أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - دلشاد خدر - یومیات وأحداث 31 آب 1996 في اربيل















المزيد.....



یومیات وأحداث 31 آب 1996 في اربيل


دلشاد خدر

الحوار المتمدن-العدد: 7734 - 2023 / 9 / 14 - 22:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


یومیات وأحداث 31 آب 1996 في اربيل


دلشاد خدر



الجزء الأول


قبل أحداث 31 آب 1996 جرت جولتان من الاقتتال الداخلي بين قوات الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني ـ البارتي، في الجولة الأولى وخلال أیام قلائل حسم بينهما باتفاق غير معلن كما يقال في الصحافة: أصبحت بهدینان منطقة نفوذ للبارتی ومناطق السلیمانیة وگرمیان للاتحاد، وبقیت قوات للطڕفین داخل مدینة أربیل، وبشكل عام كانت قوات الاتحاد أكثر استعداداً من الپارتی، لان قوات الپارتی كانت متمركزة فی مناطق محددة من المدينة.

في الجولة الثانیة، سیطرت قوات الاتحاد علی أربیل العاصمة وبقیت قوات الپارتی داخل شیراتون والفرع الثانی للحزب المذكور. وحدثت فی تلك الفترات بعض المناوشات بين كر وفر للطرفین، وبعد أن سیطرت قوات الپارتی علی قصبة كسنزان، وكرد فعل لأخذ الثأر، قام الاتحاد بالهجوم علی قوات الپارتی داخل الفرع الثانی وفندق شیراتون، وفی غضون 24 ساعة تم السیطرة علی شیراتون والفرع المذكور للپارتی.

ولم تكن السیطرة علی تلك النقطتین مهمة من الناحية الاستراتيجية، بحكم محاصرتهم المسبقة من كافة الجهات وتصنيفهم عسكرياً كأهداف ساقطة بحكم تواجد قوات الاتحاد المسیطرة وانتشارها داخل المدینة بأكملها، وبقاء الموقعين ـ الفرع الثانی وشیراتون ـ محاصرين من مصلحة الاتحاد.. واستغلها كنافذة للضغط على الپارتی بهدف تنفیذ مطالیبه، والحد من تمادي حدك وتجريده من وسائل الضغط المتاحة لقواته داخل المدینة.. وجعله يدور في فلك الحفاظ علی قواته، والحد من الخطوات العدوانیة ضد الاتحاد.

وفی تلك الفترة كان الجحفل الثانی (سوپای دوو) بأكمله وقیاديین من قیادیی الپارتی هما كل من (سلاح دلو والمرحوم سعد عبد الله) داخل تلك المقرات المحاصرة، وقبل الهجوم الشامل علی الموقعین المذكورین كان كل من (محمودە سوور والمرحوم ملا محمد) داخل المقرین أیضا.

ومسؤولی الاتحاد من أجل التكتم علی فشل قواتهم فی قصبة كسنزان ورفع معنویاتهم یحتاجون الی انتصار سهل وسریع علی القوات المتبقیة للپارتی، والسیطرة علی الموقعین أمر سهل لا يحتاج لجهود كبيرة.. لذا بادرت قوات الاتحاد داخل أربیل بالهجوم علی الموقعین، بالرغم من عدم اهميتهما من الناحیة العسكریة، لانهما كانا مطوقين من كافة الجهات، مع تمركز بقیة قوات الپارتی في قصبة ملا اومر.

بعد سقوط الموقعین المذكورین وطرد قوات الپارتی من أربیل، بادر الپارتی بغلق كافة المنافذ والطرق المؤدية لأربيل.. ومنع دخول المواد الغذائیة وكافة المستلزمات الأخری اليها وشمل هذا الاجراء بقية المناطق التی كانت تحت سیطرة قوات الاتحاد.

لهذا حدث نقص فی المواد الغذائیة داخل أربیل وأطرافها المترامیة، حیث كان المصدر الوحید انذاك لتوفیر تلك المواد الضروریة عن طریق تركیا، وتلك الطڕق كانت تحت سیطڕة الپارتی، ووصل سعر الكیلو الواحد من السكر الی 100 دینار سویسری، فی حین كان راتب الموظفین لا یتعدی 200 ألف دینار، وأثناء تلك الفترة قامت قوات الپارتی بعدد من الهجمات علی قوات الاتحاد دون جدوی، وأخیرا یأس الپارتی من فكرة تحریر المدینة ناهيك عن إخراج قوات الاتحاد منها.
فی تلك الایام كان المراقبون السیاسیون یعلمون جیداً بما یدور بین الپارتی ونظام البعث والعلاقة الحمیمة ـ لحد ماـ بینهم، أی قبل 31 من آب، حیث قامت قوات النظام فی بعض المعارك بین الطرفین بمساعدة قوات الپارتی، وخاصة فی هجوم تموز 1995 علی أربیل من طریق الموصل. وفی تلك الفترة كان الاتحاد وجمیع المراقبون السیاسیون يعلمون بما یجری ویدور فی الخفاء من تنسیق امنی وعسكری بین الطرفین، أی الپارتی وحكومة صدام لضرب قوات الاتحاد.
والسبب الذی أوهم قوات الاتحاد في تقدير الموقف واحتمالات تطوره وجود القرار 36، واعتقادهم بعدم تخلی قوات التحالف عن الكورد والتصدي لقوات صدام وسد الطریق ومنع استخدام الاسلحة الثقیلة من قبل قوات الحكومة للتجاوز علی هذا الخط الدولی.


الجزء الثانی


وبعد عدە أیام من احداث 31 من آب كانت قیادة الاتحاد الوطنی تنتـظر من قوات حفظ السلام وخط 36 الرد الحاسم علی ما قامت به قوات النظام، ولصحة هذا الرأی، ان الاتحاد لم یحاول من الاستعداد للرد علی تلك الاحداث التی وقعت وحدثت أمام أعین الجمیع.
وهذا ما يفسر وجود عدد من قیاديه (وخاصة السیاسیین منهم) فی تلك الظروف الحالكة داخل أربیل.. وكان بامكانه سحبهم وارسالهم الی المدن الاخری..

ومنذ ذلك الوقت ولحد اليوم.. یسعى الپارتی لحبك وخلق مبررات ضعیفة غير مقنعة لذلك التصرف والميل لاجراء تلك العملیة العسكریة بمساعدة من القوات العراقیة..
وهذا لیس مخفياً عن أنظار المواطنین وتوقعاتهم.. ولا يمكن اخفاء حقیقة دامغة لها علاقة بأهداف وسلوك الپارتی منذ عصیان عام 1961 ومحاولاته للحد من نفوذ الآخرين والتحكم بالسلطة كحزب له نفوذ للتفرد في تقرير مصير الاحداث.. ومن أجل ذلك مارس العدید من الاعمال المشینة. ونسج ارتباطات مشبوهة مع الدول الاقلیمیة، ولم یتردد فی تنفیذ واجراء أیة عملیة تطلب منه تلك الدول بلا تردد حتى لو كانت بالضد من مصلحة الشعب الكردي!! والأمثلة علی ذلك كثیرةومتعددة.. وفي المقدمة منها.. عملیة تسلیم مناضلی شرق كوردستان للنظام الشاهنشاهی فی أواسط الستینیات.. لغاية اتفاقیة اذار بین العراق وایران فی الجزائر.

أعقبهاهجماته العدوانیة جنباً الی جنب مع قوات الباسدار الایرانیة علی المناطق المحررة لشرق كوردستان نهایة السبعینیات أبان ما یسمی بالثورة الایرانیة وكذلك بعد الانتفاضة الاذاریة المجیدة وحربه النیابیة المستمرة مع الحزب العمال الكوردستانی ...الخ.

بدایة قام الپارتی بهذه الأعمال بحجة ضعفه كحزب.. وكقوة بعد هجمات قوات الاتحاد وبمساعدة قوات الباسداران علیه فی مناطق حاجی اومران، وقع فی وضع یرثی له واقترب من الكارثة الحقیقیة. واستمرار ذلك الوضع فی المستقبل سوف یطرد ویضعف الپارتی من الساحة السیاسیة بحیث لن یبقی له أی تأثیر علی الاحداث الجاریة فی المنطقة، ولهذا لجأ الی قوات البعث والهجوم علی مكتسبات الانتفاضة.

لكن الحقیقة تقول غیر هذا، حسب الوثائق والحقائق الموجودة بعد انتفاضة اذار 1991.. كان للپارتی علاقة وثیقة وعمیقة مع النظام البعثی الصدامی. وخیر دلیل علی ذلك عدم مشاركته مع المعارضة العراقیة والاحزاب الكوردستانیة الاخری فی ربیع 1995 علی القوات البعثیة فی الحدود الجنوبیة لكوردستان، والاكثر من ذلك سد الطریق أمام قوات المعارضة العراقیة فی المناطق التی تحت نفوذه للهجوم علی قوات النظام.
ومؤامرة 31 من آب، كان التخطط لها بین قيادة الپارتی والنظام البعثی.. قد جرى الاستعداد لها قبل يوم الهجوم المشؤوم ـ 31 من آب ـ والدلیل علی ذلك بعد أحداث 31 من اب أجرت صحیفة الجماهیر السوریة لقاء خاص مع فاروق الشرع، وزیر الخارجیة السوریة حول ما جری فی 31 من آب، قال فيه بصراحة، أن مسعود البارزانی جاء الی سوریا (ویقصد زیارە كاك مسعود الی سوریا فی بدایة عام 1996، حیث اهتمت الحكومة السوریة بهذه الزیارة كثیراً)، وضع خطته كاملة تحت أیدینا وسأل عن موقفنا من ذلك، ونحن بدورنا وبعد دراسة مستفیضة للنتائج التی سوف تحصل، وافقنا علی خطته (ویقصد كاك مسعود)، وكما تعلمون جمیعا نحن السوریون تطوقنا اسرائیل من الجنوب ومن الشمال الحكومة التركیة، لذا نحن نتمنی املاء ذلك الفراغ الاداری فی شمال العراق من قبل القوات الحكومة العراقیة والذی جاء نتیجة انتفاضة 1991، خوفا من التدخل التركی لملأ هذا الفراغ، وإذا تدخلت الدولة التركیة وسیطرت علیها سوف یطوقوننا من كافة الجهات.
ولهذا وفی ذلك الوقت كان موقف البككة بشكل عام والسید عبد الله أوجلان بشكل خاص لهم نفس الموقف مع الحكومة السوریة، وكان عبد الله أوجلان وبكل صراحة ووضوح وفی لقاءاته مع الصحف العربیة یناشد ویدافع عن مجئ الجیش العراقی من قبل كاك مسعود ویعتبر مام جلال ذو شخصیة سیاسیة ساذجة.




الجزء الثالث


وحجة المد الایرانی فی العراق، أیضا كانت غیر صحیحة، لاننا نعرف جیمعا ماذا كان یدور بین الپارتی وقوات ساڤاك الایرانیة أیام شاه ایران. وبعد ذلك انغماس القوات المسلحة للبارتي.. في عهد الخمینی، ومشاركتها الفعلية في ضرب الكورد فی شرق كوردستان. بشراسة على طول جبهات القتال مع القوات الایرانیة.. بعدما أصبحوا جزء من قوات الپاسدار ضد اخوانهم الكورد هناك.
حیث شاركوا بكل ما لدیهم من امكانيات ضد الحركة التحرریة الكوردیة فی شرق كوردستان.. والمشاركة فی أكثریة المعارك التی دارت بین الكورد والنظام الایرانی، اضافة الی مشاركتهم مع القوات الایرانیة علی الحدود الكوردستانیة.. وخیر دلیل علی ذلك الهجمات التی شنها الجیش الایرانی علی القوات العراقیة فی حاج عمران فی شهر تموز 1983، والتی راح ضحیتها بعد ذلك 5 الاف من المواطنین البارزانیین العزل فی قوشتپە حينما تم دفنهم في مقابر جماعية من قبل نظام البعث بذريعة وحجة مشاركة قوات حدك بهذه الهجمات!!

فی 26 تموز 1996 ومن أجل كسب ود ایران وضمان مساعدته فی معاركه مع الپارتی، بادر الاتحاد بمساعدة ایران لضرب مقرات (حدكا) فی كویە!!، رغم ما قام به مام جلال سراً لابلاغ قیادة الحدكا بهذا الهجوم.
لهذا السبب كان رفاق حدكا فی هذه الهجمات في مواقع أخرى انسحبوا اليها مسبقاً ولم يقدموا خسائر تذكر. وشردت كافة العوائل الموجودة فی تلك المقرات وتوجهت نحو (عنكاوە) أمام مقرات (UN) واعترضت على ممارسات وعدوان القوات الایرانیة ضدهم، وقام مواطنوا أربیل بمساعدتهم وجمع المستلزمات والمتطلبات الضروریة لهم، ونحن فی الحزب الشیوعی قدمنا لهم ولحزبهم المساعدة الممكنة في حينها. وتمّ تخویلی بالذهاب الی مقر حدكا فی أربیل وابلاغهم بأننا كأصدقاء قدماء معهم نقدم لهم كل ما نستطیع القیام به.
وحینئذ كان المناضل مصطفی الهجری فی المقر ومخول بتنسيق العلاقات (حدكا) فی أربیل، وشكر حزبنا على موقفه من الاحداث وتضامننا معهم، وقال إذا باستطاعتكم عن طریق رفاقكم فی عینكاوە تجمعون المساعدات للمشردین لن ننسى لطم هذا الموقف، وفي تلك الایام كنت علی اتصال مستمر مع رفاق حدكا. فی إحدی الأمسیات سمعنا ببعض الشائعات.. تؤكد نية الاطلاعات الإيرانية لضرب مقر علاقات حدكا (وكان سكرتیر الحزب وثلاثة من أعضاء المكتب السیاسی ومجموعة من أعضاء القیادة والكوادر المتقدمة لحدكا فی المقر حينها).

كنا مجتمعين فی غرفة الرفیق الراحل كریم احمد نتحدث عن تلك الشائعات، ووصلنا الی فكرة ايواءهم والاحتفاظ بهم في بيوتنا. بين كل الرفاق.. وافق الرفيق الراحل ملا حسن أن يستخدم بيته أيضا لإیواء رفاق الحدكا والاحتفاظ بهم (فی حین كان الرفیق كمال شاكر وزیراً انذاك وله حصانة پرلمانیة ویسكن فی دار كبیرة لحكومة إقلیم وكان جالس معنا). وعند المساء أنا والرفیق هاوتا ولفیف من پیشمرگە الحزب توجهنا الی مقر حدكا فی أربیل. وعند وصولنا كان الاستاذ عبد الله حسن زادە یجتمع بجموعة من الاعضاء القیادیین والكوادر المتقدمة للحدكا فی باحة المقر، وبعد انتهاء الاجتماع ذهبت الی الاستاذ زادە وقلت له:
ـ سمعنا شائعة مفادها احتمال الهجوم علی مقركم هذا، لذا من المستحسن التقلیل من عدد رفاقكم هنا، والذهاب الی بیوت رفاقنا داخل المدینة!!، وافق الاستاذ عبد الله حسن زادە على مقترحنا فوراً، وفعلا توجهنا الی دار الرفیق ملا حسن ومعنا كل من الرفاق مصطفی والسید بابا عەلی وتركنا مجموعة من رفاقنا الپیشمرگة هناك للدفاع عنهم عند الحاجة. ورافقنا الاستاذ عبد الله حسن زادە ومعه الرفیق سلام الی بیتی، حیث قمنا أنا والرفیق هاوتا والرفیق ویسی ومجموعة أخری من پێشمەرگە حدكا بحراستهم حتی الصباح الیوم الثانی، وعند الصباح قمنا بضیافتهم والعودة بهم الی مقرهم. واثناء فترة وجود عوائل حدكا أمام مقر UN كان الرفاق والمواطنين الشرفاء من أبناء أربیل یبادرون بمساعدة المشردین. وكذلك تم نقل الاشیاء والمستلزمات المهمة الی داخل احدی مقراتنا فی عینكاوە.



الجزء الرابع


هذا كان أول هجوم مشترك بین الاتحاد وجیش پاسداران داخل أراضی اقلیم كوردستان ضد المعارضة الكوردستانیة لشرق كوردستان (للعلم فقط: بعد انتفاضة 1991 عدد كبیر من كوادر وپێشمرگە الاحزاب الكوردیة لشرق كوردستان أغتیلوا داخل الاقلیم)، ولكن تلك العملیة للیكیتی كانت خطوة خطرة جدا لفتح دخول مجئ القوات الاقلیمیة الی داخل أراضی جنوب كوردستان!

بالرغم إن مام جلال كان له معلومات دقیقە حول العلاقة بین الپارتی وحزب البعث. وفی الوقت نفسه یعرف ویدرك جیدا عقلیة الپارتی!، إذن لماذا قام مام جلال بهذه الخیانة القومیة ضد حدكا، أكانت من أجل مساعدة محددة الی پاسداران؟! فی الوقت نفسه كان یعرف الجمیع بأن إیران خوفاً من الضغوطات الغربیة لیست باستطاعتها بهذه القوة الكبیرة، البقاء داخل أراضی اقلیم كوردستان. ووجود هذا الفراغ كان نتیجة حمایة الخط 36، وكانت الادارة وحتی أكثریة المواطنین الكوردستانیین فی الإقلیم یعیشون علی مساعدات تلك المنظمات الخیریة المتوجهة من الخارج الی داخل اقلیم كوردستان، إذن لماذا فكر الحزبین بالاقتتال الداخلی ومحو احداهما الثانی!
فی الوقت الذی كان تحاك عشرات المؤامرات ضدنا.. وكان هذا التنسيق فرصة ثمینة لأعداء أمتنا، لكن الحزبین الرئیسیین لم يتعضوا منذ انشقاق عام 1964 (جناح المكتب السیاسی وجناح المكتب العسكری)، الهدف الرئیسی لكل منهما بقي تدمیر ومحو الاخر بأیة وسیلة متاحة.. حتی ولو كانت غیر شرعیة وغير شريفة، الی حد لا مبالغة فیه.. أصبح العداء بینهما أقوی وأشرس من عدائهم للحكومات المركزیة المضطهدة للشعب الطردي (منذ ذلك الانشقاق لليوم).
بعد هجوم الاتحاد وپاسداران علی مقرات حدكا، قام الاتحاد وبالتعاون مع ایران وعشیرە برادوستی والبعض من السورچیین بهجوم كبیر علی مناطق حاجی ئۆمەران لطرد قوات الپارتی من تلك المناطق، حیث كبدت قوات الپارتی خسائر فادحة فی تلك المعارك، لكن دون احتلال تلك المناطق، وكان هذا الهجوم غیر ضروری أبدا، لان الاتحاد سيطر علی أثنین من أكبر المدن الكوردستانیة وهما أربیل والسلیمانیة، وبالرغم من ذلك كان قبل هذا الهجوم أیضا قد شاركت القوات الاقلیمیة بشكل مباشر فی المعارك التی دارت بین الاتحاد والپارتی، لكن هذه الاخیرة أدت الی فتح الطریق كاملة أمام القوات الإقیلیمیة للمشاركة المباشرة فی الاقتتال الداخلی بین الحزبین.

قبل أحداث 31 من آب فی 16 حوزیران 1996، شن الپارتی هجوما كاسحاً علی قصبة كەڵەكین، حیث كانت معقلا لمقرات حزب المحافظین التابعة الی (عشیرة سورچی)، لكونهم حلفاء لیكیتی ضد الپارتی.
فی هذا الهجوم دمرت قوات الپارتی البنی التحتیة لهذا الحزب.. وتم تدمیر كل ما یجدون أمامهم. وفی النتیجة قامت أكثریة الاحزاب الكوردستانیة باصدار المذكرات والبلاغات ضد هذا العمل غیر الانسانی، لكن الپارتی لم یهتم لهذه الآراء والإحتجاجات.، ونتیجة لهذا الموقف.. تم قطع العلاقة مع كافة الاحزاب الذین قاموا باصدار البیان الاستنكاری بما فیهم الحزب الشیوعی الكوردستانی.
وبعد هذا الهجوم قام الپارتی بتنظیم احتفال للذكری الخمسین لتأسیسه. وفی الحفل المقیم، لم یحسب الپارتی أی حساب لوفد الحزب الدیمقراطی الایرانی، وكان لوفد الحزب الدیمقراطی الایرانی مكان مخصص فی مقدمة الحفل.
عند هجوم قوات الپاسداران والاتحاد علی مقرات الحزب الدیمقراطی لكوردستان ایران فی (كویە) وبتاریخ (26 من تموز 1996)، أرادت قوات پاسداران العودة من منفذ حاجی ئۆمەران الی ایران، حیث دخلت الی داخل أراضی الاقلیم من منفذ باشماخ، لكن الپارتی لن یوافق علی عودة قوات پاسداران من حاجی ئۆمەران، لذا أضطرت هذه القوة العودة من الطڕیق التی جاءت فیها. والوسائل الاعلامیة للپارتی انتقدت بشدة ذك الهجوم، ومنظماته الدیمقراطیة كانت تجمع المساعدات للمشردین من الحزب الدیمقراطی الايراني، وكل هذه المواقف إن دلت علی شئ، إنما تدل علی ان الپارتی لیس بحاجة لایران، حیث قام بتأمین قوة أكبر تساند تطلعاته وطموحه.


الجزء الخامس


بالرغم من تسمیة تلك الهجمات بـ (31 من آب)، الا ان الحملة المذكورة بدأت فی 30 من اب الذی صادف یوم الجمعة، فی البدایة دخلت القوات المهاجمة فی مدخل ناحیة خبات الی اقلیم كوردستان، وهناك تم استقبالهم من قبل (زعیم علی) الذی كان یشرف علیهم. وفی مساء ذلك الیوم دخلت تلك القوات المدججة بأحدث الاسلحة وبأعداد هائلة الی داخل مدینة خبات، خاصة الی المقرات المزودة بأجهزة اللاسلكی.

فی ذلك المساء.. قبل احتلال والسیطرة علی مقر الحزب الشیوعی فی خبات، أرسل الرفاق الموجودین هناك التفاصیل والمعلومات الدقیقة الی الرفاق فی المكتب السیاسی فی أربیل. وفی المساء نفسه وخوفاً من بطش تلك القوات المهاجمة، استطاعت مجموعة من رفاقنا الهرب والوصول الی مقرات الحزب فی شقلاوة. وتلك البرقیة التی أرسلها رفاقنا من مقر خبات لحزبنا، كان لها دور فعال فی ابلاغ الرفاق بما یمكن أن یحصل في اليوم التالي، مع هذا لم یقتنع أكثریة الرفاق باحتمال دخول قوات النظام الی داخل العاصمة هەولێر..
اعتقدوا بأنهم سیعسكرون خارج المدینة وعن طریق القصف المدفعی سیساعدون قوات الپارتی لاخراج وطرد قوات الیكێتی من أربیل.
وعند التمعن والملاحظة لاختیار یوم الهجوم بعد 30 آب یوم الجمعة، حیث يكون يوم عطلة الأسبوع عند العراقيين ويعقبها یومی السبت والاحد أی 31 اب و1 من سیپتمبر أیام السبت والأحد فی العالم الغربی والامریكی.. أي تواصل ثلاثة أیام كعطلة اسبوعیة.. وانشغال كافة المؤسسات الرسمیة ومراكز القرار فيها بالراحة.. وعند افتراضهم سد الطرق أمام القوات المهاجمة الی داخل الخط 36 من قبل القوات الامریكیة، فأكثریة المؤسسات ومراكز القرار فی أمریكا والغرب لیسوا فی دوام رسمی، ولیس بأستطاعتهم إصدار أی قرار فوری لصد هذه المجازفة من قبل قوات النظام البعثی انذاك.

نحن رفاق الحزب الشیوعی كنا فی یوم 29 من اب داخل مقر المكتب السیاسی، ولم نسمع بأی خبر حول الهجوم، بل كان یوماً اعتیادیاً كباقی الایام. والیوم التالی، یوم الجمعة أیضا كان یوماً اعتیادیاً وكان أكثریة الرفاق فی بیوتهم مع عوائلهم، الا هؤلاء الرفاق الذین كان لهم التزاماً أو لقاءا فی المقر.

حينها كنت أنا أیضا فی بیتی، وزرت مع والدتی أحد الاقارب فی الحي الجمهوری، وعند المساء كنا نود العودە مشیاً للبیت. وراجعت عیادة الدكتور فوئاد عبد القادر فی حی المفتی، والتی تقع علی طریقنا، تحدث الدكتور علی الفور حول شحة مادة البانزین بالمدینة، والشائعات الكثیرة حول هجوم البعث علی أربیل.

هناك تركت والدتی وفورا.. أجرت تاكسی وتوجهت لمقر المحلیة.. التقيت بالرفیق سرود وتحدث هو الاخر عن الهجوم المنتظر، وقال حسب المعلومات التی وصلت الیهم من الرفاق.. غداً سیقوم الپارتی بالهجوم علی أربیل وقوات الجیش العراقی ستسانده من خارج المدینة بالقصف المدفعي بعیدة المدی.
خرجت من المحلیة وأجرت تاكسی اخر لاتوجه الی مقر المكتب السیاسی علی اشارع الستین، هناك التقیت بمامۆستا قادر، الذی كان مسؤولا عن ادارە المقر، أكد أیضا على ما سمعته من المعلومات التی تحدث بها الرفیق سرود.

بقیت فی مقر المكتب السیاسی، حتی عودة الرفیق الراحل حیدر فیلی.. والذی كان فی زیارة خاصة الی احدی مقرات الاتحاد.. للحصول علی معلومات جدیدة، قال الرفیق الراحل حیدر فیلی:
ـ نعم عندهم كافة المعلومات وبدقة متناهیة حول دخول قوات الپارتی والجیش العراقی الی مدینة خبات، وقالوا: بأنهم یدافعون عن المدینة ویعتقدون بأن أمریكا لن تقبل بدخول قوات النظام الی داخل أربیل، والپارتی لوحده سیفشل كما فشل فی المرات السابقة، بل سوف یتكبد بخسائر فادحة! وأكد:
ـ اقترحنا عليهم نشر خبر هجوم قوات النظام وابلاغ الجماهیر بذلك، لكی یحملوا السلاح ویدافعون عن مدینتهم ویستعدون لای احتمال طارئ كهذا..
كان رأیهم مخالف لما اقترحنا، وذلك بحجة إن ذلك الخبر سوف یؤدی الی انهیار معنویات مواطنی أربیل وبعض قواتهم أیضا، لذا بقی الخبر "سراً" ولم یعلن للجماهیر، حتی جاء صباح الیوم الثانی والناس استیقضوا على أصوات المدافع والاسلحة الثقیلة.


الجزء السادس


فی ذلك المساء قمت بزیارة خاصة لمقر علاقات لحدكا، كان السید تیمور مصطفی مسؤولا العلاقات للحزب فی أربیل، كانت لدیه نفس المعلومات.. بأن الپارتی وقوات النظام العراقی سیهاجمون ویحاولون الدخول الی أربیل. وهو قال لی: بأن مقرهم مفتوح لرفاقنا عند الحاجة والدخول فیها فی أیة لحظة نحتاجها، كان بحق موقف مشرف، وقلت له بأننی سوف أوصل هذه الرسالة الی الرفاق فی المكتب السیاسی للحزب. وعدت فوراً الی مقر المكتب السیاسی، وبقیت فیه الی أواخر اللیل ونحن فی المقر ومجموعة من الرفاق مشغولین بنقل الاشیاء المهمة الی اماكن امنة.

دخلت لغرفە العمل الجماهیری وقمت بترتیب محاضر الاجتماعات والرسائل ونقلها. لم أنم تلك اللیلة الا لبرهة من الوقت. حیث كانت لیلة غیر اعتیادیة طویلة للغایة ولیست لها نهایة.
وعند الصباح نهضت علی أصوات المدافع الثقیلة المزعجة، بعد برهة من الوقت جاء الرفیق ویسی كعادته بسیارته السوبر الحمراء، لكی نتوجه معاً لمقر المكتب السیاسی، فی الطریق صادفنا أحد كوادر الاتحاد.. كان فی وضعیة غیر طبیعیة، قال لنا:
ـ طریق بیستانة مسدود.. طوقوا أربیل من كافة الجهات..، (طریق بیستانة كانت إحدی الطرق الباقیة المؤدیة الی كویە والسلیمانیة). الخطة كانت محكمة جداً، حیث تقدمت القوات الرئیسیة للپارتی والنظام من جهة طریق الموصل، وبعد السیطرة علی الخطوط الدفاعیة الامامیة فی كانی قرژالە هاجموا المكتب السیاسی والقاطع الثالث فی أربیل والمقرات الرئیسیة الاخری للیكیتی، وكانت الاكثریة بالقرب من الپرلمان وطڕیق عنكاوە.

منذ الصباح الباكر دكت مدافع النظام مقرات الاتحاد، وخاصة إذاعة القاطع الثالث، التی كان مقرها داخل (ئۆردووگا) مقابل القاطع الثالث، ومن جهة أخری وفی طریق مخمور قسم النظام قواته الی قسمین:
1ـ قسم منهم بشكل مباشر بین ناحیة قوشتەپە وبنصلاوە باتجاه كسنزان، كان مهمة هذه القوة هی محاصرة أربیل بشكل مباشر (والهدف من برنامج محاصرة أربیل عدم ترك فجوة أو فراغ وذلك لعدم افساح المجال أمام المواطنین للخروج من المدینة والزحف نحو الشمال الشرقی منها خوفاً من الهجرة الجماعیة وإثارتها فی القنوات الاعلامیة واحراج الامریكان والغرب أمامها).

2ـ والقوات الاخری دخلت من طریق مخمور الی داخل المدینة، وثم الی الطریق الستینی ومن هناك الی طریق كركوك. ومن ثم الی مركز المدینة. والمرور أمام مكتب محلیة أربیل للحزب الشیوعی وتم رمی المقر برشقات من الأربيجيات والرشاشات الثقیلة، وتمت سرقة الدوشكة المثبتة أمام مقر المحلیة (تلك الدوشكە كانت إحدی الغنائم من الهجمات التی شنتها قوات الحزب مع الاحزاب الاخری علی قطعات الجیش فی ربیع 1995 فی طریق مخمور).

وهنا علینا الاعتراف بأننا لا ـ لجنة محلیة أربیل ولا قیادة الحزب الشیوعی الكوردستانی لم تكن لدیهم أی خطة دفاعیة لذلك الحدث الرهيب، والسریع والمفاجئ جداًفي الحسابات السياسية لتلك الأيام.. ولیس فی حسبان أحد بأن النظام یهاجم بهذه القوات من أجل الپارتی والدخول الی مدینة أربیل!،
وفی مساء الیوم الماضي كانت خطة الرفاق والفوج الموجود هناك.. فی أتم الاستعداد. حیث كان قرار الحزب المقاومة وخوض الحرب ضد قوات النظام.. ولیس الاشتباك مع قوات الپارتی، لان قوات الپارتی لیست لها علاقة برفاقنا.
كان تلك القرار غیر الملتبس وغير الواضح لا يساعد على اتخاذ موقف صحيح ومناسب في لجة الحدث، لان أكثریة قوات الپارتی كانت تتقدم مع الدبابات بقية قوات النظام ومدرعاته وعجلاته.. والجميع یرفعون علم الپارتی، المكون من قطعة قماش صفراء. إضافة الی ذلك كانت هذه القوات كبیرة جداً.. بحیث لم تستطیع قوات الاتحاد مقاومة تقدمها وصد هجومها المتداخل مع قوات حدك. وبشكل عام كانت معركة غیر متكافئة بين قوتين بكافة المقاییس من حیث العدد والعدة ناهيك عن بقية المستلزمات ودرجة الاستعداد لخوضها اعتماداً على المعنويات.



الجزء السابع


صباحا عندما وصلنا لمقر المكتب السیاسی، كنا نسمع أصوات المدافع من بعید، وجدنا عدد من الرفاق هناك وبعد لحظات وصل رفاق من حزب كادحی كوردستان كان ضمنهم من قياديهم (دكتور سردار والرفیق بهمن)" أخذوا یسأڵون عما یجری وماذا ینوی الحزب الشیوعی القیام به لدرء مخاطر تلك اللحظات المفاجئة، كنا نری أفراد من قوات الاتحاد یعودون من جبهات القتال وهم یتحدثون عن الدمار والویلات التی لاحقت قواتهم، ورغم هذه الحالة من الانهیار كنا نری قوات الاتحاد في شوارع المدینة. إحدی أخطاء الاتحاد التی أرتكبتها وضع الخط الدفاعی خارج المدینة، وكما نعرف بأن مثل هذه القوة لیس باستطاعتها المقاومة خارج المدینة أمام زحف دبابات الجیش العراقی! بل كان علی الاتحاد أن یقسم قواته داخل مدینة أربیل، وداخلهل وفق خطة لصد الهجوم والمقاومة الممكنة بالتنسيق مع بقية القوى أمام تلك الهجمات المحتملة.
وعند الساعة 11 قبل الظهر تقريباً.. سمعنا أصوات المدافع تقترب أكثر وأصبحت الانفجارات أعنف، ووصل الینا خبر قصف مقر لجنة محلیة أربیل للحزب الشيوعي الكردستاني، كنا ننتظر قصف مقر المكتب السیاسی أیضا بالمدافع الثقیلة، لذا كان الرفیق الراحل أستاذ كریم احمد والرفیق كمال شاكر والمرحوم ملا حسن قد قرروا ترك المدینة والتوجه نحو قضاء شقلاوە.. وقام بنقلهم الرفیق المرحوم قیس.

بعد الساعة 11 قبل الظهر.. قرر الحزب تخفیف الازدحام داخل المقر.. واستثناء مامۆستا قادر.. الذی كان مسؤولا عن إدارة المكتب السیاسی ومجموعة من الرفاق الپیشمەرگە للبقاء فی المقر، فی تلك اللحظات سقطت قنبلة مدفع خلف بنایة المقر، عندئذ قرروا ترك المقر وتوجيه الرفاق للانتشار داخل المدینة، تركنا المقر بصحبة الرفیق ویسی.. توجهنا لمقر لجنە محلیة أربیل، التقينا ببعض من رفاقنا الپیشمرگە هناك، لكن بدون تنظیم، ذهبت لكی أستطلع خلف مقر المحلیة الذي تم قصفه أیضا.. شاهدت المولدة الكهربائیة الكبیرە للحدكا علی حالها دون أن یمسها ضرر، تلك المولدة التی وضعوها خوفا من هجوم الاتحاد وقوات پاسداران علی مقراتهم فی كویە ومعها الادوات والمستلزمات الضروریة المهمة للحفاظ علیها فی مقر المحلیة.

بالرغم من عدم وجود ارتباط لي بالرفاق في المحلیة، لكني تحدثت مع الپێشمرگە لكی یتركوا المقر ویذهبوا الی قاعة میدیا في نادی الاعلام لمراقبة مقر محلیة أربیل من هناك! بعد أن أدركنا جیدا أن حیاتهم فی خطر.. كان قرار المحلیة بابقائهم هناك وعدم ترك المقر خاطئا ولا ينسجم مع تطورات الموقف وتبدلاته.
قلت لهم قرروا بأنفسكم.. وها أنا ذاهب لكی ألتقی مع رفاق الحزب لأخذ قرار جدید حول بقائكم هنا!
وبعد ذهابی الی عدة أماكن لم أجد أحد من الرفاق المسؤولین، لذا عدت مرة أخری الی مقر المحلیة، كان الرفاق الپێشمرگە الی تلك اللحظة موجودین هناك.. واجتمعوا حولی، وكان هناك الرفیق رابر كریم والذی كان مخابراً للمحلیة واقف أمام الجمیع. بالرغم من خطورة الوضع.. وما ینتظرنا،
قلت لهم..
ـ سبب عودتی الیكم لاننی وعدتكم سوف أعود الیكم.. ومعی قرار حاسم، لكن لم أری أحد من الرفاق، لذا أقول لكم الان.. بأن القرار عندكم ولیس عندی.
وبعد اقتراب أصوات المدافع وتقدم قوات النظام، ذهبنا عن طریق كویە الی مقر حدكا، الذی كان انذاك فی حی ئەفسەران. رأینا فی الداخل مجموعة من الكوادر المتقدمة للیكیتی مثل (مامۆستا سیف الدین وشخص اخر خانقینی ومعهم كادیرین اخریین من أهالی بهدینان) وشخص اخر من حزب المحافظین، وبعد ذلك جاء الرفیق شیخة ومعه الرفیق نوزاد سلیم. وبعد برهة من الوقت جاء الرفیق بهمن ومعه مامۆستا محمد زەحمەتكێشان وكان وضعهم غیر اعتیادی دخلوا مقر حدكا والتقوا مع كاك تیمور وطلبوا منه حمایة كاك قادر عزیز سكرتیر حزب كادحی كوردستان انذاك فی مقرهم، وقال كاك تیمور المقر مقركم متی تأتون نحمیكم، وخرجوا مسرعین، لكن لم یعودا، ویمكن حصلوا علی طریق لترك المدینة والذهاب الی مكان امن.
وحتی الساعة الواحدة بعد الظهر كنا نسمع أصوات المدافع. وكنا نسمع إذاعة گوڵان منذ الصباح تبث النداءات تلو الاخری وتطلب من الجماهیر عدم ترك بیوتهم والبقاء فیها لحمایة أنفسهم. لكن أحد لم یصدق ما كانت تبثه تلك الاذاعة فی ذلك الیوم المشؤوم، لان الناس جمیعا یخشون من جبروت قوات النظام البعثی الهمجی.
وحتی فی تلك اللحظات كنت أفكر بالرفاق الذین تركناهم فی مقر محلیة أربیل. لذا حاولت الاتصال بهم عن طریق الهاتف لكی أطمأن عليهم دون جدوی. (أقولها مرة أخری لم يكن ارتباط تنظیمی مع محلیة أربیل، لان كان للجنة محلیة أربیل سكرتیرها ومكتبها الخاص لقيادتها).. وبعد لحظات أجابنی كاك سرحد.. كان عضوا فی تلك اللجنة المحلیة، وقال لی:
ـ أنهم داخل المقر لحد هذه اللحظة.. ولم يتبدل الموقف والجميع سالمون.




الجزء الثامن


حوالی الساعة الثالثة بعد الظهر، اعلنت إذاعة گولان بأن أربیل قد حررت تماماً، والفرع الثانی للپارتی داخل القاطع الثالث للیكیتی یستقبل مواطنی أربیل للترحیب بعودة الپارتی الی المدینة بعد تحریرها ـ حسب ما تعلنه الإذاعة ـ من قوات الاتحاد، وبعد سماعنا للنداء، أردنا أن نتوجه الی مقر المكتب السیاسی للحزب الشیوعی، وعند خروجنا رأینا عشرات من مسلحی الپارتی علی أسلحتهم قطعة قماش صفراء للدلالة علی تبعیتهم للپارتی، كانوا ینهبون ويسرقون ويحاولون إخراج وأخذ السیارات عنوة بقوة السلاح من داخل بیوت المواطنين.

استقلينا سیارتنا، ذهبنا اولا الی الطریق الستینی نحو عنكاوە، عند تقاطع شارع شقلاوة تفاجئنا بوجود سیارة ایڤا عسكریة تحمل مدفع 106 ملم، وبالقرب منها مجموعة من مسلحی الپارتی.. كانوا یطلقون النار علی هیكل ابن مام غفور ویحاولون اسقاطه وتدمیره (ابن مام غفور قتل أثناء الاقتتال الداخلی بین الحزبین ونصبوا له هیكلا تذكاریا بسیطا بالقرب من هذا التقاطع).

كنا نتأسف لما نراه من التشویه والعبث بصور وهیاكل الشهداء وتدمیرها بشكل عشوائی وعدوانی من قبل مسلحی الپارتی داخل مدینة أربیل، وأكثریة هؤلاء الشهداء كانوا قد استشهدوا ضد النظام الدكتاتوری البعثی، ولم ینجوا من هذا الفعل الشنيع حتى هیاكل وصور شهداء الاحزاب الأخری أیضا.. كان الحقد والروح الهمجیة يسيطران على الموقف، وشمل هذا التصرف الاحمق صور لشهداء الحزب الشیوعی الذین أستشهدوا دفاعا عن القضیة الكوردیة وبناء الدیمقراطیة للعراق، وخاصة صورة الشهید (سەفەر) علی الشارع الستینی المؤدی الی محلة باداوە.. وكذلك صورة الشهید (دكتور عادل علی طڕیق مخمور وبعض االصور الأخرى للشهداء المعروفين..
وهنا أسال هؤلاء أصحاب العقلیة الهمجیة.. لماذا قمتم بتشویه وتمزیق صور الشهداء الذین ناضلوا وضحوا بكل ما لدیهم ضد الدكتاتوریة ومن أجل مستقبل أفضل لابنائكم؟
هل كان هذا أمراً من حزبكم، أو حقدا وكراهیة ضد المناضلین والوطنیین الأصلاء!؟
وهل یجوز تدمیر وتمزیق وتشویه صور جمیل رنجبەر وعبد الخالق معروف؟!
وإذا كان لا یسع ولا یفتخر الصدر الدامی لأربیل الی صور الشاعر الشهید جمیل رەنجبەر والمثقف التقدمی عبد الخالق معروف، فأین السمة والخاصیة الهولیریة المعروفة للقلعة الشامخة والمدینة المناضلة؟!
ماذا استفدتوا من تدمیر هیكل المناضل العظیم موسی عنتر؟
لكنهم أرادوا مسح ومحو كل ظاهرة ثقافیة تدل علی مقاومة دكتاتوریة البعث والانظمة الاستبدادیة الاخری وقتل روح المقاومة فی هذه المدینة المنكوبة علی أمرها، لیست بسكاكین الأعداء هذه المرة، بل بخناجر الاقتتال الداخلی بین الاخوین.
وقبل أن نصل الی تقاطع عنكاوە، شاهدنا أمام مقر المكتب السیاسی للحزب الشیوعی الكوردستانی حشود مسلحة یصولون ویجولون والاوراق والمستلزمات الاخری متناثرة أمام المقر وبعض الاشخاص یسارعون لنهبها أمام أعین تلك الحشود المسلحة، هذه البنایة كانت مقر للمكتب السیاسی للحزب الشیوعی الكوردستانی ومقر لاعلامها ومقرا للحزب الشیوعی العراقی أیضا، والبنایة المجاورة لمقر المكتب السیاسی كانت فیها شركة لاستيراد السكائر، ورأینا مسلحون بارزانیون یحملون كارتونات السكائر الی سیاراتهم من نوع میك زەمین!
وفی مقابل المقر من الجهة الثانیة لشارع عنكاوە والتی هی نهایة المعسكر، قد تجحفلت فیها قوات من الحرس الجمهوری بأمرتهم مئات الدبابات والمدرعات والالیات العسكریة الاخری. وفكرة اخلاء مقر المكتب السیاسی من قبل الحزب تعود لهذا السبب، لان هذه القوة الكبیرة بعد احتلال المكتب السیاسی للاتحاد الوطنی قد تتجه نحو المكتب السیاسی للحزب الشیوعی الذی كان المقر الوحید بقرب مقر الاتحاد الوطنی ويفصل بینهم شارع واحد.
ومع هذه القوة الكبیرة تدخل مجموعة من المخابرات التابعة للنظام الی داخل المقر وحصلوا علی مجموعة من المستمسكات للمكتب السیاسی، وخاومافي غرفة مسؤول مالیة المقر الراحل أبو شاخوان، حیث ترك فی غرفته مجموعة من المستمسكات المهمة.. وكذلك بعض الاخر من الرفاق لم یؤدوا واجباتهم بشكل دقیق وتركوا أشیاء ومعلومات مهمة فی غرفهم داخل المقر ولم یحسبوا لها أی حساب.

وقفنا لفترة غیر قلیلة أمام المكتب السیاسی للحزب.. كنا ننظر الی بنایة المقر مكتوفی الایدی.. ولیس بامكاننا التحرك وعمل شئ یفید في تلك اللحظات الملتبسة. ونحن على هذه الحال نفكر ماذا نفعل، خرج امام انظارنا من داخل المقر مجموعة من عناصر الحرس الجمهوری.

تركنا المكان والمنطقة.. وتوجهنا نحو مقر القاطع الثالث للاتحاد الوطنی علی الشارع الستینی. وأمام القاطع وجدنا إزدحاماً كبيراً للغایة.. قوات عسكریة.. مسلحین.. حرس جمهوری.. قوات الپارتی.. وتجمعات المواطنین.. وعشرات من الدبابات والمدرعات والالیات العكسریة والمدنیة الاخری.
وثم توجهنا الی داخل پرلمان كوردستان.. وكان فیه أیضا عشرات من الدبابات والالیات العسكریة الاخری، دخلت الی الداخل ورأیت مامۆستا سەعد واستقبلنی فی غرفته ورحب بی وعرفنی بزعیم علی، وبعد محادثة قصیرة مع مامۆستا سعد قلت لهم:
ـ هل لدیكم معلومات بما یجری فی داخل مقر المكتب السیاسی لحزبنا من النهب والعبث بممتلكات المقر؟ تبادلا النظرات وقالوا هذا لیس من شأننا، وكل من قام بهذه الاعمال وارتكب تلك الافعال سوف نحاسبهم. وعندئذ قال زعیم علی..
ـ عليّ أن أعود الی مصیف صلاح الدین، لان الرئیس ینتظرنی هناك.
وبعد ذلك جاء مجموعة من أعضاء الفرع رحبوا بی، قلت لهم:
ـ مع عودتكم لم تستطیعوا أن تحافظوا علی مقراتنا كاصدقاء، ولیس لدیكم أیة خطة مسبقة للحفاظ علی مقراتنا ومقرات الاحزاب الكوردستانیة بشكل عام، وكلكم تعرفون بأن النظام.. كم هو حاقد علی حزبنا، لذا كان علیكم كقوة صدیقة أن تبلغونا مسبقاً بما تریدون، أو تخصصون قوة خاصة لحمایة مقراتنا ومقر الاحزاب الصدیقة لكم، ولم یردوا علی ما قلته ولو بكلمة، بعدها ودعتهم وغادرت.


الجزء التاسع


كن ننوی الذهاب الی مقر اللجنة المحلیة لأربیل، سلكنا الطریق التی تمر بقرب دائرة الامن القدیم نحو مركز أربیل. شاهدنا بوضوح وجود قوات الحرس الجمهوری ومعهم منتسبی دائرة الامن والمؤسسات الاستخباراتیة والاستبدادیة لحزب البعث، وسمعنا بعض الشائعات بعودة الخائن (مەمۆ) للمدینة! وهناك رأینا أزلام وأعضاء السلطة القدامی الذین بقوا فی أربیل أبان انسحاب القوات العراقیة عام 1991 وكانوا یعتبرون ما حدث من تطورات مفاجئة الیوم.. تحریراً لأربیل وأرادوا أن یثأروا من أبناء المدینة لما لحقت بهم أیام الانتفاضة الاذاریة المجیدة.

ونحن فی طریقنا نحو اللجنة المحلیة، رأینا مقر الحزب الاشتراكی الكوردستانی فی البنایة القدیمة للجوازات، ینهب! وعند وصولنا لمقر اللجنة المحلیة رأیت رفقین جالسین داخل المقر خلف الباب یراقبون الشارع، وفجأة رأیت پیكئاب دبل قمارة یتحرك ببطء فی داخله أشخاص یقومون بتصویر المقر، تقربت لاستفسر منهم، ف لكنهم أسرعوا بالسیارة وابتعدوا.

وعندئذ كنت أفكر بعدم منطقیة قرار بقاء الرفاق الپیشمرگە والكوادر الحزبیة داخل المقر، لان المدینة كانت تحت سیطرة قوات النظام تصول وتجول فیها زمر من أزلام المؤسسات الامنیة، لا ینتظر منهم الا المزيد من الاعمال التخریبیة واللانسانیة ضد من يتواجد في المدينة بضمنهم أعضاء الحزب الشیوعی ومن يتواجد في مقراته خاصة.. فی ذلك الیوم الأغبر.. ويزيد من هذا الاحتمال تلك القطعان الهائجة من القوات المدججة بالاسلحة الفتاكة..
من جهة أخری كانت معنویات الناس منهارة جمیعاً بما یرونه بأم أعینهم.. ماذا یفعل هذان الحزبان بمدینتهم الآمنة المصدومة بهذا الحدث الجلل والخطير الذي لا تعرف عواقبه.

علاوة علی ذلك كان باستطاعة هذه القوات إرتكاب أیة جريمة خلال لحظات! لذا كان قرار بقاء الرفاق بهذا الشكل من قبل اللجنة المحلیة قراراً غير صائباً عندما قرروا ببقاء هذه المجموعة من الپێشمەرگە داخل المقر، واستبعدوا دخول قوات النظام للمدینة. وقد تكون الصدفة قد أبعدت قوات النظام منهم ولم یجري التحرش بهم لغاية تلك اللحظة، والا كنا سنتكبد خسائر فادحة ونخسر هؤلاء جميعاً.

لحد الان لا أعرف الحكمة والمنطق من بقاء هؤلاء الرفاق داخل المقر، فی حین ان الاكثریة العظمی من رفاق المكاتب وسكرتیر المحلیة إختفوا وحموا أنفسهم من النظام والأجهزة الامنیة في أماكن مختلفة في المدينة، في الوقت الذين یأمرون ببقاء عدد من الرفاق لحمایة مقر اللجنة المحلیة؟ والمدینة بأكملها تعرضت الی الاهانة والنهب والسلب، إذن ما هی فائدة حمایة مقر حزبی مثل مقر اللجنة المحلیة، فی حین إذا أرادت قوات النظام احتلاله سوف تحتلها بدقائق فقط!، وإضافة الی ذلك فالمدينة تحت سلطة البعث.. فماذا یفعل بمقر لجنته المحلیة فی المدینة؟
فی مساء ذلك الیوم كنت أنوی زیارة الرفاق فی عينكاوە، لذا توجهت الیهم، بالرغم من الطریق یعج بقوات النظام، وكان مقر الحزب فی عينكاوه مقفولا، وبالقرب منه التقینا بالرفیق فاروق ومجموعة من الرفاق الاخرین، قالوا بأن أزلام النظام متواجدون بكثرة داخل عينكاوە، ومن أجل الحفاظ علی أرواح وسلامة الرفاق قررنا غلق المقر، وكانوا مضطربین وغیر مرتاحین للوضع حیث ترك أكثریة الرفاق بیوتهم خوفا من بطش النظام.
والمشكلة التی یخاف منها رفاق عينكاوە، هی وجود أكثریة الاجهزة والادوات والمستلزمات الضروریة لحدكا ومن ضمن تلك الاشیاء إذاعة حزب (حدكا) كانت محمیة داخل مقر الحزب هناك، وكانوا یخافون من نهبها من قبل أزلام السلطة، وسبب وجود هذه الاشیاء، هی نتیجة الهجوم الذی شنته قوات الپاسداران وبمساعدة من قوات الاتحاد فی كویە. ومنذ ذلك الوقت كان تلك الاشیاء موجودة هناك ورفاق الحزب كانوا محتفظین بها.

وعند عودتنا الی مركز المدینة، أخبروا رفیق ویسی بأن مجموعة من المسلحین هاجموا بیته وأخذوا سیارته عنوة، فی البدایة كنا نشك بمسلحی جمال مورتكە، لذا توجهنا الی وزارة الپێشمەرگە، إلتقینا بهم هناك، وجاء إلینا كاك جمال شخصیا واستقبلنا بحفاوة، وبعد تبادل بعض الاراء بیننا، قلت له مع الاسف تقومون بمثل هذه الاعمال غیر الانسانیة وتأخذون ممتلكات المواطنین، كأنكم لستم أبناء هذه المدینة، وهذا سوف یؤثر كثیرا علی سمعة حزبكم، كان غاضباً ولم ینكر وجود مثل هذه التصرفات من قبل مسلحیهم وقال:
ـ صدقونی أستحی من هذه التصرفات الصبیانیة، علما إن الذین یقومون بهذه التصرفات لیسوا من مسلحینا الفعلیین الذین شاركوا معنا للهجوم علی أربیل، بل هؤلاء من الذین دخلوا بعد ذلك، ینهبون ویسلبون ممتلكات المواطنین، وشخصیا وعن طریق برقیة خاصة أبلغت مكتب الرئیس بارزانی بذلك. وتحدثت معه حول سیارة رفیق ویسی وقال أعطینی رقم السیارة وسوف نحاول ایجادها وإعادتها له.

وعند عودتنا علی الشارع الستینی ومقابل الملعب أربیل الدولی، كنا ننوی الذهاب الی مقر لجنة محلیة أربیل، وقبل أن نصل الی مقر اللجنة المحلیة رأینا مجموعة كبیرة من السیارات واقفة أمام هیكل لبنایة تابعة الی بیت كاك كوسرەت، وفجأة قال الرفیق ویسی ها هی سیارتی! وذهبنا إلیهم واستفسرنا عن سرقة سیارة رفیق ویسی وقلنا لهم هذه السیارة هی ملك لفریقنا، قالوا من أنتم؟ قلت لهم من أنتم؟ قال أحدهم نحن جماعة مامند قشقة، وقلت لهم أین مامند قشقة، أجابنی نفس الشخص وقال لنا: ها هو جالس بین هؤلاء الپێشمەرگە. وأشار بیده الی بیت كاك كوسرەت، وعندما توجهنا الیهم رأینا مامند قشقة جالس أمامهم، بعد التحیة قلت له لماذا أخذتم سیارتنا؟ قال ومن أنتم؟ قلت نحن رفاق الحزب الشیوعی. قال: وكیف أتأكد بأنكم من الشیوعیین؟ قلت له ها هی هویاتنا. كنا منشغلین معهم ونناقشهم حول كیفیة اعادة السیارة إلینا، فجأة ظهر الرفیق محسن دشتی وقال لی: ها رفیق دڵشاد ماذا تفعلون هنا؟ قلت له: هذه هی سیارة رفیق ویسی، سرقوها من بیته. علما ان الرفیق محسن دشتی ومامند قشقة هما من نفس العشیرة، أحسست من تغیر ملامح مامند قشقة، واستحی مما فعلوه. قام وقال نحن لیس لنا علاقة بها، إن جماعتنا أخذوها من بعض المسلحین، عندما تأكدنا بأنهم سرقوها، لكن كنا نعرف بأنه لیس صادق فی ما یقوله، استلمنا السیارة وغادرنا


الجزء العاشر


لیست سرقة سیارة الرفیق ویسی هی وحدها، بل قاموا بسرقة ونهب والاستیلاء بقوة السلاح علی الكثیر من سیارات رفاقنا ومنها علی سبیل المثال: سیارة علاقات الحزب الشیوعی العراقی، وفی نفس الیوم وبقوة السلاح أستولوا علی سیارة مامۆستا كەمال زەهاوی داخل البیت الذی كان یختفی فیه (مامۆستا كەمال زهاوی عضو المكتب السیاسی)، وفی الیوم الثانی أستولوا بقوة السلاح أیضا على سیارة ماموستا قادر (عضو اللجنة المركزیة للحزب الشیوعی الكوردستانی).

وكانت المدینة بأسرها تأن تحت ظلم واستبداد قوات الپارتی. حیث عملیة نهب البیوت أصبحت إحدی المظاهر المتكررة داخل مدینة أربیل، كأنها أیام غزو المغول والتاتار، لیس فقط بیوت وممتلكات أنصار ومؤیدی الاتحاد، بل أصبحت المدینة طولا وعرضا معرضة لعملیة النهب والسرقة والضرب العشوائی واختطاف الناس، وعند اللیل اتسعت رقعة النهب والسرقة وذلك بعد دخول قوات من القری الزرارتیة الی داخل المدینة وجميعهم من جحوش قبل الانتفاضة ومارسوا النهب والسرقة والاعتداء العشوائی علی المواطنین العزل.
بعد استعادة سیارة الرفیق ويسي توجهنا لمقر اللجنة المحلیة، وكان فكري مشغولا بلرفاق الموجودین داخل المقر، وقلبی واحساسی یعودان بی إليهم في كل لحظة، تحدثت معهم وملامح الخوف والتساؤل كانت بادية علی وجوههم كأنها تستفسر عن سر بقاءهم في هذه المحنة.. تحت سیطرة أشرس عدو!!

وكذلك حال المجموعة التی أرسلت الی جبهات القتال یوم أمس (یوم 30 من آب) بقیادة الرفیق احمد شاهین حيث لا خبر عنهم ولا أثر لهم. بعد سيرهم على طریق مخمور للمشاركة فی صد الهجوم علی المدینة، وبقوا فی مواقعهم حسب الأوامر التي وجهن لهم من المسؤولين قبل مغادرتهم وتوجههم لجبهة القتال وبقوا مرابضين فی مواقعهم ینتظرون تقدم العدو، ولم یصل خبر تقدم قوات العدو من محاور قوشتپة ودارەتو وبنصلاوە ووصول قوات النظام الی منطقة كسنزان شمال شرقی مدینة اربيل، وما يواجههم من صعوبات ومخاطر عند الانسحاب والعودە الی أربيل.

وعند المساء عدنا نحن أیضا الی مقر حدكا، وبقینا هناك نحن الثلاثة أنا والرفاق شێخە وویسی، ومن علی سطح مقر حدكا كنا نری أضواء دبابات البعث، كأنها تسخر مما تقوم به القیادات الكوردیة في جولات قتالهم المتكررة!!
والظاهرة التی كنا نتعجب منها وجود أضواء سیارات كثیرة متوجهة الی مصیف صلاح الدین، فی صباح الیوم التالی عرفنا بأن تلك الاضواء كان لسیارات ضباط وأفراد الجیش العراقی الذین شاركوا عملیة 31 من آب، حیث كانوا مدعوین من قبل زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني لمأدبة عشاء فاخرة علی دماء أبناء الوطن.

من الصباح الباكر مع استیقاضنا من النوم، وذهاب الرفیق شێخە قررنا نحن الاثنین أنا والرفیق ویسی، مرة أخری التوجه الی مقر اللجنة المحلیة للحزب فی أربیل، وعند وصولنا هناك رأینا الرفیق حیدر فیلی ینزل من سیارة تاكسی أیضا، وعندما جاء الینا قال لنا: سنقوم بزیارة للفرع الثانی للپارتی. جلس الرفیق حیدر فی الامام وأنا فی الخلف وكنا علی الطریق الثلاثینی عند وصولنا الی تقاطع دائرة الأمن القدیم، وقبل أن ندخل الی داخل مجموعة كبیرة من الجنود وضباط الحرس الجمهوری. ضرب الرفیق حیدر بیده وبقوة علی دشبول السیارة ونزل رأسه، وأمر بصوت عال الرفیق ویسی لكی یرجع، وأنا قلت للرفیق ویسی كن هادئا واستمر فی السیر، لاننا إذا عدنا الی الخلف سوف یشكون بنا ویقبضون علینا، لذا توجهنا وبشكل هادئ نحو القاطع الثالث للیكیتی، وبعد دقائق وصلنا الی هناك.

أمام مقر القاطع الثالث للیكیتی الذي تحول من الامس الی الفرع الثانی للپارتی كانت الجموع مزدحمة للغایة، وعندما قدمنا أنفسنا لهم وعرفوا بأننا من الحزب الشیوعی الكوردستانی، قام أحدهم باصطحابنا الی غرفة الأعضاء العاملین للفرع المذكور، لم یكن ماموستا سعد موجوداً فی تلك اللحظة، لكن الاكثریة منهم كانوا هناك، وبدأوا بتقدیم الاعتذار لنا، لما حدث لمقراتنا من جراء العملیة التی قاموا بها، قال لهم الرفیق حیدر:
ـ خلوا مقراتنا علی صفحة، هل تعرفون ماذا تجری فی هذه المدینة؟ من النهب والسلب والاعتداء علی ممتلكات وأعراض الناس؟
قالوا:
ـ لیس باستطاعتنا فعل أی شئ لمعالجة ما یجری فی المدینة، لان الوضع انفلت من أیدینا وحتی ممتلكات بعض رفاقنا من المحسوبين علينا وبعض عناصر الپارت أیضا نهبت وسرقت سیاراتهم!!

بعدها توجهنا الی طریق شقلاوة حیث زار الرفیق حیدر بیته التی كانت علی الطریق. بعد برهة من الوقت عاد ومعه شخص اخر، وعندها توجها الی دار قریبة من مسجد علاء الدین سجادی، حیث قاموا باخفاء سیارة الرفیق حیدر فی أحد البیوت هناك خوفاً من سرقتها، وثم توجهنا بالسیارتین الی شقلاوە. سیارة الرفیق حیدر كان فی المقدمة ونحن نتبعهم، وعندما وصلنا الی پیر مام قمنا بزیارة المكتب السیاسی للپارتی.


الجزء الحادی عشر


أثر دخول جیش الانفال الی أربیل علیّ تأثيراً نفسیاً وكانت آلامي ومشاعري لا توصف وعاد بي لاجواء جرائم الانفال وما حل بكردستان ومن فيها في نفس التوقيت من شهر آب عام 1988، ومع الممارسات الهمجیة الجديدة وإتساعها في مدينة أربيل من جديد یوم بعد یوم ومع تفشي مظاهر النهب والسلب والاعتداء علی المواطنین العزل من قبل مسلحی وقوات الپارتی.. ازدادت وتيرة معاناتي ولم أتمكن من السيطرة على نفسي، لذلك انفجرت مرتین بوجه رفاق الپارتی فی الفرع الثانی وأنتقدتهم بشدة، لكنهم كانوا یعرفونی من قبل جیدا، خاصة من الجولة الثانیة من الاقتتال الداخلی مع الاتحاد، حیث كانوا مطرودین من مقراتهم وألتجأووا الینا داخل مقر اللجنة المحلیة لمدینة أربیل.
وحول انتقاداتی لم أسمع مرة واحدة ردة فعل تسئ لي، بل كانوا یعتذرون ولم یقولوا أی شئ. وقبل أن نصل الی داخل المكتب السیاسی للپارتی فی پیرمام قال لی الرفیق حیدر:
ـ علیك أن تتكلم بهدوء هنا.
بعد أن دخلنا الی المكتب السیاسی إلتقینا بالسید سامی عبد الرحمن. قبل أن یتفوه الرفیق حیدر بكلمة، قال كاك سامی:
ـ هذا الوضع لا یدوم.. ومجئ الجیش العراقی الی داخل أربیل إجراء مؤقت.. وكل شئ سیعود كما كان علیه سابقا، نحن أصدقاء لكم وعلاقتنا مع البعض مهمة جداً بالنسبة لنا، وبعد أن تحدث الرفیق حیدر حول ما أصاب مقراتنا داخل أربیل جراء تلك العملیة التی قام بها الپارتی، لم نبقی كثیراً، وواصلنا الطريق نحو شقلاوة حيث مقر المكتب السیاسی للحزب الشیوعی العراقی.

وقبيل الظهر وصلنا وما لم يكن بالحسبان، حالة الإزدحام داخل المقر وخارجه بمجاميع من رفاق أربیل الذین تمكنوا من الهروب ونجوا بأرواحهم، والشئ الذی أدهشتنی رؤیة بعض الرفاق من المنضمين في التشكيلات والمنظمات السریة للحزب.. (قبل فترة قام الحزب بتشخیص بعض الرفاق وتنظیمهم فی المنظمات السریة، وكلهم كانوا معروفین أكثر من الجمیع، وكان شهریاً یصرف مبالغ هائلة لهم تحت هذا الاسم).

وبعد لقاءنا برفاق الحزب الشیوعی العراقی فی مقر شقلاوە، شعرت من خلال ملامح الوجوه وحالة الإضطراب السائدة التي تعكس قلقاً وخوفاً سرعان ما تم ربطها لعدم وجود اخبار عن مجموعة من رفاق الحزب الشیوعی العراقی ما زالوا في عداد المفقودین.. ولم يعثر لهم على أثر داخل المدینة.. كانوا قد قرروا العودة الی أربیل لمعرفة مصیر رفاقهم المحاصرين... والذی أتذكره جیداً كان الرفاق كل من أبو رنا، أبو عادل، دكتور سامی، ومجموعة من الرفاق الاعلام ضمن المفقودین او انهم اختفوا وانقطعت اخبارهم.

وللأستذكار فقط:
فی مساء 31 من آب صدر بیان استنكاری لهذه العملیة من قبل الرفاق فی الحزب الشیوعی العراقی، وبعد نشره.. وعن طریق لجنة قضاء شقلاوە للپارتی طلب سامی عبد الرحمن من الحزب اعادة النظر فی البیان. لكن جواب رفاق الحزب الشیوعی العراقی كالاتی: قولوا للسید سامی جراء عملیتكم أصبح مجموعة من رفاقنا مفقودین ولیس لهم أی أثر وبعض مقراتنا محتلة ومنهوبة ولجنة محلیة أربیل قصفت بالمدافع الثقیلة، ماذا یریدون بعد؟، بدلاً من أن تعتذروا من الحزب، تطلبون سحب بیاننا؟ انه لشئ عجیب وغریب.

وقبل عدوتنا الی أربیل طلب منی الرفیق كریم احمد أن أستفسر عن مصیر مجموعة من الرفاق اللجنة المركزیة للحزب الشیوعی الكوردستانی، لان مصیرهم كان مجهولاً انذاك. وكذلك قال لی:
ـ إذا عدت الی أربیل حاول ایجادهم وایصالهم الی هنا. وأنا قلت له:
ـ سأحاول تنفیذ الطلب.
وفی نفس الوقت وعن طریق رفیق سعدون اتفقنا علی تردد لاسكی واسم وموعد للاتصال بجهاز اللاسلكی لرفاق حدكا فی أربیل، وسأتصل بهم یومیاً وأزودهم بكل المعلومات من داخل أربیل.

بعد الظهر توجهنا.. أنا والرفیق حیدر والشهید سعدون ومجموعة أخری من الرفاق نحو مدینة أربیل، فی پیر مام زاروا المكتب السیاسی للپارتی، سألت أحدهم:
ـ نحن توجهنا الی أربیل.. أم للمكتب السیاسی للپارتی؟

ـ نعم سنتوجه الی أربیل.. لكن لسلامة رفاقنا نستلم من المكتب السیاسی للپارتی ورقة عدم تعرض للمناورة تحسباً من بطش قوات النظام الدكتاتوری. تعجبت من هذا الموقف، لان الفوضی منتشرة فی أربیل.. ولن تجد أحداً یقرأ او يهتم حتى بورقة المكتب السیاسی للپارتی أیضا، إذن ماذا نستفاد منها.. من ورقة الپارتی؟
عندما دخلنا الی المكتب السیاسی كان الراحل جوهر نامق جالساً هناك. أراد أن یكتب الورقة لكن بسبب قطع التیار الكهربائی تأخرنا لبرهة من الوقت، لأنهم كانوا یریدون أن تكون الورقة رسمیة.. وتكتب بآلة حاسبة ولیس بخط الید. كان علی ملامح جوهر نامفق عدم ارتیاح واضح من الوضع الناشئ، وتحدث لنا شفهياً بأنه غير راضي عن هذا العمل، وأصدر باسم پرلمان كوردستان بیاناً استنكاریاً، لانه كان رئیساً لپرلمان كوردستان انذاك.




الجزء الثاني عشر

عند المساء وصلنا الی ناحیة عينكاوە.. وفی بیت أحد الأصدقاء وجدنا أبو رنا.. فاسطحبناه معنا.. بعد ذلك توجهنا الی محلة شۆڕش حیث كانت مجموعة من رفاقنا قد اختفت فی بیوت للاصدقاء، والشئ الذی كان یقلقنی ویزعجنی جداً لم نعثر علی الرفاق أبو عادل والرفاق دكتور سامی خالد، ولا یعرف أحد عنهم شئ، بعد ذلك عاد الرفیق سعدون الی شقلاوە ونحن بقینا فی أربیل.

فی المساء نفسه وبرفقة حیدر ذهبنا الی بنایة محافظة أربیل، هناك إلتقینا بكاك نێچیرفان بارزانی، الذی كان فی زیارة خاصة للمحافظة، قال الرفیق حیدر له:
ـ أكثریة رفاقنا وعوائلهم یشتكون من الضغوطات والمداهمات علی بیوتم داخل أربیل وأطرافها من قبل قوات الپارتی ومسلحیه. وعلی سبیل المثال الی الان داهموا بیت الرفیق كریم احمد ثلاث مرات متتالیة وقاموا بتفتیشها (وكانت مجموعة من مسلحی الپارتی تبحث عن دكتور كریم كۆیی، ضنا منهم بأنه مختفی فی بیت الرفیق كریم أحمد). ووعد نێچیرفان حیدر بأن یضعوا حدا لهذه الممارسات التی لا تلیق بهم.

عند المساء عاد الرفیق حیدر بصحبة الرفیق هاوتا الی شقلاوە، وأنا مع الرفیق ویسی توجهنا الی مقر حدكا.

مساء وحتی وقت متأخر من اللیل دخلنا بمناقشات عدیدة مع كوادر الاتحاد الوطنی المتواجدون هناك، وطلبوا منی أن أبلغ عوائلهم وأقرابهم بأنهم سالمون. وأحد الرفاق البهدینانیین من الاتحاد كان بیت شقیقته فی أربیل وأخذت منه عنوان بیتها (والبیت كان علی طڕیق شقلاوە، مقابل مستشفی الولادة بالضبط) وكذلك أحد كوادر من خانقین كانت زوجته أبنة عمة الرفیق كمال شاكر. وزودنی مامۆستا سیف الدین بعنوان أحد الاشخاص، لكی أبلغه بخبر سلامته (والبیت كان فی منطقة كوران)، وفی الیوم التالی قمت بایصال ما طلب منی..
لكن أبنة عمة الرفیق كمال شاكر، كانت تلح وتطلب معرفة مكان زوجها لتقوم بزیارته! قلت لها أعذرنی لیس بأستطاعتی اعطاء معلومات أكثر.. لسلامتهم جمیعاً هو ليس بمفرده هناك، بل مع أشخاص اخرين، لكنهم فی مكان آمن لحد الآن اطمأني.

فی صباح الثانی من أیلول ذهبنا برفقة ویسی الی بیت المرحوم احمد عوینة، لم یكن فی البیت، قالوا لنا بأنه مختفی فی بیت أحد أقربائهم فی حی گێمەدێ، كان الرفیق ویسی یعرف العنوان، لذا ذهبنا الیه وكان الرفیق المرحوم احمد عوینة علی مأدبة الفطور، وبعد فترة قلیلة من المحادثات بیننا جاء معنا الی مقر حدكا وتركناه هناك.. ونحن توجهنا الی بیت الرفیق نوزاد مهندس.. خلف مستشفی الولادة.
بعد محاولات كثیرة والطرق المتكرر على الباب جاءت الینا زوجته، وعندما عرفتنا، فرحت كثیراً وبلغت نوزاد بأننا من رفاقه ولسنا غرباء، بعدها استعد لمرافقتنا والمغادرة معنا.. وقبل أن نبتعد كثیراً من بیته، رأینا زوجته تأشر بیدیها، عدنا إلیها قالت:
ـ ألا تأخذ معك السلاح، فقال لها
ـ نعم
أخذنا السلاح منها بعد ان لفته بكیسین، تبین بأنه كان مدفوناً تحت الارض، وأنا لكی ألطف الجو قلیلا قلت له ضاحكا:
ـ رفیق نوزاد لماذا أری سلاحك بهذا الشكل، ألیس السلاح للیوم الاسود؟، وهل یوجد یوم أسود وأرعن من هذا الیوم؟
ضحكنا كلنا، وتوجهنا الی مقر حدكا وبقی الرفیق نوزاد هناك، ونحن عدنا فوراً الی شقلاوە. وبعد تزوید الرفاق بالمعلومات الضروریة، عدنا مع الرفیق ویسی الی أربیل من جديد.

فی هذه الفترة كنا نصول ونجول داخل المدینة وخارجها لمعرفة مكان اختفاء الرفاق ونقلهم الی مقر حدكا أو الی مقر المكتب السیاسی للحزب الشیوعی العراقی فی شقلاوە. فی المساء ذهبت الی الفرع الثانی للپارتی.. هناك ألتقیت بمامۆستا سعد وفرنسو حریری، كنت علی علم بأن كلاهما وبأمر من مسعود بارزاني أصبحا مشرفین علی مدینة أربیل.. ویحاولان وضع حد لهذه الممارسات العدوانیة.. وعملیات النهب والسلب والاعتداءات المتكررة علی أعراض الناس من قبل مسلحی الپارتی علی مواطنی المدینة والمجمعات المجاورة لها.
وكانت مجموعة كبیرة من مواطنی أربیل متواجدة هناك.. لكی یشتكوا من تلك الممارسات والاعمال المشینة لقوات الپارتی. كنت جالسا معهم حينما جاء أحدهم مسرعا ومعه خبر يبدو مهماً، قال لهما بالحرف الواحد: ـ أن مجموعة من المفارز الخاصة من قدامى الجحوش والمرتزقة الذین هم الان مع الپارتی.. ينسقون مع استخبارات البعث.. ویقومون باختطاف المواطنین وتسلیمهم الی استخبارات النظام، والان القوا القبض علی مجموعة من أفراد الحركة الاسلامیة فی طریق الموصل!!

حقا كان خبراً صاعقاً ومؤلماً علی الجمیع.. عقد الوضع أكثر... لكنه ليس ببعيد عن تصوراتي وما وضعته من احتمالات سيئة فيذلك الوقت العصيب.. حقیقة كانت المدینة فی وضع مزری للغاية.. وتتحسس الخيانة والموت مع رائحة الدم المتناثر فی كافة ارجاء المدينة كأننا في أجواء المقابر الجماعية، حیث أعتقل وأسر العشرات من پێشمەرگە الاتحاد ولحد هذه اللحظة لم يعثر لهم على أثر.. ولا يعرف شيئ عن مصيرهم..
هل أعدموا؟ أم دفنوا احیاء تحت الأرض؟، أم تم أسریهم واخذتهم قوات النظام الى أماكن مجهولة؟
فی المقابل تبادر عناصر المفارز الخاصة من المنتسبين لحزب البعث.. وأغلبهم كانوا قبل انهیار الحركة الكردية عام 1975 من أعضاء الپارتی.. وشاركوا فی عملیات الانفال والتطهیر العرقی لبني جلدهم، وبعد الانتفاضة بدلا من محاسبتهم فتح الپارتی والاتحاد الاحضان لهم.. وها هم من جديد الآن یساعدون مخابرات النظام لاعتقال عشرات من أفراد المعارضة العراقیة وفاءً لاسیادهم المستبدون.. وقام النظام بعدها بأعدام هؤلاء المعارضون والمعتقلین لدیه فی بغداد.



الجزء الثالث عشر


فی الیوم الثانی من عملیة 31 من آب، حاصروا مقراً لمجموعة من المعارضة العراقیة بالقرب من قصر الشمال وتم القبض علی من فیه وارسالهم الی بغداد وتم اعدامهم هناك! وفی الیوم الرابع من هذه الخیانة العظمی تمّ تطویق مقر للتركمان فی شارع المظفریة مقابل فندق أربیل، وتم القبض علی من فیه وارسالهم بكوستر الی بغداد وتم اعدامهم هناك أیضا.
ومن بين صفوف الاحزاب التركمانیة حصراً تم القاء القبض علی (48) ممن كانوا أعضاء ومحسوبين على التنظيمات التركمانية وجرى تصفيتهم فی بغداد!
اما عدد الأفراد والعناصر المحسوبين على المؤتمر الوطني العراقی.. الذین أعتقلوا فكانوا أكثر من هذا العدد بكثير..
وشملت الإعتقالات أيضا مجاميع من المواطنين المدنيين العزل وتم إلقاء القبض علیهم بالرغم من عدم وجود اية صله لهم بالإتحاد الوطني الكردستاني.. ولم يكن لهم أی نشاط سياسي معه.. لكنهم أعدموا وأصبحوا ضمن قائمة ضحایا هذ ه الجریمة النكراء.. (وأحد الاشخاص الذین تم القاء القبض علیهم وتم اعدامه فی سجن أبو غریب، المواطن محمد احمد فی حی روناكی كان منتمیاً الی التیار الشیوعی).
وبشكل عام كانوا یعبثون بكل ما يقع تحت أیدیهم القذرة، خاصة المفارز الخاصة من قدامی البعثيين والجحوش الملتحقین بالپارتی.. حیث كانوا یثأرون لما لحق برفاقهم من مجرمي حزب البعث أیام الانتفاضة عام 1991.

وعندما كنت مع ماموستا سعد وفرنسو حریری، قلت لهم:
ـ نحن كما تعلمون بسبب وجود أزلام النظام لیس باستطاعتنا البقاء داخل مقراتنا وحتی فی بیوتنا، حیث قمنا بغلق مقر عينكاوە ولا یوجد فیه أحد، لكن هذا المقر أشیاء ومستلزمات لـ حدكا، وأكثریتها هی أشیاء وأدوات إذاعتهم، وإذا باستطاعتكم الحفاظ علیها، سنكون ممتنين لكم بشكل شخصي، ووعدونی بأنهم سوف یبلغون رفاقهم فی عينكاوە بحمایة مقر الحزب الشيوعي الكردستاني وما فیه.

لكن ومع الاسف الشدید فی الیوم الثانی.. أبلغنا رفاق عينكاوە بخبر نهب مقر الحزب وما فيه، ذهبت الی ماموستا سعد وفرنسو حریری من جديد.. وأبلغتهم بما جری لمقر الحزب من نهب وسلب، تعجب الاثنان من الخبر!
زرنا فی الصباح أنا والرفیق تیمور مسؤول حدكا فی أربیل مقر عينكاوە للحزب، لكی نجد طریقا لنقل ما تبقی من الاشیاء الثمینة للحزب المذكور. وكنا منشغلین بكیفیة نقل هذه الاشیاء وصل الی المقر كل من ماموستا سعد وفرنسۆ حریری معا، ووعدوا بمتابعة ما جری فی المقر من النهب وسرقة ممتلكات حدكا، والاشیاء الاخری.

وفی أحدی الایام المشؤومة لهذا الوضع المزری فی أربیل ألتقیت بالرفیق رزگار حساری أمام مقر اللجنة المحلیة للحزب وقال لی:
ـ من الیوم الذی قاموا باخلاء مقر المكتب السیاسی، لیس لمام قادر ولا للرفیق سركوت أی مكان یختفون فیه، والان هم عندی فی البیت معززون مكرمون، لكن أخاف من قوات الپارتی أن یقبضوا علیهما، إذا تستطیع نقلهم الی شقلاوة یكون أفضل لهم ولنا، وعدت الرفیق رزگار عندما أعود لشقلاوە سأتصل به وأنقلهم الی هناك (وكان الرفیق رزگار منزعج جدا لما یجری فی أربیل واعتبر وجود حزب البعث عار علی من جاء بهم، وإذا تریدون اصدار أی بیان حول الوضع، أنا مستعد أطبعه لكم). والرفیق سركوت كان شاباً یافعاً من جنوب العراق، وعند انسحاب الجیش العراقی عام 1991 من كوردستان، كان هو أحد الجنود الذین رفضوا الانسحاب مع الجیش والتحق باحد مقرات الحزب فی گرمیان وحمل السلاح فی صفوف پێشمەرگە الحزب. وكان سركوت أمياً لكنه انسان مبدأي وملتزم. ولهذا تم نقله من محلیة كركوك للحزب الی مقر المكتب السیاسی للحزب وبقی هناك، وكان محبوباً من قبل الجمیع، ولحد الان موجود فی مقر الناصریة للحزب.

بعد أیام قلائل ذهبت الی بیت الرفیق رزگار حساری فی حی بەلاشاوە، (كان انذاك مام قادر یشغل منصب سكرتیر لجنة المراقبة المركزیة للحزب)، قمت بنقله مع سركوت الی مقر حدكا أولا.. وبعد ذلك قمنا بنقلهما مع الرفاق الاخرین الی مقر الحزب فی شقلاوە.

فی تلك الایام كانت مجامیع عدة من مسلحی الپارتی داخل مدینة أربیل وضواحیها یقومون بشتم وضرب الناس عشوائیاً، وكذلك نهب وسلب ممتلكات الناس علانیة، وكل هذا اعتقد من أجل ترویع وارهاب الناس. وفی أحد الایام وصلنی خبر مفاده.. أن الاخ علی سیاسی تم القاء القبض علیه وقاموا بضربه واهانته، اتصلت به وألتقیت معه وأقترحت نقله الی مقر الحزب فی شقلاوە، لكنه رفض ذلك.. وقال لی: بأن وضعه الان لا بأس بها، وفی أی وقت إذا احتاج ذلك سوف یبلغنی بذلك. تلك الفترة كانت فترة مظلمة فی تأریخ مدینة أربیل وضواحیها لما یجری فیها من تجاوزات وضرب وشتم وما يرافقها من اهانات ضد المواطنین العزل، والكثیر منهم لیس لهم أیة علاقة بالاتحاد. وكانوا یرهبون الناس لیل نهار.

فی تلك الفترة أستفدنا كثیراً من مقر حدكا، وأستطیع القول بأنه لو لا هذا المقر.. لما كان باستطاعتنا المحافظة علی أرواح رفاقنا من بطش القوات المسلحة للپارتی وعناصر وأزلام وخدم البعث المتواجدون داخل أربیل، وكنا نحسبه حقيقة أحد مقراتنا، وعن طریق جهازهم اللاسلكی نتصل بقیادتنا فی شقلاوە، لذا أقول لهم شكراً لجهودكم.. وألف تحیة لكم لما أبدیتموه من أجلنا.. ولم نحس یوماً بأنكم كنتم منزعجین من تواجدنا بينكم في تلك الأيام الصعبة.

واثناء وجودي مساء إحد الأيام بمقر المكتب السیاسی للحزب الشیوعی العراقی بشقلاوە، رأیت أعضاء الپرلمان من كتلة الاتحاد الوطنی المعتقلین عند الپارتی.. برفقة أعضاء كتلة الپارتی فی پرلمان كوردستان أیضا.. جاؤا في زیارة خاصة الی مقر المكتب السیاسی للحزب الشيوعي العراقي، واستقبلهم الرفاق بحفاوة بالغة وكانت المحادثات والمناقشات علی ما جری ویجری فی كوردستان والنتائج التی حصلت بعد ادخال الجیش العراقی الی أربیل.
علق الشیخ احمد النقشبندی الذی أصبح بعدها وزیراً للأوقاف قاتلا:
ـ قبلنا أیضا ساعد اخرون حزب البعث.. لسنا نحن أول من قمنا بهذا الفعل، كان یقصد بتعلیقه الجبهة التی ابرمت بین الحزب الشیوعی وحزب البعث أیام السبعینیات.. وأيضا ما فعله اوك عام 1983 بالتنسيق مع النظام الدكتاتوري.. فقلت له:
ـ هل یجوز تسمیتكم بنفس التسمیة التی كنتم تسمون بها الشيوعيين انذاك؟ لأنهم كانوا یعتبرون قوات الحزب الشیوعی جحوشاً للنظام. وكان الرفیق كمال شاكر جالس بجانبی وقال لی:
ـ أتركهم.. هم ضیوف عندنا الآن.




الجزء الرابع عشر


فی شقلاوه ذهبت مساء أحد الأيام لألتقی بـ عماد مام علی.. الذی كان مع صلاح دلو، عضو اللجنة المركزیة للپارتی ومسؤول للفرع الثالث للپارتی، وعندما قام الاتحاد الوطنی فی أربیل بمهاجمة شیراتون كان صلاح فی الفرع الثانی للپارتی، وبعدها جاء الی مقر اللجنة المحلیة لحزبنا، وعندما استطاعت قوات الاتحاد الوطنی فرض سیطرتها علی شیراتون واحتلاله، قمنا بنقلهم هو ومامۆستا سعد الی المكتب السیاسی، ومن هناك الی مقر الحركة الاسلامیة وعن طریقهم تم نقلهم الی شقلاوە)، جائنی الاخ عماد وقال لی: أن كاك صلاح یسأل عنك.. ویرید أن یراك. وألح عماد بأن اذهب معه.. مؤكداً بیته لیس ببعید.

هكذا زرت صلاح، استقبلنی الرجل بحفاوة وقال لی:
ـ إذا تحتاجون أی مساعدة، أنا شخصیا مستعد لتنفیذها، لاننی مستحیل أنسی شجاعتكم ومواقفكم المشرفة تجاهنا.. ومساعداتكم لنا عندما كنا فی أربیل. (كان علی وعده، لانه عندما انسحبت قوات الاتحاد الوطنی من السلیمانیة ودخلت قوات الپارتی الی المدینة، قام صلاح بزیارة مقر حزبنا هناك). وأنا شكرته..
بعد ذلك دارت مناقشة بیننا.. وكان دخول الجیش العراقی الى اربيل الحصة الأكبر من مناقشاتنا حينها. وفی تلك الجلسة كنت أستنكر بشدة ما فعله الپارتی مع النظام الصدامی، قلت له: حسب رأی لو كان الپارتی بقی تحت سیطرته منطقة بارزان فقط، لیس لهاالحق أن یبادر باستقدام الجيش العراقي..
هذه الفعلة وهذا الخطأ الفادح وهذا التعاون مع الجیش العراقی لاحتلال مدینة أربیل لا يغتفر.. شعرت أن القسم الاكبر من الذین متواجدون معه قد انزعجوا مما قلته علانیة، والبعض منهم ترك المكان، لكن صلاح كان یسمعنی ولم یبدر منه أی موقف غیر عادی! أودعتهم وعدنا أنا وعماد الی مقر الحزب فی شقلاوە.

فی تلك الفترة ايضا، أی منذ دخول الجیش العراقی الی أربیل لم أذهب الی بیتی، الا نادراً، كنت أبقی فی مقر حدكا، وأخرج صباحاً لأعود الیه فی المساء. فی الثالث من أیلول بعد العصر كنا داخل مقر لجنة محلیة أربیل لحزبنا، طلب حیدر منی ومن سروود، أن نتحدث معا حول موضوع خاص، قال لنا حیدر فیلی:
ـ ممتاز الحیدری طلب من الحزب ـ إذا كان باستطاعتنا ـ مساعدة أبو بكر خوشناو المختفی في اربيل ووضعه في مكان آمن أو نقله عن خلالنا الی الحدود القریبة لقوات الاتحاد الوطني الكردستاني.

كان كاك أبو بكر خوشناو انذاك مسؤلا للفرع الثالث للاتحاد مع عدنان المفتی. عندما وقعت الاحداث المؤلمة لیوم 31 من آب، لم یجد كاك أبوبكر خوشناو أی مكان یختفی فیه، لذا توجه لدار كاك ممتاز الحیدری صدیقه المقرب، وعندما قام مسعود البارزاني بتهدید كل من یساعد أو یخفی فی داره أو أی مكان شخص من الاتحاد سوف لن یدعه حراً وسيحاسبه ویعاقبه، خشي ممتاز من هذا الوعيد، كنت علی علم بأن ممتاز قد زار مقر علاقات حدكا قبل یوم واحد لایجاد مكان ملائم لكاك أبو بكر خوشناو، لكن دون جدوی، لان مقر حدكا كان مزدحماً للغایة فی تلك الایام، وهم لا یریدون مجيء أشخاص اخرین، خوفاً من أن ینكشف وجود البقیة الباقیة عندهم، وهم لا یریدون استقبال أشخاص كانوا من قبل عند الاخرین.

لذلك أنا ومع الرفیق سرود توجهنا لدار ممتاز والتقینا بالمرحوم أبو بكر خوشناو، طلب منا، ان نتحدث معه لمساعدته بنقله الی مكان امن، أتذكر جیدا عندما قال:
ـ أنظر نحن الاتحاد كنا لنا السلطة المطلقة فی أربیل، والان لیس لدینا مكان سری واحد نختبئ به فی یوم كهذا، لكننی متأكد بأنكم لست مثلنا وعندكم مثل هذه البیوت السریة للضرورة، وعدناه بأننا سنساعده بصدق، كنا علی وعدنا، لان بعد أیام قلائل تم نقله عن طریق بیستانة الی المناطق التی يسیطر عليها الاتحاد.

مساءا عدت لمقر حدكا، هناك التقیت بابا علی عضو المكتب السیاسی لحدكا، وبقرار من المكتب السیاسی جاء لمساعدة كاك تیمور فی مقرهم بأربیل، استقبلنی بحفاوة ونقل لی:
ـ تحیات كاك مصطفی هجری للحزب، ونقل لی ما أمره به مصطفی بالنص: (متی تحتاجوننا، مقرنا فی كویە مفتوح لكم جمیعاً وخاصة قیادة الحزب، ولكم ما تطلبون، ومستعدون أن نأتی الی أربیل لنقلهم الی مقراتنا فی كویە)..
بحق كان موقفاً مشرفاً من حدكا، وكان الاستاذ عبد الله حسن زادە انذاك سكرتیراً لحدكا فی خارج الوطن، وخول مصطفی هجری الذی كان نائبا للاستاذ زادە انذاك لمساعدة الحزب، فی یوم التالی عندما ذهبت الی شقلاوە نقلت رسالة حدكا الی الرفیق كریم احمد، وهو بدوره قال لی: حقا لهم موقف مشرف، لذا علیك نقل تحیاتنا وقل لهم عندما نحتاجكم سوف نعلمكم بذلك.


الجزء الخامس عشر

فی المساء نفسه بعد جلسة قصیرة مع بابا علی، كما سیبقها من لقاءات اخری.. وعن طریق السلالم ذهبت للطابق الثانی، أردت الدخول الی الغرفة التی فيها كوادر الاتحاد الوطنی، وعندما فتحت الباب تعجبت من هذا التغیر وهذا الازدحام فی الغرفة.. حیث يتواجد مع من سبقه الراحل كمال فؤاد والراحل عادل مراد وماموستا جمال عبدول الوزیر السابق لوزارە الثقافة، وعندما رأیتهم وأنا علی الباب سلمت علیهم وأعتذرت منهم لما فعلته لانني لم اعلم بوجودهم هناك، واغلقت الباب ونزلت الی الطابق الارضی (كان الراحل كما فؤاد عضوا في المكتب السیاسی ورئیس الكتلة الپرلمانیة للاتحاد. والراحل عادل مراد مسؤولا للاعلام وجمال كان محافظا سابقا للسلیمانیة ووزیر سابق لوزارة الثقافة).

قلت مع نفسی ماذا فعلت! لماذا ذهبت هكذا الی تلك الغرفة؟ كنت قلقاً ومتوتراً جداً لما حدث، لأن مشاهدتهم بهذا الشكل فی هذا المقر وفی هذا الوقت العصیب، سوف یجلب لی مشاكل كثیرة واشاعات جمة، إذا أصابهم سوء حتی ولو لم أكن طرفاً فيها. عند وصولی للطابق الأرضی، نزل ورائی مامۆستا سیف الدین، ووقف أمام كاك بابە علی ویده الیسری تحت ربطة سرواله وهو متوتر نوعاً ما وقال: والان نحن ماذا نفعل؟ كاك دلشاد دخل الغرفة الرفاق وهو یومیاً یخرج من المقر ویعود مساءا!!
حقا ندمت على موقفی هذا، علما إننی لم أكن أعرف بمجئ هؤلاء المسؤولین الی مقر حدكا، وكنت أفكر وأقول مع نفسی ماذا لو حدث حادث وكشف أمرهم، كنت ألوم نفسی، لذا قلت لماموستا سیف الدین، أخی العزیز منذ هذه اللحظة ومعی سلاحی أدخل الی غرفتكم ولن أخرج منها الا معكم!! وقال كاك بابە علی لماموستا سیف الدین:
ـ أنت أذهب لرفاقك، بعد قلیل سنأتی الیكم. بعد عودة ماموستا سیف الدین الی غرفتهم، سألنی كاك باباعلی ماذا جری؟ وضحت له ما حصل.. كنت متأسفاً علی ما حدث معی، قال لی:
ـ تعال معی، ذهبنا الی غرفتهم. بدأ باباعلی بالحدیث ووجهة كلامه الیهم جمیعا وقال:
ـ اعتقد أنكم لستم واثقین من رفیق دڵشاد، قالوا
ـ نعم. قال بابا علی بصوت حازم بثقة عالية.. نحن نثق بشكل مطلق به، لعلمكم نحن فی حدكا نعتبره أحد أعضاء قیادة حزبنا.. ونتعامل معه بهذا الشكل. وبعد حدیث باباعلی اطمأنوا قلیلا وهدؤا. وهم كانوا علی حق، لان كل من كمال فؤاد وعادل مراد وجمال عبدول أراهم لأول مرة.. ولا نعرف بعضنا بعضا.

فی المساء بدأ مناقشة بيننااستمرت حتى منتصف اللیل، كانوا فی إنتظار رد فعل قوات امریكا ضد الجیش العراقی. وقسم منهم كان یشبه العملیة بعام 1966 لكن بتبدیل الادوار (الپارتی أصبح مكان جناح المكتب السیاسی والاتحاد فی مكان المكتب العسكری). لحد الان أتذكر ما قاله الراحل عادل مراد:
ـ أیام السبت والاحد لا یوجد دوام رسمی، إنتظروا ماذا ستفعل الصحف بهم وكیف یهاجمونهم، كذلك قوات حمایة خط 36 سوف تلجأ لاعطاءقوات حزب البعث والپارتی درساً جديداً لن ینسوه مدی حیاتهم. بعد ذلك یومیاً عندما أعود مساء الی مقر حدكا، كنت أذهب إلیهم ونتحدث حتى منتصف اللیل عما یدور حول المقر وما یجری خارجه في مدينة أربيل المستباحة.

فی إحدی الأمسیات عدت متأخراً الی مقر حدكا، وعند دخولی المقر كان تیمور واقفاً فی شرفة غرفته ینتظرنی، بعد التحیة سألني:
ـ لماذا تأخرت هكذا؟ الجماعة (یقصد رفاق الاتحاد) منذ المساء أكثر من أربع مرات نزلوا وسألوا عنك.. یستفسرون.. لماذا لم یعد الینا! قال تیمور مازحاً: فی البدایة كنتم تخشون منه.. والان لن ترتاحوا بدونه عجبا! وقف أمامی وقال لی: إذهب إلیهم لكی لا ینزلون مرة أخری ویسألون عنك!

بعد تهدئة الوضع فی أربیل قام حدكا بنقل جمیع رفاق الاتحاد الی مقرهم الرئیسی فی كۆیە، الی أن عادت قوات الاتحاد من الحدود الی كویە، حینئذ التحقوا برفاقهم! فی أحد الایام كان الرفیق حیدر فیلی ینوی زیارة عادل مراد، لذا ذهبنا معاً الى مقر حدكا فی أربیل، لكن الرفاق فی حدكا قالوا لنا بأنهم قد غادروا ووصلوا أماكن أخرى آمنة.
الحق یقال، رفاق الحدكا أخلصوا وجاهدوا للحفاظ علی أرواح مسؤولی الاتحاد، مع إنهم قبل أسابیع ساعدوا قوات الپاسداران للهجوم علی حدكا فی مدینة كۆیە! كذلك بعد غلق إذاعة حدكا ونتیجة الضغوطات من قبل الاتحاد، اضطر حدكا الی نقل إذاعته الی كركوك.. وكانت تحت سیطرة النظام، مع هذا ومن إذاعتهم أذاعوا مساء یوم 31 من اب بیاناً استنكاریاً شاجباً دخول الجیش العراقی مدینة أربیل!


الجزء السادس عشر


فی الرابع من سیبتمبر/أیلول أصبحت المدینة هادئة لحد ما، لكن الاشاعات تقول: عناصر وازلام الاجهزة الامنیة البعثیة یسرحون ویمرحون داخل أربیل.. ومن خلال المفارز الخاصة.. وكلهم للأسف أعضاء فی صفوف الپارتی یؤدون أدوارهم بإخلاص واندفاع للنظام الدكتاتوری.

وفی الصباح قمنا بزیارة لجنة محلیة أربیل.. وجدنا الحراس مترابضین في المقر.. لكنهم كانوا يتحسبون لبطش أجهزة النظام. لذلك ذهبنا في نفس الیوم مع الرفیق احمد شاهین للقاء بمسؤولی الپارتی فی بنایة المحافظة، لكن لم نتمكن من ایجاد معالجة سریعة لوضعهم.. وضمان حمایة المقر..

مع وصولنا لبنایة المحافظة استقبلنا المرحوم مهدی خوشناو بحرارة.. أبلغناه أننا نرید اللقاء مع المرحومین مامۆستا سعد وفرنسو حریری، ذهب مهدی خۆشناو لابلاغهم.. لكنه عاد وقال لنا: أنهم فی اجتماع وطلبوا انتظارنا لبعض الوقت.. وسوف يلتقون بعد حين.. رددت عليه بعصبية: أی إنتظار؟! ننتظر حتی یحتل مقرنا من قبل أزلام البعث؟!
اعتذر المرحوم مهدی خوشناو ووعدنا بأنه سوف یتحدث معهم حول هذا الموضوع بالذات، فی الوقت كنا علی وشك ترك بنایة المحافظة، علمنا باعتقال الدكتور فؤاد.. وخبر إعتقاله إنتشر كالنار فی الهشیم داخل المحافظة وخارجها.

وبعد فترة من أحداث 31 من اب زرنا أنا والمرحوم ملا حسن المناضل جلیل گادانی فی مقر حدكا فی أربیل، للاستفسار عن صحته بعد إجراء عملیة جراحیة له، وحينها كان المرحوم مهدی خۆشناو نائباً لمحافظ أربیل موجوداً هناك مع شیخڵڵا..
وفی هذه الجلسة تحدث عن ذلك الیوم الذی كنا داخل بنایة المحافظة وقال لی: هل تتذكر ذلك الیوم.. كنت عصبیاً جداً.. وهل تعرف كنت ضد هذه العملیة وأي شكل من اشكال التنسيق مع قوات النظام.

قبل أن تنسحب قوات البعث الی خارج مدینة أربیل. كان أهالی المدینة یحسبون ألف حساب لها، خوفاً من إرتكابهم جرائم بشعة بحق الابریاء. خاصة ضد ابناء العوائل الذین كان لهم دوراً فی انتفاضة 1991، وكذلك خوفاً من فقدان تلك الحریة التی حصلوا علیها نتیجة الانتفاضة.. وبدخول القوات البعثیة تيقنوا انهم لن یبقوا احراراً بحكم اختبارهم لاستبداد النظام الدكتاتوري لعقود.. وسيجبرون بعدها أن یعیشوا في ضل الظلم والاستبداد.

والخوف زاد أكثر عندما قال مسعود البارزاني فی مؤتمره الصحفی بأن للجیش العراقی الحق في الوصول الی الحدود أیضا، حیث أكد:
للجیش البعثی الحق بحمایة حدود العراق من أقصاها الی أقصاها! لكن بعد بضعة أیام خرج الجیش العراقی من داخل المدینة، وبقوا يتمركزون في بعض المواقع والمناطق الواقعة بین قوشتپە وپردێ، لغاية اسقاط النظام فی التاسع من نیسان 2003.

لا بد من التأكيد إن عدداً كبیراً من أزلام السلطة الذین تركوا كوردستان بعد الانتفاضة.. كانوا من المخلصين للنظام البعثی الدكتاتوري، وتمكنوا من العوادة الی أربیل.. وبدأوا بتهدید أولئك الذین كان لهم دور بارزاً ومؤثراً فی الانتفاضة..
وفی تلك الایام أیضا أبلغنی الرفاق بأنه لنا اجتماع حزبی فی بیت الرفیق سرود، خلف الحدید والخشب. والاجتماع كان من أجل تقییم الاعمال والمستجدات والاحداث التی حصلت فی هذه الفترة، وفی الاجتماع الذي حضره مامۆستا كمال زهاوی أیضا كمسؤول التنظیم المركزی للحزب انذاك، لكنه ترك الاجتماع بعد دقائق من حضوره بحجة إن له مهمة اخرى علیه انجازها، وحتی تلك اللحظة لم يكن لدینا رؤیة واضحة لطبيعة نشاطاتنا المستقبلیة، وانتهى الاجتماع قبل ظهر ذلك الیوم.

بعد الاجتماع عدت الی مقر علاقات حدكا، لكی أعود الی شقلاوە. قال لی بابا علی:
ـ قبل عودتك الینا، جاءنا شخص باسم كمال زهاوی وقال بأنه عضو للمكتب السیاسی للحزب الشیوعی الكوردستانی، وطلب المساعدة لكی نقوم بنقله الی السلیمانیة! وقلت له بأن الوضع الان لیس علی ما یرام، بسبب غلق الطریق من قبل قوات النظام، لكن لماذا لم یبلغنا الرفیق دلشاد بخبر مجیئك إلینا. إذن كانت المهمة التی ذهب من أجلها مامۆستا كمال وترك الاجتماع هی زیارته الی حدكا والطلب منهم بایجاد طریقة لنقله من أربیل الی السلیمانیة فی الوقت الذی یعرف جیداً بأننی لدی علاقة متینة معهم وأذهب الیهم بشكل مستمر وحتی أبقی عندهم.




الجزء السابع عشر


بعد انسحاب قوات النظام من أربیل وتمركز قواتهم العسكرية في ثكنات خلف قوشتپة علی طریق بیستانة، أصبح الوضع هادئاً نسبیاً، لكن التهدیدات وارهاب وممارسات مسلحی الپارتی استمرت وتوسعت ضد مواطنی أربیل وضواحیها.. ترهیب الناس أصبح ممارسة يومية وظاهرة واسعة وتشددوا للغایة مع الذین كانوا یوماً من أصدقاء أو أنصار ومؤیدی الاتحاد الوطني.. وجرت حالات اعتقال وتعذيب بشكل وحشی! وقسم من الذین أعتقلوا تبرأوا من الاتحاد وأطلق سراحهم. والشخص الذی كان یطلق سراحه، إذا وثق بك كان یحدثك عن تفاصيل التعذیب داخل السجون والمعتقلات التي افتتحتها قوات حدك واخذت تزج الناس بها.. وستجد نفسك تقارن بينها وبين ما كنت تعرفه وتسمعه من ممارسات بشعة عن أجهزة الامن والسلطة البعثیة ووسائل تعذیبهم الناس.. لان الممارسات الوحشیة من قبل هؤلاء لیس لها مثیل الا بما كنا نسمعه ونعيشه في العهد البعثي المقبور..

بالإضافة الی هذا.. قام بعض مسلحی الپارتی بالثأر من الاشخاص الذین كان لهم عداوة سابقة معهم، وأطلقوا العنان لنوازعهم العدوانية الوحشية ونفذوا حالات قتل بشعة في اجواء المدینة وضواحیها، وكانت أیادیهم مفتوحة لفعل كل شئ یریدونه دون أی رد او مانع.

بعد ذلك قامت قوات الپارتی بماهجمة قوات الاتحاد عن طریق كویە واحتلت مواقعهم، وتقدمت نحو السلیمانیة ورانیة وقلعة دزە.. وانسحبت قوات الاتحاد الوطنی نحو الحدود.. انذاك كان كاك شەپۆل مسؤول الحزب الشيوعي فی رانیە قد قرر الانسحاب مع الاتحاد نحو الحدود، وعن طریق اللاسلكی أتصل برفاق شقلاوە وقال لهم بأنه فتح مقراً علی الحدود.

عندما وصل هذا الخبر الی الحزب كنا فی المكتب السیاسی للحزب الشیوعی العراقی فی شقلاوە. ومع قراءة البرقیة قام الرفیق كمال شاكر علی كرسیه وقال ضاحكاً.. وبسخریة وهو غاضب فی داخله: بسرعة أرسلوا لهذا ....... رسالة وقولوا له یعود بسرعة، من قال له بأن یفتح مقرا للحزب علی الحدود؟ وعن طریق اللاسلكی أبلغ الرفیق شەپۆل بالعودة والبقاء في مقره داخل المدينه..

بعد اخلاء مدینة السلیمانیة كاملة من قوات الاتحاد، تقدمت قوات الپارتی بدون مناوشات ودخلت الی السلیمانیة والمناطق التابعة لها، ولم یصیب مقراتنا فی گرمیان والسلیمانیة أیة أضرار كما كان الحال في اربيل، فقط فی بدایة الامر كان البعض من قوات الپارتی يبادرون بالتحرش بمقراتنا فی چمچمال وكلار.

فی تلك الفترة كلفني المكتب السیاسی، بمهمة اعادة تنظیم المنظمات الجماهیریة للحزب ومنها النساء والمعلمین والعمال والطلبة والشباب، لكی یؤدون أدوارهم فی هذا الوضع الجدید. وفی تلك الفترة كنت أستعمل التكسی داخل أربیل للحركة والتنقل، وكنت خارج مقرات الحزب ألتقی برفاق المنظمات الجماهیریة حرصا علی سلامتهم.
بدت علی ملامح أكثریة الرفاق والرفيقات عدم الارتیاح من هذا الوضع الشاذ داخل أربیل الناجم من طبيعة علاقة الپارتی مع النظام، ووضع المكتب السیاسی توجيهات لبذل المزيد من الجهود والمحاولات مع الرفاق الحزبیین والنشاط بين الجماهیر لتهدئة الوضع وتخفيف الاعباء النفسیة السائدة..
وتحديد وسائل العمل الملائمة مع الوضع الجديد والمنسجمة مع ما مجری الأوضاع فی الاقلیم.. وتدارس سبل المشاركة مع الپارتی فی الادارة الجدیدة ومعالجة الفراغ الحاصل من خروج الاتحاد!

والخطوة الاولی نحو هذه الأهداف، كانت اصدار بیان مشترك مع الحزب العمل والحركة الاشوریة. ومحتوی البیان كان توجیه رسالة الی الپارتی مفادها اننا مستعدون للتحالف والمشاركة معكم فی الادارة، وفی الاخیر شارك الاحزاب الثلاثة فی الادارة الجدیدة.. بعد أحداث 31 من اب ومشاركتهم كانت بوزیر لكل واحد منهم فی الحكومة الجدیدة للپارتی!

فی تلك الفترة كنا نعمل مع المنظمات الجماهیریة لبث الروح فيها حسب قرارات الحزب بخصوص احياء دور المنظمات الجماهیریة والمشاركة والانخراط الی النقابات والاتحادات العمالیة والطلابیة والنسائیة التی تأسست أیام الجبهة الكوردستانیة والعمل المشترك مع بقية القوى الحية في كردستان، وكان المسیطر فیها بدایة المنظمات التابعة الی الاتحاد الوطنی، وبعد أحداث 31 من آب سیطر ممثلوا الپارتی علی تلك المنظمات بأكملها.. وأصبح ممثلوا المنظمات الجماهیریة السابقون لا وجود لهم وعموماً كان الافراد والاعضاء المتواجدون فيها من المستفيدين مادیاً ولم يكن لهم مشكلة مع حالة التبدل في هوية هذه المنظمات ومن يسيرها طالما بقيت الأمور تسير من دون مشاكل بالنسبة لما كانوا يحصلون عليه شهريا من رواتب ومنح..

وفی مساء أحد الأيام ألتقیت بالرفیق خسرو أمام مقر اللجنة المحلیة لاربیل وكان ممثلا للحزب فی نقابة العمال. قال لي: جاءت من المكتب السیاسی برقیة تطلب من ممثلی العمال والفلاحین والمعلمین العودة للالتحاق بمناصبهم فی نقابة العمال واتحاد الفلاحین واتحاد المعلمین! وعند سماعی للخبر تعجبت كثیراً، وفهمت انهم یریدون المشاركة فی الكابینة الجدیدة لحكومة الپارتی، لان هذا القرار لم یصدر من لجنة العمل الجماهیری للحزب، وقام بإصدار التوجيه شخصان داخل المكتب السیاسی، وهما من أرسل هذا القرار الی اللجان المحلیة للتنفيذ والالتزام!


الجزء الثامن عشر


حسب رؤیتی وقراءتی للوضع الراهن انذاك، كان الپارتی یعرف جیدا بأن تنسيقه وتحالفه مع البعث لیس بالامر الهین، ولا یوجد حزب أو قوی كوردستانیة لها استعداد بعد ما جری من أحداث 31 من اب التحالف والمشاركة معه (فی ذلك الوقت كان جرح الانفال واستخدام الاسلحة الكیمیاویة فی هەڵەبجە والمناطق الاخری فی كوردستان من قبل النظام البعثی فی أوجه، ولم تنسی جماهیر كوردستان الجریحة ما حصل من سلسلة جرائم كبرى في عهد النظام البعثي الدكتاتوری الاستبدادی).

ولم یكن أحد یعتقد او يتصور أبداً بعد كل ما قام به النظام البعثی، إن أی حزب له استعداد للعمل المشترك معه. لهذا السبب حتی قبل أن یبادر ليوم الخیانة في 31 من آب مع النظام.. لم یفتح هذا الموضوع مع أیة جهة أو قوی كوردستانیة.. لهذا شاهدنا قواته لم تتساهل مع أی مقر أو مواطن من الاحزاب الكوردستانیة الاخری في بدایة الامر.. ولم ینجو من أعمالهم العدوانیة أحد او طرف سياسي، ما عدا مقرات الجبهة التركمانیة ومقر تلفزیونهم مقابل المحافظة في أربیل وبقي كما هو دون أن یمسه أحد، لا بل حمته قوات الپارتی.
وبعد هجمات الپارتی علی قوات الاتحاد فی مناطق كویە والسلیمانیة وانسحاب الاخیر من تلك المناطق، أخذت القوات المتبقیة للپارتی تنتشر داخل المدینة وفي أزقتها وبدأت تلاحق ما تبقی من الذین یشك بأنهم من مناصری أو مؤدیدی الاتحاد او راضين لهذا السلوك السياسي المشين..

وكنا نعود من شقلاوە الی أربیل وفی حی بستەپیازە، قال أحد رفاقنا الموجودین معنا بأن هذا اللاندكروز الموجود امامنا يعود للجنة علاقات الحزب الشیوعی العراقی التی كانت بید الرفیق محسن.. وعلی الفور ذهبنا الیهم وقلنا لهم هذه سیارتنا.. وعلیكم اعادتها الینا فورا، من ملابسهم ولهجتهم عرفنا بأنهم من أهالی منطقة زرارەتی.
أنتشر مسلحیهم ونحن علی استعداد لمقابلهم، قال مسؤولهم هذه السیارة حصلنا علیها فی المعركة حیث كان تطلق النار علی دبابات الحرس الجمهوری، ونحن قلنا لهم هذا غیر صحیح، هذه سیارتنا وعلیكم اعادتها الینا، وهو یعید ما یقوله بأنهم حصلوا علیها أثناء المعركە ولن یعیدوها، وقلت لهم:
ـ لو فرضنا بأنها أطلق النار علی دبابات الحرس الجمهوری. ولیس علیكم إذن لماذا تدافعون عن الحرس الجمهوری؟، هل أنتم جحوش النظام حتی تدافعون عنهم وتنهبون ممتلكات الناس والاحزاب، وهو یعید ما یقوله، ولم نستطیع استعادتها!
هذا اللاندگروز هو السیارة الوحیدة لرفاق الحزب الشیوعی العراقی فی أربیل.. ولیس بأمكانهم حتی إنقاذ سیارتهم وتركوها! وبعد ذلك حاول الرفاق فی الحزب الشیوعی العراقی استعادتها، وفی احدی الزیارات لمسعود البارزاني طلبوا اعادتها.. دون جدوی.. ولحد اليوم لم یحصلوا علیها!

كنت فی شقلاوە حينما بلغت بقرار الحزب لاجتماع مشترك بین الحزبین الشیوعیین الكوردستانی والعراقی بمشاركة جمیع الرفاق الموجودین فی شقلاوە، والاجتماع كان متخصصا لمناقشة مشاركة الحزب فی الكابینة الجدیدە مع الپارتی! وفی الاجتماع صوت اكثریة الرفاق لعدم مشاركة الحزب فی الوضع الراهن فی الحكومة الجدیدة مع الپارتی، وعدد الذین كانوا مع المشاركة أقل.. وتبریرهم للمشاركة، بأن قواعد الپارتی غیر راضیة بالعلاقة مع البعث وعلینا المشاركة معهم لابعاد الپارتی عن التحالف مع حزب البعث (عجبا، إذا كان الحزب لیس باستطاعته الدفاع عن نفسه وعن مقراته، فكیف له هذا التأثیر المباشر علی الپارتی واستبعاده عن البعث بهذه السهولة، فی حین كان تحالف الپارتی مع حزب البعث له علاقة بمنطق توازن القوی بین الحزبین الكوردیین، ولیس شیئا اخرا).

فی جمیع الاوقات كانت قیادة الحزب تبرر التحالف مع الاخرین، كما قام به الحزب الشیوعی بعد انقلاب البعث فی 1963 حیث أنضوی تحت الحركة المسلحة وضد قانون الاصلاح الزراعی، وكان یعلم جیدا بأن تلك الحركة، كانت حركة رجعیة وهی رد فعل للقوی الرجعیة للاغوات والاقطاعیین وبمساندة ومعانقة شاه ایران ضد القوانین المدنیة وضد قانون الاصلاح الزراعی لثورة تموز! وكذلك إنضمامهم الی الجبهة مع البعث ولهم حججهم وتبریراتهم الضعیفة دوما لما یقومون به ویفعلون، وكلهم كانوا یعرفون قساوة وجبروت عقلیة البعث ومواقفه اللاانسانیة ضد الشیوعیین والوطنیین.

وعندما جاء دوری للمشاركة فی الحدیث، قلت:
ـ لیس بامكاننا التأثیر علی الپارتی وابعاده عن النظام البعثی، هذا شعار فقط لتمشیة وتبریر ما تریدون القیام به وتوجيه الشیوعیین للمشاركة في الإدارة الجديدة لاربيل.. وهذع ليست سياسة صائبة.. ولا ینتظر من قواعد الپارتی الضغط علی قیادة حزبهم والعودة عن نهج التحالف والتنسيق مع البعث، لان أكثریة قواعد الپارتی الان هم من البعثیین القدامی وأزلام المؤسسات الأمنیة، والبقیة الباقیة مستعدون أن یمدوا أیدیهم الی الشیطان من أجل السیطرة علی الاتحاد (وبالفعل، لم نری ونسمع ولا همسة واحدة من قواعد الپارتی أو أي محاولة إبداء اراء علنیة ضد سياسة التنسيق والتحالف مع سلطة البعث.

وبالعكس من ذلك حتی مثقفیهم یصنعون الاف التبریرات الفارغة لهذا التحالف. والآخرون لم يكن لهم راي اساساً وكانوا ابواق لترديد ما يسمعونه من قادتهم وكوادرهم لهذا التحالف مع النظام الدموی، ولكن عندما قام الاتحاد بمساعدة قوات الپاسداران بضرب مقرات حدكا، بادر 30 من كوادر الاتحاد باصدار بیان استنكاری لهذه الخطوة التی قامت بها قیادة الاتحاد، حیث كان یقرأ ویذاع من إذاعة حدكا فی كركوك انذاك)


الجزء التاسع عشر


بعد إبداء ارائی هذه قال كمال شاكر، الذی كان یستمع فقط وحتی هذه اللحظة لم یتفوه بكلمة، وكان ینظر ویتمعن بما یقوله الرفاق، وافتهم جیدا منهم ماذا یریدون، لذا لیس من مصلحته أن یصوتوا فی تلك اللحظة عن الموضوع، لهذا بادر بالحدیث وقال: هذا الموضوع لیس له أیة علاقة بالرفاق فی الحزب الشیوعی العراقی، وعلینا منقاشته فی اللجنة المركزیة وإقراره هناك، والمشرف علی الاجتماع كان سكرتير الحزب حميد مجيد موسى.. أبو داود (وهو واحد من الذین یریدون مشاركة الحزب الشیوعی الكوردستانی فی الحكومة الجدیدة، واستمرار تمویل الحزب من قبل الپارتی)، وافق علی اقتراح كمال علی الفور وإنهى الاجتماع! فی حین كان الاجتماع قد انعقد من أجل اتخاذ قرار بالمشاركة أو عدم مشاركة الحزب الشیوعی الكوردستانی فی الادارة الجدیدة بعد 31 من آب!

طبق الاصل، كأنها اعادة لمسرحیة مشاركة الحزب الشیوعی العراقی فی الجبهة مع حزب البعث، لان فی تلك الفترة كان الخلاف قائم بین قیادة الحزب للمشاركة مع البعث أو عدم المشاركة، وعند اجتماع اللجنة المركزیة باشراف الراحل عزیز محمد، وعند التصویت علی القرار، من بین 13 عضوا مشاركا فی الاجتماع، وصوت 7 أعضاء لعدم المشاركة والانضمام الی الجبهة، والطرف الثانی ومعهم الرفیق عزیز صوتوا للمشاركة، وعندما رأی عزیز محمد أن القرار سوف یفشل، طلب استراحة، وأثناء الاستراحة طلب من أبو احمد باني خيلاني.. أبو سرباز أن يبدل موقفه ویصوت للمشاركة.. وبعد الاستراحة طلب من المشاركین التصویت مجدداً علی موضوع المشاركة فی الجبهة واعادة التصویت علیه، وهذا مخالف للنظام الداخلی للحزب، لان أی موضوع أو قرار صوت علیه لا یجوز التصویت علیه ثانيةوفقاً للنظام الداخلي المعمول به حينها..

لكن انهم إذا أرادوا عمل شيء.. فماذا یستفید من النظام الداخلی فی مثل هذه الحالات ليركن على الجدار، وعند التصویت مرة ثانیة، سوف تتغیر النتیجة وفقاً لتوجهاتهم، بهذا الشكل والتلاعب على الرأي العام الحزبي وبالضد من مصلحة الشيوعيين وجماهير الشعب.. شارك الحزب الشیوعی العراقی فی الجبهة مع الحزب البعث، انذاك والنتائج معلومة لدى الجمیع.. حیث سجل لتأریخ الحزب صفحات سوداء.. ووضع عشرات المناضلین تحت سكاكین جلادی البعث.. وأصبحوا قرابین لعنجهیة وعقلیة البعث وتعطشهم لدماء الشیوعیین، وقبل اشتداد ارهاب البعث ضد الحزب، سافر سكرتیر الحزب واغلب أعضاء القيادة الی خارج البلاد وسلموا أعضاء الحزب لقدرهم المحتوم.

اننی علی یقین تام، إذا كان المشاركون فی الاجتماع مع مشاركة الحزب فی الادارة الجدیدة للپارتی بعد أحداث 31 من آب، لم يكن یأجلوا التصویت علی القرار ولو لحظة واحدة، وكانوا یقروا بنتائجه ويعلنوها فورا، لكن عندما تأكدوا من عدم نجاحهم فی ما یریدونه وما كان قد خططوا له مسبقا، أجلوا التصویت علی القرار وتركوه الی اجتماع اللجنة المركزیة، وبعد ذلك قاموا بتنظیم اجتماع اللجنة المركزیة بشكل یضمن نتیجته المشاركة فی حكومة 31 من اب.

والعجیب فی ذلك الاجتماع كان حیدر متحمس جدا لمشاركة الحزب فی تلك الحكومة، وقال بغضب:
ـ أنا أحب حزبی كثیراً، الحزب لیس كالرمانة أضربها بالجدار! هو كان یعتقد بأن الذین لیسوا مع مشاركة الحزب فی تلك الادارة، إنهم یریدون ضرب الحزب بالجدار كالرمانة وتدمیره، وبعد ذلك علمت منهم ما هو المقصود بحب الحزب!.. وكیف نعشق الحزب! وما هو مصدرهذا الحب!، مع نهایة الاجتماع وترك المكان جاءنی حیدر وقال لی:
ـ أكثریة رفاقك من الپارتیین أصدقائك كیف تنعتهم بالبعثیین القدامی (كۆنە بەعسین)، هؤلاء لیس لدیهم مشكلة مع البعث! قلت له:
ـ هذا هو تقیيمی لهم، حتی وإن كانوا أصدقائی.

فی عملیة 31 من آب أو بالاحری خیانة 31 من اب، المقرات التی نهبت وسرقت بكل ما فیها للحزب الشیوعی:
1ـ مقر المكتب السیاسی للحزب الشیوعی الكوردستانی، ومع دخول قوات البعث والپارتی تم نهبه وسرقته. 2ـ مقر اللجنة محلیة مدینة أربیل تم قصفه صباحاً.
3ـ مقر علاقات الحزب الشیوعی العراقی فی أربیل تم نهبه.
4ـ مقر المنظمات الدیمقراطیة تم نهبه.
5ـ مقر عينكاوە للحزب تم نهبه،
6ـ مقر كویە للحزب نهب.
7ـ مقر رانیة للحزب الشیوعی الكوردستانی تم نهبه، والاستیلاء علی المدرعة الموجودة أمامه واستخدامها وعدم ارجاعها للحزب،
8ـ محاولة نهب مقر الحزب فی چمچمال وكلار.
9ـ وفی الیوم الذی قرر الحزب بالمشاركة فی حكومة 31 من آب، تم محاصرة مقر الحزب فی بنصلاوە بحجة وجود أحد مناصری الاتحاد فی داخل المقر.

بشكل عام كانوا یعتدون ويستحوذون علی كل شئ بلا خجل، ويعتقدون بعدم حاجتهم لشريك في السلطة بعد ان اصابهم الغرور فتخلوا عن اصدقائهم وحلفائهم وفرهدوا مقراتهم. ونحن الذین حاولنا أنْ لا نكون خارج حدود هذه التحالفات مع الپارتی بأی ثمن كان، قبلنا كافة الاهانات لكی یصبح لنا ممثل فی الحكومة القادمة بعد 31 آب، ذلك الوزیز البائس لم یكن له أية صلاحیة خارج غرفة وزارته، وزير من أجل المصالح الشخصیة له ولبعض الاشخاص الاخرین في القيادة.



الجزء العشرون


بعد أعطاء منصب وزیر الصحة فی ادارة 31 من آب للحزب، تم طرد عشرات من الموظفین المؤیدین للاتحاد من قبل الاجهزة الامنیة للپارتی، فی الوقت الذی كان السید الوزیر شیوعیا، ولكن دون أیة سلطة تذكر، أو أصلا كان لیس له علاقة بهذا. وبعد فترة من 31 من اب، قام الپارتی فی أربیل بالقاء القبض علی رفیق كریم كان سائق فی مقر المكتب السیاسی. ونحن أبلغنا كاك كمال علی أساس وزیر الصحة وله مكانة فی تلك الحكومة للتدخل فی الامر وإطلاق سراحه. الا انه قال: علینا الانتظار حتی نتأكد لماذا تم القاء القبض علیه، إن الپارتی لا یلقی القبض علی أحد بدون سبب!

فی الاجتماع الذي عقدته اللجنة المركزیة حول التصویت علی مشاركة الحزب فی ادارة 31 من آب، كان (7) ضد مشاركة الحزب فی إدارة 31 من اب.. هم كل من (الراحل ملا حسن، احمد عوینە، أنا، مامۆستا قادر، اشتی الطالبانی، شەپۆل، ساماڵ، والمرحم مام قادر والذی كان سكرتیراً للجنة الرقابة المركزیة للحزب، ولیس لصوته تأثیر علی النتیجة)، والا البقیة الباقیة كلهم صوتوا للمشاركة! حیث حضر ذلك الاجتماع مجموعة من الاشخاص كانوا معروفین مسبقا بأنهم مع المشاركة حتی ولو كان أصواتهم لم تحتسب لكن لوجودهم تأثیر علی سیر الاجتماع، وكانوا كل من (أبو فاروق، مام صالح وكان مریضا آنذاك، وكان كمال شاكر وحیدر فیلی من أكثر المتحمسین لمشاركة الحزب فی حكومە 31 من آب! ولهم تأثیر علی بقیة الرفاق القیادیین للتصویت علی المشاركة، وكلاهما كان له الدور فی تخویف الرفاق بوالتأكيد.. إذا لم نشارك فی الحكومة، سوف یقوم الپارتی بقطع میزانیة الحزب)! للعلم فقط، فی المؤتمر الاول للحزب الشیوعی الكوردستانی الذی انعقد فی عام 1995، قرر المؤتمر بأنه علی قیادة الحزب مستقبلا أن تنسحب من الحكومة! وعندما أتخذ هذا القرار لم ی 31 من آب قد حدث بعد، لكنهم حتی لم یحترموا قرار المؤتمر، تركوا كل شئ وباشروا بتنفیذ وحمایة مصالحهم الشخصیة!!

والشئ الذی استاء منه الجمیع فی ذلك الاجتماع، مشاركة بعض مسؤولی المحلیات.. وكانوا یتحدثون باسم أعضاء المحلیة، علی أساس هم أیضا مع مشاركة الحزب فی الحكومة، لكن انكشف امرهم لاحقاً وتبين انهم جاءوا بهم الی الاجتماع لدعم وتقویة موقف الأعضاء الذین كانوا مع المشاركة. وكنت أسمع وأری الحدیث الحماسی لبعض المشاركین لاقناع الجمیع بالمشاركة فی حكومة 31 من آب! عندئذ كنت أتذكر الشهداء الذین أعدمهم النظام البعثی الدكتاتوری، واقارن بما يفعلونه لجر الحزب للمشاركة فی حكومة تؤسس بمساندة وحماية حزب البعث ونظامه الإجرامي.

والاغرب من هذاكله، كان موقف أبو فاروق ووزوجته أم بهار، حیث قاما بالتصویت على المشاركة، فی الوقت الذی كان یستعدان للرحیل لسوریا، بحجة ان عودة البعث الی كوردستان سوف تؤدی الی عدم استقرار الوضع فیها.. وعودة أزلام الاجهزة الامنیة الیها.. سوف یجعل من الوضع غیر امناً لهما.. وحیاتهما فی خطر!..

والقسم الذی كانوا متحمسین لمشاركة الحزب فی الحكومة كانوا یرسلون أبناءهم الی سوریا خوفاً من بطش النظام وخطورة الوضع فی كوردستان، وبعد معرفتی أكثر بهم أصبحت على يقين ان سلوكهم شئ عتادی لدیهم، لأنهم فی عام 1989 بعد عملیات الانفال سیئة الصیت وضرب كوردستان بالاسلحة الكیمیائیة واستشهاد المئات من مناضلی الحزب الشیوعی، أرادوا مرة أخری سحب الى خندق النظام وتسلیم الحزب ووضعه في أحضان البعث من جديد.. لكن دخول صدام للكويت قد أحبط هذا التوجه.. وأفشل محاولات قیادة الحزب في ذلك الوقت بعد الهزیمة والانهیار الذي ترافق مع وحشية وجرائم الانفال..، لكن صدام أقدم على خطوة رعناء وامر قواته بالدخول للكويت، فتغيرت المعادلات بما فيها المعادلات والتوجهات داخل الحزب وتم السكوت واهما ما ورد فيما سمي بوثائق نیسان. تلك الوثیقة ألصادرة عن اجتماع اللجنة المركزیة للحزب الشیوعی العراقی فی نیسان 1990.

والحق یقال، بأن مجموعة من رفاقنا فی قیادة الحزب الشیوعی الكوردستانی كانوا ضد مشاركة الحزب فی حكومة 31 من آب. كما اوضحنا من قبل.. إن أكثریة الرفاق الموجودین لم یوافقوا علی المشاركة.

فی الوقت الذی قرر الرفاق المشاركة فی حكومة 31 من آب، كانت قوات الاتحاد خارج الحدود. (ولم یكن لاحد الثقة بعودە قوات الاتحاد بهذه السرعة، وكان هذا الوضع له تأثیره المباشر علی موافقة كثیر من رفاق قیادة الحزب للمشاركة فی حكومة 31 من اب. لان بعض من أولئك الذین صوتوا للمشاركة، بعد عودة الاتحاد، تغیر موقفهم)



الجزء الحادی والعشرون


لهذا كان قرار المشاركة فی حكومة 31 من آب، يواجه تحديات ولم یمر بسهولة داخل اللجنة المركزیة. بالإضافة لهؤلاء السبعة في القیادة الذین صوتوا فی البدایة ضد مشاركة الحزب فی حكومة 31 من آب، هناك رفاق اخرین صوتوا ضد المشاركة!
لهذا السبب كانت.. الی فترة طویلة نوعا ما.. مسألة مشاركة الحزب تدخل ضمن نقاط جدول اعمال اللجنة المركزیة. وفی لجان تنظیمات الحزب كانت هناك ضغوطات كثیرة ضد المشاركة.

لكن داخل اجتماعات اللجنة المركزیة عندما یصوتون علی مسألة خروج الحزب من التحالف، لن یحصلوا علی تلك الاصوات التی توافقهم، والاسباب لذلك كثیرة، خاصة عدم استقلالیة الحزب من الناحیة المالیة. وكان كمال شاكر یدافع بكل طاقته لبقاء الحزب فی الحكومة، وفی تلك الاجتماعات عندما یریدون التحدث عن مالیة الحزب، كان یجعل من هذه النقطة، النقطة الاولی للتحدث عنها قبل الدخول الی مسألة بقاء الحزب أو عدم بقاءه فی الحكومة.. ویقول بهذه المالیة الضعیفة وبدون مساعدات الحكومة الحالیة كیف یستطیع الحزب ادامة أعماله؟
أما حیدر فیلی.. فلم یكن یشارك الرفاق فی المناقشات، لكن عند الوصول لهذه النقطة، وقبل التصویت علیها يؤكد:
(قبل التصویت علی بقاء أو عدم بقاء الحزب فی الحكومة، علیكم أن تفكروا وتعرفوا جیدا بأننا إذا تركنا الحكومة سوف یقطع الپارتی المساعدات من الحزب، والحزب لیس باستطاعته تأمین رواتبكم)، مع هذه الاراء كان ینظر الی أعین هۆلاء الرفاق القیادیین.. الذین كانوا يستلمون الرواتب الشهریة كمصدر لمعيشتهم، لذا كان بعض من أعضاء اللجنة المركزیة عند ابداء ارائهم حول الموضوع یتحدثون باسلوب یؤیدون فیها نوعا ما بقاء الحزب فی حكومة 31 من آب، لان الانسحاب وعدم المشاركة ستسبب الاضرار لالحزب، وخوفا من قطع الرواتب كان یصوتون لبقاء ممثل الحزب فی الحكومة.

وبكل المقاییس قرار مشاركتنا فی هذه الحكومة كانت تأیدا وتدخلا للمنافسات والصراع الدائرة بین الپارتی والاتحاد!، وكان وضع الاتحاد فی تلك الفترة صعباً، والا لن یقبل من الحزب الشیوعی مشاركته فی حكومة 31 من آب (ولو حدثت بعض المناوشات والمشاكل فی بدایة عودة الاتحاد بین الحزب والاتحاد، لكن عن طریق العلاقات الشخصیةعولجت). كنت علی یقین إذا كانت هذه المعادلة معكوسة (لو كان الاتحاد مكان الپارتی والپارتی مكان الاتحاد)، لما وافق الپارتی علی هذا التأیید أبدا، بل ولم یقبل موقف كهذا من الحزب الشیوعی! وكل الاحزاب الذین تركوا أربیل خوفا من بطش النظام، كان الپارتی یحسبهم من جماعة الاتحاد!

كان الحزب قادراً على عدم المشاركة فی الحكومة والحفاظ علی استقلاله! عندئذ كان باستطاعته الحفاظ علی مصداقیته ولم یفقد ثقة الجماهیر به. ومن طرف اخر كان یبرهن للجمیع بأنه یختلف عن الپارتی والاتحاد.. فی نفس الوقت یناضل بشكل مستقل فی الساحة من أجل مبادئه وبرامجه.

بعد قرار ومشاركة الحزب فی حكومة 31 من آب. حدثت فوضی ومشاكل كبیرة في صفوف التنظیمات الحزبیە وعدد من الكوادر المتقدمة للحزب، حتی وصل الامر الی تقدیم استقالتهم من الحزب. لكن لا أحد من قيادة الحزب همه الامر. واستفسر.. لماذا استقال الكوادر وابتعدوا من الحزب؟ لان قیادة الحزب فی تلك الفترة كان همها الوحید هی حمایة مصالحهم الشخصیة.. والعیش الرغید فی أحضان حكومة 31 من آب!. وفعلوا ما أرادوا وأصبح بعض منهم يصنف في قائمة المليونيرية.. وحول الحزب لأداة رخیصة بید السلطة الحاكمة! فی الوقت الذی ضحی مئات من أعضاء الحزب بأرواحهم وأموالهم دفاعاً عن قضیتهم العادلة وتركوا عوائلهم بدون ماء ومأوی يواجهون مخاطر جمە، من أجل تحقیق شعار الحزب والكفاح من اجل وطن حر وشعب سعید.

هذه الفترة بالنسبة لی كانت فترة عصیبة.. غیر اعتیادیة، لاننی كنت أری نفسی غریباً داخل هذه المنظمات.. التی تشارك مع حكومة.. مهد لتأسیها حزب فاشی كحزب البعث! والاهانات التی توجه یومیا للحزب من جهة أخری من قبل الپارتی ضد مقراته وأعضائه..

وكل الذین لهم علم بالسیاسة كانوا یعرفون جیدا بأن مثل هذه الادارة والحكومة.. كانت تعمل علنیة لمصلحة البعث، ولن تعطی المجال تحت سلطتها للنشاطات والاعمال السیاسیة ضد النظام الدكتاتوری للبعث! وفعلا لم یبقی صوت یسمع للمعارضة العراقیة ضمن حدود سلطتها الدكتاتوریة أیضا.

علی سبیل المثال كان للحزب الشیوعی العراقی إذاعة خاصة به تبث برامجها الی الوسط وجنوب العراق، وكان مقرها مدینة شقلاوە وكما نعرف بأن الموقع الجغرافی لتلك المدینة واقعة بین الجبال وغیر ملائم لبث الاذاعة فیها، لذا كان بث الاذاعة ضعیفا جدا ولم یصل الی أنحاء العراق بشكل جید، ولم تكن برامجها تسمع من قبل المواطنین بشكل واضح.
لكن إذا كانت الاذاعة علی جبل سفین، سوف یكون بثها أقوی ألف مرة من داخل مدینة شقلاوە، وكانت ستصل الی وسط وجنوب العراق بشكل أفضل.. وتأثیرها علی المواطنین یكون أحسن وأفضل، لكن الپارتی لم یوافق علی نقل الاذاعة الی هناك بحجة تأثیرها علی بث إذاعاته واعلامه..

لكن السبب الرئیسی كان الضغوطات البعثیة لكی يضيقوا المجال على الإذاعة.. وقيادة الحزب الشیوعی اعتادت علی الرضوخ لمطالب وضغوطات الپارتی، وكانت تعرف جیدا أن إذاعه بهذه الحالة سوف لن یتابعها الا عدد قلیل من المواطنین، ولن يستمروا على متابعتها.

وعندما تسیطر المصلحة الشخصیة علی المصالح العامة ومبادئ برنامج الحزب، سيكون علیك إنتظار كل شئ تافه ولیس له قیمة!، وبمشاركة الحزب فی تلك الحكومة لم یبقی أیة قیمة تذكر للحزب.. وفقد ثقة الجماهیر به.. وأصاب أبنائه بهزیمة كبیرة.. وأنهار كبریائهم أمام جبروت الپارتی، ونتیجة لاستمراره علی نفس النهج، نراه یوم بعد یوم ینهار أكثر وأكثر.. ویندثر تحت أقدام اقزام من السیاسیین والمنتفعين واحزاب السلطة ونفوذها..
والعودة للمسار الصحیح فی الوقت الراهن هی نوع من المحال! ونحن كنا قد جعلنا من نضالنا لاسقاط البعث النقطة المركزیة لنهجنا السیاسی، لكن عجبا نری من طرف اخر نشارك فی ادارة يساندها البعث، ونحن لیس لنا فیها أیة سلطة ودور مؤثر.. ما عدا وزیر واحد معطل ومشلول لا إرادة له، لا تتجاوز صلاحياته باب غرفته!
ونتیجة لهذه الأسباب وهذا السلوك.. أصبحت أشمئز من السیاسة.. ولم يكن باستطاعتی البقاء (وفعلا كنت أستحی من نفسی عندما اكون بین الناس فی مدینتی أربیل)، حیث زرت سوریا انذك وبقیت فیها حوالی شهر ثم عدت الى أربیل.

ـ الپارتی: الحزب الدیمقراطی الكوردستانی،
ـ الاتحاد: الاتحاد الوطنی الكوردستانی.
ـ حدكا: الحزب الدیمقراطی الكوردستانی /ایران.



#دلشاد_خدر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صفحات مشرقة من النضال
- صفحات مضيئة من انتفاضة أربيل في 6 آذار 1991 - 1-9 النص الكام ...
- الخاتمة - صفحات مضيئة من انتفاضة أربيل في 6 آذار 1991
- تفاعل ودعم القوى اليسارية - صفحات مضيئة من انتفاضة أربيل في ...
- خلال التظاهرة - صفحات مضيئة من انتفاضة أربيل في 6 آذار 1991
- المظاهرة الجريئة - صفحات مضيئة من انتفاضة أربيل في 6 آذار 19 ...
- التواصل مع القوى والشخصيات - صفحات مضيئة من انتفاضة أربيل في ...
- التخطيط - صفحات مضيئة من انتفاضة أربيل في 6 آذار 1991
- التحضير - صفحات مضيئة من انتفاضة أربيل في 6 آذار 1991
- البدايات- صفحات مضيئة من انتفاضة أربيل في 6 آذار 1991
- المقدمة - صفحات مضيئة من انتفاضة أربيل في 6 آذار 1991
- الحزب الشيوعي الکوردستاني لم يعد رقما في المعادلات السياسية


المزيد.....




- وزير خارجية الإمارات يعلق على فيديو سابق له حذر فيه من الإره ...
- سموتريتش لنتيناهو: إذا قررتم رفع الراية البيضاء والتراجع عن ...
- DW تتحقق - هل خفّف بايدن العقوبات المفروضة على إيران؟
- دعوة الجامعات الألمانية للتدقيق في المشاريع مع الصين بعد مز ...
- الدفاع الروسية تعلن ضرب 3 مطارات عسكرية أوكرانية والقضاء على ...
- -700 متر قماش-.. العراق يدخل موسوعة -غينيس- بأكبر دشداشة في ...
- رئيس الأركان الإسرائيلي يصادق على خطط المراحل القادمة من حرب ...
- زاخاروفا: روسيا لن تساوم على أراضيها الجديدة
- اكتشاف ظاهرة -ثورية- يمكن أن تحل لغزا عمره 80 عاما
- بري عقب لقائه سيجورنيه: متمسكون بتطبيق القرار 1701 وبانتظار ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - دلشاد خدر - یومیات وأحداث 31 آب 1996 في اربيل