أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله رحيل - رافدان للحياة والجمال ورافدان لأسس العلوم والحضارات















المزيد.....

رافدان للحياة والجمال ورافدان لأسس العلوم والحضارات


عبدالله رحيل

الحوار المتمدن-العدد: 7720 - 2023 / 8 / 31 - 14:29
المحور: الادب والفن
    


ظل الرافدان خالدين، مادامت رياح الأرض تنسم بين ضفتيهما أنفاس الحياة، ومادامت السماء ترفدهما بهاطل الأمطار وما لبثت تظللهما غيوم الأمل والحب الوفير، يجريان بين تموجات وديان الأرض، وسفوح جبالها، ينثران الخصب، والنماء، وأهزوجة الحب، والتألف لشعوب المعمورة المستظلة بفيء بساتينهما الوارفة الظلال، ومستأنسة بهديل الورق والعنادل، والسفين بين ظهراني أمواجهما يسير بوداعة الأطيار والحمائم، هكذا اُئْتَلَفَ المكان والماء، فشكلا ولادة الطبيعة، وولادة الحياة، وقيامة الحضارات، واللغة، والرسوم، وشمخت المدن، وتناثرت على ضفتيهما القرى الساكنة الوارفة، حتى قامت سومر، والكلدان وبابل "باب الرب إيل"، فطُوِّرت الزراعة، واُختُرع المحراث والعربة، ورُسمت الكتابة، وبُنيت المدينة.
فمن أعلي الجبال ينحدر خطان براقان، كشعاع فيض من حياة، لامعان كفجر طلا من بين فتحات الجبال في الأفق، يلتويان بين السهول والقرى، ثم يتهاديان بين ربوع الجزر، والصحارى ثم يتعانقان كحبيبين افترقا منذ حين، فيؤلفان شطا للعرب، ثم يسحَّان مياههما بين أوردة الخليج، فيعطيانه روح البقاء.
عذرا يا فرات، فقد تنزاح مياهك يوما عن جبل من ذهب، فيتقاتل القوم عليه، حينئذ يقول كل رجل منهم لَعلِّي أكون أنا الذي أنجو! عند تلك اللحظة، ستقوم الساعة حسب الحديث النبوي، لكن تخليد الشعراء في أسفارهم، وفكرهم لا ينضب للرافدين، فقد جعلاهما أسطورة اللفظ والكلمات، وقبلة المُنى والغايات، فمن بعيد من زمن المعلقات الجاهلية الأولى، حين كانت الكلمة رسالة الإعلام، يضفي النابغة الذبياني لسان قبيلة ذبيان، أوصاف الممدوح العظيمة، وكرمه، الذي لا ينضب، ولا ينقطع كعظمة مياه الفرات في معلقته الشهيرة:
فَما الفُراتُ إذا هبَّ الرِّياحُ له ترمي أواذيُّهُ العِبْرينِ بالزَّبدِ
يمُدّهُ كلّ وادِ مُتْرَعٍ، لجبٍ فيه رِكامٌ من الينبوبِ والخَضَدِ
يظلُّ من خوفِهِ، الملاَّحُ مُعتَصِماً بالخَيزُرانَة، بعد الأينِ والنَّجَدِ
يوماً، بأجوَدَ منهُ سيْبَ نافِلَةٍ ولا يَحولُ عطاءُ اليومِ دونَ غدِ
وبالتوظيف، والقوة، والعظمة، اتخذ الشعراء صفة النهرين الواسعة، والشاملة لدلالة القوة، والعظمة، وتحميلهما الممدوح والشخصيات، والأحداث الجسام التاريخية الكبيرة؛ لما للنهر من قوة الجريان، وفيضان مياهه، فاستخدموا أساليب البيان، والتشبيه، والاستعارة، وحتى الغزل، وقد ظهر هذا التوظيف جليا في العصور الجاهلية الأولى، والعصر العباسي، الذي اشتهر بالمديح للخلفاء، والسياسيين، وممن يؤمل منهم التكسب، مثل ما عناه المتنبي:
ورد إذا ورد البحيرة شاربا سمع الفرات زئيره والنيل
وفي ممدوحة للبحتري يضفي عظمة نهر دجلة، وغزارة تدفقه إلى صفات الممدوح، وتشبيه كرمه بعظمة النهر:
أرض تتيه على السحاب إذا التقى سيحان في حجراتها أو نداكا
لم ترو دجلة ظمأة مني وقد جاورتها وتركت ذاك لذاكا
لكن دجلة كان شاهدا على غدر الأنام، وتقلب رياح الدهر وصروفه، حينما غزا المغول بغداد؛ فعاثوا فيها فسادا، وغدرا، وعمدوا إلى بيت الحكمة" مكتبة الأمين" ورموا بها، وبما حوت في نهر دجلة، حتى أزرقت مياهه، وفي هجاء جرير للأخطل التغلبي، ولقبيلة تغلب، وما تعرضت للقتل من الجحاف السلمي، فوجد جرير ذلك مدخلا لهجو الأخطل، وقد كان نهر دجلة شاهدا على الوقيعة بقوله:
فما زالت القَتْلى تَمُجُّ دماءَها بدِجْلَةَ، حتى ماءُ دِجْلةَ أَشْكَلُ
بِدِجلَةَ إِن كَرّوا فُقَيسٌ وَراءَهُم صُفوفاً وَإِن راموا المَخاضَةَ أَوحَلوا
لكن الجواهري خلد عطاء دجلة، وعظمته بحنينه إليها من وراء البحار، والبلدان البعيدة؛ ليكون شاهدا على الأحداث الأليمة، التي حلت بالعراق:
يا دجلة الخير: مَنِّيني بعاطفة وألْهِمينيَ سُلواناً يُسَلِّيني
يا دجلة الخير: من كل الأُلى خَبَروا بلوايَ لم ألفِ حتى من يواسيني
يا دجلةَ الخيرِ: خلِّي الموجَ مُرتفقاً طيفاً يمرُّ وإن بعضَ الأحايين
وفي حديثه عن الرحلات النهرية يجد البحتري الفرات طريقه إلى المجد والشهرة، والتكسب من يدي ممدوحه:
ركبوا الفرات إلى الفرات وأمّلوا جدلان يبدع في السماح ويغرب
وقول ابن الأعرابي:
رأت ناقتـي ماء الفرات بطيبه أمرَّ من الدفلى الزعاف وأمقرا
وحنت إلى الخابور لما رأت به صياح النبيط والسـفين المقيرا
ولعل من استوقفته ذكرى روافد نهر الفرات التي تنتمي إليه في تكوين مجرى النهر،
قول الفارعة بنت طريف الشيبانية في رثاء أخيها الوليد بن طريف، وكان قد خرج أيام الرشيد في الجزيرة الفراتية.
أيا شجر الخابور مالك مورقا كأنّك لم تجزع على ابن طريف
ومن لذيذ العشق، أن يمتزج القلب بالأمكنة، ويهوى روحها، ويحن ويشتاق إلى الجزيء منها، ولا غرابة، لأن المكان له حظوة العشق في النفس في تذكرة نحو أصول البعد الشاسعة، ولأن أطيار الفرات تهتف للمبعد عنها أن يعود، ويتغنى بها، وبسجعها رفع المتنبي سقف لفظه، ومخاطبته شخص الفرات:
شَوقي إِلَيكَ نَفى لَذيذَ هُجوعي فارَقتَني فَأَقامَ بَينَ ضُلوعي
أَوَ ما وَجَدتُم في الصَراةِ مُلوحَةً مِمّا أُرَقرِقُ في الفُراتِ دُموعي
ما زِلتُ أَحذَرُ مِن وَداعِكَ جاهِداً حَتّى اِغتَدى أَسَفي عَلى التَوديعِ
يحتضن الجبال، ثم يغدو ذاهبا نحو أودية كثرت فيها البساتين، والأطيار، يغرس الصحراء حبا ونشوة، فيخبر الغيم خيره وينميه، نهر كان اسمه باللغة اليونانية (تيكرس)، أما اسمه البابلي فهو (أدكلات)، وهو أصل تسميته بدجلة" البداية والنهاية لابن كثير".
ثم يتموج النهر خلف الأفق باسما بكورا، وتستحم الأطيار فيه عشية، والأفانين هزجة بالناظمين حولها الكلمات، فيعبر شط الأفق، نحو مغيب الغروب في دمعة الغيم الأسيفة، يتهادى خلف أشرعة الصحارى، وخلف الهبوب، ناشرا عبق الرياحين في اخضلال السهوب، ثم يكون النهران بلاد الهلال الخصيب، الذي لم حضارات وشعوبا، أسهمت في بناء المدن، والتاريخ، والأبجديات المختلفة، إلى أن هبت رياح الغدر على النهرين ثانية، حتى بات المسترسلون في الكراهية والعدوان لصوصا بين ضفتي النهرين، يقتنصون ماءهما غدرا، ويمنعون خيرهما ونداهما عنوة؛ فأصبحت الشطآن حزنى، والجزر الساكنة في قلبيهما حرقى، حتى غدا تغريد بلابلهما عويلا وصياحا على شجر الفرات الصامت، لكن الفرات دائما كان منتصرا عند الشاعر محمد مهدي الجواهري، الذي ترنمت شكواه تائهة بين رمل الفرات، وبين طينه، الذي حوى جور التاريخ وعدله في قصيدته المسماة «الفرات الطاغي»، التي نظمها عام 1935م ويقول في مطلعها:
وما الفرات بمسطاعٍ فمحتضدٍ ولا بمستعبد بالعنف يقتسر
كم من معارك شن الفن غارتها على الفرات ولكن كان ينتصر
هو الفرات وكم في أمره عجب في حالتيه وكم في آيه عبر
وإن عصف بهما ريح التجني تنثر غبار حقدها الآثم على ضفتيهما، وتحاصر الطهر في أطيارهما، فتمنع روح الحياة عن شطآنهما وأخاديدها، يظلان كاتمي الأسرار، ومواطن عشق الحضارات، التي ألفت فيهما الفنون، واللغات، ويزيلان بطهر مياههما أنجاس الخلائق على امتداد العصور، وقد رشف الشاعر محمد الفراتي رشفة من ماء النهر، الذي تطلبه دائما:
ذاك نهر الفرات فأحب القصيدا من جلال الخلود معنى فريدا
ذاك نهر الفرات ما ان له ند على الأرض ان طلبت نديدا
إيه يا بلْبُلٌ الفرات ترنَّم فوق شطآنه وحي الورودا



#عبدالله_رحيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ازدواجيَّةُ الحبِّ والتمرُّدِ في ديوان الشاعرة سعاد الصباح - ...
- صَعيدُ مصرَ في وجهِ حافظٍ ولألاءُ القصرِ في عَيْنَيِّ شَوقي
- الليل والنساء
- حب مجيد غائر في النفس
- فيروز لثغة ناي المراعي و تغريدة شحرور الشرق
- الزي العربي تنوع الثقافة بروح الأصالة
- البحث عن الله في قصة حي بن يثظان
- تزاحم الأفكار
- أهمية التدريب عند الإنسان
- العيد بشرى الخلائق وناموس نور الخالق
- حديث القلب والعقل في التذكُّر والانفعال
- نحن نقرأ... إذا نحن موجودون
- التفكك الأسري وسلبيته في المجتمع
- مدفع الإفطار إعلان التوقيت في رمضان
- هدية عيد المعلم
- ترنيمة هجرة الذهب الأبيض
- التأثّرات الفنيّة بين روايتي- في المنفى- لجورج سالم، و-المحا ...
- استرسال الذاكرة
- نـزهة المشـتاق إلى رحـاب مكـة المكـرمـة
- القاعدة النحوية بين الجدلية والخلاف


المزيد.....




- المخرج الأمريكي كوبولا على البساط الأحمر في مهرجان كان
- تحديات المسرح العربي في زمن الذكاء الصناعي
- بورتريه دموي لـ تشارلز الثالث يثير جدلا عاما
- -الحرب أولها الكلام-.. اللغة السودانية في ظلامية الخطاب الشع ...
- الجائزة الكبرى في مهرجان كان السينمائي.. ما حكايتها؟
- -موسكو الشرقية-.. كيف أصبحت هاربن الروسية صينية؟
- -جَنين جِنين- يفتتح فعاليات -النكبة سرديةٌ سينمائية-
- السفارة الروسية في بكين تشهد إزاحة الستار عن تمثالي الكاتبين ...
- الخارجية الروسية: القوات المسلحة الأوكرانية تستخدم المنشآت ا ...
- تولى التأليف والإخراج والإنتاج والتصوير.. هل نجح زاك سنايدر ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله رحيل - رافدان للحياة والجمال ورافدان لأسس العلوم والحضارات