أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - البروفيسور في ضيافة الشيخ قليعة 5














المزيد.....

البروفيسور في ضيافة الشيخ قليعة 5


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 7771 - 2023 / 10 / 21 - 12:22
المحور: الادب والفن
    


بعد الظهر، بعد انتهاء القيلولة يبدأ بعض الزوّار بتقطيع الجبس والبطيخ، النراجيل موقدة، يختلط دخانها بدخان السجائر ودخان الحطب المشتعل والبخور والأجساد، القهوة حاضرة وكذلك الشاي وبذور عباد الشمس .. تحت الأشجار تصدح المسجلات بأغاني عبد الحليم وأم كلثوم ووديع الصافي وسميرة توفيق وفهد بلان وسمير يزبك وفؤاد غازي .. الخمرة تدور بالرؤوس .. الرجال منتشون .. بدايات عشق وأحاديث عن الحب والمستقبل .. مع اقتراب الساعة من السادسة عصراً يكون الزوّار قد نظفوا أماكن جلوسهم ولملموا البقايا والأوساخ وضبضبوا أغراضهم ونفضوا الطرّاحات والمخدّات والحصر وأعادوها إلى إحدى غرف المزار .. مع اقتراب الساعة من السادسة عصراً يتدرج الزوّار كلهم بتؤدة باتجاه المزار، يقتعدون حجارة ودرج وعتبات ساحة المقام المغسولة بالماء متوزعين على محيط دائرة إهليلجية .. ويعلو الحق والصفاء والتأمل مع خبطات دلعونا وقرع الطبل وأنين المزمار وتلاوة المهاهاة وإطلاق الزغاريد .. وتستمر الرقصات رغم وصول سائقي الميكروباصات وتناولهم لحصصهم المدعومة في الغضائر، يأكلون ويشربون العرق وينتشون قبل انطلاقهم بباصاتهم التي سيعتلي الزوّار الشباب ظهورها متابعين ثورة المواويل والمزاح.


في معمعمة الفرح والنشوة والمرح لم ينتبه أحد لغياب الرجل الطيب جابر صاحب المزاج الناريّ، كان قد جلب معه قضبان الدبق التي يعملها بنفسه من ثمار شجرة الدبق التي زرعها في داره قبل سنين طويلة، حين تنضج حبّات الدبق كروية الشكل يستخرج عصيرها الكثيف ويمزجه بالعسل ثمّ يلصقه على عيدان الريحان، كما اللحم المفروم على السفافيد. في الصباح، عند نبعة الماء، كان جابر قد هرب من زوجته التي لا تعتبره إلا أخاً لها ساعياً وراء صيد العصافير، لم تهتم الزوجة لغيابه فلديها كومة عمل لهذا اليوم، هي من سيطبخ للزوّار وهي من سيشرف على ملء الغضائر ونظافة المكان.

قبل أن يتعرّف جابر على هوايته الجديدة "صيد العصافير" التي تعلق بها كثيراً، كان مقامراً سكيراً ومدخّناً من طراز رفيع، وكان حنوناً ووفياً وكريماً. كان رجلاً بسيطاً لا يعرف القراءة ولا الكتابة وكان يعمل في ضواحي العاصمة بصفة مستخدم مدني في قطاع الجيش. تعوّد أن يقضي إجازاته القصيرة في القرية، يشرب العرق ويدخّن علانية ويقامر مع المعارف والأصدقاء سراً. إذا ربح القليل من المال اشترى به الخضار والفواكه لبيته وإذا خسر ماله انتقل إلى طاولة أخرى ليتابع لعبه بالمراهنات الخفيفة. ذات يوم سمع بارتفاع سعر العرق والسجائر، غضب من القرار الحكومي الأرعن، أمسك بزجاجة العرق التي كان يستعد لشربها ورماها بكل ما اعطاه الله من عزم فوق بلاط بيته ثم "جعلك" علب سجائره ورماها في سطل الزبالة. بعد أسبوعين لم يعد للقمار أي معنى في حياته دون عرق وسجائر فأقلع عن تعاطيه بين ليلة وضحاها وبقي وفياً لقراراته هذه حتى مماته. بعد ذلك بأشهر قليلة قدّم استقالته في قطاع الجيش وعاد إلى منزله في القرية واحترف العمل الحر في سوق الخضار.


في صباح يوم المزار نشر جابر قضبان الدبق بين أغصان الأشجار في الحقول المُعتنى بها والمحيطة بجبل المقام وانتظر فترة زمنية قصيرة قبل أن يستفقدها ليجد العصافير المغرّر بها قد علُقت بالدبق. حرّرها جابر من قيودها، ذبحها حلالاً بسكينه الخاصة ثم نتف ريشها ونظّفَ أحشاءها فصارت جاهزة للشوي ووضعها في سطل بلاستيكي وأحكم تغطيته وأعاد نشر عيدان الدبق وراح يطوف سعيداً مستكشفاً تضاريس السهل والجبل وهو يتمتم: "ما أجمل الطبيعة هنا، ما أجمل سماء المزار".

في تلك الساعة كان صياد آخر من قرية مجاورة للمزار قد اِصطاد العصافير بوساطة الدبق أيضاً، وكانت لا تزال حيّةً في قفص بين يديه، وكان يراقب تحركات جابر، مرّ الصياد بسطل جابر، فتحه وأخذ منه العصافير المذبوحة والمنتوفة ووضع العصافير الحيّة في السطل بديلاً عنها ثُمَّ غطاه وغادر إلى منزله.
رجع جابر إلى سطله بدفعة ثانية من العصافير التي ذبحها ونتف ريشها، فتح غطاء السطل ليضعها مع الدفعة الأولى وإذ بالعصافير تطير مزقزقة خارج السطل، سقط جابر على الأرض من شدة رعبه ثم أتته القوة لينهض وليركض عبر الحقول تاركاً خلفه كل شيء، راح يركض دونما هدف وهو يهذي كأن جنيّاً مَسّ عقله.
***
النهاية



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البروفيسور في ضيافة الشيخ قليعة 4
- البروفيسور في ضيافة الشيخ قليعة 3
- البروفيسور في ضيافة الشيخ قليعة 2
- البروفيسور في ضيافة الشيخ قليعة ـ 1 ـ
- كيف ضيّع البروفيسور مكتبته
- لا أوراق في مكتب البروفيسور
- ليس للبروفيسور من يواسيه
- البروفيسور في متاهته ـ كاملة
- البروفيسور في متاهته 4
- البروفيسور في متاهته 3
- البروفيسور في متاهته 2
- البروفيسور في متاهته ـ 1 ـ
- رحلة سياحية إلى ألمانيا
- بين حقول مدينتين
- بائعة الكلاسين ـ1ـ
- شظايا
- حقول الفريز
- أوراق التين
- قطار آخن 54 الحلقة الأخيرة
- قطار آخن 53 الفصل الأخير


المزيد.....




- مصر.. وفاة المخرج والسيناريست القدير عصام الشماع
- الإِلهُ الأخلاقيّ وقداسة الحياة.. دراسة مقارنة بين القرآن ال ...
- بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد ...
- مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
- -قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا ...
- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...
- مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال ...
- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...
- اشتُهر بدوره في -أبو الطيب المتنبي-.. رحيل الفنان العراقي عا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - البروفيسور في ضيافة الشيخ قليعة 5