أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيه القاسم - مجتمعنا العربي وسهام علاء حليحل المُنبّهة والمُحذّرة في روايته -سبع رسائل إلى أم كلثوم-















المزيد.....



مجتمعنا العربي وسهام علاء حليحل المُنبّهة والمُحذّرة في روايته -سبع رسائل إلى أم كلثوم-


نبيه القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 7743 - 2023 / 9 / 23 - 04:52
المحور: الادب والفن
    


مجتمعنا العربي وسهام علاء حليحل المُنَبِّهة والمُحذِّرة في روايته

"سَبع رسائل إلى أمّ كلثوم"

د. نبيه القاسم





يُقدّم علاء حليحل في روايته الجديدة "سبع رسائل إلى أم كلثوم" عملا إبداعيّا يؤكد قُدرةَ الكاتب علاء على أن يأتي بالإبداع الجديد المتميز. هكذا وجدناه في روايته الأولى "أورفوار عكا" وفي "كارلا بروني عشيقتي السريّة"، وفي "الأب والابن والروح التائهة" وهكذا في قصصه القصيرة الجميلة، وكتاباته المسرحية، وفي كل أعماله الإبداعيّة الأخرى. وهو يعرف كيف يشدّ القارئ ويثير اهتمامَه بتسميّاته الإبداعيّة مثل "كارلا بروني عشيقتي السريّة" و "سبع رسائل إلى أم كلثوم" وهو يقول في لقاء صحفي معه: "العناوين الجيّدة نافذة ممتازة لكل عمل أدبيّ" (الوطن العُمانية).

يتناول علاء حليحل في روايته "سبع رسائل إلى أم كلثوم" حياة أسرة عربية تسكن قرية عربية في الجليل تتكوّن من أربعة أفراد: الزوج مصطفى والزوجة هاجر والابنان: يزن في العاشرة من عمره ونور في التاسعة. الزوج يعمل في قَطْع الحجارة في محجره الذي ورثه من والده والموجود في مدينة كرمئيل. الزوجة هاجر كانت تعمل مُدَرّسة في البلدة وبعد زواجها تركت عملها استجابة لطلب زوجها كي تتفرّغ للبيت والأولاد.

تبدو القصة في مظهرها الخارجي عاديّة كغيرها من قصص الأُسَر التي تعيش في قرانا العربية. ولكن التفاصيل والأسرار تبدأ بالتكشّف للقارئ الذي يجد نفسَه من حيث لا يدري منغمسا في المأساة الحقيقية التي يعيشها أفراد هذه الأسرة، والمعاناة من الشعور بالوحدة التي يُعاني منها كلّ منهم رغم وجوده قريبا من الآخرين.

فالزوج مصطفى لم يُنه دراسته ولا يُتقن القراءة والكتابة، انخرط في العمل مع والده في المحجر، ولا يزال يزاول عمله هذا ولا يشغل نفسه بأي اهتمامات أخرى خاصة السياسية، فهو كما نبّهه والده يسير الحيط الحيط (ص30) ويبتعد عن كلّ ما يولّد المشاكل. تزوّج من هاجر قريبته الجميلة، ورزق منها ولدان.

أمّا هاجر الزوجة فقد تعلّمت وعملت في التدريس ووقعت في حب جمال الذي عاشت معه قصة حبّ كبيرة، لكنّ جمال آثر ترك البلاد إلى ألمانيا لمتابعة دراسته، وهناك تزوج واستقر وقطع كلّ علاقة له مع هاجر. رحيله أبقى هاجر في حزن كبير متواصل، وموضوعا تتبادله الألسن ممّا سبّب في الإساءة لها ولمستقبلها، ودفعها ووالديها للقبول بابن عمّها الأمّيّ مصطفى ليكون زوجا لها.

عاشت هاجر مع مصطفى في بيت واسع جميل الموقع، يبعد حوالي 300 متر عن أول بيت في القرية وألف متر عن بيت أهلها مما جعلها منعزلة في بيتها بعيدة عن كل الناس. وممّا زاد من وحدتها استجابتها لطلب زوجها واستقالتها من عملها في التدريس وتفرّغها لعمل البيت والحديقة والأولاد فيما بعد.

وبدأت حياتهما تزداد جفاء وبُعدا وعَصبيّة وصراخا، فمصطفى لم ينس أنّ زوجته هاجر كانت تُحبّ جمال وهو متأكد من أنّها لا تزال تُحبّه وعلى علاقة به، ويشعر أنها لا تكنّ له الحبّ، وتتعامل معه باستعلاء، وفي بعض الحالات باحتقار. ولهذا جعلها تترك عملها وتلتزم بيتها فقط.

وأدركت هاجر، وبعد فوات الأوان، مدى تسرّعها في الزواج من مصطفى الذي تزيدُه علما وثقافة ومعرفة وتشعرُ بدونيّته. وبُعْدها عن كل الناس وقضاء الساعات الطويلة وحيدة لا أنيس لها جعلها تستعيدُ حياتها مع جمال وأنْ يظل بالنسبة، لها، رغم تَرْكه لها وزواجه من ألمانية، الحبيب الوحيد الذي تحلم به وتتمنّاه. هكذا سارت حياة مصطفى وهاجر، يعيشان معا، وكل واحد يعيش وحدته وعالمه الخاص، وحتى بعد أنْ رزقا بولدين ظلّت حياتهما مُتباعدة، والصّمت هو الغالب على جلساتهما، والجفاء البارز في سلوكهما، وتَسَتّر كلّ منهما عن الثاني في كل عمل يقوم به أو فكرة تخطرُ بباله.

أثّرت هذه الحياة لمصطفى وهاجر على ولديهما يزن ونور اللذين كانا إلى جانب أمّهما في كل عمل ورأي، ولكن مصطفى نجح في استمالة يزن إليه، وبدأت التّحالفات تظهر، وتشقّ الأسرة، وتزيد الخلافات، وتُظهر الكراهيّة المتزايدة ما بين يزن ونور، وكراهية يزن لأمّه حتى أنه كاد يرمي بها من المُرجيحة يوم أصرّ على دَفْعها عاليا، وتجاهل طلبها منه بالتوقّف. كذلك كراهيّة نور لوالده مصطفى ورفض الاستجابة له وتَحدّيه في أكثر من موقف، وانحيازه الواضح لأمّه وأنّها وحدها المسؤولة عنه.

وبدأت هذه الحياة اليومية البائسة التّعسة غير المُحتمَلة تضيق أكثر مع كل حدَث، وتضغط لتنفجرَ بقوّة مع صرخة هاجر في وجه مصطفى معلنة له أنها تُعلن طلاقَها منه، وأنها ستعود لتعمل في المدرسة(ص204). ورغم محاولات مصطفى الحثيثة لتدارك المُصيبة الواقعة، إلّا أنّ الكراهيّة وصلت أوجها، وإمكانيّة الحياة واستمراريتها معا مستحيلة، وليس لهما غير الانجراف إلى النهاية الأليمة بطلاق هاجر ومصطفى، والنهاية غير المُتوقعة بقَتْل يزن لأخيه نور وهما يتصارعان على الكلب.

هذا هو الواقع المَعيشي لهذه الأسرة، وقد تكون نافذة مُنبّهة لحياة المئات والآلاف من الأسر، أراد بها علاء حليحل أن يُطلعنا على واقع نُعايشه ولا نعرف عنه شيئا أو نعرف ونتجاهل رغبة منّا بالسّير الحيط الحيط وعدم الدخول في مشاكل نحن بغنى عنها.

ما تطرحه الرواية
يتوقّف الكاتب في روايته أمام التّحوّلات الكبيرة التي شهدتها مجتمعاتنا العربية في قرانا ومدننا في العقود الثلاثة الأخيرة مثل: خروج الفتاة من قوقعتها، وتحرّرها من سطوة البيت، من الوالدين والإخوة والزَّوج، واتّخاذها قراراتها لوحدها بعيدا عنهم، وذلك بعد أن التحقت بالمدارس، وحصلت على الشهادات المختلفة، وعملت، وتحمّلت المسؤوليات المختلفة في أماكن عملها، وانكشفت على مجتمعات وثقافات وأفكار، والأهم أنّها تحرّرت اقتصاديّا من تَحَكُّم الأب والأخ والزوج، وأصبحت في كثير من الحالات المُعيلة للأسرة، ويزيد راتبها على راتب زوجها. وتحرّرها الاقتصادي أعطاها الثقة بنفسها، وجعلها تطرح آراءها ومواقفها واعتراضاتها، وترفض ما لا يُعجبها ولا يُقنعها غير خائفة من ردّة فعل الآخرين، خاصّة والقوانين الاجتماعية التي سُنَّت في هذه الفترة، في مُجملها لصالح المرأة ولحمايتها من تعسّف وظلم الرجل.

وهذا ما شاهدناه في تصرّفات هاجر مع زوجها مصطفى، إذ سرعان ما بدأت تستهين به وتحتقره، وتعيش حياتها الخاصة باستعادة قصة حبّها مع جمال، والبوح بسرّها وقصّتها بالرسائل التي تكتبها لأم كلثوم التي كانت أغنياتها مصدر فرحها، وتواصل العيش في واقعها الخيالي المُضمّخ بالعشق والسعادة.

وزادت من إهمالها لزوجها مصطفى، وتَحدّيه خاصّة بعد أن كبر ولداهما يزن ونور، وبدأت، من حيث تقصد أو لا تقصد، تُبعدهما عن والدهما وتلبي لهما كل طلب، وتنحاز لهما ضدّ موقف الوالد، حتى وصلت الجرأة بنور أنْ يتحدّى والده ويقول له "أمي اللي بتربيني مش إنت"(ص77) وأن يرفض وأمّه طلب الوالد بالعودة إلى البيت، ويتابعا طريقهما.

وكانت الضربة القاضية والمُهينة التي وجّهتها هاجر لمصطفى عندما أعلنت له أنّها قرّرت الطلاق منه (ص192) ورفضها لكلّ المحاولات التي قام بها الأهل ومصطفى لثنيها عن موقفها والتّراجع عن طلبها بالطلاق.

أمّا مصطفى فقد عمل في محجر والده ومن ثمّ ورثه، ولم يهتم بالعلم والدراسة، ووجد الفرصة مناسبة للفوز بزوجة جميلة متعلمة مثل ابنة عمّه هاجر، ومع فرحته بزواجه من هاجر ظلّ يخاف من استمراريّة حبّها لجمال، أو أن تقع في حبّ إنسان آخر تلتقيه في مكان عملها أو خارج البيت، ففرض عليها الاستقالة من العمل والاكتفاء بأعمال البيت وتربية الأولاد.

ورغم مرور السنوات لم يلمس مصطفى أيّ تغيّر في مشاعر وتوجّهات زوجته نحوه، بل كانت دائما في حالة عصبيّة، وفي جدال وخلاف ومُعارضة، كانت تُؤْثر الاختلاء بنفسها، وتكتب كثيرا. وزاد شكّه في تصرّفاتها ومن استماعها الدائم لأغاني أم كلثوم التي تتغنّى بالحبّ والحبيب فتأكله الغيرة وتزداد شكوكه ومخاوفه فيزداد صمتا وحرصا في تعامله معها، وحتى مع ولدَيه يزن ونور كان متشددا.

وفوجئ مصطفى يوم علم بعودة جمال حبيب هاجر للبلدة بسبب مرض والده، وخاطب زوجته بغضب واتّهام: "شكله الباشا اللي رجع من ألمانيا خَرْبشلك عقلاتك.." (ص13) وبالفعل عودة جمال غيّرت من تصرفات هاجر وأكثرت من زيارة أهلها حيث تمرّ الطريق من أمام بيت أهل جمال، وكانت تُمَنّى نفسَها برؤيته والتّحدث معه. وكل هذا كان يلاحظه مصطفى، ويكظم غيظه، ويزيد من قسوته في البيت. وخطأه أنه بدلا من رعاية ولديه ومعاملتهما بالمثل أخذ ينحاز إلى يزن لنجاحه في الدراسة، ويستهين بنور، ويُهمله مما وَلَّد كراهيتُه له وتَحدّيه.

وهذا الانشطار في العلاقة ما بين مصطفى ويزن من جهة مقابل نور وهاجر من جهة ثانية دمّر حياة الأسرة حتى وصل الأمر بمصطفى الى الاتفاق مع يزن، دون علم هاجر ونور، لأخذ الكلب ورميه بعيدا عن البيت، وما استتبع هذا العمل من رَدّة فعل من نور وهاجر ضدّ يزن ومصطفى. وازدياد الكراهية بينهم حتى وصل إلى إبلاغ هاجر لمصطفى أنها قرّرت الطلاق منه، ومن ثم كانت النهاية المُفجعة غير المُتوقَّعَة بشجار نور ويزن على الاستئثار بالكلب، الشجار الذي انتهى بموت نور نتيجة لضغط يزن على أنفه وفمه حتى فقد الحياة (ص254).

يزن ونور كانا ضحيّة العلاقة السيئة بين الوالدين وانشغال كلّ منهما بنفسه وأفكاره وشكوكه واهمال الوَلَدَين وعدم رعايتهما بما فيه الكفاية، ثم التمييز في التّعامل بينهما، فهاجر انحازت إلى نور وأصبح المُفضَّل عندها بينما مصطفى وجد في يزن حليفا فقَرّبه منه وأغراه بالكلمات الجميلة وبالنقود.

النهاية المُفجعة
لم تكن نهاية العلاقة بين هاجر ومصطفى التي انتهت بالطلاق مفاجئة، بل كان يجب أن تكون قبل ذلك بكثير لأنّ علاقتهما كانت غير طبيعية واستمراريّتها أدّت إلى تدمير الأسرة كلها. كذلك موت نور لم يكن مُسْتَغرَبا وإن كان من الممكن تداركه ومَنعه لو تحلّى الوالدان بالرّويّة والتّفكير والتفتا لولدَيْهما أكثر وأبعَدا بهما عن خلافاتهما.

ولماذا أمّ كلثوم؟
قال علاء حليحل في مقابلة له مع جريدة الوطن العُمانية: "العناوين الجيّدة نافذة ممتازة لكل عمل إبداعي". واختياره لأم كلثوم لم يكن عَبَثا فهي سيّدة الغناء العربي والمُتربّعة على القمّة ولا تزال، وتصلح لتكون المُتّكأ الذي تجد فيه هاجر بطلة رواية علاء التي أحبّت أم كلثوم وحفظت أغانيها وردّدتها ملجأها ومَكْمَن أسرارها فكتبت لها الرسائل، وروت لها قصة حبّها وخيانة الذي أحبَّت، وما تُعانيه في حياتها اليومية، وكيف أنها لا تزال متعلّقة بالحبيب البعيد الخائن ولن تنساه أبدا.

ما بين المكان والزمان في الرواية
رغم ذكر أسماء مدينتي جنين ونابلس وقرية المقيبلة والناصرة وكرمئيل إلّا أنّه كان ذكرا جانبيّا بعيدا عن صُلب الأحداث التي شكّلت الرواية، وانحصرت الأمكنة التي جرت فيها أحداث الرواية في البلدة الجليلية التي سكنتها الأسرة.

المكان في الرواية لم يُشغل مكانة خاصّة وحَيّزا حميميّا عند أيٍّ من الشخصيّات، وقد تكون للعلاقة السيئة بين الزَّوْجَين ومن ثم بين الأخوَين ومع الوالدَين السبب في هذا التباعد العاطفي الدّافئ مع المكان المُتمثل بالبيت والحديقة وأرض البلوطة وغيرها. إذ أنَّ المكان يأخذ قيمته وحميميتَه من وجود الإنسان فيه، ومن العلاقات الإنسانيّة التي تربط بين أفراد المجتمع على مختلف تشعباتها. أما إذا رحل الناس عنه وبقي فارغا تنعق فيه الغربان كما يقولون، فلن تبقى له أيُّ مكانة وأيّة قُدسيّة، ويصبح كأيّ مكان آخر في العالم.

لكن المُثير للتّساؤل هو زمن الرواية الذي يمتدّ على سنوات السبعينات والثمانينات من القرن الماضي – القرن العشرين- ويتخلّل سنوات الانتفاضة الأولى في كل الأراضي المحتلة، وما تركته من أثر على الجماهير العربية داخل الخط الأخضر، حتى أنّ مصطفى الذي التزم بوَصيّة والده وسار الحيط الحيط لم يستطع أن يبقى مُحايدا وهو يرى الظلم الذي يُعانيه أبناء شعبه في الأراضي المحتلة فقرّر مَدّهم بالمساعدة التي يمكنه تقديمها، فكان ينقل لهم الحجارة اللازمة لرَمْي الجُند بها. كذلك فعل الرجل من سكان قرية المقيبلة الذي استقبل مصطفى المُطارَد من قبل جُند الاحتلال وحماه في بيته.

ويبدو أنّ هذه المشاهد من: أعمال مصطفى، والمظاهرات المُناهضة للاحتلال والمؤازرة للأهل في الأرضي المحتلة التي عمّت القرى العربية وشوارع الناصرة، وما تظهر على شاشات التلفزيون، وما كتبته هاجر في رسائلها لأم كلثوم إنّما هدفت لتأكيد وإبراز البُعد الوطني الكامن في كل عربي من الـ 48 مهما كان جبانا وخائفا وحتى مُتعاونا مع العدو.

لكن تحديد زمن الرواية في هذه السنوات التي كانت فيها الأوضاع المَعيشية والاجتماعية والعائليّة والأسَريّة لا تزال تتحكَّم بالفَرد وتصرّفاته، والعادات والتقاليد هي المَرْعيّة، يبدو غير طبيعي تلك السنوات، وقد يكون علاء حليحل قد وجد في قصص تناولتها ألسنة الناس وتردّدت في سهراتهم سنوات السبعينات والثمانينات إشارات لتغيّرات وبدايات لهذا التّحوّل الاجتماعي والفكري والاقتصادي الذي نُعايشه طوال العشرين عاما الأخيرة من ضَعْف وتَمزّق العلاقات الاجتماعية في المجتمع ككل وحتى في العائلات والأسر، كما وجدناه في أسرة هاجر ومصطفى.

ويقف الكاتب على حالة مُثيرة، فيها ما يُفرح وفيها ما يُحزن، وهي اتّساع الفَرْق بين الشاب والفتاة في مجتمعنا العربي هذه السنوات الأخيره، حيث يزيد عدد المُتعلّمات وحمَلَة الشهادات، والمُتبوّئات للمراتب العليا، وشاغلات الوظائف الحكوميّة وفي مختلف المجالات على عدد الشباب الذين يبتعدون عن التعليم العالي ويُفضّلون الانخراط في الأعمال المختلفة، ممّا ترك ويترك أثرَه على الأسرة ومعيشتها عندما تكون الزوجة تزيد زوجها ثقافة وعلما ومكانة، وتُشغل الوظائف المختلفة، وتحتل المَراتب العليا ممّا يُشْعِر الزوج بالدّونيّة والرغبة في فَرْض سلطته ليحفظ ماء وجهه فتتفجّر ردود فعل الزوجة قوية وحاسمة مما يُؤدي إلى الخلافات المُتواصلة، وفي كثير من الحالات إلى الطلاق وتشتّت أفراد الأسرة.

وحالة اجتماعيّة سلبيّة بدأت تبرز بقوة في مجتمعاتنا العربية، وخاصة في سنوات انتشار مرض الكورونا والسنوات التي تلتها، وهي التّباعد ما بين الناس، فضعفت العواطف وفُقدَت الحَميميّة، وتباعد أبناء البيت الواحد والحيّ الواحد، ولم تعد الزيارات المُتبادلة يوميا بين الأهل والجيران والأصدقاء والمعارف، وكثُرت حالات التَعَدٍّي على تنوّعها في مجتمعنا العربي كالتي قامت بها هاجر برفقة ولديها يزن ونور على المعلمة روز بالاندفاع نحو بيتها وإهانتها وضربها غير مراعين سنّها المُتقدّمة ولا مكانتها كمعلمة لهما وسابقة لهاجر (ص186-188)،مثل هذه التّعديّات على المدارس والمعلمين من قبل الطلاب والأهل أصبحت عاديّة ومتكرّرة.

وممّا عرفناه عن هاجر ومصطفى أنهما سكنا بعيدا عن بيوت القرية وعن بيوت الأهل، ولم يذكرا أبدا زيارة أصدقاء أو معارف وحتى الأهل لهما أو قيامهما بزيارة أحد طوال السنوات التي عاشاها معا. وكل هذا يُدخل الواحد في قوقعة خاصّة به، هي عالمه الصغير والكبير لا علاقة له بما يجري خارجها. وإذا ما وقعت مصيبة أو ألمت به حادثة لا يجد مَن يقف إلى جانبه ومَن يستمع إليه ويشكو له حالته ويشعر بالأمان قريبا منه.
هذه الحالة التي يعيشها مجتمعنا هي ما ينبهنا الكاتب إليها وإلى مخاطر نتائجها.

مصطفى ضحيّة كباقي أفراد الأسرة
قد يرفض البعض، وقد يستنكر آخرون هذا الكلام، ويرون فيه انحيازا ذكوريا إذ اتّفق معظم الذين تناولوا رواية علاء حليحل "سبع رسائل إلى أم كلثوم" على أنّ هاجر هي الضحيّة، وهي التي عانت، وتألّمت، وحكموا على مصطفى أنه المُدان والظالم لعدم وقوفه إلى جانب هاجر وتفهّم حالتها، وقبول كلّ تصرّفاتها حتى المهينة له، وقبلوا بوصف هاجر له بأنّه يَفْتقد للمشاعر الإنسانية والوطنية، وأنه خائن لا يتعاطف ويتفاعل مع أبناء شعبه في انتفاضتهم ضدّ المحتل، وجبان في مواجهته للشرطة والكلام في السياسة وانتقاد الوضع، وحتى في حماية ابنه بعدما ضربته المعلمة روز بقولها "منذ أن أجبرني على التّغاضي عن ألم نور ويده المجروحة صَغُر في عيني أكثر وأكثر." فهي تُريده أن يهجم معها على بيت المعلمة روز ويضربها ويمرّغ الأرض بها لأنّها ضربت نور وتقول غاضبة "مَن لا يهبُّ كالأسد الجريح حين يرى ابنَه داميا متألّما بهذا الشكل؟ أليست هذه النّذالة بعينها؟"(ص109) وأنه في البيت فقط يظهر قوّته وسطوته. ولهذا أخذت هاجر تنتقم من مصطفى، بما يُثير الضحك لدى القارئ، بأنْ "تُعِدّ له الطعام غير الشّهي بأن تُنقص الملح أو بحرمانه من بعض الطبخات التي يُحبّها مثل المحاشي فهي لا تريد أنْ تُسعده بأيّ شيء، فلن تنقر الكوسا والباذنجان والقَرع لأنّ هذا طعام الرجال وهو لا يستحقّه" (ص109) فهو ليس رجلا، هو نصف، بل ربع رجل. وتكتب في رسالتها إلى أم كلثوم: "مصطفى يقتلني بخنوعه ورأسه المَحني. أكرهه! هل جرّبتِ أن تنامي إلى جانب شخص تعتبرينه خائنا أو جبانا؟ أُراقبُه وهو يملأ الكنبة بضَعفه وانكساره أمام ما يحدث، وكيف يكون رجلا حديديّا معي ومع الولدَين. أرتعشُ وهو يأتيني برجولته وأنا أعرف أنّها رجولة مَزيّفة، يُخفي خلفَها خوفَه من الشرطة والمُخبرين وتعاليم والده والحياة برمّتها. أشفق عليه وأحتقره". (ص108-109) وترى "أنّ الحياة معه لا تعني سوى الموت"(ص64) وقد فجّرت كراهيّتها وحقدها في وجه مصطفى ساعة طلب من ثابت شقيقها أنْ يعطيه نور ليحمله بعد أن عثروا عليه، كيف صرخت على مصطفى: "ابعِد إنتِ! صرخت بحقد أجفله فتراجع إلى الخلف"(ص175). وتُصَرّح بعُمق كراهيّتها له وحقدها عليه بقولها: "إنّه أدنى منّي. هذا الحَجر الذي يعمل في الحجر أدنى منّي. شبه أميّ، متخلّف، أبكم أصمّ أعمى. دفاتري تُخيفه، تُغيظه، تؤكّد له كل يوم أنني متفوّقة عليه. وعندما صرختْ به: هات دفاتري. أجابها: دفاترك! إيش فيها دفاترك؟ قصائد حبّ للكلب تبعك؟! فأجابته باستعلاء واحتقار: مش شغلك. لو أنك بتعرف تقرا كنت عرفت لحالك. وأنا أكرهك بحجم محيط كامل. فردّ عليها مصطفى بغضب: وأنا بكرهك! بكرهك وبَكْره حُبّك إلُه!"(ص200-203).

وبالمقابل هاجر حظيت بأنْ تكون الضحية
هاجر تعترف في رسالتها الخامسة لأم كلثوم بأنّ مصطفى أنقذها من كلام الناس حول قصتها مع جمال "هذا الجرح كان أعمق من أن يندمل إلّا بنخوة ابن عمي مصطفى، الذي قَبِلَ أنْ يتزوّجني رغم الفضيحة" (ص168) وحتى لا تبقى مَدينة لمصطفى تُبرز أفضليّتها وكرمها عليه بمجرّد أن قبلت به زوجا رغم البَون الشاسع الذي يفصل بينهما ويُميّزها عنه، فهو الأميّ الذي لم يُنْه دراسته، ويعمل في قَطْع الحجارة في محجر بينما هي المتعلّمة حاملة الشهادة، والمُدرّسة في ثانوية بلدتها. هو الذي لا يهتم بشيء غير عمَله ويسير بهَدْي تعليمات والده له الذي يُحذّره من الوقوع بأي خطأ بينما هاجر الفتاة المُنفتحة على العالم الواسع، المثقفة والمُتابعة لكل ما يجري من أحداث، العاشقة للأدب والموسيقى وخاصّة أغاني أم كلثوم، والعاشقة المُتيّمة التي تعيش قصّة حبّ عنيفة مع جمال الشاب الطموح المتعلّم المثقف النظيف الأنيق الذي طالما مَنّاها بمستقبل كلّه فرح وسعادة وحبّ.

هاجر التي رضيت بواقعها السنة الأولى لزواجها بدأت تتململ وتتضايق وتشعر بالنّدم على تسرّعها في القبول بمصطفى زوجا لها، وبثقَل الحَمْل وتكبيله لتحرّكاتها، وبالفراغ الذي بدأ يضيق الخناق عليها بعد استقالتها من عملها في المدرسة. فكانت تقضي الساعات وحيدة تنتظر عودة مصطفى من المحجر مُنْهَكا جائعا يحتاج للراحة فيقتلها بصمته ويُفجّر في داخلها مشاعر الندم لقبولها به زوجا.

وبدأت أغاني أم كلثوم تأخذ بها إلى الماضي الجميل وساعات الفرح والسعادة والحب مع جمال، وتُبعدها عن مصطفى الذي كان يلاحظ التّغيّرات في تصرّفات هاجر وكلامها وإيثارها الجلوس وحيدة تستمع إلى أغنيات أم كلثوم أو تكتب في دفترها الخاص.

وكانت عودة جمال، بعد غياب عشر سنوات إلى البلدة، المُفجّرة لكل مشاعر الحب والتمرّد والرّغبة في الانطلاق والحرية عند هاجر، وبالمقابل مشاعر الغضب والغيرة والشك والتشدّد عند مصطفى الذي فاجأها بقوله: "شِكله الباشا اللي رجع من ألمانيا خَرْبشلك عَقْلاتك". ويبدو أن عودة جمال خربشت حياة هاجر ومصطفى ودمّرت حياة الأسرة كلّها.

بعودة جمال بدأت هاجر تكثر من اصطحاب ولديها يزن ونور لزيارة بيت أهلها لعلها تلتقي بجمال أو تراه عندما تمرّ من أمام بيتهم. وعادت لتعيش قصة حبّها لجمال فتتخيّله معها معظم الوقت، وتكلمه بترديدها كلمات أغاني أم كلثوم. وأخذت تهمل زوجها، ولا تلاحظ التغيرّات التي بدأت تظهر عليه في تصرفاته، ولم تهتم بتأخر عودته للبيت أو المَبيت خارجه. ولم تعرف بتحوّله في أفكاره وسلوكياته، وأنه يقوم بالمخاطرة بنفسه لإيصال الحجارة لشباب جنين ونابلس ليضربوا بها جُند الاحتلال، ولا غضبه وشتائمه وهو يرى عبر شاشة التلفزيون تصرّف جند الاحتلال وظلمهم لأبناء شعبه في الأراضي المحتلة، وغير ذلك الكثير. وتزيد من احتقارها له والشعور بالتّعالي عليه، ولا تخاف من مُواجهته والصُّراخ في وجهه وتَحدّيه. وتصفه بكل الصّفات السيئة مثل خائن، جبان، ربع رجل، أميّ، دونيّ، حقير، وبدأت ترى في استمراريّة حياتها معه موتا أبديّا.

اليقظة والعودة للبداية
وكان الموقف الصعب والقرار الحاسم عندما فتحت هاجر باب البيت ووجدت مصطفى واقفا في منتصف الصالون وكل شيء من حوله مُبَعثر ومُكسَّر، كل كاسيتات أغاني أم كلثوم وكل دفاترها ممزقة ومبعثرة فكان الصراخ والاتّهام المُتبادَل ومُصارحة كل واحد منهما بكراهيّته للثاني وتكرار هاجر لقرارها بطلاقها منه وأنّها ستعود لتعمل في المدرسة.

وأدركت هاجر في هذه اللحظات وبعد خروج مصطفى من البيت وبقائها وحيدة أنّ حياتها التي تعيشها لم تعد تُطاق، وستظلّ مُدمّرة طالما هي موزّعة بين الزّوج الذي لا تطيقه وتكرهه وتحتقره وقرّرت الانفصال عنه، وتعلّقها بالحبيب الذي خانها وباعها، وتزوّج أجنبيّة بعد سنتين من سفره، وعاد وسافر وتركها مرّة ثانية مع أحلامها وأغاني أم كلثوم، وشعرت للحظات أنّها كلقيطة أسقطها جمال من ذاكرته وألقى بها أمام دير أو ملجأ للأيتام. وزاد ألمها وشعورها بالغضب لأنّ السقوط من ذاكرة مَن نُحبُّ أقسى السّقطات، أقسى الخيانات، وتمنّت لو أنّ جمالا مات لأنّه الرجل الذي مَنحها الحبّ الأوّل، ولكنه هو أيضا الذي منحها الخيانة الأولى الدّامية. (ص84) واتخذت قرارَها الحاسم والشجاع ببدء حياة جديدة، فدخلت إلى غرفة نومها وعادت بكل هدايا جمال التي كانت تحتفظ بها، أفرغتها في برميل كبير صدئ، سكبت الكاز وأضرمت النار في كل شيء أحضره لها، وأخذت تتفرّج على الأغراض وهي تحترق وتتصاعد حزما من الدخان الأسود. وشعرت براحة وهدوء واسترخاء ولسان حالها يردد "يبدو أنّ على كلّ امرأة أن تقتل رجلا أو اثنين كي تبدأ من جديد". (ص203-204)

لكن النهاية المأساوية كانت الأقوى والأصعب
محاولات ثابت شقيق هاجر والأهل في إعادة الحياة إلى طبيعتها بين هاجر ومصطفى فشلت واستحالت، وفشل مصطفى في اكتساب واسترجاع حب وقبول هاجر بشراء كل كاسيتات أغاني أم كلثوم لها وإرجاع الجرو ركس لنور ويزن، فقد صدمته هاجر بردّها القاسي: مفكّر تِشتريني بأكم كاسيت؟ فما كان منه إلّا أن ردّ بغضب: شو بدّك أعمل؟ نسيتِ إنّه أنا الوحيد اللي اتطلّع عليكِ" (ص253) وشعرت هاجر بالإهانة وثارت، وصرخ مصطفى، ووقع الصندوق على الأرض وتبعثرت الكاسيتات. وفي الغرفة الثانية، وراء الباب، كان يزن يزيد من ضغطه على وجه وأنف نور الذي لم يسمع أحد صراخَه طالبا المساعدة، وبدأ بالتّراخي والاستسلام ثم الصمت الثقيل والموت.
هكذا كانت النهاية بموت نور، وطلاق هاجر ومصطفى، وضياع مستقبل يزن. هذه النهاية التي يُريدها الكاتب علاء حليحل لتكون ناقوس الخطر الذي يُنبّهنا جميعا إلى ما يُمكن أنْ تؤول إليه أحوالنا.

قضايا وأفكار أخرى تُثير النّقاش طرحها علاء حليحل
بالإضافة إلى القضايا المهمّة التي طرحها الكاتب في روايته مثل تحوّلات المجتمع العربي اجتماعيا وتربويّا وعلميّا وثقافيا وفكريا وسياسيّا واقتصاديا، وانطلاقة المرأة على مختلف المستويات، وتقدّمها على الرجل وزحزحته في الكثير من الحالات من مركز القيادة والتّوجيه، وخاصة في الجانب الاقتصادي من الحياة، واهتمامه بالتأكيد على المواقف الوطنيّة للعرب داخل الخَطّ الأخضر الذين يحملون الهوية الإسرائيلية، ووقوفهم إلى جانب أبناء شعبهم في الأراضي المحتلة، ومدّهم بكلّ مساعدة يحتاجون إليها، إضافة إلى كل ذلك نراه يطرح قضيّة الوطن ومفهوم الوطن، ويعترف بلسان هاجر في رسالتها لأم كلثوم "أننا لا نقوى على صياغة تعريف دقيق وواف للوطن. فالوطن طُمأنينة بَدئيّة غريزيّة بأن الشمس لنا، والقمر والنجوم التي فوقنا جزء من سمائنا. نعيش ونحيا ونولد ونلِد ونحن نعرف أنّ الأفق رحبٌ، والسّحاب الذي يعبر الآن فوقنا قد دفع رسوم التسليم والسّلام على اهل البلد."(ص107) ويتوسّع في شرح معنى غياب الوطن بالنسبة للعربي الفلسطيني. "غياب الوطن هو غياب الأفق في الصّباحات، كأن نظلّ خائفين من عدم طلوع الشمس اليوم أو غدا."(107)

ويطرح للنقاش على لسان هاجر السؤال الذي أثار الكثير من الجَدَل والخلاف، ولم يتوصّل المناقشون والمختلفون إلى اتّفاق حوله وهو:
-هل القيام بأيّ عمل يكون شرعيّا من أجل البقاء في الوطن؟ ولماذا يُعتبَر البقاء في الوطن بفضل حمار (كما ورد في متشائل إميل حبيبي) أفضل من براكيّة زينكو في مخيّم اليرموك أو عين الحلوة؟ ولماذا ننظر إلى النزوح باعتباره فعلا أقوى من اللجوء. ومَن الذي يعيش أكثر وأسرع الذي يعيش بعيدا عن بيته وأرضه أم الذي يعيش قريبا منهما وقد تحوّلا إلى كيبوتس أو مزرعة دجاج لإنتاج البيض العبري؟ ذلك الذي يحمل في قلبه صورة النَّبْعة والبيادر وآخر دبكة في آخر عرس، أم مَن يستيقظ كلّ صباح للذهاب إلى العمل أجيرا على أرض جدّه التي ضاعت، وفي مصانع غرزت أظفارها في بساتين العيصلان البريّة؟ ذلك الذي يتحسّر في المنفى على ضياع فلسطين، أم مَن يعيش هذا الضياع تائها في صحراء من المنفى الداخلي؟ (ص108)

رواية تُبْقي القارئ في حالة توتّر وانتظار
تختلف رواية علاء حليحل عن الكثير من الروايات بأنّها تُعيِّش القارئ من البداية وكأنّه يشاهد فيلما سينمائيا.
طفلان صغيران يُلاحقان خُلدا يُريدان الإمساك به فقط من أجل اللهو، وأمّهما تنشر الغسيل وتُتابع تحرّكات طفليها سعيدة فرحة، وإذا بصوت الوالد المُرعب يدعوهما: "نور! يزن!" فيجفل الإثنان وهما يلتفتان إلى مصدر الصوت، وكانا يُدركان أنّه صوت والدهما. ظلّا واقفين بلا حراك فيما اقترب الوالد مصطفى نحوهما مُهرولا وغاضبا، رفع يَدَه وحطَّ بها بقوّة على وجه يزن ثمّ على وجه نور. نزلت دموع يزن على الفور، فيما أمسك نور خدّه ناظرا إلى والده بحقد. وصاح مصطفى في وجه زوجته: "هاجر! شو عم بتساوي؟! بتِتْفرّجي عليهن؟!" لم تُجبه. نظر إليها بحقد وقال: شِكْله الباشا اللي رجع من ألمانيا خَربَشْلكْ عَقلاتِكْ". حملقَت هاجر في وجه زوجها، بدت الدّهشة على وجهها حقيقيّة وصادمة، ولاذت بالصمت"(ص13).

وتبدأ تحركات الشريط السينمائي تسير إلى الوراء وتندفع عائدة إلى الحاضر، وتتداخل المَشاهد وتتغيّر الوجوه، والمُتلقي يُجهد نفسَه ليُتابع كلّ ما يجري فيدخل في حالة من التوتّر، وشَدّ الأعصاب، فلا يهنأ بساعة هدوء وفرح تجمع أفراد الأسرة الصغيرة. وتَتَتابع الأحداث وتتوالى المشاهد المُتداخلة ليُصدَم المُتلقي في الصفحات الأخيرة من الرواية بجريمة قتل الأخ لأخيه على وقْع شجار وصراخ الوالدين وقرارهما بالانفصال وإنْهاء حياتهما المشتركة.

وكما البداية هكذا كانت النهاية صادمة كما أرادها وقصدها علاء حليحل، كما أظنّ، ليُنبّه ويُحذّر كلّ والد ووالدة وأخ ومسؤول عمّا تؤول إليه العلاقات، ليس بين المعارف والأصدقاء والجيران وأبناء البلد والشعب الواحد فقط، بل بين أبناء الأسرة الواحدة إذا لم نُحسن التربية ونرعى كلّ فرد، وننتبه لكلّ احتياجاته، صغيرا كان أم كبيرا. كما يجب علينا مراعاة الفروق الاجتماعيّة والتعليميّة والثقافية والفكرية بين الأفراد، خاصة في حالة الزواج، حتى لا تتراكم وتتفجّر مُدمِّرَة فيكون ضحيّتها كلّ أفراد الأسرة، وعندها لا ينفع الندم وإلقاء اللوم على هذا وذاك.

جَماليّة اللغة
لغة علاء حليحل في روايته هذه هي لغتُه التي عرفناها في رواياته وقصصه القصيرة السابقة التي قرأناها، اللغة البسيطة السلسة التي تقترب إلى حدّ التّطابق مع لغة الناس العاديّة في بعض المواقف كما في الحوارات بين مصطفى ووجدي لتتسامى وترقّ وتتزيّن بإيقاعيّة الحرف وتناسل الصور وإشغال الفكر وبعث الخيال وتوارى المعاني كالتي كتبتها هاجر في رسائلها لأمّ كلثوم وفي حوارها معها. ولتتشابك وتنصهر وتذوب مع كلمات أغاني أم كلثوم وصوت أم كلثوم وقُدْسيّة المشهد الذي يرتسم.

وتأتي اللغة المحكية في الحوار لتُسبغ الواقعية على الأحداث والشرعية على الشخصيّات، وتُبرز جَمالية المَحكيّة الفلسطينيّة "نور شو بَدْنا نِعْمَلّه فيُّه بَس نِمِسْكه؟"، "شِكْلُه الباشا اللي رِجِع من ألمانيا خَرْبَشْلِكْ عَقْلاتْك"، "يا زَلَمه إنتِ بَدَّك تْجنّني؟ بَدّكْ تْخربُه للتلفزيون إسّا رَكَبْناه".

أخيرا
يمكننا أن نجد الكثير مما يستحق تناوله والحديث عنه في الرواية، ولكن حسبنا الآن أن نشدّ على يدَيّ الكاتب علاء حليحل وننتظر إبداعه القادم.

الرامة-فلسطين



#نبيه_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لذكرى الشاعر سميح القاسم التاسعة: القدس في شعر سميح القاسم
- حول كتاب -الوطنية والمواطنة- لأيمن عودة ومشروعه المستقبلي بي ...
- ثلاث سنوات على فراق الشاعرة الفلسطينيّة ابنة القدس سميرة الخ ...
- الكان في روايات عبد الرحمن منيف
- رواية -العمى- لساراماغو والسؤال الذي يُثارُ والمُعجزة التي ن ...
- ماركيز وغانياته الحزينات
- -وجع لا بُدّ منه- رواية الكاتب عبد الله تايه والوجع الذي يُف ...
- في ذكرى غسان كنفاني الرجل الذي لم يُلق الرّاية
- إبراهيم نصر الله في -طفولتي حتى الآن- يفتتح نَهجا مُغايرا في ...
- محمود شقير في -تلك الأزمنة- ما بين قَيْد الزّمن القابض وشبَح ...
- رواية جوبلين بحري لدعاء زعبي وأيّة رواية نريد؟
- رواية -زمن وضحة- لجميل السلحوت: حفر اسمه في كتاب الثقافة الف ...
- رسالة لأفنان القاسم
- أدونيس والمنفى الأليم وافتقاد الصديق
- أحلام مستغانمي وكسر تابو الرجل


المزيد.....




- فرح الأولاد وثبتها.. تردد قناة توم وجيري 2024 أفضل أفلام الك ...
- “استقبلها الان” تردد قناة الفجر الجزائرية لمتابعة مسلسل قيام ...
- مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت ...
- المؤسس عثمان 159 مترجمة.. قيامة عثمان الحلقة 159 الموسم الخا ...
- آل الشيخ يكشف عن اتفاقية بين -موسم الرياض- واتحاد -UFC- للفن ...
- -طقوس شيطانية وسحر وتعري- في مسابقة -يوروفيجن- تثير غضب المت ...
- الحرب على غزة تلقي بظلالها على انطلاق مسابقة يوروفجين للأغني ...
- أخلاقيات ثقافية وآفاق زمنية.. تباين تصورات الغد بين معمار ال ...
- المدارس العتيقة في المغرب.. منارات علمية تنهل من عبق التاريخ ...
- تردد قناة بطوط كيدز الجديد 2024 على نايل سات أفلام وأغاني لل ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيه القاسم - مجتمعنا العربي وسهام علاء حليحل المُنبّهة والمُحذّرة في روايته -سبع رسائل إلى أم كلثوم-