مراجعة دائرة في العراق

كاظم حسن سعيد
اديب وصحفي

الحوار المتمدن-العدد: 7714 - 2023 / 8 / 25 - 03:12
المحور: الادب والفن
    

اصبت بالقلق قبل موعدي بثلاثة ايام فانا رجل افضل تجرع كيس حنظل على مراجعة دائرة حكومية .
كنت اجمع اوراقا وصورا والقابا وكتب انساب والتقط صورا واهيء شجرة العائلة ..
واقتنيت حبوب الضغط والسكر والقولون والصداع .
كان عملي يبدأ من السادسة فجرا حتى منتصف الليل .. فهم يطلبون صورا لي بمواصفات وتقريرا عن المستوى الاخلاقي وعدد الاحياء و البيوت التي سكنتها حتى لقب جدي العشرين ولون العيون ..
وسيمر ملف سيرتي على مؤسسة المساءلة والعدالة ويطلبون جد جد امي ولقبها ونوع مذهبي وديني وعقد الزواج وصنف الدم وطابو البيت ان وجد او عقد الايجار واسماء مدارسي والتاكد باني لم استئصل مرارتي ..
هيأت قبعة او كوفية لاني سابقى ساعات في الانتظار تحت شمس حارقة مع رتل مراجعين لانهائي .. شهادة الجنسية .. البطاقة التموينية .. بطاقة السكن ..مستوى المرتب ..
وستمر معاملتي في انفاق وسكك حديد وكهوف ومستنقعات وجزر غير مؤهولة وربايا شوكية وقيعان سحيقة.. وستوقع عليها موظفات يعلكن ويضحكن من توتري وهن يتناولن الحلوى او السندويج وقد تمضي احداهن لتعديل زينتها لنصف ثم تعود لتوقع للشخص الثلاثين الذي يسبقني ... وقد تتعثر معاملتي امام موظف مرتش او فاسق تراجعه فتاة جميلة , عندها يؤجل موعدي ليوم اخر .
وحين يصل اخيرا ملفي الى المديرالمتكرش فعليه ان يجيب على عشرين مكالمة حتى ينفخ في الصور ..
تهلكني الشمس وتوهن عظامي ينصهر صبري واصاب بازمة الغثيان ولا استطيع الصراخ او الاحتجاج فالقانون قانون والنظام مقدس ..
ان ملفا اخر يشبه ملفي يمكن ان يسّوى بربع ساعة ان ارفق برنة هاتف فاعلة من احدهم ..
اما انا فعلي ان استعين بالسماء وكتب الزهاد وروح المتصوف ...
امضي لمراجعة الدائرة ومعي قاطرة من الوثائق حتى شهادة النجاح من الاول الابتدائي ومعي حتى صورة لخاتم جدتي النحاسي وخلخال امها وتاريخ عقد قرانها .. كل ذلك يجري لاستلم ورقة تثبت ولادتي في العراق وباني لست هجينا رغم ان البلد ازدحم بالمهجنين ..واجروا له الف عملية استئصال حتى لم اعد اعرفه .

#كاظم_حسن_سعيد (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل