أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة - إيرينى سمير حكيم - نيرة تحت التهديد منذ قتل خوزيه لكارمن!














المزيد.....

نيرة تحت التهديد منذ قتل خوزيه لكارمن!


إيرينى سمير حكيم
كاتبة وفنانة ومخرجة

(Ereiny Samir Hakim)


الحوار المتمدن-العدد: 7352 - 2022 / 8 / 26 - 22:37
المحور: ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة
    


كارمن، تلك البطلة لرواية الفرنسي "بروسبر مريميه"، الغجرية الحسناء ذات السحر الخاص، التي قابلت خوزيه الضابط في ظروف درامية خاصة، ليترك بعدها كل مجد وملذات الدنيا، باحثاً عن جميعها في عشيقته، كارمن، كانت تُحبه في مرحلةٍ ما، لكنَّها سَئمت انفعالاته المَرَضية التي وصلت إلى حد القتل، فخوزيه لم يكن بتلك البراءة التي بدا عليها في معالجة الأوبرا، التي اشتهرت بها قصة هذه الغجرية المتمردة، ففي الرواية الأصلية كان خوزيه رجلاً وسيماً، مظهره الخارجي جادٌ هادئ،ٌ لكنَّه يحمل داخلياً اضطراباً، يتَسم بانفعالات نفسية غاضِبة مُفاجِئة، والتي تصل إلى حد القتل في مراتٍ كثيرة!.

وقد كان خوزيه بهذه الطباع قبل لقائه بكارمن، فلقد تشاجر مع زميل له في لعبة "التنس"، انتهى بقتل خوزيه له، مما اضطره للذهاب إلى إشبيلية، ثم انضم إلى الجيش، وعاد لمظهره الهادئ المستقيم، ثم عُيِّن ضمن حراسة مصنع التبغ، حيث التقى بكارمن هناك.
ولكن خوزيه لم يرى في نفسه سوى رجلٍ طموحٍ، مجتهدٍ متدينٍ، وأنَّ لقاءه بكارمن قد أفسد عليه كل شيء!، وبالرغم من ملاحقته هو لها، واختياره الحُر لعيش الحياة المتمرِّدة معها، إلا أنَّه حمَّلَهَا هي مسؤولية ضياع كل شيء، رأى نفسه ضحية، ورأى كارمن هي الوحش الذي افترس حياته ومستقبله الآمن!.

لم تكن تلك الغجرية الحُرَّة قادرة على مسايرة هذا الجنون برغم حبها له، لذلك عندما تأكد من انتهاء حبه في قلبها، وسُكنى شخص آخر فيه، طَارَد كارمن بإصرار، وما بين التوسلات الراكعة وتهديدات القتل، حاوَل استرجاعها وإجبارها على استكمال حياتها معه، لكنَّه حين أدرَكَ أنَّه لا يمكن أن تكون له أبداً، أنذرها أنَّه إن لم يستطع الحصول عليها فلن تكون لغيره، بل لن تكون على الأطلاق، لكنَّها لم تخشَ التهديدات، ليقول خوزيه: "وآثار هذا الإصرار غضبي، فلم أعدّ أملك مشاعري، أو أستطع كبح جماحي، فاستللت خنجري وأشهرته في وجهها وتمنيت أن يخيفها المنظر، فتسألني الرحمة وتُصبح متوسلة، ولكنَّها بقيت كالصخرة لا تتزحزح عن موقفها! .... فطعنتها مرتين"، قتَلَها ثم أخذ جثتها إلى الكاهن ليصلي من أجل رحمتها، فقد كان يرى في نفسه متديناً مع وقف التنفيذ بسببها، ثم سلَّم نفسه للشرطة، معترفاً في النهاية بعدم ندمه على ارتكابه فعله هذا، وكذلك ببقاء ولَّعُه بها!.

لم تكن كارمن ملاكاً، لكنَّها كانت إنسانة مختلفة عنه، طاردها، أحبَته لفترة ما، ثم رفضت البقاء معه، عندئذٍ كان الخنجر هو الرد!.

إنَّ كل ما سبق ذِكره، هو تلخيص لقصة دوِّنَت على أنها حدثت في أسبانيا، قام بكتابتها فرنسيّ، وتاريخها يعود إلى القرن التاسع عشر!.

ولكنَّ هذا لا يمنع من تكراره بتشابهات جليَّة في مجتمعنا، ولمَ لا؟!، فقاتل "نيرة" وخوزيه، قاتل كارمن، كلاهما مصاب بالتخبُّط النفسي، ما بين المظهر الهادئ الملتزم، والانفعالات المزاجية العنيفة والعدائية، والحب الجنوني المُتسِم بالمطاردة والتهديدات والقتل.
إنَّني لا أُشبِّه "نيرة" هنا بكارمن في أسلوب حياتها، بل في سيناريو وطريقة موتها، وفي تلك الظروف العاطفية المريبة لحب من طرف واحد، التي خلَقَت حولها طاقة مُخيفة من حب الامتلاك، والرغبة في الانتقام، والغيرة القاتلة!.

لا بل أنَّي لا أُشبه كارمن بـ"نيرة" وحدها!، ولا خوزيه بقاتل نيرة وحدة!.

فإني أتحدث عن كل سيناريو حب بين رجل وامرأة، ينتهي بهذه الطريقة المرعبة للمرأة التي تقول "لا"، سواء كان حباً من الطرفين، أو حباً من طرف واحد!.

إنَّه تشبيه بـ"نيرة"، وكل أنثى وقعت فريسة لانفعالات عاطفية تَمَلُّكية لرجل نرجسي سيكوباتي، يمتلك تصور أحقية الغضب العاطفي القاتل، بلا توبة أو ندم، مثلما تكرر مع إيمان في الأردن، وسلمى في الشرقية!.

وللعلم فالقتل النهائي ليس وحده هو بطل تلك الروايات المُفجِعة، فهناك ميتات أكثر بشاعة، فيها تحيا البطلة الموت يومياً!، فيها خوزيه يذبح، وخوزيه آخر يشوِّه الجسد بـ"مية نار"، وخوزيه ينسج صوراً وقصصاً مزيفة لتشوية شرف الضحية، في مجتمعات تهوَى القصاص لهذا الغرض، حتى يقودها للقتل بدافع الدفاع عن الشرف بيد عائلتها، أو بيد نفسِها اليائسة، بالانتحار، وغيرها من السلوكيات "الخوزيَّة" الملعونة!.

لكنَّني هنا لم آتِ لأُنبِّهكم لمأساة كارمن مجتمعنا وحسب، ولا "نيرة" وحسب، بل لأشير لكم على قصة كل أنثى ضحية لهذا الحب السيكوباتي الذي لا يقبَل الرفض، ويقتل على إِثر الرفض، على امتداد الأرض شرقاً وغرباً، في التاريخ وحتى يومنا الحالي.
فإذا بحثتم مثلاً عن نساء جميلات تعرَّضن للتشوية بإلقاء "مية نار" على وجوههن وأجسادهن، لنفس السبب، فستجدون هذا النوع من الانتقام مكرراً في تركيا والهند وحتى في أمريكا!.

وهذه ليست الطريقة الانتقامية الوحيدة التي تُكرَر، بل القتل بصوره المختلفة، وكذلك سُبُل الانتقام التدميري لحياة الأنثى صاحبة قرار الـ"لا"، حيث تبقى وسائل التَخلُّص منها وإنهائها، قيد التنوع، فكل خوزيه منهم يتفنن بالانتقام على طريقة أهواء أمراضهِ الخاصة، وفي النهاية نجد أنَّه بالرغم من تنوع القصص والأماكن والثقافات، إلا أنَّ السبب الجوهري لهذا التصرف الذكوري المريض واحد، ونصوص التهديدات وأساليبها، تكاد تكون واحدة!.

لذا فنحن بصدَّد ظاهرة ذكورية عنيفة، عتيقة وليست جديدة، وليست محلية وحسب، بل عالمية، وحتى نكون على أتَّم استعداد لمقاومتها وضَحدِها، والحُكم بالعدل عليها، علينا أن نعي جيداً حقيقة مشهد قتل نيرة، وإلى أي نوع جريمة ينتمي، فلا التحليل السطحي يَنفَع، ولا التحايل على تفاسير معطيات الجريمة وأسبابها الحقيقية، سيحمي فتاة أخرى من هذا المصير، على يد ذكَر نرجسي سيكوباتي آخر!.

لا تُبرِّروا هذا الفعل، فتلك جريمة تقليدية عند السايكوباتيين وقديمة، فـ"نيرة" تحت التهديد، منذ أن قَتَل خوزيه كارمن، فهذا جُرمٍ ليس بجديد!.



#إيرينى_سمير_حكيم (هاشتاغ)       Ereiny_Samir_Hakim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دموع مريم!
- اتجاه عالمي لتعهير مظهر المرأة!
- الشمس لا تُشرِقُ لك وتَغرُبُ لي!
- لماذا يستحق محمد صفاء عامر لقب إمبراطور الدراما الصعيدية؟!
- هَلُم أيها البحر العَنيد!
- لعبة الاختيارات
- ليس كل شَعر بقوة شمشون يا أبشالوم!
- صليب هامان!
- أستميلُ الفجرِ!
- في دفاتر شعري الأبيض!
- الحياة فتاة غجرية!
- نظِّف مرآة ذاتِكَ!
- نشَّالة القوة
- في غياهب الرحلة
- سالومي الحُرة
- بطرس الذي لم يبتَزهُ الديك
- بينما أطفال بيت لحم يُذبَحون
- أشهد أن الرصاصات لم تقتل راسبوتين!
- أنظر هذه الأيادى يا يوسف جيداً
- لَوحَة ونَغمَة


المزيد.....




- محكمة أميركية تلغي حكما يدين -المنتج المتحرش- في قضايا اغتصا ...
- بي بي سي عربي تزور عائلة الطفلة السودانية التي اغتصبت في مصر ...
- هذه الدول العربية تتصدر نسبة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوي ...
- “لولو العيوطة” تردد قناة وناسة نايل سات الجديد 2024 للاستماع ...
- شرطة الكويت تضبط امرأة هندية بعد سنوات من التخفي
- “800 دينار جزائري فورية في محفظتك“ كيفية التسجيل في منحة الم ...
- البرلمان الأوروبي يتبنى أول قانون لمكافحة العنف ضد المرأة
- مصر: الإفراج عن 18 شخصا معظمهم من النساء بعد مشاركتهم بوقفة ...
- “سجلي بسرعة”.. خطوات التسجيل في منحة المرأة الماكثة بالبيت ف ...
- إيران - حظر دخول النساء الملاعب بعد احتضان مشجعة لحارس مرمى ...


المزيد.....

- جدلية الحياة والشهادة في شعر سعيدة المنبهي / الصديق كبوري
- إشكاليّة -الضّرب- بين العقل والنّقل / إيمان كاسي موسى
- العبودية الجديدة للنساء الايزيديات / خالد الخالدي
- العبودية الجديدة للنساء الايزيديات / خالد الخالدي
- الناجيات باجنحة منكسرة / خالد تعلو القائدي
- بارين أيقونة الزيتونBarîn gerdena zeytûnê / ريبر هبون، ومجموعة شاعرات وشعراء
- كلام الناس، وكلام الواقع... أية علاقة؟.. بقلم محمد الحنفي / محمد الحنفي
- ظاهرة التحرش..انتكاك لجسد مصر / فتحى سيد فرج
- المرأة والمتغيرات العصرية الجديدة في منطقتنا العربية ؟ / مريم نجمه
- مناظرة أبي سعد السيرافي النحوي ومتّى بن يونس المنطقي ببغداد ... / محمد الإحسايني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة - إيرينى سمير حكيم - نيرة تحت التهديد منذ قتل خوزيه لكارمن!