|
زراعة الشيوعيّة في السعوديّة!
عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري
الحوار المتمدن-العدد: 7849 - 2024 / 1 / 7 - 16:13
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
(خواطر بعد قراءة تقرير سعود قبيلات الأمين العامّ للحزب الشُّيوعيّ الأردنيّ إلى اللجنة المركزيَّة للحزب والمنشور في الحوار المتمدن-العدد: 7848 - 2024 / 1 / 6)
تُحاصر أصحاب الفكر الشيوعيّ مآزق عديدة تتلخص في التناقض بين جوهر الشيوعيّة، وبين ظاهرها، أي شكلها، مظهرها، والذي يتبدّى في الأحزاب الشيوعيّة الرسميّة التي تحتكر هذا المدى الفسيح للفكر الشيوعيّ وتجعل منه عقيدة، شريعة، راية حمراء، مطرقة ومنجلا، لا يأتيها الباطل، لا من بين يديها ولا من خلفها، شعارات، أيقونات، معبودات، مثل شجرة الزقوم التي لا تُسمن ولا تغني من جوع. ويغيب الجوهر الحقيقي للفكر الشيوعي، ويصبح المتخيل أكثر حضوراً من الواقعي، وبذلك يتوقف قلب الشيوعيّة عن الخفقان، بوصفها حركة ثورية، وتتحول إلى شبح مُهجّن، كسول، لا يُرعب أحدًا، ويُصبح حامل الفكر الشيوعي متجهّم الفكر والوجه، ثقيل اللسان، سوداويا، كئيبا، عابسا، لا يضحك حتى للرغيف الساخن، يميل إلى الانطواء، والخوف من الآخر، ورفضه، ويتمترس خلف متاريس من أوهامه، ويفقد صفة العطاء، ويطرح الجدل من حياته، ويعيش في عزلة، فينفضّ الخلق من حوله، لا يطاول بلح الشام ولا عنب اليمن. وهذا عملياً حال الأحزاب الشيوعيّة في أغلب دول العالم، ومنها الدول العربيّة. ما العمل يا لينين؟
أدهشني ما فعله رفاقنا في تونس (كثّر الله خيرهم)، حين أصدروا كتاب "البيان الشيوعي" باللّهجة التونسيّة، ووزعوه مجانًا على عامّة الخلق بدعم من مؤسسة روزا لوكسمبورغ، بدعوى نشر الثقافة الماركسيّة في الأوساط الشعبيّة التي تطرب في العادة لغناء شعبان عبد الرحيم وأحمد عدويّة. لعل وعسى، تفهم بلهجتها العاميّة، ما عجزتْ عن فهمه بالفصحى. يقول كتاب "البيان الشيوعي" في ترجمته باللّهجة التونسيّة: "أوروبا مَفْجوعة من خُوّيفة الشيوعية. واتلمّت قوى أوروبا القديمة باش تحاربها، البابا والقيصر وزميم الثورة المضادة في النمسا مِيترْنتخ، والمؤرخ قِيزُو، اللي وقف ضد الثورة الفرنساوية، والرادكاليين الفرنساويين، والبوليس الألماني. ما ثمّاش حزب معارض ما لصقوش فيه تهمة الشيوعية، وما ثمّاش حزب معارض ما اتهموش هو زادة الخصوم متاعو من اليمين لليسار بالشيوعية، وكأن الشيوعية عار كبير. ومن هنا نخرج بزوز حاجات: أوّل شي القوات الأوروبية الكل ولات تعترف بالشيوعية، باعتبارها قوة. ثاني شي توّا جا الوقت باش الشيوعيين إيوضحو قدام العالم الكل، باش يشوف ويسمع تَصوّراتهم وأهدافهم واتجاهاتهم، وباش يواجهو خُوّيفة الشيوعية ببيان الحزب الشيوعي هذا".
وكان الرفاق في تونس لهم قصب السبق في أمر كتاب "البيان الشيوعي"، من خلال المفكر، العفيف الأخضر (رحمه الله)، والذي عمل ترجمة سمّاها "البيان الشيوعي في أول ترجمة غير مزوَّرة" على حدّ زعمه، ضمّنها تعليقات مُسهبة من قاموس الفكر الماركسي. طبعتها دار الجمل في ألمانيا، موطن كارل ماركس، وأصدرتها في نسخة ضخمة فخمة تجاوزت 350 صفحة، وذلك في عام 2015.
هل علينا أن نفرّق بين فكرة الشيوعيّة كسلاح في يد الطبقة العاملة العالمية لنيل حقوقها من خلال اتحادها وصوتها الصارخ (يا عمال العالم اتحدوا)، وبين فلسفة الماركسية التي تدفع بالفكر البشري إلى حقول معرفية فسيحة. وهل يمكنني القول مثلاً، إنّ المرء يمكن أن يكون ماركسيّاً ولا يكون شيوعيّاً؟ فأنا أعتبر بأنّ الرفيق عنترة العبسي اقترب كثيرًا من الشيوعيّة، ولم يكن ماركسيّاً، لأنه قال:
يُخْبِـركِ مَنْ شَهَدَ الوَقيعَةَ أنَّنِـي أَغْشى الوَغَى وأَعِفُّ عِنْد المَغْنَـمِ
أما رفيقنا المناضل عروة بن الورد فقد كان شيوعيّاً أصيلاً، بكلّ تأكيد، وهو القائل:
إني امرؤ عافي إنائي شركة وأنتَ امرؤ عافي إنائِكَ واحدُ أتهزأ مني أن سمنت وأن ترى بوجهي شحوبَ الحقِّ، والحقُّ جاهد أُقسّمُ جسمي في جسوم كثيرة وأحسو قراح الماء والماء بارد
والشيوعيّة على العموم (كما ترى) ليست بدعة من بدع الغرب، وهي بالتأكيد لها شروش ضاربة في الشرق. ماذا نفعل كي نفهم الشيوعيّة فهماً معقولاً؟ هل ننتسب إلى حزب شيوعي؟ فعلنا ذلك، وكانت النتيجة "صفرا مكعّبا" لم نفهم. نقرأ ماركس وأنجلز؟ فعلنا ذلك أيضًا وكانت النتيجة "نَجَحَ شحط"، يعني مع المساعدة. وفي هذا الصّدد أذكر ما نقله المفكر والباحث العراقي هادي العلوي، إذ يقول: "إنّ مسؤولاً في اليمن الجنوبي (أيام الرفيق عبد الفتاح إسماعيل) كان يضع على جدار مكتبه شهادة ببرواز مذهّبْ حصل بموجبها على درجة مئة بالمئة في الديالكتيك من الاتحاد السوفييتي في أيام الرفيق ليونيد بريجينيف". علّق العلوي: "لو قُدّر لكارل ماركس نفسه أن يدخل هذا الامتحان لما حصل على هذه الدرجة".
هل قرأتم مجلدات لينين بغلافها الأزرق التي ترجمتها دار التقدم عن الروسية ونشرتها بالعربي بترجمة، إلياس شاهين، في نهاية سبعينيات وأوائل ثمانينيات القرن العشرين؟ نعم، فعلنا ذلك وحفظنا بعض ما جاء فيها عن ظهر قلب. وماذا كانت النتيجة؟ عملياً (في تجارب أحزابنا الشيوعيّة) رسبنا في الامتحان وانفضّ الخلق من حولنا، وأمسينا لا حول لنا ولا قوّة. على كل حال لا نستطيع أن نفعل فعل النعام (مع أنني لم أر النعام يفعلها، يغرس رأسه في الرمال حتى لا يرى عدوه)، ولكنني أسأل نفسي أولاً: هل الشيوعيّة إناء ينضح بما فيه؟ بمعنى "طنجرة طبيخ" نأكل مما وضعنا فيها، لأننا في الأحلام أو "اليوتوبيا" نأكل ما نشاء، أما في الواقع فنحن نأكل مما طبخناه في طناجرنا، فأنت لن تأكل سمكًا من طنجرتك التي وضعت فيها بيضاً مسلوقاً. وكذلك في المثل "نحصد ما نزرع" فأنت لن تحصد قمحاً إذا زرعت شعيراً.
في ظنّي أنّ الأمر كذلك، الشيوعيّة تتجلّى في الصين غير ما تتجلّى في كوريا الشماليّة، وهي في الهند غير ما هي في فنزويلا أو تونس، وهي في كندا غير ما هي في السنغال أو ماليزيا، وهي في روسيا غير ما هي في النمسا أو السعودية. تضحك؟ والله العظيم (كان صرحًا من خيال) يحمل اسم "الحزب الشيوعي في السعودية" قرأتُ بعضَ بيانات مكتبه السياسي في ثمانينيات القرن العشرين في مجلة "الهدف" التي أسسها غسان كنفاني صيف عام 1969 في بيروت، وكانت ناطقة باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. هل كان في بالنا أن نجرِّب زراعة الشيوعيّة في السعوديّة؟
#عبدالرزاق_دحنون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فصل عن كارل ماركس من كتاب المثقفين
-
هل صيرورة الكون واحدة؟
-
عن رواية دمشق يا بسمة الحزن
-
تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
-
فضائل ضبط النفس
-
لا أعشق الموتَ لكنه سُلَّمي للحياةْ
-
في ذكرى رحيل الشيوعي الأخير في السعودية!
-
هكذا تكلَّم عاملٌ عن هادي العلوي
-
أين المفتاح يا لينين؟
-
تحرير ماركس من تشويهات الأيديولوجيا الشيوعية
-
عشر سنوات على مبادرة الحزام والطريق الصينية
-
الحاكم الصالح
-
نوع العالم الذي تريده الصين
-
سؤال: لماذا هنري كيسنجر في الصين؟
-
حوار مع الدكتور جودت هوشيار
-
اليسار الثوري مُقصِّر وشعاراته حامية!
-
لا يتبع الجثة إلى القبر إلا ذبابة غبية
-
الرواية إمبريالية بطبيعتها
-
الدعاية السياسية والذكاء الاصطناعي
-
في رحيل الرفيق عدنان حدادين
المزيد.....
-
رعايا أجانب يسارعون بمغادرة لبنان مع احتدام العدوان الإسرائي
...
-
مصادر عبرية: نتنياهو يهرع الى الملاجئ بعد دوي صفارات الانذار
...
-
مبعوث الأمم المتحدة للصحراء الغربية يلتقي مسؤولين من البوليس
...
-
بيان المكتب الجهوي لحزب النهج الديمقراطي العمالي بالجنوب
-
الدفاع التركية تعلن تحييد 58 مسلحا من حزب العمال الكردستاني
...
-
في الذكرى السنوية الخامسة لانتفاضة أكتوبر 2019
-
نـــــــداء حزب التقدم والاشتراكية للمشاركة في المسيرة الشعب
...
-
الصين الشيوعية تحتفل بعيدها الـ75.. هل تصمد حتى المئوية؟
-
تعزية الامين العام لحزب التقدم والاشتراكية محمد نبيل بنعبد ا
...
-
تعزية الامين العام لحزب التقدم والاشتراكية محمد نبيل بنعبد ا
...
المزيد.....
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
-
تحديث. كراسات شيوعية (الهيمنة الإمبريالية وإحتكار صناعة الأس
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
المزيد.....
|