أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابراهيم الخزعلي - قصة قصيرة - حلم وميلاد تحت الرصاص















المزيد.....

قصة قصيرة - حلم وميلاد تحت الرصاص


ابراهيم الخزعلي
(Ibrahim Al khazaly)


الحوار المتمدن-العدد: 7773 - 2023 / 10 / 23 - 10:18
المحور: الادب والفن
    


حُلُمٌ و ميلادٌ تَحْتَ الرّصاص


قصة قصيرة
1983

( بما ان القضية الفلسطينية
هي ليست قضية الفلسطينيين
فقط .. بل هي قضية انسانية
وحضارية ، يشترك فيها من
مختلف الجنسيات والأعراق،
والجميع يضحي من أجلها!
إذن لا يستطيع البقاء على
ارض فلسطين كيان مصطنع كأسرائيل )

وتعود مرةَ أخرى تُهَدهِده ، وما ان يهدأ ، إلاّ ودوي رصاصٍ ، أو أزيز طائرة تُرْعِبَهُ، فَيَصرخُ مَذعورا.
لَمْ تكن عيناهُ ونظراتهُ كالآخرين !
فحين يصرخُ إثرَ أيّ صوتٍ ، سرعان ما يتوقف عن البكاء ، وترى عيناه تُرْسلان نظرهما بعيداَ بعيداَ ، كنجمتين تتلألأن في الأفق .

************

هدأ قليلاَ بعد أن أتعَبَهُ البكاء ، وأسدل جفنيه على دموعه التي لم تجف بعد.
بُمب...
قَذيفَةٌ أخرى تَسْقُط وسَطَ المُخَيّم، فينفجر باكيا بأعلى صوته..
لا ياصغيري..
لا ياصغيري العزيز لا تخف ، إسمُ الله.. إسمُ الله عليك. أخْرَجت نَهدها لعله يسكت.
هَدْهَدَتْهُ وهو في حُجْرها ويدها تربت على جانبيه ، وهي تناغيهِ بصوت شجي.
تبادر الى ذهنها شئ ما ، وثمة سؤال غصّت به حنجرتها ..
ما هذه الأصوات ؟!
إستيقظ الصغير من غفوته، وعيناه تصوبان نظرهما بعيني امه ،وقد أشرق بإبتسامةٍ عريضة كهالة ضوئية تحيط بوجهه .
قفزت من بينِ شفتيه كلمات : إنّهُ صوت الطائرات يا أماه !
لَمْ يترك أي أثر على أمّه ما نطق به، كا لمسيح حين تكلم في المهد
صبيّا ..
و كأنّ كلماته كانت جوابا على سؤالها المتجمد في حنجرتها ، وما فتئ ان بادرها بسؤال : والى متى يفعلون ذلك يا امي ؟

************

إرتخت يداها اللتان تحتضنانه الى صدرها ، وتلاشت إبتساماتها بانسدال جفنيها كما تتوارى الشمس وراء الأفق . أنفجر بركان مكبوت في أعماقها ، هزَّ كيانها وبعث ماضيها .. سؤال اكبر مما تتوقعه !
واعمق معنى من ليل ينتظر خيطا من نور فجر.

**************

سرحت مع أحلام طفولتها، تذكرت أختها الصغيرة التي سألت يومذاك، ذات السؤال، فكانت الأجابة أن تطايرت أشلاءها.
اقشعر بدنها، كما لو أن تيارا كهربائيا لامسها!
دّبَّ في عروقها اشبه مايكون بماءٍ ساخن ، حدّثت نفسها، ليتها لاتفاجأ بِمِثلِ ما وقع لأختها . نظرت في وجهه، وكلتا يديها تضمانه الى صدرها بقوة.
كانت عيناه تُصَوّبان نظرهما في عيني أمهِ، كمن ينتظر جواباَ .
خَطَرَ على بالها أن تقولَ شيئا، وقبل أن تفتحَ فاها ، هَزّت أركان المخيّم قذيفة صاروخية أخرى..
صّرّخت :
ولدي.. ولدي، مات ولدي..
قَفَزَ سالم من فِراشهِ !
ما بكِ ، ما بكِ يا مريم ؟ إهدئي .. إهدئي إنّكِ في حُلُم ، وأخذَ يَرْبُت على كَتفها مثل صغير بين يديه ، واستأنفت صراخها ثانية ، وبعد أن هدأت قليلاً صاحت : ولدي ، ولدي .. أينَ ولدي ياسالم ؟ قلت لكِ أنكِ كنتِ تحلمين .

************

فتحت مريم عيناها الزّرقاوان على إتّساعهما ، إلتفتت يُمنةَ ، يُسرَةَ ، حدّقت بكل ما يحيط بها ، كمن فَقَدَ شيئاَ. مَسَحت عينيها ومن ثم تلمّست بكفيها بَطنها المرتفعة . إتّشح وجهها بشئ من الأصفراء ، لِيُغَطّي تلك الحُمرة المرسومة على وجنتيها .
إرتَعَشَت، أصابتها قَشْعَريرة شديدة، جَعَلتها تَهتَزّ ، كمن تَعَرّض لريح ثَلجية، أخَذت تَتَلَوّى. لَمْ تُطِق صَبْرا من شِدّةِ الألم. أطلقت صَرَخة عالية تشوبها حشرجة ، مصحوبة بزبد ، قالت : إذهبْ يا سالم واحضر لي طبيبا، فان أحشائي تتمزق .
قال سالم : ماذا تقولين يا مريم ؟ أتعلمين كم الساعة الآن؟ إنها الثانية بعد مُنتصف الليل ، كما أنَّ دوريات العدو العسكرية تتجوّل، لأنّهم أعلنوا البارحة حالة مَنْع التَجَوّل.
أجَلْ.. ان تلك القذيفة التي سقطَتْ وسَطَ المُخَيّم، كانت شَديدة الأنْفجار، أرعَبت أهل المُخَيّم قاطبة ، حيث لم يجرؤ أحد على الخروج .
تعالت صيحاتها لترتج حُجُب الظلام الجاثية على صدر المُخَيّم، وكلما تزداد شدّة ألألم ، فهي تتقلّبُ كَعُصْفورةٍ طُعنت برأسها. يرتفع صراخها، حتى أمسى وجهها كليمونة صفراء ذابلة، ففقدت كامل شعورها ، كالمصاب بالهستريا، تصرخ، تتلفّظ عبارات لا معنى لها. وما أن تهدأ موجة الألم تناديه بصوتٍ ضعيف : سالم .. أين أنتَ يا سالم؟
حاول بكل ما يمتلك من قوة وارادة ، حبس أدمعه بين جفنيه، وعبرة بلغت حُلْقومه .
فأجابها بود ورِقّةٍ :
نعم حبيبتي..
قالت: إذهب الى الخالة أم حسن وأحضرها لي، سأموت، سأموت. .

************

نَهَضَ سالم من فراشه متثاقلاً ، تعتصره الأفكار، واضعاً رأس مريم على وسادةٍ عَتيقةٍ أو بالية الشّكل، بعد أن كان على ذراعه الأيمن ، دَسَّ يَده في جيب بنطاله اثناء قيامه ، لِيُخْرجَ علبة السجائر التي ما كانت تحتوي إلاّ على سيجارةٍ واحدةٍ. أطلق عنان أهةٍ حرّى مَحبوسةٍ في أعماقه الملتهب ، ونفث الدخان بعد أن أشعل سيجارته ، فارتسم الشهيد عصام وسط السحابة الدخانية، مخاطبا اياه
(أخي سالم إنَّ أملُنا فيكَ لَهو أكبر من أن تَخدشَ الأشواك قدميكَ ، فتُعيق تَقَدّمكَ، نحن نعرفُ أنّكَ تتألم، والحيرة كحبل يلتف على عنقك، ولكن ينبغي عليك أن لا تغضب، أو تنهار، لِما هو ليس بِمُستوى الأهمية . فصلاح عندما وهب قلبهُ لِقضيةِ شَعبِهِ، لم يَمُتْ، ما دامت قضيتنا حيّة لَنْ تَموت. وكذلك أحمد ورُبّما مريم وأنتَ ، وتوقّع أنّ أعدائنا الغُزاة سيستعملون أقسى الأساليب في ضربنا جوّاَ وبرّاَ.. بطائراتهم ومدافعهم ودبّاباتهم ورشّاشاتهم وبمختلفِ وأحدث أسلحتهم، توقّع هذا كُلّه يُوَجّه ضِدّنا ما دمنا نحن نناضل مِن أجلِ قضيتنا في سبيل تحرير أرضنا من دنسهم، وما دمنا نَحْمل البُنْدُقية. فلا تيأس ولا تَحْزَن، فالحُزْنُ كل الحزن حين تسْقط الراية والبُنْدقية.. وهذا مُسْتحيل، لأنَّ الدماء التي سالت لَن ولَمْ تَجُفْ ، والأرواح التي أزهقت، لَنْ تموت، هي فيكَ، وفيَّ، وفي كُلِّ المناضلين، وإننا لابُدَّ أن ننتصر) .
رَمى سالم عقب سيجارته ولم يُكْمِل النّفسَ الثاني منها . دسًّ يديه في سترته، قَدّمَ رِجْلهُ اليُمْنى ثم اليُسرى، تقدّم خطوة لِيَفتح الباب بِحَذرٍ . إنطلق صوت من خلفه لم يألفه من قبل! إلتفت وراءه ، لكن ضوء الفانوس الخافت لم يُمَكّنه من ان يرى ، ومن أين هذا الصوت المنبعث من الظلمة ، تراجع الى الوراء قليلا. ثمّة شئ في داخله يُحَفّزه، وكأنه قد لمح خيطا من نور شمسٍ غابت مُنذُ قرون. إندفع جسمهُ لا إراديّا نحو الشئ المجهول . نادته مريم : سا..لم ، سالم .. تعال ياسالم، إنّهُ .. إنّه، هو.. هو ..
فانحنى نحوها بكل شوق ليحتضنه بكلتا ذراعيه ، وقد غطّت ساقيها، وارتسمت ابتسامة كقوس قزح على وجهيهما ، ولاح الفجر من كُوةٍ صغيرة في الغرفة .
الدكتور ابراهيم الخزعلي
1983



#ابراهيم_الخزعلي (هاشتاغ)       Ibrahim_Al_khazaly#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غزة قلعة الصمود والكرامة
- قصيدة - تلاوة سورة الجرح الأكبر
- تساؤل مؤلم
- قصيدة - سدرة الوجع
- إشاعاتهم المغرضة والمسمومة
- قصيدة- الليلُ يَمْحوهُ دَمُكْ
- التأريخ كالشمس، تبقى والغيوم السوداء تزول
- الدنيه كله ظلم - شعر شعبي
- قصّةٌ قَصيرةٌ جِدّاً - تأَسٍّ
- الغُصَّةُ
- قصيدة - التّاجِرُ البَخيلُ واليَتِم
- خلجات..
- خلجات الذّات
- كَفَى..!
- العِراقُ بَيْنَ البَلاءِ والوَباء
- قِصّةٌ قَصيرةٌ جِدّاً- المُهَرِّج
- الشهادة
- جَهْلٌ أَمْ تَجاهِلٌ أَمْ هُوَ الأصْرارُعلى ذَبْحِ العِراقْ؟
- العراق بين ( البوري والقوري)
- حُلُمٌ و ميلادٌ تَحْتَ الرّصاص


المزيد.....




- حي المِسكيّة الدمشقي عبق الورق وأوجاع الحاضر
- لا تفوت أحداث مشوقة.. موعد الحلقة 195 من قيامة عثمان الموسم ...
- أزمة فيلم -أحمد وأحمد-.. الأكشن السهل والكوميديا المتكررة
- بي بي سي أمام أزمتي -والاس- و-وثائقي غزة-... هل تنجح في تجاو ...
- من هم دروز سوريا؟ وما الذي ينتظرهم؟
- حسان عزت كما عرفناه وكما ننتظره
- -الملكة العذراء-: أسرار الحب والسلطة في حياة إليزابيث الأولى ...
- مكتبة الإسكندرية تحتفي بمحمد بن عيسى بتنظيم ندوة شاركت فيها ...
- زائر متحف فرنسي يتناول -العمل الفني- المليوني موزة ماوريتسيو ...
- شاهد فنانة إيرانية توظّف الفن لخدمة البيئة والتعايش


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابراهيم الخزعلي - قصة قصيرة - حلم وميلاد تحت الرصاص