أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - البروفيسور في ضيافة الشيخ قليعة 3














المزيد.....

البروفيسور في ضيافة الشيخ قليعة 3


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 7767 - 2023 / 10 / 17 - 01:32
المحور: الادب والفن
    


ينطلق الميكروباص في رحلته إلى المقام في السادسة صباحاً.
سيعود في السابعة مساء لإرجاع الناس إلى بيوتها في القرية بحسب الاتفاق.

المزار في قمة الجبل يبتعد عن الشارع الإسفلتي مسافة ليست بالقصيرة، الدرب الموصل من الشارع إلى المزار ترابي مغبر وعر وضيق. يحمل الآباء أطفالهم على الأكتاف، يحمل الشباب اليافعون جداتهم المعمرات أو أمهاتهم المريضات أو المقعدات على ظهورهم القوية. يحمل أحد أولاد أصحاب النذر الخروف المنذور. من النادر أن تجد شخصاً لا يحمل بين يديه شيئاً، فتراه يحمل على الأقل جبسة كبيرة. في الطريق يستريح المتعبون قرب جدول ماء، يغسلون وجوههم وأياديهم، يشربون الماء، بعضهم يتمكن من قطف ثمرة تين، أو رمّان أو إجاص أو تفاح من حقل مجاور وبعضهم يبحث عن التوت البري.

حين وصول المعزومين إلى قمة الجبل تنقسم أسرهم إلى قسمين، قسم منهم يتدفق إلى غرفة المقام والغرف المجاورة له لأخذ ما يمكن أخذه من حصر ومخدات وطرّاحات والقسم الآخر يبدأ بحثه عن مكان مناسب للجلوس وتمضية النهار فيه. بعض المدعوين ممن تعودوا على المشاركة السنوية في هذا الطقس يصل بسرعة إلى هدفه، فهم يعرفون تفاصيل الجبل والمزار، وأين هي الأماكن الرومانسية الهادئة والمخفية عن أنظار الفضوليين. أما أسرة أصحاب النذر فستكون إحدى حجرات المقام محجوزة لهم سلفاً.

في حوالي الساعة التاسعة صباحاً يكون قد استقر معظم المعزومين تحت أظلال الأشجار وبدأوا بإشعال نيراتهم الخفيفة لتحضير قهوة الصباح وأبريق الشاي، إلا قسم قليل منهم يكون قد جلب معه بوتوغاز صغير مخصّص للرحلات، تبدأ استعدادات الناس للفطور، ومن لديه طفل حديث الولادة يبني لطفله سريره المحمي من البرغش والحشرات والمعلّق بغصن الشجرة.

ها هو طفل يبكي طلباً للنوم وها هي أم تهدهده، تدمع عينيها وهي تترنم:
"سألت العين .. حبيبي فين .. أجاب الدمع راح راح منك .. حبيبك ما سأل عنك .. وخلا القلب في نارين".

رجل "حربوق" فطن انتشى تحت شجرة الصنوبر قبل أن يبدأ النهار، حجز خطيب ابنته تحت أنظاره وراح يسليه بأحاديث لا معنى لها والصهر الجديد يتحيّن فرصة الهروب مع خطيبته سلمى بعيداً عن أنظار عمه الأحمق الذي يقص عليه خرافات مُبّهرة ومحشوة بالخرافات:
"كان الشيخ الحاتمي الذي يتبعه والدي يمتطي في الليل حصانه الأبيض ويطير عالياً، يمر بطريقه على زميله الشيخ الغانمي الذي كان بدوره ينتظره على حصانه الطيّار ليطيران معاً إلى الشيخ المعلاوي، فيجدانه بانتظارهما على حصانه المبرقع، وبعد السلام والعناق يطير الثلاثة لمحاربة اليهود الصهاينة في إسرائيل ثم يرجعون إلى البيت قبل طلوع الشمس، يتوضؤون ويصلون الفجر ثم ينامون برفقة زوجاتهم الآمنات الحنونات".

وتحت شجرة في أسفل الوادي، شجرة غير صالحة لمكوث عائلة استند جعفر إلى جذعها وراح يقرأ مراراً رسالة كانت مديحة قد كتبتها له في فصل الشتاء دون أن تسنح لها فرصة اللقاء به قبل هذا اليوم، أن التقته قرب المقام ناولتها له وهربت إلى شجرة أمها وأبيها:
"أكتب لك اليوم يا جعفر والمطر ينهمر في الخارج، أكتب لك وأنا بجانب المدفأة وأشعر بالسعادة لأنني وحيدة في البيت في هذا المساء الرومانسي. كل يوم تخطر لي أفكار كثيرة وأقول لنفسي بأني سأكتبها لك. عندما أبدأ بالكتابة تهرب كل هذه الأفكار لتحل محلها أقمار جديدة .. وهكذا دائماً حتى أنتهي من كتابة الرسالة ولا أكون راضية عنها. لا أعرف فعلاً ماذا فعلت بي، أحسّ أن حياتي انقلبت كلياً رأساً على عقب منذ اِلتقيت بك على باب المدرسة. أشياء كثيرة وكلام أكثر أخبئه في داخلي لأقوله لك. حدث هذا منذ سمعت صوتك. لكنني الآن لا أعرف ماذا أقول لك لذا أرجو أن تعذرني فأنا لا أجيد التعبير كثيراً وأتمنى منك أن تقرأ ما بين السطور والكلمات. غريبة هي الحياة لأنها تجعلنا أحياناً لا نفهمها كما حصل لي معك. ما هذه الأقدار العجيبة التي جعلتني ألتقي بك ذاك اليوم. هذه المصادفة جعلتني أسمع اسمي بطريقة جديدة لم أعهدها في أحد من قبل. لا أعرف، أحسّ أن اسمي لم أسمعه بهذا الجمال من قبل إلا منك".

ها هو شيوعي جلس مع زوجته وأولاده في ظل شجرة بعيدة عن الأنظار، راح يُقلّب سفافيد اللحم فوق النار وبجانبه كأسه من حليب السباع ويحكي نكتة لشخص مثقف مرّ به لإلقاء التحية:

ذات مرة اِلتقى مختار قرية "س" مع مختار قرية "ع" مصادفة في أحد ممرات غرف التحقيق في مركز مخابرات العاصمة. ولأنهما كان يعرفان ويفهمان بعضهما جيداً ضحكا على حالهما ووضعهما المزري:
قال مختار قرية "ع": هل تعلم بأن طبيب الأسنان في قريتنا صار يقتلع الأسنان والأضراس عن طريق الأنف!
قال مختار قرية "س": لا والله. خير؟ ليش؟
أجاب مختار قرية "ع" هازئاً: لم يعد أحد يجرؤ على فتح فمه في قريتنا.


أحد الشباب يمر بمجلس الشيخ راضي يرفع كأسه عالياً ويقول له من باب المشاكسة والمزاح:
"قدحك يا شيخ".
يجيب الشيخ على الفور ودون ان يُتعب نفسه بالنظر إلى وجه الشاب:
"قدح أمك وأبوك".

يتبع



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البروفيسور في ضيافة الشيخ قليعة 2
- البروفيسور في ضيافة الشيخ قليعة ـ 1 ـ
- كيف ضيّع البروفيسور مكتبته
- لا أوراق في مكتب البروفيسور
- ليس للبروفيسور من يواسيه
- البروفيسور في متاهته ـ كاملة
- البروفيسور في متاهته 4
- البروفيسور في متاهته 3
- البروفيسور في متاهته 2
- البروفيسور في متاهته ـ 1 ـ
- رحلة سياحية إلى ألمانيا
- بين حقول مدينتين
- بائعة الكلاسين ـ1ـ
- شظايا
- حقول الفريز
- أوراق التين
- قطار آخن 54 الحلقة الأخيرة
- قطار آخن 53 الفصل الأخير
- قطار آخن 52 الفصل الأخير
- قطار آخن 51 الفصل الأخير


المزيد.....




- بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد ...
- مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
- -قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا ...
- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...
- مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال ...
- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...
- اشتُهر بدوره في -أبو الطيب المتنبي-.. رحيل الفنان العراقي عا ...
- عبد الرحمن بن معمر يرحل عن تاريخ غني بالصحافة والثقافة
- -كذب أبيض- المغربي يفوز بجائزة مالمو للسينما العربية


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - البروفيسور في ضيافة الشيخ قليعة 3