أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبدالرزاق دحنون - هل صيرورة الكون واحدة؟














المزيد.....

هل صيرورة الكون واحدة؟


عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري


الحوار المتمدن-العدد: 7827 - 2023 / 12 / 16 - 00:50
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


مرض فيلسوف معرّة النعمان يوماَ فوصفوا له الدجاج المطبوخ مع المرق، فجاء به من يقوم على خدمته. وضع الطبق في متناول يد الفيلسوف، فامتنع عن أكله، فألحوا عليه صوناً لروحه من الهلاك، فأظهر الرّضا، دنا منه، لمسه بيده، فجزع، وقال: استضعفوك فوصفوك، هلاّ وصفوا شبلَ الأسد، ثم أبى أن يأكله، لأنه لا يأكل أحداً.

وإنك لتجد في اللزوميات سخطاً على الناس غير قليل ولكنه سخط مصدره الرحمة لهم والحدب عليهم. فما كان فيلسوف معرَّة النعمان في تقريعه إياهم إلا مؤثراً لهم بالنصيحة. وقد صدر هذه النصيحة عن نفس كريمة سخية وأما الحياء ففطرة فطر عليها، فكم ألف من كتب، وكم كتب من رسائل لأن الناس طلبوا إليه ذلك فلم يستطع لهم رداً. والكذب عدوه وخصمه، فما نعرف أن مؤرخاً استطاع أن يتمسك عليه بكذبة، على كثرة أعدائه ومخالفيه.

يقول طه حسين في مديح أخيه في محنة الحياة فيلسوف معرَّة النعمان: كان رقيق القلب، شديد الرحمة، كثير العطف على الضعيف، وحسبك أنه أمّن الحيوان من تعديه على نفسه، أو ولده أو ثمراته. ولو أنك قرأت ما في اللزوميات من محاورته للديك والحمامة، ورثائه للشاة والنحل، وبكائه على الناقة والفصيل، ودفاعه عن النحلة والجني، لقدرت ما كان له من رقة القلب أحسن تقدير.

كان فيلسوف المعرة سيء الظن بالناس، شديد الحذر منهم، فكان يحتاط أشد الاحتياط في إظهار آرائه التي تخالف ما اتفقوا عليه. لذلك يذهب مذهب المجاز في إظهار آرائه، وإن في نفسه سراً لن يُظْهِرَ الناس عليه، لأنه يخشى منهم الأذاة. وها هو يخاطب الإنسان في لزومية من خمسة أبيات التزم فيها اللام والجيم وهي من أعمق ما نظم في مجال الدفاع عن حقوق الحيوان:

روّحْ
ذبيحَكَ
لا تُعجلْهُ ميتَتَهُ
فتأخذ النّحضَ منه وهو يختلجُ
هذا قبيحٌ
وعلمي غيرُ متّسق
بما يكون ولكن في الثّرى ألِجُ
والناس
من أجل هذا الأمر في ظُلَمِ
وما أؤمل أن الفجر ينبلجُ
مضى أناسٌ
وأصبحنا على ثقة
أنا سنتبعُ فالأشجان تعتلجُ
إن أدلجوا
وتخلفنا وراءهم
شيئاً يسيراً فإنّا سوف ندّلجُ

ما أعرف أني وجدتُ في كل ما قرأت من الشعر العربي أكثر نفاذاً إلى القلب وتأثيراً في النفس من هذه الأبيات. وحين أدركتُ معناها أول مرة، جزعتُ، فبكيت على نفسي وعلى البشر. ومهما أحاول فلن أستطيع تصوير ما يملأ نفسي من الحزن حين أسمعه يقول في البيت الثاني: "هذا قبيحٌ وعلمي غيرُ متّسق" وهذا من أشد الشعر تحريكاً للنفوس وإثارة للوعة والحزن في القلب. ثم انظر إلى هذه الحسرة التي يصيح بها البيت الأخير، صيحة اليأس والقنوط: "إن أدلجوا وتخلفنا وراءهم/ شيئاً يسيراً فإنّا سوف ندّلجُ"

جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل يذبح شاة: أرهف شفرتك، فإذا فريت، فأرح ذبيحتك، ودعها تخب وتشخب، فإن ذلك أمرى للدم وأحلى للحم. عند الفيروز آبادي في قاموسه المحيط النحض "فتأخذ النّحضَ منه وهو يختلجُ": اللحم، أو المكتنز منه وبهاء القطعة الكبيرة منه. غير متسق "هذا قبيحٌ وعلمي غيرُ متّسق" في مختار الصحاح: الوسق مصدر وسق الشيء أي جمعه وحمله ومنه قوله تعالى: "والليل وما وسق" فإذا جلّل الليل الجبال والأشجار والبحار والأرض فاجتمعت له فقد وسقها. " والناس من أجل هذا الأمر في ظُلَمِ" سألت أهل العلم عن قصد فيلسوف معرَّة النعمان من كلمة "الأمر" بعد اسم الإشارة هذا، وأي أمر أقلقه وكدره، فترك الإنسان في ظلام دامس لا يعقل ما يفعل، كأنه حاطب ليل؟ فأحالوني إلى حبيب بن أوس الطائي "أبو تمام" في كتابه "الحماسة" حيث تجد في باب الأضياف والمديح لشاعر مجهول قوله:

تركتُ ضأني
توَدُّ الذئبَ راعيَها
وأنّها
لا تراني آخر الأبَدِ
الذئبُ
يَطرقُها في الدهرِ واحدةً
وكلَّ يوم
تراني مُدْيَةٌ بيدي

توضيح:
الفرق بين (الصيرورة والسيرورة) حسب الباحث والمفكر الفلسطيني الماركسي سلامة كيلة:

غالبا ما يجري إبدال: "صيرورة" بكلمة "سيرورة" حيث يظهر أن خلطاً يطال المعنيين في النصوص الماركسية. ربما كانت الكلمة الإنجليزية هي السبب في هذا الخلط، حيث أن كلمة Process تعني عملية، لكنها تترجم الى سيرورة، رغم أنها أوسع من أن تكون سيرورة، وهذا يظهر واضحاً عند التدقيق الفلسفي وليس اللغوي، وهو ما سأشير إليه. بينما نجد أن كلمة صيرورة تقابل كلمة The Happening التي تعني الحدوث كذلك. أي عملية الحدوث، وهو ما يشابه الكلمة السابقة Process.

ولا شك في أن الحدوث هو عملية، لكن لا يمكن أن نلمس الأمر ذاته في اللغة العربية بين كلمتي سيرورة وصيرورة. حيث أن سيرورة هي اشتقاق من سار، وهو ما يعني التقدم المتتالي، بينما تعني كلمة صيرورة عملية التحوّل التي تعني التقدم والتتالي كذلك، لأنها مشتقة من كلمة صار. وصار هي غير سار، لأنها أبعد وأعمق من كلمة سار التي تعني المشي، وهي أكثر تجريداً منها، لأنها تخص عملية تحوّل، عملية تقدم وتحوّل معاً. والفارق كبير فلسفياً بين الكلمتين، بالضبط لأن الأولى تشير إلى "تراكم كمي"، أي خطوة بعد خطوة، بينما تشير الثانية إلى "تحوّل نوعي" وليس تراكماً كمياً فقط، لأنها تتضمن التقدم لكن مع التحوّل النوعي في إطار أوسع.



#عبدالرزاق_دحنون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن رواية دمشق يا بسمة الحزن
- تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
- فضائل ضبط النفس
- لا أعشق الموتَ لكنه سُلَّمي للحياةْ
- في ذكرى رحيل الشيوعي الأخير في السعودية!
- هكذا تكلَّم عاملٌ عن هادي العلوي
- أين المفتاح يا لينين؟
- تحرير ماركس من تشويهات الأيديولوجيا الشيوعية
- عشر سنوات على مبادرة الحزام والطريق الصينية
- الحاكم الصالح
- نوع العالم الذي تريده الصين
- سؤال: لماذا هنري كيسنجر في الصين؟
- حوار مع الدكتور جودت هوشيار
- اليسار الثوري مُقصِّر وشعاراته حامية!
- لا يتبع الجثة إلى القبر إلا ذبابة غبية
- الرواية إمبريالية بطبيعتها
- الدعاية السياسية والذكاء الاصطناعي
- في رحيل الرفيق عدنان حدادين
- قراءة في كتاب الضلال الكبير
- وهم التخلص من الدولار


المزيد.....




- لا، جامعة هارفارد لم تستبدل العلم الأمريكي بالفلسطيني
- جامعة أمريكية ستراجع علاقاتها مع شركات مرتبطة بإسرائيل بعد ا ...
- سيئول تتهم بيونغ يانغ بتدريب -حماس-
- تغطية مستمرة| بلينكن يصل إسرائيل وشرطة نيويورك تعتقل عشرات ا ...
- رحلة إلى ماضٍ برّاق... معرض لفرقة -أبا- السويدية في مدينة ما ...
- فيديو: شرطة نيويورك تقتحم جامعة كولومبيا وتفض اعتصام قاعة ها ...
- رئيسة جامعة كولومبيا تطالب الشرطة بإخلاء الحرم الجامعي من ال ...
- كم دقيقة ينبغي أن تمشي لتعزز قوة دماغك؟
- العلماء يعثرون على عيب حيوي في اللحوم النباتية
- الجيش الروسي يحصل على قناصات جديدة تعد من أفضل بنادق القنص ف ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبدالرزاق دحنون - هل صيرورة الكون واحدة؟