أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إيرينى سمير حكيم - سيركية الساحات الثقافية ومَسرحتها















المزيد.....

سيركية الساحات الثقافية ومَسرحتها


إيرينى سمير حكيم
كاتبة وفنانة ومخرجة

(Ereiny Samir Hakim)


الحوار المتمدن-العدد: 7819 - 2023 / 12 / 8 - 00:39
المحور: الادب والفن
    


أصبحت الثقافة في زماننا سيركية للغاية، ومسرحية استعراضية بغير ثقافة أو غاية، أبطالها المزيفون في المقدمة، جاعلون المفكرين الفارقين، والموهوبين الحقيقيين بها، في خلفية مَشاهِد حضورهم المبتذَل، مصارعون على تحويلهم إلى كومبارسات، تبشيرهم الثقافي الأعوَج، سارقون بحِرَفيَّة النشَّالين، لفاعلية المبدعين الواعين، مُحتالون على اللحظة المتألقة، مُدَّعون الموهبة، متربصون بأمجاد المثقفون الحقيقية، متلصصون على كرامة المعرفة، التي تلمع في عقول الباحثين الجادين، ويتحسرون على فقدانهم لامتلاكها، فينقشون أفكار المفكرين الصادقين، وتشكيلات فطنتهم، في دفاتر حضورهم الركيكة، ثم يُطلقون أسماءهم الرخيصة عليها، مُنتحلون الصفات الثقافية، مُحتَّلون صدراة ساحاتها، بنجاح الأراجوز في ضوضائيته وصَيحاته، مُقبلون للأيادي المُصفِّقة، عبيداً للَّفت الأنظار، نحو أمجادهم الهزيلة الزائلة، المُحقَّقَة بخطوات رقصاتهم السفيهة، على سطح المعرفة.

هؤلاء الممثلون المفتَعَلون من المثقفين، تترعرع فيروساتهم في أجواء التمثيل الجَهوري، وذبابية الجماهير المخدوعة، مثقفون متلونون، يطلّ المدَّعي منهم، على خشبة مسرحهِ الواهي، كمؤدي المونودراما، المتعدد الشخصيات، بحركاته المتغيرة المغايرة، ونبرات صوته المتلاعبة، إنَّهم سيركيون بامتياز، كثيري الأوجه، ومتعددي المبادئ والتحركات.

ولكن ... كل منهم يُكمِّل البعض الآخر ... فالمهرج، يُمِّهد لحضور الساحر، والأسد المريض، يقدم فقرته المُهينة، إلى جانب الكلب الضئيل!

عرض ثقافي لمهرج يمتطي أعلى درجات الزيف، فترتفع أعين الجماهير، نحو استعراضه الدون كيشوتي، لحذرٍ كاذبٍ، في مواجهة الهمجية والجهل، مُتأرجحاً فيها بتوازنه المُهتَز، وضميره المُهترئ، على حبال تغييب المتفرجين بعلمهِ الناقص، ووعيه الزائف، في حالة من التصفيق الحاد المرض الانتقائي، والإعياء الإدراكي.

ثم في حالة من الذهول المغفِّل للجماهير، الضعيفة الوعي، الخاضعة للمزاج، يأتي ساحر، ليستعرض قواه الخبيثة، فيتسلل إليك في نشوة الفضول، ليشتت انتباهك، ويسرق ساعتك من معصم قواك وتحكمك في ذاتك، ليقدم بها عرضه المأجور.

انتبه أيها المُنبهر! فقد سرق هذا الساحر من واعٍ حقيقي بخبايا الموقف، ومبدع حق، فرصته في الظهور، وليس هذا وحسب، بل سرق مجهوده قبلاً، وزيَّف حق تدوين اسمه عليه سَلَفاً، ثم أتى الدور عليك أيها المتجمهر الساذج، والمُشيِد بعرض ثقافة هذا الأرعن القارح، ليسرق فكرك، ووعيك، وساعة انتباهك من غفلتك!
إنَّها عروض .. لمزادات بيع الضمير المعرفي، ومزايدات إدعاء الوعي!

يندهش فيها المتفرجون، الجائعون للدَهش والمفاجآت الذهنية السطحية، فيُنَوَّمون مغناطيسياً بساحر ركيك الألعاب الذهنية، الجديرة بسبي أفكار الحاضرين المُتساهلين، وسَلب قوى وعيهم، وفرص نضج اختياراتهم، فيسقطون بسلاسة، في شِباك ضعف قدراته، مُستسلمين كدمى مطيعة، سهلة الشكيل والتوجيه والترديد.
جمهور يذهب بقدميه إلى دجاليّ المعرفة، من مُحترفي الشعارات الرنَّانة، والمصطلحات المتعجرفة، مَن يقدحون بخور عناوين معلوماتهم المقصوصة، فوَّاحة الرائحة، واسعة الانتشار بين خُشم التمييز الثقافي، الذين لا يميزيون بين الحقيقيّ والغاش، الذين يأخذون لقمة الوعي من ذوي أنصاف المعرفة، لأن ضمائرهم راضية بالأنصاف الواهية، ولا تتحمَّل مسؤولية الحقيقة الكاملة!

والحق أنَّ هذه الأجواء الثقافية المُفبرَكَة، لا تلوث مدارك ونفوس وأهداف تابعيها وحسب، بل تُشوِّش بجلاجل ادعائاتها، من ثياب المثقف البلياتشو، في طريقهِ لنشر تراهاته، بين طالبي المعرفة، على انطباعاتهم النفسية، ونتائج أبحاثهم العقلانية، فتؤثر حتى على الصادقين، الناشدين لجوهر التثقف، لا فقط على الخانعين له، من جماهير التلفيق والكذب، والنصف رؤية.

ويتفاقم هذا التأثير السلبي على الثقافة، في زمن "السوشيال ميديا"، والتكنولوجيا المُتطوِرة، الصَخبة الاستخدامات، والتي أصبحت مرتَعاً، لدجالي الوعي، أراجوزات الثقافة، وبهاليل الحكمة، المُتلوِّنين حسب المصالح الموَثَّقة، بحجم الألقاب، وأعداد المتابعين.
ويُزيد الأمر سوء، سلبية وانهزامية، مَن هم أحق بمنابر التعريف والتعليم والتنوير، أمام السيل الجارف لعبثية عملية التثقيف، ومجرياتها في الوقت الحالي، وسرعة انتشارها وشهرة أراجوزاتها، الذين يتقاذفون فيما بينهم، المدح والألقاب المُحفِّزة للجشَع، والسُلطان الذهني على تابعينهم برشاقة أكروباتية، وخدع سحرية بصرية عقلية، يُثلَج لضلالاتها صدور الباحثين عن أنصاف المعرفة، المخادعين المخدوعين، الذين لا يستحقون شفقة الاحترام أو التقدير، لأنَّهم شحاذون أمجاد الوعي الباطل، فهم لا يطلبون قوة المعرفة وعمقها وحقيقتها، بل مظهرها، مكتفين بما يُلقيه عليهم أسياد عقولهم المثقفون المزيفون، من فتات الثقافة السام، هؤلاء الذين يَسخرون منهم في قرارة أنفسهم، ويُسخرونهم لنشر ضلالاتهم المعرفية بينهم وبهم، مشجيعنهم على الفخر الوهمي بهم وبأنفسهم، فقط لأنَّهم تابعين لهم، وهؤلاء الجماهير ما هم إلا ذباب، لا يعرف إلا مناطحة مصادر النور، بينما هم هاوون للاستسلام والالتصاق بقطع الخراء كما بقطع الجاتوه، فاقدين لقيمة الفرز المُدقِق، وكرامة البحث الجاد.

وبسقوط هؤلاء الأمناء في قوالب الإحباط، المُتمثل عادةً في التنظير، والاكتفاء بالإشارة من بعيد على هذه الدعاية الدجالية المعرفية الواهية، يُفسَح الطريق أمام طغاة استباحة التنوير، ويُسهَّل لهم الاستمرار في إظلامه وإفساده، والتسبب في تمزيق وتشتيت وعي مجتمع بأكلمه! فمواصلتهم في طريق مصالحهم وأنانيتهم وتمثيلهم، هو قدرتهم على النجاح المسترسل، في مثل هذه الأجواء، الموبوءة بالاكتفاء بالازدواجيين والخبثاء.

لذا فإنَّه على المستنيرين الحقيقيين، والمرشدين التثقيفيين الصادقين، الاستمرار أياً كانت حيثيات موت الوعي والضمير مِن حولهم، فهم المسؤولون الأساسيون، لدفع مركبة السلامة إلى عمق بحر المعرفة، وهم منَ منوط بهم الاستمرار والمثابرة، لا المتصنعين والمُلفقين، وذلك مهما كان نشاط السيركيين المحيطين، ومُصدِقيهم المُتعجرفين بقشرة الثقافة والمعرفة، لذا واجب عليهم أن يُجرِّدوهم بكفاحهم المعرفي الحيّ، من كل مجد ذاتي شعبوي، كاذبٍ ميتٍ مميت.

أما عن دور الباحث المخلِص عن التثقف، فإنَّ سُبُله الوحيدة للنخر في أبراج الغباء العاتية تلك، هي في التزام النيَّة الصادقة، في البحث بين ثنايا المعلومات الرائجة، والتدقيق في مرجعية الأقلام والحناجر ذائعة الصيت، القاصدة للشهرة والتبعية، الباحثة عن أرقام من بشرٍ وأموالٍ، والصبر على نتائج الاستقصاء، والقبول بالحقائق كما هي، دون تجميل أو تحوير.

كما يجب على كل مُبتغٍ حقيقي للتثقف، أن يواجه بشجاعة، كل ما تقبَّلَه المثقف السيركيّ في داخله، وكل حيثيات المراهقة الفكرية، التي مر بها قبلاً، وجعلت منه صَيدة فكرية سهلة، لأحد هؤلاء الممثلين الفاشلين والسيركيين الفاشيين، بهذه المعلومة أو تلك، وعلى هذا المثقف الناشئ النضج البحثيّ، ألَّا يتخلى عن ضميره الإنساني تحت أي ظرف، وفي ظل أعتى المواجهات الداخلية قبل الخارجية، هذا الضمير الذي يجعل منه نافعاً، لا مُنتفعاً وحسب، وبهذا التوازن، يكون عملياً وفعلياً قادراً، على مواجهة أنصاف الحقائق ومُروِّجيها، ضارباً في مقتل، كل فرص هؤلاء المُحتالون في الانتشار، وائداً لفتنتهم المعرفية في مهدها.



#إيرينى_سمير_حكيم (هاشتاغ)       Ereiny_Samir_Hakim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثبات الانفعاليّ للإيمان
- محطات الموت وميكانيزمات النجاة
- الحجارة وأولاد إبراهيم
- لا تتركوا الحياة لقَتَلة الحياة
- يا صخرة جثسيماني
- تشابهات رصد المجتمع بسجن النساء في المسلسل المصري وفيلم شيكا ...
- المعمودية هي اللقاء .. فلاقينا!
- أحزمة العفة في القرون الوسطى أحد أقنعة ختان الأنثى!
- النسخة الأثقل منك ألقِها عنك!
- في مناخٍ آخر العجز يُصبح قدرة مُجدداً!
- الآلام والضيقات!
- المواطن الذي تُشرِق لأجلهِ الشمس!
- قاتل كارمن هو قاتل نيرة!
- نيرة تحت التهديد منذ قتل خوزيه لكارمن!
- دموع مريم!
- اتجاه عالمي لتعهير مظهر المرأة!
- الشمس لا تُشرِقُ لك وتَغرُبُ لي!
- لماذا يستحق محمد صفاء عامر لقب إمبراطور الدراما الصعيدية؟!
- هَلُم أيها البحر العَنيد!
- لعبة الاختيارات


المزيد.....




- من هو الشاعر والأمير السعودي بدر بن عبد المحسن؟
- وفاة الشاعر الأمير بدر بن عبد المحسن
- بتهمة -الغناء-.. الحوثيون يعتقلون 3 فنانين شعبيين
- دراسة تحدد طبيعة استجابة أدمغة كبار السن للموسيقى
- “أنا سبونج بوب سفنجة وده لوني“ تردد قناة سبونج بوب للاستمتاع ...
- علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي ...
- استقبل الآن بجودة عالية HD.. تردد روتانا سينما 2024 على الأق ...
- -انطفى ضي الحروف-.. رحل بدر بن عبدالمحسن
- فنانون ينعون الشاعر الأمير بدر بن عبد المحسن
- قبل فيلم -كشف القناع عن سبيسي-.. النجم الأميركي ينفي أي اعتد ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إيرينى سمير حكيم - سيركية الساحات الثقافية ومَسرحتها