أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - حين ينفقع بالون البروفيسور من الضجر 1














المزيد.....

حين ينفقع بالون البروفيسور من الضجر 1


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 7782 - 2023 / 11 / 1 - 22:47
المحور: الادب والفن
    


حين يضجر صديقنا البروفيسور يُروِّح عن نفسه بالرياضة أحياناً وأحايين أخرى بالشطرنج أو الكتابة برفقة الويسكي والسجائر.

من أجمل لحظاته المنبثقة من جثة الضجر هي تلك حين يجلس للاستراحة على ضفة نهر "رينتش" جنوب ألمانيا بعد ساعة من الجري المتواصل. يسترخي قليلاً وهو يتأمل حقول الفريز (الفراولة) الخلّابة، يتأمل العمال المستقدمين من رومانيا وبولونيا، فالألماني يرفض غالباً القيام بمثل هذه الأعمال الرخيصة المملة، ولكل عامل وعاملة في الحقول قصة فريدة حتماً، يشتغلون من الصباح حتى المساء بنشاط وجد، يتنقلون من شتلة إلى أخرى وهم يفكرون ويحلمون ويخططون للقادم. يتمتم: "موضوع مثير يستحق التفكير وكتابة رواية .. لكنني شخصياً لن أكتب شيئاً عنه".

حين ينفقع بالون البروفيسور من عزم الضجر يكتب لنا لقطات متنوعة قد لا تعجبنا دائماً لكنها تعجبه، فهو يتنفس من خلالها. يخبرنا مثلاً عن الأفلام التي يشاهدها، عن مشاويره في الغابات، عن همومه وأعماله اليومية في المنزل والشارع وكذلك عن ذكرياته، ترانا نقرأ له عن الزلزال والمرأة وعن الحياة في بلاد الألمان وفي وطنه الأم، يكتب لنا عن أشياء غير مترابطة كما فعل سابقاً في حكاية "أيكون اسمها العنقاء!" في كتابه "اعتقال الفصول الأربعة". يبدأ بوضع خطط ومشاريع غير مكتملة وغير قابلة للتحقيق بسبب ضيق وقته وغرقه بمشاغله وتفاصيل حياته اليومية، يشرح لنا في مشاريعه هذه رغبته بكتابة قصة طويلة أو رواية، فنراه يختلق عناوين لكتب لم يكتبها بعد، نذكر منها على سبيل المثال "أسرار بائعة الكلاسين" أو "جريمة في الغابة السوداء" ..

حين يكاد ينشق من شدة الضجر يصير نزقاً، يفقد أعصابه ولا يعجبه العجب. يبحث عن ظله ليتقاتل معه، ينتقد كل من حوله بدون وجه حق أحياناً، لدرجة يبدو معها مستسخفاً بمشاعر الناس. نسمعه يكتب في حالة من حالاته الضجرية:
من أرخص وأفقر الكلمات والوصايا التي كثر استخدامها من قبل الخفيفين الببغاويين، هي: "عندما تقف على مآسي الآخرين إياك أن تبتسم، تأدب في حضرة الجرح، كن انساناً أو مت وأنت تحاول".
الواحد منا حتى في جنازة أمه قد يبتسم، فما بالكم بما يمكن لهذا الواحد أن يصنعه في جنازات الآخرين. لا يحق لأي إنسان في العالم أن يُلزمك بالحزن أو الحداد ولا حتى بالتعاطف مع الآخرين. لا يوجد أي مبرر كي يكون الحزن أو الفرح حالة جماعية. مشاعر الناس وحساسيتها تجاه الموت أو الدم أو الألم متباينة والحياة قصيرة ويجب أن تُعاش دون قيود يضعها الآخر عليك. من يستشهد بمثل هذه الجمل الفضفاضة هو نفسه من يحتاج إلى دروس في الأخلاق والحب والوطنية.

يشعر صديقنا بالضجر رغم كل ما لديه من أعمال ومهام على كافة الصعد، لديه وظائف بيروقراطية متعددة وضرورية تتعلق بالعمل والعائلة والتأمينات والقروض البنكية، كلها واجبة التنفيذ بأسرع وقت لأن التأخر بتسليمها مكلف مالياً أو قد يعرضه للعقوبة. يشعر بنفسه وكأنه يقف في مركز دائرة شيطانية مغلقة كتلك التي كان يحكي له عنها المساعد الحمصي قطّان أثناء تأدية خدمة العلم، واحدة من الفترات الزمنية السعيدة التي أمضاها في بلده سوريا دون ضجر.
كان قطّان ضئيل الجسد وطيب القلب، فخوراً بشيعيته، عصراً، في أوقات مناوابته الصيفية، يحضر عسكري أو عسكريين لتنظيف الردهة أمام مكتبه ورشها بالماء لترطيبها، في الوقت نفسه يأخذ قطّان بإعداد منقوع المتّة، ثم يصعد إلى سطح البناية الصغيرة التي فيها مكتب سيده منادياً إياه بطريقة تمثيلية: سيدي الملازم، تفضّل لنشرب المتّة.
تحت شجرة كبيرة يجلسان، يدخنان باسترخاء ويتبادلان أحاديث تافهة. فجأة يتغير مجرى الحديث آن يلمح قطّان عسكرياً ما من الشمال الشرقي، حينها يحلو له أن يحكي للملازم عن شيطان الدائرة: إذا رسمنا دائرة على الأرض حول هذا العسكري الذي تراه فقد يبكي ويصيح من الخوف ولن يجرؤ على تخطي محيطها حتى نمحو قسماً منها .. والله أقول لك الحق يا سيدي.. هل تعلم لماذا؟ يسأل دون أن ينتظر إجابة، يأخذ نفساً عميقاً من سيجارته ثم يمسك كأس المتّة بيده ويتابع مداخلته العلمية: لأنه يزيدي .. هكذا ببساطة يا سيدي .. يعتقد بأن الشيطان هو من أمرنا برسم الدائرة من حوله.

يتبع



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البروفيسور في ضيافة الشيخ قليعة كاملة
- البروفيسور في ضيافة الشيخ قليعة 5
- البروفيسور في ضيافة الشيخ قليعة 4
- البروفيسور في ضيافة الشيخ قليعة 3
- البروفيسور في ضيافة الشيخ قليعة 2
- البروفيسور في ضيافة الشيخ قليعة ـ 1 ـ
- كيف ضيّع البروفيسور مكتبته
- لا أوراق في مكتب البروفيسور
- ليس للبروفيسور من يواسيه
- البروفيسور في متاهته ـ كاملة
- البروفيسور في متاهته 4
- البروفيسور في متاهته 3
- البروفيسور في متاهته 2
- البروفيسور في متاهته ـ 1 ـ
- رحلة سياحية إلى ألمانيا
- بين حقول مدينتين
- بائعة الكلاسين ـ1ـ
- شظايا
- حقول الفريز
- أوراق التين


المزيد.....




- مصر.. وفاة المخرج والسيناريست القدير عصام الشماع
- الإِلهُ الأخلاقيّ وقداسة الحياة.. دراسة مقارنة بين القرآن ال ...
- بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد ...
- مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
- -قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا ...
- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...
- مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال ...
- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...
- اشتُهر بدوره في -أبو الطيب المتنبي-.. رحيل الفنان العراقي عا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - حين ينفقع بالون البروفيسور من الضجر 1