أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - ديمقراطية دقلو














المزيد.....

ديمقراطية دقلو


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 7845 - 2024 / 1 / 3 - 22:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مبدأ القول، نحن لا نزال لا نملك عسكرية بالمفهوم الحديث. وما لدينا هو امتداد لمفهوم الفتونة الذي قد لامسه أديبنا الرائع نجيب محفوظ في رواياته عن الحارة المصرية. ثم بعد استقلالنا من المحتلين الأجانب، نمى الفتوة الصغير واستفحل عدد وعديد قواته إلى الدرجة التي نسميها اليوم مجازاً "جيش". لكن هذا الأخير، في جوهره، قائم على نفس مفهوم الفتوة: رجل قوي محمي بقوة رجاله المسلحين من حوله، يهيمنون على موارد منطقتهم ويجبون الإتاوات من سكانها. في المقابل، الجيش الحديث ليست له موارد خاصة أو عامة، ولا يملك حتى رواتبه ونفقات سلاحه، ولا يحصل على أي نسبة من الإتاوات التي تُحَصَّل من السكان. أكثر من ذلك، لا يملك أفراده حتى أمر البقاء في مناصبهم العسكرية، أو مغادرتها إلى الحياة المدنية.

في تشبيه آخر، لا تزال الجيوش العربية أشبه بالمافيات والميليشيات والعصبيات القبلية لكن على نطاق أكبر. في بقائها، هي تعتمد بالكامل تقريباً على قوة سلاحها. بهذا الأخير، يمكنها أن تفرض إرادتها وتفعل كيفما تشاء بالموارد العامة وبالسكان أنفسهم. في المقابل، الجيوش النظامية الحديثة تُشبه البودي جارد، حارس شخصي بعقد إجارة، لكن لحماية شعب بأكمله وليس فرداً أو مجموعة منهم بالذات. هؤلاء أمرهم، وسلاحهم وراتبهم وحوافزهم، موكلة إلى الجهة المتعاقدة معهم. هي التي تقرر لهم مهماتهم، وتصرف لهم نفقاتها، وتُقيم إذا ما أنجزوها أو أخفقوا، وتكافئهم أو تجازيهم. هذا المتعاقد، أو رب العمل، هو القانون الذي يسنه ممثلون عن السكان المدنيين. وعندنا، لا يوجد ممثلون عن السكان المدنيين يسنون قوانين. بل القانون يصنعه هؤلاء الأقوياء- المسلحون- أنفسهم.

محمد حمدان دقلو، أو حميدتي، هو أحد هؤلاء الفتوات، أو قادة الفصائل والميليشيات والكتائب والمجموعات والأذرع المسلحة التي باتت تملأ المنطقة العربية طولاً وعرضاً. هو ابن القوة المسلحة، وهي من صنعته. وهي أيضاً من سيحميه ويضمن له البقاء ومزيداً من الثراء. ما هي، إذن، حاجته إلى الديمقراطية؟

هو يحتاج الديمقراطية لمساعدته فقط في التخلص من خصم أو خصوم آخرين من الأقوياء المسلحين مثله. هو يطمع في أن يصبح الفتوة الأوحد، فتوة البلاد كلها، لا فتوة حارته أو قبيلته أو ولايته فقط؛ يريد أن يرث تركة فتوته المخلوع الذي صنعه، عمر البشير، كاملة غير منقوصة، وله وحده كما كانت لجميع من سبقه من الحكام الفتوات. والديمقراطية تكتيك يُغري به البعض لينصرفوا عن خصومه ويلتفوا من حوله. أو هي على الأقل تُحدث نوعاً من التشكيك والبلبلة في المعسكر المقابل؛ نوعاً من الحرب النفسية التي تُربك وتُوهن المعنويات. لكنه ليس بحاجة حقيقية إلى الديمقراطية لبلوغ غايته. من الأصل، ليس للديمقراطية أي فضل فيما قد وصل إليه حتى الآن. لقد أصبح واحد من أقوى وأغنى الرجال في السودان والإقليم بقوة السلاح، من دون أي انتخابات أو ديمقراطية على الإطلاق.

كذلك خصمه، قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان. هو أيضاً من صناعة تنظيم قوامه وعقيدته استعمال القوة. أكثر من ذلك، هذا التنظيم المسلح، المسمى جيش، لا تعلوه أو ترأسه أي سلطة على الإطلاق. هو سلطة نفسه والحاكم بأمره. وهو لم يتعلم ولا يفهم غير لغة القوة. فإذا كان كذلك، هل يُعقل التمني أن تثمر وعوده عن أي قدر من المشاركة الديمقراطية أو الحكم المدني؟

إذا كانت البذرة المزروعة بيدك وأمام عينيك حنظل، هل يُعقل التمني أن تَنْبُت منها شجرة تفاح؟! وإذا كان العسكري بتعريفه هو الأمر والنهي تحت تهديد السلاح، هل يُعقل أن تتوقع منه القبول بالحوار والتنازل الموصل إلى المشاركة والديمقراطية؟! حميدتي والبرهان كلاهما عسكريان يحتميان تحت قوة السلاح، في الماضي والآن، ويحتكمان له عند اللزوم. أين الديمقراطية، سواء في نشأتهما أو بقائهما؟ لنفترض أن الرجلين قبلا بالحوار والتنازل، مع من سيتحاورون وإلى من سيتنازلون؟ هل مع وإلى فتوات مسلحين أمثالهم، أم مع وإلى مدنيين لا حول لهم ولا قوة من دعاة الديمقراطية وحقوق الإنسان؟!

الحكم العسكري يُخَيّرك بين اثنين لا ثالث لهما: حياتك أو حريتك. وبالطبع نحن جميعاً نريد الحياة، مهما كانت بائسة ومزرية ومحبطة ومخزية. في الأخير، أي حياة مهما كانت أفضل من الموت. وفي هذا الصدد، خيار الحياة المخزية تحت تهديد سلاح جيش البرهان أفضل من الحياة تحت تهديد سلاح ميليشيا خصمه، حميدتي. لماذا؟ لأن التنظيم المسلح الذي يترأسه البرهان، رغم كل سلبياته، يبقى هو الأكثر مهنية، والأوسع والأشمل تمثيلاً جغرافياً وديموغرافياً لولايات وسكان السودان. هو يمثل أقصى تنظيم وطني للقوة استطاعت أن تحشده السودان عبر تاريخها الحديث. في المقابل، يقتصر تنظيم دغلو في معظمه على قوات تعود أصولها إلى أبناء قبيلته ومناطق بعينها دون غيرها في السودان، إلى حد التمييز العنصري والتطهير العرقي ضد قبائل سودانية أخرى مثل اﻟﻔﻮر واﻟﺰﻏﺎوة واﻟﻤﺴﺎﻟﻴﺖ.

في النهاية، لا الجيش السوداني برئاسة البرهان ولا قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي سيجلبان الديمقراطية للشعب السوداني. وطالما لن توجد ديمقراطية في جميع الأحوال عبر مثل هذه التنظيمات، لا يتبقى سوى خيار واحد يمكن على أساسه تقييم أدائهما والمفاضلة بينهما- الأمن الذي يحمي الأرواح ويصون الممتلكات. أي من الفتوتين السودانيين المتناحرين اليوم هو الأقدر في حفظ الأمن وفرض النظام وبسط الاستقرار عبر ربوع السودان كافة؟ بالطبع الجيش السوداني هو الأكثر عدداً وعديداً، والأكثر حرفية والأشمل تمثيلاً للسودان والسودانيين. بينما دقلو يخص بالحماية والثروة أقاربه، وبالحرمان والنهب والقتل الآخرين الذين قد يشكلون أغلبية السودانيين.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظام عربي من دون سوريا والعراق؟
- يا أنا يا بطاقة التموين
- الإرادة الفردية والسلطة في الثقافة العربية
- مفهوم القوة في العصر الحديث
- تشريح لمفهوم المقاومة في ثقافة العرب
- الذكاء الاصطناعي في الحرب وأثره على الجيوش
- صعود الديمقراطية الأُصولية-2
- مُسائَّلة في غايات طوفان الأقصى
- صعود الديمقراطية الأُصولية
- بوتين من اجتثاث النازية إلى محاربة الإمبريالية
- المقاومة وعسكرة المجتمع العربي وعلاقتها بالتطرف
- تعريف النصر والهزيمة في وعي ثقافة مأزومة
- شَجاعةٌ تَحت الأرضْ: حين يَختل ميزان الخير والشر
- في طوفان الأقصى، زوال إسرائيل أم الإخوان المسلمين؟
- هل تَقْدر الولايات المتحدة على ردع روسيا والصين معاً؟
- بِدَعْ الضلال الست المُهلكة في القرون الوسطى
- الست الموبقات في نظر المسيحية القروسطية
- فَلِسْطين، حكاية شعب
- فِلِسْطين
- ماذا بعد الطوفان؟


المزيد.....




- بسبب حرب غزة.. خطاب مرتقب لبايدن في كلية مورهاوس يثير القلق ...
- السعودية.. فيديو أسلوب و-حشمة- الأميرة هيفاء بتسليم أوراق اع ...
- ألمانيا تغرق.. إجلاء المئات في الجنوب الغربي بسبب الفيضانات ...
- صحيفة: قطر أبعدت قادة حماس عن أراضيها لأسابيع بسبب مفاوضات غ ...
- قانون التعبئة العامة الأوكراني يثير مخاوف المغاربة مزدوجي ال ...
- ليبيا.. الداخلية بحكومة حماد تنفي مقتل النائب إبراهيم الدرسي ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن تصفية -المطلوب المركزي- في مخيم جنين
- -بسبب هؤلاء البلهاء-.. ترامب يحذر من اندلاع حرب عالمية قبل ا ...
- تحذير بوتين للغرب يثير هلع مرشحة للرئاسة الأمريكية
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /18.05.2024/ ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - ديمقراطية دقلو