أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالرزاق دحنون - لا أعشق الموتَ لكنه سُلَّمي للحياةْ














المزيد.....

لا أعشق الموتَ لكنه سُلَّمي للحياةْ


عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري


الحوار المتمدن-العدد: 7778 - 2023 / 10 / 28 - 21:45
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


جاء غلاف العدد 522 من مجلة الهدف الصادر يوم السبت 24 يناير/ كانون الثاني 1981 نصرة لأهل غزة. الرسم على الغلاف "بسيط كالماء واضح كطلقة مسدس" على حدِّ تعبير الشاعر السوري رياض الصالح الحسين. أصبعان مرفوعان للأعلى يمثلان علامة النصر والعلم الفلسطيني، باقي الأصابع مضمومة في قبضة تمتزج لتشكل قنبلة يدوية، وتحتها كلمة غزة، كتبت بخط النسخ الجميل على خلفية بيضاء، في أعلى الرسم كلمة "الهدف" الحقيقة، كل الحقيقة للجماهير.

كلَّما رأيت هذا الغلاف من مجلة الهدف تخطر في وجداني قصيدة أحبها، وأقول عنها هي من أجمل القصائد التي قرأتها في حياتي، كتبها الشاعر الفلسطيني إبراهيم نصر الله وعنوانها "الحوار الأخير قبل مقتل العصفور بدقائق" حيث جاء في الإهداء: إلى جمال قبلان. مجدي أبو جامع. صبحي أبو جامع بركة. أبطال عملية عسقلان رفح شتاء عام 1981. إلى مجدي وصبحي اللذين استشهدا تحت هراوات الجيش الإسرائيلي بعد أسرهما.

وكانت هذه القصيدة قد نُشرت أولاً في مجلة الهدف، وقرأتها مرات ومرات للرفاق في مدينة إدلب. لا أذكر رقم وتاريخ صدورها الآن، لأن أعداد مجلة الهدف بقيت في مكتبتي في الشمال الغربي من سورية. ثمَّ طبعت في ديوان شعر صادر عن دار الشروق عام 1994.

غلاف مجلة الهدف هذا ومقاطع من قصيدة إبراهيم نصر الله حملتهما معي على "فلاشة" كمبيوتر إلى ديار أخرى علَّقنا أحلامنا على مشاجبها، وتركنا بسقوف بيوتنا في شمال الشام، بصلاً، وبامية، ورماناً، وتيناً يابساً، وثوماً للشتاء، تركنا حليباً في أَضرع ماعزنا، وتركنا رفَّ حمامنا المنزليّ بلا ماء، وتركنا الطائرات الحربية تُحلّق في الأجواء، وأعطينا لزغب القطا طوق النجاة، ثمَّ عبرنا جسر الموت إلى الحياة.

مقاطع من قصيدة الحوار الأخير قبل مقتل العصفور بدقائق:

هادئٌ بحرُ غزةَ
ماءٌ وأشرعةٌ
زرقةٌ وصباحٌ عريضٌ
ونافذةٌ للنوارسِ أو جدولٌ في الوريدْ

هادئٌ بحر غزةَ
لي رغبةٌ: أن أرى وجهَ أُمي ومدرستي
وأن أقفَ الآنَ في الصفِّ طفلاً
وأُطلقَ في البرّ خيلَ النشيدْ
وبي رغبةٌ
أن أمرّ على وردةٍ في الجوارِ
أُسرُّ لها أن أرضَ المخيمِ حقلٌ
وهذا الرحيلُ البعيدْ
لستُ أمضي إلى الموتِ مبتسماً
بينَ هذي الرصاصةِ والشمسِ أرفعُ أُغنيةً
رايةً للحياةْ
أُحبُّ الصغارَ كثيراً
وإن لمْ أكنْ ذاتَ يومٍ هناكَ صغيراً يلاحقُ سرّ الأعاصيرِ
والموجِ حينَ تثورُ المياهْ
كلُّ أسئلتي انتشرتْ فيّ موجاً
فقدْ يبسَ الغصنُ
لكنّ أسئلتي اكتملتْ
واستوتْ برتقالاً
وأغنيتي تعرفُ الدربَ للحبِّ
تعجبُ؟
لا بأسَ
لكنني أعرفُ البحرَ منذُ صباه
طاعنٌ في الزغاريد والعرسِ والشمسِ
هذا أنا وجبينٌ إلهْ
لا أقول لكَ الآنَ إني سأمضي إلى الموتِ
لا أعشق الموتَ
لكنه سُلَّمي للحياةْ

هادئٌ بحرُ غزةَ
هذا الصباحُ أليفٌ وأطيبُ مما شربناهُ
لا وردَ في الطرقاتِ
أجلْ
ولكنّ وردتَنا الأغنياتْ
وهنا باعةُ السمكِ
الطالباتُ
الحوانيتُ
آخرُ فصل الشتاءْ
صِبْيَةٌ يحبسونَ النوارس في الدفترِ المدرسيِّ
ويندفعونَ طيوراً إلى الماءْ
فأسٌ على كتفٍ
عنبٌ في الشفاهِ
وأشرعةٌ
حين تعلو ستسألُ
هل أبصرُ الآنَ أشرعةً
أم سماءْ؟
حناجرُ مُخْضَرَّةٌ وخضارٌ
حقولٌ تجيءُ إلى السوقِ ناضجةً بالغناءْ

هادئٌ بحرُ غزةَ
هذي البيوتُ التي تسكنُ الروحَ تشبهني
خطوةُ الضوءِ ألفتُهُ
وضجيجُ المحطاتِ يشبهني
غيمةٌ تحملُ الأرضَ حتى النجومِ
وبيارةُ البرتقالِ الحدائقُ
تشبهني
حزنُ جدي حكاياتُهُ ويداهُ
عروقُ أبي
وجهُ أمي الحبيبُ
خيولُ المعاركِ
تشبهني
جارتي جارُنا
طفلُهما حينما اختطفتْهُ الرصاصةُ من عندليبِ البراءةِ
أُبصرهُ كلّ يومٍ على بابِ مدرسةٍ
عابراً زمني
وهو يشبهني
كلُّ ما يتجمَّعُ حولي وفيَّ
سمائي التي ظلَّلتْ وطني

هادئٌ بحرُ غزةَ
هلْ جهّزتْ أُمُّكَ الزادَ
نصفَ رغيفِ وعشرينَ زيتونةً برتقالهْ
فالطريقُ طويلٌ إلى عسقلان
ركضتْ تحتَ سقفينِ
دارتْ هنالكَ في الحوشِ
سبعونَ عاماً
ولما تزلْ طفلةً كغزالهْ
قُلتُ يا أُمُّ: ها عسقلانُ هنا
وهي أقرب من بابنا
لا عليكَ إذن لا عليكْ
واسمع الآنَ ما سأقول:
إذا كَـثُرَ الجنُدُ كنْ يا صغيري قوياً
وكنْ مثلَ نهدي الذي أرضعكْ
ومثل حليبـي الذي جف من زمنٍ طيباً
ولا ترتبكْ
إن قلبي معكْ
وخبئ سلاحكَ
لا شيء أجمل منكَ سوى وردةٍ زَيّنَتْ مدفعَكْ
لا تطلق النارَ يا ولدي باتجاه الشجرْ
فهي أشجارُنا
وإذ تطلق النارَ حاذرْ إذن أن تصيبَ صغيراً
فأنكَ ما زلتَ في عين أُمكَ تعدو على طرقاتِ الصِّـغرْ
ربما غيّرتكَ الحروبُ
أجلْ
ولكنني أذكرُ الآنَ إنك لم تكُ يوماً تحبُّ الدماءَ
وكسّرتَ مدفعكَ الخشبيّ مراراً هنا أو هنا
فوقَ هذا الحجرْ
وكنتَ صديقَ البراعمِ
حتى إذا ما أتى الصيفُ صرت حبيبَ الثمرْ
أرضُ غزةَ يا ولدي وجهُنا
ومن طينها ندهنُ الخدَّ كي يتوردَ يا ولدي
ونباهي القمر
هل تجهزتَ؟
آهِ
تقولُ تأخرتَ
لا تتأخرْ كثيراً عليّ
سأعجنُ أغسلُ صحنَ العجينِ وبعضَ الثيابِ
ثيابَكَ
أخبزُ
يا ولدي
مثلَ كلّ نهارٍ
وحينَ يجيءُ المساءُ
سأتركُ قلبي على عتبةِ الدارِ عيناً
وأُغنيةً تنتظرْ
فكنْ مثلَ نهدي الذي أرضعكْ
ومثلَ حليبـي الذي جفّ من زمنٍ طيباً
ولا ترتبكْ
إن قلبي معكْ

أوصيكَ يا ولدي دائماً:
حين تمتدّ أرضُ السواحل عاريةً
أو يكثرُ الجندُ حولكَ
كنْ في امتدادِ السهولِ جبلْ
وكنْ أنت دولتكَ العاليةْ
حين تسقطُ خلفكَ كلّ الدّولْ



#عبدالرزاق_دحنون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في ذكرى رحيل الشيوعي الأخير في السعودية!
- هكذا تكلَّم عاملٌ عن هادي العلوي
- أين المفتاح يا لينين؟
- تحرير ماركس من تشويهات الأيديولوجيا الشيوعية
- عشر سنوات على مبادرة الحزام والطريق الصينية
- الحاكم الصالح
- نوع العالم الذي تريده الصين
- سؤال: لماذا هنري كيسنجر في الصين؟
- حوار مع الدكتور جودت هوشيار
- اليسار الثوري مُقصِّر وشعاراته حامية!
- لا يتبع الجثة إلى القبر إلا ذبابة غبية
- الرواية إمبريالية بطبيعتها
- الدعاية السياسية والذكاء الاصطناعي
- في رحيل الرفيق عدنان حدادين
- قراءة في كتاب الضلال الكبير
- وهم التخلص من الدولار
- حوار مع الشاعر والتشكيلي السوري منذر مصري
- عن النعام والشيوعية والشيخ زايد وماركس
- مواجهة صدام حسين Confronting Saddam Hussein
- ما أخطأ المحافظون الجدد


المزيد.....




- مصدر يوضح لـCNN موقف إسرائيل بشأن الرد الإيراني المحتمل
- من 7 دولارات إلى قبعة موقّعة.. حرب الرسائل النصية تستعر بين ...
- بلينكن يتحدث عن تقدم في كيفية تنفيذ القرار 1701
- بيان مصري ثالث للرد على مزاعم التعاون مع الجيش الإسرائيلي.. ...
- داعية مصري يتحدث حول فريضة يعتقد أنها غائبة عن معظم المسلمين ...
- الهجوم السابع.. -المقاومة في العراق- تعلن ضرب هدف حيوي جنوب ...
- استنفار واسع بعد حريق هائل في كسب السورية (فيديو)
- لامي: ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية
- روسيا تطور طائرة مسيّرة حاملة للدرونات
- -حزب الله- يكشف خسائر الجيش الإسرائيلي منذ بداية -المناورة ا ...


المزيد.....

- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .
- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالرزاق دحنون - لا أعشق الموتَ لكنه سُلَّمي للحياةْ