أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ذياب فهد الطائي - ضوء / رواية















المزيد.....

ضوء / رواية


ذياب فهد الطائي

الحوار المتمدن-العدد: 7966 - 2024 / 5 / 3 - 00:48
المحور: الادب والفن
    


عود على بدء
2022








حين صحوت كان صباحا صيفيا يغمر بغداد ،فتحت عيني ببطء وتحسست الشراشف البيضاء ،رأسي كان ثقيلا بعض الشيء ، كنت اعرف إني قد تعرضت لحادث في الشارع ،تطلعت نحو الستائر المسدلة على الشباك العريض ،كانت ثقيلة لتمنع ضوء الشمس الصيفية من الدخول الى الغرفة ، خضراء يتماوج عليها ضوء المصباح المعلق ، لم تبدأ الحركة في المستشفى بعد فما زال السكون يسود المكان ،شعرت بحالة سلام شامل تتسلل الى كياني ، راحة لذيذة تملأ نفسي ،حاولت أن أنهض ولكني لم أفعل فقد استمتعت بمد أطرافي ، أفردت يدي وتنفست بعمق ، هذه ذات الحالة التي جلست فيها انتصار عصر نهار صيفي ولكن في استكهولم ،كانت نسائم باردة تعبر المدينة الضاجة بالحركة ،قالت بأنها تشعر لأول مرة بحالة غريبة من الهدوء الشامل ،قلت لها لأن نهارك كان متعبا فإعداد الميزانية منهك بسبب التركيز على مئات الأرقام ،
ذهبت الى الحمام وعادت وفي عينيها بريق غريب يضج بالبهجة وسمعتها تغني وهي امام المرآة تنشف شعرها الذي ما زال فاتنا بكثافته ولونه الأشقر ....يا نبعة الريحان حنّي ...كان كل هذا غريبا....ولم اسمعها بهذا الصوت الرخيم وهي منسجمة تماما مع الاغنية ....كنا نخطط لزيارة العراق في الشهر التالي وكانت منشغلة بما ستشتريه هدايا للأهل والأصدقاء ...اشترت أولا لعائلة رياض وكان يفترض أن نذهب غدا لاستكمال الباقي....قلت لها إذا طابت النفوس غنّت ...عرف الانسان الغناء قبل كل أنواع المعرفة الفنية ....قالت حتى قبل السحر والتفتت نحوي وهي تغمز بعينها
في الصباح كنت كالعادة أجلس مبكرا ..بعد ان أعددت الفطور ذهبت لإيقاظها ...فتحت الستارة التي يطل شباكها على الحديقة وأنا اردد نؤوم الضحى ريّا الخلاخل ، ولكنها لم تتحرك أو تفتح عينيها كعادتها تتطلع اليّ
كانت ما تزال بغفوتها كما تصورت ، تقدمت ....كانت يدها اليسرى مدلاة خارج السرير، حين رفعتها أحسست بها باردة ، وضعت يدي على خدها وقد تحرك في قلبي خوف مبهم ، كانت انتصار قد رحلت حتى دون وداع،
في بغداد استقبلنا رياض ومنى وبعض المعارف ، لم أقف عند القبر وهم يهيلون التراب على جثمانها ، كان فراغ يقبض على قلبي وأحس بأني محشور في مكان ضيّق يصعب فيه التنفس ،فتحت أزرار قميصي وترنحت ، قال رياض بأنه التفت ليجدني ممدا على تراب المقبرة،
حين عدت الى استكهولم لم أذهب الى البيت فقد شعرت إني غير قادر على الدخول اليه ، ذهبت الى فندق مجاور ،كنت اتناول وجبتي طعام جالسا على كرسي أمام الشباك أتطلع الى مجاميع الداخلين والخارجين الى محطة قطار فرعية ،كانت الانطباعات على الوجوه متباينة ولكن على العموم جادة عدا بعض المتسكعين الذين يعرضون بضاعة ما على أشخاص ينتقوهم بفراسة وخبرة في التعامل ،تقف أمامي انتصار بضفيرتها الشقراء وابتسامتها الطفولية ثم تختفي بين الزحام في باحة المحطة،
اندفع طائر أبيض الريش بقوائم قصيرة ليرتطم بالشباك ويقف على الإفريز متطلعا الى داخل غرفي باستغراب وهو يرفع منقاره كأنه يتشمم رائحة ما ،فتحت الشباك ورميت له قطة من الخبز نظر اليها ثم تحول اليّ وارتكز على رجل واحدة وترك الافريز وكأنه يسقط حرا الى الأسفل ثم رفّ بجناحيه وحاول الطيران ، كان يبذل جهدا كي يطير ...حطّ على شجرة كرز تفتحت أزهارها وضم جناحيه بقوة،
ربما كي يستعيد القدرة على الطيران ،كنت أتابعه بشف أحسست به لأول مرة منذ وفاة انتصار .
سنتين كنت خلالهما غير قادر على التفاعل مع أي من أنشطة الحياة المتنوعة ،كنت أتحدث مرتين في الأسبوع مع رياض وأحيانا مع ابني حسن، وجدت أني لا يمكن أن أستمر على هذا النحو ، حاولت أن أعود الى الكتابة لكني بدأت أفقد التركيز ، كانت الجامعة قد قررت تنسيبي الى قسم البحوث والدراسات وهذا يعني أن أتفرغ للقراءة ومن ثم الكتابة في المواضيع التي ترغب فيها إدارة الجامعة ، كنت في نهار رائق أجلس في البيت تحت شجرة السنديان حين زارني أحد الأساتذة ،قال بأنه يحتاج الى رأيي في قضية تتعلق بالسياسة النقدية في ظل التضخم ...تحدثنا لأكثر من ساعتين ...حين استأذن قال-دكتور عبدو هل استطيع أن أطلب منك شيئا شخصيا ؟
-نعن إن كان ممكنا
-إذا ما قررت الذهاب الى العراق أرجو أن أذهب معك .
-ولكن ليس في مخططي مثل هذا المشروع
-جسنا إن فكرت
- لابأس
ليلا اتصلت برياض ودار حديث متشعب وحين أخبرته بطلب زميلي السويدي رحّب بزيارته وقال بأنه سيكلف أحد الموظفين في بغداد بالعناية به ،ثم كمن يستدرك أمرا،
قال-لقد ذكرتني....لقد عرض علي مدير فرع الشركة في بغداد ، أنت تعرفه ،محسن ، المهندس المعماري خريج النمسا ،بيته والذي هو مشتمل بمساحة مئة متر ، حين عاينته وجدته تحفة معمارية نادرة والبناء يزاوج بين العراقة في الحضارة العراقية ، والحداثة كما هي عند زها حديد ، ما رأيك بأن تشتريه ،
-ولكن ليس في مخططي السكنى في بغداد ثانية
بعد نقاش وافقت ، كلفّ رياض أحدى مهندسات الشركة بالاهتمام بتأثيثه والقيام بما يلزم لعمل ديكور من المهم أن يتميز بشيء من البهجة والرفاهة .
دخلت الممرضة الهندية وهي تلاحق ابتسامتها ...صباح الخير
-صباح الخير
أرجو أن تكون قد تحسنت
-نعم
-سأفتح الشباك الاخر
كانت الشمس قد انحرفت قليلا وبدت الحديقة الخلفية مزهوة بصف من النخيل بينها نبتات من زهور مختلفة
قلت – بودي أن أغني
توقفت عن مسح الطاولة وتوجهت الى الباب لتغلقه
-انا اسمعك رغم أني لا اعرف من العربية غير السلام عليكم
تذكرت انتصار ...قلت في سري ...هذه آخر ليالي عمري ،احترت أية أغنية أختارها،
قلت للممرضة ساعديني أعود الى الفرش ، ألن تغني ...احب منظر النخلة وهي مليئة بالثمر ، لن أغني فمن كنت أود أن يسمعني رحل وتركني للوحدة
قالت الممرضة -هاتفك يرن
لم تلحق به ، كانت ابتسام ،أرسلت نصا على الوتس آب تعتذر إنها لن تحضر بسبب مرض ابنها ومرافقتها له في المستشفى وتتمنى لي الشفاء وتعدني بأن تحضر حال تحسن حالة ماجد ....لم أرد عليها
شعرت برغبة في النوم ....مضت بضع ساعات حين حضر الطبيب المسؤول
-حسنا ...وضعك غريب بعض الشيء فالتحسن الذي طرأ لا يتماشى مع التحاليل والفحوص ، ربما هو لطف من الله
لم أرد عليه ، كنت أكثر قناعة بأني سأرحل خلال الليل ، في الصباح عليهم ان يستعدوا لترتيب أمر جنازتي ، ستقف نهايتي عند هذه الليلة وسأرحل وأنا أتوشح الليل، في الساعة الواحدة التي كانت تؤشرها ساعة الحائط في الغرفة شعرت إني أسترخي ، وزارتني أحلام كأنها لوحة تجريدية تتداخل فيها الألوان والصور وتترافق معها أصوات ملتبسة كأنها تتقصد ألا تعني شيئا، حاولت أن أهرب فوجدت نفسي في المقبرة عند قبر انتصار ،كانت عند قبرها دائرة من ثلاث حلقات من نساء يتوشحن عباءات سود ، لم اتبين وجوههن ، كنّ صامتات ينظرن الى القبر ،قلت ماذا يحصل؟ ساد صمت وغابت الشمس وراء غيمة قادمة من الجنوب ، قالت امرأة لم اتعرف عليها ولكن الصوت كان ينضح حزنا ..نزور أختنا فقد ظلت وحيدة !!
قامت امرأة من الحلقة الثالثة وهي تخرج من تحت عباءتها شتلة ورد بثلاثة الوان ....الاحمر والأصفر والأبيض ..تذكرت إسكندر دوماس وجهده لسنوات في الزنبقة السوداء لا شك ان الذي توصل الى نبتة بثلاثة الوان قد عانى الكثير....وضعت المرأة الشتلة عند رأس انتصار بشيء من المهابة وهي تنحني ...انتحبت النسوة ولكن بصوت هادئ وهن يغطين وجوههن لعباءاتهن ويختفين في المقبرة
حين فتحت عيني كانت الساعة الخامسة تعلنها ساعة الحائط،
دخلت الممرضة الهندية وبيدها كاسه بيضاء وملعقة ،
-قليل من الشوربة سيكون نافعا
-أين ذهبن
- مَن ؟
-النسوة عند انتصار
-ربما الى البيت!!!!!
فجأة شعرت بأني أصحو وإن الممرضة تحاول أن تجاريني ،
-شكرا ولكني أود أن أرحل خفيفا
-لن ترحل وحين تستقر في بيتك عليك أن ترتب لخطبتي فقد قررت أن أتزوجك
-ثانية شكرا لجبر خاطري ولكن تذكريني فقط
شعرت ببضع قطرات من الماء تنساب ببطء وصوت نحيب متقطع ..سمعت الممرضة تقول
-اسمع نقرا على الباب ،هل تسمح لي؟
كان الباب مواربا وهي تقف سادة الطريق ، كان همسها يصلني متقطعا وغير واضح المخارج ،في الجانب الاخر كان صوت رجل، رنّة الصوت الواطئ تموج في خاطري ولكني لم أحددها ، تهيأت لأن أرى شخصا أعرفه ،اعتدلت فيما انفتح الباب ، كان حسن يخطو مترددا وبحذر ربما ليتفادى احداث صوت قد يضايقني ، كان مرهقا فقد بدت عيناه الخضراوين منهكة يتلألأ فيها كمّ من الدمع يملأ الجفنين فيما بدت شفتاه داكنتان ويهيمن على وجهه ظلال ثقيلة من الحزن ،حتى ملابسه رأيتها قد اختيرت على عجل ، أعرف الى حد هو ينشغل بأناقته .
-بابا
وتوقف عن الكلام فقد خنقته العبرة وتساقط دمعه على وجهي وهو ينحني يقبل جبهتي
ربت على كتفه وقلت له
-اجلس أولا لترتاح
-كيف استطيع الراحة ، ماذا حصل؟
-حادثة سير
-ولكنك تركت القيادة كما اعلم
-الذي كان يقود السيارة هو الذي عمل الحادث
- لا أفهم
-كنت في الشارع حين داهمني مراهق...كنت ضجرا في البيت فخلال أسبوع لم أكلم أحدا وبدا البيت يحاصرني...هكذا ببساطة طرت من منتصف الشارع الى الرصيف...على أية لا عليك ، من أخبرك إني في المستشفى؟
- العم رياض ، كلمني وقال انه لا يمكنه ترك الخالة منى وحدها في مصابة بفيروس الكورونا كما إنه يخشى أن ينقل المرض اليك وطلب مني ان أكون الى جانبك ،
لقد كان عندي ولكن
- حسنا فعلت فأنا مغادر هذه الليلة
-الى أين ؟
-الى انتصار فهي وحيدة
لم يتكلم ، نظر نحوي باستغراب وبشيء من الخوف
-ارجو ان تنتبه الى ما أقوله ،البيت هو ما أتركه لكم ، أما لك ...
-ارجو الا تكمل فلا أنا ولا أخوي بحاجة الى شيء فأمورنا أكثر من جيدة ، ما يمنا أنت
-لا بأس ...دعني أكمل ....لم اترك لكم شيئا فقد تبرعت بما املك .... هذه وصيتي ...الأمر الثاني أن أدفن بجوار انتصار، ألأمر الثالث أن تضع الصورة في كفني فهي تجمعنا نحن الخمسة في مزرعة خالتك في الصويرة ،كنتم صغارا تفترشون الحشيش وانا وانتصار على كرسيين من جريد النخل نشرب الشاي، كانت دائما تشعرني بالبهجة
كان متفاجئا من طريقتي في الحديث وسيطرتي على تسلسله وتأكدي من موتي
قال- سأبات عندك ولهذا سأذهب الى الإدارة لترتيب ذلك
-لن تبات عندي ...الساعة الان الحادية عشر ..يمكنك الذهاب الى البيت أو الى الفندق القريب فهو نظيف والخدمة فيه ممتازة ، يمكنك أن تأتي صباحا ....هذا ليس موضع مناقشة
حين غادرني بدأت أشعر بتعب خفيف ،ضغطت الجرس الموضوع قرب سريري ، كانت الممرضة مناوبة الليل في الاربعينات قصيرة بوجه مكتنز يحمل انطباعا متبرما وتحاول أن تخفف من ذلك بابتسامة بدت خارج إطار المجاملة ، حتى غطاء الرأس الأبيض كان يترك نصف رأسها الأمامي مكشوفا،
-نعم حجي ، مع من كنت تتحدث ، كنت منفعلا
-كأس ماء بارد رجاء
-هل تريد شيئا اخر ...يعني مرة واحدة
- لا شكرا
خرجت تهز يديها بتبرم واضح جعلني أشعر بالأسف لأني طلبت الماء، كان الكأس ممتلئا إلى اقل من نصفه ، وضعته على الطاولة ، فكرت ليس هذا فأل حسن ليكون آخر ما أراه، أغمضت عيني وعدت أشعر بالسلام يشمل كل جوارحي وإني اطفو فوق غيوم مرحة ما تنفك تتحرك بطيش صبياني ،سألت نفسي لماذا نموت ؟ وأجبتها بحكمة من يقف على أبواب الوداع خال من أية مشاعر بالأسف ،في الحياة حقيقتان الميلاد والموت ...الميلاد لنخلف من هم قبلنا والموت لنخلي مكانا لمن بعدنا ....ظلال الظلام تتكاثف وكأنها طبقات تبنى بحرفية ،الضوء الوحيد الذي كان مصرا أن يخترق طبقات الظلال كان مصباح الجهاز المربوط برأسي ، كان وميضه يعني إني ما زلت أعيش ،
الصمت يتمدد في المستشفى وهدوء شامل بدأ يتراخى مع أصوات أحذية تطرق الأرضية في الممر ، كانت الأرضية تلمع بشيء من الزهو فهي من المرمر الرصاصي وهذا ما يجعل أصوات الأحذية النسائية ذات الكعوب الصلدة اعلانا بوجود امرأة تعلن عن وصولها ،
كنت أرغب في ان اتمدد وأفرد ذراعي لأتمطى رغبة ببعض النشاط ولكني لم أملك القدرة ، قوة غامضة تمسك بأطرافي وكأنها تقيدني الى الفراش ، إذا حلّت ساعة الرحيل ، وعزرائيل هو ضيفي ، بدأت مشاعري تبتعد بتؤدة وأغمضت عيني ولكني كنت أرى عالما آخر تحملني عبر طرقه أيد خفية ..ولم يكن حسن قد حضر بعد ولكني كنت ارغب أن أراه فهو يستحق ذلك ،تذكرت إنه كان معي، كيف يكون معي وليس معي!!!
وفجأة اقتحمت تلك الطرق مجموعات عارية ترفع أيديها وهي تتوسل بصراخ حاد، تراخت الأيادي التي كانت تحملني وبدأت انحدر بسرعة الى أعماق يسودها ظلام دامس ولكني لم أشعر بالرعب ، كنت مطمئنا إني سأستقر وإن صلتي بالكون الأرضي قد انتهت ،ولكن رائحة اعرفها كانت تتسرب الى أنفي ....كانت تستولي عليّ راحة عميقة إنها رائحة انتصار ،
لم اشعر اني اغرق كما قرأت مرة في حادث موت ، كنت أهبط باسترخاء ولكن دون إرادتي ، لماذا لا نختار موتنا ، لم ترق لي الفكرة فالموت هو ثاني الحقائق الإنسانية ، الأولى الولادة والثانية الموت وكلاهما لا يملك أي منا القرار بشأنها ، صحيح البعض ينتحر ولكن ذلك ليس بإرادته ،إنه بضغط خارجي ، كنت ممددا على دكة اسمنتية وأربع أيد خشنة تدفع بالماء فوق جسدي ،حاولت ان استفسر لماذا ؟ ولكن صوتي كان محبوسا كما في كوابيسي ، كان الاب بلحيته البيضاء صامتا في حين كان الأبن لا يكف عن الثرثرة عن مشاكل أمه مع زوجته
-الحق يا أبي إن أمي تريد منها أن تكون مجرد خادمة
توقف الاب ورفع يديه اللتين انساب منهما الماء على ملابسه
-لننهي أولا غسيل الميت
كان هذا توثيقا لفترة بقائي على الأرض فبعد بضع ساعات سأستقر في ظلام دائم ،ولن اسمع بعدها أية أصوات ،وحينها فقط لن يكون أمامي أية خيارات فالموت يلغيها
الضوء الذي تشع به الأشياء بدأ يتضاءل ويبتعد ويفرض مع انسحابه وحشة مضنية ، ومع كل حفنة تراب تنهال على جسدي أشعر بالاختناق ،وكان يضايقني إنهم يهيلون التراب على وجهي أولا مما يجعل من عودة الضوء أمرا مستحيلا ، وحين سدّت فتحة القبر بالتراب غرقت في عمق الظلام الدائم الذي كنت أتمثله ولكن وقع الخطى وهي تغادر صوتها أصم و كانت رتابته كأنها تأكيد على إن كل شيء قد انتهى سيما وإن صمتا بلا قرار كان قد ملء جوانب القبر وأصبح من الواضح إن الضوء الذي ينتشر يوميا عند بدء النهار لن يعاود الظهور في عزلتي الأبدية هذه
هذا اليقين جعلني استرخي تماما مستسلما لقدري الذي هو النهاية الطبيعية التي كنت اعرفها ولكنها كانت دائما تتراجع عند قيامي بنشاط ما في مجمل ما أمارسه يوميا سواء في عملي أو عندما أجلس خلف الكومبيوتر لكتابة موضوع معين ،في حكم اليقين الملزم لا بد من التوقف عن هذا الهراء فالضوء لن يعاود الظهور حتي ولو في نهار صيفي في بغداد........في أعماق الظلمة صيرورة حلم مركب لم تستغرق منه فعاليات الحياة الا ومضة سريعة ، ربما مليئة بالأحداث ولكنها تنقضي وتستقر في الذاكرة وأحيانا تسقط حتى من الذاكرة ويبقى الحلم لغزا بحاجة الى إعادة صياغته لمعرفة ماذا يعني أن تولد وأنت محكوم بالموت !!!!!!



#ذياب_فهد_الطائي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهروب الى الغرق
- ضوء /رواية .......1992.......الهجرة الى اوربا
- ضوء / رواية ....التغريب 1984
- حين ينتفض النهر
- من الصحافة اليسارية في العراق /صحيفة العامل
- في الكتابة عن الصحافة اليسارية
- ضوء /رواية ..1974 ..في المعتقل مرة ثانية
- ضوء / رواية ...العودة
- الحب هو السحر
- ضوء..... رواية / الفصل السادس
- تجليات الغربة
- ضوء /رواية /الفصل الخامس
- لا ينفع الهتاف
- ضوء / رواية ...الفصل الرابع
- عند نصب السياب
- عنما سالني العراف
- ضوء /رواية /الفصل الثالث
- ضوء /رواية
- ضوء رواية / الجمعة
- ضوء ....رواية/الفصل الاول


المزيد.....




- بورتريه دموي لـ تشارلز الثالث يثير جدلا عاما
- -الحرب أولها الكلام-.. اللغة السودانية في ظلامية الخطاب الشع ...
- الجائزة الكبرى في مهرجان كان السينمائي.. ما حكايتها؟
- -موسكو الشرقية-.. كيف أصبحت هاربن الروسية صينية؟
- -جَنين جِنين- يفتتح فعاليات -النكبة سرديةٌ سينمائية-
- السفارة الروسية في بكين تشهد إزاحة الستار عن تمثالي الكاتبين ...
- الخارجية الروسية: القوات المسلحة الأوكرانية تستخدم المنشآت ا ...
- تولى التأليف والإخراج والإنتاج والتصوير.. هل نجح زاك سنايدر ...
- كيف تحمي أعمالك الفنية من الذكاء الاصطناعي
- المخرج الأمريكي كوبولا يطمح إلى الظفر بسعفة ذهبية ثالثة عبر ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ذياب فهد الطائي - ضوء / رواية