أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله رحيل - حديث القلب والعقل في التذكُّر والانفعال















المزيد.....

حديث القلب والعقل في التذكُّر والانفعال


عبدالله رحيل

الحوار المتمدن-العدد: 7582 - 2023 / 4 / 15 - 13:59
المحور: الادب والفن
    


في ماهية واعتدال الذات البشرية، ينتج شطران لهما قوانين، وقيم شعورية في دوافع شتى لاستقامة منتجات النفس المدركة للعالم الخارجي، وما تصادفه من قيم معيارية في سيرورة الحياة، هذان الشطران هما أساس الفعل نحو بيئة إنسانية نبيلة إن اتفقا، وتعارف كل منهما بخصائص وطبيعة الآخر التكوينية، أما إذا حصل تعارض، ونفور من أحدهما نحو مالا يريده الآخر؛ فتحدث ثورة نحو الاندفاع اللامعقول، واللامنتمي لأسس الحياة النبيلة، ونحو الخراب والجريمة، والخروج من طريق الإنسانية نحو الضياع والتهلكة، ونحو الدمار المعرفي، الذي يقود إلى هاوية الرذيلة.
هما القلب والعقل، ولهما حديث طويل شائك في تفسير وتأويل أعمالهما، وتفضيل وطغيان أحدهما في قيادة الهوى على الآخر، حيث لا يتوانيان عن التمازج أو النفور، فيهما متناقضات وتوافق، فالعقل عند الإنسان في قمة الجسد، وهو المحرك الأعلى نحو القيم النبيلة، والقلب أسفله مائلا عنه قليلا إلى اليسار، وهذا ما يجعله في الأحيان الكثيرة معارضا له في الحس والأفعال، فهما ضفتا نهر يحفظان ماءه من الهدر والضياع، ويلزمان ماءه نحو الجريان السلس، واستمرارية التدفق، وإن ساءت الضفتان أو إحداهما فسيضيع الماء، ويهدر، ويحدث الجدب، والجفاف.
لذلك عد الفيلسوف اليوناني أرسطو القلب بيت العقل، والمنطق، والأحاسيس، والقلب عنده يمر بحالتين: إما الجفاف وإما الحرارة، وفي حالة الحرارة يكون القلب متّقداً، في توليده الأحاسيس والشغف إذا ما قورن بدور العقل، وقديما نسبت مقولة لأحد الساسة:" من لا يكون اشتراكياً في العشرين من العمر لا قلب له، ومن لا يتراجع عن ذلك، وهو في الأربعين فلا عقل له"، من هذه المقولة يتبدّى القلب مندفعاً نحو التجديد كشاب جموح نحو المجد والتغيير، لكن العقل مصفٍّ لذلك الجموح، ومنقيه في زمن الحكمة عند بلوغ المرء المجرّب لها.
وهناك على شاطئ الغروب حين يسود الأرض هدوء السماء، وسكون الرياح يجالسك جليس صدوق، يحدثك بالمنثور النظم من الكلام، شوقٌ وعشق، وهيام، ويعطيك الحلول لمصاعب النفس، ويفرز لك الغثَّ من السمين، وينقح لك أخلاق البشر، ويفضي لك أسرار الكون، ومن بديع خلق السماوات، ويأخذك نحو الفضاء الرحيب بلا واسطة، ويعطيك حلاوة الطهر والإيمان، ويصيرك عابدا زاهدا من مقتضيات الحياة كلها، ويغريك بأعذب المشاعر النبيلة، فيقربك من الحب والعشق لامرأة فائقة السحر والجمال، فيجعلك مقترنا بها، وينقيك من أنواع الدنس كلها، ويبرئك من الذنوب والخطايا أمام محكمة نفسك الداخلية، ذلك هو القلب، الذي لا يخضع لحكمة مملكة العقل.
ومن هذا التمازج الوظيفي والارتباط بين القلب، والعقل نرى هذه الماهية تجلت في معاني القرآن الكريم لمنهج القلب، ووظيفته في التذكر والتعقل، ولم تعد وظيفته قائمة على ضخ الدم كآلة في جسم المخلوق البشري، إنما تعدت وظيفته إلى وظيفة العقل في إصدار الأوامر، والتذكر ومعاني الصفح، والحب، والكراهية، وأمور نفسية أخرى.
وهذا المفهوم لروح القلب نجده موافقا للرأي العلمي الذي أثبته علماء الجراحة في زراعة القلب، الذين بينوا أن للقب دورا في الذاكرة، وتخزين المعلومات، كما للعقل من أهمية، وإن لنا في القرآن الكريم حكمة فيصل حول قيمة القلب، وقدرته على التعقل والتفهم يقوض فكرة تفرّد العقل بسلطة التعقُّل الكاملة، التي لا يشاركها معه أيٌّ من أعضاء الجسم الأخرى، بل يجعل القرآن القلب المشرف الرئيس على القدرة التعقلية، وإنه يميل في نهاية المطاف إلى القلب، لانفراده بالناحية الوجدانية بما في ذلك الأحاسيس والعواطف، وتعاونه مع العقل في الناحية الفكرية، بما في ذاك الفهم والإدراك، فمن ذلك نقف عند معاني الآيات حول قيمة القلب" أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا"
وآية أخرى: {لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا}، وآية أخرى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا}، {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى}؛ لو تدبّرنا تفسير هذه الآيات كلها، نجد أنها تجعل القلب محلّ العقْل، والفقْه، والبصيرة، والإرادة، والسكون، وهو رئيس البدن وخالص الروح الإنسانية؛ لذا قال أبو حامد الغزالي: "هو المدرك العالم العارف من الإنسان، وهو المخاطب والمعاتب والمطالب".
حينما نقرأ حديثا للرسول صلى الله عليه وسلم عن دور القلب في الجسد عامة:" أَلَا وَإِنَّ فِي الْإِنْسَانِ ‏ ‏مُضْغَةً ‏ ‏إِذَا صَلُحَتْ صَلُحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ" نقف بين أمرين لا ثالث لهما، بين دور العقل في الجسد، فهو محسوب أنه مركز المعلومات، ومركز التذكر والبيان والمعرفة، والإبداع والتعلم، وبين دور القلب، الذي يمكن أن نعده مركز الإحساس، والعواطف، والحب، والكره، واللطف، وتدفق العاطفة والرحمة، والشقاء، والأفكار الهدامة التي توسوس له النفس الأمارة بالسوء، و بهذين المعنين يكون القلب مسؤولا عن القيم النفسية، والصحية داخل جسم الإنسان.
وأما عن العلاقة بينهما، فقد بينها العلماء العرب الأقدمون، إنها علاقة تعلق القلب بالعقل، فقد قال القاضي أبو يعلى وأبو الحسن التميمي:" إن العقل في القلب يعلو نوره إلى الدماغ؛ فيفيض منه إلى الحواس ما جرى في العقل".
وقال ابن تيمية: إن أصل العقل في القلب، فإذا كمل انتهى إلى الدماغ، والتحقيق أن الروح التي هي النفس، لها تعلق بهذا وذاك... لكن مبدا الفكر والنظر في الدماغ، ومبدأ الإرادة في القلب..."
وقول عالم جراحة القلب أندرو أرمور في كتابه:"neurocardiology" إن هناك دماغا شديد التعقيد موجود داخل القلب، داخل كل خلية من خلايا القلب، ففي القلب أكثر من أربعين ألف خلية عصبية، تعمل بدقة فائقة على تنظيم معدل ضربات القلب، وإفراز الهرمون، وتخزين المعلومات، ثم يتم إرسال المعلومات إلى الدماغ، وهذه المعلومات تلعب دورا مهما في الفهم والإدراك".
فطوبى لمن توافقت العقول والقلوب لديهم، فقد احتووا أسباب الحكمة والهداية في بلوغ الرأي الرشيد، والسديد، ونيلهم درجة الصالحين، والحكماء في إنارة النفس بما يتلاءم مع حسن الخليقة، والتعامل، والتدارك، لما هو خير على وجه هذه المعمورة.



#عبدالله_رحيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحن نقرأ... إذا نحن موجودون
- التفكك الأسري وسلبيته في المجتمع
- مدفع الإفطار إعلان التوقيت في رمضان
- هدية عيد المعلم
- ترنيمة هجرة الذهب الأبيض
- التأثّرات الفنيّة بين روايتي- في المنفى- لجورج سالم، و-المحا ...
- استرسال الذاكرة
- نـزهة المشـتاق إلى رحـاب مكـة المكـرمـة
- القاعدة النحوية بين الجدلية والخلاف
- - في المنفى- لجورج سالم، و-المحاكمة- لفرانز كافكا. أوجه الشب ...
- عبد الله الفاضل تغريبة الصحراء وجور بني القربى
- قصيدة لميس نجد
- الحب نبض الحقيقة
- الأمنيات التي بددتها القوارب
- بدر شاكر السياب شاعر الحب والاغتراب
- العباءة زي الموروث وألفة الموضة
- الصعاليك في متون الصحارى
- المتنبي مالئ الدنيا وشاغل الناس
- الأثافي الثلاث
- أمل في سفر المحال


المزيد.....




- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...
- مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال ...
- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...
- اشتُهر بدوره في -أبو الطيب المتنبي-.. رحيل الفنان العراقي عا ...
- عبد الرحمن بن معمر يرحل عن تاريخ غني بالصحافة والثقافة
- -كذب أبيض- المغربي يفوز بجائزة مالمو للسينما العربية
- الوثائقي المغربي -كذب أبيض- يتوج بجائزة مهرجان مالمو للسينما ...
- لا تشمل الآثار العربية.. المتاحف الفرنسية تبحث إعادة قطع أثر ...
- بوغدانوف للبرهان: -مجلس السيادة السوداني- هو السلطة الشرعية ...
- مارسيل خليفة في بيت الفلسفة.. أوبرا لـ-جدارية درويش-


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله رحيل - حديث القلب والعقل في التذكُّر والانفعال