الأمريكي.
خيّب أوّل رئيس أسود في تاريخ الولايات المتحدة، والذي انتخب بفضل دعم كبير من الأقليات، الآمال حيال مسألة اللامساواة العرقية. وحرص أوباما على ألّا يبدو رئيسا لأقلية معينة فاتسمت مواقفه بحذر شديد إزاء تعاقب الأحداث عن مقتل سود برصاص الشرطة، رأى فيه العديد تخاذلا سياسيا تجاه معضلة العنصرية. من جهة أخرى أصدر أوباما قرارا رئاسيا يتيح لأبناء المهاجرين البقاء في الولايات المتحدة لكنّه لم يترجم هذا الموقف بسن قوانين مناسبة، فأكد المحللون أنّ بإمكان خلفه أن يلغي ويبطل هذا القرار بسهولة فهو بذلك لا يضمن أية حقوق للبقاء في البلاد لهؤلاء المهاجرين.
من فشل قمة كوبنهَيگِن في 2009، استخلص أوباما عبرة أساسية، مفادها أنّ المفاوضات الدولية حول المناخ لا يمكن أن تؤدي إلى نتيجة دون اتفاق بين الولايات المتحدة والصين، أبرز مسببين للتلوث في العالم. وكان بعد ذلك أحد أبرز مهندسي الاتفاق العالمي حول المناخ الذي عقد في باريس أواخر 2015. لكنّ حصيلته في هذا الملف تمكن ترامپ أن يبددها بالإنسحاب من اتفاقية پاريس .
بعد أن وعد أوباما خلال حملته الانتخابية بالانسحاب الكامل من أفغانستان عام 2016، وبعد أن بدأ في سحب القوات تدريجيا، انتهت ولايته تاركا فيها 8400 جنديا أمريكيا. ولكن يرى قسم من مراقبي الشأن الأمريكي أنّ قرار أوباما الإبقاء على هؤلاء قرار رصين أمام فشل قوات الأمن الأفغانية في التصدي للهجمات الإرهابية والسيطرة على الوضع الأمني بشكل كامل. كما أرسلت الولايات المتحدة التي كانت تقود حربا على تنظيم الدولة الإسلامية قوات عسكرية إلى العراق مجددا لدعم القوات العراقية حتى تتمكن من استعادة السيطرة على المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم المتطرف. أجج ذلك مخاوف شديدة بعد أن خرجت الولايات المتحدة من "المستنقع العراقي" عام 2011. [https://www.france24.com/ar/20170111] وحتى إنْ كان أسامة بن لادن قد قتل في غارة أمريكية جريئة، والكلّ يتذكر كيف كان أوباما يتابع العملية مباشرة في "غرفة العمليات"في البيت الأبيض، فإنّ الحرب على الإرهاب لم تنتهِ.
كرّس چومسكي الحوار الثاني عشر، الذي دار بينه وبين زميله بارسَميان، عن طريق البريد الإلكتروني بتاريخ 20 حزيران من عام 2017، للحديث عن رئاسة ترامپ. كان هذا قد دخل البيت الأبيض قبل ستة شهور. قال، "الآن والإنتباه منصبّ على آخر شطحات ترامپ الجنونية، فإنّ رايَن والزمرة المحيطة به ضمن السلطة التنفيذية العليا، يعبثون بالتشريعات القانونية لإضعاف ما يتعلق منها بحقوق العمال وحماية المستهلكين والحاق الأذى بالمجتمعات الريفية والبيئة. إنّهم يسعون لتدمير البرامج الصحية والغاء الضرائب المفروضة على ذوي الدخول العالية، بقصد إثراء اصحابهم أكثر فأكثر، وبالتالي نزع الشرعية عن قانون دَود - فرانك، الذي فرض وضع قيود على الأنظمة والمؤسسات المالية المتغوّلة، والتي كانت في حالة تخمة متناهية نتيجة جني الأموال والأرباح خلال فترة سيطرة افكار اللِبرالية الجديدة."
إنّ ترامپ في رأي چومسكي ليس سوى واجهة مضحكة، مهرّج تحركّه من خلف الستار زمرة من اقصى اليمين في الحزب الجمهوري لتحقيق غاياتها واهدافها في السيطرة على النظام القضائي وحشوه بانصارهم، وصولا الى المحكمة العليا. وفي رأيه أيضا، "إطلاق آلات التدمير، التي حرّكها الحزب الجمهوري ووفّر لها القوّة. في الحقيقة، لم يعد هذا الحزب حزبا سياسيّا وفق المفهوم التقليدي." ثم يمضي للإستشهاد بالمحللين السياسيّين المحافظين، تومَس مان ونورمَن أورنستين، اللذين وصفا الحالة بشكل دقيق بأنّها "تمرّد راديكالي Radical Insurgency، تخلى عن السياسات البرلمانية الإعتيادية وتجاوزها."
يتابع چومسكي نشاطات الزمرة اليمينية فيفضح عمّا اعلنته صراحة بشأن، "الإنسحاب من اتفاقية پاريس حول المناخ، وعزلوا بذلك الولايات المتحدة عن بقية انحاء العالم وجعلوها دولة منبوذة ترفض الإشتراك في الجهود العالمية لمواجهة أزمة تغيّر المناخ، التي تلوح في الأفق وتهدّد بخلق كوارث بيئية مدمّرة للغاية. وأسوأ من ذلك، فإنّهم يحاولون زيادة أقصى حدّ ممكن لاستخراج الوقود الأحفوري وتوفيره لأغراض توليد الطاقة، والغاء كافة اللوائح المتعلقة بحماية البيئة، وقطع تمويل البحوث وتطوير بدائل مصادر الطاقة، التي ستكون خلال وقت قصير من مستلزمات العيش الكريم. "
يتنبأ چومسكي بأن،"ادّعاءات ( يطلقها ترامپ باستمرار) من هذا القبيل قد تقود الى تفكك النظام السياسي الأمريكي الراسخ من خلال سيادة حزب واحد يتنافس فيه على السلطة جناحان له، بحيث تنحاز الكتل الإنتخابية لهذا الجناح أو ذاك من حملة انتخابية الى حملة أخرى. لربّما سيسمح التنافس بين هذين الجناحين بايجاد فرصة لبروز حزب شعبي. حزب يحظى بتأييد الكتل الإنتخابية الفعلية وتكون له قيم تستدعي الإحترام وتستحقه."
في الأشهر القليلة الماضية ومع تزايد الإجراءات لمواجهة تفشي فيروس كورونا المستجد، التي تضمّنت حظر العديد من البلدان حول العالم السفر إليها ومنها، بدت أزمة الجائحة بمثابة "اختبار هائل" للعولمة والفلسفات التي سادت العالم المعاصر منذ الحرب العالمية الثانية مثل "السوق الحرة" ومبدأ "عدم تدخل الدولة في الاقتصاد،" بينما تعيش المجتمعات التي اجتاحها كورونا حالة من الصدمة والخوف بأن يقضي الفيروس على شعوبها. في أحدث حوار له مع موقع تروث أوت الأمريكي غير الربحي، ناقش المفكر وعالم اللسانيات نُعوم چومسكي أستاذ علم اللغة في معهد ماسَچوِسَت للتكنولوجيا، ومؤلف العديد من الكتب والمقالات، كيف أنّ "الرأسمالية النيولِبرالية نفسها تقف وراء التعامل الفاشل للولايات المتحدة مع جائحة كورونا." قال چومسكي إنّ الوباء كان متوقعا قبل ظهور جائحة كورونا بوقت طويل، لكنّ الإجراءات الاستباقية اللازمة للتعامل مع مثل هذه الأزمة منعتها الضرورات القاسية لنظام اقتصادي لا يهمه منع وقوع كارثة مستقبلية لأنّ ذلك غير مربح اقتصاديا.
أوضح المفكر الأمريكي، المعروف بنقده الحاد لما يسميه "اللِبرالية المتوحّشة" وللسياسة الخارجية لحكومات بلاده، أنّ الولايات المتحدة لديها أسوأ سجل في الاستجابة للأزمة، مبينا أنّ العلماء حذروا من الجائحة لسنوات، خاصة منذ وباء سارس عام 2003. كان الوقت مناسبا منذ ذلك الحين للبدء في تطبيق أنظمة الاستجابة السريعة استعدادا لتفشي المرض، وتخصيص الطاقة الاحتياطية اللازمة، وكان من الممكن أيضا اتخاذ مبادرات لتطوير دفاعات وأنماط علاجية للفيروسات ذات الصلة.
إستدرك چومسكي قائلا، لكنّ الفهم العلمي ليس كافيا، "يجب أن يكون هناك شخص ما يلتقط الكرة ويركض بها"، لكنّ هذا الخيار ألغي بسبب أمراض النظام الاجتماعي والاقتصادي المعاصر. وتابع "كانت إشارات السوق واضحة، ليس هناك ربح في منع وقوع كارثة مستقبلية. كان يمكن أن تتدخل الحكومة، ولكن هذا ممنوع بسبب عقيدة "الحكومة هي المشكلة" الرأسمالية الحاكمة، مما يعني أنه يجب تسليم عملية صنع القرار بشكل كامل إلى عالم الأعمال. وهو عالم مكرّس للقطاع والربح الخاصّ، وليس فيه أولئك الذين قد يهتمون بالصالح العام". وأضاف "لقد أعطت السنوات التي تلت ذلك جرعة من الوحشية النيولِبرالية للنظام الرأسمالي غير المقيد وأنتجت أشكالا ملتوية من الأسواق،" بحسب تعبيره.
تمّ الكشف عن عمق هذه الأمراض الرأسمالية وحالات الفشل الدراماتيكية، بالنظر للافتقار لأجهزة التنفس الاصطناعي التي تعدّ أساسية لمواجهة الوباء. وقال چومسكي، إنّ وزارة الصحة الأمريكية تنبأت بالمشكلة قبل وقوع الجائحة، وتعاقدت مع شركة صغيرة لإنتاج أجهزة تنفس اصطناعي غير مكلفة وسهلة الاستخدام. ولكن بعد ذلك تدخل المنطق الرأسمالي، يتابع چومسكي ، فقد اشترت شركة كبرى (كوفيديان) تلك الشركة، وقامت بتهميش المشروع. و"في عام 2014، مع عدم تسليم أجهزة التنفس الاصطناعي المطلوبة إلى الحكومة، أخبر المسؤولون التنفيذيون في شركة كوفيديان المسؤولين في وكالة الأبحاث الطبية الفدرالية الأمريكية أنّهم يريدون فسخ العقد، وفقا لثلاثة مسؤولين اتحاديين سابقين. واشتكى المسؤولون التنفيذيون من أنّه غير مربح بما يكفي للشركة." [https://www.aljazeera.net/news/cultureandart/2020/4/6/]
سلطت هذه الأزمة، بحسب رأي چومسكي، الضوء على المخاطر الصحية التي تتسبب فيها الاستعانة بالشركات الخاصة، التي تركز بدورها على جني الأرباح بطريقة لا تتفق دائما مع أهداف الحكومة في الاستعداد لأزمة مستقبلية. وقال المفكر الأمريكي إنّه وفقا للعقيدة النيولِبرالية، كما نظّر المفكر الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل مِلتُن فريدمَن، فإنّ مهمة مديري الشركات هي مضاعفة الأرباح. وأيّ انحراف عن هذا "الالتزام الأخلاقي" من شأنه أن يحطم أسس "الحياة المتحضرة."
تابع چومسكي بأنّ أزمة جائحة كورونا، ستكون تكلفتها شديدة وربما مروعة، لا سيما بالنسبة للفقراء والفئات الأكثر ضعفا، ويرى أنّ الإدارة الأمريكية الحالية، التي تلقت تحذيرا مسبقا من احتمال حدوث جائحة، تعاملت بطريقة تجارية مع الأزمة مما قد يجعلها أكبر جريمة في التاريخ، إذا نظرنا للعواقب. وقال چومسكي إنّه يسهل إلقاء اللوم على ترامپ في الاستجابة الكارثية للأزمة، "ولكن إذا كنّا نأمل في تجنب الكوارث في المستقبل فيجب أن ننظر وراء ذلك، لقد جاء ترامپ إلى منصبه في مجتمع مريض، يعاني من 40 عاما من النيولِبرالية"، وتابع المفكر الأمريكي "كانت النسخة النيولِبرالية للرأسمالية سارية المفعول منذ فترة رَيگِن ومارگرَت ثاچَر"، معتبرا أنّ كرم رَيگِن تجاه الأثرياء له صلة مباشرة بما يجري اليوم، وأدّى ذلك لتغيرات سياسية لها عواقب وخيمة، وتمّ تصميم السياسة لتكون لصالح أقلية صغيرة بينما يتخبط الباقون. أضاف چومسكي [https://www.aljazeera.net/news/cultureandart/2020/4/6/] في تعليق لافت أنّ أولئك المهتمين بإعادة بناء مجتمع قابل للحياة من بين الحطام الذي ستتركه الأزمة الحالية، من الأفضل أن يستجيبوا لدعوة المؤرخ فيجَي برَساد، الذي قال، "لن تعود الأمور إلى طبيعتها، لأنّ الوضع الطبيعي كان هو المشكلة."
حالفني الحظ طوال وجودي في الولايات المتحدة لأكثر من 40 عاما أن احظى بمطالعة الكثير ممّا كتب الفيلسوف الكبير چومسكي وما تحدث به وما ساهم فيه من الندوات، التي حضرتها شخصيا كطالب دراسات عليا ومن بعد كأستاذ في اعرق الجامعات والكليات. كان يحضر ويحاضر برفقة المفكرين الكبار، هَوَرد زِنّ وإدور سعيد وإقبال أحمد ومايكِل كلَير ونِك تورس، وأحيانا منفردا. تأخذك متعة ساحرة تغرق فيها حين تتابع كلامه الهادئ وافكاره العميقة وتحليلاته المنطقية واسلوبه المتميز وجمله المقتضبة. ترجمت له من قبل كتابين هما "وداعا للحلم الأمريكي" Requiem for the American Dream عام 2017 و"عن الإرهاب الغربي" On Western Terrorism عام 2018. وهذه ترجمتي لكتاب آخر له وهو في سن 92 عاما. إنّه فكر نادر يتوجب على القارئ العربي أن يغرف منه قدر المستطاع. سيكون ما اطلعت عليه أخيرا من كتبه، What kind of Creatures Are We? "أيّ صنف من المخلوقات نحن؟" مشروعا قادما.
تساعدنا افكاره أن نستوعب ونفهم هذا الكوكب شديد الازدحام، والملوّث بالقسوة والغطرسة وشبق التوحش. أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، جهارا نهارا أنّ مصالحها هي الأبدى، وأنّ هيمنتها هي الأبقى وما على العالم، بدوله وشعوبه وخيراته، إلّا أن يكون في خدمة هذا اليانكي المتغطرس. أشعلوا الحروب بمختلف أنواعها، والحصار والعقوبات والنهب والبلطجة... لم تردعم رادعة أو توقفهم حدود. جاروا واستبدّوا، صنعوا الإرهاب على شاكلتهم وموّلوه ونشروه كوباء ابتُيلت به البشرية. وها هم اليوم يبتزّون، وبالأخص حلفائهم، من أجل كسب مال إضافي كانوا قد نهبوا جلّه آنفا. على تلك الأرضية، تصبح آلية المواجهة واضحة، كسر الإمپريالية الأمريكية وسلطتها على العالم هو فعل أملٍ لكلّ الشعوب. ومنع الهيمنة والسيطرة والتدخّل ولجم السرقة الموصوفة، باسم اخضاع اقتصادات العالم للتعامل بالدولار، كي يسهل التحكم. أصبح هذا بدوره ممرّا إلزاميا لوقف القهر والثورة عليه. إنّ فتح أفق آخر أمام البشرية مساراته تناقض ما هو سائد وتتعارض معه، أضحى ضرورة موضوعية تستوجبها حالة العالم المثقل بتداعيات أمراض الرأسمالية وآفاتها.
يتوجب التذكير بأنّ أمريكا تلجأ إلى التقيّة، عبر خبراء وإعلاميّي الإمبراطوريّة. يندرج كافة مراسلي ومراسلات إعلام الغرب في بلادنا العربية ضمن خانة إعلام الإمبراطوريّة الذي لا يشذّ عنه إلا قلّة قليلة، مثل الراحل أنتوني شْديد. هؤلاء، مثلاً، يحجبون حقيقة السيطرة الأمريكيّة، عبر نسب السيطرة في بلد ما إلى أعداء أمريكا، فتصبح إيران هي النافذة في العراق، فيما قوّات الاحتلال الأمريكي تتحرّك وتقصف وتقتل، من دون أيّة مشاورة مع حكومة البلد المُضيف. وها قد نصّبت أمريكا في العراق، رجلاً كان قد وقّع على رسالة شكرٍ لكلّ من بُش الإبن وبلير، لغزوهما العراق واحتلاله. تتلمذ مصطفى الكاظمي على يد كنعان مكيّة، الابن المدلّل للمحافظين الجدد والحاصل على دكتوراه فخريّة من جامعة إسرائيليّة. ولكن لا تجد كلاماً في الصحافة عن الهيمنة الأمريكيّة في العراق، ولا ترى ثوّارا يعترضون على التدخّلات الأمريكيّة وعلى صفاقتها، ورئيس الجمهوريّة العراقيّة صنيعة أخرى للإحتلال الأمريكي.
إنّ الناس، بعد تأثر اقتصاد الدول الأفريقية بسبب الاضطرابات وتزايد معدلات العنف وانعدام الأمن الغذائي، بدأوا يتحركون من جديد. وقد دقّ جرس الإنذار بالفعل في الاتحاد الأوروبي الذي بذل جهودا كبيرة منذ عام 2015 من أجل إبقاء هؤلاء الوافدين بعيدا، بينما حاول أكثر من مليون شخص، فرّ معظمهم من مناطق الحروب في الشرق الأوسط، العبور إلى أوروپا بحثا عن الأمان. وهناك على امتداد الساحة العربية، سعت واشنطن، خلال العقد الأخير، إلى تحطيم الأعداء العرب واستنزافهم قدر المستطاع وسحق الدول المعاندة وإنهاء القضية الفلسطينية، وتمكين أنظمة الاستبداد الموالية وشحن الغرائز والصراعات، بما يضمن إسرائيل آمنة ورادعة، وخليجاً مستقرا، ومصر مستَتبعة ساكنة، ومشرقا مشتعلا ومنقسما ومحاصَرا من لبنان وصولا إلى إيران.
إنتخابات الرئاسة الأمريكية القادمة ستجري في شهر تشرين الثاني القادم، وكوابيس الجهل والغباء والتهريج ما زالت تبسط بظلالها على اجواء هذه البلاد. ولا مناص من أن يبرز في الذهن سؤال مبرّر في ضوء الأعداد الهائلة لضحايا وباء الكورونا من المواطنين الأمريكيين. في الوقت الذي اقترب فيه فيروس كورونا من إصابة 12 مليون شخصا حول العالم، تخطت أعداد المصابين بالوباء حاجز المليون الثالث في الولايات المتحدة الأمريكية، وسط تبادل للاتهامات بين ترامپ ومسؤولي الصحة بإدارته حول أسباب ارتفاع الإصابات القياسي، وما قد تؤول إليه الأمور في الأسابيع المتبقية على موعد الانتخابات الرئاسية الأشرس على الإطلاق. "التقارير بشأن أعداد الوفيات التي قد تتسبب فيها الجائحة في الولايات المتحدة، أظهرت أنّ 200 ألف أمريكيا ربما يفقدون حياتهم بحلول تشرين الثاني المقبل. وهذا يعني أنّ أكثر من 70 ألفاً قد يموتون خلال الأشهر الأربعة المتبقية على الانتخابات الرئاسية." [https://arabicpost.net/%d8%aa%d8%ad%d9%84] هل ستستمر هذه الكوابيس؟ الجواب عندي نعم. في اعتقادي وفي ضوء ادراكي لمشاعر العنصرية المتجذرة في بعض من المجتمع الأمريكي، هناك احتمال ممكن بأنّ الناخبين سيعطون هذا السوقي المخبول الجاهل المصاب بجنون العظمة مدة أربع سنوات أخرى. سيستمرّ في تهريجه وبعث رسائله اليومية، التي تفتقر الى الصدق والذوق وتُكتب دائما بلغة الشوارع ووفق مستلزمات العهر السياسي، وكرئيس استفزازي بلا غطاء لا يتورع هو والزمرة المحيطة به عن التفنن بخلق المزيد من المشاكل. آخرها الإنسحاب من منظمة الصحة العالمية وفي هذه الظروف بالذات، وبالأمس أوامره بترحيل الطلبة الأجانب إذا لم تفتح الجامعات ابوابها وتستأنف الدراسة كالمعتاد!
مَن يدري؟


د. محمد جياد الأزرقي
أستاذ متمرس، كلية ماونت هوليوك
قرية مونِگيو، ماسَچوست، الولايات المتحدة
12/7/ 2020



#محمد_الأزرقي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في كتاب جيمي متزل إختراق نظرية دارون
- قراءة في كتاب دانيل إلزبرگ آلات الفناءـ اعترافات مخطط امريكي ...
- قراءة في مذكرات سيمور هيرش
- قراءة في كتاب لن نصمت
- قراءة في كتاب چومسكي -وداعا للحلم الأمريكي-
- قراءة في كتاب چومسكي عن الإرهاب الغربي
- العواقب: مذكرات محقق أمريكي
- قتل أسامة بن لادن ومسالك الجرذان في سوريا
- قراءة في كتاب تفعيل الديمقراطية لمعالجة ازمات الرأسمالية
- قراءة في كتاب عصر التنمية المستدامة
- لورنس الآخر
- لورنس الآخر: حياة روبرت أيمز وموته
- ألسباق للفوز بما تبقي من المصادر الطبيعيّة
- دور حكايا الساحرات الخيالية في النمو النفسي والعقلي للأطفال
- قراءة في كتاب ألمسألة ألأخلاقيّة وأسلحة الدّمار الشّامل مقار ...
- غرباء مألوفون
- التملص من جرائم التعذيب في السجون الأمريكية
- الأمل الوهم - أوباما والصراع العربي الصهيوني (الحلقة الثالثة ...
- الأمل الوهم - أوباما والصراع العربي الصهيوني (الحلقة الثانية ...
- الأمل الوهم - أوباما والصراع العربي الأسرائيلي (الحلقة الأول ...


المزيد.....




- هل تصريح نتنياهو ضد الاحتجاجات في الجامعات يعتبر -تدخلا-؟.. ...
- شاهد: نازحون يعيشون في أروقة المستشفيات في خان يونس
- الصين تطلق رحلة فضائية مأهولة ترافقها أسماك الزرد
- -مساع- جديدة لهدنة في غزة واستعداد إسرائيلي لانتشار محتمل في ...
- البنتاغون: بدأنا بالفعل بنقل الأسلحة إلى أوكرانيا من حزمة ال ...
- جامعات أميركية جديدة تنضم للمظاهرات المؤيدة لغزة
- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد الأزرقي - قراءة في كتاب (الإستياء العالمي) لچومسكي