أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمت شريف - الرحلة 516















المزيد.....

الرحلة 516


نعمت شريف

الحوار المتمدن-العدد: 7909 - 2024 / 3 / 7 - 20:13
المحور: الادب والفن
    


ألرحلة 516
بقلم: نعمت شريف

كانت رحلتنا على متن طائرة البوينك العملاقة التابعة لخطوط جوية افريقية تسير على ما يرام حتى بدأت تتغير في طريق عودتنا، وكانت اول علامة عندما استلمنا خطابا الكترونيا من الخطوط الجوية تطلب منا الاستعداد لرحلتنا الى اديس ابابا ومن هناك الى الولايات المتحدة مباشرة دون توقف، ولم تذكر شيئا عن توقفنا في دولة افريقية اخرى. طمأنتنا موظفة الحجز بان الوقفة هناك مجرد للتزويد بالوقود لا غير.
كانت طائرة الجمبو جيت العملاقة تحمل اكثر من خمسمائة من المسافرين مع امتعتهم، وبطبيعة الحال جزء من هذه الامتعة يحملها المسافرون معهم بعد ان سلموا الحقائق الكبيرة الى قسم الحمل والنقليات لاستلامها في نهاية الرحلة. واما طاقم الرحلة فيتكون عادة من طيارين اثنين وعدد من المضيفات الرقيقات وهن على اهبة الاستعداد لتقديم خدمات الضيافة للمسافرين الذين كان معظمهم من العائدين من زيارة بيت الله الحرام، وعادة يتميزون بالهدوء والتقوى والتسليم لرب العالمين.
كانت الاجواء هادئة رغم اللغط الممزوج باصوات المحركات الضخمة التي تدفع الطائرة لتشق طريقها في عباب الجو والغيوم الهادئة تدفع بعضها البعض باتجاه هو عكس التيار على ما يبدو على ارتفاع اربعين الف قدم. الحقيقة هي انها اننا نحن الذين تسير بنا الطائرة في الاتجاه الآخر والتيارات المترتطمة بعضها بالبعض. كيف لنا ان نهدءها لتعطي صورة مقاربة للهدوء داخل الطائرة، ورغم ان القلق بدأ يظهر على بعض الوجوه لتنعكس على وجوه الاخرين كلما توقف البث لصالح الاعلان من قائد الطائرة الى ضيوفه الكرام.
كان عصام الكاظمي يغالب عواطفه فهو يحلم بلقاء خطيبته عندما تصل الرحلة 516 الى نهايتها. واما احمد الحمامي فكان الانموذج للقلق الوجودي الذي يراوده كل لحظة من حياته المهمومة فهو يحمل بذور القلق الوجودي ليرعاها في نموها الى ان تزهر وتنضج ويأمل في ان يرى الله في نهاية الدرب او ان يطمئن على مقعده في الجنة، على عكس ما يعانيه في الحياة. وعلى عكسه كانت هناك زينب الوجودية ورغم شعورها بالقلق وعدم اطمئنانها لهذه الحياة ولكنها كانت ترى دائما ان القلق هو الحياة ولا حياة بلا معاناة وانه لاحياة بعد الموت، ولابد ان تستمتع بما تراه مناسبا في مجتمعها المحافظ وتعتبر نفسها متحررة تستطيع مواجهة النقد والدعوات الصريحة للعودة الى طريق الله. كانت احيانا تتظاهر بالايمان عندما ترى لا جدوى من النقاش مع من ينتقدها ويدعوها للايمان، واحيانا اخرى تشعر بالنشوة العميقة عندما تعلن التمرد وتعبرعن نفسها بلا وجل او خجل، واحيانا تتمنى لو كانت كالاخرين تسير في دروب الحياة تعيش لحظات الفرح والسعادة واحيانا لحظات القنوط واليأس فكلاهما وجهان لعملة الحياة النادرة. وعلى الجانب الاخر كان صفوان الكردي يقبع في مقعده مطيلا التفكير في هموم الامة، لماذا خلقنا الله نحن الكرد في هذه البقعة، يتقاسمنا الوحوش وينهش في اجسامنا ابناء جلدتنا الذين لا يقلون شراسة عن جيراننا من الوحوش الكاسرة والغيلان المرعبة! ماذا عليه ان يفعل وما هي رسالته في الحياة؟ من اين يبدأ والى اين سينتهي؟ لقد قضى زعماء الكرد المخلصون لامتهم وغيرهم دون جدوى. وهكذا كانت الافكار تتصارع في راسه الشاب ذي العشرين عاما لا غير. يقرأ الكثير من التاريخ ويفكر كثيرا في السياسة، ويلعن الساسة والسياسيين والامم المتحدة اكثر. انه عصر الجيوش الكاسرة والاسلحة المدمرة الفتاكة، ومن هنا يبدأ يفكر في همومه الانسانية، ماذا وكيف ستنتهي؟ او ان المعاناة الكبرى على مر العصور رافقت ولا تزال، او بالاحرى تنبع من الطبيعة البشرية! لماذا خيرنا الله لان نختار الشر الذي لا يفارقنا قط! هل سياتي اليوم الذي ستتحرر فيه البشرية ونعيش يوتوبيا افلاطون ام اننا سنبقى دائما في الديستوبيا؟ غفر الله لكم ايها الكرد وكم مساكين انتم وكم انتم ابرياء تعيشون حياة تعيسة وهكذا دواليك!
واما موبو توتو البريطاني من اصل افريقي الذي سكن في اوروبا منذ صباه وتطبع بطباعهم فقد كان يمازح مضيفة اعجبته ورغم انهما كانا يسيران في اتجاهين مختلفين في حياتهما، الا ان موبو كان يعلق على جمالها وقامتها الرشيقة الفارعة وهو يحاول الاستمتاع بوقته مازحا اياها الى ان يحين وقت المغادرة. كانت الكثرة الغالبة من المسافرين يسرحون في خيالاتهم وينسجون احلامهم كما يرغبون. يعيش هؤلاء بمرح وسعادة ولا يهمهم ما يجري وهم الاغلبية في الحياة، ولكن هناك ايضا الذين يحملون ليس همومهم فحسب وانما هموم الاخرين، سواءا هموم القبيلة او الشعب او الانسانية جمعاء، وهؤلاء هم كنه الحياة التي ستستمر ويستمر حاملي الهموم جيلا بعد جيل.
وفي الجزء الامامي كان يجلس عماد الحلبي وهو غارق في تفكيره، ماذا يمكن ان يفعله لمساعدة الاخرين، وهل ستنتهي هذه الرحلة بسلام؟ وخاصة بعد ان سمع احدى المضيفات تقول لاحد المسافرين بالقرب منه ان الوقفة الان هي لكي يغادر الطائرة بعض الدبلوماسيين، وهذا خلاف لما قيل لنا سابقا باننا سوف لن نغادر الطائرة وستكون الوقفة قصيرة، ولكن سرعان ما تغير ذلك حيث اعلن الطيار ان على المسافرين ان يغادروا الطائرة مع امتعتهم مع ابراز جوازاتهم وبطاقاتهم الخاصة بهذه الرحلة، وسرعان ماجاء الاشمئزاز من المسافرين: الم يفتشونا ويتحققوا من هوياتنا وبطاقاتنا قبل صعودنا الى هذه الطائرة. لا داعي لهذا ان لم يكن هناك ثمة شئ غير صحيح. ولكن قيل ايضا انه من متطلبات هذه الحكومة وانهم لا زالوا يحاولون تحسين هذه العملية برمتها ولكن الان لا بد من ان ينصاع الجميع الى طلباتهم.
نفذ الجميع التعليمات وتم اقتيادهم بعد التدقيق في بطاقاتهم واسمائهم الى زاوية من المطار للانتظار. كان الاستياء والقلق واضحاعلى وجوه الجميع، لا داعي للتكرار اذا لم تكن هناك دواع امنية، ولكن يبدو انه هناك انباء اخرى، ربما اختراق امن الرحلة، ولكن لا يريدون الافصاح عنها لكي لا يزيدوا جو الرحلة توترا وقلقا فهناك ما يربو على الخمسمائة روح سيعودوا قريبا الى مقاعدهم لاتمام الرحلة الى الولايات المتحدة، وبعد اكثر من 20 دقيقة من الانتظار المقلق، اشير للجميع بالعودة الى الطائرة وبدأ التحقيق في اسماء المسافرين وهوياتهم مرة اخرى. وبعد حوالي نصف ساعة اخرى عاد الجميع الى مقاعدهم. من الملاحظات التي شاهدها الجميع ان الطائرة كانت قد تم تنظيفها وازيلت جميع مخلفات الوجبات الغذائية وما غيرها وخاصة وجبة الغداء.
تنفس الجميع الصعداء، ولكن بقي السؤال، ماذا فعلوا بالطائرة، هل تم تنظيفها اثناء البحث والتفتيش، هل كانت هناك شكوك او معلومات عن اختراق امني! لا ندري. خيم الصمت المريب على الجميع وبعد عدة دقائق بدأ اللغط من جديد حتى قال احد المسافرين "الاطمئنان خير من القلق"، نعلم الان ان شيئا لم يحدث، ولم يعلق احد على القول. ورحب قائد الطائرة الجديد بالجميع ودخل طاقم القيادة والضيافة الجديد في الخدمة ورحل الطاقم القديم وبدأت المرحلة الثانية من الرحلة 516 من جديد عبر المحيط الاطلسي باتجاه هدفها القديم.



#نعمت_شريف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن اصل الشبك واسمهم ولغتهم
- الشوق للانتماء
- ما وراء الثقافة
- -حلال لكم ، حرام علينا- مناقشة للتعليقات التي وردت الينا
- العقل الكردي -نقد العقل العملي-
- قراءة في كتاب -دراسة عن محافظة الجزيرة السورية-
- الاغنية الظاهرة في الانتخابات الامريكية
- في حارتنا كلب
- عزاء البو هدلة
- قواعد العشق الاربعون
- الدفاع عن الارض والعرض شهادة -قصة حقيقية من زمن الارهاب-
- الخال -قصة من صميم الواقع-
- ألكرد الزازا في تركيا: أقلية شرق أوسطية في مجتمع العولمة
- الشبك بين المطرقة والسندان
- رأيان متناقضان عن حدث واحد
- ملاحظات على مقالات شيري ليزر والتعليقات عليها
- قراءة في كتاب -في ظلال الجبل- من ذكريات الثورة والمقاومة-الج ...
- هل قرأ الرئيس بوتين كتاب بريجنيف عن أفغانستان قبل غزو أوكران ...
- -الارادة لان ترى-
- الهجوم الايراني على اربيل ورسائله المتعددة لاطراف عراقية ودو ...


المزيد.....




- معرض الدوحة للكتاب.. أروقة مليئة بالكتب وباقة واسعة من الفعا ...
- -الحياة والحب والإيمان-.. رواية جديدة للكاتب الروسي أوليغ رو ...
- مصر.. أزمة تضرب الوسط الفني بسبب روجينا
- “شو سار عند الدكتور يا لولو”.. استقبل الان تردد قناة وناسة ا ...
- حل لغز مكان رسم دافنشي للموناليزا
- مهرجان كان السينمائي يطلق نسخته الـ77 -في عالم هش يشهد الفن ...
- مترجمة باللغة العربية… مسلسل صلاح الدين الحلقة 24 Selahaddin ...
- بعد الحكم عليه بالجلد والسجن.. المخرج الإيراني محمد رسولوف ي ...
- فنانة مصرية شهيرة: عدونا الأول والأخير هو إسرائيل
- بعد الحكم عليه بالسجن.. المخرج الإيراني الشهير محمد رسولوف ي ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمت شريف - الرحلة 516