أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أخمد رباص - متلازمة المتملق














المزيد.....

متلازمة المتملق


أخمد رباص

الحوار المتمدن-العدد: 7723 - 2023 / 9 / 3 - 09:51
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


حكي مغربي ممن يتواصلون مع غيرهم عبر قنواتهم على اليوتوب قصة شاهد أحداثها تتطور أمامه ذات يوم رمضاني من أيام طفولته. يقول هذا الرجل أنه شاهد عندما كان طفلا في ذلك اليوم، قبل الإفطار، أفرادا من القوات المساعدة وأعوان السلطة المحلية وعلى رأسهم قائد المقاطعة يهجمون على باعة يعرضون للبيع فوق كراريسهم فواكه طرية وجافة، وبدأوا في رمي الكراريس وما حملت في جفنة الشاحنة وسط احتجاج وصراخ الباعة الجائلين.
وبينما الفوضى والصخب يسودان على الموقف والمكان إذا بشاب مهاجر يمارس رياضة الملاكمة يتقدم نحو عناصر القوات والاعوان ويبدأ في إسقاطهم الواحد تلو الآخر، دفاعا عن ضحايا الهجوم المغلوبين على أمرهم. في هذه اللحظة، تسلل أحد هؤلاء إلى وسط المعمعة وضرب مؤخرة رأس الشاب المهاجر بحديدة وزنها 2 كيلوغرام، فسقط الأخير مغميا عليه في انتظار مجيء سيارة الإسعاف..
يفسر راوي القصة إقدام البائع المتجول على اعتدائه على الشاب الذي بادر إلى الدفاع عنه وعن أمثاله بكونه يعاني من متلازمة المتملق (syndrome du labrin). فما هي هذه المتلازمة؟ ربما نحتاج للإجابة عن هذا السؤال إلى كتاب يتألف من عدة فصول ولكن المسافة يمكن اختصارها عملا بقاعدة "خير الكلام ما قل ودل".
يميل المصاب بمتلازمة المتملق إلى الدفاع بشكل منهجي عن الطبقات الأكثر حظا على حساب الطبقات التي ينتمي إليها. إن الحب المفرط الذي يظهره المتملق تجاه أرباب العمل أو أصحاب الدخل من ذوي الملايير هو فعل الإيمان الذي يبني خطابه. وهو يعمل دون تمييز ليحاول إقناعنا بأن ابتزاز الغني هو دائما الحل الأسوأ، حتى لو كان يستفيد منه.
إن المصاب بهذه المتلازمة، انطلاقا من نزوع ليبرالي واضح، يمتدح فوائد الدرع الضريبي على الرغم من أنه لا يدفع الضرائب. هو شخص بدون عقل وبدون ضمير سياسي، ولكنه يصوت غريزيا لصالح من يستغلونه للحصول على حسن نيتهم. هو من يعتقد أن المال الذي يفتقر إليه هو أكثر فائدة بكثير في خزائن الشخص الغني الذي سيتمكن من استثماره بشكل أفضل مما لو أنفقه. ويدعم من يعاني من هذه المتلازمة التضحيات وخطط التقشف، وانخفاض الأجور، وزيادة سن التقاعد، حتى لو لم يسمح أي عنصر من كل ذلك بأي احتمال لتحسين حالته، وحتى لو كان عمله لا يناسبه بأي شكل من الأشكال.
قاد البحث في أصل هذه المتلازمة إلى ظهور فرضيتين او نظريتين: وراثية وباثولوجية عقلية. وفق الفرضية الأولى، تتفاقم المتلازمة في مرحلة البلوغ. بعد قرون من الإقطاع، أمكن أن يكون هؤلاء مرضى النفوس نتاج انتقاء اصطناعي. كان من شأن الانتقال الجيني للسمات أن يؤدي إلى ظهور نوع جديد من الرئيسيات: هومو لاربينوس.
وهكذا تتفاقم المتلازمة في مرحلة البلوغ عندما يصبح الشخص مدركا لضعف حالته. فهو يطور استراتيجيات غير واعية تهدف إلى استعادة التوازن المعرفي لتبرير قبول تبعيته، وبالتالي ينتهي به الأمر إلى التماهى مع أسياده من خلال تخيل نفسه ينتمي إلى الجسم الاجتماعي الذي يستغله.
هذه المتلازمة لا تنتشر بين الأشخاص الأكثر بؤسا وحرمانا من الناحية الفكرية فحسب، بل إنها تؤثر على عدد كبير من السكان دون أي ارتباط واضح بمستوى التعليم. وبالتالي، يعتقد 20% من السكان أنهم جزء من الفئة الأغنى بنسبة 1%.
بالنسبة إلى مؤيدي النظرية الباثولوجية العقلية، الطبيعة الوراثية غير مقبولة، بل إن المتلازمة هي بالأحرى اضطراب يتطور منذ الطفولة. قد تتفاقم العملية مع الانتقال إلى مرحلة البلوغ عندما يصبح الشخص مدركا لضعف حالته، وسيقوم المتملق بتطوير استراتيجيات غير واعية تهدف إلى استعادة التوازن المعرفي لتبرير قبول تبعيته. وهكذا ينتهي الأمر به إلى التماهى مع أسياده من خلال تخيل نفسه ينتمي إلى الجسم الاجتماعي الذي يستغله.
من اخطر أعراض متلازمة المتملق كونها تقلل من القدرات التحليلية لدى المتملق وتؤدي إلى انسداد (blocage) نفسي يشجعه على التصرف بشكل تفضيلي ضد مصالحه الخاصة لصالح أولئك الذين يستغلونه.
متلازمة المتملق هي للأسف مسلكية يتم نقلها منذ سن مبكرة جدا ولا يوجد علاج لها. المتملق لم يختار أن يحب الأغنياء، بل يحب الأغنياء لأنه متملق.
يتفاعل المتملق بقوة مع أي نقاش يجرؤ على التشكيك في امتيازات الأشخاص الأكثر حظا، وبحكم عجزه عن الإتيان بحجة مقنعة، تتسرب من رسائله قطرات من الخوف والإذلال اللذين هو هدف لهما. وكرد فعل، يلوح المتملق غريزيا بسلسلة من المصطلحات المميزة التي يحاول إدخالها في خطابه مثل: الشيوعية، البلشفية، الانهيار، كوريا الشمالية، العزلة، الديكتاتورية الاشتراكية، التهرب الضريبي، الإفقار، وفاة الملايين...
ختاما، من الملاحظ أن أصحاب متلازمة المتملق في الدول المتقدمة الديمقراطية يدار لهم الظهر ولا يؤخذ بكلامهم أو رأيهم، في حين أنهم مرحب بهم وينصت إليهم في الدول المتخلفة اللاديمقراطية. وإخلاصا مني لمنهجية كتابة الإنشاء التي تعلمتها في مدرستي الحلوة، أستحسن تغذية الخاتمة هذا بسؤال سقط على بالي وأنا أستعد للكتابة عن هذا الموضوع. وحتى لا أنساه في خضم زحمة الأفكار وتواليها قمت بنشره كتدوينة بصيغة تحوي جوابا: ما رأيكم في من ينتقد أفعال رجل، مطالبا إياه باحترام رئيسه الأعلى منه سلطة؟ أعتقد أنه متملق للرئيس الذي هو في غنى عمن يدافع عنه...



#أخمد_رباص (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أحداث وأخبار من اليوم الخامس من بطولة أمريكا المفتوحة 2023
- فرنسا: محاكمة ساركوزي سنة 2025 على خلفية شبهات التمويل الليب ...
- الجزائر: الحكم على باحث وصحافي بسنتين سجنا نافذا
- فلسفة سقراط عبر ثلاث مراحل (الجزء الثالث)
- Le téléphone arabe
- اختلاسات تطال المال العام بمدينة أونجي الفرنسية تحت غطاء تسي ...
- إعفاء وزيرة الخارجية الليبية مؤقتا من من مهامها بعد اجتماع إ ...
- المتصرفون الإداريون الكونفدراليون يرفضون مقترح إطار مفتش إدا ...
- جمهورية النيجر: لماذا تحتاج المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفر ...
- لماذا فشلت الجزائر في الانضمام إلى منظمة بريكس؟
- العرائش: الدورة الأولى لمهرجان شميس للسينما تكرم الكلاعي وتج ...
- فلسفة سقراط عبر ثلاث مراحل (الجزء الثاني)
- فرضيات حول مستقبل االإنسان
- فلسفة سقراط عبر ثلاث مراحل (الجزء الأول)
- مشكلة الصحراء ترخي بظلالها على قمة البريكس
- لتعديل الوزاري في المغرب.. ملهاة وسيناريوهات
- عبد الرحيم بوعيدة ينطلق في معارضة الحكومة من قاعدة الأغلبية ...
- نبذة تاريخية عن التوسع العمراني لمدينة المحمدية خلال المائة ...
- هزة الجماع حسب وليام رايخ (الجزء الثاني)
- وظيفة هزة الجماع حسب ويليام رايخ


المزيد.....




- رسالة طمأنة سعودية للولايات المتحدة بشأن مشروع الـ 100 مليار ...
- جهاز مبتكر يزرع تحت الجلد قد ينفي الحاجة إلى حقن الإنسولين
- الحكمة الجزائرية غادة محاط تتحدث لترندينغ عن واقعة يوسف بلاي ...
- ماذا نعرف عن -المنطقة الإنسانية الموسعة- في غزة؟
- ماذا نعرف عن -المنطقة الإنسانية الموسعة- التي خصصتها إسرائيل ...
- شاهد: ترميم مقاتلة -بوليكاربوف آي-16- السوفياتية الشهيرة لتش ...
- اتهامات -خطيرة- ضد أساطيل الصيد الصينية قبالة شرق أفريقيا
- اكتمال بناء الرصيف البحري الأمريكي لنقل المساعدات لقطاع غزة ...
- كينيدي جونيور يوجه رسالة للعسكريين الغربيين عن تصعيد خطير في ...
- ضابط أمريكي متقاعد ينصح سلطات كييف بخيار سريع لتجنب الهزيمة ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أخمد رباص - متلازمة المتملق