أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - حاتم الجوهرى - إدارة التناقضات الدولية وبدائلها الممكنة: العرب بين البريكس ومجموعة العشرين أنموذجا















المزيد.....

إدارة التناقضات الدولية وبدائلها الممكنة: العرب بين البريكس ومجموعة العشرين أنموذجا


حاتم الجوهرى
(Hatem Elgoharey)


الحوار المتمدن-العدد: 7733 - 2023 / 9 / 13 - 00:21
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


الحقيقة أنه مع إعلان قبول مصر في مجموعة دول البريكس (والتي تضم روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا) في اجتماعها الأخير بجنوب أفريقيا، ضمن ست دول شملت: مصر والسعودية والإمارات وإيران وإثيوبيا والأرجنتين.. لم أسارع بإعلان الفرحة مثل الكثيرين، لأنني نظرت للموضوع من زاوية أخرى تُدققُ في الدول التي تم رفض عضويتها، والتي شملت: الجزائر والبحرين وبنغلاديش وبيلاروسيا وبوليفيا وكوبا وهندوراس وإندونيسيا وكازاخستان والكويت والمغرب ونيجيريا وفلسطين والسنغال وتايلاند وفنزويلا وفيتنام.

فرضية "إدارة التناقضات"
وحضورها في سياسات البريكس
وذلك لأنني شعرت أن هناك نوعا مما يمكن تسميته بـ"إدارة التناقضات" في قبول العضويات، وحضور العامل السياسي الذي يعتمد على إدارة التناقضات بشكل كبير في توسعة البريكس والحرص على وجود القوة والقوة المضادة لها، فلقد تم قبول مصر وأثيوبيا من أفريقيا، رغم ان أثيوبيا ليست اقتصادا قويا لكنها تصنع تناقضا محسوبا يمكن استخدامه مع اللزوم ضد مصر، وتم رفض الجزائر والمغرب معا لرغبة البريكس –تحديدا روسيا والصين- في عدم التورط حاليا في إدارة التناقضات بين البلدين، ولا ضم أخرى على حساب الثانية رغم دعم روسيا للجزائر، وتم قبول السعودية وإيران لأن كل منهما تمثل قوتين متناقضتين في العالم الإسلامي بين السنة والشيعة، وتم ضم الأرجنيتين لأنها تخلق توازنا أو تناقضا محسوبا يساوي بدرجة ما حضور دولة البرازيل بعضويتها القائمة بالفعل في البريكس، حيث تنتمي كل منهما إلى أمريكا اللاتينية، وتم قبول الإمارات لأنها تخلق تناقضا محسوبا داخل الخليج في مواجهة السعودية والتنافس الإقليمي بينهما...

"إدارة التناقضات" المضادة
في مجموعة العشرين
ليبدو جليا الآن أننا أمام ما يشبه نظرية جديدة في العلاقات الدولة تعتمد على "إدارة التناقضات"، وخلقها أيضا عند الحاجة لذلك – لكن تلك حكاية أخرى-، وما يؤكد مفهوم "إدارة التناقضات" أن مجموعة الدول العشرين (التي للمفارقة تشمل أيضا دول البريكس كاملة الهند والصين وجنوب أفريقيا والبرازيل، عدا روسيا بعد إيقاف عضويتها عام 2014 م بسبب تدخلها الأول في أوكرانيا) وفي اجتماعها الأخير في الهند الذي جاء بعد اجتماع دول البريكس مباشرة تقريبا في جنوب أفريقيا، أعلنت عن مشروع لربط الهند وأوربا بشبكة من الطرق والخدمات البرية والبحرية، وهو المشروع الذي يضم الولايات المتحدة والسعودية والإمارات والاتحاد الأوروبي وشركاء آخرين في مجموعة العشرين وسيمر عبر "إسرائيل"، وهو ما يمكن تفسيره أنه ضربة موجهة إلى الصين عملاق البريكس التي تنفذ مشروعا مماثلا في مبادرة "الحزام والطريق"، وكذلك يمكن اعتباره ضربة لمصر وقناة السويس.

تواكب "إدارة التناقضات"
مع تهميش منتدى غاز شرق المتوسط
والأكثر لفتا للانتباه أن هذه الضربة التي تأتي مصر في مرماها بدرجة ما، جاءت بعد دخول مصر لدول البريكس مباشرة، وكذلك بعد ضربة تكاد تكون متواكبة معها –في توقيت غريب- مع الإعلان عن اتفاق ثلاثي في مدينة نيقوصيا بين اليونان وقبرص وإسرائيل لمد خط غاز لإسرائيل، فيما يعد ضربة صريحة لمصر التي قبل مدة قليلة كانت شريكا رئيسيا في منتدى غاز شرق المتوسط، الذي يشمل الدول الثلاثة نفسها (اليونان وقبرص وإسرائيل) والذي أسس في 2019م ومقره بالقاهرة، وكانت بروتكولات عمل المنتدى تعتمد على وجود البنية التحتية المصرية في صناعة الغاز الموجودة في إدكو وديماط، لتبدو القاهرة وكأنها تلقت ضربتين موجعتين في توقيت متزامن، في ملفي الغاز ومشاريع النقل الإقليمي، وردا على دخولها البريكس واحتفاء القاهرة بالاستثمارات الروسية في منطقة القناة، وزيادة التعاون مع الصين.

"إدارة التناقضات" وظهور "البريكس" قديما
واستجابة "مجموعة السبع" وتحولها لـ"مجموعة العشرين"
ويظل من المهم الإشارة في السياق نفسه والتدافع والتنافس بين مجموعة العشرين ومجموعة البريكس، إلى أن مجموعة البريكس نفسها ظهرت في عام 2009 ردا على هيمنة الغرب الاقتصادية من خلال مجموعة دول السبع، حيث بعد الصعود الصيني في القرن الجديد وعبور روسيا اختلال التوازن الذي نشأ في أعقاب تفكك الاتحاد السوفيتي نهاية القرن الماضي، أعلنوا عن البريكس في محاولة لخلق جبهة اقتصادية جديدة تكسر هيمنة مجموعة السبع الغربية التي كانت تضم: "الولايات المتحدة الأمريكية، اليابان، ألمانيا، إيطاليا، المملكة المتحدة، فرنسا، وكندا"، حيث سرعان ما أعلنت مجموعة السبع في عام 2009 عن توسعة عضويتها لتصبح فيما بعد مجموعة العشرين التي نعرفها اليوم.

الأوراسية الجديدة وقوى الأطالسة
(الأوراس ضد الأطالسة)
وكذلك يجب الإشارة على المستوى الفكري في التدافع الجديد بين الشرق والغرب، أن هناك نظريتين أساسيتين في الشرق تحكم حركته وتعتمد كل منهما على الجغرافيا والتمدد فيها، الأولى هي نظرية الأوراسية الجديدة التي تأتي من روسيا وقدمها الفيلسوف الروسي ألكسندر دوجين، وفلسفتها ترى –في جوهرها العميق- أن العالم الحديث هو استقطاب جرماني قبائلي بالأساس، بين القبائل الجرمانية الشرقية التي رحلت شرقا واستقرت في روسيا وتطلق عليها "قوى البر" الأوراسية (لأنها تقع جغرافيا بين قارة أوربا وآسيا)، وبين القبائل الجرمانية الغربية التي سيطرت على أوربا الغربية ثم تمددت إلى أمريكا وتطلق عليها قوى البحر الأطلسي أو الأطالسة (نسبة إلى المحيط الأطلسي الذي يقع في غرب أوربا).. وأثر هذه الفلسفة في الواقع يعتمد على التمدد الجغرافي الروسي في مناطق حضور الأطالسة في العالم كله ودفعهم للوراء، من خلال القوة الناعمة والقوة الخشنة.
أما النظرية الشرقية الثانية لإدارة العلاقة والتناقض بين الشرق والغرب فهي تأتي من الصين؛ وتعتمد على التمدد الجغرافي أيضا لكن من خلال القوة الناعمة والقوة الخشنة غير العسكرية – خلافا لروسيا التي تعتمد على القوة العسكرية النظامية وغير النظامية- وذلك من خلال مشروع "الحزام والطريق" الذي يعتمد على إقامة شبكة طرق وخطوط دولية يقام على ضفافها تعاون اقتصادي وثقافي وسياسي.

نظريات الصدام الحضاري
ودورها في إدارة التناقضات وخلقها
ولا نكون منصفين إذا لم نعط الغرب حقه ونطرح نظريته الحالية في التمدد والهيمنة والتي حقيقة لا تختلف عن تصور ألكسندر دوجين الروسي حول الصراع الثقافي بين جرمان البر وجرمان البحر، فالغرب بقيادة أميركا يعتمد على تصورات ما بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وتفكك أيديولوجيته الماركسية، وهي التصورات التي قدمها كل من فوكوياما وهنتنجتون وبرنارد لويس، وتعتمد على فكرة الصدام الحضاري/ الثقافي/ الديني، معتبرة أن الجرمانية الغربية على كافة المستويات الثقافية والحضارية والدينية والفكرية هي نهاية التاريخ وذروته والسيد الأعلى للبشر، ووفق نظريات الصدام والتعالي تلك يسعى الغرب الجرماني (الأنجلو سكسوني) بقيادة أمريكا إلى فرض النفوذ والهيمنة وحياكة المؤامرات لضمان سيادته وعدم صعود أي قوى بشرية أخرى..

أزمة النظرية المطلقة
ومركز المسألة الأوربية والتناقض العالمي الرئيس
والحقيقة أننا أمام لحظة مفصلية مستمرة منذ صعود أوربا في مرحلة ما بعد العصور الوسطى، حينما خرجت علينا بفكرة النظرية المطلقة (أو المسألة الأوربية) والتفوق النهائي الجرماني، التي قدمها -في الأصل- هيجل عن الدولة الجرمانية الملكية الرأسمالية الشمولية العالمية التي ورثتها أمريكا حاليا (في شكل دولة الليبرالية الديمقراطية)، أو الدولة الجرمانية العمالية الشيوعية العالمية التي قدمها تلميذه ماركس... حيث هنا يختلط الفكر والفلسفة، بالاقتصاد والسياسة، ولا سبيل للفصل بينهم إلا عند قصار النظر الذين سيتسببون في تذيل بلدانهم لترتيب الجدول بين الأمم.
واقع الاقتصاد العربي:
ولو نظرنا للأزمة التي تقع فيها الذات العربية حاليا؛ سنجد أنها على المستوى الاقتصادي ترجع للفلسفة الاقتصادية التي تسود في العديد من بلدان الوطن العربي، فالدول النفطية/ الملكية في الخليج ظلت طوال القرن الماضي تعتمد على الاقتصاد الريعي دون أن تؤسس لاقتصاد إنتاجي مركزي، و"دول ما بعد الاستقلال" ذات الأنظمة الجمهورية فشلت تجاربها في الاستقلال الاقتصادي كل منها لسبب مغاير، ففي مصر تعرضت تجربة التصنيع للانكسار مع هزيمة عام 1967 ثم تحول دولة السادات إلى المفاهيم الاستهلاكية والاستيراد، ومع دولة مبارك أصبحت مصر دولة حارسة للتناقضات تسير على المعونات الاقتصادية بحجة ان مصر تحرس النظام الإقليمي وتناقضاته القائمة وفق المصالح الغربية.
وفي العراق انهارت تجربة التصنيع بعد الحرب مع إيران، ثم بعد غزو العراق لإيران وتحويل العراق إلى شبه بلد مفرغ من الأبنية المؤسسية التي ترعى مصالحه الأساسية بعد احتلاله من جانب أمريكا، وفي الجزائر لم تتطور القدرات التصنيعية في دولة ما بعد الاستقلال هناك بسبب التناقضات نفسها، وتغول البيروقراطراطية وتحولها إلى شلل للمصالح ترفع شعارات كبرى دون أن تُفعِّلها على الأرض، ومع الثورات العربية في العقد الثاني من القرن الجديد انهارت البنى الصناعية المحدودة في ليبيا وسوريا.
ولم تعد لدينا اقتصاديات قوية سوى اقتصاديات الفوائض البترولية مثل السعودية وقطر، واقتصاد الخدمات في الإمارات، والاقتصاد العماني الي يحافظ على معادلة خاصة به.

اقتصاد الخدمات والدمج الإقليمي
وخطورة اقتصاد التبعية
تمارس روسيا دورا في الاقتصاد العالمي ومساراته انطلاقا من أنها تملك محفظة ضخمة من المواد الخام والحاصلات الزراعية والمنتجات العسكرية، وكذلك الصين في القرن الحادي والعشرين بعدما طورت قاعدة صناعية ضخمة تنافس بها البدائل الغربية بل وتسبقها في بعض مجالات التكنوولوجيا والاتصالات، من ثم فهم لديهم ما يساهمون به في الاقتصاد العالمي بقوة.
لكن أزمة الذات العربية على المستوى الاقتصادي ترجع إلى أنها لا تساهم بشكل رئيس سوى في مجال إمدادات البترول والغاز، وحتى البعد السياسي العربي في هذا المجال كان قد انتهى مع اتفاقية كامب دافيد وتحولات نهاية القرن العشرين، بسقوط الاتحاد السوفيتي وضرب العراق بعد إغوائه لاحتلال الكويت، وهيمنة أمريكا على المنطقة ومحاولتها تطبيع وجود دولة "إسرائيل" وفرضها على العرب.

تيه ما بعد تفكك الخلافة العثمانية (القرن الـ19)
وانهيار القومية العربية (القرن الـ20)
لذا حقيقة تأتي اتفاقيات البريكس ومجموعة دول العشرين لا لتؤسس لواقع جديد، بقدر ما تعلن أو تكشف عن واقع قائم وإشكالي، يرجع موطن الإشكال فيه لحيرة البحث عن حلول ومسارات لخروج الذات العربية من واقعها الاقتصادي الهش، خاصة بالنسبة للدول المركزية الكبرى صاحبة التاريخ الحضاري الرائد في البشرية كلها وعلى رأسها مصر والعراق، التي لن يكسب الدمج –أيا منهما- في الاقتصاد الإقليمي والتكتلات العالمية سوى المزيد من الارتباك طالما لم تدشن قاعدة صناعية/ إنتاجية ثقيلة وفاعلة تمنحها استقلالية وتأثيرا حقيقيا، وكذلك الأمر بالنسبة للسعودية والإمارات والدول الخليجية لأن بحثها عن النفوذ الإقليمي عن طريق المناورات السياسية، لن يستقر دون تصور عام للذات العربية، بعيدا عن الذيلية والتبعية الاقتصادية والسياسية.. وفي واقع الأمر تبدو أزمة الذات العربية بوضوح في غياب المشروع الجامع أو السردية الكبرى الخاصة بهم، بعد تفكك الخلافة العثمانية في نهاية القرن التاسع عشر تقريبا وبدايات العشرين، وتفكك مشروع القومية العربية في نهايات القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين.

افتقاد الذات العربية لسردية كبرى تخصها
وجمود "دولة ما بعد الاستقلال"
في واقع الأمر تقف الذات العربية محلك سر عند سردية قديمة -على اختلاف تمثلاتها-، تقف عند سردية "دولة ما بعد الاستقلال" عن الاحتلال الغربي في القرن العشرين، وهي السردية التي أنتجت الدول الجمهورية بالمرجعية العسكرية ودورها المدني، وأنتجت أيضا الدول الملكية ببنيتها القبلية والعشائرية المتنوعة، لتقف "دولة ما بعد الاستقلال" تائهة بعد هزيمة مشروع القومية العربية (سواء الناصرية في مصر واليمن وليبيا، أو البعثية في العراق والشام)، والحقيقة أن مشاريع التفكيك والنظرات الجزئية التي قدمتها معظم الدول العربية –جمهورية وملكية- أنتجت في القرن الحادي والعشرين؛ تضاربا وتصارعا في المصالح لم يضف سوى الخصم من الذات العربية ومحصلة الأمن القومي الخاص بها على كافة المستويات.

سردية ما بعد المسألة الأوربية
والمفصلية الثقافية العربية الثورية البديلة الكامنة
من زاوية جادة للنظر في الموضوع؛ تملك الذات العربية فرصة تكاد تكون وحيدة للعبور للمستقبل بعد تأزم راهن الحال في "دولة ما بعد الاستقلال" ملكيا وجمهوريا، وبعد تفكك مشروع الخلافة الإسلامية وتفكك مشروع القومية العربية، هو أن تطرح بكل وضوح مشروع "ما بعد المسألة الأوربية" وتجاوز وهم النظرية المطلقة القديمة وتمثلاتها الحديثة بين الشرق والغرب، والاستناد إلى مفصلية ثقافية جديدة تعتمد على مشروع ثورات الذات العربية في القرن الحادي والعشرين، وفكرة الثورات القيمية التي تتجاوز وهم النظرية المطلقة وتستعيد حيوية الوجود الإنساني مرة أخرى.
هذا البديل هو الحل الاستراتيجي والسردية البديلة المتاحة للذات العربية، والتي قد تمكنها من العبور للمستقبل وتجاوز التناقضات التي وقعت فيها داخليا، وتفجر مستودع هويتها العام لصالح المشاريع الثقافية الإقليمية الأخرى: الصهيونية، المركزية السوداء العنصرية (الأفروسنتريك)، التمدد الشيعي الإيراني، التمدد التركي (العثمانية الجديدة)... حيث يعد التصالح مع مشروع الثورات العربية هو الدواء المر الذي يهرب الجميع من تجرعه بعيدا عن الاستقطابات والتناقضات التي تفجرت حوله نتيجة لتوظيف المعارضة السياسية في الوطن العربي ضده، من خلال اليمين وفرق الدين السياسي تارة، ومن خلال اليسار والليبرالية تارة أخرى.

مكمن الصعوبة في التصالح مع خيار الثورات العربية
(فك وتركيب التراتب المجتمعي وتبعاته)
من أجل التصالح مع خيار الثورات العربية حقا؛ ذلك يتطلب بناء تراتب اجتماعي جديد يعتمد على "الفرز الطبيعي" لمواهب المجتمع في كافة المجالات، وتصعيد "الكتلة الجامعة" التي تدافع عن مستودع هويتها بفطرتها الطبيعية وتثابر في هذا الاتجاه وتصمد، وبناء "نخبة جديدة" تقدم تصوراتها خارج بنية "دولة ما بعد الاستقلال" برمتها سلطة ومعارضة، بالإضافة إلى بعض المتطلبات الأخرى التي يمكن التوافق حولها من الجميع...
لكن الصعوبة تكمن في "التراتب الاجتماعي" القائم في "دولة ما بعد الاستقلال" –جمهوريا وملكيا- وكيف يمكن بناء "تراتب اجتماعي" جديد يعتمد على الموضوعية والفرز الطبيعي والكتلة الجامعة، دون صدام جذري يزيد العالم العربي ارتباكا، تقوم المجتمعات علي أفكار وسرديات كبرى ثم يتم حشد الطاقات الممكنة لبناء هذه السرديات والوصول إليها، والحشد ممكن من خارج النخب التاريخية لدولة ما بعد الاستقلال سلطة ومعارضة، لكن مكمن الصعوبة يرجع إلى "التراتبات الاجتماعية" القائمة إرث القرن الماضي –سلطة ومعارضة أيضا-، كل بناء من تلك التراتبات الاجتماعية اعتاد القيام بما هو نمطي وما هو مريح وتقليدي، في ظل المكانة الراهنة –والذيلية- للذات العربية في ترتيب الأمم.

خاتمة: عن البديل الصعب
وليس المستحيل
ما تحتاجه الذات العربية هو بناء تراتبات اجتماعية جديدة دون صدام جذري مع التراتبات القديمة على كافة المستويات في "دولة ما بعد الاستقلال"، تراتبات تحقق "المشترك المجتمعي" وتستعيد لحمة الذات العربية وتتمسك "بمستودع هويتها" بكافة مكوناته بعيدا عن الاستقطابات التاريخية بين اليمين واليسار إرث المسألة الأوربية، تراتبات اجتماعية شاملة تحقق مفهوم "المجتمع الفعال" وتأخذ الذات العربية لتصبح "مجموعة دول صاعدة" تقدم للعالم سردية جديدة تتجاوز المسألة الأوربية وهم النظرية المطلقة بين الأطالسة والأوراس.
تحتاج الذات العربيية إلى رجال مهرة يملكون إرادة صلبة وعزيمة لا تلين، ووعيا لا يحيد، وخفة لا تضيع صاحبها، وثقلا لا يقيد من يحمله.. تحتاج الذات العربية لتجاوز التناقضات التي وقعت بها، والسعي لبناء سردية عربية جديدة بعد تفكك سرديتي الخلافة العثمانية والقومية العربية، هذا هو الحل الجذري في مواجهة كل التيه الذي ضرب الدول العربية، وجعلها تتذيل قائمة الأمم، وتصبح كالريشة في مهب الريح.
ورغم صعوبة المهمة للقيام بالتغيير الجذري بطرق سلمية وفاعلة، بين التراتبات الاجتماعية القديمة والتراتبات الاجتماعية المطلوبة...؛ لكنه يبقى الأمل، وتبقى العزيمة علامة تميز أهلها في فترات الشدة والاضطرابات عبر التاريخ والجغرافيا.



#حاتم_الجوهرى (هاشتاغ)       Hatem_Elgoharey#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحديات القوة الناعمة الداخلية لدولة ما بعد الاستقلال بالقرن ...
- معرض الحرف التراثية والمنتجات اليدوية.. تحية للسفارة اليمنية
- الفساد والمسئولية السياسية والقانون بين الشركات والهيئة في ا ...
- القرار 179 وسياسات هيئة المجتمعات والتوافق المجتمعي بالعبور ...
- مطالب الأرض غير المخصصة للنشاط الزراعي بالعبور الجديدة ولقاء ...
- تصريحات الخارجية اليمنية بين المشترك الثقافي وهندسة المصالح
- الدستور والقانون.. في لقاء هيئة المجتمعات بصغار ملاك العبور ...
- في إدارة تنوع المتون العربية وتفكيك تناقضاتها
- المتون العربية بين الكتلة الجغرافية والجغرافيا الثقافية الرا ...
- المتون العربية الجديدة بين دوري الثقافة والحضارة
- المتون العربية وتفكيك غواية الأيديولوجيا المضادة
- مناهج وفلسفات: منهج الدرس الثقافي الحر/ القيمي
- مفاهيم وفلسفات: الذات العربية المختارة
- مفهوم المتون العربية وفلسفته في القرن ال21
- إعادة توظيف التراث ومستودع الهوية المصري
- الإبراهيمية بين حوار الأديان وصدام الحضارات.. أزمة الفهم وال ...
- زوبعة بيت العائلة الإبراهيمية في سياقها الثقافي.. أم سياقها ...
- الدراسات الثقافية العربية المقارنة بين فلسفتين
- استعادة المتن العربي وفرضية الجغرافيا الثقافية الرافعة
- انقلاب ألمانيا وأزمة المسألة الأوربية والذات العربية


المزيد.....




- وزير الخارجية الأمريكي يزور السعودية لمناقشة وضع غزة مع -شرك ...
- السلطات الروسية توقف مشتبهاً به جديد في الهجوم الدامي على قا ...
- حماس تنشر مقطع فيديو يوضح محتجزين أمريكي وإسرائيلي أحياء لدي ...
- حزب الله يقصف إسرائيل ويرد على مبادرات وقف إطلاق النار
- نائب سكرتير اللجنة المركزية للحزب بسام محي: نرفض التمييز ضد ...
- طلبة بجامعة كولومبيا يعتبرون تضامنهم مع غزة درسا حيا بالتاري ...
- كيف تنقذ طفلك من عادة قضم الأظافر وتخلصه منها؟
- مظاهرات جامعة كولومبيا.. كيف بدأت ولماذا انتقلت لجامعات أخرى ...
- مظاهرة طلابية في باريس تندد بالحرب على قطاع غزة
- صفقة التبادل أم اجتياح رفح؟.. خلاف يهدد الائتلاف الحكومي بإس ...


المزيد.....

- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب
- اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد ... / علاء هادي الحطاب
- الاستراتيجيه الاسرائيله تجاه الامن الإقليمي (دراسة نظرية تحل ... / بشير النجاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - حاتم الجوهرى - إدارة التناقضات الدولية وبدائلها الممكنة: العرب بين البريكس ومجموعة العشرين أنموذجا