أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الحسين شعبان - شجرة الأرز 8141














المزيد.....

شجرة الأرز 8141


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 7741 - 2023 / 9 / 21 - 13:43
المحور: الادب والفن
    


وجدتُ عبارة كارل ماركس "هنا الوردة فلنرقص هنا"، في كتابه "الثامن عشر من برومير"، الإستعارة الأجمل والانسجام الأمثل، وأنا أشارك في وقفة الاستذكار، ، لزرع شجرة أرز في محمية أرز الشوف في الباروك، (16 أيلول / سبتمبر 2023)، والتي حملت الرقم 8141 باسم د. وليد صليبي المفكّر اللّاعنفي ومؤسس جامعة اللّاعنف، الحائز على جائزة غاندي الدولية ووسام الجمهورية الفرنسية لحقوق الإنسان.
كان الحضور باذخًا وبهيًّا. لم نأت لنودّعه، بل جئنا للقائه ولتجديد الأمل بالمستقبل، من جانب أساتذة الجامعة والطلبة والأهل والأصدقاء والمهتمين بثقافة السلام واللّاعنف، فلم يكن صليبي غائبًا عن تلك الاستذكاريّة، فهو جوهرها وسُداها ولُحمتها، وحتى وإن غاب جسدًا، لكن حضوره اللّامرئي كان مؤثّرًا وفاعلًا بكلّ كبريائه وقناعاته وفكره وتفاصيله الصغيرة ومرحه أيضًا.
وليد صليبي هو "المرئي واللّامرئي وما بينهما"، حسب عنوان كتابي عن عبد الرحمن النعيمي. والعنوان وما يحمله من رمزية شعرية وروح شاعرية، يمثّل في الوقت نفسه التأمل الفلسفي للحياة والحريّة والجمال والحب والعدالة، وهي مواصفات سامية شكّلت الهاجس الأكبر في حياته وفي نضاله اللّاعنفي تأثرًا بعدد من الرموز الكبار مثل: تولستوي وشكسبير وجبران خليل جبران وماركس وإريك فروم وغاندي وبراسنس وعاصي الرحباني، هؤلاء الذين زرعوا فيه كلّ تلك القيم النبيلة لجعل الحياة أكثر معنًى ودلالةً.
إن زرع شجرة الأرز باسم وليد صليبي، لها رمزية خاصة، فهي من جهة بقاء واستمرارية، ومن جهة أخرى ولادة جديدة لثقافة السلام واللّاعنف؛ ومن جهة ثالثة مسؤولية والتزام لنشر وتعميم هذه الثقافة، وبالنسبة لي إنها فعل حضور وليس فعل وداع.
زراعة شجرة الأرز تعني زراعة الأمل والمحبة والسلام، وهي دعوة إلى المجتمع اللبناني والعربي لنبذ العنف والطائفية، والتربية على قيم الحوار وقبول الآخر والعيش المشترك، بيننا وبين أنفسنا، وبيننا وبين الآخر، البعيد والقريب.
واللّاعنف لا يعني المهادنة على الحق أو المساومة على العدل. إنه تمسّك بهما، ولكن بمقاومة سلمية لاعنفية، وهذه تحتاج إلى شجاعة من نوع خاص، مع النفس أولًا لتطهيرها من أدران العنف، وثانيًا لإقناع أوساط مجتمعية بجدوى الكفاح اللّاعنفي وقلّة تكلفته قياسًا بالعنف، فضلًا عن تأثيره البعيد المدى، فالعنف يترك ندوبًا ليس من السهل أن تندمل، سواء على المستوى الفردي أو على مستوى أمم وشعوب، عانت من العنف والحرب والحصار، الذي هو الآخر وسيلة إبادة ناعمة.
ولعلّ كلّ من عرف وليد صليبي، وجد فيه شيء من شجرة الأرز بصلابتها وشموخها وجمالها، فهي تنمو في الجبال العالية، صلبة وصامدة، تُزهر في كلّ ربيع، وتُعطي ثمارها عند بلوغها سنّ النضج والحكمة (40 عامًا)، وقد ورد ذكرها في التوراة، ويبلغ عمر بعضها ما يزيد عن ثلاثة آلاف عام.
حين زرعنا ، في ظلّ بيئة صحية نظيفة، مثل بيئة الشوف، تنتصب في محميّة أرز الشوف تنتصب أشجار الأرز، التي أعلنتها اليونيسكو "محمية محيط حيوي" والتي تغطّي مساحة قدرها (50) ألف هكتار (5% من مساحة لبنان)، وهي واحدة من أكبر المناطق الجبلية المحميّة في الشرق الأوسط، بالقرب من بيت الدين - التحفة المعمارية التي بُنيت في أوائل القرن التاسع عشر من قبل الأمير بشير، وقلعة موسى ونهر بعقلين والمختارة وبحيرة سرجبال وشلالاتها. وسيكون من معالم تلك المحميّة أيضًا شجرة اللّاعنف التي جسّدت أمنياتنا أن يحلّ الوئام والسلام ويسود العدل والمساواة لبنان وجميع أرجاء المعمورة.
توقّفت عند شجرتي أرز جميلتين ووجدتهما كأنهما يعانقان بعضهما، نظرت خلفي فوجدت أوغاريت رفيقة عمره ومؤسسة الجامعة معه، وهي تنظر إلى الرقم 8141 بحزن دفين ولكن بأمل شفيف، فطفرت دمعة ساخنة من عينيّ. وكنت قد انتحبت مرتين عند رحيل الصديق وليد، فقد شعرت أن جزءًا مني غادر هذا العالم.
لا أدري كيف تذكّرت الصحافي الكبير الصديق محمد كامل عارف، الذي أصبح مُقعدًا وفقد نظره في الآن، لكنه تساءل "ماذا عليّ أن أفعل؟"، فقال مثلما كان السندباد البحري حين ينتصب أمامه جدار، فماذا يفعل؟ كان يغنّي. وعارف هو الآخر يُغنّي رغم كونه في دار الرعاية الصحيّة، ولا يستطيع أن يقرأ أو يمشي. فما عسانا أن نفعل بغياب وليد، إلّا أن نُغنّي لاستمرارية الحياة والحب والسلام والعدل، وهكذا غنّينا جماعيًا على صوت الناي مع فيروز وابتدأتها رفيقة عمره "سألوني الناس عنّك يا حبيبي" ، "لأوّل مرّة ما منكون سوا".
ردّدت مع نفسي ما كنت أمازحه به أحيانًا: "ولّودي" ماذا أسمّيك الآن؟ فقد خطر ببالي عنوان رواية أمبرتو إكو "اسم الوردة". فقلت مع نفسي: "وجدتها..."! وباللهجة العراقية "ولّودي الوردة". لكنّ حزني كان قد فاض فاستعدت قول الشاعر الشريف الرضي:
ما أخطأَتك النائباتُ / إذا أصابت من تحبُّ



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسلحة الحرب الناعمة
- سيرورة التاريخ
- الخوارزميات -الثورة المنسية-
- طلال سلمان: رؤيوي حالم بالحريّة والعروبة والجمال
- أوكرانيا وحروب الجيل الخامس
- سيناريو الحرب الالكترونية
- الرومي: الروح ومدارك الكمال
- نزيهه الدليمي الراهبة المتصوّفة في صورتها السياسية
- -أنسنة- الذكاء الاصطناعي
- الكرد الفيليون: إشكالية المواطنة والجنسية في ضوء القانونين ا ...
- الثورات: تقدّم أم تراجع...؟
- لوزان والكرد والجيوبوليتيك
- طارق الدليمي يحلّق نحو السديم الأبدي
- الديبلوماسية الثقافية وفائض القوّة
- نادي النبلاء عقول -أكسفورد وكيمبريدج-
- كلام في الليبرالية العربية
- التباسات الهويّة
- في -أنسنة- القانون الدولي
- ما بعد كورونا وأوكرانيا...!
- الأزمة بين بغداد وأربيل أصبحت معتقة.. وحق الشعب الكوردي غير ...


المزيد.....




- “نزلها خلي العيال تتبسط” .. تردد قناة ميكي الجديد 1445 وكيفي ...
- بدر بن عبد المحسن.. الأمير الشاعر
- “مين هي شيكا” تردد قناة وناسة الجديد 2024 عبر القمر الصناعي ...
- -النشيد الأوروبي-.. الاحتفال بمرور 200 عام على إطلاق السيمفو ...
- بأكبر مشاركة دولية في تاريخه.. انطلاق معرض الدوحة للكتاب بدو ...
- فرصة -تاريخية- لخريجي اللغة العربية في السنغال
- الشريط الإعلاني لجهاز -آيباد برو- يثير سخط الفنانين
- التضحية بالمريض والمعالج لأجل الحبكة.. كيف خذلت السينما الطب ...
- السويد.. سفينة -حنظلة- ترسو في مالمو عشية الاحتجاج على مشارك ...
- تابعها من بيتك بالمجان.. موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان الحلقة ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الحسين شعبان - شجرة الأرز 8141