أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد رباص - حسن نجمي في ضيافة برنامج -قهيوة ولا أتاي؟- لعتيق بنشيكر (الجزء الثالث)















المزيد.....

حسن نجمي في ضيافة برنامج -قهيوة ولا أتاي؟- لعتيق بنشيكر (الجزء الثالث)


أحمد رباص
كاتب

(Ahmed Rabass)


الحوار المتمدن-العدد: 7848 - 2024 / 1 / 6 - 00:49
المحور: الادب والفن
    


في بداية محور آخر من هذا الحوار، أخبر بنشيكر مشاهديه بأنه سيخصص للحديث عن مدينة بن أحمد، مسقط رأس ضيفه الكريم والمكان الصغير لكنه الكبير في نظره، وما قر في ذاكرته عن هذا المكان من أصوات العيطة و"الحلقة" والأسواق وثغاء الأغنام وخوار الأبقار وهي ترعى في المروج، بالإضافة إلى صهيل الخيول وغيرها من الأصوات، طالبا من صاحب ديوان "سقط سهوا" أن يضعنا أمام الشاشة الكبرى لذاكرته وحلمه وخياله ليعرض تفاصيل وصور هذا الحضن الذي ولد فيه والذي ما زال مرتبطا به بنوع من الوفاء.
اختار صاحب برنامج "قهيوة ولا أتاي" الذهاب رأسا إلى "العلوة"، مكان "العيطة"، ملتمسا من ضيفه أن يحدثنا عن ارتباطه الوجداني والأسطوري بهذا المكان. ورغبة منه في تحديد مناط كلام جليسه، طرح بنشيكر هذا السؤال: كيف تنظر إلى منطقة "مزاب" التي قلت إن حمامة نوح نزلت فيها؟
أجاب حسن نجمي بأن ما قاله نوع من التعبير لا يخلو من دعابة توحي بأن سيدنا آدم لما أنزله الله من الأعالي والجنان ووضع قدميه فوق اليابسة لم تكن هذه الأخيرة إلا تراب بن أحمد. وعندما سأله بعض الأصدقاء عن هذه القضية قال لهم: لأن هذه المنطقة بقيت كما تركها سيدنا آدم، لم تتغير.
جاءت روح الدعابة، كما يقول الشاعر، ليبين ويعبر بقليل من المضاضة عن إحساس بأن مدينة بن أحمد انعدمت فيها حاليا أشجار التوت بعدما كانت زاخرة بها، ناعتا هذا الصنف من الأشجار المثمرة ب"البلدي" والفائق الجمال إذا قورن بالصنف "الرومي" الذي كان هو الآخر حاضرا بعين المكان، والمهجن وفق منشط البرنامج.
لا زال حسن يتذكر طرق ومسالك بن أحمد وكيف أنها كانت مغطاة بججارة الرصف (pavés) وكان كل من يرتادها يشعر وكأنه يتمشى فوق شوارع باريس. كانت المدينة غاصة عن آخرها بالأشجار، ما جعل هواءها نقيا وعليلا وحباها بمناخ محلي (mocroclimat)؛ الشيء الذي حدا بالفرنسيين إلى أن ينشئوا فيها مستشفى لعلاج المرضى بالسل، وكان آنذاك أكبر مستشفى على صعيد القارة الإفريقية يضاهي من حيث الأهمية المستشفى الموجود بضواحي مدينة أزرو.
يواصل حسن نجمي النهل من ذاكرته الحية ليقول للمشاهدين أن ساكنة مدينة بن أحمد كانت متواضعة من حيث عدد سكانها إذ لم يزد عن خمسة عشر نسمة بينما تجاوز الآن ثلاثين ألف نسمة. ومع ذلك لم تتغير، إن لم نقل إنها أهملت كثيرا بشكل محزن ومؤسف.
ولاحظ مؤلف "الناس والسلطة" أن بن أحمد يغلب عليها الطابع الزراعي والفلاحي وهو ما يجعل من الممكن تعزيز اقتصادها المحلي بوحدات صناعية تنتج مواد غذائية اعتمادا على غلالها. ومن باب تداعي الكلام، ذكر حسن أن مدينته حاضنة لحي صناعي غير أن بناءه لم يكتمل كمشروع بفعل تسلط عدد من المنتخبين المخلين بالمسؤولية عبر تاريخها المعاصر، دون أن يعني ذلك أنها تعدم أناسا طيبين وأخيارا. وبحكم أن حسن واحد من هؤلاء الأخيرين، سأله مضيفه عن السبب الذي حال دونه وتحمل هذه المسؤولية، فأجاب بأنه لا يسكن في بن أحمد بشكل دائم، مؤكدا على أن الأمر يقتضي التواجد في المدينة وتحقيق النجاح بعد الترشح في الحي لنيل العضوية في المجلس البلدي بحيث يجب أن يكون المرء ملاصقا للناس وأن يقدم لهم يوميا خدمات مع إسنادهم ودعمهم والاشتغال معهم، أما وأنت تسكن بالدار البيضاء ثم تنتقل للإقامة في الرباط، فكيف يتسنى لك تسيير مصالح الناس؟ عبر الهاتف؟ هذا غير ممكن. يمكن للمسؤول البرلماني القيام بذلك، لأن العمل الأساسي للبرلماني يتم تحت قبة البرلمان، وبصفته ممثلا للأمة يدافع عن مدينته على المستوى المركزي في العاصمة لدى الوزرات والمصالح الحكومية المختلفة، إلخ..
على كل حال، يواصل حسن نجمي، يوجد بالمدينة أناس يمكن أن يلعبوا دورا مهما في إصلاح ما يجب إصلاحه واستدراك ما ينبغي استدراكه؛ إنما يفترض أنهم سيكونون في حاجة إلى من يساعدهم ويتعاون معهم من أجل تحقيق هذا الهدف، مع أنه ليس من السهل إقناع مسؤول حكومي بأن يسايرك لغاية تفعيل مشروع في مدينة تفتقد للموارد وتحتاج دوما لصندوق التنمية بوزارة الداخلية، إلخ..
استيحاء لما في السياسة من شجون، سأل بنشيكر ضيفه المحترم عن الحل الذي يقترحه من أجل إخراج المدينة من ظلمتها. بكل صراحة، أجاب حسن بأن ألف حل وحل وألف وصفة ووصفة تسقط في الماء؛ لأن هناك، في تقديره، وقالها بكل وضوح، إرادة معينة ضد هذه المنطقة، نوعا من السخط المنصب عليها. بالنسبة إليه شخصيا، يعتبر هذا الوضع السلبي السيئ والمتردي لمنطقة بن أحمد، شأنها في ذلك شأن عدة مناطق ومدن أهملت (نسيت، على حد قول بنشيكر)، ناتجا عن قرار سياسي معين. للتدليل على قوله هذا، لجأ حسن إلى سجل ذاكرته ليتذكر المرحوم نوبير الأموي عندما خاطب مباشرة وزير الداخلية الراحل إدريس البصري أيام الاكتتاب لبناء مسجد الحسن الثاني، وكانت آنذاك مدينة سطات هي المدينة الأكثر ظهورا على شاشة التلفزيون مع حصولها على أعلى المداخيل. حينذاك قال الأموي للبصري: هذا غير ممكن، سيدي الوزير، كيف تحظى سطات بقدر من الدخل يفوق ما تحصل عليه الدار البيضاء التي تأوي أكثر من 70 % من أنشطة الاقتصاد الوطني؟ أجابه الوزير بأن ذلك ممكن.. فما كان من الاموي إلا أن رد عليه قائلا: اسمح لي، أنا أعرف مناطق في إقليم سطات فيها ناس في البادية يتعدر عليها الحصول على قوتها اليومي، وتعيش وضعا على درجة كبيرة من الصعوبة، ومع ذلك أرغم القروي على المساهمة في الاكتتاب، ليس لأنه يملك سيارة أو شاحنة، وإنما فقط لأن له كلبا أو دجاجة، هذا غير معقول، اللهم إن هذا لمنكر، ولا أملك إلا أن أستنكره. فقال البصري للأموي إنك لا تحوز على حجج تدعم قولك هذا، فرد عليه بأنه يستطيع أن يأتي له بعشر حجج من بن أحمد وأن يوافيه حتى بالأسماء إذا كان في حاجة إليها.
كانت هناك، يتابع حسن، دائما إرادة، لأسباب تاريخية وسياسية، ضد منطقة مزاب. ويعتقد المتحدث أن سكان هذه الأخيرة، من الناحية التاريخية، على عهد السلطان مولاي عبد العزيز، تعرضوا لمحن حقيقية تكلم عنها مؤلف كتاب "إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس"، المؤرخ عبد الرحمن بن زيدان، وصاحب كتاب "الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى"، أحمد بن خالد الناصري الذي وصف كيف أن الدولة المركزية مارست نوعا من التقتيل والإهانات. تخيل أن كبار منطقة بن أحمد اقتيدوا وقد لفت على رقابهم الحبال وتم سحبهم وهم ماشون على الأقدام تحت إمرة فرسان المخزن في تلك الفترة في اتجاه سجن الصويرة. من هؤلاء المعذبين من مات في الطريق ومنهم من لفظ أنفاسه في سجن الصويرة، ومنهم قياد المنطقة، يقول حسن مؤكدا على أن هذه المعطيات مذكورة في كتب المؤرخين.
منذ ذلك الوقت، "بن أحمد ما ربات الريش". وفي إحدى المرات، استدعت عمالة سطات برلماني بن أحمد، المرحوم الحاج أحمد المعروفي، لحفل أقامه إدريس البصري ودعا إليه منتخبي المنطقة ورجال السلطة والأعيان، وفي غمرة الاحتفال رفع المعروفي أصبعه ملتمسا من الوزير السماح له بالكلام ليقول له إن بن أحمد تعاني من العطش، فقال انتظر حتى يتم تزويد سطات بالماء ليمكن لك الحديث عن بن أحمد. مرة أخرى، في اجتماع آخر مع إدريس البصري، اقترح عليه نفس النائب البرلماني إنشاء وحدة صناعية في بن أحمد لأجل توفير مناصب الشغل لجزء من ساكنتها، فقال له الوزير البصري: انتظر حتى تحصلوا على الماء ليتسنى لكم بعد ذلك المطالبة بمصنع.
هنا، في هذا المقام، تذكر حسن نجمي قصة "العروبي" مع الكلب الذي وجده ذات صباح من صباحات رمضان "يشمشم" حول المطبخ فضربه وقال له: "شفتينا طيبنا شي حاجة وخبيناها عليك؟". في المساء، قبيل الإفطار، عندما انتهى أهل الدار من إعداد حساء "الحريرة" وانتشرت رائحتها في الأرجاء جاء الكلب ليحوم حول المطبخ كعادته، فعالجه رب البيت بضربة عنيفة موجعة قائلا له: "شفتك كتسابق معنا، ظال صايم؟"
(يتبع)



#أحمد_رباص (هاشتاغ)       Ahmed_Rabass#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حسن نجمي في ضيافة برنامج “قهيوة ولا أتاي” لعتيق بنشيكر (الجز ...
- حسن نجمي في ضيافة -قهيوة ولا أتاي- لعتيق بنشيكر (الجزء الأول ...
- نداء مجموعة من المثقفين العرب إلى قوى العمل الوطني الفلسطيني
- رهانات تمازيغت بالمغرب
- لحظات مؤثرة ومفجعة: أهم الأحداث التي طرأت خلال عام 2023 في ا ...
- الخلافات الفلسفية وتحدي التكامل والتحقيق المفاهيمي (الجزء ال ...
- تأسيس لجنة وطنية لدعم حراك فكيك ومطالب فكيك وعموم جهة الشرق
- بوزنيقة: منع وقفة أحتجاجية ضد افتتاح متجر كارفور
- الخلافات الفلسفية وتحدي التكامل والتحقيق المفاهيمي (الجزء ال ...
- عيشة قنديشة.. ثلاث روايات لقصة الكونتيسة اللعينة
- النائبة البرلمانية نبيلة منيب تدخل على خط حملة الاعتقالات ال ...
- بوزنيقة: المجلس الوطني لفدرالية اليسار يعقد دورته بوزنيقة: ا ...
- الرعاية الصحية بالمغرب: انضمام الطلبة والمهنيين إلى الاحتجاج ...
- عزيز عقاوي يرد على إدريس لشكر دفاعا عن الحراك التعليمي
- غميمط يقدم عرضا وافيا لتفاصيل الحوار الذي أجرته اليوم نقابته ...
- حسن الحيموتي نائب الكاتب العام لنقابة الإفنو يسرد تفاصيل الح ...
- إطلالة على لوحة قيادة الاستراتيجيات القطاعية في الاقتصاد الو ...
- رد الجامعة الوطنية للتعليم على إغلاق الحوار من طرف الحكومة ( ...
- جدل فيسبوكي: أربع نقابات وتقابات أربعة
- نقابات اربعة وأربع نقابات


المزيد.....




- أسعدى وضحكي أطفالك على القط والفار..تردد قناة توم وجيري 2024 ...
- منصة إلكترونية أردنية لدحض الرواية الإسرائيلية في الغرب.. تع ...
- “نزلها الان” تردد قناة نيمو كيدز الجديد Nemo kids 2024 لمشاه ...
- مشاهير الموضة والموسيقى والسينما.. في مهرجان ميت غالا حمل عن ...
- متحف -للنساء فقط- يتحول إلى مرحاض لـ-إبعاد الرجال-
- إيران تقيم مهرجان -أسبوع اللغة الروسية-
- مِنَ الخَاصِرَة -
- ماذا قالت الممثلة الإباحية ستورمي دانيالز بشهادتها ضد ترامب؟ ...
- فيلم وندوة عن القضية الفلسطينية
- شجرة زيتون المهراس المعمر.. سفير جديد للأردن بانتظار الانضما ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد رباص - حسن نجمي في ضيافة برنامج -قهيوة ولا أتاي؟- لعتيق بنشيكر (الجزء الثالث)