سالم الباوي
الحوار المتمدن-العدد: 7904 - 2024 / 3 / 2 - 22:54
المحور:
الادب والفن
كانت المرة الأولى التي أقف فيها في طابور المخبز. كنت قد دخلت العاشرة لتوّي، وكنت سعيدًا جدًا. قبض الخباز النقود وناولني أقراص الخبز قائلا:
- "احترس ألا تحترق"
ابتسمت:
- "لا، لن أحترق".
رمقني الرجال ونظر بعضهم إلى بعض. هزّوا رؤوسهم وأطرقوا نظرت إلى النساء؛ كنَّ مغطّيات الوجه بعباءاتهن السوداء ويثرثرن.
صاح الخباز:
- "هيا يا صبي، إذهب إلى البيت".
ركضت بسرعة إلى المنزل دون أن ألتفت نحو الخباز كي أخبر أمي بما دار بيني وبين الخباز، وكيف اجتزت أدراج المخبز بخطوات سريعة، وكيف لم أخشَ السيارات التي كادت تصدمني، ولم أشعر بأي تعب أثناء الركض. وعندما اقتربت من المنزل، وجدت خالتي واقفة عند باب منزلنا وكانت تمسك عباءتها بطرف نواجذها.
- "خالتي، لقد جلبت الخبز".
- "ممتاز".
- "خالتي، أعطيت النقود للخباز وأعطاني الخباز الخبز وقال لي إنه ساخن فلا تحترق. فأجبته: أنا في العاشرة"
فجأة، تناهت إلى مسعمي صرخة أختي فجأة من فناء البيت. كانت صرخة مدوية ومخيفة:
- "حسنًا، وماذا حدث بعد ذلك؟"
- "سمعتُ نجوى تصرخ يا خالتي".
- "ماذا قال الخباز؟"
- "الخباز؟"
نظرتُ إلى خالتي، لكنها لم تنظر لي. أردت الدخول إلى المنزل، منعتني خالتي من ذلك.
- "ماذا قال الخباز؟"
- "خالتي، سيبرد الخبز".
و تطاول عنقي نحو فناء البيت
- "دعك من ذلك، قل لي ما حدث بعد ذلك عند المخبز
- "أريد أن أذهب إلى الداخل..."
خرجت بشكل حشرجة من حنجرتي
- "هيا نذهب إلى بيتي".
- "لكن خالتي، الجميع ينتظرني".
- "لا أحد ينتظرك".
سقطت الدموع من عينيّ. كنت أريد أن أحدّث أمي عن شراء الخبز. مسكت خالتي قبضة يدي اليمنى وجرتني نحو بيتها.
- "نجوى، لماذا تصرخ يا خاله؟!!!"
- "لا شيء"
قالت خالتي وشددت على قبضة يدي. سقط الخبز من يدي.
- "الخبز سقط".
- "اتركه".
- "يا خالتي، أنا... الخباز... لقد كبرت، عمري عشر سنوات..."
خالتي لم تنظر إليّ. نظرتُ نحو الخبز الذي كان ملقًى على الأرض وأصبح ملوّثا بالجراثيم. رفعتُ رأسي ونظرت إلى المنزل، رأيت عمي وأبناءه وهم يدورون بسكاكين طويلة في فناء المنزل. وكانت أمي جالسة في زاوية تصفع وجهها وتضرب رأسها.
#سالم_الباوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟