طلال الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 7736 - 2023 / 9 / 16 - 23:27
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الاساطير تعبير عن العقل الباطن الجماعي (يونغ ) ونبذها او معاداتها او استهجانها مضر كل الضرر بالعلم والمعرفة وفهم طبيعة وعمل العقل البشري!
-------
النظريات الفرويدية واليونغية للعقل اللاواعي
كان للنظريات التي ابتكرها (النمساوي) سيغموند فرويد و(السويسري) كارل يونغ تأثيرا كبيرا على تطور علم النفس. اعتمد كلا العالمين أساليبا مبتكرة لدراسة وفهم العقل، ولا تزال أفكارهما تثير الجدل حتى في عصرنا هذا. وأكد كلاهما على أهمية اللاوعي في تفسير السلوك البشري، ولكن رؤاهما حول هذا الموضوع تختلف في نواحٍ عديدة.
إن مفهوم العقل اللاواعي هو محور عمل سيغموند فرويد. تعتمد مدرسة التحليل النفسي على فكرة أن السلوك البشري يتحدد في المقام الأول من خلال العمليات اللاواعية، التي لا يدركها الناس. أوضح فرويد أهمية الخبرة المبكرة والعلاقات مع الوالدين في تكوين النفس ورأى أن ذكريات الطفولة المكبوتة هي المصدر الرئيسي للمشاكل النفسية بين البالغين
Harris, B. (2009). Sigmund Freud: The unconscious mind (short version)
https://www.youtube.com/watch?v=R0w0db2zR7Q
واقترح مؤسس التحليل النفسي, فرويد, أيضًا أن محاولة اخراج الدوافع اللاواعية إلى الوعي تسبب القلق وتحفز آليات الدفاع (الفكرة التي طورتها لاحقا ابنة فرويد المحللة النفسية الكبيرة أنا فرويد) التي تعمل على تجنب وقمع الأفكار والذكريات المزعجة. وفي الوقت نفسه، رأى فرويد أن اللاوعي يمكن فهمه من خلال دراسة الأحلام، وزلات اللسان,
(فمثلا, جورج بوش الابن, بهفوة كلام فرويدية, يعترف بكارثية حربه على العراق, ولكنه يعقلن زلة لسانه بالعمر!
- جورج بوش في "زلة لسان" يندد باجتياح العراق خلال حديثه عن أوكرانيا-
(https://www.youtube.com/watch?v=a002slTllWI
وبالأفعال غير المقصودة-التي يعتبرها البعض كحظ او قسمة او نصيب! وبالنسبة لبعض سياسيينا, وخصوصا من شيوعيينا الذين يجهلون ابجدية عمل العقل الباطن, فهم يفسرون الاحداث وكأن حدوثها كان في غفلة من التاريخ, كما لو ان العقل عموما, وبضمنه العقل الباطن, ليس جزءا من التاربخ, وهو مفهوم لا علمي وبائد. فلقد اثبت Samo Tomšic ان العقل الباطن (الذي هو بعرف التحليل النفسي, وكما وسبق ان اكدت مرارا, اهم بكثير من العقل الظاهر) هو في عصرنا رأسمالي.
The Capitalist Unconscious
Marx and Lacan
https://www.versobooks.com/en-gb/products/120-the-capitalist-unconscious
ومثل فرويد، قسم كارل يونغ الشخصية الإنسانية إلى ثلاثة أجزاء، لكنه نظر إليها من منظور مختلف. على عكس فرويد، الذي ذكر أن العقل البشري يتمحور حول الهو-هي, الأنا والأنا العليا، فقد قسم يونغ النفس البشرية إلى الأنا، واللاوعي الشخصي، واللاوعي الجماعي. إن الفكرة اليونغية عن اللاوعي الشخصي تشبه الفهم الفرويدي (غبر المشبع) عن الذات. كما أن فكرة يونغ عن اللاوعي الجماعي قريبة من أفكار فرويد عن الهو-هي.
ومن الجدير بالذكر أن يونغ وفرويد يعتقدان أن اللاوعي يلعب دورًا حيويًا في حياة الناس من خلال التأثير بشكل كبير على سلوكهم الواعي. ومع ذلك، على عكس فرويد، رأى يونغ أن اللاوعي الجماعي يكمن بشكل أعمق بكثير في النفس البشرية، ويقوم بالتأبير عليها بمقدار أساسي اكبر. أن هذا النوع من اللاوعي يتشكل من خلال أنماط التفكير الموروثة وهياكل السلوك التي أطلق عليها النماذج الأولية.
مثل عالم الأنثروبولوجيا الفرنسي كلود ليفي شتراوس، اعتقد يونغ أيضًا أنه يمكن العثور على تفسير للأفعال البشرية من خلال دراسة الأساطير التي تحتوي على السرديات النموذجية.
A Brief Comparison of the Unconscious as Seen by Jung and Lévi-Strauss
https://anthrosource.onlinelibrary.wiley.com/doi/10.1111/anoc.12032
لذا ان دراسة الأساطير, الدينية او اللادينية, مهم جدا لفهم محتوى العقل الباطن الجماعي للبشر او لمجموعة منهم. ومن المضر جدا لتطور العقل البشري او فهمه اتخاذ موقف بالضد من فهم الأساطير وآلياتها في تكوين العقل الباطن الجماعي.
وهكذا، وفقا لوجهة نظر العلم (بمفهومه الشوفيني, الوضعي-الرجعي), تُعتبر الأساطير مجرد افكار بائدة او جهالات, وهو اسقاط نفسي بالتأكيد ولا ينفع مريديه قيد شعرة تبرقعهم ببرقع الحداثة او العلم والمدنية! انه يشكل تعاليا شوفينيا باسم العلم على الآخرين, حيث يصبح العلم بموجبه مؤسسة شمولية قمعية مُغلقة, وينقلب بالتالي الى نقيضه, وذلك انسجاما مع مفهوم ساذج للعلم باعتباره مؤسسة تصحح نفسها بنفسها.
The notion of a self-correcting science is based on the naive model of science as an objective process that incorporates new information and updates beliefs about the world depending on the available evidence. When new information suggests that old beliefs are false, the old beliefs are replaced by new beliefs.
-تعتمد فكرة العلم الذي يصحح نفسه على النموذج الساذج للعلم كعملية موضوعية تتضمن معلومات جديدة وتحديث المعتقدات حول العالم اعتمادًا على الأدلة المتاحة. عندما تشير معلومات جديدة إلى أن المعتقدات القديمة خاطئة، يتم استبدال المعتقدات القديمة بمعتقدات جديدة-
Psychological Science is Self-Correcting
https://replicationindex.com/2019/03/04/psychological-science-is-self-correcting/#:~:text=The%20notion%20of%20a%20self,are%20replaced%20by%20new%20beliefs.
ولذا شن اكبر فيلسوف للعلم في القرن العشرين بول فايرآبند هجومًا لاذعا على إمبريالية المنهجية العلمية ودعا الى اتباع المنهجية الفوضوية في دراسة تطور العلم ودعمه.
يقول فايرآبند:
Science is an essentially anarchistic enterprise: theoretical anarchism is more humanitarian and more likely to encourage progress than its law-and-order alternatives.
This is shown both by an examination of historical episodes and by an abstract analysis of the relation between idea and action. The only principle that does not inhibit progress is: anything goes.
For example, we may use hypotheses that contradict well-confirmed theories and/or well-established experimental results. We may advance science by proceeding counter-inductively.
The consistency condition which demands that new hypotheses agree with accepted theories is unreasonable because it preserves the older theory, and not the better theory. Hypotheses contradicting well-confirmed theories give us evidence that cannot be obtained in any other way. Proliferation of theories is beneficial for science, while uniformity impairs its critical power. Uniformity also endangers the free development of the individual.
There is no idea, however ancient and absurd, that is not capable of improving our knowledge. The whole history of thought is absorbed into science and is used for improving every single theory. Nor is political interference rejected. It may be needed to overcome the chauvinism of science that resists alternatives to the status quo.
No theory ever agrees with all the facts in its domain, yet it is not always the theory that is to blame. Facts are constituted by older ideologies, and a clash between facts and theories may be proof of progress. It is also a first step in our attempts to find the principles implicit in familiar observational notions.
-ان العلم في الأساس مشروع فوضوي: فالفوضوية النظرية أكثر إنسانية ومن المرجح أن تشجع التقدم مقارنة ببدائل القانون والنظام (المنهجية الامبريقية-إمبريالية. ط.ا.)
ويظهر ذلك من خلال فحص الأحداث التاريخية والتحليل المجرد للعلاقة بين الفكرة والفعل. المبدأ الوحيد الذي لا يعيق التقدم هو: كل شيء مباح.
على سبيل المثال، قد نستخدم فرضيات تتعارض مع النظريات المؤكدة و/أو النتائج التجريبية الراسخة. قد نتمكن من تطوير العلم من خلال اتباع نهج مضاد للبحث.
إن شرط الاتساق الذي يتطلب توافق الفرضيات الجديدة مع النظريات المقبولة هو غير معقول لأنه يحافظ على النظرية الأقدم وليس النظرية الأفضل. إن الفرضيات التي تتعارض مع النظريات المؤكدة جيدًا تعطينا أدلة لا يمكن الحصول عليها بأي طريقة أخرى. إن انتشار النظريات مفيد للعلم، في حين أن التماثل يضعف قوته النقدية. كما أن التوحيد يعرض للخطر التطور الحر للفرد.
لا توجد فكرة، مهما كانت قديمة وسخيفة، غير قادرة على تحسين معرفتنا. يتم استيعاب تاريخ الفكر بأكمله في العلم ويستخدم لتحسين كل نظرية على حدة. كما أن التدخل السياسي ليس مرفوضا. وقد تكون هناك حاجة إليها للتغلب على شوفينية العلم التي تقاوم البدائل للوضع الراهن.
لا توجد نظرية تتفق مع كل الحقائق في مجالها، ومع ذلك ليست النظرية هي المسؤولة دائمًا. إن الحقائق تشكلها أيديولوجيات أقدم، وقد يكون الصدام بين الحقائق والنظريات دليلاً على التقدم. إنها أيضًا خطوة أولى في محاولاتنا للعثور على المبادئ المتضمنة في مفاهيم الملاحظة المألوفة.-
Paul Feyerabend (1975)
Against Method
Outline of an anarchistic theory of knowledge
https://www.marxists.org/reference/subject/philosophy/works/ge/feyerabe.htm
اما الطبيعة الرجعية للمنهج الوضعي-الامبريقي فقد شرحها افضل شرح لينين في كتابه -المادية ونقد الفكر التجريبي- . وقد اشار فايرابند الى علمية منهج لينين وماركس في كتابه المذكور اعلاه, علما ان فايرآبند في صباه كان احد تلاميذ رائد مسرح التغريب الماركسي, برتولت بريخت. فقد اعتبر لينين:
Our beliefs about the world can be objectively true a belief is true when it accurately refects the facts. According to Lenin, absolute truth is possible, but our theories are often only relatively true. Scientific theories can therefore constitute knowledge of the world.
-يمكن أن تكون معتقداتنا حول العالم صحيحة من الناحية الموضوعية؛ يكون الاعتقاد صحيحًا عندما يعكس الحقائق بدقة. وفقا للينين، الحقيقة المطلقة ممكنة، لكن نظرياتنا غالبا ما تكون صحيحة نسبيا فقط. وبالتالي يمكن للنظريات العلمية أن تشكل معرفة بالعالم.-
On Lenin’s Materialism and empiriocriticism
https://link.springer.com/article/10.1007/s11212-018-9303-7?awc=26429_1694870863_d6587e4a4ed903ade1549dba8882447b&utm_medium=affiliate&utm_source=awin&utm_campaign=CONR_BOOKS_ECOM_DE_PHSS_ALWYS_DEEPLINK&utm_content=textlink&utm_term=1018583
اعتبر كلا من فرويد ويونغ أن الأحلام قد تكشف الكثير عن السلوك البشري من خلال جعل اللاوعي مرئيًا للوعي. ومع ذلك، فإن رؤى كلاهما حول دور الأحلام والجنس مختلفة تمامًا. اعتبر فرويد أن الرغبة الجنسية المكبوتة هي السبب الرئيسي للمشاكل النفسية لدى الإنسان، ورأى في الأحلام مظهرا من مظاهر هذه الأفكار اللاواعية.
On the Abilities of Unconscious Freudian Motivational Drives to Evoke Conscious Emotions
https://www.frontiersin.org/articles/10.3389/fpsyg.2019.00470/full
من ناحية أخرى، اقترح يونغ أن الأحداث والرموز التي تظهر في الأحلام قد يكون لها تفسيرات مختلفة اعتمادًا على سياقها. في رؤيته، يمكن العثور على مصدر محتوى الأحلام ليس فقط في التجربة الشخصية، ولكن أيضًا في القصص النموذجية-العقل اللاواعي الجماعي. ويعتقد يونغ أنه يمكن استخدام القصص النموذجية كأداة لمساعدة الشخص على حل مشكلته النفسية.
يعد سيجموند فرويد وكارل يونغ من أكثر الشخصيات تأثيرًا في تاريخ علم النفس. إن طرق نظرهما إلى العقل الباطن والشخصية كان لها تأثير كبير على بعضها البعض، وكانت متشابهة جزئيا، ولكنها في نفس الوقت، اختلفت في كثير من النواحي القاصرة. كلاهما اتخذ مناهج مختلفة لفهم الانسان او شدد على جوانب مختلفة من العقل الباطن، ومع ذلك فقد توصل كلاهما إلى نتائج مهمة. ان كلا من النظريتين توفر إطارًا مفيدًا لدراسة الشخصية، ويمكن للمدرستين الفكريتين أن تكملا بعضهما البعض.
يتبع
#طلال_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟