أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - عامل الزمن .. ! ( قصة قصيرة )














المزيد.....

عامل الزمن .. ! ( قصة قصيرة )


جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)


الحوار المتمدن-العدد: 7785 - 2023 / 11 / 4 - 08:39
المحور: الادب والفن
    


ما أن جلست الأسرة على الغداء ، حتى أخذ ( عصام ) يختلس النظر الى زوجته في أسى ، وهي تتنقل في حركتها الثقيلة الدؤوب بين المطبخ والمائدة .. جال بعينيه متفرساً في تضاريس وجهها المملوء بالتجاعيد والمطبات .. بدت له شاحبة ناشفة طاعنة في السن .. أطلق زفيراً حاداً .. لقد قضيا معاً في خضم الحياة سنين طويلة في هدوء وراحة بال .. بكيا معاً وضحكا معاً .. حملا هموم الحياة ومباهجها معاً .. لم يزهدها يوماً ، ولم تزوغ عينه على امرأة أخرى ، إلا أن علاقته بها مع توالي السنين بدأت تثقل وتفتر ويعلوها الصدأ .. حتى بدأ شيئاً يشبه النفور والسأم من رتابة الحياة ، وإيقاعها البطيء يتململ في صدره ، فتاقت نفس الرجل المتلهفة في داخله الى الحركة والتغيير .. !
داهمته ذكريات البداية كأنها تقع أمامه الآن .. هو الذي أحبها بجنون ، وهو الذي أصر على الزواج منها رغم تحذيرات الأهل والأصدقاء بأن عامل الزمن ليس في صالحه ، فعشر سنين فارق العمر بينهما ليست بالقليلة .. قال بعناد طفل حتى لو كانت مائة .. قالوا بصوت مسموع ، وبالحرف بأنها ستسبقه الى الشيخوخة بعقد ، أضف لها أعباء الأمومة ، ومشاغل الحياة وهمومها ، وقالوا أيضاً أن الأنسان ليس قلباً فقط ، وانما جسداً أيضاً ، والجسد يريد ، ولا يصبر على ما يريد .. لم يكترث بكلام أحد .. حتى صار له ما أراد ، واليوم .. أدرك ثقل فارق السن بينهما ، ومدى خسارته رهان عمره .
لازال عصام يراوح في الأربعين ، ويتمتع بكامل لياقته وحيويته ، أما زوجته فقد تخطت الخمسين ، وبدأت الأمراض تناوشها من بعيد .. قالت بأنها ذاقت من الدنيا الكثير حتى لم يبقى لها نفس في مسراتها وبهرجها ، وقالت أيضاً بأن عليها من الآن أن تتوجه الى آخرتها قبل أن يلتهمها الموت ، فأخذت تقضي جلّ ليلها عابدةً هائمةً في محرابها الصوفي الواسع .. تاركةً إياه يتلظى لوحده بجمر الرغبة تعذبه لسعاتها الموجعة .. !
تسائل مع نفسه .. الى متى يبقى حبيس هذا القمقم .. لم لا يكسر هذا الطوق الخانق ، وينطلق في فضاء الحياة ، ويستمتع بالمتبقي من عمره مع امرأة حقيقية يُنعش بها حياته ، ويرد الروح لشبابه الضائع ، وينتصر لسنواته التي ضاعت من عمره في مثاليات لا نفع منها قبل أن تأتي الأيام على عمره كله ؟ لكن أنّى له ذلك ، وهو الذي لم يعرف في حياته امرأة غير زوجته .. طريقه واحد لا يحيد عنه .. من البيت الى الشغل .. انطوائي بيتوتي .. لا أصدقاء له كأنه كان يعيش لوحده في جزيرة نائية بعيدة عن الأعين .. !
تستيقظ خلايا جسده الجائعة دوماً من غفوتها .. عبثاً يحاول اخماد وهجها الملتهب في عروقه .. يهتف بها أخيراً في عتاب ونفاذ صبر :
— وبعدين ، يا كريمة .. إن كنت تنشدين الجنة بعد عمر طويل ، فرضاي طريقها ، يا بنت الحلال ..
تستنهضها كلماته ، أو توسلاته ، فتقوم بحملها الثقيل متكاسلة تحت وطأة الواجب ، وعبء الإحساس بالذنب كأنها تهبه عطية .. تطفئ رغبته ، وتخمد لهاثه على مضض ، وذات مساء .. ألح في طلب الفراش .. تطلعت اليه كأنها سئمت طنينه في أذنها الذي لا يهدأ ، ثم فجرتها مفاجأةً في وجهه :
— تزوج .. !
التفت اليها في ذهول ، ورمقها بفم فاغر .. بدت الكلمة في رنتها غريبة على أذنيه رغم ترديده لها طوال الأيام الأخيرة .. وقف أمامها حائراً عاجزاً كالابله :
— أنتِ تعرفيني أكثر مما أعرف نفسي ..
ردت كأنها فهمت مغزى كلامه :
— سأترك لك الفرصة لتجد ما تناسبك ، وإن عجزت ، فعندي .. !
— وأنتِ ، والأولاد ..
— لا تشغل بالك .. لست الوحيد في هذا الكون الذي يتزوج على زوجته .. البيت ما شاء الله واسع والخير وفير .
— لكن ليس بهذه الطريقة الغريبة .
— لا شيء غريب هذه الأيام .
انفرد عصام بنفسه ، وأخذ يقلب في ذهنه مختلف الوجوه التي مرت به في حدود عالمه الصغير الذي كان يتحرك فيه ، ويستعرض مواصفاتهن بحثاً عن هذه المرأة التي قد تنتشله مما هو فيه .. دون أن يعرف بالضبط عمن يبحث ، ولا أي المواصفات تستهويه .. بدت له الوجوه باهتة متشابه ذات قسمات واحدة ليس فيها ما يثير .. لم يستطع التمييز بينها كأنها وجه واحد .. انتهى حائراً دون أن يتوصل الى قرار .. !
مرت أيام خمس ، ونظرات كريمة تلح في ملاحقته .. أقر بينه وبين نفسه بصعوبة المهمة .. مستسلماً استسلام الجنين في رحم أمه ، ثم قال متعثراً بكلماته ، وملوحاً بذراعه يائساً كأنما يخفي عاراً :
— لم أعثر على ضالتي .. !
نظر في عينيها والفضول في داخله يتغلب على مرارة الهزيمة التي لحقت به .. مترقباً ما يمكن أن يخرج من جِرابها .. لم تستغرب ضعفه وهزيمته ، فهي التي عجنته وخبزته .. رفعت اليه وجهها ، وقالت بنبرة هادئة :
— ما رأيك في بنت أختي ، هناوي .. ؟
قفز من مكانه كأنه شاهد ثعباناً أسود، وأحمر وجهه من شدة الانفعال ، ثم هتف في حرقة :
— لكنها مطلقة ولسانها سليط ، والله أعلم ما هي الأسباب الأخرى وراء طلاقها .. ألم تجدي غير هذه المخلوقة المتعبة .. ؟
ردت كأنها تهون الأمر :
— وماذا تتوقع أن تتزوج غير مطلقة أو أرملة ، ثم هي منا وفينا .. ؟!
تضايق من إختيارها .. هدأت نفسه رويداً .. تأملها وهو يهرش ذقنه في شرود .. انتصب واقفاً ، ثم قال وهو يزفر أنفاسه :
— أنا متعب الآن .. أعطيني وقت أُفكر .
كان خائفا من أن ينزلق في إختيارٍ آخر خاطئ كما فعل في زواجه الأول ، فيتجدد نفس الكابوس .. يُسلم قياده الى تفكير عميق .. حائراً بين خيارين أحلاهما مر .. مواصلة ما تبقى من أيامه مع كريمة ، أم بدايتها مع هناء .. ؟!!

( تمت )



#جلال_الاسدي (هاشتاغ)       Jalal_Al_asady#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا حياة مع زوج خائن .. ! ( قصة قصيرة )
- في حياتنا رجل .. ! ( قصة قصيرة )
- رغبات مكبوتة .. ! ( قصة قصيرة )
- شجاعة نسوان أيام زمان .. ! ( قصة قصيرة )
- أنا .. وأمي الخائنة .. ! ( قصة قصيرة )
- لعنة عناق .. ! ( قصة قصيرة )
- نحن مسلمون .. ! ( قصة قصيرة )
- البحث عن مكان في الحياة .. ! ( قصة قصيرة )
- عودة الغائب .. ! ( قصة قصيرة )
- راوية .. ! ( قصة قصيرة )
- دردشة على عَتبة الدار .. ! ( قصة قصيرة )
- الطلاق الصامت .. ! ( قصة قصيرة )
- لقاء بعد طول غياب .. ! ( قصة قصيرة )
- استفاقة متأخرة .. ! ( قصة قصيرة )
- زوجة منزوعة الدسم .. ! ( قصة قصيرة )
- حكايتي مع الخدامة .. ! ( قصة قصيرة )
- ثمن الاندماج في الحياة الأمريكية .. ! ( قصة قصيرة )
- إختفاء فاطمة .. ! ( قصة قصيرة )
- الماضي يُطل من جديد … ! ( قصة قصيرة )
- عطر الخيانة .. ! ( قصة قصيرة )


المزيد.....




- تركي آل الشيخ يكشف عن رسالة لن ينساها من -الزعيم-
- الاحتفاء بالأديب حسب الله يحيى.. رحلة ثقافية وفكرية حافلة
- رغم انشغاله بالغناء.. ويل سميث يدرس تجسيد شخصية أوباما سينما ...
- قوارب تراثية تعود إلى أنهار البصرة لإحياء الموروث الملاحي ال ...
- “رسميا من هنا” وزارة التربية العراقية تحدد جدول امتحانات الس ...
- افتتاح الدورة الثانية لمسابقة -رخمانينوف- الموسيقية الدولية ...
- هكذا -سرقت- الحرب طبل الغناء الجماعي في السودان
- -هاو تو تراين يور دراغون- يحقق انطلاقة نارية ويتفوق على فيلم ...
- -بعض الناس أغنياء جدا-: هل حان وقت وضع سقف للثروة؟
- إبراهيم نصرالله ضمن القائمة القصيرة لجائزة -نوبل الأميركية- ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال الاسدي - عامل الزمن .. ! ( قصة قصيرة )