أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - عبدالرزاق دحنون - تجري الرياح بما لا تشتهي السفن














المزيد.....

تجري الرياح بما لا تشتهي السفن


عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري


الحوار المتمدن-العدد: 7804 - 2023 / 11 / 23 - 22:49
المحور: حقوق الانسان
    


هذا شطر بيت قاله المتنبي، وهو بحكم المجاز كناية عن أنَّ الحياة لا تسير دائما وفق رغبات الإنسان. قال المتنبي: ما كُلُّ ما يَتَمَنّى المَرءُ يُدْرِكُهُ/تَجرِي الرّياحُ بِما لا تَشْتَهِي السُّـفُنُ. فجرى قوله مجرى المثل، وشاع استعماله بهذا المعنى في سياقاتِ متنوعة، وصار تعبيراً اصطلاحيّاً لما فيه من البلاغة. وحكايتنا التي نرويها هنا ينطبق قول المتنبي عليها انطباق غطاء الطبق على الطبق. صحيح بأن سفينتنا ناقلة نفط لا تتحكم بها الريح، ولكن مصائر البشر على السفينة ذرتها الرياح.

أربعة نيجيريين سافروا خلسة قاصدين أوروبا وهم على منصَّة موجِّه (الزعنفة الخلفية للسفينة) إحدى ناقلات النفط، لكن السفينة كانت متجهة إلى البرازيل من دون أن يعرفوا، واستغرقت الرحلة أسبوعين كاملين كادوا يموتون خلالها.

بعد منتصف الليل بقليل، حمل الشاب "رومان إيبيمين فرايداي" الطعام الذي كان يجمعه منذ بضعة أشهر -مؤنة طريق- وانطلق في الظلام إلى الميناء التجاري الكبير في مدينة لاغوس النيجيرية. في وقت سابق من ذلك اليوم، رصد فرايداي ناقلة طولها 190 متراً راسية في الميناء وقرر أنها ستكون السفينة التي ستنقله إلى أوروبا. كان فرايداي يستهدف موجِّه الناقلة - النقطة الوحيدة التي أمكن الوصول إليها على هيكلها الضخم لشخص لا يفترض أن يكون على متنها- لم تكن هناك طريقة لانتقاله من الرصيف إلى الموجِّه، غير إقناع صياد أسماك بنقله.

لقد كان رجلاً جليلاً، ذلك الصياد، يقول فرايداي متذكراً. لم يطلب المال. كان يرى أنني أريد المغادرة. عندما ثبت فرايداي نفسه على الدفة رأى، لدهشته، ثلاثة وجوه في الظلام. كان من بين أربعة رجال راودتهم الفكرة نفسها. قال فرايداي: كنت خائفاً في البداية، لكنهم كانوا أفارقة سوداً، إخوة لي، من بني جنسي.

مع ابتعاد مدينة لاغوس في الأفق حين تحركت الناقلة، حاول الرجال العثور على مواقع مريحة على الموجِّه، الذي تحرك باستمرار أثناء توجيهه السفينة، كانت هناك مساحة صغيرة للوقوف، وكان المكانان الوحيدان اللذان يسمحان بالاستلقاء عبارة عن شبكتين صغيرتين معلقتين في شكل غير مستقر فوق الماء، وضعهما مسافرون خلسة سابقون، كما افترض فرايداي. وقال: في نيجيريا لا توجد وظائف ولا مال ولا مورد رزق يتيح إطعام إخوتي الصغار وأمي. أنا الابن الأول وتوفي والدي قبل 20 سنة، لذلك يجب أن أعتني بعائلتي، لكن ما في اليد حيلة.

لقد أمضى فرايداي ثلاث سنوات يعيش في شكل متقطع في شوارع لاغوس، في محاولة للعثور على عمل. وقال إن كل يوم في نيجيريا كان بمثابة فصل من رواية "الجريمة والعقاب". الناس يكافحون ويقتلون بعضهم بعضاً والإرهابيون والخاطفون يشنون هجمات، لكنني رغبت في مستقبل مشرق وواعد أكثر من ذلك.

كان يجلس بجانب فرايداي على موجِّه الناقلة "ثانكغاد أوبيميبو ماثيو يي" وهو رجل دين وأعمال وأب لطفلين جرفت مزرعته التي يُنتج فيه الفول السوداني وزيت النخيل الفيضانات المدمرة التي ضربت نيجيريا. ولم يكن هناك أي مال احتياطي أو تأمين لتغطية الخسارة. وقال: دُمر عملي وأصبحت عائلتي من دون مأوى. كان هذا هو السبب في قراري المغادرة.

قرار "ثانكغاد أوبيميبو ماثيو يي" أصبح نهائياً بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي شهدتها نيجيريا، والتي شابها -على كل حال- شوائب كثيرة ومزاعم "تزوير الأصوات". وقال: "كانت الانتخابات أملنا، لكننا نعرف نيجيريا جيداً، ونعرف أن النظام فاسد". لذلك، من دون إبلاغ عائلته، غادر منزل أخته ليلاً وانطلق إلى الميناء، حيث كان يعلم أن الناقلة "كين ويف" كانت تستعد للمغادرة. وشهدت نيجيريا هجرة جماعية في السنوات الأخيرة، عبر طرق منتظمة وغير منتظمة، مدفوعة بالركود ومستويات البطالة القياسية. ويسافر كثر عبر الصحراء الكبرى والبحر المتوسط.

شكَّل اليوم العاشر اللحظة التي كان الأربعة يخشونها إذ طال زمن الرحلة أكثر من المتوقع. في وقت ما في الصباح، أكلوا آخر ما بحوزتهم من قوت وشربوا آخر نقطة من الماء في جعبتهم. كان الأربعة يعانون بالفعل الجوع المؤلم. قال يي: "كانت هذه أصعب لحظة على الإطلاق. كان فمي جافاً وشفتاي متشققتين تماماً. للمرة الأولى في حياتي فهمت حقاً قيمة الماء". وفي اليوم التالي، تمكن فرايداي من إرفاق غلاف ممزق للبسكويت مصنوع من السلوفان بحبل طويل وإنزاله في المحيط، على حد قوله، وجمع بواسطته كميات صغيرة من الماء المالح ليشربوها. ولعقوا معجون أسنان. وبدأوا يشعرون بالإعياء. ولم يلههم عن إعيائهم سوى مشهد الحيتان.

عندما ظهر بصيص الضوء في الأفق بعد أسبوعين من الرحلة، عاد فرايداي إلى حافة الموجّه، وحدق في الأفق، عندما شعر بأن محركات السفينة القوية بدأت في التباطؤ، ثمَّ، في الضوء الخافت، رأى يابسة، ثم مباني، ثم قارباً. كانت "كين ويف" تتوقف قبالة ساحل لتحمل طاقماً جديداً، ورصد قارب إعادة الإمداد الرجال، وتلاه قارب لخفر السواحل. وناول شرطي من خفر السواحل العالقين على دفَّة التوجيه قوارير مياه وأخبرهم أنهم وصلوا إلى البرازيل.

على البر استعاروا هواتف خليوية ليتصلوا بعائلاتهم. وفي حين بقي فرايداي ويي في البرازيل، قبل الآخران عرضاً بإعادتهم إلى نيجيريا. ينال المهاجرون إلى البرازيل رعاية طبية ومزايا أخرى فور وصولهم. وحظي النيجيريان بمأوى ودروس مجانية لتعلم اللغة البرتغالية. ويأمل يي في بدء مشروع واستقدام عائلته، في حين لا يزال فرايداي يعمل على التأقلم في مستقره الجديد، فهذه الرحلة الخطرة كانت أول رحلة يقوم بها خارج نيجيريا على الإطلاق.



#عبدالرزاق_دحنون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فضائل ضبط النفس
- لا أعشق الموتَ لكنه سُلَّمي للحياةْ
- في ذكرى رحيل الشيوعي الأخير في السعودية!
- هكذا تكلَّم عاملٌ عن هادي العلوي
- أين المفتاح يا لينين؟
- تحرير ماركس من تشويهات الأيديولوجيا الشيوعية
- عشر سنوات على مبادرة الحزام والطريق الصينية
- الحاكم الصالح
- نوع العالم الذي تريده الصين
- سؤال: لماذا هنري كيسنجر في الصين؟
- حوار مع الدكتور جودت هوشيار
- اليسار الثوري مُقصِّر وشعاراته حامية!
- لا يتبع الجثة إلى القبر إلا ذبابة غبية
- الرواية إمبريالية بطبيعتها
- الدعاية السياسية والذكاء الاصطناعي
- في رحيل الرفيق عدنان حدادين
- قراءة في كتاب الضلال الكبير
- وهم التخلص من الدولار
- حوار مع الشاعر والتشكيلي السوري منذر مصري
- عن النعام والشيوعية والشيخ زايد وماركس


المزيد.....




- منظمات إنسانية دولية والأمم المتحدة تحذر من عواقب اجتياح رفح ...
- منظمة الهجرة تعلل سبب مغادرة اللاجئين السوريين للبنان بوتيرة ...
- الجيش الإسرائيلي يحول عددا من مدارس غزة إلى مراكز اعتقال وتع ...
- هكذا تعتمد إسرائيل على المقاتلين الأجانب في ارتكاب جرائم حرب ...
- إعدام -قاتل البحيرة- في مصر..كيف يرى القانون جرائم رد الفعل؟ ...
- الأونروا تتحدث عن -شاحنات تنقل جثثا من إسرائيل إلى غزة-
- مسؤول بالأمم المتحدة: هجوم رفح يلوح -في الأفق القريب- 
- وثيقة داخلية: إدارة بايدن تدرس استقبال لاجئين من غزة
- قائمة جامعات أمريكية شهدت اعتقالات في ظل تزايد الاحتجاجات ال ...
- ما هي المحكمة الجنائية الدولية ولماذا تقلق نتنياهو وقادة إسر ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - عبدالرزاق دحنون - تجري الرياح بما لا تشتهي السفن