أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - حقول الفريز















المزيد.....

حقول الفريز


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 7667 - 2023 / 7 / 9 - 19:11
المحور: الادب والفن
    


يصل سعر كيلوغرام من أوراق التين اليابسة في ألمانيا إلى حوالي 140 يورو (شاي ورق التين) وسعر كيلوغرام من أوراق الزيتون اليابسة إلى حوالي 115 يورو.

***

من أجمل لحظاتي هي تلك حين أجلس للاستراحة على ضفة نهر "رينتش" جنوب ألمانيا بعد ساعة من الجري. استرخي قليلاً وأنا أتامل حقول الفريز (الفراولة) الخلابة، أتامل العمال والعاملات المستقدمات من رومانيا وبولونيا، ولكل منهم قصة فريدة، يشتغلون من الصباح حتى المساء بنشاط وجد، يتنقلون من شتلة إلى أخرى وهم يفكرون ويحلمون. الألماني ـ غالباً ـ يرفض القيام بمثل هذه الأعمال الرخيصة المملة. موضوع مثير يستحق التفكير والكتابة الأدبية.

***

لا يحق للكاتب أو الرسّام أو الموسيقي أو ما شابه أن (يتفرغ) للكتابة الإبداعية أو الرسم أو التلحين والغناء ـ وفي الحقيقة لا أحد يطالبه بذلك ـ إذا لم يكن لديه القدرة على إعالة نفسه وعائلته، وعكس ذلك هو مجرد حالة ماسوخية سخيفة خاصة حين ينقّ كالضفادع عن وضعه المالي وحرمانه من الجوائز.
ما الذي يمنع أن يكون الكاتب سائق باص أو طبيباّ أو ضابطاً وما الذي يمنع أن يكون المهندس أو البائع الجوّال شاعراً أو موسيقياً!
جميل أن ينال المبدع جائزة مالية بمثابة مكافأة تشجيعية على عمله، لكن شريطة أن يكون لديه ما يتعيَّش منه.
لو كنت أو أصير يوماً أحد أعضاء لجنة تحكيم لمنح جائزة مرموقة أو منحة مالية لإبداع ما، فلسوف أعد حتى الألف قبل منحها لشخص لا عمل له حتى لو كان نتاجه أو ما سينتجه من خلال المنحة على درجة عالية من الرقي.
المبدع الحقيقي هو من يعمل ـ على الأقل 10 ساعات في اليوم ـ كي يطعم ويكسي أولاده، وفي وقت فراغه ينكبّ على الرسم أو التلحين أو الكتابة.
النشاط الإبداعي ـ لا سيما في مراحله الأولى ـ هواية وليس مهنة.

***

كانت تعاني إحدى صديقاتي ـ التي تعمل كمحللة نفسية في عيادتها ـ من أخيها الذي يكبرها بعامين. كانت تحكي لي عنه وكأنها تتنفس بعد اختناق. لم تستطع رغم دراستها وخبرتها العملية أن تفهم سلوكه اليومي. كان بخيلاً ولم يشكل أسرة وكان غالباً ملحاحاً في طلب المساعدات المالية منها ـ وأنا لم أستغرب طمعه هذا فهي متزوجة ولديها ولد وحيد، زوجها صاحب شركة تصنيع بنى نفسه بنفسه من نقطة الصفر، وتعيش في بيت مثل القصر، تمتلك أكثر من شقة مؤجرة، ولديها علاقات اجتماعية طيبة مع ركاب الشريحة البرجوازية، عيبها الوحيد ـ رغم جاذبيتها ولا سيما جمال صوتها ـ هو أنها اقتصادية في كل شيء، كي لا أقول عنها بخيلة، فهي مثلاً لا تغير ما ترتديه إلا نادراً. لم يكن بخل أخيها وطمعه هو ما كان يقلقها، بل حياته الخاصة ضمن جدرانه الأربعة، إذ إن الرجل لم يكن مرتباً أبداً ولم يهتم بنظافة شقته، في الحقيقة لم يكن هذا الأمر هو ما يقلق صديقتي حقاً بل مسألة أخرى ألا وهي شغفه وإدمانه منذ عقود على تجميع الجرائد والمجلات بأنواعها، حتى بات بيته مستودع جرائد.

***

الألمان ـ ولا سيما أهالي القرى ـ أغنياء جداً. رغم ذلك فالشيء الوحيد الذي يقهر الألماني هو خسارته للمال ـ في المحكمة مثلاً بسبب حادث ما حتى لو كان بمعدل يورو. مع العلم أنه يتبرع أحياناً بمقتنيات صالحة للاستعمال رغم غلاء أسعارها.
وعي الألمان البيئي رفيع المستوى، ربما يتعلق هذا الأمر بخوفهم من القانون وتفاصيله الشيطانية.
حين تذهب إلى مكبات القمامة المتوفرة بكثرة في أرجاء ألمانيا وتلقي نظرة على محتويات الحاويات الضخمة للأخشاب والمواد البلاستيكية والأجهزة الكهربائية ستكتشف وجود قطع أثاث وأجهزة كهربائية منزلية كثيرة قابلة للاستعمال مرة ثانية، لكن لا يحق لك أخذها.
"المكان الوحيد الذي لا ترى فيه أثراً للأجانب في ألمانيا هو مكبات القمامة ـ إذ ليس لديهم ما يستغنون عنه".

حين يقوم الإنسان بتجديد بيته سيكتشف بأنه سيدفع الوقت والمال لترحيل الأخشاب المُعالجة أو الملوثة والحجارة والأتربة والأسمنت والبورسلان والسيراميك والمواد المختلطة غير قابلة للفصل وأطر السيارات، وسيدفع أكثر بكثير لترحيل المواد التي لا يمكن إعادة تدويرها مثل مواد العزل من حشوات ليفية وبطانات وألواح ورغوة مبخوخة وغيرها.
لكن باستطاعتك أن تبني مثلاً مصطبة بيتونية في حديقتك وتقبر فيها الحجارة وبقايا المواد الإسمنتية والسيراميكية.

وهكذا نشأت في السوق العالمية برامج بيع وشراء ـ التجارة الإلكترونية من المستهلك إلى المستهلك ـ أحد أهم هذه المنصات الإلكترونية هو موقع "العروض الصغيرة". بعد التسجيل في الموقع تستطيع الحصول على ما ترغب ـ من الإبرة والخيط إلى غرفة النوم، أحياناً تتم العملية مجاناً ـ المهم أن تأتي بأسرع وقت لإحضار ما تريده وما يريدون التخلص منه، وغالباً ما يتم الأمر مقابل مبلغ مالي صغير. على سبيل المثال: أنت تبحث عن صوفا للجلوس، كلفتها في المحلات قد تصل إلى حوالي 1000 يورو، ستجدها حتما في منصة "العروض الصغيرة" مقابل أربعين يورو .. وهكذا.

مثال آخر: أنت تريد أن بناء/تركيب بوابة لمنزلك أو حديقتك. قد تبلغ التكلفة الإجمالية لهذا المشروع حوالي عشرة آلاف يورو أو أكثر لكنها لن تقل عن ستة آلاف يورو. باستطاعتك أن تبحث ـ في الموقع المذكور ـ عنها أو عن مواد تساعدك في تصنيعها هذا إذا كنت موهوباً قادراً على عمليات القص واللحام والجلخ والتركيب. ستجد ما تبحث عنه حتماً وقد لا يتجاوز سعره ثلاثمائة يورو.

***

العمل الأسود في ألمانيا (أي العمل دون عقد قانوني) موضوع قانوني شائك جداً، قد تصل عقوبته إلى حوالي نصف مليون يورو مع سجن لمدة خمس سنوات.
ورغم ذلك هناك أكثر من ثمانية مليون إنسان يعملون في الأسود ـ وهذا ما يُدعى بالاقتصاد الموازي أو اقتصاد الظل. يعمل هؤلاء في مجالات البناء والصيانة والمحلات التجارية والمطاعم والمقاهي، وتخسر الدولة الألمانية بذلك المليارات.
إذا أردت على سبيل المثال تلييس/لياسة حائط (أي تلبيسه بالإسمنت) بمساحة عشرة أمتار مربعة فعليك أن تستدعي شركة ـ التي لن تأتي فوراً، بل بعد عدة أسابيع ـ وعليك بالإضافة إلى سعر المواد أن تكون قادراً على دفع أجرة العمل التي تبلغ بشكل وسطي 50 يورو للمتر المربع الواحد، أي خمسمئة يورو، ناهيك عن الضريبة 20%، وهذا مبلغ كبير جداً.
ولأنك لا تريد أن تبحث عمن ينفذ لك هذا العمل بالأسود لاعتبارات كثيرة ومنها مثلاً: قد يدعي عليك العامل باستغلاله لتحقيق فوائد مالية أو قد يتهمك بأنك السبب في آلام حلت به وعليه ينبغي عليك معالجته على حسابك الشخصي ودفع راتب شهري له حتى يشفى من أوجاعه ... هذا إذا لم يقطع أصبعه مدعياً أن ذلك قد حدث بسبب العمل عندك. لهذا وذاك تتعلم في الغربة ـ هذا ما تعلمته أيضاً ـ كيف تقوم بمفردك بتلييس حائط في منزلك. خلال عملي هذا سافرت بي الذاكرة الجميلة إلى بسنادا ـ قريتي ـ وتذكرت شخصاً يسمونه "أبو عبير". رجل جميل القلب والروح، تراه وكأنك تقف أمام المغني "طوني حنّا"، على الأقل هذا ما كنت أشعر به في طفولتي. أبو عبير معلم "تلييس" حقيقي ولديه ورشته الخاصة، عمل في ورشته العشرات من طلبة الجامعة ومن معلمي المدارس، ليتخرجوا لاحقاً ـ بعد سنوات من العمل ـ من تحت يديه، ولعل بعضهم قد احترف المهنة فيما بعد بالإضافة إلى عمله كمهندس أو معلم مدرسة مثلاً. تذكرت "أبو عبير" وأنا أقضم تفاحة: تذكرت كيف كان يسحرنا وهو ينقّل التفاحة بين راحة يده وعضلة ساعده وعضلة ذراعه العلوي. وتذكرت كيف كان عاشقاً للسجائر وشرب العرق ومغازلة النساء.

***

هل جرّب أحدكم التعامل مع أحد برامج الذكاء الاصطناعي "روبوت المحادثة" مثلاً؟
بمساعدةهذه البرامج يحصل الإنسان على كل الخدمات الفكرية التي يرغب بها دون تعب: كتابة برامج كمبيوترية عالية المستوى وتصحيحها، مشاريع تخرج في كافة المجالات، تأليف الموسيقى، كتابة القصص والشعر والأغاني، تأليف المقالات العلمية ...
اليوم استخدمت أحد هذه البرامج واختبرت إمكانياته التي أذهلتني، ألّف لي مقالاً علمياً وكتب لي قصيدة وقصة قصيرة وأجابني على بعض الأسئلة.
العالم يمر بثورة صناعية رابعة. الذكاء الصنعي هو أحد أعمدتها. العالم يتغير بسرعة هائلة، لو أننا ننام لخمسين سنة ونستيقظ بعدها فسوف لن نتعرف على هذا العالم.
مع برمجيات وتطبيقات الذكاء الصنعي مات القديم، ماتت بعض المهن .. مات المترجم .. ماتت الرغبة بتعلم لغات أجنبية ... وهكذا
جنون!
دمار شامل ينتطر الأجيال القادمة في السنوات الآتية.
سيف ذو حدين.

***

أكبر خطأ يرتكبه ابن العالم الثالث هو محاولاته الصادقة لنشر المعرفة والمعلومة في بلده الجميل ومساعيه الدؤوبة لإيقاظ الشعب النائم.

***



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أوراق التين
- قطار آخن 54 الحلقة الأخيرة
- قطار آخن 53 الفصل الأخير
- قطار آخن 52 الفصل الأخير
- قطار آخن 51 الفصل الأخير
- قطار آخن 50
- قطار آخن 49
- قطار آخن 48
- قطار آخن 47
- قطار آخن 46
- قطار آخن 45
- قطار آخن 44
- قطار آخن 43
- قطار آخن 42
- قطار آخن 41
- قطار آخن 40
- قطار آخن 39
- قطار آخن 38
- قطار آخن 37
- قطار آخن 36


المزيد.....




- بثمن خيالي.. نجمة مصرية تبيع جلباب -حزمني يا- في مزاد علني ( ...
- مصر.. وفاة المخرج والسيناريست القدير عصام الشماع
- الإِلهُ الأخلاقيّ وقداسة الحياة.. دراسة مقارنة بين القرآن ال ...
- بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد ...
- مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
- -قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا ...
- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...
- مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال ...
- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - حقول الفريز