أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد فاروق عباس - الصين وأمريكا .. لمن الغلبة ؟















المزيد.....


الصين وأمريكا .. لمن الغلبة ؟


أحمد فاروق عباس

الحوار المتمدن-العدد: 7895 - 2024 / 2 / 22 - 22:06
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يترقب العالم كله السباق والمباراة الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين ، وفي ضوء نتيجة هذا الصراع الهائل سيتحدد مستقبل العالم ومصيره ، وستتغير معادلات وتظهر معادلات جديدة ..

وبإمكاننا أن نلقي نظرة علي ذلك الصراع أثناء سريانه ، وندرس نقاط قوة كل طرف ونقاط ضعفه ، وما أثر ذلك علي جريان هذا الصراع ، ونتيجة تلك المباراة ، وبالتالي ما أثره علي مستقبل العالم ومصيره ..

نبدأ أولا بالولايات المتحدة الأمريكية ..
تحوز الولايات المتحدة علي مجموعة من نقاط القوة المهمة في مواجهة الصين ، في حين أنها لا تخلو من نقاط ضعف خطيرة ..

فمن حيث نقاط القوة يمكن القول أن الولايات تمتلك مجموعة منها .. من أبرزها :
1 - الولايات المتحدة مازالت أقوي دول العالم اقتصاديا ، ويصل ناتجها الإجمالي إلي ربع الناتج العالمي كله ، وبرغم انخفاض نصيب أمريكا من الناتج العالمي من النصف بعد الحرب العالمية الثانية إلي الربع حاليا فإنه - وبرغم هذا القدر الذي انخفض كثيرا عما قبل - مازالت أقوي دول العالم اقتصاديا ..

ويمثل الدولار الأمريكي أحد أهم عناصر القوة في يد الدولة الأمريكية ، فالولايات المتحدة فقط من لها حق إصداره ، وبالكميات التي تريدها ، وتستطيع أن تشتري بها ما تشاء من سلع العالم وخدماته، وبدون كلفة كبيرة.
ويعد الدولار الأمريكي العملة الأكثر استخدامًا في التجارة الدولية، والعملة الرئيسية في احتياطي العملات التي تحتفظ بها المصارف والدول ، كما تقوم أمريكا بإعادة تدوير البترودولار والإيداعات الآجلة بالدولار خارج مصارف الولايات المتحدة ..

ولكن كما أنه - الدولار - أحد نقاط القوة الكبيرة لأمريكا سنكتشف أنه أيضا أحد نقاط ضعفها الخطيرة ..

ويساعد أمريكا في ضبط حركة العالم اقتصاديا والتأثير علي شئونه مجموعة من المنظمات الاقتصادية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية، وهي منظمات ووكالات للولايات المتحدة اليد العليا فيها ، وعن طريقها تسيطر علي أحوال الاقتصاد حول العالم. .

2 - جغرافيا .. الولايات المتحدة محمية بمحيطين -الأطلنطي والهادي -كما تشترك في الحدود مع دولتين جارتين، كندا في الشمال والمكسيك في الجنوب، وكلاهما صديق للولايات المتحدة، ولا يتوقع من أي منهما الدخول في حرب معها في يوم من الأيام، نعم هناك مشكلات، وفي بعض الأحيان توترات على قضايا هنا وهناك، ولكن هي مشكلات علي قضايا فرعية أو هامشية، وفي كل الأحوال هي ليست ممن لا يمكن حله ..

3 - عسكريا .. الولايات المتحدة أقوي دول العالم ، وانفاقها العسكري هو الأكبر عالميا ( الميزانية العسكرية الأمريكية عام 2023 بلغت ) وهي أكبر بمراحل من الدولة - والدول - التي تليها ، وطبقا لمدير المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن IISS ، باستيان جيجيريتش منذ يومين :
" مازالت الولايات المتحدة تحتفظ بقيادة الإنفاق العسكري عالميا، وذلك بنحو 41 % من الإنفاق العالمي، ونحو 70 % من ميزانية الناتو" ..

وطبقا لتقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام عام 2022 - وهو آخر تقرير صدر - فإن الولايات المتحدة كانت أكبر دول العالم في حجم إنفاقها العسكري ، وقد بلغ 877 مليار دولار، ليشكل 39 % من إجمالي الإنفاق العسكري العالمي، وأكثر من 3 أضعاف ما أنفقته الصين ..

وتمتلك الولايات المتحدة قواعد عسكرية في أغلب بحار العالم ومحيطاته، كما أن لها تواجدها العسكري القوي - الأرضي أو البري - في دول كثيرة حول العالم .. من اليابان في أقصي شرق آسيا إلي ألمانيا في وسط أوربا ..

ومحصلة ذلك كله أن الولايات المتحدة بمقدورها - مع هذه القوة العسكرية الهائلة - وضع جدول أعمال الاهتمامات العالمية، وتصعيد قضايا وتخفيض أخري، والسيطرة على حركة التفاعلات العالمية ووضعها تحت قبضتها ..

4 - سياسيا .. من أبرز نتائج القوة العسكرية الهائلة والقوة الاقتصادية الكبيرة لأمريكا أن الولايات المتحدة هي صاحبة النفوذ السياسي الأكبر في عالم اليوم، واثرها ملموس في كل منطقة، وكلمتها مسموعة في كل دولة، وأثر أفعالها محسوسة في كل بيت ..
وإذا أخذنا منطقة واحدة لنري مدي قوة النفوذ الأمريكي فيها ولتكن قارة أوربا على سبيل المثال، وأروبا قارة شديدة الغني وشديدة التقدم، وأربعة من دولها ضمن قائمة الاقتصادات العشر الكبرى في العالم، ومع ذلك فإن للولايات المتحدة نفوذ هائل على كل دول القارة، ومن يدرس بإمعان سير أوربا وراء أمريكا حرفا بحرف وراء الولايات المتحدة في المسألة الأوكرانية، سيكتشف المدي الذي وصلت اليه القارة العجوز في تبعيتها لأمريكا.
كما أن للولايات المتحدة حلفاء – أو تابعين – أقوياء في مناطق أخري من العالم، وفيما يخص أسيا – التي توجد بها الصين - فإن اليابان وكوريا والفليبين ونيوزلندا وغيرهم حلفاء تقليديين لأمريكا.
وبالتالي تستطيع الولايات المتحدة حصار الصين في حين أنه من المتعذر جدا للصين حصار الولايات المتحدة.

نقاط ضعف الأمريكية ..
بجانب نقاط قواتها الكبيرة، تواجه الولايات المتحدة بمجموعة من نقاط الضعف الخطيرة، والتي تلقي بظلالها علي الحاضر والمستقبل الأمريكي، وتصنع سحابة من القلق العميق علي فكرة بقاء أمريكا سيدة علي العالم بدون منازع ..

وتتمثل نقاط الضعف الأمريكية في الآتي :

1 بنية السلطة في أمريكا ..
هناك مشكلة يراها المراقب المهتم بسهولة في بناء السلطة في الولايات المتحدة ، وهي أن بناء السلطة في الولايات المتحدة يتكون من مستويين .. أحدهما ظاهر أمام العالم كله ولكن ذو تأثير محدود، ومستوى ثان ليس له وجود ظاهر ولكن في يده السلطة الحقيقية ..

وهي قضية يناقشها المجتمع الأمريكي - علماء ومثقفين ورجال سياسة ومال - الآن بقلق وترقب ..

ولنترك أحد أكبر المفكرين الأمريكيين الأحياء يقول لنا رأيه في هذه الموضوع شديد الاهمية ، وهو البروفيسور المرموق ناعوم تشومسكي ..
يري تشومسكي أن هناك حزبا واحد في أمريكا - وليس حزبين - هو حزب رأس المال الأمريكي ، وما الحزب الديموقراطي والحزب الجمهوري إلا جناحي ذلك الحزب الواحد الذي يمثل الرأسمالية الأمريكية ..
وتقف الرأسمالية الأمريكية وراء الحزبين ، فهي التي تمول الحملات الانتخابية – لأعضاء الكونجرس ولحكام الولايات ولمرشحي الرئاسة – وفي وسائل الاعلام التي تسيطر عليها بالكامل – صحافة وقنوات تلفزيون – تقوم بتلميع من تريد، وتصل – بالتالي – برجالها الي حيث تريد لهم أن يكونون .

والمشكلة أن هذه الصيغة التي حكمت الولايات المتحدة لعقود أصبحت تواجه مشاكل جدية اليوم ، بعد أن وصلت إلى آخر ما يمكن أن تقدمه ، وبالتالي فإن ترتيبات السلطة علي شكل ونمط جديد في الولايات المتحدة أحد القضايا الرئيسية علي جدول المستقبل هناك .

وهذه العملية ليس من المتوقع أن تتم بسهولة، أو أن تتم برضا ، وأثرها على القوة الأمريكية الشاملة - اقتصاديا وسياسيا وعسكريا - سيكون بلا حدود ..

2 - الاقتصاد الأمريكي برغم قوته الظاهرة ، إلا أنه يواجه بمجموعة من المشكلات العويصة ، من أبرزها وصول الدين العام الأمريكي إلي مستويات هائلة وغير مسبوقة ، وفي سبتمبر الماضي كشفت وزارة الخزانة الأمريكية، أن الدين القومي للولايات المتحدة تجاوز 33 تريليون دولار لأول مرة في التاريخ !!

ويبلغ الدين العام أكثر من 6 أضعاف الإيرادات الفيدرالية السنوية ، كما يبلغ الدين العام أكثر من 125% من الناتج المحلي الأميركي .

أن مأزق الاقتصاد الأمريكي يتمثل في أن الدولة الأمريكية تفضل أن تغطي نفقاتها عن طريق الاقتراض بدلاً من الضرائب، وبالتالي فإن الأسر ترفع مستوى معيشتها لا وفقًا لدخلها، وإنما عن طريق القروض.

وقد بلغ عجز الميزان التجاري الأمريكي مع العالم إلى ما يقارب من تريليون دولار ( 948,1 مليار دولار بالضبط ) في عام 2022 ، مقابل 845,0 مليار دولار في 2021 .

وفي عام 2022 تم تسجيل أكبر أرقام العجز التجاري مع الصين والمكسيك وفيتنام وكندا وألمانيا واليابان وأيرلندا، وتم تسجيل أكبر فائض تجاري مع هولندا وهونغ كونغ والبرازيل وسنغافورة وأستراليا والمملكة المتحدة ..

إضافة الى تباطؤ النمو الاقتصادي وتواتر الأزمات الاقتصادية الخانقة وتراجع القدرات الإبداعية ومعدل الاكتشافات والمخترعات الحديثة عما قبل ..

يضع كل ذلك الاقتصاد الأمريكي أمام معضلات تستلزم اتخاذ قرارات قاسية ، ليس من الممكن التنبؤ بمدي قدرة الشعب والدولة الأمريكية علي سلامة وكفاءة التعامل معها ..

3 - إن سوء توزيع الدخل في الولايات المتحدة وصل إلي حد لا يمكن مداراته أو السكوت عليه ..
فهناك عشرات الملايين من الأمريكيين يعيشون تحت خط الفقر ، وهناك طفلاً من كل ثمانية أطفال لا يأكل ما يكفي لسد جوعه .

وفي واشنطن عاصمة الدولة الأمريكية علي سبيل المثال ، وفي الوقت الذي يبلغ فيه معدل دخل 5% من أغنياء المدينة 473 ألف دولارا سنويا، لا يتجاوز معدل دخل الأسر الأكثر فقرا 10 آلاف دولار ..
وهكذا يرزح 23% نحو من سكان واشنطن تحت خط الفقر، نظرا لغلاء المعيشة وارتفاع إيجارات العقارات ..

وهو ما دعا الاقتصادي الأمريكي المرموق جوزيف ستيجلتز ، الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد ، إلي أن يختم كتابه المهم « ثمن عدم المساواة .. مجتمعنا المنقسم يهدد مستقبلنا» إلى التساؤل بمرارة: هل هناك أمل ؟!
ثم يترك الباب مفتوحًا أمام قراءه ..

وفي الكتاب يتحدث ستيجلتز عن مدي المعاناة التي تعيشها ملايين الأسر في الولايات المتحدة، بخصوص السكن والتعليم والعلاج والأجور والفرص والمعاشات، بالإضافة إلى الظلم المتعمد الواقع على هؤلاء، وهم لا يستطيعون له ردًا ، ويذكر ستيجلتز أمريكا في أكثر من موضع أن التاريخ أثبت أن هناك حدودًا لاحتمال المظالم ..

وقد ترك ذلك أثره الهائل علي بنية الحياة الاجتماعية في أمريكا ، فمعدل الجرائم هو الأعلى عالميا ، وبالتالي فحمل السلاح لا يستغني عنه امريكي اليوم .

والولايات المتحدة لديها أعلى معدل لامتلاك المدنيين للأسلحة النارية للفرد ، وكان معدل جرائم القتل بالأسلحة النارية في الولايات المتحدة في عام 2019 هو 18 ضعف المعدل المتوسط في البلدان المتقدمة الأخرى ..

4 - الاعراق في أمريكا ..
الولايات المتحدة بلد منقسم إلي مجموعات من الأصول العرقية المتباينة ، وليست - كالصين - بلدا متحد العرق ، ففي الولايات المتحدة 59,3% هم من البيض ( وليس من أصل إسباني أو لاتيني) ، 18,9% من أصل إسباني أو لاتيني ، 13,6% من السود أو الأمريكيين من أصل أفريقي، بينما 6,1% من الآسيويين ، 2,9% من الأشخاص من عرقين أو أكثر ، 1,3% من الهنود الأمريكيين ومن سكان ألاسكا الأصليين ، 0,3% من سكان هاواي الأصليين وغيرهم من سكان جزر المحيط الهادئ ..

وواضح التعدد الكبير في تشكيلة المجتمع الأمريكي ، وبرغم من كونه هادئا علي السطح - حتي الأن - إلا أن المستقبل - مع التراجع المستمر للاقتصاد ونهاية الحلم الأمريكي - يحمل في طياته نذر المشاكل ..
5 - برغم ما تقدمه القوة العسكرية الجبارة من فوائد جمة للدولة الأمريكية فإنها تقتضي منها نفقات هائلة، وهو ما يخصم أولا من الإنفاق على تحديث قطاعات الاقتصاد الأمريكي الإنتاجية أو يخصم من الإنفاق علي الخدمات الاجتماعية .. التعليم والقطاع الصحي والإسكان والبنية الأساسية ..
وهو ما يحد بصورة كبيرة من تنافسية الاقتصاد الأمريكي عالميا، وادي إلي تراجعه في قطاعات حيوية ..

وهو ما دعا الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أكثر من مرة إلي مطالبة تلك الدول بتحمل نفقات التواجد العسكري الأمريكي علي أرضها، أو الدفع لأمريكا نتيجة قيام أمريكا بحمايتها !!

ويسبب التواجد العسكري الأمريكي المفرط في الخارج مشاكل متجددة مع البلدان التي تستضيف تلك القوات، أو تتواجد داخل حدودها البحرية ، وهناك تيارات سياسية عديدة داخل أغلب هذه البلدان لا تستريح أو تهضم الوجود العسكري الأمريكي علي أراضيها ، وتراه منافيا للكرامة الوطنية من جانب ، ومؤثرا في قرار تلك البلدان من جانب أخر ، بما يعني ان استقلالها وحريتها في اتخاذ القرارات علي أرضية وطنية منقوصة ..

.. هذا عن القوة الاولي في عالم اليوم -الولايات المتحدة -فماذا عن القوة الثانية في عالمنا .. وهي الصين. ما أبرز نقاط قوتها في ذلك الصراع الكبير وما أهم نقاط ضعفها .. وأيهما -بالتالي -لها الحظ الاوفر في الفوز وكسب السباق ..
تدخل الصين السباق العالمي مع الولايات المتحدة وفي يدها مجموعة من نقاط القوة المهمة، في حين أنها – أيضا – تعاني من نقاط ضعف كبيرة ..
نقاط قوة الصين ..
1 - قوة الدفع للاقتصاد الصيني أعلي بكثير من قوة دفع الاقتصاد الأمريكي ، بمعني أن الولايات المتحدة بنت قوتها الاقتصادية من عقود – وربما من قرون – وهي الان في زمن الشيخوخة ، في حين ان الصين قوة اقتصادية شابة وحيوية ، ولديها نهم شديد للتقدم في الداخل والتوسع في الخارج ، ومن يدرس الهجوم الصيني علي أفريقيا علي سبيل المثال، سيجد قوة اقتصادية شديدة الحيوية، تتقدم بمهارة واقدام، في حين تجر الولايات المتحدة رجلها لكي تجد لنفسها موطئ قدم في افريقيا.
وأصبحت معدلات التقدم الاقتصادي والتكنولوجي في الصين سريعة للغاية، وتحقق الصين معدل نمو سنوي مازال هو الأعلى عالميا منذ عقود، والصين اليوم هي مصنع العالم، وأكبر دولة تصديرا في العالم،
ومؤدي ذلك أن الصين تتقدم نحو قمة العالم بثقة، في حين تتراجع الولايات المتحدة عن تلك القمة باطراد، وقد حدد أغلب المراقبين عام 2030 ليكون هو العام الذي تزيح الصين الولايات المتحدة فيه من قمة العالم الاقتصادية وتجلس مكانها.
2 - تمتك الصين جهازا سياسيا متحدا، وهو الحزب الشيوعي الصيني، الذي يحكم الصين من 75 عاما بالضبط، وقد أثبت كفاءة ملحوظة في التغير مع متغيرات العصور، وعدم التجمد والتكلس علي الخطاب الماركسي التقليدي، وبعكس الولايات المتحدة التي تمتلك جهازا سياسيا منقسما على نفسه يعمل الحزب الشيوعي الصيني كوحدة واحدة، وقد أعطي الحزب الشيوعي المتحد خلف قيادته للصين سرعة في الإنجاز، وقوة التصميم علي تخطي الصعاب، وبرغم أن ذلك لم يكن بدون مشاكل، وهو ما سوف نتحدث عنه في نقاط ضعف الصين.
3 -وضوح الهدف .. تضع الصين لنفسها مجموعة من الأهداف والمشروعات العظيمة، وتعمل على تحقيقها بهمة ملحوظة، ومن أبرز مشروعات الصين للمستقبل مشروعين هما:
أ – مشروع الحزام والطريق، وهو مشروع الصين الأبرز للقرن 21، وقد تم الإعلان عنه عام 2013، ويهدف المشروع الي انشاء مجموعة كبيرة من الممرات البرية والبحرية حول العالم، ويتضمن طريق الحرير البحري ما يعرف بطريق الحرير القطبي، الذي أعلنت عنه الصبن عام 2018، لتفعيل ممرات بحرية عبر القطب الشمالي، كما يتضمن المشروع الصيني الطموح انشاء شبكة متطورة من البنية التحتية الالكترونية، وهو ما يعرف بطريق الحرير الرقمي.
وتعمل تلك الطرق والممرات علي تقوية روابط الصين الاقتصادية والتجارية والاستثمارية مع دول وقارات العالم الثلاث .. أفريقيا وأسيا وأروبا، كما تهدف الي تأمين امدادات الطاقة للصين، وتعزيز قوة العملة الصينية (اليوان) وجعلها العملة الرئيسية للتبادل حول العالم، وزيادة نفوذ الصين على المستوي الإقليمي والعالمي، وهو ما يتناقض بصورة حاسمة مع استراتيجية الأمن القومي الأمريكي، التي تم الإعلان عنها في ديسمبر 2017 والتي اعتبرت ان الصين هي المنافس الاستراتيجي للولايات المتحدة.
ب – استراتيجية " صنع في الصين 2025 " وقد أعلنت تلك الخطة في مايو 2015 مستهدفة زيادة القدرة التنافسية للاقتصاد الصيني في صناعات شديدة التطور ومجموعة التكنولوجيات الجديدة، وليست الصناعات متدنية الجودة والأسعار وكثيفة استهلاك الطاقة – التي تعاني الصين عجزا كبيرا فيها – فاهتمت الخطة الجديدة بصناعات الفضاء وما يرتبط بها من أقمار صناعية وصواريخ تفوق سرعتها الصوت، وصناعة أشباه الموصلات، والروبوتات والمركبات الألية ، والطاقة النووية، ومجالات الطب الحيوي والخلايا الجذعية، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات .. الخ.
وقد قوبلت الخطة الصينية بعداء أمريكي صريح، ومشروع الحزام والطريق الصيني بالإضافة الي خطة صنع في الصين 2025 هما أساس أغلب مشكلات الصين مع الولايات المتحدة.
4 - ليس للصين – كما دول الغرب الكبرى والولايات المتحدة – ماضي استعماري وراءها، يحد من حركتها وبضع الشكوك علي كل تصرفاتها، فالصين حتي وقت قريب كانت واحدة من دول العالم الثالث الفقيرة، وخضعت هي ذاتها لظاهرة الاستعمار في أبشع صوره ، واطلقت بريطانيا عليها في القرن 19 حرب الأفيون ، وهي واحدة من فظائع عصر الاستعمار الشهيرة، وبالتالي فحركة الصين حول العالم تحكمها – من وجهة نظر مختلف الشعوب – النية الحسنة والمنفعة المتبادلة، وليس الطمع في الموارد والمواقع كما تفعل دول الغرب.
وتحاول الولايات المتحدة من سنين تغيير تلك الصورة الحسنة للصين في أذهان العالم، بالحديث الذي بدأ يعلو عن الاستعمار الصيني لإفريقيا، وعن الامبريالية الصينية !!
وهو حديث يكثر ترديده على ألسنة " أصدقاء " أمريكا، سواء كانوا رجال دولة أو صحفيين أو كتاب أو مفكرين.
نقاط ضعف الصين ..
بالإضافة الي نقاط قوتها تواجه الصين نقاط ضعف ليست هينة في حركتها الدؤوبة نحو كسب صراع المستقبل مع الولايات المتحدة، وتتمثل أبرز نقاط ضعف التجربة الصينية في الاتي:
1 - جغرافية الصين .. الصين محاطة بنحو 14 دولة، بعضها لها معه تاريخ من النزاعات الحدودية مثل الهند، وبعضها الأخر ليس على علاقات ودية مع الصين، في حين ان دولة مثل اليابان حاولت احتلال الصين مرارا واحتلت أجزاء منها بالفعل في بعض الفترات، وتستطيع الولايات المتحدة – وهي تقوم بذلك بالفعل – تأليب تلك الدول علي الصين وصنع حزام من الدول المعادية حولها.
2 - الطاقة .. الصين أكبر مستورد للطاقة – البترول والغاز الطبيعي ومنتجاتهما -في العالم، وهو أحد نواحي النقص الخطيرة في تقدمها الهائل، وبالتالي تستطيع الولايات المتحدة عرقلة التقدم الصيني بالتحكم في الطاقة المتجهة الي الصين، أو على الأقل التأثير في أسعاره وسرعة امداده.
وليست الطاقة فقط نقطة ضعف التقدم الصيني، فحاجة الصين لأغلب المواد الخام والأولية شديدة، وخاصة المعادن ( أي تنامي حجم المعادن المستهلكة لكل وحدة من الناتج ) فالصين اكبر مستورد عالمي لأغلب المعادن، من الحديد الي الألومنيوم، ومن النحاس الي الزنك، والصين كذلك أكبر مستورد حول العالم من الصوف والخشب والقطن وفول الصويا وزيت النخيل والاسمنت.
3 – تمر أغلب تجارة الصين – تصديرا واستيرادا – عبر مضيق ملقا، ونحو 80% من احتياجات الصين من الطاقة تمر من خلاله، ومضيق ملقا ممر مائي صغير يقع بين ماليزيا واندونيسيا وتشرف سنغافورة عليه، وللولايات المتحدة وجود مؤثر في تلك المنطقة، وسنغافورة كانت حتي وقت قريب مستعمرة بريطانية، ومازال النفوذ البريطاني والأمريكي فيها قويا، وفي حالة حدوث أي نزاع أو حرب بين الصين والولايات المتحدة تستطيع الأخيرة اغلاق مضيق ملقا، وخنق الصين وإيقاف تقدمها، ومن هنا كان رد الصين بإنشاء مجموعة من الطرق والممرات البديلة، تجديدا لطريق الحرير القديم في صيغة جديدة، وهو لب مشروع الحزام والطريق.
4 - ليس لدي الصين – كالولايات المتحدة - نفوذ سياسي خارجي قوي، فبينما النفوذ السياسي الأمريكي محسوس في كل دول العالم، نجد أن الصين منكفئة علي نفسها، وبدون نفوذ سياسي ظاهر، أو دور مؤثر في المشاكل العالمية، ومؤدي ذلك أنه في حين تجد الولايات المتحدة وراءها مجموعة من الحلفاء الأقوياء، لا تجد الصين حليفا موثوقا به سوي روسيا .
5 - الحزب الشيوعي الصيني برغم كونه احد عوامل الاستقرار في الصين لكن لا أحد يعرف داخل الصين أو خارجها ما هو نوع المستقبل في الصين بالضبط، بمعني هل يستمر الحزب الشيوعي الي الابد حاكما للصين، وما الحل عندما تتعالي الأصوات في الصين طالبة درجة أكبر من الحرية السياسية للآراء والتيارات السياسية المختلفة.
ان النمو الاقتصادي المتواصل في الصين أنتج طبقات جديدة – طبقة رجال الاعمال وطبقة التكنوقراط والطبقة الوسطي – وهي فئات اجتماعية تبحث عن تعبير سياسي ملائم، وحتى الان استطاع الحزب الشيوعي الصين – بحكم السلطة التي في يده – اسكات تلك الاتجاهات، ولكن من غير المتوقع ان يستمر ذلك طويلا.
وإذن ماذا ؟
كيف ستكون حركة الدولة الصينية وقتها ؟
وهل يفتح ذلك بابا للنفوذ الأجنبي استطاع الصينيون حتي الان اغلاقه بإحكام ؟

وخلاصة كل ما تقدم .. أن كلا الدولتين تمتلكان مجموعة من نقاط القوة ونقاط الضعف، وأن حركة كلتاهما الي المستقبل وتفاعلها معه هو ما سيوضح من منهما الأقوى عزما، والأكثر ذكاء، والاطول نفسا في ذلك السباق الهائل، والذي في ضوء نتيجته النهائية سيتقرر مصير العالم لعقود طويلة قادمة.



#أحمد_فاروق_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تجربة قد تكون مفيدة للفلسطينيين ..
- من الذي تغير وتراجع .. السيسي أم اردوغان ؟
- خطأ حماس الأساسي ..
- ماذا لو قامت حرب بين مصر وإسرائيل ؟
- اردوغان في مصر .. ورحلة التحول من السيسي عدو آلله إلي السيسي ...
- الحرب علي الابواب ...
- ذكريات شاب مصري مع الثورة ...
- ظهور قيثارة الفن الجميل ..
- جزيرة المتعة .. حقيقة النخبة التي تحكم أقوى دولة في العالم .
- قراءات في القطار ..
- لماذا تقوم الحروب ؟!
- لماذا المنافسة في الانتخابات الرئاسية باهتة ؟!
- حديث مع سيدة سورية ...
- عودة إلى المشكلة الإقتصادية فى مصر .. هل آن الأوان ؟!
- الحرب والفن ... والحرب والحياة .
- قصة الفيسبوك .. ونظامه الجديد !!
- مناقشة عاقلة .. لقضية لا تعرف العقلاء !!
- كيف رقصنا - بسذاجة - على أنغام أعداءنا !!
- حساب الأرباح والخسائر ..
- نظرة على الأمس .. في ضوء ما يجرى اليوم .


المزيد.....




- -خدعة- تكشف -خيانة- أمريكي حاول بيع أسرار لروسيا
- بريطانيا تعلن تفاصيل أول زيارة -ملكية- لأوكرانيا منذ الغزو ا ...
- محققون من الجنائية الدولية حصلوا على شهادات من طواقم طبية في ...
- مقتل 6 جنود وإصابة 11 في هجوم جديد للقاعدة بجنوب اليمن
- لقاء بكين.. حماس وفتح تؤكدان على الوحدة ومواجهة العدوان
- زيارة إلى ديربورن أول مدينة ذات أغلبية عربية في الولايات الم ...
- الرئيس الصيني يزور فرنسا في أول جولة أوروبية منذ جائحة كورون ...
- مطالبات لنيويورك تايمز بسحب تقرير يتهم حماس بالعنف الجنسي
- 3 بيانات توضح ما بحثه بايدن مع السيسي وأمير قطر بشأن غزة
- عالم أزهري: حديث زاهي حواس بشأن عدم تواجد الأنبياء موسى وإبر ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد فاروق عباس - الصين وأمريكا .. لمن الغلبة ؟