أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سالم الباوي - العواء الوحيد















المزيد.....

العواء الوحيد


سالم الباوي

الحوار المتمدن-العدد: 7739 - 2023 / 9 / 19 - 02:02
المحور: الادب والفن
    



انقطع نباح تايغر بعد ما لم تستجب له كلبتنا بوجي. كان ينبح بصوت عالٍ ومفزع، لذا قرر أبي أن يأخذ الكلبة بوجي إلى تايغر. لكن انقطع نباحه فجأة. بعد ذلك، شرعت كلاب القرية بالنباح واستمرت لثلاثة أيام متتالية، حتى اضطر الناس بإطلاق النار عليها.
كان بيتنا الريفي يعج بالكلاب الصغيرة والكبيرة، الأقزام منها، والضخمة المخيفة. وفي موسم تكاثر الجراء، يبدأ الصراع على البقاء، فتختفي الكلاب الضعيفة والمريضة والطاعنة في السن، باستثناء تايغر. الكلب الوحيد الذي كسر هذه القاعدة. تايغر هو كلب أهداه رجل أفغاني إلى أبي.
- "هذا تايغر"،
وأشار إلى الكلب المقيد بالسلسلة. قال الرجل الأفغاني:
- "هذا وحشٌ مذهلٌ".
فحدجته عينا أبي، ثم نظر إلى الكلب مرة أخرى.
- "تايغر، تايغر"،
كرر الكلمة مرات ومرات على مسامع أبي.
- "حسنًا كم تريد مقابل هذا الكلب؟"، سأل أبي.
- "تايغر لا يقدر بثمن".
- "تقصد باهظ الثمن؟!"،
قال أبي بضحكة عالية. وحينئذٍ، اهتز رأس الرجل الأفغاني تأييدًا لكلام أبي.
- "لا تباع الكلاب هنا"،
قال أبي ومدّ يده في جيب دشداشته البيضاء وأخرج حزمة من النقود، ثم مدّها نحو الرجل الأفغاني.
: "لا... لا، أنا لا آخذ مقابلا لتايغر".
- "فماذا تريد إذن؟!"
- أعدني بأنك ستظل تعتني به بشكل جيد، قال الرجل الأفغاني وسالت دموعه. كانت هناك شائعة قد ذاعت في القرية أن الرجل الأفغاني كان مترجماً للجيش الأمريكي، وقد هرب بمفرده عند استيلاء حركة طالبان على كابل، وكل ما تبقى له من الوطن هو الكلب تايغر. الشائعة الثانية كانت تقول أنه عندما اغتالت قوات طالبان جميع أفراد عائلته، هرب هو وكلبه إلى إيران، حتى وصل إلى قريتنا في موسم حصاد القمح. كان الرجل يعمل بجد من أجل الحصول على بعض المال، وكان هدفه الوصول إلى تركيا، ثم من هناك الذهاب إلى الدول الأوروبية. في بعض الأوقات كان يُعلِّم الأطفال اللغة الإنجليزية مقابل المال.
: "كيف أراقبه وأعتني به وأنا سأضعه مع الكلاب؟" قال أبي مستهزئًا من الرجل الأفغاني.
- "لا، لا، لا تفعل هذا،" قال الرجل وهو يهز يده في الهواء.
: "المكان الوحيد المخصص للكلاب هو الحظيرة يا صديقي."
- "لا تفعل هذا، رجاءً"، تنفس بصعوبة. مسك أنفه بأصابعه حتى لا تتساقط دموعه.
: "لماذا؟!" قال أبي.
- "لأنه تايغر".
: "يا صديقي، فهمت أنه تايغر وأنه باهظ الثمن".
- "لا يا صديقي، هذا كلب ذو أصول وصاحب إنجازات بالشرطة".
: "حسنًا، فهمت"، قال أبي بسخرية وغمز لنا نحن الأطفال.
- "أنت لا تعرف كم أنه ثمين هذا الكلب"، ثم بكى الرجل الأفغاني، وكلما حاول منع تساقط دموعه لم يتوفق في ذلك. ضحك أبي ونحن أيضًا. رد أبي نقوده في جيبه مرةً أخرى.
: "يا صديقي، اذهب مع الكلب لأنني لا أستطيع أن أوفر له المكان المناسب".
: "خذ تايغر معك، رجاءً، فأنا لا أملك مكانًا من اليوم فصاعداً.
: وأنا لا أملك مكانًا لكي أرعاه فيه، ما عدا الحظيرة.
: أنا سمعت قصة بقرتك بنت العودة من أهل القرية.
كان أبي يحب الأبقار كثيرًا ومولعًا بها حتى إنه كان يمرض مع مرض تلك الأبقار ويحزن عليها حزنًا شديدًا. وكل أهل القرية يعرفون مدى شغف و حب أبي ببقرتنا العجوز بنت العودة. كان يعتني بها حتى أكثر منا نحن الأطفال. عندما ماتت البقرة بنت العودة، قام أبي بأخذ الجثة وحده إلى خارج القرية وأقام مأتمًا هناك وحزن عليها بمفرده حزنًا شديدًا وصار يحرس الجثة لعام كامل حتى لا تأكل الذئاب ماتبقى منها. ولم يكن يتجرأ أحد منّا بالذهاب إليه وأن يطلب منه العودة إلى البيت. لم يأتِ للمنزل حتى أصبحت جثتها رفاتًا، ثم قام و دفن العظام و رجع إلى البيت. لم يتعرف عليه في البداية أحد من العائلة لأنه أصبح رجلًا عجوزًا، له لحية طويلة وتحولت ثيابه إلى ملابس بالية لم يتبقى منها إلا شيئًا بسيطًا يغطي عورته. وعندما رأته أمي أخذته للحمام ومكثوا هناك أسبوعًا كاملًا دون أن يخرجوا منه. وعندما خرجوا من الحمام كان مظهر أبي قد عاد إلى ما قبل موت بقرتنا بنت العودة لكن أمي أصبحت هرمة جدًا وهزيلة، حتى اضطررنا إلى أخذها لعطار القرية وصنع لها مرهمًا كي تستطيع الوقوف على رجليها من جديد.
أدار أبي رأسه نحو الرجل الأفغاني. صمت الرجل لدقائق، حتى تعبنا نحن الأطفال من هذا الوضع. كرر الرجل الأفغاني كلمة "لا أعرف" مع نفسه مرات ومرات. قام من جلسته، ثم أصبح يتخبط في الشارع الترابي ذهابًا وإيابًا حتى مللنا منه نحن الأطفال. وأصبحنا نقلد حركاته، ونضحك منه بصوت عال، حتى وقف. ثم جلس أمام تايغر مرة أخرى. مسح رأس تايغر بلطف، بكى الرجل الأفغاني ومع بكاءه، عوى الكلب بصوت حزين.
:"أذهب من هنا، أنت وكلبك اللعين، قبل أن تقطعك كلاب القرية، إرْباً إرْباً."
: "لا تستطيع كل كلاب القرية أن تفعل أي شيء، وتايغر معي"، قال الرجل دون أن ينظر إلى أبي.
قام الرجل، ومسك يد أبي بقوة وهزها لمرات. أشعرتني ملامح أبي التي تغيرت فجأة بالألم الذي تسببت به قبضة الرجل القوية على يده.
: "هذا الكلب لك. حافظ عليه، لا تزوجه مع أي كلبة، إلا أن تكون لها أصول وجذور".
: "يا صديقي، أنا رجل ريفي ولا أهتم بالأصول والفروع للكلاب. فخذ كلبك واذهب من هنا، رجاءً".
: "لا، إنه لك من الآن فصاعدًا، سيكون تحت أمرك"، قال الرجل الأفغاني، ثم جلس مرة أخرى أمام الكلب، مسك رأس الكلب وهزه.
: "اسمع، يا تايغر، هذا الرجل من اليوم هوصاحبك، اعتني به وبعائلته، إفعل ما يطلبه منك".
نبح الكلب. قام الرجل الأفغاني ووضع قلادة الكلب بيد أبي. ظل أبي صامتًا، لا يعرف ماذا يفعل. ابتعد الرجل وقام الكلب بالنباح، كلما يبتعد الرجل الأفغاني كان يعلو نباحه.
: "أصمت"، قال أبي.
توقف الكلب عن النباح فجأة. صرخ الرجل الأفغاني بصوت عالٍ:
- "تايغر، أبقى كلبًا طيبًا".
جر أبي القلادة. تحرك تايغر خلف أبي، وكان لا يزال الرجل الأفغاني يصرخ.
: "كن طيبًا يا تايغر"، لكن لم تخرج من الكلب أي ردود فعل، وكان يمشي خلف أبي وحسب.

بقى تايغر في بيتنا لعدة سنوات. في تلك الفترة لم يتجرأ سارقٌ التقرب من بيتنا. لم ينم الليل قط، لم يتعب من ملاحقة أبقارنا وأغنامنا.
: "أحرس الأبقار"، يركض تايغر بسرعة ويحوم حول الأبقار. لم تتجرأ أي بقرة على الخروج من دائرة الأبقار، وإلا كان سيهاجمها تايغر بعنف حتى ترجع إلى باقي الأبقار. في تلك الآونة هاجمت القرية مجموعة من الذئاب الجائعة. والبيت الوحيد الذي لم يتضرر منه حتى خروفٌ واحدٌ هو بيتنا، وهذا كله كان بفضل تايغر.
عند موسم التزاوج، كانت كل الكلاب تحوم حول كلبتنا بوجي، لكن لم يتجرأ أي واحدٍ منهم التقرب منها خوفًا من تايغر.
كان تايغر الكلب الوحيد الذي يحوم حول الكلبة بوجي في عدة مواسم، دون أي مُنافس. كان محاربًا شرسًا، لا يخاف من أي قتال، حتى مع الكلاب الشابة القوية. ويعض الكلاب المقاتلة بشكلٍ شرس حتى يجبرهم على الخروج من بيتنا. والعجيب في كل تلك المواسم، لم يذهب تايغر إلى أي كلبة ما عدا تلك الكلبة بوجي التي أصبحت هرمة. لم يتركها وحيدة كي لا تهاجمها الكلاب الشابة الخطيرة التي تبحث عن السطوة والهيمنة. كنا في حيرة من هذا الأمر، لأن تايغر يستطيع أن يتغلب على جميع كلاب القرية وأن يحصل على أي كلبة يرغب في التزاوج معها، لكنه لم يفعل ذلك. حتى أصبح ضعيفًا جدًا. ثم اختفى من بيتنا فجأة.
في الليالي التي كان الجو هادئًا، نسمع نباحه بشكل واضح. كانت جدتي تقول إنه ينتظر حتى تذهب الكلبة بوجي إليه. لكنها لم تفعل، بقت في بيتنا حتى أنقطع صوت نباحه...



#سالم_الباوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اللعنة الغامضة
- قصة قصيرة
- قصة قصيرة جدا
- دراسة سيميائية وجيزة لقصة نفاد الشاي والرتابة المكررة
- كارون و ذكريات غير معلنة_ قصة قصيرة
- قصص قصيرة جدا
- خوف- قصة قصيرة جدا
- ذكريات ممنوعة الذكرى- قصة قصيرة جدا
- لعنات الألم- قصة قصيرة جدا
- سقم الحب - قصة قصيرة جدا
- أنغام الألم- قصة قصيرة جدا
- عبء الضيافة- قصة قصيرة جدا


المزيد.....




- بعد أنباء -إصابته بالسرطان-.. مدير أعمال الفنان محمد عبده يك ...
- شارك بـ-تيتانيك- و-سيد الخواتم-.. رحيل الممثل البريطاني برنا ...
- برنامج -عن السينما- يعود إلى منصة الجزيرة 360
- مسلسل المتوحش الحلقه 32 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- -الكتابة البصرية في الفن المعاصر-كتاب جديد للمغربي شرف الدين ...
- معرض الرباط للنشر والكتاب ينطلق الخميس و-يونيسكو-ضيف شرف 
- 865 ألف جنيه في 24 ساعة.. فيلم شقو يحقق أعلى إيرادات بطولة ع ...
- -شفرة الموحدين- سر صمود بنايات تاريخية في وجه زلزال الحوز
- من هو الشاعر والأمير السعودي بدر بن عبد المحسن؟
- الحلقة 23 من مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة الثالثة والعشرو ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سالم الباوي - العواء الوحيد